الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

‏«الحرب ليست لكم بل للّٰه»‏

‏«الحرب ليست لكم بل للّٰه»‏

‏«الحرب ليست لكم بل للّٰه»‏

كما رواها و.‏ ڠلِن هاو

خلال العقود الستة الماضية،‏ خاض شهود يهوه العديد من المعارك القانونية في كندا.‏ ولم تمرّ انتصاراتهم العديدة دون جذب انتباه المجتمع القانوني.‏ وقد منحتني مؤخرا نقابة محامي الموضوع الأميركية جائزة المحاماة الجريئة،‏ تقديرا للدور الذي لعبته في بعض هذه النضالات.‏ وفي حفل تسليم الجائزة،‏ أُعلن ان الدعاوى التي شملت شهود يهوه «شكَّلت حصونا هامّة ضد تطرُّف الدولة.‏ .‏ .‏،‏ لأنها انشأت قانون حقوق ضمنيا معترفا به شرعيا،‏ أقرّ بحريّات كل الكنديين وصانها».‏ دعوني أقصّ عليكم تفاصيل بعض هذه الدعاوى القضائية وأخبركم كيف دخلتُ ميدان الحقوق وصرت على صلة بشهود يهوه.‏

سنة ١٩٢٤ قام جورج ريكس،‏ احد تلاميذ الكتاب المقدس كما كان شهود يهوه يُدعَون آنذاك،‏ بزيارة أهلي في تورونتو،‏ كندا.‏ فدعته امي،‏ بسي هاو،‏ وهي امرأة قصيرة القامة،‏ الى الدخول من اجل مناقشة.‏ كنت في الخامسة من عمري،‏ وكان اخي جو في الثالثة.‏

وسرعان ما ابتدأت امي بحضور اجتماعات تلاميذ الكتاب المقدس في تورونتو.‏ وفي سنة ١٩٢٩ اصبحت فاتحة،‏ او خادمة كامل الوقت،‏ واستمرت في هذا النشاط حتى سنة ١٩٦٩،‏ عندما أنهت مسلكها الأرضي.‏ وخدمتها التي اتَّصفت بالعزم والمثابرة رسمت لنا مثالا جيدا وساعدت العديدين على الإقبال الى معرفة حق الكتاب المقدس.‏

كان ابي،‏ فرانك هاو،‏ رجلا هادئ الطبع،‏ وقد عارض في البداية نشاطات امي الدينية.‏ لكنَّ امي كانت بحكمة تدعو خداما جائلين،‏ مثل جورج يونڠ،‏ لزيارته والتحدُّث اليه.‏ وبمرور الوقت،‏ لان موقف ابي.‏ وإذ لاحظ تأثير حق الكتاب المقدس المفيد في عائلته،‏ صار داعما جدا،‏ مع انه لم يصبح شاهدا قط.‏

قراري ان اخدم اللّٰه

سنة ١٩٣٦،‏ تخرَّجت من المدرسة الثانوية.‏ وخلال سنوات مراهقتي،‏ لم اكن مهتما كثيرا بالأمور الروحية.‏ لقد كنا في وسط الأزمة الاقتصادية الكبرى،‏ وكانت امكانيات العمل سيئة.‏ فذهبت الى جامعة تورونتو.‏ وفي سنة ١٩٤٠،‏ قرَّرت الالتحاق بكلية الحقوق،‏ الأمر الذي لم يفاجئ امي.‏ فعندما كنت صغيرا،‏ كثيرا ما كانت تقول مغتاظة:‏ «ذلك المزعج الصغير يجادل في كل شيء!‏ سيصبح محاميا على الأرجح!‏».‏

في ٤ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٤٠،‏ قُبيل التحاقي بكلية الحقوق،‏ حظرت الحكومة الكندية عمل شهود يهوه دون انذار.‏ وقد شكَّل ذلك نقطة تحوُّل في حياتي.‏ فعندما استهدفت الحكومة بكل ثقلها هذه الهيئة الصغيرة من الابرياء المتواضعين،‏ اقنعني ذلك ان شهود يهوه هم اتباع يسوع الحقيقيون.‏ وكما انبأ،‏ كانوا «مبغضين من جميع الأمم من أجل [اسمه]».‏ (‏متى ٢٤:‏٩‏)‏ فقرَّرت ان اخدم الاله الذي وراء هذه الهيئة.‏ وفي ١٠ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٤١،‏ رمزت الى انتذاري ليهوه اللّٰه بمعمودية الماء.‏

اردت الانخراط مباشرة في عمل الفتح.‏ لكنّ جاك ناثان،‏ الذي كان ممَّن يأخذون القيادة آنذاك في العمل الكرازي في كندا،‏ شجَّعني على إكمال دراستي للحقوق.‏ وهذا ما فعلته،‏ وتخرَّجت في ايار (‏مايو)‏ ١٩٤٣،‏ ثم ابتدأت بالفتح.‏ وفي آب (‏اغسطس)‏،‏ دُعيت للخدمة في مكتب فرع جمعية برج المراقبة في تورونتو،‏ وللمساعدة في المشاكل القانونية التي كان شهود يهوه يواجهونها.‏ وفي الشهر التالي،‏ صرت عضوا في نقابة المحامين في اونتاريو،‏ كندا.‏

الدفاع عن البشارة قانونيا

كانت الحرب العالمية الثانية محتدمة،‏ وعمل الشهود لا يزال محظورا في كندا.‏ وكان الرجال والنساء يُسجنون لمجرد كونهم شهودا ليهوه.‏ وكان الأولاد يُطردون من المدرسة،‏ حتى ان البعض وُضعوا في عهدة اشخاص آخرين غير عائلاتهم،‏ لأنهم رفضوا الانهماك في اشكال العبادة الوطنية،‏ كتحية العلم او انشاد النشيد الوطني.‏ قال الپروفسور وليَم كاپلن،‏ في كتابه الدولة والخلاص:‏ شهود يهوه ونضالهم من اجل الحقوق المدنيَّة:‏ ‏«شُتم الشهود علانية وكانوا هدفا لمكافحة الدولة واعتداءات الافراد،‏ على يد حكومة متحاملة ومواطنين يجاهرون بعدائهم،‏ هم اسرى الانفعالات الشديدة والنعرة الوطنية التي تولِّدها الحرب».‏

كان الشهود يسعون لرفع الحظر ولكن دون جدوى.‏ وفجأة،‏ رُفع الحظر في ١٤ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٤٣.‏ ومع ذلك،‏ كان الشهود لا يزالون في السجون ومعسكرات العمل الالزامي،‏ والأولاد محرومين من الدخول الى المدارس الرسمية.‏ واستمرَّ الحظر على جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس،‏ وجمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم،‏ وهي الجمعية التي كانت تملك حق ملكيتنا في تورونتو.‏

في اواخر سنة ١٩٤٣،‏ سافرت الى نيويورك برفقة پيرسي تشاپمن،‏ الذي كان آنذاك خادم الفرع في كندا،‏ لاستشارة ناثان نور،‏ رئيس جمعية برج المراقبة آنذاك،‏ وهايدن كوڤنڠتن،‏ نائب رئيس الجمعية ومحاميها.‏ كان للأخ كوڤنڠتن خبرة واسعة في ميدان الحقوق.‏ وقد ربح في النهاية ٣٦ استئنافا من اصل ٤٥ امام المحكمة العليا في الولايات المتحدة.‏

بالنسبة الى الشهود في كندا اتى الفرج تدريجيا.‏ ففي سنة ١٩٤٤،‏ استُردّت ملكيَّة الفرع في تورونتو،‏ وعاد الذين كانوا يخدمون هناك قبل الحظر.‏ وفي سنة ١٩٤٥،‏ اعلنت المحكمة العليا لمقاطعة اونتاريو ان الأولاد ليسوا مجبرين على الاشتراك في ممارسات تتعارض مع ضميرهم.‏ وأمرت بأن يُعاد الأولاد المطرودون الى مدارسهم.‏ وأخيرا،‏ سنة ١٩٤٦ اطلقت الحكومة الكندية سراح كل الشهود من معسكرات العمل الالزامي.‏ وتحت توجيه الأخ كوڤنڠتن تعلَّمت ان اخوض هذه القضايا بشجاعة وعزم،‏ ولكن قبل كل شيء بالاتِّكال على يهوه.‏

معركة كيبك

في حين صارت حرية شهود يهوه الدينية محترمة في معظم انحاء كندا،‏ كان لا يزال هنالك استثناء واحد —‏ مقاطعة كيبك الكاثوليكية الفرنسية.‏ فقد سيطرت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية مباشرة على هذه المقاطعة لأكثر من ٣٠٠ سنة.‏ فالمدارس،‏ المستشفيات،‏ وأغلب المرافق العامَّة كان يديرها او يسيطر عليها رجال الدين.‏ وكان يوجد كرسي للكردينال الكاثوليكي بجانب كرسي رئيس مجلس النوَّاب في هيئة كيبك التشريعية!‏

كان موريس دوپلِسّي،‏ رئيس الوزراء والمدّعي العام في كيبك،‏ دِكتاتورا فرض على المقاطعة،‏ بحسب المؤرِّخ الكيبكي جيرار پلتييه،‏ «عهدا دام عشرين سنة سادته الأكاذيب،‏ الظلم والفساد،‏ الإساءة المتعمدة لاستعمال السلطة،‏ سيطرة اشخاص ضيِّقي التفكير وانتصار الحماقة».‏ وقد عزَّز دوپلِسّي سلطته السياسيّة عاملا يدا بيد مع الكردينال الكاثوليكي الروماني ڤيلّنوڤ.‏

في اوائل اربعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ كان هنالك ٣٠٠ شاهد في كيبك.‏ وكان العديدون منهم،‏ بمن فيهم اخي جو،‏ فاتحين من انحاء اخرى من كندا.‏ وإذ ازداد عمل الكرازة في كيبك،‏ كان ردّ الشرطة المحلية،‏ تحت ضغط من رجال الدين،‏ ان اضطهدت الشهود معتقلة اياهم تكرارا ومسيئة تطبيق القوانين التجاريَّة المحلية على نشاطاتنا الدينية.‏

كنت اسافر كثيرا بين تورونتو وكيبك،‏ ولذلك عُيِّنت اخيرا للانتقال الى كيبك لمساعدة المحامين غير الشهود الذين كانوا يمثِّلون اخوتنا وأخواتنا المسيحيين.‏ كانت مهمتي الأولى كل يوم معرفة عدد الشهود الذين أُوقفوا في اليوم السابق والإسراع الى دار المحكمة المحلية للترتيب لكفالة.‏ ولحسن التوفيق،‏ زوَّدنا شاهد ثري،‏ يدعى فرانك رونكريلي،‏ بالمال من اجل الكفالة في العديد من هذه القضايا.‏

من سنة ١٩٤٤ الى سنة ١٩٤٦،‏ ارتفع عدد الدعاوى على المخالفات المزعومة للقوانين المحلية من ٤٠ الى ٨٠٠ دعوة!‏ ولم تكن السلطات العامة تعتقل وتضطهد الشهود باستمرار فحسب،‏ بل كان الرعاع الجامحون،‏ بتحريض من رجال الدين الكاثوليك،‏ يهاجمونهم ايضا.‏

في ٢ و ٣ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٤٦،‏ عُقد اجتماع خصوصي في مونتريال لمعالجة هذه الأزمة.‏ وألقى الأخ نور الخطاب الأخير بعنوان «ماذا سنفعل؟‏».‏ وقد سُرَّ جميع الحاضرين بجوابه،‏ اذ قرأ جهارا الوثيقة التاريخية بغض كيبك المتَّقد للّٰه والمسيح والحرية هو عار كل كندا.‏ انها نشرة ناريَّة من اربع صفحات ‏—‏ بيان يفصِّل بالاسماء والتواريخ والاماكن اعمالَ الشغب،‏ وحشية رجال الشرطة،‏ الاعتقالات،‏ وعنف الرّعاع التي حرَّض عليها رجال الدين ضد شهود يهوه في كيبك.‏ وقد ابتدأ التوزيع في كل انحاء كندا بعد ١٢ يوما فقط.‏

وفي غضون ايام،‏ اعلن دوپلِسّي «حربا دون رحمة» على شهود يهوه.‏ لكنَّه عمل عن غير قصد لمصلحتنا.‏ وكيف ذلك؟‏ بإيعازه ان اي شخص يوزِّع نشرة بغض كيبك المتَّقد يُتَّهم بالتحريض على الفتنة —‏ جريمة خطِرة جدا تحيلنا من محاكم كيبك الى محكمة كندا العليا.‏ ففي خضم غضبه،‏ تجاهل دوپلِسّي بتهوُّر تلك النتيجة.‏ ثم امر شخصيا بإلغاء رخصة بيع الكحول التي لفرانك رونكريلي الذي كان مصدرنا الرئيسي لمال الكفالات.‏ وبعدم توفُّر الخمر،‏ أُغلق مطعم الأخ رونكريلي الجيد في مونتريال بعد اشهر قليلة،‏ وبات مُفلسا.‏

وتضاعفت الاعتقالات.‏ فعوضا عن ٨٠٠ دعوى،‏ سرعان ما واجهنا ٦٠٠‏,١.‏ وتذمّر العديد من المحامين والقضاة بأن كل قضايا شهود يهوه هذه تملأ محاكم كيبك.‏ وردا على ذلك،‏ اقترحنا حلّا سهلا:‏ لتعتقل الشرطة المجرمين بدلا من المسيحيين.‏ فذلك سيحلّ المشكلة!‏

وثمة محاميان شجاعان،‏ أ.‏ ل.‏ ستاين من مونتريال وسام س.‏ بارد من مدينة كيبك،‏ ساعدانا بالدفاع عنا في قضايا عديدة،‏ وخصوصا قبل دخولي نقابة المحامين في كيبك سنة ١٩٤٩.‏ وكتب پيار إليوت ترودو،‏ الذي صار لاحقا رئيس وزراء كندا،‏ ان شهود يهوه في كيبك «هُزئ بهم،‏ اضطُهدوا،‏ وكانوا مبغضين من مجتمعنا بكامله؛‏ لكنَّهم تمكَّنوا بالوسائل القانونية من مواجهة الكنيسة،‏ الحكومة،‏ الشعب،‏ الشرطة،‏ والرأي العام».‏

كان موقف محاكم كيبك واضحا في معاملة اخي جو.‏ فقد اتُّهم بتعكير السلام.‏ وحكم عليه القاضي المحلي جان مرسييه بالعقوبة القصوى،‏ اي ٦٠ يوما في السجن.‏ ثم صاح من على المنصة،‏ وقد فقد السيطرة على نفسه تماما،‏ انه يتمنّى لو يستطيع ان يحكم على جو بالسجن المؤبد!‏

وقالت احدى الصحف ان مرسييه امر شرطة كيبك «باعتقال كل من هو معروف او يُشتبه فيه أنه شاهد،‏ فور رؤيته».‏ وقد اثبت تصرُّف كهذا صحة الاتهامات المعروضة في نشرتنا بغض كيبك المتَّقد.‏ وإليكم بعض العناوين الرئيسية النموذجية في الصحف الكندية خارج كيبك:‏ «عودة العصور المظلمة الى كيبك» (‏ذا تورونتو ستار،‏ ‏[بالانكليزية])‏،‏ «عودة محكمة التفتيش» (‏ذا ڠلوب آند ميل ‏[بالانكليزية]،‏ تورونتو)‏،‏ «نتانة الفاشية» (‏ذا ڠازِت ‏[بالانكليزية]،‏ ڠلاس باي،‏ نوڤا سكوتيا)‏.‏

المدافعة ضد تهمة التحريض على الفتنة

سنة ١٩٤٧،‏ ساعدتُ السيد ستاين في المدافعة عن ايميه بوشيه المتّهم بالتحريض على الفتنة،‏ وكانت قضيتنا هذه الاولى من نوعها.‏ لقد وزَّع ايميه بعض النشرات قرب منزله.‏ وفي محاكمة ايميه،‏ اثبتنا ان نشرة بغض كيبك المتَّقد لم تعرض الأكاذيب،‏ إنما استنكرت استنكارا شديد اللهجة الأعمال الوحشية التي ارتُكبت ضد شهود يهوه.‏ وأظهرنا انه لم تُوجَّه اية تهمة قط ضد الذين ارتكبوا هذه الأعمال الوحشية.‏ مع ذلك،‏ أُدين ايميه لمجرَّد نشرها.‏ وقد عنى موقف المدَّعين ما يلي:‏ اصبح من الجرم قول الحقيقة!‏

لقد استندت محاكم كيبك على تعريف مبهم لـ‍ «التحريض على الفتنة» عمره ٣٥٠ سنة،‏ اوحى بأنه يمكن تجريم اي شخص ينتقد الحكومة.‏ واستند دوپلِسّي ايضا على ذلك التعريف لقمع انتقاد نظام حكمه.‏ ولكن في سنة ١٩٥٠،‏ قبلت محكمة كندا العليا الوثيقة التي عرضناها ان «التحريض على الفتنة» في الديموقراطية الحديثة يقتضي التحريض على العنف او التمرّد على الحكومة.‏ ولم تحتوِ النشرة بغض كيبك المتَّقد تحريضات كهذه،‏ بل كانت شكلا شرعيا لحرية القول.‏ وبإصدار هذا القرار البالغ الأهمية،‏ رُفض النظر في قضايا «التحريض على الفتنة» الـ‍ ١٢٣ جميعا!‏ لقد رأيت بأم عيني كيف حقّق يهوه النصر.‏

المعركة ضد الرقابة

كان لمدينة كيبك قانون محلي يمنع توزيع المطبوعات دون اذن رئيس الشرطة.‏ كان ذلك رقابة مباشرة للمطبوعات،‏ مما يعني انتهاكا للحرية الدينية.‏ وبموجب هذا القانون سُجن لورييه سومور،‏ ناظر جائل آنذاك،‏ ثلاثة اشهر وواجه تُهما اخرى عديدة.‏

سنة ١٩٤٧،‏ رُفعت دعوى مدنيَّة باسم الأخ سومور لمنع مدينة كيبك من تطبيق قانونها ضد شهود يهوه.‏ فحكمت محاكم كيبك ضدنا،‏ لكننا مجددا استأنفنا الحكم لدى محكمة كندا العليا.‏ وفي تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ سنة ١٩٥٣،‏ بعد انعقاد جلسة استماع لسبعة ايام امام القضاة التسعة لتلك المحكمة،‏ استُجيب طلبنا.‏ فقد اقرّت المحكمة بأن توزيع عظات مطبوعة مؤسسة على الكتاب المقدس هو جزء اساسي من عبادة شهود يهوه المسيحية،‏ ولذلك فهو محمي شرعيا من الرقابة.‏

وهكذا،‏ قرَّرت قضية بوشيه ان ما يقوله شهود يهوه مجاز شرعا،‏ ولكنَّ قرار قضية سومور نصَّ كيف و أين يمكن قوله.‏ وقد ادَّى النصر في قضية سومور الى اسقاط اكثر من ١٠٠‏,١ تهمة مؤسسة على القوانين المحلية في كيبك.‏ وسُحب ايضا اكثر من ٥٠٠ تهمة في مونتريال بسبب النَّقص الكامل في الأدلَّة.‏ وسرعان ما سقطت كل الاتهامات ولم يعد هنالك اية دعاوى في كيبك!‏

هجوم دوپلِسّي الأخير

إذ لم يعد هنالك المزيد من القوانين لاستعمالها ضد شهود يهوه،‏ طرح دوپلِسّي على السلطة التشريعية في اوائل كانون الثاني (‏يناير)‏ سنة ١٩٥٤ قانونا جديدا،‏ مشروع القانون رقم ٣٨،‏ وصفته وسائل الاعلام بالـ‍ ‹القانون المضاد لشهود يهوه›.‏ وهو ينصّ على ان الذين يشتبهون في احد انه ينوي نقل رسالة «مسيئة او مهينة»،‏ يمكنهم تقديم شكوى دون الحاجة الى تقديم اي اثبات.‏ وكمدعٍ عام،‏ كان باستطاعة دوپلِسّي آنذاك الحصول على امر قضائي يمنع المتَّهَم من قول اي شيء علنا.‏ وما ان يصدر هذا الأمر ضد فرد حتى يُحرَّم ايضا على كل الأعضاء المنتمين الى كنيسة هذا الفرد ان يتكلموا.‏ وبالإضافة الى ذلك،‏ تُصادَر وتُتلَف كل الكتب المقدسة والمطبوعات الدينية لهذه الكنيسة،‏ وتُغلق كل اماكن العبادة التابعة لها حتى تُبتّ القضية،‏ ممّا قد يستلزم سنوات.‏

كان مشروع القانون رقم ٣٨ نسخة عن قانون وُضع في القرن الـ‍ ١٥ في عهد رئيس محكمة التفتيش الاسپانية توركيمادا.‏ وكان المتَّهَم وكل زملائه يخسرون بموجبه كل حقوقهم المدنيَّة دون اي اثبات على وجود مخالفة.‏ وفي ما يختص بمشروع القانون رقم ٣٨،‏ اعلنت الصحافة ان شرطة المقاطعة أُمرت بإغلاق كل قاعات ملكوت شهود يهوه ومصادرة كتبهم المقدسة ومطبوعاتهم الأخرى وإتلافها.‏ وفي وجه هذا التهديد الفظيع،‏ نقل شهود يهوه كل مطبوعاتهم الدينية الى خارج المقاطعة.‏ غير انهم تابعوا كرازتهم العلنية مستعينين بنسخهم الخاصة من الكتاب المقدس فقط.‏

أُقر مشروع القانون في ٢٨ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٥٤.‏ وفي ٢٩ كانون الثاني عند الساعة ٠٠:‏٩ صباحا،‏ كنت عند باب المحكمة لرفع دعوى باسم كل شهود يهوه في مقاطعة كيبك،‏ بهدف الحصول على امر قضائي دائم مضاد لهذا القانون،‏ حتى قبل ان يتمكَّن دوپلِسّي من تطبيقه.‏ لكن القاضي لم يمنحنا هذا الأمر ولا حتى مؤقتا،‏ لأن مشروع القانون رقم ٣٨ لم يكن قد طُبِّق بعد.‏ لكنه قال انه اذا حاولَت الحكومة تطبيقه،‏ فبإمكاني العودة اليه من اجل الحماية.‏ وهكذا،‏ كان موقف القاضي بمثابة امر قضائي مؤقت،‏ من شأنه ان يمنع دوپلِسّي من تطبيق هذا القانون ما ان يحاول ذلك!‏

وخلال الأسبوع التالي،‏ انتظرنا لنرى هل تتَّخذ الشرطة اي اجراء بموجب هذا القانون الجديد.‏ لكنَّ شيئا لم يحدث!‏ ولاكتشاف السبب،‏ رتَّبت للقيام بتجربة.‏ فقد ذهبت فاتحتان،‏ ڤيكتوريا دوڠَلوك (‏لاحقا ستيل)‏ وهيلِن دوڠَلوك (‏لاحقا سيمكوكْس)‏،‏ من بيت الى بيت في تروا ريڤيير،‏ مسقط رأس دوپلِسّي،‏ ومعهما مطبوعات‏.‏ ومجددا،‏ لم تظهر اي ردود فعل.‏ وفي الوقت الذي كانت فيه الأختان تقومان بهذا العمل،‏ طلبت من لورييه سومور الاتصال بشرطة المقاطعة.‏ ومن غير ان يعرِّف بنفسه،‏ تشكّى ان شهود يهوه يكرزون وأن الشرطة لا تنفِّذ قانون دوپلِسّي الجديد.‏

فأجاب الشرطي المسؤول بارتباك:‏ «نعم،‏ نعلم ان القانون قد أُقرّ،‏ ولكن في اليوم التالي حصل شهود يهوه على امر قضائي ضدنا،‏ لذلك لا يسعنا ان نفعل شيئا».‏ وفورا،‏ اعدنا مطبوعاتنا الى المقاطعة،‏ وخلال السنوات العشر التي استؤنفت فيها هذه القضية لدى المحاكم،‏ تقدَّم عملنا الكرازي بنجاح.‏

وبالإضافة الى الأمر القضائي،‏ سعينا الى استصدار قرار يحكم بعدم دستوريّة مشروع القانون رقم ٣٨.‏ ولإثبات ان هذا القانون هو لاستهداف شهود يهوه مباشرة،‏ قرَّرنا الإقدام على خطوة جريئة —‏ استدعاء دوپلِسّي بنفسه،‏ مرغمين اياه على حضور المحاكمة والإدلاء بشهادته.‏ فاستجوبته مدة ساعتين ونصف.‏ وتكرارا،‏ جابهته وجها لوجه بتصريحاته التي اعلن فيها «حربا دون رحمة على شهود يهوه»،‏ وتصريحه بأن مشروع القانون رقم ٣٨ سيكون نهاية شهود يهوه في كيبك.‏ وإذ امتلأ غيظا،‏ هاجمني شخصيا قائلا:‏ «انك شاب وقح للغاية!‏».‏

أجبته:‏ «سيد دوپلِسّي،‏ لو كنا نناقش الشخصيات،‏ لكان لديَّ انا ايضا بعض الملاحظات في هذا الخصوص.‏ ولكن بما اننا بصدد مسائل اهمّ،‏ فهلّا تشرح للمحكمة من فضلك لماذا لم تجب عن السؤال الأخير».‏

سنة ١٩٦٤،‏ رافعت في محكمة كندا العليا في مشروع القانون رقم ٣٨.‏ ولكنهم امتنعوا عن الحكم في دستوريّته لأن القانون لم يُطبَّق قط.‏ ولكن بحلول ذلك الوقت،‏ كان دوپلِسّي قد مات،‏ ولم يعد احد يبالي بمشروع القانون رقم ٣٨.‏ ولم يُستعمل قط ضد شهود يهوه او اي شخص آخر.‏

وقُبيل موت دوپلِسّي سنة ١٩٥٩،‏ امرته محكمة كندا العليا بدفع تعويضات عطل وضرر الى الأخ رونكريلي،‏ اذ ألغى بشكل غير شرعي رخصته لبيع الكحول.‏ ومنذ ذلك الوقت،‏ صار العديد من الناس في كيبك ودودين للغاية.‏ وبحسب احصاء حكومي،‏ ارتفع عدد الشهود هناك من ٣٠٠ في سنة ١٩٤٣ الى اكثر من ٠٠٠‏,٣٣ اليوم.‏ وشهود يهوه مسجَّلون اليوم كرابع اكبر فريق ديني في المقاطعة.‏ وأنا لا اعتبر هذه الانتصارات القانونية او نجاح خدمة شهود يهوه إنجازات بشرية.‏ وبدلا من ذلك،‏ لقد ثبت عندي ان يهوه يعطي النصر،‏ لأن الحرب ليست لنا بل للّٰه.‏ —‏ ٢ أخبار الايام ٢٠:‏١٥‏.‏

تغيير في الظروف

سنة ١٩٥٤،‏ تزوَّجت بفاتحة جذابة من انكلترا،‏ مارڠريت بيڠل،‏ وانخرطنا معا في عمل الفتح.‏ وواصلت تمثيل شهود يهوه في القضايا القضائية في كندا والولايات المتحدة على السواء،‏ والعمل كمستشار في بعض القضايا في اوروپا وأوستراليا.‏ وأصبحت مارڠريت سكرتيرتي وكانت لسنوات عديدة مصدر دعم لا يُقدَّر بثمن.‏ وفي سنة ١٩٨٤،‏ عدتُ برفقة مارڠريت للعيش في فرع كندا،‏ وساعدت في إعادة تأسيس قسم القضايا القانونية.‏ ومن المحزن انه في سنة ١٩٨٧،‏ ماتت مارڠريت من السرطان.‏

بعد موت امي سنة ١٩٦٩،‏ تولّى اخي جو وامرأته ألسي،‏ اللذان دُرِّبا كلاهما كمرسلين في الصف التاسع من مدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس،‏ الاعتناء بأبي في بيتهما حتى موته بعد ١٦ سنة.‏ وبتضحيتهما بالذات،‏ مكَّناني من البقاء في الخدمة كامل الوقت،‏ الأمر الذي سأشكرهما عليه دوما.‏

معارك مستمرَّة

على مرّ السنين،‏ تغيَّرت المعارك القانونية التي يخوضها شهود يهوه.‏ فقد شمل العديد من القضايا اقتناء الملكيّات والحصول على رُخص لبناء قاعات الملكوت وقاعات المحافل.‏ وشملت قضايا اخرى الخلافات المتعلِّقة بالوصاية على الأولاد التي استعمل فيها الوالدون غير الشهود التعصب الديني الأعمى إما لربح الوصاية المنفردة،‏ او لمنع الوالدين الشهود من تعليم اولادهم المعتقدات والممارسات الدينية النافعة.‏

سنة ١٩٨٩،‏ اتت محامية اميركية،‏ ليندا مانينڠ،‏ الى فرع كندا لتقديم مساعدة وقتية في الشؤون القانونية.‏ فتزوَّجنا في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ من تلك السنة،‏ ونحن هنا نخدم معا بفرح منذ ذلك الوقت.‏

وفي تسعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ ذهبت الى اليابان برفقة جون بورنز،‏ محام زميل لي في فرع كندا،‏ وساعدْنا اخواننا المسيحيين هناك على ربح قضية دستورية تشمل حرية تلميذ في عدم الاشتراك في صفوف فنون القتال التي تطلَّبتها مدرسته.‏ وقد ربحنا ايضا دعوى تتعلَّق بحق راشد في رفض نقل الدم.‏

ثم سنة ١٩٩٥ و ١٩٩٦،‏ حصلنا ليندا وأنا على امتياز قضاء خمسة اشهر في سنڠافورة بسبب الحظر على شهود يهوه في ذلك البلد والدعاوى الناجمة عنه.‏ دافعت عن ٦٤ رجلا وامرأة وحدثا واجهوا اتِّهامات جنائية لحضورهم اجتماعات مسيحية وامتلاكهم كتبا مقدَّسة ومطبوعات دينية.‏ لم نربح ايّا من هذه الدعاوى،‏ لكننا رأينا كيف شدَّد يهوه خدامه الأمناء للاحتمال باستقامة وفرح.‏

شاكر على حيازتي فرصة للمساهمة

بلغت الـ‍ ٨٠ من العمر،‏ وأنا أبتهج لأنني بصحة جيِّدة وما زلت قادرا على المساهمة في الدفاع القانوني عن شعب يهوه.‏ وما زلت دائما مستعدا للذهاب الى المحكمة والوقوف الى جانب ما هو حق.‏ وكم انا مسرور اذ رأيت عدد الشهود في كندا ينمو من ٠٠٠‏,٤ في سنة ١٩٤٠ الى ٠٠٠‏,١١١ في الوقت الحاضر.‏ فالناس والأحداث الجارية يتغيَّرون باستمرار،‏ لكنّ يهوه يواصل قيادة شعبه نحو الأمام،‏ للازدهار روحيا.‏

وهل هنالك مشاكل؟‏ نعم،‏ لكنَّ كلمة يهوه تطمئننا:‏ «كل آلة صُوِّرت ضدكِ لا تنجح».‏ (‏اشعياء ٥٤:‏١٧‏)‏ وعلى اساس السنوات التي تزيد على الـ‍ ٥٦ التي قضيتها في الخدمة كامل الوقت ‹مدافعا عن البشارة ومثبّتا اياها قانونيا›،‏ يمكنني ان اشهد كم صحيحة هي نبوة اشعيا!‏ —‏ فيلبي ١:‏٧‏.‏

‏[الصورة في الصفحة ١٩]‏

مع اخي الأصغر وأهلنا

‏[الصورة في الصفحة ١٩]‏

هايدن كوڤنڠتن،‏ محامي الجمعية

‏[الصورة في الصفحة ١٩]‏

مع ناثان نور

‏[الصورة في الصفحة ٢١]‏

دوپلِسّي جاثيا امام الكردينال ڤيلّنوڤ

‏[مصدر الصورة]‏

Photo by W.‎ R.‎ Edwards

‏[الصورة في الصفحتين ٢٠ و ٢١]‏

فرانك رونكريلي

‏[مصدر الصورة]‏

Courtesy Canada Wide

‏[الصور في الصفحة ٢٠]‏

ايميه بوشيه

‏[الصورة في الصفحة ٢٤]‏

مع زميلَيَّ المحاميَيْن جون بورنز وزوجتي ليندا