الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

الفصل ٣

‏‹يهوه قدوس قدوس قدوس›‏

‏‹يهوه قدوس قدوس قدوس›‏

١،‏ ٢ اية رؤيا نالها النبي اشعيا،‏ وماذا نتعلم منها عن يهوه؟‏

استولت الرهبة على اشعيا بسبب المنظر امامه،‏ اذ كان ينال رؤيا من الله.‏ وما ابصره بدا حقيقيا جدا!‏ فقد كتب اشعيا لاحقا انه ‹رأى يهوه› على عرشه العالي وأطراف ثوبه تملأ الهيكل الضخم في اورشليم.‏ —‏ اشعياء ٦:‏​١،‏ ٢‏.‏

٢ كما امتلأ اشعيا رهبة مما سمعه.‏ فقد سمع ترنيما قويا جدا جعل اساسات الهيكل تهتز.‏ كان الترنيم صادرا من السرافيم:‏ مخلوقات روحانية رفيعة المقام.‏ وقد برز التآلُف التام في ترنيمهم عند تفوُّههم بكلمات إجلال بسيطة:‏ «قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده مِلءُ كل الارض».‏ (‏اشعياء ٦:‏​٣،‏ ٤‏)‏ ان ترنيم كلمة «قدوس» ثلاث مرات يُقصد به التشديد البالغ،‏ وهذا ملائم تماما،‏ لأن يهوه قدوس الى اقصى الحدود.‏ (‏كشف ٤:‏٨‏)‏ ويُشدَّد على قداسة يهوه في كامل الكتاب المقدس.‏ فمئات الآيات تربط اسمه بكلمتَي «قدوس» و «قداسة».‏

٣ كيف تسبب الآراء الخاطئة عن قداسة يهوه ابتعاد كثيرين عنه بدلا من الاقتراب اليه؟‏

٣ من الواضح اذًا ان احد الامور الاساسية التي يريد يهوه ان نفهمها عنه هو انه قدوس.‏ لكنَّ كثيرين اليوم ينفرون من فكرة القداسة.‏ فالبعض يجمعون خطأً بين القداسة والبر الذاتي او التقوى الزائفة.‏ كما ان الذين يملكون نظرة سلبية الى انفسهم قد تخيفهم قداسة الله بدلا من ان ينجذبوا اليها.‏ فربما يظنون انهم لا يستأهلون ابدا ان يقتربوا الى هذا الاله القدوس.‏ وبسبب هاتين النظرتين يبتعد كثيرون عن الله.‏ وهذا مؤسف،‏ لأن قداسة الله هي بالتأكيد من الاسباب التي تدفع المرء الى الانجذاب اليه.‏ لماذا؟‏ قبل الاجابة عن هذا السؤال،‏ لنناقش معنى القداسة الحقيقية.‏

ما هي القداسة؟‏

٤،‏ ٥ (‏أ)‏ ماذا تعني القداسة،‏ وماذا لا تعنيه؟‏ (‏ب)‏ بأية طريقتين مهمتين يكون يهوه «منفرزا»؟‏

٤ ان كون الله قدوسا لا يعني انه متشامخ او متكبر او يزدري بالآخرين.‏ فهو يكره هذه الصفات.‏ (‏امثال ١٦:‏٥؛‏ يعقوب ٤:‏٦‏)‏ فماذا تعني كلمة «قدوس» اذًا؟‏ بحسب اللغة العبرانية في الكتاب المقدس،‏ تُشتق الكلمة من تعبير يعني «فرَزَ».‏ وفي امور العبادة،‏ تنطبق كلمة «قدوس» على ما فُرز بحيث لا يعود يُستعمل استعمالا عاما.‏ كما ان القداسة تنقل بوضوح فكرة الطهارة والنقاوة.‏ فكيف تنطبق هذه الكلمة على يهوه؟‏ هل تعني انه «منفرز» عن البشر الناقصين ومعتزل عنا؟‏

٥ كلا على الاطلاق!‏ فيهوه،‏ الذي هو «قدوس اسرائيل»،‏ وصف نفسه بأنه ساكن «في وسط» شعبه،‏ مع انهم كانوا خطاة.‏ (‏اشعياء ١٢:‏٦؛‏ هوشع ١١:‏٩‏)‏ اذًا لا تجعله قداسته بعيدا عن الناس.‏ فكيف يكون «منفرزا»؟‏ بطريقتين مهمتين.‏ اولا،‏ الله منفرز عن كل الخليقة لأنه هو وحده العلي،‏ وعنده الطهارة المطلقة.‏ (‏مزمور ٤٠:‏٥‏،‏ ع‌ج؛‏ ٨٣:‏١٨‏)‏ وثانيا،‏ يهوه منفرز كليا عن كل خطية،‏ وهذا امر يعزينا.‏ لماذا؟‏

٦ لماذا يمكن ان نتعزى حين نعرف ان يهوه منفرز كليا عن الخطية؟‏

٦ نحن نعيش في عالم ندرت فيه القداسة الحقيقية.‏ فكل شيء في المجتمع البشري المبتعد عن الله ملوَّث بشكل من الاشكال،‏ وملطخ بالخطية والنقص.‏ وعلينا جميعا ان نحارب الخطية الساكنة فينا.‏ وجميعنا معرَّضون لخطر الوقوع في الخطية إن لم نحترز.‏ (‏روما ٧:‏​١٥-‏٢٥؛‏ ١ كورنثوس ١٠:‏١٢‏)‏ لكنَّ يهوه ليس معرَّضا لهذا الخطر.‏ وبما انه بمعزل تام عن الخطية،‏ فلا يمكن ان يتلطخ بأدنى اثر منها.‏ وهذا ما يؤكد لنا من جديد ان يهوه هو الاب المثالي،‏ وذلك يعني انه يمكن الاتكال عليه كليا.‏ فلا يمكن ان يصير يهوه مثل كثيرين من الآباء البشريين الخطاة الذين يَفسدون او يفجُرون او يتسببون بأذية اولادهم.‏ فبسبب قداسته يستحيل ان يحصل ذلك.‏ حتى ان يهوه كان يحلف احيانا بقداسته،‏ الامر الذي يجعل قسمه اكيدا ومحقَّقا.‏ (‏عاموس ٤:‏٢‏،‏ ع‌ج‏)‏ أوَليس هذا مُطَمئِنا؟‏

٧ لماذا يمكن القول ان القداسة متأصلة في طبيعة يهوه؟‏

٧ القداسة صفة متأصلة في طبيعة يهوه.‏ فماذا يعني ذلك؟‏ للإيضاح،‏ تأمل في كلمتَي «انسان» و «ناقص».‏ لا يمكنك ان تذكر وصفا للكلمة الاولى دون ان تخطر على بالك الكلمة الثانية.‏ فالنقص يتخللنا ويؤثر في كل ما نقوم به.‏ تأمل الآن في كلمتين اخريين:‏ «يهوه» و «قدوس».‏ فالقداسة تتخلل يهوه.‏ وكل شيء يرتبط به نقي وطاهر ومستقيم.‏ ولا يمكن ان نعرف يهوه حق المعرفة اذا لم نفهم جيدا هذه الكلمة العميقة المعنى:‏ «قدوس».‏

‏«القداسة ليهوه»‏

٨،‏ ٩ ماذا يُظهر ان يهوه يساعد البشر الناقصين ليصيروا قدوسين بمعنى نسبي؟‏

٨ بما ان يهوه يجسّد صفة القداسة،‏ يمكن القول انه مصدر كل قداسة.‏ وهو لا يحتفظ بهذه الصفة الثمينة بأنانية لنفسه،‏ بل يمنحها للآخرين،‏ وبسخاء ايضا.‏ فعندما كلَّم الله موسى بواسطة ملاك عند العليقة المشتعلة،‏ حتى الارض المحيطة صارت مقدسة لأنها صارت ذات صلة بيهوه!‏ —‏ خروج ٣:‏٥‏.‏

٩ وهل يمكن للبشر الناقصين ان يصيروا قدوسين بمساعدة يهوه؟‏ نعم،‏ بمعنى نسبي.‏ فقد وعد الله اسرائيل بأنه يمكنهم ان يصيروا «امة مقدسة».‏ (‏خروج ١٩:‏٦‏)‏ وبارك تلك الامة بنظام عبادة مقدس ونقي وطاهر.‏ لذلك تتردد فكرة القداسة في الشريعة الموسوية.‏ حتى ان رئيس الكهنة كان يضع صفيحة الى قدام عمامته بحيث يراها الجميع تتألق في الضوء.‏ وعليها نُقشت الكلمتان:‏ «القداسة ليهوه».‏ (‏خروج ٢٨:‏٣٦‏،‏ ع‌ج‏)‏ اذًا،‏ كان مقياس رفيع من الطهارة والنقاوة سيميّز عبادتهم وطريقة عيشهم ايضا.‏ وقد امرهم يهوه قائلا:‏ «كونوا قديسين،‏ لاني انا الرب الهكم قدوس».‏ (‏لاويين ١٩:‏٢‏،‏ الترجمة اليسوعية الجديدة‏)‏ وما دام الاسرائيليون يطيعون مشورة الله الى الحد الممكن للبشر الناقصين،‏ كانوا سيُعتبرون قدوسين بمعنى نسبي.‏

١٠ ايّ تباين وُجد بين اسرائيل القديمة والامم المحيطة بها من جهة القداسة؟‏

١٠ كان هذا التشديد على القداسة يتباين بشكل حاد مع عبادة الامم المحيطة بإسرائيل.‏ فكانت تلك الامم الوثنية تعبد آلهة زائفة لا وجود لها،‏ آلهة وصفوها بأنها عنيفة وجشعة وعابثة جنسيا.‏ لم تكن هذه الآلهة قدوسة بأيّ معنى من المعاني.‏ وبسبب عبادة الناس لها صاروا هم ايضا غير قدوسين.‏ لذلك امر يهوه خدامه ان ينفرزوا ويبتعدوا عن العبّاد الوثنيين وممارساتهم الدينية الملوَّثة.‏ —‏ لاويين ١٨:‏​٢٤-‏٢٨؛‏ ١ ملوك ١١:‏​١،‏ ٢‏.‏

١١ كيف تُرى قداسة هيئة يهوه السماوية في (‏أ)‏ الملائكة؟‏ (‏ب)‏ السرافيم؟‏ (‏ج)‏ يسوع؟‏

١١ حتى في افضل الحالات التي اظهرت فيها امة اسرائيل القديمة القداسة،‏ بصفتها امة يهوه المختارة،‏ لم تكن تعكس سوى جزء ضئيل من قداسة هيئة الله السماوية.‏ فملايين المخلوقات الروحانية التي تخدم الله بولاء يشار اليها بصفتها «ربوات قديسيه».‏ (‏تثنية ٣٣:‏٢؛‏ يهوذا ١٤‏)‏ وهي تعكس بقوة البهاء الساطع والنقي لقداسة الله.‏ تذكَّرِ السرافيم الذين رآهم اشعيا في رؤياه.‏ يشير مضمون ترنيمتهم الى ان هذه المخلوقات الروحانية تؤدي دورا هاما في جعل قداسة يهوه معروفة في كل الكون.‏ لكنَّ مخلوقا روحانيا واحدا يسمو فوقهم جميعا:‏ ابن الله المولود الوحيد.‏ فيسوع هو اسمى انعكاس لقداسة يهوه.‏ لذلك يدعى بالصواب «قدوس الله».‏ —‏ يوحنا ٦:‏​٦٨،‏ ٦٩‏.‏

اسم قدوس،‏ روح قدس

١٢،‏ ١٣ (‏أ)‏ لماذا من الملائم ان يقال عن اسم الله انه قدوس؟‏ (‏ب)‏ لماذا يجب ان يتقدس اسم الله؟‏

١٢ ماذا عن اسم الله؟‏ كما رأينا في الفصل ١،‏ ليس هذا الاسم مجرد لقب يُطلَق عليه.‏ فالاسم يمثِّل يهوه الله،‏ اذ يشتمل على كل صفاته.‏ لذلك يخبرنا الكتاب المقدس ان ‹اسمه قدوس›.‏ (‏اشعياء ٥٧:‏١٥‏)‏ وبحسب الشريعة الموسوية،‏ كان التجديف على اسم الله جريمة عقوبتها الموت.‏ (‏لاويين ٢٤:‏١٦‏)‏ كذلك لاحِظ ماذا اعطاه يسوع الاولوية في صلاته،‏ اذ قال:‏ «ابانا الذي في السموات،‏ ليتقدس اسمك».‏ (‏متى ٦:‏٩‏)‏ وتقديس شيء يعني توقيره واعتباره مطهَّرا.‏ ولكن لماذا يلزم ان يتقدس اسم الله،‏ هذا الاسم الطاهر في جوهره؟‏

١٣ تعرّض اسمُ الله القدوسُ للقدح،‏ وتلطَّخ بالافتراء والاكاذيب.‏ ففي جنة عدن تفوَّه الشيطان بالكذب عن يهوه ولمَّح الى انه سيد ظالم.‏ (‏تكوين ٣:‏​١-‏٥‏)‏ ومنذ ذلك الوقت يحرص الشيطان —‏ حاكم هذا العالم غير القدوس —‏ ان تكثر الاكاذيب عن الله.‏ (‏يوحنا ٨:‏٤٤؛‏ ١٢:‏٣١؛‏ كشف ١٢:‏٩‏)‏ كما جعلت الاديان من الله الها مستبدا او بعيدا عن الناس او قاسيا،‏ اذ ادَّعت انه يؤيدها في حروبها الدموية.‏ وغالبا ما يُنسب الفضل في روائع الله الخلقية الى الصدفة العمياء،‏ او التطور.‏ نعم،‏ يتعرض اسم الله لافتراء سافر.‏ ولكن يجب ان يتقدس،‏ ويجب ان يرجع اليه المجد الذي يستحقه.‏ ونحن نتوق الى تقديس اسم الله وتبرئة سلطانه،‏ ولا نتردد في القيام بأيّ دور لتحقيق هذا القصد العظيم.‏

١٤ لماذا يقال عن روح الله انه قدس،‏ ولماذا التجديف على الروح القدس خطير جدا؟‏

١٤ هنالك شيء آخر يرتبط بيهوه بشكل وثيق،‏ ولا تكاد كلمة قدس تفارقه.‏ إنه روح الله او قوته الفعالة.‏ (‏تكوين ١:‏٢‏)‏ ويستخدم يهوه هذه القوة الخارقة لتحقيق مقاصده.‏ وكل ما يفعله الله يفعله بطريقة مقدسة وطاهرة ونقية،‏ لذلك من الملائم ان تدعى قوته الفعالة الروح القدس،‏ او روح القداسة.‏ (‏لوقا ١١:‏١٣؛‏ روما ١:‏٤‏)‏ والتجديف على الروح القدس،‏ الذي يشمل العمل ضد مقاصد يهوه بشكل عمدي،‏ يُعتبر خطية لا تُغتفر.‏ —‏ مرقس ٣:‏٢٩‏.‏

لماذا قداسة يهوه تقرِّبنا اليه

١٥ لماذا من اللائق ان يشعر المرء بالخوف كردّ فعل لقداسة يهوه،‏ وماذا يشمل هذا الخوف؟‏

١٥ لا يصعب علينا اذًا ان نفهم لماذا يربط الكتاب المقدس بين قداسة الله وخوف الانسان منه.‏ مثلا،‏ يذكر المزمور ٩٩:‏٣‏:‏ «يحمدون اسمك العظيم والمهوب.‏ قدوس هو».‏ لكنَّ هذا الخوف او الهيبة ليس ذعرا يستولي على المرء،‏ بل هو شعور عميق بالرهبة التوقيرية،‏ احترام يتجلى بأسمى اشكاله.‏ ومن الملائم ان نشعر هكذا،‏ فقداسة الله اسمى منا بكثير.‏ وهي مفعمة بالطهارة والمجد.‏ ومع ذلك ينبغي ألا يجعلنا ذلك نتثبط.‏ على العكس،‏ فالنظرة اللائقة الى قداسة الله تقربنا اليه.‏ لماذا؟‏

كما ان الجمال البهي يجذبنا،‏ كذلك ينبغي ان تجذبنا القداسة

١٦ (‏أ)‏ كيف ترتبط القداسة بالبهاء والجمال؟‏ أعطِ مثلا.‏ (‏ب)‏ كيف تشدد اوصاف يهوه في الرؤى على النقاوة والطهارة والنور؟‏

١٦ احد الامور هو ان الكتاب المقدس يربط القداسة بالبهاء.‏ ففي اشعيا ٦٣:‏١٥‏،‏ ي‌ج،‏ يُذكر عن السماء انها ‹سكنى قدس الله وبهائه›.‏ ينطوي البهاء على الروعة والجمال،‏ والجمال يجذبنا.‏ مثلا،‏ انظر الى الصورة في الصفحة ٣٣.‏ ألا يجذبك هذا المنظر؟‏ ما الذي يجعله جميلا في نظرك؟‏ لاحظ كم المياه صافية.‏ حتى الهواء نقي دون شك،‏ فالسماء زرقاء والضوء يسطع متألقا.‏ تخيل الآن هذا المشهد بشكل مختلف:‏ الجدول مليء بالنفايات،‏ الاشجار والصخور مشوّهة بالشعارات المكتوبة عليها،‏ والهواء مثقل بالضباب الدخاني.‏ في هذه الحالة ننفر من هذا المنظر بدلا من ان ننجذب اليه.‏ فالانسان بطبيعته يربط الجمال البهي بالنقاوة والطهارة والنور.‏ ويمكن استعمال هذه الكلمات نفسها لوصف قداسة يهوه.‏ ولا عجب ان تسحرنا اوصاف يهوه في الرؤى!‏ فهو يشع بنور،‏ ويتألق كالجواهر،‏ ويلمع كنار او كأنقى وأصفى الحجارة الكريمة؛‏ هكذا هو بهاء الهنا القدوس.‏ —‏ حزقيال ١:‏​٢٥-‏٢٨؛‏ كشف ٤:‏​٢،‏ ٣‏.‏

١٧،‏ ١٨ (‏أ)‏ ماذا كان رد فعل اشعيا في البداية حيال ما رآه؟‏ (‏ب)‏ كيف استخدم يهوه احد السرافيم ليعزي اشعيا،‏ وما مغزى ما فعله؟‏

١٧ ولكن هل ينبغي ان تجعلنا قداسة يهوه نشعر اننا بالمقارنة قليلو الشأن؟‏ الجواب هو بالطبع نعم.‏ فنحن فعلا ادنى من يهوه،‏ ويا للفرق الشاسع بينه وبيننا!‏ ولكن هل ينبغي ان نبتعد عنه بسبب ذلك؟‏ لاحِظ رد فعل اشعيا عندما سمع السرافيم يعلنون قداسة يهوه.‏ لقد قال:‏ «ويل لي اني هلكت لأني انسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عينيَّ قد رأتا الملك رب الجنود».‏ (‏اشعياء ٦:‏٥‏)‏ نعم،‏ فقداسة يهوه غير المحدودة جعلت اشعيا يعي كم هو خاطئ وناقص.‏ وفي البداية،‏ شعر هذا الرجل الامين بالانسحاق.‏ لكنَّ يهوه لم يدعه في هذه الحالة.‏

١٨ فقد قام احد السرافيم على الفور بمؤاساة النبي.‏ كيف؟‏ طار هذا المخلوق الروحاني الجبار نحو المذبح،‏ وأخذ من هناك جمرة مسَّ بها شفتي اشعيا.‏ قد يبدو ذلك مؤلما لا معزيا،‏ ولكن تذكَّر ان هذه رؤيا،‏ والرؤيا حافلة بالمعاني الرمزية.‏ كان اشعيا،‏ اليهودي الامين،‏ يعرف جيدا ان الذبائح كانت تُقدَّم كل يوم على مذبح الهيكل تكفيرا عن الخطايا.‏ وقد ذكَّر هذا الواحد من السرافيم النبيَّ بأنه رغم كونه ناقصا او «نجس الشفتين»،‏ لا يزال بإمكانه حيازة موقف طاهر امام الله.‏ * لقد كان يهوه راغبا في ان ينظر الى انسان ناقص وخاطئ ككائن قدوس،‏ على الاقل بشكل نسبي.‏ —‏ اشعياء ٦:‏​٦،‏ ٧‏.‏

١٩ كيف يمكن ان نكون قدوسين بمعنى نسبي مع اننا ناقصون؟‏

١٩ يصح الامر نفسه اليوم.‏ فكل الذبائح التي قُدِّمت على المذبح في اورشليم كانت مجرد ظلال لشيء اعظم:‏ الذبيحة الكاملة التي قدمها يسوع المسيح سنة ٣٣ ب‌م.‏ (‏عبرانيين ٩:‏​١١-‏١٤‏)‏ وإذا تبنا بصدق عن خطايانا،‏ وقوَّمنا مسلكنا الخاطئ،‏ ومارسنا الايمان بتلك الذبيحة،‏ ننال الغفران.‏ (‏١ يوحنا ٢:‏٢‏)‏ ويمكننا ايضا التمتع بموقف طاهر امام الله.‏ لذلك يذكّرنا الرسول بطرس قائلا:‏ «مكتوب:‏ ‹كونوا قدوسين،‏ لأني قدوس›».‏ (‏١ بطرس ١:‏١٦‏)‏ لاحِظ ان يهوه لا يقول ان نكون قدوسين كما هو قدوس.‏ فهو لا يتوقع منا ابدا المستحيل.‏ (‏مزمور ١٠٣:‏​١٣،‏ ١٤‏)‏ وإنما يأمرنا يهوه ان نكون قدوسين لأنه قدوس.‏ و «كأولاد احباء»،‏ نسعى الى بذل اقصى ما يمكننا فعله كبشر ناقصين للاقتداء به.‏ (‏افسس ٥:‏١‏)‏ لذلك فإن إحراز القداسة عملية متواصلة.‏ وفيما ننمو روحيا،‏ نعمل على ‹تكميل القداسة› يوما بعد يوم.‏ —‏ ٢ كورنثوس ٧:‏١‏.‏

٢٠ (‏أ)‏ لماذا من المهم ان نفهم انه من الممكن ان نكون طاهرين في عيني الهنا القدوس؟‏ (‏ب)‏ ماذا فعل اشعيا عندما علم ان خطاياه قد كُفِّر عنها؟‏

٢٠ يحب يهوه الاستقامة والطهارة،‏ ويكره الخطية.‏ (‏حبقوق ١:‏١٣‏)‏ لكنه لا يكرهنا.‏ وما دمنا ننظر الى الخطية كما ينظر اليها هو —‏ مبغضين الشر ومحبين الخير —‏ ونحاول اتّباع الخطوات الكاملة للمسيح يسوع،‏ يغفر يهوه خطايانا.‏ (‏عاموس ٥:‏١٥؛‏ ١ بطرس ٢:‏٢١‏)‏ وعندما نفهم انه بإمكاننا ان نكون اطهارا في عيني الهنا القدوس،‏ يترك ذلك اثرا عميقا فينا.‏ ولا تنسَ ان قداسة يهوه ذكَّرت اشعيا في البداية بأنه انسان نجس.‏ فقال:‏ «ويل لي».‏ ولكن عندما فهم انه قد كُفِّر عن خطاياه،‏ تغيرت نظرته.‏ وعندما سأل يهوه من يتطوع للقيام بمهمة معينة،‏ اجاب اشعيا على الفور،‏ مع انه لم يكن يعرف ما المطلوب:‏ «هأنذا ارسلني».‏ —‏ اشعياء ٦:‏​٥-‏٨‏.‏

٢١ ماذا يجعلنا واثقين من انه يمكن تنمية صفة القداسة؟‏

٢١ لأننا مصنوعون على صورة الاله القدوس،‏ نتمتع بصفات ادبية ولنا القدرة على استيعاب الامور الروحية.‏ (‏تكوين ١:‏٢٦‏)‏ لذلك يمكن لكل واحد ان يكون قدوسا.‏ ويسرّ يهوه ان يساعدنا على تنمية القداسة.‏ وإذا فعلنا ذلك ننجذب اكثر الى الهنا القدوس.‏ وفيما نتأمل بصفات يهوه في الفصول التالية،‏ سنرى انه توجد اسباب كثيرة ايضا تجذبنا اليه!‏

^ ‎الفقرة 18‏ ‏«نجس الشفتين» عبارة ملائمة هنا،‏ لأنه غالبا ما تُستعمل الشفتان في الكتاب المقدس بشكل مجازي لتمثيل الكلام او اللغة.‏ ونسبة كبيرة من الخطايا التي يرتكبها جميع البشر الناقصين يمكن ربطها بالطريقة التي تُستعمل بها القدرة على النطق.‏ —‏ امثال ١٠:‏١٩؛‏ يعقوب ٣:‏​٢،‏ ٦‏.‏