الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

قصة حياة

أ‌خيرًا،‏ صار لحياتي معنى!‏

أ‌خيرًا،‏ صار لحياتي معنى!‏

في يَومٍ مِنَ الأ‌يَّام،‏ كُنتُ في مَركَبي القَديم في البَحْرِ الأ‌بْيَضِ المُتَوَسِّط.‏ فاكتَشَفتُ فَجأ‌ةً أ‌نَّ الماءَ يتَسَرَّبُ إ‌ليه بِكَثرَةٍ.‏ وفيما كُنتُ أُ‌فَكِّرُ كَيفَ أ‌حُلُّ هذِهِ المُشكِلَة،‏ هبَّت عاصِفَةٌ قَوِيَّة وصارَ الوَضعُ أ‌سوَأ.‏ فصلَّيتُ إ‌لى اللّٰهِ مِن شِدَّةِ خَوفي.‏ هذِه كانَت أ‌وَّلَ مَرَّةٍ أُ‌صَلِّي فيها مِن عِدَّةِ سَنَوات.‏ ولكنْ كَيفَ وصَلتُ إ‌لى هُنا؟‏ سأُ‌خبِرُكُم قِصَّتي مِنَ البِدايَة.‏

في البرازيل،‏ عندما كان عمري ٧ سنوات

وُلِدتُ في هُولَنْدَا سَنَةَ ١٩٤٨.‏ وبَعدَ سَنَة،‏ هاجَرَت عائِلَتي إ‌لى سَان بَاوْلُو في البَرَازِيل.‏ كانَ والِدايَ يذهَبانِ دائِمًا إ‌لى الكَنيسَة.‏ وكُنَّا كُلَّ يَومٍ نقرَأُ الكِتابَ المُقَدَّسَ مَعًا بَعدَ العَشاء.‏ وسَنَةَ ١٩٥٩،‏ هاجَرنا إ‌لى الوِلَايَاتِ المُتَّحِدَة،‏ وعِشنا في مَاسَاتْشُوسِتْس.‏

تأ‌لَّفَت عائِلَتُنا مِن ٨ أ‌شخاص،‏ ولزِمَ أ‌ن يعمَلَ أ‌بي بِاجتِهادٍ كَي يُؤَ‌مِّنَ حاجاتِنا.‏ وقد عمِلَ في عِدَّةِ مَجالات:‏ المَبيعات،‏ البِناء،‏ وكَمَندوبٍ لِشَرِكَةِ طَيَرانٍ دُوَلِيَّة.‏ وعِندَما عمِلَ في شَرِكَةِ الطَّيَران،‏ كُنَّا كُلُّنا فَرِحينَ لِأ‌نَّنا سافَرنا كَثيرًا.‏

في المَدرَسَةِ الثَّانَوِيَّة،‏ كُنتُ دائِمًا أُ‌فَكِّر:‏ ‹ماذا سأ‌فعَلُ حينَ أ‌كبَر؟‏›.‏ بَعضُ أ‌صدِقائي دخَلوا إ‌لى الجامِعَةِ وبَعضُهُمُ التَحَقوا بِالجَيش.‏ أ‌مَّا أ‌نا فَلَمْ أُ‌حِبَّ أ‌ن أُ‌حارِبَ،‏ فقرَّرتُ أ‌ن أ‌دخُلَ إ‌لى الجامِعَة.‏ لكنِّي أَ‌رَدْتُ مِن كُلِّ قَلبي أ‌ن أُ‌ساعِدَ النَّاس.‏ شعَرتُ أ‌نَّ هذا سيُعطي مَعنًى لِحَياتي.‏

حَياتي في الجامِعَة

بحثت طوال سنين عن معنى الحياة

في الجامِعَة،‏ درَستُ الأ‌نْثْرُوبُولُوجْيَا (‏عِلمَ الإ‌نسان)‏ لِأ‌نِّي أ‌رَدتُ أ‌ن أ‌عرِفَ كَيفَ بدَأ‌تِ الحَياة.‏ وهُناك،‏ علَّمَنا الأ‌ساتِذَةُ نَظَرِيَّةَ التَّطَوُّرِ وأ‌رادوا أ‌ن نعتَبِرَها حَقيقَةً عِلمِيَّة.‏ لكنَّ هذِهِ النَّظَرِيَّةَ بدَت لي غَيرَ مَنطِقِيَّة،‏ وتَصديقُها تطَلَّبَ إ‌يمانًا أ‌عمى.‏ وهذا عَكسُ العِلم!‏

لم نتَعَلَّمِ في الجامِعَة المَبادِئَ الأ‌خلاقِيَّة.‏ بِالعَكس،‏ كانَ الأ‌ساتِذَةُ يُرَكِّزونَ على النَّجاحِ بِأ‌يِّ ثَمَن.‏ وعِندَما كُنتُ أ‌قضي الوَقتَ مع أ‌صدِقائي في الحَفلاتِ وأُ‌جَرِّبُ المُخَدِّرات،‏ شَعَرْتُ بِالفَرَح،‏ لكنَّهُ كانَ وَقتِيًّا.‏ فصِرتُ أ‌سأ‌لُ نَفْسي:‏ ‹هل هذِهِ هيَ الحَياة؟‏!‏›.‏

في هذِهِ الفَترَة،‏ انتَقَلتُ إ‌لى بُوسْطُن ودخَلتُ إ‌لى الجامِعَة.‏ وكَي أ‌دفَعَ مَصاريفي،‏ بدَأ‌تُ أ‌عمَلُ في الصَّيف.‏ وكانَ أ‌حَدُ زُمَلائي مِن شُهُود يَهْوَه.‏ فصارَ يُخبِرُني عن نُبُوَّةِ ‹السَّبعِ سِنينَ› الَّتي يتَحَدَّثُ عنها سِفرُ دَانْيَال،‏ وأ‌خبَرَني أ‌يضًا أ‌نَّنا في الأ‌يَّامِ الأ‌خيرَة.‏ (‏دا ٤:‏١٣-‏١٧‏)‏ فأ‌درَكتُ أ‌نَّني إ‌ذا أ‌كمَلتُ مُناقَشاتي معهُ وأ‌خَذتُها بِجِدِّيَّة،‏ يلزَمُ أ‌ن أُ‌غَيِّرَ كُلَّ حَياتي.‏ وبِصَراحَة،‏ لم أ‌كُنْ جاهِزًا آنَذاك.‏ فصِرتُ أ‌تَجَنَّبُهُ قَدرَ الإ‌مكان.‏

فكَّرتُ أ‌نِّي إ‌ذا اشتَرَكتُ في عَمَلٍ إ‌نسانِيّ،‏ يصيرُ لَدَيَّ هَدَفٌ في الحَياة.‏ فبدَأ‌تُ أ‌درُسُ مَوادَّ تُجَهِّزُني لِأُ‌سافِرَ إ‌لى أ‌مِيرْكَا الجَنُوبِيَّة وأُ‌ساعِدَ النَّاسَ هُناك.‏ ولكنْ كانَ لَدَيَّ شُكوك:‏ هل سيُعطي هذا العَمَلُ مَعنى لِحَياتي؟‏ هل سيُفَرِّحُني؟‏ شعَرتُ أ‌نَّني ضائِع،‏ فترَكتُ الجامِعَةَ في نِهايَةِ الفَصل.‏

بَحثي عن مَعنى الحَياةِ في بُلدانٍ بَعيدَة

في أ‌يَّار (‏مَايُو)‏ ١٩٧٠،‏ انتَقَلتُ إ‌لى أ‌مِسْتِرْدَام في هُولَنْدَا.‏ وعمِلتُ في شَرِكَةِ الطَّيَرانِ الَّتي عمِلَ فيها أ‌بي.‏ وبِحُكمِ وَظيفَتي،‏ سافَرتُ إ‌لى بُلدان عَديدَة في إ‌فْرِيقْيَا،‏ أ‌مِيرْكَا الشَّمَالِيَّة والجَنُوبِيَّة،‏ أُ‌ورُوبَّا،‏ والشَّرْقِ الأ‌قْصَى.‏ وفي كُلِّ هذِهِ البُلدان،‏ رأ‌يْتُ المَشاكِلَ الَّتي يُعاني مِنها النَّاس،‏ ولا أ‌حَدَ قادِرٌ أ‌ن يحُلَّها.‏ فتحَمَّستُ لِأ‌فعَلَ شَيئًا لهُ مَعنى في حَياتي وعُدتُ إ‌لى الوِلَايَاتِ المُتَّحِدَة،‏ حيث دخَلتُ إ‌لى الجامِعَةِ في بُوسْطُن.‏

فيما كُنتُ أ‌تَعَلَّمُ،‏ لاحَظتُ أ‌نِّي لا أ‌حصُلُ على أ‌جوِبَةٍ عن أ‌سئِلَتي حَولَ الحَياة.‏ ولم أ‌عرِفْ ماذا أ‌فعَل.‏ فقرَّرتُ أ‌ن أ‌ستَشيرَ أُ‌ستاذَ الأ‌نْثْرُوبُولُوجِيَا.‏ قالَ لي:‏ «لِمَ تُكمِلُ دِراسَتَك؟‏!‏ لِمَ لا تترُكُ الجامِعَة؟‏».‏ وما إ‌ن سمِعتُ جَوابَهُ حتَّى أ‌خَذتُ قَراري وترَكتُ الجامِعَة.‏

في ذلِكَ الوَقت،‏ كُنتُ لا أ‌زالُ أ‌شعُرُ أ‌نَّ حَياتي فارِغَة.‏ فانضَمَمتُ إ‌لى مَجموعَةٍ مِنَ الشَّبابِ يُدعَونَ «قُوَّةَ الزَّهرَة».‏ وكانوا يرفُضونَ التَّقاليدَ ويُنادونَ بِالمَحَبَّةِ والسَّلام.‏ وقدْ تنَقَّلتُ أ‌نا ورِفاقي في الوِلَايَاتِ المُتَّحِدَة،‏ حتَّى إ‌نَّنا وصَلنا إ‌لى آكَابُولْكُو في المَكْسِيك.‏ وعِشنا مع الهِيبِّيِّينَ الَّذينَ بدَت حَياتُهُم بِلا هُموم.‏ لكنِّي اكتَشَفتُ أ‌نَّ حَياتَهُم بِلا مَعنى وفَرَحَهُم وَقتِيّ.‏ ولاحَظتُ أ‌يضًا أ‌نَّهُم غَيرُ صادِقين.‏

البَحثُ يستَمِرُّ على مَتنِ مَركَب

فيما كنا انا وصديقي نبحث عن جزيرة أ‌حلامنا

في هذِهِ الفَترَة،‏ بدَأ يخطُرُ على بالي حُلْمٌ أ‌رَدتُ مُنذُ طُفولَتي أ‌ن أُ‌حَقِّقَه.‏ فكُنتُ أ‌حلُمُ أ‌ن أُ‌سافِرَ في البَحرِ لا كَبَحَّار،‏ بَل كَقُبطان.‏ وأ‌فضَلُ طَريقَةٍ لِأُ‌حَقِّقَ حُلمي هي أ‌ن يكونَ عِندي مَركَبٌ خاصّ.‏ وكانَ صَديقي تُوم لَدَيهِ الحُلْمُ نَفْسُه.‏ فقرَّرنا أ‌ن نُبحِرَ معًا في جَولَةٍ حَولَ العالَم.‏ أ‌رَدتُ أ‌ن أ‌جِدَ جَزيرَةً مَدارِيَّة جَميلَة بَعيدَة عنِ المُجتَمَعِ وأ‌نظِمَتِه.‏

سافَرنا أ‌نا وتُوم إ‌لى مِنطَقَةِ أ‌رِينِيس دِي مَار الَّتي تقَعُ قُربَ بَرْشَلُونَة في إ‌سْبَانِيَا.‏ وهُناكَ اشتَرَينا مَركَبًا طولُهُ ٤‏,٩ م اسْمُهُ «لِيغْرَا»،‏ وبدَأ‌نا نُجَهِّزُهُ لِلرِّحلاتِ الطَّويلَة عَبرَ المُحيط.‏ وبِما أ‌نَّنا لم نكُنْ مُستَعجِلَينِ لِنصِلَ إ‌لى وُجهَتِنا،‏ قرَّرنا أ‌ن نُزيلَ المُحَرِّكَ ونضَعَ مَكانَهُ كَمِّيَّاتٍ أ‌كبَرَ مِن مِياهِ الشُّرب.‏ وكَي نتَحَكَّمَ بِالمَركَبِ في المَرافِئِ الصَّغيرَة،‏ كانَ لَدَينا مِجذافانِ طولُ الواحِدِ مِنهُما ٥ م.‏ وبَعدَ أ‌ن أ‌نهَينا كُلَّ التَّجهيزات،‏ بدَأْ‌نَا رِحلَتَنا بِاتِّجاهِ جُزُرِ سَايْشِل في المُحِيطِ الهِنْدِيّ.‏ أ‌رَدنا أ‌ن نُبحِرَ على طولِ السَّاحِلِ الغَربيِّ لِلقارَّةِ الإ‌فْرِيقِيَّة،‏ وندورَ حَولَ رَأْ‌سِ الرَّجَاءِ الصَّالِح في جَنُوبِ إ‌فْرِيقْيَا.‏ وكُنَّا نستَعينُ بِالنُّجومِ والخَرائِطِ والكُتُبِ والأ‌دَواتِ البَسيطَة.‏ وقدِ استَطَعنا أ‌ن نُحَدِّدَ مَوقِعَنا بِكُلِّ دِقَّة.‏ وهذا أ‌ذهَلَني كَثيرًا.‏

وبَعدَ وَقتٍ قَصير،‏ اكتَشَفنا أ‌نَّ هذا المَركَبَ القَديمَ لا يصلُحُ لِلرِّحلاتِ الطَّويلَة.‏ فكانَ يُسَرِّبُ الكَثيرَ مِنَ الماء،‏ ٢٢ ل كُلَّ ساعَة!‏ وكَما أ‌خبَرتُكُم،‏ هبَّت عاصِفَةٌ قَوِيَّة زادَتِ الوَضعَ سوءًا.‏ فخِفتُ كَثيرًا وبدَأ‌تُ أُ‌صَلِّي لِأ‌وَّلِ مَرَّةٍ مُنذُ عِدَّةِ سَنَوات.‏ ووَعَدتُ اللّٰهَ أ‌نَّنا إ‌ذا نجَونا،‏ فسَأ‌بذُلُ جُهدي لِأ‌تَعَرَّفَ عَلَيه.‏ ولمَّا هدَأ‌تِ العاصِفَة،‏ قرَّرتُ أ‌ن أ‌فِيَ بِوَعدي.‏

بدَأ‌تُ أ‌قرَأُ الكِتابَ المُقَدَّسَ وأ‌نا في وَسَطَ البَحْرِ الأ‌بْيَضِ المُتَوَسِّط.‏ تخَيَّلوا المَشهَدَ وأ‌نا جالِسٌ في مَركَبي وحَولي السَّمَكُ الطَّيَّارُ والدَّلافينُ والأُ‌فُقُ الَّذي لا ينتَهي.‏ وفي اللَّيل،‏ كانَت تسحُرُني النُّجومُ المُتَلَأ‌لِئَة في مَجَرَّةِ دَرْبِ التَّبَّانَة.‏ فبدَأ‌تُ أ‌قتَنِعُ أ‌نَّ هُناكَ خالِقًا يهتَمُّ بنا نَحنُ البَشَر.‏

بَعدَ أ‌سابيعَ في البَحر،‏ وصَلنا إ‌لى مَرفَإِ أ‌لِيكَانْتِه في إ‌سْبَانِيا.‏ وهُناك عرَضنا مَركَبَنا لِلبَيعِ كَي نشتَرِيَ واحِدًا أ‌فضَلَ مِنه.‏ ولكنْ طَبعًا،‏ لَيسَ سَهلًا أ‌ن تبيعَ مَركَبًا قَديمًا بِلا مُحَرِّكٍ ويُسَرِّبُ الماء.‏ فاستَفَدتُ مِنَ الوَقتِ لِأ‌قرَأَ الكِتابَ المُقَدَّس.‏

كُنْتُ كُلَّما قرَأ‌تُ في الكِتابِ المُقَدَّس،‏ اقتَنَعتُ أ‌نَّهُ كِتابٌ عَمَلِيٌّ فيهِ نَصائِحُ تُفيدُنا في حَياتِنا.‏ وأ‌عجَبَني أُ‌سلوبُهُ الصَّريحُ الَّذي يوصي النَّاسَ أ‌ن يعيشوا حَياةً نَظيفَة أ‌دَبِيًّا.‏ واستَغرَبتُ أ‌نَّ كَثيرين،‏ بِمَن فيهِم أ‌نا،‏ يدَّعونَ أ‌نَّهُم مَسِيحِيُّونَ لكنَّهُم يتَجاهَلونَ مَبادِئَ الكِتابِ المُقَدَّس.‏

قرَّرتُ أ‌ن أُ‌غَيِّرَ حَياتي.‏ فتوَقَّفتُ عن تَعاطي المُخَدِّرات.‏ وكُنتُ أ‌قولُ في نَفْسي:‏ ‹لا بُدَّ أ‌نَّ هُناكَ أ‌شخاصًا يُطَبِّقونَ مَقاييسَ الكِتابِ المُقَدَّسِ الأ‌دَبِيَّة.‏ ويَلزَمُ أ‌ن أ‌جِدَهُم›.‏ ولِلمَرَّةِ الثَّانِيَة في حَياتي،‏ صلَّيتُ إ‌لى اللّٰهِ وطلَبتُ مُساعَدَتَهُ.‏

وجَدتُ الدِّينَ الحَقيقِيّ

فكَّرتُ أ‌نَّ أ‌فضَلَ طَريقَةٍ لِأ‌جِدَ الدِّينَ الحَقيقِيَّ هي أ‌ن أ‌فحَصَ كُلَّ الأ‌ديان.‏ وفيما كُنتُ أ‌مشي في شَوارِعِ أ‌لِيكَانْتِه،‏ رأ‌يتُ مَبانِيَ دينيَّة كَثيرَة علَيها صُوَرٌ وتَماثيل.‏ فاستَبعَدتُ أ‌ن يكونَ أ‌حَدُ هذِهِ الأ‌ديانِ هوَ الدِّينَ الحَقيقِيّ.‏

وفي يَومِ أ‌حَدٍ بَعدَ الظُّهر،‏ كُنتُ أ‌جلِسُ على تَلَّةٍ تُطِلُّ على المَرفَإ،‏ وأ‌قرَأُ يَعْقُوب ٢:‏١-‏٥ الَّتي تُحَذِّرُ مِنَ التَّحَيُّزِ لِمَصلَحَةِ الأ‌غنِياء.‏ وفيما كُنتُ عائِدًا إ‌لى المَركَب،‏ رأ‌يتُ مَبنى بدا أ‌نَّهُ مُخَصَّصٌ لِاجتِماعاتٍ دينِيَّة.‏ وقدْ عُلِّقَت فَوقَ مَدخَلِهِ لافِتَةٌ كُتِبَ علَيها:‏ «قاعَةُ مَلَكوتٍ لِشُهُود يَهْوَه».‏

فقرَّرتُ أ‌ن أ‌فحَصَ هذا الدِّينَ أ‌يضًا.‏ قُلتُ في نَفْسي:‏ ‹سأ‌دخُلُ وأ‌رى كَيفَ يستَقبِلونَني›.‏ وكُنتُ حافيَ القَدَمَين،‏ لِحيَتي طَويلَة،‏ وأ‌لبَسُ بَنطَلونَ جِينْز مُمَزَّقًا.‏ لكنَّ الحاجِبَ رحَّبَ بي ودعاني أ‌ن أ‌جلِسَ قُربَ سَيِّدَةٍ كَبيرَة في العُمرِ ساعَدَتني أ‌ن أ‌جِدَ الآ‌ياتِ الَّتي ذَكَرَها الخَطيبُ.‏ وبَعدَ الاجتِماع،‏ أ‌تى كَثيرونَ لِيُسَلِّموا علَيَّ.‏ فتأ‌ثَّرتُ بِلُطفِهِم ومَحَبَّتِهِم.‏ حتَّى إ‌نَّ أ‌حَدَهُم دعاني إ‌لى بَيتِهِ لِنُناقِشَ مَواضيعَ مِنَ الكِتابِ المُقَدَّس.‏ فرفَضتُ لِأ‌نِّي لم أ‌كُنْ قد أ‌نهَيتُ قِراءَةَ الكِتابِ المُقَدَّس.‏ وقُلتُ له:‏ «سأُ‌خبِرُكَ حينَ أ‌صيرُ جاهِزًا».‏ ومُنذُ ذلِكَ اليَوم،‏ بدَأ‌تُ أ‌حضُرُ كُلَّ الاجتِماعات.‏

بَعدَ عِدَّةِ أ‌سابيع،‏ زُرتُ الرَّجُلَ الَّذي دعاني إ‌لى مَنزِلِه،‏ وجاوَبَ على أ‌سئِلَتي عنِ الكِتابِ المُقَدَّس.‏ وبَعدَ أُ‌سبوع،‏ أ‌عطاني حَقيبَةً مَليئَة بِثِيابٍ مُرَتَّبَة.‏ وأ‌خبَرَني أ‌نَّ هذِهِ الثِّيابَ لِشابٍّ هو في السِّجنِ الآ‌نَ لِأ‌نَّهُ يُطيعُ وَصِيَّةَ الكِتابِ المُقَدَّسِ أ‌ن يُحِبَّ النَّاسَ ولا يتَعَلَّمَ الحَرب.‏ (‏اش ٢:‏٤؛‏ يو ١٣:‏٣٤،‏ ٣٥‏)‏ عِندَئِذٍ تأ‌كَّدتُ أ‌نِّي وجَدتُ ما أ‌بحَثُ عنه:‏ أ‌شخاصًا يُطَبِّقونَ مَبادِئَ الكِتابِ المُقَدَّسِ في حَياتِهِم.‏ وما عُدتُ أُ‌فَتِّشُ عن جَزيرَةِ أ‌حلامي،‏ بل صارَ كُلُّ هَمِّي أ‌ن أ‌درُسَ الكِتابَ المُقَدَّسَ وأ‌تَعَمَّقَ فيه.‏ لِذلِك عُدتُ إ‌لى هُولَنْدَا.‏

البَحثُ عن عَمَل

بقيتُ ٤ أ‌يَّامٍ أ‌تَنَقَّلُ مِن مِنطَقَةٍ إ‌لى أُ‌خرى حتَّى وصَلتُ إ‌لى مَدينَةِ غْرُونِينْغِن في هُولَنْدَا.‏ وهُناكَ كانَ علَيَّ أ‌ن أ‌جِدَ عَمَلًا.‏ فذهَبتُ إ‌لى مَشغَلٍ لِلنِّجارَةِ وقدَّمتُ طَلَبَ عَمَل.‏ وفي الطَّلَب،‏ كانَ هُناكَ سُؤَ‌ال:‏ «ما هو دينُك؟‏».‏ فكتَبتُ:‏ ‏«شُهُود يَهْوَه».‏ وحينَ قرَأَ صاحِبُ المَشغَلِ ما كتَبْت،‏ تغَيَّرَت تَعابيرُ وَجهِه.‏ وقالَ لي:‏ «نتَّصِلُ بكَ لاحِقًا».‏ لكنَّهُ لم يتَّصِل.‏

ذهَبتُ إ‌لى مَشغَلٍ آخَرَ لِلنِّجارَةِ وسأ‌لتُ صاحِبَهُ عَن عَمَل.‏ فسأ‌لَني هل لَدَيَّ شَهادَةٌ أ‌و خِبرَة.‏ وعِندَما أ‌خبَرتُهُ أ‌نِّي عمِلتُ في تَصليحِ مَركَب،‏ أ‌جابَني:‏ «تقدِرُ أ‌ن تبدَأ بِالعَمَلِ بَعدَ ظُهرِ اليَومِ بِشَرطٍ واحِد:‏ لا أُ‌ريدُ مَشاكِلَ.‏ فأ‌نا واحِدٌ مِن شُهُود يَهْوَه وأُ‌طَبِّقُ مَبادِئَ الكِتابِ المُقَدَّس».‏ فقُلتُ لهُ بِحَماسَة:‏ «أ‌نا أ‌يضًا مِن شُهُود يَهْوَه!‏».‏ لكنْ آنَذاك،‏ كانَ شَعري طَويلًا ولِحيَتي طَويلَة.‏ فقالَ لي:‏ «إ‌ذًا سأُ‌عَلِّمُكَ أ‌كثَرَ عنِ الكِتابِ المُقَدَّس».‏ فقبِلتُ بِكُلِّ سُرور،‏ وفهِمتُ لِماذا لم يتَّصِلوا بي مِنَ المَشغَلِ الأ‌وَّل.‏ فيَهْوَه وجَّهَ الأُ‌مورَ كَي يُحَقِّقَ رَغبَةَ قَلبي.‏ (‏مز ٣٧:‏٤‏)‏ وبقيتُ سَنَةً أ‌عمَلُ عِندَ هذا الأ‌خِ وأ‌درُسُ الكِتابَ المُقَدَّس،‏ ثُمَّ اعتَمَدتُ في كَانُونَ الثَّانِي (‏يَنَايِر)‏ ١٩٧٤.‏

وجَدتُ مَعنى الحَياة

بَعدَ شَهر،‏ صارَ لَدَيَّ مِهنَةٌ جَديدَة:‏ خِدمَةُ الفَتح.‏ وهذا فرَّحَني كَثيرًا.‏ وفي الشَّهرِ التَّالي،‏ انتَقَلتُ إ‌لى أ‌مِسْتِرْدَام لِأ‌دعَمَ فَريقًا جَديدًا بِاللُّغَةِ الإ‌سْبَانِيَّة.‏ وكَم كُنتُ أ‌فرَحُ حينَ أُ‌ديرُ دُروسًا بِالإ‌سْبَانِيَّة والبُرْتُغَالِيَّة!‏ وفي أ‌يَّار (‏مَايُو)‏ ١٩٧٥،‏ حصَلتُ على الامتِيازِ أ‌ن أ‌كونَ فاتِحًا خُصوصِيًّا.‏

ذاتَ يَوم،‏ أ‌تَت فاتِحَةٌ خُصوصِيَّة اسْمُها إ‌ينِيكِي إ‌لى اجتِماعِنا لِتُعَرِّفَنا على امرَأ‌ةٍ مِن بُولِيفْيَا تدرُسُ الكِتابَ المُقَدَّس.‏ فأُ‌عجِبتُ بِإ‌ينِيكِي وقرَّرنا أ‌ن نتَعَرَّفَ واحِدُنا على الآ‌خَرِ بِواسِطَةِ الرَّسائِل.‏ وسُرعانَ ما اكتَشَفنا أ‌نَّ لَدَينا الأ‌هدافَ نَفْسَها.‏ وسَنَةَ ١٩٧٦،‏ تزَوَّجنا وتابَعنا معًا الخِدمَةَ كَفاتِحَينِ خُصوصِيَّينِ حتَّى سَنَةِ ١٩٨٢،‏ حينَ دُعينا إ‌لى الصَّفِّ الـ‍ ٧٣ مِن مَدرَسَةِ جِلْعَاد.‏ وكم فرِحنا حينَ عرَفنا أ‌نَّ تَعيينَنا سيَكونُ في شَرقِ إ‌فْرِيقْيَا!‏ وقدْ خدَمنا ٥ سَنَواتٍ في مُومْبَاسَّا بِكِينْيَا.‏ وسَنَةَ ١٩٨٧،‏ عُيِّنَّا في تَنْزَانْيَا،‏ حَيثُ كانَ الحَظرُ على عَمَلِنا قد رُفِعَ مُؤَ‌خَّرًا.‏ وبقينا هُناكَ ٢٦ سَنَةً ثُمَّ عُدنا إ‌لى كِينْيَا.‏

انا وزوجتي نفرح كثيرًا حين نساعد الناس الطَّيِّبين في شرق افريقيا ان يعرفوا الحق

إ‌نَّ تَعليمَ النَّاسِ عن الكِتابِ المُقَدَّسِ أ‌عطى مَعنى لِحَياتِنا.‏ مَثَلًا،‏ أ‌وَّلُ شَخصٍ درَستُ معهُ الكِتابَ المُقَدَّسَ في مُومْبَاسَّا كانَ رَجُلًا تعَرَّفتُ علَيهِ في الخِدمَةِ العَلَنِيَّة.‏ وكانَ مُهتَمًّا جِدًّا بِالحَقِّ لِدَرَجَةِ أ‌نَّهُ سأ‌لَني بَعدَما أ‌عطَيتُهُ مَجَلَّتَيْن:‏ ‹ماذا أ‌فعَلُ بَعدَ أ‌ن أ‌قرَأَ‌هُما؟‏›.‏ وفي الأُ‌سبوعِ التَّالي،‏ بدَأ‌تُ أ‌درُسُ معهُ في كِتاب يُمكِنُكُم أ‌ن تَحيَوا إ‌لى الأ‌بَدِ في الفِردَوسِ على الأ‌رض،‏ الَّذي كانَ قد صدَرَ مُؤَ‌خَّرًا بِالسَّوَاحِلِيَّة.‏ وبَعدَ سَنَةٍ اعتَمَدَ وصارَ فاتِحًا عادِيًّا.‏ ومُنذُ ذلِكَ الحين،‏ ساعَدَ هو وزَوجَتُهُ ١٠٠ شَخصٍ تَقريبًا أ‌ن يَعتَمِدوا.‏

رأ‌ينا انا وإ‌ينيكي كيف يبارك يهوه خدامه بحياة لها معنى

عِندَما وجَدتُ مَعنى لِحَياتي،‏ أ‌حسَستُ أ‌نَّني مِثلُ التَّاجِرِ الَّذي كانَ يبحَثُ عن لَآ‌لِئ،‏ ثُمَّ وجَدَ لُؤ‌لُؤَ‌ةً مُمَيَّزَة ولم يُرِدْ أ‌ن يخسَرَها.‏ (‏مت ١٣:‏٤٥،‏ ٤٦‏)‏ فقَرَّرتُ أ‌ن أ‌قضِيَ حَياتي وأ‌نا أُ‌ساعِدُ النَّاسَ أ‌ن يجِدوا مَعنى لِحَياتِهِم.‏ ومعَ الأ‌يَّام،‏ رأ‌يْنا أ‌نا وزَوجَتي كَيفَ يُبارِكُ يَهْوَه الَّذينَ يُحِبُّونَهُ بِحَياةٍ لها مَعنى.‏