تَمُرُّ ١٧ سَنَةً تَقْرِيبًا مُذْ بَاحَثَ يَسُوعُ ٱلْمُعَلِّمِينَ فِي ٱلْهَيْكَلِ بِعُمْرِ ١٢ سَنَةً.‏ اَلْوَقْتُ ٱلْآنَ هُوَ رَبِيعُ عَامِ ٢٩ ب‌م.‏ وَيُوحَنَّا قَرِيبُ يَسُوعَ هُوَ حَدِيثُ ٱلسَّاعَةِ؛‏ إِنَّهُ يَكْرِزُ فِي كُلِّ ٱلْمِنْطَقَةِ غَرْبَ نَهْرِ ٱلْأُرْدُنِّ.‏

يَسْتَقْطِبُ يُوحَنَّا ٱلِٱنْتِبَاهَ بِمَظْهَرِهِ وَكَلَامِهِ.‏ فَلِبَاسُهُ مِنْ وَبَرِ ٱلْجَمَلِ،‏ حَوْلَ خَصْرِهِ حِزَامٌ مِنْ جِلْدٍ،‏ وَطَعَامُهُ جَرَادٌ وَعَسَلٌ بَرِّيٌّ.‏ أَمَّا ٱلرِّسَالَةُ ٱلَّتِي يُنَادِي بِهَا فَهِيَ:‏ «تُوبُوا،‏ فَقَدِ ٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱلسَّمٰوَاتِ».‏ —‏ متى ٣:‏٢‏.‏

وَرِسَالَتُهُ هٰذِهِ تُثِيرُ ٱهْتِمَامَ سَامِعِيهِ ٱلَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ «أُورُشَلِيمَ وَكُلِّ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَكُلِّ ٱلْكُورَةِ ٱلْمُحِيطَةِ بِٱلْأُرْدُنِّ».‏ (‏متى ٣:‏٥‏)‏ فَيُدْرِكُ كَثِيرُونَ حَاجَتَهُمْ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ،‏ أَيْ إِلَى تَغْيِيرِ مَوَاقِفِهِمْ وَسُلُوكِهِمْ وَنَبْذِ نَمَطِ حَيَاتِهِمِ ٱلسَّابِقِ.‏ فَيُعَمِّدُهُمْ يُوحَنَّا مُغَطِّسًا إِيَّاهُمْ فِي نَهْرِ ٱلْأُرْدُنِّ.‏ وَلٰكِنْ مَا ٱلدَّاعِي إِلَى ٱلْمَعْمُودِيَّةِ؟‏

إِنَّهَا رَمْزٌ أَوِ ٱعْتِرَافٌ أَنَّهُمْ تَائِبُونَ تَوْبَةً صَادِقَةً عَنْ خَطَايَاهُمْ ضِدَّ عَهْدِ ٱلشَّرِيعَةِ.‏ (‏اعمال ١٩:‏٤‏)‏ وَلٰكِنْ لَا يَتَأَهَّلُ ٱلْجَمِيعُ لِهٰذِهِ ٱلْمَعْمُودِيَّةِ.‏ فَعِنْدَمَا يَأْتِي إِلَى يُوحَنَّا قَادَةٌ دِينِيُّونَ فَرِّيسِيُّونَ وَصَدُّوقِيُّونَ،‏ يَنْعَتُهُمْ ‹بِسُلَالَةِ ٱلْأَفَاعِي› وَيَحُثُّهُمْ:‏ «أَنْتِجُوا ثَمَرًا يَلِيقُ بِٱلتَّوْبَةِ،‏ وَلَا تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا لِأَنْفُسِكُمْ:‏ ‹لَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبًا›.‏ لِأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ ٱللّٰهَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هٰذِهِ ٱلْحِجَارَةِ أَوْلَادًا لِإِبْرَاهِيمَ.‏ إِنَّ ٱلْفَأْسَ قَدْ وُضِعَتْ عَلَى أَصْلِ ٱلشَّجَرِ،‏ فَكُلُّ شَجَرَةٍ لَا تُنْتِجُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي ٱلنَّارِ».‏ —‏ متى ٣:‏​٧-‏١٠‏.‏

وَبِمَا أَنَّ يُوحَنَّا يَحْظَى بِٱهْتِمَامٍ وَاسِعٍ وَيُنَادِي بِرِسَالَةٍ فَعَّالَةٍ وَيُعَمِّدُ كَثِيرِينَ،‏ يُرْسِلُ إِلَيْهِ ٱلْيَهُودُ كَهَنَةً وَلَاوِيِّينَ لِيَسْأَلُوهُ:‏ «مَنْ أَنْتَ؟‏».‏

فَيَعْتَرِفُ:‏ «أَنَا لَسْتُ ٱلْمَسِيحَ».‏

اَلْكَهَنَةُ وَٱللَّاوِيُّونَ:‏ «إِذًا مَاذَا؟‏ أَأَنْتَ إِيلِيَّا؟‏».‏

يُوحَنَّا:‏ «لَسْتُ أَنَا».‏

اَلْكَهَنَةُ وَٱللَّاوِيُّونَ:‏ «أَأَنْتَ ٱلنَّبِيُّ؟‏».‏ وَهُمْ يُشِيرُونَ إِلَى ٱلنَّبِيِّ ٱلْعَظِيمِ ٱلَّذِي أَنْبَأَ مُوسَى عَنْ مَجِيئِهِ.‏ —‏ تثنية ١٨:‏​١٥،‏ ١٨‏.‏

يَرُدُّ يُوحَنَّا:‏ «لَا!‏».‏

فَيُلِحُّونَ عَلَيْهِ:‏ «مَنْ أَنْتَ؟‏ لِنُعْطِيَ جَوَابًا لِلَّذِينَ أَرْسَلُونَا.‏ مَاذَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ؟‏».‏ يُجِيبُ:‏ «أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ:‏ ‹قَوِّمُوا طَرِيقَ يَهْوَهَ›،‏ كَمَا قَالَ إِشَعْيَا ٱلنَّبِيُّ».‏ —‏ يوحنا ١:‏​١٩-‏٢٣‏.‏

فَيَسْتَعْلِمُونَهُ:‏ «لِمَ تُعَمِّدُ إِذًا،‏ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ لَسْتَ ٱلْمَسِيحَ وَلَا إِيلِيَّا وَلَا ٱلنَّبِيَّ؟‏».‏ فَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ بِجَوَابٍ سَدِيدٍ:‏ «أَنَا أُعَمِّدُ بِمَاءٍ.‏ فِي وَسْطِكُمْ قَائِمٌ مَنْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ،‏ هُوَ ٱلْآتِي وَرَائِي».‏ —‏ يوحنا ١:‏​٢٥-‏٢٧‏.‏

فَبِٱلْفَمِ ٱلْمَلْآنِ يَعْتَرِفُ يُوحَنَّا أَنَّهُ يُعِدُّ ٱلطَّرِيقَ لِلْآتِي مِنْ بَعْدِهِ.‏ فَهُوَ يُسَاعِدُ ٱلنَّاسَ عَلَى تَبَنِّي مَوْقِفٍ قَلْبِيٍّ صَائِبٍ كَيْ يَقْبَلُوا ٱلْمَسِيَّا ٱلْمُنْبَأَ بِهِ ٱلَّذِي سَيُصْبِحُ مَلِكًا.‏ يَقُولُ يُوحَنَّا عَنْهُ:‏ «اَلْآتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي،‏ ٱلَّذِي لَسْتُ جَدِيرًا بِأَنْ أَخْلَعَ نَعْلَيْهِ».‏ (‏متى ٣:‏١١‏)‏ وَيَذْكُرُ أَيْضًا:‏ «اَلْآتِي وَرَائِي قَدْ تَقَدَّمَنِي،‏ لِأَنَّهُ وُجِدَ قَبْلِي».‏ —‏ يوحنا ١:‏١٥‏.‏

فَكَمْ رِسَالَةُ يُوحَنَّا فِي مَحَلِّهَا مُنَادِيًا:‏ «تُوبُوا،‏ فَقَدِ ٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱلسَّمٰوَاتِ»!‏ (‏متى ٣:‏٢‏)‏ إِنَّهَا بِمَثَابَةِ إِشْعَارٍ عَلَنِيٍّ أَنَّ ٱلْمَلِكَ ٱلْمُسْتَقْبَلِيَّ ٱلْمُعَيَّنَ مِنْ يَهْوَهَ،‏ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ،‏ يُوشِكُ أَنْ يَبْدَأَ خِدْمَتَهُ.‏