الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

هل يناقض الكتاب المقدس ذاته؟‏

هل يناقض الكتاب المقدس ذاته؟‏

الفصل ٧

هل يناقض الكتاب المقدس ذاته؟‏

ان التهمة الموجَّهة غالبا ضد الكتاب المقدس هي انه يناقض ذاته.‏ وعادة فإن الناس الذين يوجِّهون هذه التهمة لم يقرأوا الكتاب المقدس شخصيا؛‏ وهم يكرِّرون فقط ما قد سمعوه.‏ غير ان البعض وجدوا ما يبدو انه تناقضات حقيقية وهم ينزعجون منها.‏

١ و ٢ (‏اشمل المقدمة.‏)‏ (‏أ)‏ اية تهمة توجَّه غالبا ضد الكتاب المقدس؟‏ (‏ب)‏ في مقارنة مقاطع الكتاب المقدس المختلفة،‏ ماذا يجب ان نتذكر؟‏ (‏ج)‏ ما هي بعض الاسباب التي من اجلها يوجد احيانا اختلاف في الطريقة التي يخبر بها كاتبان للكتاب المقدس عن الحادثة نفسها؟‏

فإذا كان حقا كلمة اللّٰه يجب ان يكون الكتاب المقدس منسجما لا متناقضا.‏ لماذا،‏ اذًا،‏ تبدو بعض المقاطع مناقضة للأخرى؟‏ للإجابة يلزم ان نتذكر انه،‏ فيما يكون الكتاب المقدس كلمة اللّٰه،‏ فقد دُوِّن بواسطة عدد من الرجال على مرِّ فترةِ قرونٍ عديدة.‏ وهؤلاء الكتبة كانت لهم خلفيَّات وأساليب كتابة ومواهب مختلفة،‏ وجميع هذه الاختلافات انعكست في الكتابة.‏

٢ وفضلا عن ذلك،‏ اذا ناقش كاتبان او اكثر الحادثة نفسها،‏ قد يشمل الواحد تفاصيل يحذفها الآخر.‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ يعرض الكتبة المختلفون موضوع البحث بطرائق مختلفة.‏ فقد يدوِّنه الواحد بحسب الترتيب الزمني،‏ فيما قد يتبع الآخر ترتيبا مختلفا.‏ وفي هذا الفصل سنعرض بعض التناقضات المزعومة في الكتاب المقدس ونتأمَّل كيف يمكن التوفيق بينها،‏ آخذين الاعتبارات الآنفة في الحسبان.‏

شهود مستقلّون

٣ و ٤ في ما يتعلَّق بقائد المئة الذي كان غلامه مريضا،‏ اي تعارض ظاهري يوجد بين رواية متّى وتلك التي للوقا،‏ وكيف يمكن التوفيق بين هاتين الروايتين؟‏

٣ ان بعض «التناقضات» ينشأ عندما تكون لدينا روايتان او اكثر للحادث نفسه.‏ على سبيل المثال،‏ في متى ٨:‏٥ نقرأ انه عندما دخل يسوع كفرناحوم «جاء اليه قائد مئة يطلب اليه،‏» سائلا يسوع ان يشفي غلامه.‏ أمَّا في لوقا ٧:‏٣ فنقرأ عن قائد المئة هذا انه «ارسل اليه شيوخ اليهود يسأل [يسوع] ان يأتي ويشفي عبده.‏» فهل كلَّم قائد المئة يسوع،‏ أم هل ارسل الشيوخ؟‏

٤ الجواب،‏ بوضوح،‏ هو ان الرجل ارسل شيوخ اليهود.‏ لماذا،‏ اذًا،‏ يقول متّى ان الرجل نفسه طلب الى يسوع؟‏ لأن الرجل،‏ بالفعل،‏ سأل يسوع بواسطة الشيوخ اليهود.‏ والشيوخ خدموا كمتكلِّمين عنه.‏

٥ لماذا يقول الكتاب المقدس ان سليمان بنى الهيكل،‏ في حين ان العمل الفعلي قام به آخرون على نحو واضح؟‏

٥ ولإيضاح ذلك،‏ في ٢ أخبار الايام ٣:‏١‏،‏ نقرأ:‏ «وشرع سليمان في بناء بيت الرب في اورشليم.‏» وفي ما بعد،‏ نقرأ:‏ «وأكمل سليمان بيت الرب.‏» (‏٢ أخبار الايام ٧:‏١١‏)‏ فهل بنى سليمان الهيكل شخصيا من البداية الى النهاية؟‏ طبعا لا.‏ فعمل البناء الفعلي قام به حشد من الصنَّاع والعمّال.‏ ولكنَّ سليمان كان منظِّم العمل،‏ الشخص المسؤول.‏ لذلك يقول الكتاب المقدس انه بنى البيت.‏ وبالطريقة نفسها يخبرنا انجيل متّى ان القائد العسكري تقدَّم الى يسوع.‏ أمَّا لوقا فيعطي التفصيل الإضافي انه تقدَّم اليه بواسطة الشيوخ اليهود.‏

٦ و ٧ كيف يمكننا ان نوفِّق بين روايتي الانجيلَيْن المختلفتين لطلب ابني زبدي؟‏

٦ هنا مثال مشابه.‏ ففي متى ٢٠:‏٢٠،‏ ٢١ نقرأ:‏ «تقدَّمت الى [يسوع] أمّ ابني زبدي مع ابنيها وسجدت وطلبت منه شيئا.‏» وما طلبته كان ان ينال ابناها المركز الاكثر حظوة عندما يحصل يسوع على ملكوته.‏ وفي رواية مرقس لهذه الحادثة عينها نقرأ:‏ «تقدَّم الى [يسوع] يعقوب ويوحنا ابنا زبدي قائلين يا معلم نريد ان تفعل لنا كل ما طلبنا.‏» (‏مرقس ١٠:‏٣٥-‏٣٧‏)‏ فهل كان ابنا زبدي،‏ أَم هل كانت أمّهما،‏ مَنْ قام بالطلب من يسوع؟‏

٧ من الواضح ان ابني زبدي هما اللذان قاما بالطلب،‏ كما يذكر مرقس.‏ ولكنهما قاما به بواسطة أمّهما.‏ فقد كانت المتكلِّمة عنهما.‏ ويدعم هذا إخبارُ متّى بأنه عندما سمع الرسل الآخرون ما فعلته أمّ ابني زبدي اغتاظوا،‏ لا من اجل الأمّ،‏ بل «من اجل الأخوين.‏» —‏ متى ٢٠:‏٢٤‏.‏

٨ كيف يكون ممكنا لروايتين مختلفتين للحادثة نفسها ان تختلفا احداهما عن الاخرى ومع ذلك ان تكونا كلتاهما الحقيقة؟‏

٨ هل سبق ان سمعتم شخصين يصفان حادثة شهِداها كلاهما؟‏ اذا كان الامر كذلك،‏ هل لاحظتم ان كل شخص شدَّد على التفاصيل التي تركت فيه اثرا؟‏ فربما أغفل الواحد اشياء شملها الآخر.‏ ولكنهما كليهما كانا يخبران الحقيقة.‏ والامر هو نفسه مع روايات الاناجيل الأربع لخدمة يسوع،‏ كما مع حوادث تاريخية اخرى مخبَر عنها من قِبَل اكثر من كاتب واحد للكتاب المقدس.‏ فكل كاتب كتب معلومات دقيقة حتى عندما استبقى الواحد تفاصيل حذفها الآخر.‏ وبالتأمّل في كل الروايات يمكن نيل فهم اكمل لِمَا حدث.‏ وتغايرات كهذه تبرهن ان روايات الكتاب المقدس مستقلّة.‏ وانسجامها الجوهري يبرهن انها صحيحة.‏

اقرأوا القرينة

٩ و ١٠ بأية طريقة تساعدنا القرينة لنرى من اين حصل قايين على زوجته؟‏

٩ وعلى الأغلب فإن التضاربات الظاهرية يمكن حلّها اذا نظرنا فقط الى القرينة.‏ تأمَّلوا،‏ مثلا،‏ في المشكلة المطروحة غالبا بشأن زوجة قايين.‏ ففي التكوين ٤:‏١،‏ ٢ نقرأ:‏ «وولدت [حواء] قايين.‏ وقالت اقتنيت رجلا من عند الرب.‏ ثم عادت فولدت اخاه هابيل.‏» وكما هو معروف جيدا قتل قايين هابيل؛‏ ولكن بعد ذلك نقرأ ان قايين كانت له زوجة وأولاد.‏ (‏تكوين ٤:‏١٧‏)‏ فإذا كان لآدم وحواء ابنان فقط،‏ اين وجد قايين زوجته؟‏

١٠ الحل يكمن في واقع ان آدم وحواء كان لهما اكثر من ولدين.‏ ووفقا للقرينة كانت لهما عائلة كبيرة.‏ ففي التكوين ٥:‏٣ نقرأ ان آدم ولد ولدا آخر اسمه شيث ومن ثم،‏ في العدد التالي،‏ نقرأ:‏ «ولد بنين وبنات.‏» (‏تكوين ٥:‏٤‏)‏ وهكذا يمكن ان يكون قايين قد تزوَّج احدى اخواته او حتى احدى بنات اخوته او اخواته.‏ وفي تلك المرحلة الباكرة للتاريخ البشري،‏ عندما كان الجنس البشري قريبا جدا الى الكمال،‏ من الواضح ان زواجا كهذا لم يشكِّل المخاطر على اولاد الاتحاد التي يشكِّلها اليوم.‏

١١ اي عدم اتفاق مزعوم بين يعقوب والرسول بولس يشير اليه البعض؟‏

١١ ان تأمُّلنا في القرينة يساعدنا ايضا على فهم ما ادَّعى البعض انه عدم اتفاق بين الرسول بولس ويعقوب.‏ ففي افسس ٢:‏٨،‏ ٩ يقول بولس ان المسيحيين يخلَّصون بالايمان،‏ لا بالاعمال.‏ يقول:‏ «لأنكم .‏ .‏ .‏ مخلَّصون بالايمان .‏ .‏ .‏ ليس من اعمال.‏» أمَّا يعقوب فيصرّ على اهميّة الاعمال.‏ يكتب:‏ «كما ان الجسد بدون روح ميت هكذا الايمان ايضا بدون اعمال ميت.‏» (‏يعقوب ٢:‏٢٦‏)‏ فكيف يمكن التوفيق بين هاتين العبارتين؟‏

١٢ و ١٣ كيف تكمِّل كلمات يعقوب تلك التي للرسول بولس عوض ان تناقضها؟‏

١٢ اذ نتأمّل في قرينة كلمات بولس نجد ان العبارة الواحدة تكمِّل الاخرى.‏ فالرسول بولس يشير الى جهود اليهود لحفظ الناموس الموسوي.‏ لقد اعتقدوا انهم اذا حفظوا الناموس بكل تفاصيله يصيرون ابرارا.‏ وبيَّن بولس ان هذا مستحيل.‏ فلا يمكننا ابدا ان نتبرَّر —‏ وبالتالي نستحق الخلاص —‏ بأعمالنا الخاصة،‏ لأننا خطاة بشكل ملازم.‏ ويمكننا فقط ان نخلَّص بالايمان بذبيحة يسوع الفدائية.‏ —‏ رومية ٥:‏١٨‏.‏

١٣ أمَّا يعقوب فيضيف النقطة الحيوية ان الايمان بحدّ ذاته عديم القيمة اذا لم تدعمه الاعمال.‏ فالشخص الذي يدَّعي امتلاك الايمان بيسوع يجب ان يبرهن عليه بما يفعله.‏ والايمان الخامل ايمان ميت ولن يقود الى الخلاص.‏

١٤ في اية مقاطع يظهر بولس انه على انسجام تام مع المبدإ ان الايمان الحي ينبغي الإعراب عنه بالاعمال؟‏

١٤ والرسول بولس كان على اتفاق تام مع هذا،‏ وهو يذكر غالبا انواع الاعمال التي يجب على المسيحيين ان ينهمكوا فيها للإعراب عن ايمانهم.‏ على سبيل المثال،‏ كتب الى اهل رومية:‏ «القلب يؤمَن به للبر والفم يُعترَف به للخلاص.‏» و ‹الاعتراف› —‏ الاشتراك في ايماننا مع الآخرين —‏ هو حيوي للخلاص.‏ (‏رومية ١٠:‏١٠‏؛‏ انظروا ايضا ١ كورنثوس ١٥:‏٥٨؛‏ افسس ٥:‏١٥،‏ ٢١-‏٣٣؛‏ ٦:‏١٥؛‏ ١ تيموثاوس ٤:‏١٦؛‏ ٢ تيموثاوس ٤:‏٥؛‏ عبرانيين ١٠:‏٢٣-‏٢٥‏.‏)‏ ولكن،‏ ما من عمل يمكن ان يفعله المسيحي،‏ وبالتأكيد ما من جهد لإتمام ناموس موسى،‏ يُكسِبه الحقَّ في الحياة الابدية.‏ فهذه هي «هبة اللّٰه» لأولئك الذين يمارسون الايمان.‏ —‏ رومية ٦:‏٢٣؛‏ يوحنا ٣:‏١٦‏.‏

وجهات نظر مختلفة

١٥ و ١٦ كيف امكن ان يكون موسى ويشوع كلاهما على حق عندما قال الواحد ان شرق الاردن هو «(‏هذا الجانب)‏» من النهر فيما قال الآخر انه «(‏الجانب الآخر)‏»؟‏

١٥ في بعض الاحيان كتب كتبة الكتاب المقدس عن الحادثة نفسها من وجهات نظر مختلفة،‏ او انهم عرضوا رواياتهم بطرائق مختلفة.‏ وعندما تؤخذ هذه الاختلافات في الاعتبار تكون التناقضات الظاهرية الاضافية سهلة الحل.‏ والمثال على ذلك موجود في العدد ٣٥:‏١٤‏،‏ حيث يتحدث موسى عن المقاطعة شرق الاردن بصفتها «في (‏هذا الجانب من)‏ الاردن.‏» ولكنّ يشوع،‏ اذ تحدَّث عن الارض شرقي الاردن،‏ دعاها «(‏الجانب الآخر من)‏ الاردن.‏» (‏يشوع ٢٢:‏٤‏)‏ فأيهما على حق؟‏

١٦ في الواقع،‏ كلاهما على حق.‏ ووفقا للرواية في العدد لم يكن الاسرائيليون بعدُ قد عبروا نهر الاردن الى ارض الموعد،‏ وهكذا بالنسبة اليهم كان شرق الاردن «(‏هذا الجانب)‏.‏» أمَّا يشوع فكان قد عبر الاردن في ذلك الحين.‏ وكان الآن،‏ جسديا،‏ غرب النهر،‏ في ارض كنعان.‏ وهكذا كان شرق الاردن،‏ بالنسبة اليه،‏ «(‏الجانب الآخر)‏.‏»‏

١٧ (‏أ)‏ اي تضارب مزعوم يشير اليه البعض في الاصحاحين الأوَّلين للتكوين‏؟‏ (‏ب)‏ ما هو السبب الاساسي للتعارض المفترَض؟‏

١٧ وبالإضافة الى ذلك،‏ ان الطريقة التي يركَّب بها السَّرد يمكن ان تقود الى تناقض ظاهري.‏ ففي التكوين ١:‏٢٤-‏٢٦ يبيِّن الكتاب المقدس ان الحيوانات خُلقت قبل الانسان.‏ أمَّا في التكوين ٢:‏٧،‏ ١٩،‏ ٢٠ فيبدو انه يقول ان الانسان خُلق قبل الحيوانات.‏ فلِمَ التعارض؟‏ لأن روايتي الخلق تناقشانه من وجهتي نظر مختلفتين.‏ فالأُولى تصف خلق السموات والارض وكل ما فيهما.‏ (‏تكوين ١:‏١–‏٢:‏٤‏)‏ والثانية تركِّز على خلق العرق البشري وسقوطه في الخطية.‏ —‏ تكوين ٢:‏٥–‏٤:‏٢٦‏.‏

١٨ كيف يمكننا التوفيق بين التعارضات الظاهرية بين روايتي الخلق في الاصحاحين الأوَّلين للتكوين‏؟‏

١٨ والرواية الأُولى مركَّبة بحسب الترتيب الزمني،‏ مقسَّمة الى ستة «ايام» متتابعة.‏ والثانية مكتوبة بحسب ترتيب الاهميّة الموضوعية.‏ فبعد تمهيد قصير تمضي بشكل منطقي مباشرة الى خلق آدم،‏ اذ انه هو وعائلته موضوع ما يلي.‏ (‏تكوين ٢:‏٧‏)‏ ويجري بعدئذ تقديم معلومات اخرى كما تدعو الحاجة.‏ فنعلم ان آدم بعد خلقه كان سيسكن في جنة في عدن.‏ وهكذا يُذكَر الآن غرس جنة عدن.‏ (‏تكوين ٢:‏٨،‏ ٩،‏ ١٥‏)‏ ويأمر يهوه آدم بأن يدعو «كل حيوانات البرية وكل طيور السماء.‏» فالآن،‏ اذًا،‏ هو الوقت للذِّكر انه «جبل الرب الإله من الارض» جميع هذه المخلوقات،‏ مع ان خلقها بدأ قبل ان يظهر آدم على المسرح بزمن طويل.‏ —‏ تكوين ٢:‏١٩؛‏ ١:‏٢٠،‏ ٢٤،‏ ٢٦‏.‏

اقرأوا الرواية باعتناء

١٩ اي ارتباك ظاهري يوجد في رواية الكتاب المقدس لفتح اورشليم؟‏

١٩ في بعض الاحيان،‏ كل ما يلزم لحلّ التناقضات الظاهرية هو قراءة الرواية باعتناء والتفكير منطقيا في المعلومات المزوَّدة.‏ هذه هي الحال عندما نتأمَّل في فتح اورشليم من قبل الاسرائيليين.‏ فقد عُدِّدت اورشليم كجزء من نصيب بنيامين،‏ ولكننا نقرأ ان سبط بنيامين لم يكن قادرا على فتحها.‏ (‏يشوع ١٨:‏٢٨؛‏ قضاة ١:‏٢١‏)‏ ونقرأ ايضا ان يهوذا لم يكن قادرا على فتح اورشليم —‏ كما لو كانت جزءا من نصيب ذلك السبط.‏ وأخيرا هزم يهوذا اورشليم محرقين اياها بالنار.‏ (‏يشوع ١٥:‏٦٣؛‏ قضاة ١:‏٨‏)‏ ولكن،‏ بعد مئات السنين،‏ يسجَّل عن داود ايضا فتْحُ اورشليم.‏ —‏ ٢ صموئيل ٥:‏٥-‏٩‏.‏

٢٠ و ٢١ بفحص كل التفاصيل الوثيقة الصلة باعتناء،‏ ماذا يَظهر كتاريخ للاستيلاء العبراني على مدينة اورشليم؟‏

٢٠ من الوهلة الأُولى قد يَظهر كل ذلك مربكا،‏ ولكن ليست هنالك في الحقيقة اية تناقضات.‏ وفي الواقع،‏ ان التُّخْم بين نصيب بنيامين ونصيب يهوذا امتدَّ على طول وادي هنوم،‏ مباشرة عبر مدينة اورشليم القديمة.‏ وما دُعي لاحقا مدينة داود كان يقع في الواقع في مقاطعة بنيامين،‏ تماما كما تقول يشوع ١٨:‏٢٨‏.‏ ولكن من المرجَّح ان اورشليم مدينة اليبوسيين امتدَّت عبر وادي هنوم وبالتالي تداخلت في مقاطعة يهوذا،‏ بحيث ان يهوذا ايضا كان عليه ان يحارب سكانها الكنعانيين.‏

٢١ وبنيامين لم يكن قادرا على فتح المدينة.‏ وفي احدى المناسبات فتح يهوذا اورشليم وأحرقوها.‏ (‏قضاة ١:‏٨،‏ ٩‏)‏ ولكنّ قوات يهوذا من الواضح انها انتقلت الى مكان آخر،‏ فعاد بعض السكان الاصليين واستولوا على المدينة.‏ وفي ما بعد،‏ شكَّلوا جَيْب مقاومة لم يستطع لا يهوذا ولا بنيامين ازالته.‏ وهكذا استمر اليبوسيون في اورشليم الى ان فتح داود المدينة بعد مئات السنين.‏

٢٢ و ٢٣ من حمل خشبة آلام يسوع الى مكان تنفيذ الحكم؟‏

٢٢ نلاقي مثالا ثانيا في الاناجيل.‏ ففي ما يتعلق باقتياد يسوع الى موته،‏ في انجيل يوحنا نقرأ:‏ «خرج وهو حامل (‏خشبة آلامه)‏.‏» (‏يوحنا ١٩:‏١٧‏)‏ أمَّا في لوقا فنقرأ:‏ «ولمَّا مضوا به امسكوا سمعان رجلا قيروانيا كان آتيا من الحقل ووضعوا عليه (‏خشبة الآلام ليحملها)‏ خلف يسوع.‏» (‏لوقا ٢٣:‏٢٦‏)‏ فهل حمل يسوع اداة موته،‏ أم هل حملها سمعان له؟‏

٢٣ اوَّلا،‏ من الواضح ان يسوع حمل خشبة آلامه،‏ كما يبيِّن يوحنا.‏ وإنَّما لاحقا،‏ كما يشهد متّى،‏ مرقس،‏ ولوقا،‏ أُكرِه سمعان القيرواني على الخدمة ليحملها له باقي الطريق الى مكان تنفيذ الحكم.‏

برهان على الاستقلاليّة

٢٤ لماذا لا يدهشنا ان نجد بعض التضاربات الظاهرية في الكتاب المقدس،‏ ولكن ماذا يجب ألاَّ نستنتج من ذلك؟‏

٢٤ صحيح ان هنالك بعض التضاربات الظاهرية في الكتاب المقدس التي يصعب التوفيق بينها.‏ ولكن لا يجب ان نفرض انها تناقضات قطعيّة.‏ وعلى الأغلب هي مجرد قضية نقص في المعلومات الكاملة.‏ والكتاب المقدس يزوِّد معرفة كافية لسدّ حاجتنا الروحية.‏ ولكنه لو اعطانا كل تفصيل عن كل حادثة مذكورة لَكان مكتبة هائلة الحجم غير عملية،‏ لا المجلَّد الملائم للاستعمال السهل الحمل الذي لدينا اليوم.‏

٢٥ ماذا يقول يوحنا عن سجل خدمة يسوع،‏ وكيف يساعدنا ذلك لنفهم لماذا لا يعطينا الكتاب المقدس كل تفصيل عن كل حادثة؟‏

٢٥ وإذ تحدَّث عن خدمة يسوع كتب الرسول يوحنا بمبالغة مبرَّرة:‏ «وأشياء أُخر كثيرة صنعها يسوع إن كُتبت واحدة واحدة فلست أظن ان العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة.‏» (‏يوحنا ٢١:‏٢٥‏)‏ ويكون اكثر استحالة ايضا تسجيل جميع تفاصيل التاريخ الطويل لشعب اللّٰه من الآباء الأجِلاَّء الى الجماعة المسيحية للقرن الاول!‏

٢٦ الكتاب المقدس يحتوي على معلومات كافية لنا للتأكُّد من اي واقع حيوي؟‏

٢٦ وفي الواقع،‏ ان الكتاب المقدس لمعجزة في الايجاز.‏ فهو يحتوي على معلومات كافية لتمكِّننا من الاعتراف به كأكثر من مجرد عمل بشري.‏ وأية تغايرات يحتويها تبرهن ان الكتبة كانوا حقا شهودا مستقلّين.‏ ومن الجهة الاخرى،‏ فإن وحدة الكتاب المقدس البارزة —‏ التي سنناقشها بتفصيل اكثر في فصل مقبل —‏ تثبت دون ايّ شك مصدره الالهي.‏ انه كلمة اللّٰه،‏ لا الانسان.‏

‏[اسئلة الدرس]‏

‏[النبذة في الصفحة ٨٩]‏

التعارضات الظاهرية في الكتاب المقدس تبرهن ان الكتبة كانوا حقا شهودا مستقلّين

‏[النبذة في الصفحة ٩١]‏

التأمّل في القرينة يساعد غالبا على حل التناقضات المزعومة

‏[الاطار في الصفحة ٩٣]‏

‏«التعارضات» لا يلزم ان تكون تناقضات

اوضح مرة كِنِثْ س.‏ كانتزر،‏ لاهوتيّ،‏ كيف يمكن لتقريرين عن الحادثة نفسها ان يبدوَا متناقضين ومع ذلك ان يكونا كلاهما صحيحين.‏ كتب:‏ «منذ بعض الوقت قُتلت أمُّ صديقٍ عزيزٍ لنا.‏ علمنا أوَّلا بموتها بواسطة صديق مشترك موثوق به اخبر ان أمّ صديقنا كانت تقف في زاوية الشارع تنتظر باصا،‏ وقد صدمها باص آخر كان يمرّ،‏ فأُصيبت اصابة مميتة،‏ وماتت بعد دقائق قليلة.‏»‏

وسرعان ما سمع بعد ذلك تقريرا مختلفا جدا.‏ يقول:‏ «علمنا من حفيد المرأة الميتة انها تورَّطت في اصطدام،‏ فرُميَت من السيارة التي كانت تركب فيها،‏ وقُتلت على الفور.‏ وكان الصبي متأكِّدا تماما من وقائعه.‏

«بعد ذلك بكثير .‏ .‏ .‏ استقصينا لإحلال الانسجام.‏ فعلمنا ان الجدة كانت تنتظر باصا،‏ صدمها باص آخر،‏ وأصيبت اصابة بالغة.‏ فالتقطتها سيارة مارَّة وأُسرعَ بها الى المستشفى ولكن،‏ في العجلة،‏ اصطدمت السيارة التي كانت تُنقَل فيها الى المستشفى بسيارة اخرى.‏ فرُميَت من السيارة وماتت على الفور.‏»‏

اجل،‏ ان روايتين للحادثة نفسها قد تكونان كلتاهما صحيحتين مع انهما قد تبدوان غير متَّفقتين احداهما مع الاخرى.‏ هذه هي الحال احيانا مع الكتاب المقدس.‏ فالشهود المستقلّون قد يصفون تفاصيل مختلفة عن الحادثة نفسها.‏ ولكن،‏ بدلا من كونهم متناقضين،‏ فإن ما يكتبونه يكمِّل بعضه بعضا،‏ وإذا اخذنا كل الروايات في الاعتبار نحصل على فهم افضل لِمَا حدث.‏