اَلْفَصْلُ ٱلثَّالِثُ وَٱلْعِشْرُونَ
تعلّمَ الغفران من سيده
١ مَا هِيَ رُبَّمَا أَسْوَأُ لَحْظَةٍ فِي حَيَاةِ بُطْرُسَ؟
مَا كَانَ بُطْرُسُ لِيَنْسَى أَبَدًا تِلْكَ ٱللَّحْظَةَ ٱلرَّهِيبَةَ، لَحْظَةَ تَلَاقَتْ أَعْيُنُهُمَا. تُرَى هَلِ ٱسْتَشَفَّ خَيْبَةَ أَمَلٍ أَوْ لَوْمًا فِي نَظْرَةِ يَسُوعَ؟ لَا نَعْلَمُ يَقِينًا، فَٱلسِّجِلُّ ٱلْمُوحَى بِهِ لَا يَذْكُرُ سِوَى أَنَّ ‹ٱلرَّبَّ ٱلْتَفَتَ وَنَظَرَ إِلَيْهِ›. (لو ٢٢:٦١) لٰكِنَّ هٰذِهِ ٱلنَّظْرَةَ ٱلْخَاطِفَةَ كَانَتْ كَفِيلَةً بِهَزِّ كِيَانِ بُطْرُسَ ٱلَّذِي أَدْرَكَ آنَذَاكَ كَمْ جَسِيمٌ هُوَ خَطَأُهُ، هٰذَا ٱلْخَطَأُ ٱلَّذِي أَنْبَأَ بِهِ يَسُوعُ وَٱسْتَبْعَدَ هُوَ كُلِّيًّا حُدُوثَهُ. لَقَدْ أَنْكَرَ سَيِّدَهُ ٱلْحَبِيبَ. إِنَّهَا لَحْظَةٌ مَشْؤُومَةٌ، إِنْ لَمْ نَقُلْ أَسْوَأُ لَحْظَةٍ فِي أَسْوَإِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ حَيَاتِهِ.
٢ أَيُّ دَرْسٍ لَزِمَ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ بُطْرُسُ، وَكَيْفَ نَسْتَفِيدُ نَحْنُ مِمَّا حَدَثَ مَعَهُ؟
٢ لٰكِنَّ وَضْعَ بُطْرُسَ لَمْ يَكُنْ مَيْؤُوسًا مِنْهُ. فَلِأَنَّهُ تَحَلَّى بِإِيمَانٍ قَوِيٍّ، كَانَتْ لَدَيْهِ ٱلْفُرْصَةُ بَعْدُ أَنْ يَتَعَافَى مِنْ أَخْطَائِهِ وَيَتَعَلَّمَ وَاحِدًا مِنْ أَعْظَمِ ٱلدُّرُوسِ ٱلَّتِي أَعْطَاهَا يَسُوعُ: دَرْسًا فِي ٱلْغُفْرَانِ. وَٱلْيَوْمَ، عَلَى كُلٍّ مِنَّا أَنْ يَأْخُذَ ٱلْعِبْرَةَ عَيْنَهَا. فَلْنُرَافِقْ بُطْرُسَ وَنَرَ كَيْفَ تَعَلَّمَ هٰذَا ٱلدَّرْسَ بِدُمُوعٍ حَارَّةٍ.
رَجُلٌ يَنْقُصُهُ ٱلْكَثِيرُ
٣، ٤ (أ) أَيُّ سُؤَالٍ طَرَحَهُ بُطْرُسُ عَلَى يَسُوعَ، وَمَاذَا ظَنَّ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ؟ (ب) كَيْفَ أَظْهَرَ يَسُوعُ أَنَّ بُطْرُسَ كَانَ مُتَأَثِّرًا بِٱلرُّوحِ ٱلسَّائِدَةِ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ؟
٣ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَقْرِيبًا فِي كَفَرْنَاحُومَ، دَنَا بُطْرُسُ مِنْ يَسُوعَ وَسَأَلَهُ: «يَا رَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ أَإِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟». ظَنَّ بُطْرُسُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ أَنَّ ٱقْتِرَاحَهُ يَنِمُّ عَنْ سَمَاحَةِ نَفْسٍ. فَٱلْقَادَةُ مت ١٨:٢١، ٢٢.
ٱلدِّينِيُّونَ آنَذَاكَ عَلَّمُوا مَنْحَ ٱلْغُفْرَانِ إِلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ فَقَطْ. لٰكِنَّ يَسُوعَ أَجَابَهُ: «لَا أَقُولُ لَكَ: إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ: إِلَى سَبْعٍ وَسَبْعِينَ مَرَّةً». —٤ فَهَلْ عَنَى أَنَّ عَلَى بُطْرُسَ حِفْظَ سِجِلٍّ دَقِيقٍ بِإِسَاءَاتِ ٱلْآخَرِينَ؟ بِٱلطَّبْعِ لَا. فَعِنْدَمَا رَفَعَ عَدَدَ ٱلْمَرَّاتِ مِنْ ٧ إِلَى ٧٧، أَشَارَ بِذٰلِكَ أَنَّ ٱلْمَحَبَّةَ تَمْنَعُنَا مِنْ وَضْعِ حَدٍّ تَعَسُّفِيٍّ لِلْغُفْرَانِ. (١ كو ١٣:٤، ٥) لَقَدْ أَظْهَرَتْ كَلِمَاتُهُ أَنَّ بُطْرُسَ كَانَ مُتَأَثِّرًا بِٱلرُّوحِ ٱلْقَاسِيَةِ ٱلْعَدِيمَةِ ٱلتَّسَامُحِ ٱلسَّائِدَةِ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ، رُوحٍ حَوَّلَتِ ٱلْغُفْرَانَ إِلَى عَمَلِيَّةٍ حِسَابِيَّةٍ مَحْضٍ. أَمَّا ٱلْغُفْرَانُ بِحَسَبِ ٱلْمِقْيَاسِ ٱلْإِلٰهِيِّ فَهُوَ مُسَامَحَةُ ٱلْآخَرِينَ بِكَرَمٍ وَسَخَاءٍ. — اقرأ ١ يوحنا ١:٧-٩.
٥ مَتَى نَتَعَلَّمُ أَهَمِّيَّةَ ٱلْغُفْرَانِ؟
٥ لَمْ يُجَادِلْ بُطْرُسُ يَسُوعَ، وَلٰكِنْ هَلْ مَسَّتْ تِلْكَ ٱلْمَشُورَةُ قَلْبَهُ حَقًّا؟ فِي بَعْضِ ٱلْأَحْيَانِ، لَا نَتَعَلَّمُ أَهَمِّيَّةَ ٱلْغُفْرَانِ إِلَّا عِنْدَمَا نُدْرِكُ حَاجَتَنَا ٱلْمُلِحَّةَ إِلَيْهِ. لِذَا لِنَعُدِ ٱلْآنَ إِلَى ٱلْأَحْدَاثِ ٱلَّتِي سَبَقَتْ مَوْتَ يَسُوعَ. فَفِي تِلْكَ ٱلسَّاعَاتِ ٱلْعَصِيبَةِ، كَانَ بُطْرُسُ بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى غُفْرَانِ سَيِّدِهِ.
زَلَّةٌ تِلْوَ ٱلْأُخْرَى
٦ مَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ بُطْرُسَ حِينَ حَاوَلَ يَسُوعُ أَنْ يُعَلِّمَ ٱلرُّسُلَ دَرْسًا فِي ٱلتَّوَاضُعِ، وَلٰكِنْ كَيْفَ عَامَلَهُ يَسُوعُ؟
٦ كَانَتِ ٱللَّيْلَةُ ٱلْأَخِيرَةُ مِنْ حَيَاةِ يَسُوعَ عَلَى ٱلْأَرْضِ لَيْلَةً بَالِغَةَ ٱلْأَهَمِّيَّةِ. لَقَدْ بَقِيَ فِي جَعْبَتِهِ دُرُوسٌ كَثِيرَةٌ يُعَلِّمُهَا لِرُسُلِهِ، مِنْهَا مَثَلًا دَرْسٌ فِي ٱلتَّوَاضُعِ. فَبَادَرَ إِلَى غَسْلِ أَقْدَامِهِمْ، وَهِيَ مُهِمَّةٌ يَتَوَلَّاهَا عَادَةً أَدْنَى ٱلْخَدَمِ. فِي بَادِئِ ٱلْأَمْرِ، ٱعْتَرَضَ بُطْرُسُ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ يَسُوعُ. ثُمَّ رَفَضَ أَنْ يَدَعَهُ يُؤَدِّي لَهُ هٰذِهِ ٱلْخِدْمَةَ. لٰكِنَّهُ مَا لَبِثَ أَنْ أَصَرَّ عَلَيْهِ أَلَّا يَغْسِلَ قَدَمَيْهِ فَحَسْبُ بَلْ يَدَيْهِ وَرَأْسَهُ أَيْضًا! إِلَّا أَنَّ صَبْرَ يَسُوعَ لَمْ يَنْفَدْ، بَلْ شَرَحَ بِهُدُوءٍ أَهَمِّيَّةَ وَمَغْزَى مَا يَقُومُ بِهِ. — يو ١٣:١-١٧.
٧، ٨ (أ) كَيْفَ ٱمْتَحَنَ بُطْرُسُ مُجَدَّدًا صَبْرَ يَسُوعَ؟ (ب) كَيْفَ ٱسْتَمَرَّ يَسُوعُ يُعْرِبُ عَنِ ٱللُّطْفِ وَٱلْغُفْرَانِ؟
مت ٢٦:٣١-٣٥؛ مر ١٤:٢٧-٣١؛ لو ٢٢:٢٤-٢٨؛ يو ١٣:٣٦-٣٨.
٧ بُعَيْدَ ذٰلِكَ، ٱمْتَحَنَ بُطْرُسُ مُجَدَّدًا صَبْرَ يَسُوعَ. فَقَدْ أَخَذَ ٱلرُّسُلُ يَتَشَاجَرُونَ فِي أَيُّهُمْ هُوَ ٱلْأَعْظَمُ. وَلَا بُدَّ أَنَّ بُطْرُسَ ٱشْتَرَكَ فِي هٰذَا ٱلتَّبَجُّحِ ٱلْمُخْزِي. لِذَا قَوَّمَهُمْ يَسُوعُ بِلُطْفٍ، حَتَّى إِنَّهُ مَدَحَهُمْ عَلَى ٱلْتِصَاقِهِمْ بِهِ بِأَمَانَةٍ. لٰكِنَّهُ أَنْبَأَ أَنَّهُمْ سَيَتَخَلَّوْنَ عَنْهُ جَمِيعًا. فَٱعْتَرَضَ بُطْرُسُ وَقَالَ إِنَّهُ سَيَلْتَصِقُ بِهِ وَلَوْ وَاجَهَ ٱلْمَوْتَ. عِنْدَئِذٍ، تَنَبَّأَ يَسُوعُ أَنَّ بُطْرُسَ، بِخِلَافِ مَا زَعَمَ، سَيُنْكِرُهُ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ عَيْنِهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ ٱلدِّيكُ مَرَّتَيْنِ. وَإِذَا بِهٰذَا ٱلرَّسُولِ يُخَطِّئُ سَيِّدَهُ وَيَدَّعِي أَيْضًا أَنَّهُ سَيُعْرِبُ عَنِ ٱلْأَمَانَةِ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ ٱلرُّسُلِ. —٨ فَهَلْ أَوْشَكَ يَسُوعُ إِذَّاكَ أَنْ يَفْقِدَ صَبْرَهُ عَلَيْهِ؟ فِي ٱلْوَاقِعِ، ٱسْتَمَرَّ يَسُوعُ طِيلَةَ ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ ٱلْعَصِيبِ يُرَكِّزُ عَلَى حَسَنَاتِ رُسُلِهِ ٱلنَّاقِصِينَ. فَمَعَ أَنَّهُ عَرَفَ مُسْبَقًا أَنَّ بُطْرُسَ سَيَخْذُلُهُ، قَالَ لَهُ: «تَضَرَّعْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْلَا يَتَلَاشَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى عُدْتَ، قَوِّ إِخْوَتَكَ». (لو ٢٢:٣٢) وَهٰكَذَا أَظْهَرَ ثِقَتَهُ بِأَنَّ بُطْرُسَ سَيَتَعَافَى رُوحِيًّا وَيُعَاوِدُ خِدْمَتَهُ ٱلْأَمِينَةَ. فَيَا لَهُ مِنْ إِعْرَابٍ عَظِيمٍ عَنِ ٱللُّطْفِ وَٱلْغُفْرَانِ!
٩، ١٠ (أ) أَيُّ تَقْوِيمٍ ٱسْتَحَقَّهُ بُطْرُسُ فِي بُسْتَانِ جَتْسِيمَانِي؟ (ب) بِمَ تُذَكِّرُنَا زَلَّاتُ بُطْرُسَ؟
٩ لَاحِقًا فِي بُسْتَانِ جَتْسِيمَانِي، ٱحْتَاجَ بُطْرُسُ إِلَى ٱلتَّقْوِيمِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ. فَقَدْ طَلَبَ يَسُوعُ مِنْهُ هُوَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَنْ يَبْقَوْا سَاهِرِينَ رَيْثَمَا يُصَلِّي. فَيَسُوعُ كَانَ مُضْطَرِبًا عَاطِفِيًّا وَبِحَاجَةٍ إِلَى دَعْمِهِمْ وَمُسَانَدَتِهِمْ، إِلَّا أَنَّ ٱلنُّعَاسَ غَلَبَهُمْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. مَعَ ذٰلِكَ، قَالَ لَهُمْ بِتَعَاطُفٍ وَتَسَامُحٍ: «إِنَّ ٱلرُّوحَ مُنْدَفِعٌ، أَمَّا ٱلْجَسَدُ فَضَعِيفٌ». — مر ١٤:٣٢-٤١.
١٠ وَلَمْ يَمْضِ وَقْتٌ طَوِيلٌ حَتَّى وَصَلَ رَعَاعٌ يَحْمِلُونَ مَشَاعِلَ وَسُيُوفًا وَهَرَاوَى. وَفِي حِينِ تَطَلَّبَ هٰذَا ٱلْمَوْقِفُ ٱلدَّقِيقُ ٱلتَّصَرُّفَ بِفِطْنَةٍ وَحَذَرٍ، مت ٢٦:٤٧-٥٥؛ لو ٢٢:٤٧-٥١؛ يو ١٨:١٠، ١١) لَقَدِ ٱرْتَكَبَ بُطْرُسُ حَتَّى تِلْكَ ٱللَّحْظَةِ زَلَّاتٍ عَدِيدَةً. وَهٰذَا يُذَكِّرُنَا أَنَّنَا كَثِيرًا مَا نُخْطِئُ نَحْنُ ٱلْبَشَرَ. (اقرأ يعقوب ٣:٢.) فَمَنْ مِنَّا لَا يُعْوِزُهُ ٱلْغُفْرَانُ ٱلْإِلٰهِيُّ كُلَّ يَوْمٍ؟! لٰكِنَّ لَيْلَةَ بُطْرُسَ لَمْ تَكُنْ قَدِ ٱنْتَهَتْ بَعْدُ، فَٱلْآتِي كَانَ أَعْظَمَ.
ٱنْدَفَعَ بُطْرُسُ بِتَهَوُّرٍ فَٱسْتَلَّ ٱلسَّيْفَ وَقَطَعَ أُذُنَ مَلْخُسَ عَبْدِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ. فَقَوَّمَهُ يَسُوعُ بِهُدُوءٍ وَشَفَى ٱلْعَبْدَ وَأَوْضَحَ لِمَ لَا يَنْبَغِي ٱللُّجُوءُ إِلَى ٱلْعُنْفِ، رَاسِمًا مَبْدَأً يَسْتَرْشِدُ بِهِ أَتْبَاعُهُ حَتَّى هٰذَا ٱلْيَوْمِ. (أَسْوَأُ غَلْطَةٍ فِي حَيَاةِ بُطْرُسَ
١١، ١٢ (أ) كَيْفَ أَظْهَرَ بُطْرُسُ ٱلشَّجَاعَةَ بَعْدَ ٱعْتِقَالِ يَسُوعَ؟ (ب) كَيْفَ فَشِلَ بُطْرُسُ فِي بُرْهَانِ مَا ٱدَّعَاهُ فِي وَقْتٍ سَابِقٍ؟
١١ طَلَبَ يَسُوعُ مِنَ ٱلرَّعَاعِ أَنْ يَدَعُوا رُسُلَهُ يَذْهَبُونَ مَا دَامُوا يُفَتِّشُونَ عَنْهُ هُوَ. وَفِيمَا رَاحُوا يُقَيِّدُونَهُ، وَقَفَ بُطْرُسُ يَتَفَرَّجُ عَاجِزًا، ثُمَّ فَرَّ هَارِبًا مِثْلَ رُفَقَائِهِ ٱلرُّسُلِ.
١٢ وَلٰكِنْ خِلَالَ هَرَبِهِ، تَوَقَّفَ هُوَ وَيُوحَنَّا رُبَّمَا قُرْبَ بَيْتِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ ٱلسَّابِقِ حَنَّانَ حَيْثُ أُخِذَ يَسُوعُ أَوَّلًا لِلِٱسْتِجْوَابِ. وَعِنْدَمَا نُقِلَ مِنْ هُنَاكَ، تَبِعَاهُ وَلٰكِنْ «عَنْ بُعْدٍ». (مت ٢٦:٥٨؛ يو ١٨:١٢، ١٣) لَمْ يَكُنْ بُطْرُسُ جَبَانًا، فَٱللَّحَاقُ بِيَسُوعَ تَطَلَّبَ شَجَاعَةً كَبِيرَةً دُونَ شَكٍّ لِأَنَّ ٱلرَّعَاعَ كَانُوا مُسَلَّحِينَ وَهُوَ آذَى أَحَدَهُمْ لِتَوِّهِ. مَعَ ذٰلِكَ، لَمْ يُبَرْهِنْ فِي هٰذَا ٱلظَّرْفِ ٱلصَّعْبِ عَنِ ٱلْمَحَبَّةِ وَٱلْوَلَاءِ كَمَا ٱدَّعَى سَابِقًا حِينَ عَبَّرَ عَنِ ٱسْتِعْدَادِهِ لِلْمَوْتِ إِلَى جَانِبِ سَيِّدِهِ إِنْ لَزِمَ ٱلْأَمْرُ. — مر ١٤:٣١.
١٣ مَا هِيَ ٱلطَّرِيقَةُ ٱلصَّائِبَةُ ٱلْوَحِيدَةُ لِٱتِّبَاعِ ٱلْمَسِيحِ؟
١٣ عَلَى غِرَارِ بُطْرُسَ، يَسْعَى كَثِيرُونَ ٱلْيَوْمَ إِلَى ٱتِّبَاعِ ٱلْمَسِيحِ «عَنْ بُعْدٍ»، أَيْ فِي ٱلْخَفَاءِ وَدُونَ أَنْ يَلْفِتُوا ٱلْأَنْظَارَ. وَلٰكِنْ كَمَا كَتَبَ بُطْرُسُ نَفْسُهُ لَاحِقًا، إِنَّ ٱلطَّرِيقَةَ ٱلصَّائِبَةَ ٱلْوَحِيدَةَ لِٱتِّبَاعِ ٱلْمَسِيحِ هِيَ أَنْ نَلْتَصِقَ بِهِ إِلَى أَقْصَى حَدٍّ مُمْكِنٍ وَنَسِيرَ عَلَى خُطَاهُ فِي كُلِّ ٱلْمَجَالَاتِ بِصَرْفِ ٱلنَّظَرِ عَنِ ٱلنَّتَائِجِ. — اقرأ ١ بطرس ٢:٢١.
١٤ كَيْفَ أَمْضَى بُطْرُسُ سَاعَاتِ ٱللَّيْلِ فِيمَا مُحَاكَمَةُ يَسُوعَ مُنْعَقِدَةٌ؟
مر ١٤:٥٤-٥٧؛ يو ١٨:١٥، ١٦، ١٨.
١٤ تَتَبَّعَ بُطْرُسُ يَسُوعَ بِحَذَرٍ حَتَّى وَصَلَ إِلَى بَوَّابَةِ أَحَدِ أَفْخَمِ بُيُوتِ أُورُشَلِيمَ، بَيْتِ قَيَافَا رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ ٱلَّذِي تَمَتَّعَ بِٱلثَّرَاءِ وَٱلنُّفُوذِ. كَانَ لِهٰذِهِ ٱلْبُيُوتِ عَادَةً فِنَاءٌ فِي ٱلْوَسَطِ وَبَوَّابَةٌ أَمَامِيَّةٌ. وَحِينَ بَلَغَ بُطْرُسُ ٱلْبَوَّابَةَ، لَمْ يُسْمَحْ لَهُ بِٱجْتِيَازِهَا. فَخَرَجَ يُوحَنَّا ٱلَّذِي كَانَ يَعْرِفُ رَئِيسَ ٱلْكَهَنَةِ وَكَلَّمَ ٱلْجَارِيَةَ لِتَسْمَحَ لَهُ بِٱلدُّخُولِ. وَكَمَا يَبْدُو، لَمْ يُلَازِمْ بُطْرُسُ يُوحَنَّا وَلَا حَاوَلَ أَنْ يَدْخُلَ ٱلْمَنْزِلَ لِيَقِفَ إِلَى جَانِبِ سَيِّدِهِ. بَلْ بَقِيَ فِي ٱلْفِنَاءِ حَيْثُ كَانَ بَعْضُ ٱلْعَبِيدِ وَٱلْخَدَمِ مُتَحَلِّقِينَ حَوْلَ نَارٍ مُتَوَهِّجَةٍ يَتَّقُونَ بَرْدَ ٱللَّيْلِ ٱلْقَارِسَ وَيُرَاقِبُونَ ٱلدَّاخِلِينَ وَٱلْخَارِجِينَ ٱلَّذِينَ أَتَوْا لِيَشْهَدُوا زُورًا عَلَى يَسُوعَ فِي ٱلْمُحَاكَمَةِ ٱلْمُنْعَقِدَةِ فِي ٱلدَّاخِلِ. —١٥، ١٦ كَيْفَ تَمَّتْ نُبُوَّةُ يَسُوعَ أَنَّ بُطْرُسَ سَيُنْكِرُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟
١٥ عَلَى ضَوْءِ ٱلنَّارِ، ٱسْتَطَاعَتِ ٱلْجَارِيَةُ ٱلَّتِي أَدْخَلَتْ بُطْرُسَ أَنْ تُمَيِّزَ مَلَامِحَهُ، فَٱتَّهَمَتْهُ بِٱلْقَوْلِ: «أَنْتَ أَيْضًا كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ ٱلْجَلِيلِيِّ!». بَاغَتَ هٰذَا ٱلِٱتِّهَامُ بُطْرُسَ، فَأَنْكَرَ مَعْرِفَتَهُ بِيَسُوعَ زَاعِمًا أَنَّهُ لَا يَفْهَمُ مَا تَقُولُ. ثُمَّ تَوَجَّهَ نَحْوَ ٱلرَّدْهَةِ ٱلَّتِي عِنْدَ ٱلْبَوَّابَةِ لِكَيْ يَتَوَارَى عَنِ ٱلْأَنْظَارِ، لٰكِنَّ جَارِيَةً أُخْرَى رَأَتْهُ وَقَالَتْ هِيَ أَيْضًا: «هٰذَا كَانَ مَعَ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيِّ». فَأَقْسَمَ قَائِلًا: «لَا أَعْرِفُ هٰذَا ٱلْإِنْسَانَ!». (مت ٢٦:٦٩-٧٢؛ مر ١٤:٦٦-٦٨) بِهٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ أَنْكَرَ سَيِّدَهُ لِلْمَرَّةِ ٱلثَّانِيَةِ، وَلَعَلَّهُ حِينَذَاكَ سَمِعَ صِيَاحَ ٱلدِّيكِ. غَيْرَ أَنَّ ذِهْنَهُ كَانَ مُشَتَّتًا جِدًّا لِدَرَجَةِ أَنَّهُ لَمْ يَتَذَكَّرِ ٱلنُّبُوَّةَ ٱلَّتِي تَفَوَّهَ بِهَا يَسُوعُ قَبْلَ مُجَرَّدِ سَاعَاتٍ.
١٦ مَضَى بَعْضُ ٱلْوَقْتِ وَهُوَ يُحَاوِلُ يَائِسًا أَلَّا يَلْفِتَ ٱلِٱنْتِبَاهَ. لٰكِنَّ بَعْضَ ٱلْوَاقِفِينَ فِي ٱلْفِنَاءِ ٱقْتَرَبُوا مِنْهُ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ نَسِيبٌ لِمَلْخُسَ، ٱلْعَبْدِ يو ١٨:٢٦، ٢٧؛ مر ١٤:٧١، ٧٢.
ٱلَّذِي قَطَعَ أُذُنَهُ. فَقَالَ لَهُ: «أَمَا رَأَيْتُكَ فِي ٱلْبُسْتَانِ مَعَهُ؟». عِنْدَئِذٍ لَمْ يَتَمَالَكْ بُطْرُسُ نَفْسَهُ وَأَرَادَ إِقْنَاعَهُمْ أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِي ظَنِّهِمْ. فَأَخَذَ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ يَسُوعَ، دَاعِيًا كَمَا يَتَّضِحُ أَنْ تَحِلَّ عَلَيْهِ ٱللَّعْنَةُ إِذَا كَانَ يَكْذِبُ. وَهٰكَذَا أَنْكَرَ سَيِّدَهُ لِلْمَرَّةِ ٱلثَّالِثَةِ. وَمَا كَادَتِ ٱلْكَلِمَاتُ تَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ حَتَّى سَمِعَ ٱلدِّيكَ يَصِيحُ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ. —١٧، ١٨ (أ) مَاذَا فَعَلَ بُطْرُسُ حِينَ أَدْرَكَ فَظَاعَةَ فَعْلَتِهِ؟ (ب) مَاذَا رُبَّمَا خَطَرَ عَلَى بَالِ بُطْرُسَ؟
١٧ كَانَ يَسُوعُ قَدْ خَرَجَ لِتَوِّهِ إِلَى ٱلشُّرْفَةِ ٱلْمُطِلَّةِ عَلَى ٱلْفِنَاءِ حَيْثُ بُطْرُسُ وَاقِفٌ. وَفِي تِلْكَ ٱللَّحْظَةِ ٱلرَّهِيبَةِ تَلَاقَتْ أَعْيُنُهُمَا، حَسْبَمَا يَرْوِي مَطْلَعُ ٱلْفَصْلِ. فَلَمَعَتْ فِي رَأْسِ بُطْرُسَ فَظَاعَةُ فَعْلَتِهِ. لَقَدْ خَذَلَ سَيِّدَهُ أَسْوَأَ خِذْلَانٍ. فَتَرَكَ ٱلْفِنَاءَ تَسْحَقُهُ مَشَاعِرُ ٱلذَّنْبِ وَٱلْحُزْنِ. وَمَضَى هَائِمًا فِي شَوَارِعِ ٱلْمَدِينَةِ تَحْتَ ضَوْءِ ٱلْبَدْرِ ٱلَّذِي أَخَذَ يَنْحَدِرُ إِلَى مَخْدَعِهِ. وَرَاحَ ٱلدَّمْعُ يَتَرَقْرَقُ فِي عَيْنَيْهِ فِيمَا ٱلصُّوَرُ تَتَسَارَعُ فِي مُخَيِّلَتِهِ، حَتَّى ٱنْهَارَ بَاكِيًا بُكَاءً مُرًّا. — مر ١٤:٧٢؛ لو ٢٢:٦١، ٦٢.
١٨ عِنْدَمَا يَصْحُو ٱلْمَرْءُ مِنْ غَفْلَةٍ كَهٰذِهِ، قَدْ تَسْتَحْوِذُ عَلَيْهِ ٱلْفِكْرَةُ أَنَّهُ تَجَاوَزَ كُلَّ حُدُودٍ وَمَا عَادَ يَسْتَحِقُّ ٱلْغُفْرَانَ. وَرُبَّمَا هٰذَا مَا خَطَرَ عَلَى بَالِ بُطْرُسَ. وَلٰكِنْ هَلْ كَانَ مُصِيبًا فِي تَفْكِيرِهِ؟
خَطَأٌ لَا يُغْتَفَرُ؟
١٩ كَيْفَ شَعَرَ بُطْرُسُ حِيَالَ فَعْلَتِهِ، وَمَاذَا يَدُلُّ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَسْلِمْ لِلْيَأْسِ؟
١٩ لَا شَكَّ أَنَّ أَلَمًا فَاقَ ٱلتَّصَوُّرَ مَزَّقَ قَلْبَ بُطْرُسَ مَعَ بُزُوغِ ٱلْفَجْرِ وَتَوَالِي أَحْدَاثِ ٱلنَّهَارِ. فَلَكَمْ نَدِمَ وَلَامَ نَفْسَهُ حِينَ فَارَقَ يَسُوعُ ٱلْحَيَاةَ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ مِنْ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ عَقِبَ سَاعَاتٍ مِنَ ٱلْعَذَابِ! وَلَا بُدَّ أَنَّهُ قَاسَى مِنْ وَجَعِ ٱلضَّمِيرِ أَشَدَّهُ كُلَّمَا تَذَكَّرَ كَيْفَ زَادَ أَلَمًا عَلَى آلَامِ سَيِّدِهِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ حَيَاتِهِ كَإِنْسَانٍ. وَمَعَ أَنَّ حُزْنًا عَمِيقًا ٱكْتَنَفَ فُؤَادَهُ، لَمْ يَدَعِ ٱلْيَأْسَ يَسْتَبِدُّ بِهِ، لِأَنَّهُ مَا لَبِثَ أَنْ عَادَ إِلَى ٱلِٱجْتِمَاعِ بِإِخْوَتِهِ ٱلرُّوحِيِّينَ. (لو ) فَلَا رَيْبَ أَنَّ ٱلرُّسُلَ جَمِيعًا كَانُوا نَادِمِينَ عَلَى تَصَرُّفِهِمْ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ ٱلْمُرِيعَةِ، فَمَنَحُوا ٱلدَّعْمَ وَاحِدُهُمْ لِلْآخَرِ. ٢٤:٣٣
٢٠ مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنَ ٱلْقَرَارِ ٱلْحَكِيمِ ٱلَّذِي ٱتَّخَذَهُ بُطْرُسُ؟
٢٠ نَجِدُ بُطْرُسَ هُنَا يَتَّخِذُ وَاحِدًا مِنْ أَحْكَمِ ٱلْقَرَارَاتِ فِي حَيَاتِهِ. فَعِنْدَمَا يَسْقُطُ خَادِمُ ٱللهِ، لَا تَهُمُّ خُطُورَةُ خَطَئِهِ بِقَدْرِ مَا تَهُمُّ قُوَّةُ تَصْمِيمِهِ عَلَى ٱلْقِيَامِ مُجَدَّدًا وَتَصْحِيحِ ٱلْأُمُورِ. (اقرإ الامثال ٢٤:١٦.) فَقَدْ أَعْرَبَ بُطْرُسُ عَنْ إِيمَانٍ أَصِيلٍ حِينَ عَاوَدَ ٱلِٱجْتِمَاعَ بِإِخْوَتِهِ مَعَ أَنَّ مَعْنَوِيَّاتِهِ كَانَتْ فِي ٱلْحَضِيضِ. فَيَوْمَ يُثْقِلُ ٱلْحُزْنُ أَوِ ٱلنَّدَمُ كَاهِلَنَا، يَكُونُ ٱلِٱعْتِزَالُ خِيَارًا مُغْرِيًا لٰكِنَّهُ يَنْطَوِي عَلَى مَخَاطِرَ جَمَّةٍ. (ام ١٨:١) فَٱلْمَسْلَكُ ٱلْحَكِيمُ هُوَ مُلَازَمَةُ إِخْوَتِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱسْتِعَادَةُ قُوَّتِنَا ٱلرُّوحِيَّةِ. — عب ١٠:٢٤، ٢٥.
٢١ مَاذَا سَمِعَ بُطْرُسُ وَهُوَ مُجْتَمِعٌ مَعَ إِخْوَتِهِ ٱلرُّوحِيِّينَ؟
٢١ بِمَا أَنَّ بُطْرُسَ تَوَاجَدَ مَعَ إِخْوَتِهِ ٱلرُّوحِيِّينَ، سَمِعَ ٱلْخَبَرَ ٱلصَّاعِقَ عَنِ ٱخْتِفَاءِ جَسَدِ يَسُوعَ. فَرَكَضَ هُوَ وَيُوحَنَّا إِلَى ٱلْقَبْرِ ٱلَّذِي خُتِمَ بِحَجَرٍ كَبِيرٍ. فَوَصَلَ أَوَّلًا يُوحَنَّا ٱلَّذِي كَانَ أَصْغَرَ سِنًّا عَلَى ٱلْأَرْجَحِ. وَمَعَ أَنَّهُ وَجَدَ ٱلْمَدْخَلَ مَفْتُوحًا، تَرَدَّدَ فِي ٱلدُّخُولِ. أَمَّا بُطْرُسُ ٱلَّذِي وَصَلَ مَقْطُوعَ ٱلنَّفَسِ فَدَخَلَ ٱلْقَبْرَ عَلَى ٱلْفَوْرِ. وَإِذَا بِهِ فَارِغٌ! — يو ٢٠:٣-٩.
٢٢ لِمَ تَلَاشَى كُلُّ حُزْنٍ وَشَكٍّ فِي قَلْبِ بُطْرُسَ؟
٢٢ هَلْ صَدَّقَ بُطْرُسُ أَنَّ يَسُوعَ قَامَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ؟ فِي ٱلْبِدَايَةِ لَا، مَعَ أَنَّ نِسَاءً أَمِينَاتٍ أَخْبَرْنَ كَيْفَ ظَهَرَ لَهُنَّ مَلَاكَانِ وَأَعْلَنَا قِيَامَةَ يَسُوعَ. (لو ٢٣:٥٥–٢٤:١١) وَلٰكِنْ بِحُلُولِ نِهَايَةِ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ، كَانَ قَدْ تَلَاشَى كُلُّ حُزْنٍ وَشَكٍّ فِي قَلْبِ بُطْرُسَ. فَيَسُوعُ عَادَ إِلَى ٱلْحَيَاةِ كَائِنًا رُوحَانِيًّا قَدِيرًا. وَقَدْ تَرَاءَى لِجَمِيعِ رُسُلِهِ. إِلَّا أَنَّهُ قَامَ أَوَّلًا بِأَمْرٍ خُصُوصِيٍّ. قَالَ ٱلرُّسُلُ يَوْمَذَاكَ: «بِٱلْحَقِيقَةِ أُقِيمَ ٱلرَّبُّ وَتَرَاءَى لِسِمْعَانَ!». (لو ٢٤:٣٤) كَمَا كَتَبَ ٱلرَّسُولُ بُولُسُ لَاحِقًا عَنْ ذٰلِكَ ٱلنَّهَارِ ٱلْمُمَيَّزِ قَائِلًا إِنَّ يَسُوعَ «تَرَاءَى لِصَفَا ثُمَّ لِلِٱثْنَيْ عَشَرَ». (١ كو ١٥:٥) وَصَفَا وَسِمْعَانُ لَيْسَا سِوَى ٱسْمَيْنِ آخَرَيْنِ لِبُطْرُسَ. مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّ يَسُوعَ تَرَاءَى لَهُ عَلَى ٱنْفِرَادٍ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ.
اِحْتَاجَ بُطْرُسُ حَاجَةً مَاسَّةً إِلَى غُفْرَانِ سَيِّدِهِ، وَمَنْ مِنَّا لَا يُعْوِزُهُ ٱلْغُفْرَانُ كُلَّ يَوْمٍ؟!
٢٣ لِمَ يَحْسُنُ بِٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلَّذِينَ يَقْتَرِفُونَ خَطِيَّةً مَا أَنْ يَتَذَكَّرُوا قِصَّةَ بُطْرُسَ؟
٢٣ إِنَّ تَفَاصِيلَ ذٰلِكَ ٱللِّقَاءِ ٱلْمُؤَثِّرِ بَيْنَ يَسُوعَ وَبُطْرُسَ ظَلَّتْ سِرًّا بَيْنَهُمَا، فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ لَا يُطْلِعُنَا عَلَيْهَا. وَلٰكِنْ لَا شَكَّ أَنَّ بُطْرُسَ ٱخْتَلَجَ آنَذَاكَ فَرَحًا وَتَأَثُّرًا. فَسَيِّدُهُ ٱلْحَبِيبُ عَلَى قَيْدِ ٱلْحَيَاةِ، وَلَدَيْهِ ٱلْفُرْصَةُ ٱلْآنَ أَنْ يُعَبِّرَ لَهُ عَنْ أَسَفِهِ وَتَوْبَتِهِ. لَقَدْ كَانَ نَيْلُ ٱلْغُفْرَانِ غَايَةَ أَمَانِيهِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ يَسُوعَ غَفَرَ لَهُ لَا بَلْ غَمَرَهُ بِٱلْغُفْرَانِ. وَٱلْيَوْمَ، يَحْسُنُ بِٱلْمَسِيحِيِّينَ أَنْ يَتَذَكَّرُوا قِصَّةَ بُطْرُسَ إِذَا مَا ٱقْتَرَفُوا خَطِيَّةً مَا. فَبِمَا أَنَّ يَسُوعَ عَكَسَ كَامِلًا صُورَةَ أَبِيهِ ٱلَّذِي «يُكْثِرُ ٱلْغُفْرَانَ»، فَلَا نَظُنَّ أَلْبَتَّةَ أَنَّ غُفْرَانَ يَهْوَهَ أَمْرٌ مُحَالٌ. — اش ٥٥:٧.
دَلِيلٌ عَلَى غُفْرَانِ يَسُوعَ ٱلْكَامِلِ
٢٤، ٢٥ (أ) كَيْفَ نَصِفُ ٱللَّيْلَةَ ٱلَّتِي أَمْضَاهَا بُطْرُسُ يَتَصَيَّدُ فِي بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ؟ (ب) مَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ بُطْرُسَ حِيَالَ ٱلْعَجِيبَةِ ٱلَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ فِي ٱلصَّبَاحِ ٱلتَّالِي؟
٢٤ طَلَبَ يَسُوعُ مِنْ رُسُلِهِ أَنْ يُوَافُوهُ إِلَى ٱلْجَلِيلِ. وَحِينَ وَصَلُوا، قَرَّرَ بُطْرُسُ ٱلذَّهَابَ لِلصَّيْدِ فِي بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ وَرَافَقَهُ عَدَدٌ مِنَ ٱلرُّسُلِ. وَهُنَاكَ أَخَذَ يَسْتَرْجِعُ ذِكْرَيَاتٍ حَمِيمَةً. فَهُوَ أَمْضَى فِي هٰذِهِ ٱلْبُحَيْرَةِ مُعْظَمَ حَيَاتِهِ ٱلْبَاكِرَةِ. وَكُلُّ مَا يَمُتُّ إِلَى هٰذَا ٱلْمَكَانِ مَأْلُوفٌ لَدَيْهِ: صَرِيرُ ٱلْمَرْكَبِ، تَلَاطُمُ ٱلْأَمْوَاجِ، وَمَلْمَسُ ٱلشَّبَكَةِ ٱلْخَشِنُ بَيْنَ يَدَيْهِ — جَمِيعُهَا تَبُثُّ فِيهِ شُعُورًا بِٱلرَّاحَةِ. وَلٰكِنْ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ، لَمْ يَصْطَدِ ٱلرُّسُلُ شَيْئًا. — مت ٢٦:٣٢؛ يو ٢١:١-٣.
٢٥ وَعِنْدَ ٱلْفَجْرِ، نَادَاهُمْ شَخْصٌ مِنَ ٱلشَّاطِئِ وَحَثَّهُمْ أَنْ يُلْقُوا ٱلشِّبَاكَ إِلَى ٱلْجَانِبِ ٱلْآخَرِ مِنَ ٱلْمَرْكَبِ. فَأَلْقَوْهَا وَٱلْتَقَطُوا ١٥٣ سَمَكَةً! وَمَا إِنْ عَرَفَ بُطْرُسُ هُوِيَّةَ ذٰلِكَ ٱلرَّجُلِ حَتَّى قَفَزَ فِي ٱلْمَاءِ وَسَبَحَ إِلَى ٱلْبَرِّ. وَعَلَى ٱلشَّاطِئِ، دَعَا يَسُوعُ أَصْدِقَاءَهُ ٱلْأُمَنَاءَ إِلَى وَجْبَةِ سَمَكٍ مَشْوِيٍّ عَلَى ٱلْجَمْرِ. ثُمَّ رَكَّزَ ٱنْتِبَاهَهُ عَلَى بُطْرُسَ. — يو ٢١:٤-١٤.
٢٦، ٢٧ (أ) أَيُّ فُرْصَةٍ مَنَحَهَا يَسُوعُ لِبُطْرُسَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ (ب) كَيْفَ أَكَّدَ يَسُوعُ غُفْرَانَهُ ٱلْكَامِلَ لِبُطْرُسَ؟
٢٦ سَأَلَ يَسُوعُ بُطْرُسَ إِذَا كَانَ يُحِبُّهُ «أَكْثَرَ مِنْ هٰؤُلَاءِ»، مُشِيرًا كَمَا يَتَّضِحُ إِلَى ٱلصَّيْدِ ٱلْوَفِيرِ ٱلَّذِي أَمْسَكُوهُ. فَهَلْ كَانَ بُطْرُسُ يَشْعُرُ فِي قَلْبِهِ أَنَّ مَحَبَّتَهُ لِمِهْنَةِ صَيْدِ ٱلسَّمَكِ تُزَاحِمُ مَحَبَّتَهُ لِيَسُوعَ؟ لَقَدْ أَنْكَرَ بُطْرُسُ سَيِّدَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَٱلْآنَ مَنَحَهُ يَسُوعُ ٱلْفُرْصَةَ أَنْ يُؤَكِّدَ مَحَبَّتَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى مَسْمَعِ رِفَاقِهِ. ثُمَّ بَيَّنَ لَهُ كَيْفَ يُظْهِرُ هٰذِهِ ٱلْمَحَبَّةَ: بِوَضْعِ ٱلْخِدْمَةِ ٱلْمُقَدَّسَةِ أَوَّلًا وَبِإِطْعَامِ وَتَقْوِيَةِ وَرِعَايَةِ خِرَافِ ٱلْمَسِيحِ، أَيْ أَتْبَاعِهِ ٱلْأُمَنَاءِ. —٢٧ وَهٰكَذَا، أَكَّدَ أَنَّ هٰذَا ٱلرَّسُولَ لَا يَزَالُ نَافِعًا لَهُ وَلِأَبِيهِ. فَكَانَ سَيَلْعَبُ دَوْرًا مُهِمًّا فِي ٱلْجَمَاعَةِ تَحْتَ تَوْجِيهِ ٱلْمَسِيحِ. فَيَا لَهُ مِنْ بُرْهَانٍ جَلِيٍّ عَلَى غُفْرَانِ يَسُوعَ ٱلْكَامِلِ! وَلَا شَكَّ أَنَّ رَحْمَتَهُ هٰذِهِ مَسَّتْ بُطْرُسَ فِي ٱلصَّمِيمِ وَدَفَعَتْهُ إِلَى ٱلتَّعَلُّمِ مِنْ أَخْطَائِهِ.
٢٨ كَيْفَ بَرْهَنَ بُطْرُسُ أَنَّهُ ٱسْمٌ عَلَى مُسَمًّى؟
٢٨ نَهَضَ بُطْرُسُ بِتَعْيِينِهِ بِكُلِّ أَمَانَةٍ طَوَالَ سَنَوَاتٍ عَدِيدَةٍ. فَقَوَّى إِخْوَتَهُ حَسْبَمَا أَوْصَاهُ يَسُوعُ فِي ٱللَّيْلَةِ ٱلْأَخِيرَةِ مِنْ حَيَاتِهِ. وَعَمِلَ بِلُطْفٍ وَصَبْرٍ عَلَى رِعَايَةِ وَإِطْعَامِ أَتْبَاعِ ٱلْمَسِيحِ. فِعْلًا، بَرْهَنَ سِمْعَانُ ٱلَّذِي أَطْلَقَ عَلَيْهِ يَسُوعُ ٱسْمَ بُطْرُسَ، أَيْ صَخْرَةٍ، أَنَّهُ ٱسْمٌ عَلَى مُسَمًّى إِذْ تَحَلَّى بِٱلثَّبَاتِ وَٱلْقُوَّةِ وَزَوَّدَ ٱلدَّعْمَ لِلْجَمَاعَةِ. وَنَجِدُ أَدِلَّةً وَافِرَةً عَلَى ذٰلِكَ فِي ٱلرِّسَالَتَيْنِ ٱلرَّقِيقَتَيْنِ ٱللَّتَيْنِ كَتَبَهُمَا وَأَصْبَحَتَا جُزْءًا مُهِمًّا مِنَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ. وَتُظْهِرُ هَاتَانِ ٱلرِّسَالَتَانِ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَنْسَ قَطُّ ٱلدَّرْسَ فِي ٱلْغُفْرَانِ ٱلَّذِي تَعَلَّمَهُ مِنْ يَسُوعَ. — اقرأ ١ بطرس ٣:٨، ٩؛ ٤:٨.
٢٩ كَيْفَ نَقْتَدِي بِإِيمَانِ بُطْرُسَ وَرَحْمَةِ سَيِّدِهِ؟
٢٩ فَهَلَّا نَتَعَلَّمُ نَحْنُ أَيْضًا هٰذَا ٱلدَّرْسَ فِي ٱلْغُفْرَانِ؟ هَلْ نَسْأَلُ ٱللهَ يَوْمِيًّا أَنْ يُسَامِحَنَا عَلَى خَطَايَانَا ٱلْكَثِيرَةِ؟ أَنُصَدِّقُ أَنَّ غُفْرَانَهُ لَيْسَ مُسْتَحِيلًا وَنُؤْمِنُ بِقُدْرَتِهِ عَلَى تَطْهِيرِنَا؟ وَهَلْ نَغْفِرُ بِدَوْرِنَا لِلْآخَرِينَ؟ إِنْ نَفْعَلْ ذٰلِكَ، نَقْتَدِ بِإِيمَانِ بُطْرُسَ وَرَحْمَةِ سَيِّدِهِ.