الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

روسيا

روسيا

روسيا

‏«من مشرق الشمس الى مغربها يكون اسمي عظيما بين الامم».‏ (‏ملاخي ١:‏١١‏)‏ نشهد في روسيا اليوم صحة هذه النبوة الرائعة التي تفوه بها يهوه منذ حوالي ٤٥٠‏,٢ سنة.‏ فعندما تغرب الشمس على خدام يهوه الاولياء في مدينة كالينينغراد الغربية،‏ تكون قد اشرقت على الناشرين في شبه جزيرة تشوكشي الواقعة على بُعد ١١ منطقة زمنية شرقا،‏ والتي يفصل بينها وبين ألاسكا مضيق بيرنغ.‏ فالشمس لا تغرب ابدا على عمل الكرازة بالملكوت والتلمذة في روسيا.‏ وقد بورك بسخاء العمل الدؤوب الذي قام به الاخوة والاخوات الشجعان خلال الحكم السوفياتي.‏ وسنرى كيف صمدوا في وجه الاضطهاد الوحشي،‏ فاتحين الطريق امام اكثر من ٠٠٠‏,١٥٠ ناشر يخدمون الآن في روسيا.‏

ليست روسيا،‏ التي تُدعى رسميا «روسيا الاتحادية»،‏ بلدا يضم امة واحدة او شعبا واحدا.‏ فهي كما يدل اسمها اتحاد من الامم،‏ خليط من القبائل والالسنة والشعوب التي ينتمي كل منها الى حضارته الفريدة.‏ وتبدأ روايتنا عن هذا الخليط الاثني واللغوي والديني،‏ لا في روسيا الديموقراطية اليوم،‏ بل في الامبراطورية الروسية قبل اكثر من مئة سنة،‏ حين كانت خاضعة لحكم القياصرة.‏

الشهادة بجرأة لرجال الدين في موسكو

خلال احدى الفترات التي عاود فيها الناس الاهتمام بالدين،‏ التقى سيميون كوزليتسكي —‏ رجل متدين جدا متخرج من احد المعاهد اللاهوتية الارثوذكسية الروسية —‏ بتشارلز تاز رصل الذي كان يأخذ القيادة في عمل تلاميذ الكتاب المقدس،‏ كما كان شهود يهوه معروفين آنذاك.‏ اوضحت نينا لوپو حفيدة سيميون قائلة:‏ «سافر جدي الى الولايات المتحدة عام ١٨٩١ والتقى هناك الاخ رصل.‏ وقد احتفظ بصورة لهما معا،‏ وكان دائما يتحدث عن اخيه رصل».‏ وفي اواخر القرن التاسع عشر كان الاخ رصل ورفقاؤه يشرفون على عمل رد العبادة النقية،‏ وذلك بتعليم الحقائق المهمة الموجودة في الكتاب المقدس.‏ وشمل جزء من هذا العمل فضح العقائد الباطلة لكنائس العالم المسيحي وصف رجال دينه.‏ وكان حق الكتاب المقدس،‏ الى جانب الغيرة للعبادة النقية التي اعرب عنها الاخ رصل ورفقاؤه،‏ هو ما دفع سيميون الى الكرازة بجرأة لرجال الدين في موسكو.‏ فماذا كانت النتيجة؟‏

تكتب نينا:‏ «أُخذ مكبلا الى سيبيريا فورا ودون اية محاكمة،‏ بتهمة اهانة رئيس اساقفة موسكو».‏ وتتابع:‏ «وهكذا وصلت كلمة اللّٰه الى سيبيريا سنة ١٨٩١».‏ وأخيرا نُقل سيميون كوزليتسكي الى منطقة في سيبيريا هي الآن جزء من قازاخستان العصرية.‏ واستمر هناك يتكلم بكلمة اللّٰه بغيرة حتى موته سنة ١٩٣٥.‏

‏‹لا ميل الى الحق في روسيا›‏

زار الاخ رصل روسيا للمرة الاولى في السنة التي نُفي فيها سيميون كوزليتسكي.‏ وغالبا ما تُقتبس كلماته التالية بشأن هذه الزيارة:‏ «لم نرَ اي انفتاح او ميل الى الحق في روسيا».‏ فهل عنى ان الناس هناك لا يريدون الاصغاء الى الحق؟‏ كلا!‏ فنظام الحكم الدكتاتوري هو الذي منع الناس من الاستماع الى الحق.‏

وقد توسع الاخ رصل في شرح الوضع،‏ ذاكرا في عدد ١ آذار (‏مارس)‏ ١٨٩٢ من برج مراقبة زيون:‏ «تُحكِم الحكومة في روسيا قبضتها الخانقة على كل شخص في الامبراطورية،‏ وهي تعتبر دائما الغريب شخصا مشبوها.‏ وعليه ان يُبرز جواز سفره في كل فندق ينزل فيه وكل محطة للسكة الحديدية يذهب اليها قبل دخوله او مغادرته مدينة او بلدة ما.‏ فصاحب الفندق يأخذ جواز سفرك ويسلمه الى رئيس الشرطة،‏ الذي يحتفظ به الى الوقت الذي تنوي فيه المغادرة.‏ وهكذا يمكن بسهولة معرفة وقت دخول الغريب الى البلد او وقت مغادرته.‏ وكان الشرطيون ورجال السلطة يعاملون الشخص بلطف شكلي مجرد من الود،‏ مما يدل على ان وجوده في البلد غير مرحب به رغم انه قانوني.‏ كما ان كل الكتب او الاوراق التي في حوزته كانت تُفحص بدقة للتأكد من انها لا تحتوي على شيء يتضارب مع افكارهم».‏

وفي هذه الاحوال ربما بدا ان الكرازة بالبشارة لن تحرز تقدما ملحوظا.‏ ولكن لم يكن ممكنا منع بذور الحق من النمو في روسيا.‏

‏«يوم الامور الصغيرة» يبتدئ

سنة ١٨٨٧ اخبرت برج مراقبة زيون ان اعدادا فردية من هذه المجلة أُرسلت بالبريد الى اماكن مختلفة،‏ «حتى الى روسيا».‏ وفي سنة ١٩٠٤ ذكرت رسالة من فريق صغير لتلاميذ الكتاب المقدس في روسيا انهم تسلموا،‏ ولو بصعوبة،‏ مطبوعات مؤسسة على الكتاب المقدس.‏ توضح الرسالة:‏ «كانت المطبوعات لافتة للنظر،‏ وكاد [المراقبون الحكوميون] يمنعون دخولها».‏ وقد عبّر هذا الفريق الصغير عن امتنانهم الشديد لتسلمهم المطبوعات بهذه الكلمات:‏ «انها كالذهب هنا،‏ فمن الصعب جدا الحصول عليها».‏ كما اظهروا انهم يدركون القصد من هذه المطبوعات بقولهم:‏ «ليباركنا الرب ويمنحنا الفرصة لتوزيعها».‏

حقا،‏ خطَت الكرازة بالبشارة خطوتها الاولى في روسيا،‏ وتوطدت العبادة الحقة وإن على نطاق صغير.‏ صحيح انها كانت بداية صغيرة،‏ ولكن كما كتب النبي زكريا:‏ «مَن احتقر يوم الامور الصغيرة؟‏».‏ —‏ زك ٤:‏١٠‏.‏

في السنوات التي تلت،‏ ارسل الاخوة الغيورون في المانيا مطبوعات الى روسيا.‏ وكان معظم هذه المطبوعات باللغة الالمانية،‏ وقد قبل الحق كثيرون من الناس الذين يتكلمون الالمانية.‏ ففي سنة ١٩٠٧ تسلم بالبريد اعضاء من الكنيسة المعمدانية الالمانية في روسيا نسخا من سلسلة كتب الفجر الالفي.‏ وعندما اتخذ ١٥ شخصا منهم موقفا الى جانب العبادة الحقة حرمتهم الكنيسة.‏ لكن القس الذي قاومهم اقتنع لاحقا بالحقائق الموجودة في الفجر الالفي.‏

في سنة ١٩١١ نال العمل دعما بطريقة غير اعتيادية،‏ وذلك من جراء رحلة شهر عسل.‏ فبعد الزفاف،‏ قام زوجان شابان من عائلة هِركِندل في المانيا برحلة كرازية الى روسيا لمساعدة الناس الذين يتكلمون الالمانية.‏ وقد فرحا جدا حين وجدا فرقا منعزلة من ناشري الملكوت وقدما لهم المساعدة الروحية.‏

وفي وقت سابق كتب احد القراء في روسيا:‏ «المطبوعات من المانيا هي ثمينة في نظري مثلما كان المن السماوي ثمينا في نظر بني اسرائيل.‏ .‏ .‏ .‏ وكم يؤسفنا ألا تكون المطبوعات متوفرة باللغة الروسية!‏ لكنني استغل كل فرصة لترجمة مطبوعات مختلفة الى الروسية».‏ وهكذا بدأت الترجمة،‏ لكن المزيد كان سيتبع.‏

‏‹اناس كثيرون يبحثون عن اللّٰه›‏

سنة ١٩١١ قام اخ بولندي اسمه ر.‏ ه‍.‏ اولِشْزاينْسكي يعيش في وارسو ببولندا،‏ التي كان جزء منها آنذاك تابعا للامبراطورية الروسية،‏ بالترتيبات اللازمة لطبع نشرة اين هم الموتى؟‏ بالروسية.‏ وكتب في رسالة بعثها للاخ رصل:‏ «تجد طيا نسخة منه .‏ .‏ .‏ لقد طلبوا مبلغ ثلاثة وسبعين روبلا مقابل عشرة آلاف نسخة .‏ .‏ .‏ ورغم الصعوبات الكثيرة،‏ يبحث اناس كثيرون عن اللّٰه».‏ وُزعت هذه النشرات مع مطبوعات اخرى على اناس يتكلمون الروسية،‏ وقد اخذها هؤلاء معهم الى روسيا.‏ وهكذا حدث تطور مهم في حقل اللغة الجديد هذا.‏ وسرعان ما ابتُدئ بإنتاج مطبوعات اخرى من نشرات وكراسات وكراريس.‏ ومع مرور الوقت بُذلت الجهود لترجمة مطبوعات اكبر حجما.‏

زار الاخ رصل سنة ١٩١٢ فنلندا،‏ التي كانت آنذاك جزءا من الامبراطورية الروسية.‏ وقد مُنح كارلو هارتِڤا توكيلا رسميا ليمثل جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس في فنلندا.‏ وفي ٢٥ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩١٣ قام ممثل القيصر،‏ قنصل الامبراطورية الروسية في نيويورك،‏ بوضع ختم الحكومة على التوكيل وتوقيعه.‏

إطالة رحلة كرازية كانت ستدوم شهرين

قبل اندلاع الحرب العالمية الاولى بوقت قصير،‏ انطلق جوزيف ف.‏ رذرفورد في جولة من بروكلين الى عدة بلدان كممثل للهيئة.‏ وخلال هذه الجولة التقى واحدا من تلاميذ الكتاب المقدس يُدعى دوئيتشمان في مدينة لودز البولندية.‏ بُعيد ذلك،‏ ابتدأ الاخ دوئيتشمان وعائلته برحلة كرازية في انحاء روسيا كان من المقرر ان تدوم شهرين.‏ لكن اندلاع الحرب اطال رحلتهم.‏

وبعد ان واجهت عائلة دوئيتشمان صعابا كثيرة،‏ استقرت في بلدة صغيرة على نهر الڤولڠا.‏ وبحلول عام ١٩١٨ قرروا ان يعودوا الى بولندا،‏ لكن تفشي وباء الجدري حال دون ذلك.‏ ثم أُغلقت الحدود بسبب اندلاع الحرب الاهلية.‏ وخلال تلك السنوات ماتت ثلاث بنات من هذه العائلة،‏ احداهن بمرض الجدري وأخرى بذات الرئة.‏

عمّ الجوع والرعب،‏ وكان الناس يموتون جوعا في الشوارع.‏ وفي هذه المعمعة،‏ اتُّهم كثيرون وخصوصا الاجانب بالتعامل مع «العدو» وأُعدموا فورا دون اية محاكمة.‏ وفي احد الايام اقتحم رجل بصحبة جندي مسلح منزل عائلة دوئيتشمان.‏

وصرخ الرجل قائلا:‏ «ها هو العدو،‏ اقبض عليه!‏».‏

فسأل الجندي:‏ «لماذا؟‏ ماذا فعل؟‏».‏

لقد اراد هذا الرجل ان يستغل الظروف لكي يتملص من دفع اجرة الاخ دوئيتشمان لقاء عمل نجارة قام به.‏ وبعد ان استمع الجندي للطرفين ادرك دوافع الرجل السيئة وطرده من المنزل.‏ ثم اخبر الجندي الاخ دوئيتشمان انه يتذكر مناقشة ممتعة دارت بينهما حول مواضيع من الكتاب المقدس.‏ وقد ساهمت هذه المناقشة على الارجح في انقاذ حياة الاخ دوئيتشمان وعائلته.‏ وفي سنة ١٩٢١ قضت الحكومة الشيوعية على المقاومة العسكرية وانتهت الحرب الاهلية.‏ فعادت عائلة دوئيتشمان فورا الى بولندا.‏

تلاميذ الكتاب المقدس والبلاشفة

باندلاع الحرب العالمية الاولى،‏ فُقد الاتصال المحدود بين الاخوة في روسيا وأولئك الذين في اماكن اخرى.‏ وعلى الارجح،‏ لم يكن الاخوة في روسيا متأكدين من المعنى الكامل لتتويج المسيح،‏ مثلهم مثل اخوة المسيح حول العالم.‏ ولم يتخيلوا قط ان بلدهم سيشهد بعض ابرز حوادث القرن الـ‍ ٢٠،‏ وأن الكثير من هذه الحوادث سيحصل اتماما لنبوة الكتاب المقدس.‏

في اواخر سنة ١٩١٧ ادت الثورة الروسية الى انهاء حكم القياصرة الذي دام ٣٧٠ عاما.‏ والبلاشفة،‏ الحكام الروسيون الجدد غير المدركين لحضور الرب يسوع المسيح،‏ طمحوا الى تأسيس شكل جديد من الحكومات البشرية يختلف عن كل الاشكال السابقة.‏ وهكذا،‏ في غضون سنوات قليلة،‏ تشكّل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية.‏ وقد اصبح في الآخِر يمتد على مساحة تناهز سدس اليابسة.‏

ومن الجدير بالملاحظة انه قبل سنوات قليلة من الثورة الروسية قال فلاديمير لينين،‏ اول زعيم للاتحاد السوفياتي:‏ «ينبغي ان يكون لكل امرئ الحرية التامة لاعتناق الدين الذي يريد،‏ كما ينبغي ان تكون له الحرية التامة لنشره او اعتناق دين آخر.‏ ولا يملك ايُّ موظف الحق في سؤال ايٍّ من الناس عن الدين الذي يعتنقه.‏ فتلك مسألة ضمير لا يحق لأحد ان يتدخل فيها».‏

في بعض انحاء البلد،‏ فسحت هذه المبادئ الرسمية التي وضعها الحزب الاشتراكي الديموقراطي المجال للمخلصين ان يتحدثوا الى الآخرين عن حقائق الكتاب المقدس.‏ غير ان هذه الدولة الجديدة كانت من البداية ملحدة بوجه عام.‏ وقد اتخذت موقفا عدائيا من الدين،‏ داعية اياه «افيون الشعب».‏ وأحد اول الامور التي قام بها البلاشفة هو اصدار مرسوم ينص على فصل الكنيسة عن الدولة.‏ واعتُبر عمل التعليم الذي تقوم به الهيئات الدينية غير شرعي،‏ كما أُمِّمت املاك الكنيسة.‏

وكيف نظرت هذه الحكومة الجديدة الى تلك المجموعات المتفرقة لتلاميذ الكتاب المقدس التي تعرب عن ولائها لملكوت اللّٰه؟‏ كتب تلميذ للكتاب المقدس من سيبيريا بعد ثورة ١٩١٧،‏ مصورا حالة الاخوة المحزنة:‏ «انتم على الارجح تدركون كيف هو الوضع هنا في روسيا.‏ فنحن نعيش في ظل حكومة سوفياتية مؤسسة على المبادئ الشيوعية.‏ صحيح ان المرء يستطيع ان يلاحظ الجهود الواضحة التي تُبذل في سبيل تحقيق العدالة،‏ لكن كل ما له علاقة باللّٰه يُنبذ».‏

بحلول عام ١٩٢٣ اشتدت المقاومة ضد تلاميذ الكتاب المقدس.‏ كتب الاخوة:‏ «نكتب اليكم هذه الرسالة لنطلعكم على الوضع هنا في روسيا.‏ .‏ .‏ .‏ لدينا ما يكفي من الطعام واللباس،‏ .‏ .‏ .‏ لكننا بحاجة ماسة الى الطعام الروحي.‏ فالكتب التي أُرسلت الينا صادرتها الحكومة.‏ لذلك نتوسل ان ترسلوا الينا على شكل رسائل مقتطفات من كل المطبوعات التي لديكم باللغة الروسية .‏ .‏ .‏ فكثيرون هنا متعطشون الى كلمة الحق.‏ ومنذ وقت قصير اعتمد بالتغطيس في الماء خمسة اشخاص تعبيرا عن تكريسهم،‏ كما انضم الينا خمسة عشر شخصا من المعمدانيين».‏

ذكر عدد ١٥ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٢٣ من برج المراقبة:‏ «تحاول الجمعية ان تُدخِل المطبوعات الى روسيا،‏ وستستمر في ذلك بنعمة الرب».‏ وبحلول عام ١٩٢٥ كانت برج المراقبة متوفرة بالروسية.‏ وكان لها تأثير فوري على عمل الشهادة في روسيا.‏ على سبيل المثال،‏ واجه عضو في احدى الفرق الانجيلية صعوبة في التوفيق بين عقيدة نار الهاوية وإله المحبة.‏ وعندما طرح هذا السؤال على رفقائه المؤمنين،‏ صلوا الى اللّٰه لكي يحفظه من هذه الافكار.‏ وفي ما بعد،‏ أُعطي هو وزوجته اعدادا من برج المراقبة،‏ فميّزا الحق على الفور.‏ ثم كتب الى الاخوة طالبا المزيد من المطبوعات،‏ قائلا:‏ «نحن ننتظر المن من عبر البحار».‏ كما ان اخوة آخرين في روسيا اكّدوا باستمرار تسلمهم هذا ‏«المن»،‏ شاكرين الاخوة في الولايات المتحدة على المحبة المسيحية التي يعربون عنها بإنتاج هذه المطبوعات المقوية للايمان.‏

‏«ارسلوا اليّ قليلا من كل شيء»‏

تضمن عدد ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٢٥ من برج المراقبة رسالة مؤثرة من سيبيريا.‏ فقد روى استاذ ينتمي الى احدى عائلات الفلاحين انه انتقل هو وعائلته من جنوب روسيا الى سيبيريا عام ١٩٠٩.‏ وكتب انه قرأ المطبوعات وقلبه يطفح فرحا،‏ وأضاف:‏ «ارغب من كل قلبي ان اغوص اكثر في الحقائق المقدسة عن اللّٰه لكي اتمكن من تبديد الظلمة بمزيد من المهارة والقوة».‏ واختتم رسالته بطلب مطبوعات اضافية،‏ قائلا:‏ «ارجوكم،‏ ارسلوا اليّ قليلا من كل شيء».‏

ونُشر جواب محرر المجلة في العدد نفسه،‏ اذ قال:‏ «خلال فترة من الوقت كنا نسعى الى ارسال مطبوعات الى روسيا،‏ لكن كل محاولاتنا باءت بالفشل بسبب مقاومة الحكومة الروسية.‏ وهذه الرسالة،‏ شأنها شأن كل الرسائل مثيلاتها،‏ هي كالدعوة من مقدونية:‏ ‹اعبر .‏ .‏ .‏ وأعنا›.‏ (‏اعمال ١٦:‏٩‏)‏ إن شاء الرب،‏ سنأتي لإعانتكم حالما تسنح لنا الفرصة».‏

كم كانت برج المراقبة والمطبوعات الاخرى ادوات فعالة تُستخدَم في الكرازة بالبشارة لإعطاء «شهادة» باللغة الروسية!‏ (‏متى ٢٤:‏١٤‏)‏ وبحلول عام ٢٠٠٦ بلغ عدد نُسخ المطبوعات التي اصدرها شهود يهوه بالروسية ٩٥٢‏,٢٤٣‏,٦٩١ نسخة،‏ وهو عدد يفوق عدد النسخ في اي لغة اخرى ما عدا الاسبانية والانكليزية والبرتغالية.‏ لقد بارك يهوه بسخاء الجهود التي بذلها شهوده في المناداة بالملكوت.‏

الشهادة للشعب الروسي في الخارج

مع تولي البلاشفة السلطة وتشكيل دولة شيوعية،‏ هاجر الكثير من الشعب الروسي الى بلدان اخرى.‏ وكانت برج المراقبة وغيرها من المطبوعات تُطبع بالروسية خارج الاتحاد السوفياتي.‏ وهكذا،‏ لم تستطع الحكومة السوفياتية منع تدفق الطعام الروحي الى البلدان الاخرى.‏ وبحلول اواخر عشرينات القرن الماضي،‏ كانت المطبوعات الروسية تصل الى الناس حول الارض،‏ وقد بعث برسائل تقدير اشخاص روس يعيشون في بلدان مثل الأوروغواي،‏ اوستراليا،‏ الباراغواي،‏ بولندا،‏ فرنسا،‏ فنلندا،‏ لاتفيا،‏ والولايات المتحدة.‏

وعلى اثر ذلك،‏ نظم الاخوة في بعض هذه الاماكن الاجتماعات المسيحية والنشاط الكرازي بالروسية.‏ وفي الولايات المتحدة كانت المحطات الاذاعية تبث بانتظام محاضرات من الكتاب المقدس بالروسية.‏ وقد تشكلت جماعات تتكلم الروسية كالجماعة في براونزڤيل،‏ بنسلفانيا؛‏ كما نُظمت محافل كورية بالروسية.‏ مثلا،‏ في ايار (‏مايو)‏ ١٩٢٥،‏ عقد الاخوة محفلا كوريا بالروسية لثلاثة ايام في كارنيجي،‏ بنسلفانيا.‏ وكان عدد الحضور ٢٥٠،‏ واعتمد ٢٩ شخصا.‏

الاوضاع تتغير

بعد موت لينين كثّفت الحكومة حملاتها ضد كل الاديان.‏ وشهدت سنة ١٩٢٦ تشكيل رابطة الملحدين المناضلين —‏ تسمية تظهر بشكل ملائم اهداف هذه الرابطة.‏ وكانت الدعاية الالحادية الرائجة تهدف الى استئصال الايمان باللّٰه من عقول وقلوب الشعب.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى انتشرت الروح الالحادية في الانحاء الشاسعة للاتحاد السوفياتي.‏ ذكر احد تلاميذ الكتاب المقدس في رسالة بعث بها الى المركز العالمي:‏ «يتشرب الاحداث هذه الروح،‏ ولا شك انها عائق كبير امام تعلمهم الحق».‏

اصدرت رابطة الملحدين المناضلين مطبوعات تروِّج الالحاد،‏ بما فيها مجلة تُدعى انتيرليڠيوزنك.‏ وفي سنة ١٩٢٨ اعلنت المجلة:‏ «اقليم ڤورونيج يعج بالبدع».‏ وقد قالت ان اتباع احدى هذه البدع كانوا ٤٨ «تلميذا للاسفار المقدسة يرأسهم زينتشِنكو وميتروفان بوڤين».‏ ومن الجدير بالملاحظة ان عدد ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٢٦ من برج المراقبة تضمن رسالة من ميخائيل زينتشِنكو في روسيا كتب فيها:‏ «يعاني الناس جوعا الى الطعام الروحي.‏ .‏ .‏ .‏ وليس لدينا إلا القليل جدا من المطبوعات.‏ فالأخ ترومپي وآخرون يترجمون وينسخون المطبوعات بالروسية،‏ وبهذه الطريقة نزود بعضنا بعضا بالطعام الروحي والدعم.‏ ننقل اليكم تحيات كل اخوتنا في روسيا».‏

في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٢٦،‏ كتب الاخ ترومپي مُخبرا ان هناك املا بسماح السلطات للاخوة ان يتسلموا المطبوعات بالروسية.‏ وطلب من الاخوة في بيت ايل ببروكلين ان يرسلوا نشرات وكراريس وكتبا ومجلدات برج المراقبة بواسطة مكتب الفرع في ماڠدَبورڠ،‏ المانيا.‏ فاستجاب الاخ رذرفورد لطلبه وأرسل جورج يونڠ الى موسكو.‏ فوصل الى هناك في ٢٨ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٢٨.‏ وقد كتب في احدى رسائله:‏ «حصلت معي بعض الاختبارات المثيرة،‏ لكني لا اعرف حتى متى سيُسمح لي بالبقاء».‏ ومع انه تمكن من الاجتماع بأحد كبار المسؤولين في موسكو،‏ لم يحصل إلا على تأشيرة صالحة لغاية ٤ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٢٨.‏

في تلك الاثناء،‏ لم تكن الدولة السوفياتية المشكّلة حديثا واضحة في موقفها من الدين.‏ وقد عبَّرت عدة وثائق حكومية عن الامل في ان تندمج الفئات الدينية في القوة العاملة السوفياتية.‏ وفي السنوات التي تلت تحوَّل هذا الامل الى سياسة متبعة.‏ وثمة امر يجب معرفته،‏ وهو ان الحكومة السوفياتية لم تُرد القضاء على شعب يهوه؛‏ فقد كانت تجاهد لتستميل العقول والقلوب.‏ وسعت الى اقناع شعب اللّٰه بالاذعان لها وإجبارهم على منح ولائهم المطلق للدولة.‏ اما ولاؤهم ليهوه فكان امرا رفضته رفضا تاما.‏

بعد ان غادر الاخ يونڠ البلاد،‏ تابع الاخوة الروسيون كرازتهم الغيورة بملكوت اللّٰه.‏ وعُين دانْييل ستاروخين مسؤولا عن تنظيم عمل الكرازة بالملكوت في روسيا.‏ ولكي يدعم الاخ ستاروخين هذا العمل ويشجع الاخوة،‏ زار موسكو وكورسْك وڤورونيج ومدنا اخرى في روسيا،‏ بالاضافة الى اوكرانيا.‏ كما كرز هو وإخوة آخرون للمعمدانيين في الاماكن التي يصلّون فيها،‏ شارحين لهم الحق عن يسوع المسيح وملكوت اللّٰه.‏ وفي كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٢٩ رتب الاخوة في روسيا ان يستأجروا مبنى كنيسة في كورسْك بـ‍ ٢٠٠ دولار في السنة لكي يتمكنوا من عقد اجتماعات علنية.‏

وفي وقت لاحق من تلك السنة،‏ طلب الاخوة في بيت ايل ببروكلين اذنا من مفوضية الشعب للتجارة في الاتحاد السوفياتي بإدخال شحنة صغيرة من مطبوعات الكتاب المقدس الى الاتحاد السوفياتي.‏ وقد احتوت الشحنة على ٨٠٠ نسخة لكل من كتابَي قيثارة اللّٰه و الانقاذ،‏ بالاضافة الى ٤٠٠‏,٢ كراس.‏ وبعد اقل من شهرين رجعت الشحنة مختومة بختم يذكر:‏ «مرتجعة لأن ادارة المطبوعات حظرت ادخالها».‏ لكن الاخوة لم يفقدوا الامل.‏ واعتقد البعض ان سبب ارجاعها هو ان هذه المطبوعات صادرة بالابجدية الروسية القديمة.‏ ومن ذلك الوقت فصاعدا صار الاخوة يتأكدون من ترجمة كل المطبوعات الروسية بدقة وطبعها بحسب آخر التطورات في اللغة.‏

الحاجة الى ترجمة ذات نوعية جيدة

منذ عام ١٩٢٩ تضمنت عدة اعداد من برج المراقبة اعلانات عن الحاجة الى مترجمين ذوي كفاءة يعرفون الانكليزية والروسية.‏ مثلا،‏ ورد في عدد آذار (‏مارس)‏ ١٩٣٠ من برج المراقبة الاعلان التالي:‏ «هنالك حاجة الى اخ منتذر وكفء يعرف الانكليزية وضليع في الروسية من اجل ترجمة المطبوعات من الانكليزية الى الروسية».‏

وقد رأى يهوه الحاجة الى ذلك،‏ فعُثر على مترجمين في بلدان مختلفة.‏ وأحدهم هو الكسندر فورستمان،‏ الذي كان سنة ١٩٣١ يرسل مقالات مترجمة بالروسية الى المركز الرئيسي العالمي بواسطة مكتب الفرع في كوبنهاغن،‏ الدانمارك.‏ وكان الاخ فورستمان مترجما مفعما بالحماسة يعيش في لاتفيا.‏ ونظرا الى كونه مثقفا وضليعا في الانكليزية والروسية،‏ كان بإمكانه ان يترجم مطبوعات الكتاب المقدس بسرعة.‏ في البداية خصص للترجمة بضع ساعات فقط كل اسبوع بسبب عمله الدنيوي الذي كان يقوم به لإعالة زوجته وولده غير المؤمنَين.‏ ولكن في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٣٢ اصبح مترجما كامل الوقت.‏ وخلال خدمته ترجم نشرات وكراريس وكتبا.‏ وفي سنة ١٩٤٢ فارق الحياة.‏

اعتقد الاخوة ان عمل الملكوت سيصبح شرعيا في روسيا بعد وقت قصير،‏ لذلك اهتموا كثيرا بالعمل على اصدار ترجمات روسية ذات نوعية ممتازة للمطبوعات المتوفرة.‏ كتب وليَم داي،‏ ناظر المكتب في شمال اوروبا،‏ رسالة الى الاخ رذرفورد جاء فيها:‏ «عندما يُرفع الحظر في روسيا،‏ الامر الذي لا مفر من حدوثه قريبا،‏ من المساعد ان تكون لدينا مطبوعات مترجمة بشكل جيد لكي نقدمها للسكان البالغ عددهم ١٨٠ مليونا».‏

البرامج الاذاعية

كان الراديو وسيلة اخرى لنشر البشارة في اراضي روسيا الشاسعة.‏ وقد تضمن عدد شباط (‏فبراير)‏ ١٩٢٩ من برج المراقبة الاعلان التالي:‏ «ستُذاع محاضرات بالروسية عبر الراديو».‏ فكانت البرامج تُبَث من أستونيا الى الاتحاد السوفياتي في كل ثاني ورابع احد من الشهر.‏

يتذكر الاخ والاس باكستر،‏ ناظر الفرع في أستونيا،‏ قائلا:‏ «بعد مناقشة مطولة،‏ وُقِّع سنة ١٩٢٩ عقد لمدة سنة.‏ وبُعيد الابتداء ببث البرامج الاذاعية بالروسية،‏ علمنا ان الناس في لينينغراد يستمعون اليها.‏ وكان رد فعل الحكومة السوفياتية مماثلا لرد فعل رجال الدين في أستونيا.‏ فكلاهما حذّرا الناس من الاستماع الى رسالة الملكوت».‏ في سنة ١٩٣١ كانت البرامج الاذاعية في روسيا تُبث في وقت يلائم المستمعين،‏ من الساعة ٣٠:‏٥ الى ٣٠:‏٦ مساء على الموجة المتوسطة.‏ وبعد بث دام ثلاث سنوات ونصفا،‏ أُوقفت البرامج الاذاعية في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٣٤.‏ وفي رسالة بعثها الاخوة من مكتب الفرع في أستونيا،‏ اوضحوا كيف حُظرت البرامج الاذاعية قائلين:‏ «اخبر رجال الدين الحكومة [في أستونيا] ان محاضراتنا الاذاعية مناهضة لمصالح الدولة،‏ اذ تتسم بطابع يروِّج للفوضوية والشيوعية».‏

حدوث تغيير

عام ١٩٣٥ ارسل الاخوة في بيت ايل ببروكلين انطون كوربر الى الاتحاد السوفياتي،‏ آملين ان يتمكن من فتح مكتب فرع فيه.‏ كما ارادوا ان يرسلوا الى هناك مطبعة من المانيا،‏ التي كان أدولف هتلر قد تسلم مؤخرا السلطة فيها.‏ ورغم فشل هذه الخطة تمكن الاخ كوربر من التقاء عدة اخوة في روسيا.‏

لبضع سنوات كان عمل الكرازة بالملكوت في روسيا يتقدم باطراد.‏ وقد تُرجمت مطبوعات الكتاب المقدس الى الروسية تحت توجيه مكتب الفرع في لاتفيا.‏ ولكن كان من الصعب ادخال ما طُبع من مطبوعات الى البلد،‏ لذلك أُبقيت كمية كبيرة منها في المستودعات.‏

كان عدد الشهود قليلا قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٣٩.‏ لذلك لم يلفتوا نظر الحكومة السوفياتية.‏ لكن الوضع كان سيشهد تغييرا سريعا.‏ فبُعيد اجتياح المانيا النازية بولندا سنة ١٩٣٩،‏ استولى الاتحاد السوفياتي على آخر ٤ جمهوريات من جمهورياته الـ‍ ١٥ —‏ أستونيا،‏ لاتفيا،‏ ليتوانيا،‏ ومولدوفا.‏ وفجأة وجد آلاف الاخوة انفسهم ضمن حدود الاتحاد السوفياتي،‏ دولة سرعان ما تورطت في حرب ضارية للحفاظ على وجودها.‏ كانت هذه الفترة فترة معاناة وشدة للملايين.‏ اما بالنسبة الى شهود يهوه،‏ فكان عليهم في تلك الفترة ان يعربوا عن ولائهم للّٰه تحت نير الاضطهاد القاسي.‏

الاستعداد للثبات

في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٤١ شنت المانيا هجوما كبيرا على الاتحاد السوفياتي،‏ آخذة الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين على حين غرة.‏ وبحلول نهاية السنة،‏ كانت القوات الالمانية قد بلغت ضواحي موسكو،‏ وبدا سقوط الاتحاد السوفياتي وشيكا.‏

فسعى ستالين يائسا الى التعبئة العامة لخوض حرب دعاها الروس الحرب الوطنية الكبرى.‏ وأدرك الحاجة الى القيام بتنازلات للكنيسة لحمل الشعب على دعم المجهود الحربي،‏ اذ كان ملايين الاشخاص لا يزالون متدينين.‏ وفي ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٤٣،‏ استقبل ستالين علانية في الكرملين ثلاثة من كبار ممثلي الكنيسة الارثوذكسية الروسية.‏ وقد ساهم ذلك في رأب الصدع بين الكنيسة والدولة وفتَح ابواب مئات الكنائس للعموم.‏

حافظ الاخوة في روسيا،‏ شأنهم شأن شهود يهوه في المانيا،‏ على موقف الحياد التام خلال الحرب.‏ وكانوا مستعدين لتحمل العواقب،‏ مصممين بثبات على اطاعة وصية ربهم.‏ (‏متى ٢٢:‏٣٧-‏٣٩‏)‏ ومن سنة ١٩٤٠ الى ١٩٤٥،‏ نُقل اكثر من الف شاهد من اوكرانيا ومولدوفا وجمهوريات البلطيق الى معسكرات العمل الالزامي في وسط روسيا جراء حفاظهم على الحياد.‏

يتذكر ڤاسيلي ساڤتشوك قائلا:‏ «اعتمدت في اوكرانيا سنة ١٩٤١ بعمر ١٤ سنة.‏ وخلال الحرب أُرسل تقريبا كل الاخوة النشاطى الى السجون والمعسكرات في وسط روسيا.‏ لكن عمل يهوه لم يتوقف.‏ فالاخوات الامينات والمراهقون مثلي تولوا مسؤوليات في الجماعة وفي الخدمة.‏ في قريتنا بقي اخ واحد طليقا،‏ وكان عاجزا.‏ وقد اخبرني قائلا:‏ ‹نحن بحاجة الى مساعدتك يا ڤاسيلي.‏ فلدينا عمل مهم جدا لنقوم به،‏ وليس لدينا ما يكفي من الرجال›.‏ لم اتمكن من حبس دموعي عندما رأيت هذا الاخ المريض مهتما بعمل يهوه الى هذا الحد.‏ ووافقت بفرح ان افعل كل ما يلزم.‏ كانت لدينا مطابع غير متقنة الصنع في الطوابق السفلية حيث قمنا بنسخ الطعام الروحي الثمين وإرساله ليتم توزيعه على الاخوة،‏ وخصوصا المسجونين».‏

وعلى الرغم من عمل هؤلاء الاحداث والاخوات الذي ينم عن محبة وعدم انانية،‏ لم تكن كمية الطعام الروحي كافية.‏ فأتى احد الحلول عن طريق اخوة بولنديين هاجروا من روسيا ونقلوا الاخبار الى المكتب في بولندا.‏ فكان ان اخوة اوكرانيين وروسا مسافرين من بولندا الى روسيا حملوا معهم الطعام الروحي والستانسِل المشمّع والحبر،‏ بالاضافة الى الادوات الاخرى لاستعمالها في روسيا.‏

‏«ليذهبوا كل واحد الى مكانه»‏

سنة ١٩٤٦ أُجبر الاخوة العائشون في بولندا على الانتقال الى اوكرانيا السوفياتية.‏ يتذكر إيڤان پاشْكوڤسكي قائلا:‏ «سأل الاخوة مكتب الفرع في لودز عما ينبغي ان يفعلوه في هذه الحالة.‏ وجاء في الرد استشهاد بالقضاة ٧:‏٧ التي تقول:‏ ‹ليذهبوا كل واحد الى مكانه›.‏ وبعد سنوات عديدة ادركتُ كيف وجه يهوه بحكمته عمل الكرازة في هذه المقاطعات الصعبة.‏ بالنسبة الينا كان ‹مكاننا› حيثما ارسلنا يهوه.‏ وقد ادركنا اهمية الاذعان لأوامر السلطات.‏ لذلك ابتدأنا نستعد للانتقال الى بلد ملحد.‏

‏«في البداية،‏ قدمنا المساعدة لـ‍ ١٨ مرشحا للمعمودية التقيناهم في بيت احد الاخوة.‏ كما جمعنا مطبوعات بالروسية والاوكرانية وحاولنا ان نحزمها بطريقة تجعل من الصعب ملاحظتها اثناء التفتيش.‏ وما ان طلع الفجر حتى احاط جنود الجيش البولندي بالقرية وأمرونا بالاستعداد للمغادرة.‏ وقد سمحوا لنا ان نأخذ معنا طعاما يكفي لشهر وبعض الاغراض المنزلية الضرورية،‏ ورافقونا الى محطة السكة الحديدية.‏ وهكذا اصبحت اوكرانيا السوفياتية ‹مكاننا›.‏

‏«ما إن وصلنا الى وجهتنا حتى احاط بنا الناس ورجال السلطة المحلية.‏ كنا نرغب ان نعطي الشهادة فورا،‏ لذلك اخبرناهم بجرأة اننا من شهود يهوه.‏ وفوجئنا في اليوم التالي بزيارة امين سر اللجنة الزراعية المحلية،‏ الذي قال ان اباه هاجر الى اميركا وهو يرسل اليه مطبوعات يصدرها شهود يهوه.‏ وكم فرحنا عندما سمعنا ذلك!‏ والمدهش اكثر انه قدَّم لنا مطبوعات.‏ وعندما ابتدأ يحضر اجتماعاتنا هو وعائلته،‏ ادركنا ان هنالك ‹نفائس› كثيرة ليهوه في هذا البلد.‏ (‏حجاي ٢:‏٧‏)‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى اصبحت العائلة بكاملها من شهود يهوه،‏ وقد خدموا بأمانة طوال سنوات».‏

المزيد من العمل يخبئه المستقبل

خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها،‏ كان العمل في روسيا يُنجَز في اصعب الظروف.‏ تقول رسالة مؤرخة في ١٠ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٤٧ بعث بها مكتب الفرع في بولندا الى المركز الرئيسي:‏ «يلقي القادة الدينيون الرعب في قلوب اعضاء كنيستهم،‏ اذ يقولون لهم ان عشر سنوات من العمل الالزامي والنفي تنتظرهم اذا ما قبلوا من شهود يهوه اية نسخة من برج المراقبة او اية نشرة.‏ لذلك يستولي الخوف والذعر على سكان البلد،‏ فيما يتوقون الى النور الروحي».‏

ذكر الكتاب السنوي لعام ١٩٤٧:‏ «ليست في حوزة الشهود نُسخ مطبوعة من ايٍّ من مطبوعاتنا،‏ كما ان مجلة برج المراقبة في طبعتها الجذابة ليست في متناولهم.‏ .‏ .‏ .‏ فهي في كثير من الاحيان لا تزال تُنسخ باليد بمجهود كبير وتمرّر الى الآخرين .‏ .‏ .‏ وكان سعاة بريدنا يُعتقلون احيانا ويُزجون في السجن اذا ما وُجدت برج المراقبة معهم».‏

تذكر رجينا كريڤوكلسكايا:‏ «بدا لي ان البلد بكامله محاط بأسلاك شائكة وأننا سجناء رغم وجودنا خارج السجن.‏ وأزواجنا،‏ الذين كانوا يخدمون اللّٰه بغيرة،‏ قضوا معظم حياتهم في السجون والمعسكرات.‏ واضطررنا نحن النساء ان نتحمل الكثير.‏ فكل واحدة منا كانت تقضي الليالي دون نوم وتعاني كثيرا جراء مراقبة لجنة امن الدولة السوفياتية (‏المخابرات السوفياتية KGB)‏ والضغط النفسي الذي مارسته،‏ فقدان العمل،‏ ومحن اخرى.‏ وقد حاولت السلطات بمختلف الوسائل ان تجعلنا ننحرف عن طريق الحق.‏ (‏اشعيا ٣٠:‏٢١‏)‏ وكنا متأكدين ان الشيطان يستغل الوضع،‏ محاولا ايقاف عمل الكرازة بالملكوت.‏ لكن يهوه لم يتخلَّ عن شعبه،‏ فكان من الواضح جدا انه يقوم بمساعدتنا.‏

‏«ان مطبوعات الكتاب المقدس،‏ التي هُرِّبت الى البلد بصعوبة كبيرة،‏ اعطتنا ‹القدرة التي تفوق ما هو عادي› والحكمة لمواجهة الوضع.‏ (‏٢ كورنثوس ٤:‏٧‏)‏ فيهوه كان يقود شعبه،‏ ورغم المقاومة العنيفة من الدولة استمر الاشخاص الجدد في الانضمام الى هيئته.‏ ومن المدهش انهم كانوا من البداية مستعدين لتحمل الصعاب مع شعب يهوه.‏ وما كان ذلك ليتحقق لولا روح يهوه».‏

رسائل تُرمى فوق السياج

في سنة ١٩٤٤ سُجن پْيُوتر،‏ زوج رجينا لاحقا،‏ في احد معسكرات اقليم غوركي بسبب حفاظه على الحياد المسيحي.‏ لكن ذلك لم يُضعف غيرته للكرازة على الاطلاق.‏ فكان يكتب رسائل يحتوي كل منها على شرح مختصر لأحد تعاليم الكتاب المقدس.‏ ثم يضع كل رسالة في مغلف ويلفه بخيط مربوط بحجر،‏ ويرمي الحجر فوق سياج الاسلاك الشائكة العالي.‏ وكان يأمل ان يقرأ احدهم هذه الرسائل؛‏ وذات يوم قرأتها فتاة اسمها ليديا بولاتوڤا.‏ فرآها پْيُوتر وطلب منها بصوت منخفض ان تقترب منه،‏ ثم سألها هل ترغب في تعلم المزيد من الكتاب المقدس.‏ فاستحسنت ليديا الفكرة واتفقا على الالتقاء ثانية.‏ وأصبحت بعد ذلك تأتي بانتظام لتأخذ المزيد من هذه الرسائل الثمينة.‏

اصبحت ليديا اختا وكارزة بالبشارة تتصف بالغيرة،‏ وسرعان ما ابتدأت بعقد درسين في الكتاب المقدس مع ماريّا سْميرنوڤا وأولڠا سِڤْريوڠينا،‏ اللتين ابتدأتا هما ايضا بخدمة يهوه.‏ ولدعم الاخوات روحيا،‏ ابتدأ الاخوة بتزويد هذا الفريق الصغير بالطعام الروحي من المعسكر.‏ لذلك صنع پْيُوتر حقيبة صغيرة ذات قعر مزدوج لكي يتمكن من ملئه بالمجلات.‏ ورتب ان يأخذ الحقيبة من وإلى المعسكر اشخاص ليسوا شهودا ولا سجناء.‏ وكان هؤلاء يأخذونها الى عنوان احدى الاخوات.‏

وبعد وقت قصير نظمت الاخوات عمل الكرازة في منطقتهن.‏ فلاحظت الشرطة ذلك وأرسلت عميلة لتتجسس عليهن،‏ كما كان معتادا في ذلك الوقت.‏ فادعت العميلة،‏ وهي معلمة،‏ انها مهتمة بالحق ونالت ثقة الاخوات.‏ ولم تكن للاخوات اية خبرة في هذا الشأن،‏ لذلك كن سعيدات ان يخبرن «الاخت» الجديدة بحقائق الكتاب المقدس،‏ ثم اخبرنها كيف يحصلن على المطبوعات.‏ وبعد ذلك،‏ فيما كانت الحقيبة تُنقل الى خارج المعسكر،‏ أُمسك پْيُوتر وحُكم عليه بالسجن ٢٥ سنة اضافية.‏ كما حُكم على كلٍّ من الاخوات الثلاث بالسجن ٢٥ سنة.‏

‏‹يلزم توضيح الامور›‏

استمرت الحكومة السوفياتية،‏ خلال الحرب وبعدها،‏ في مقاومتها الشديدة لنشاط شهود يهوه.‏ وفي آذار (‏مارس)‏ ١٩٤٧،‏ اخبر الاخوة في بولندا ان مسؤولا كبيرا في احدى المناطق الغربية للاتحاد السوفياتي اعلن انه بحلول نهاية ربيع تلك السنة لن يبقى ولا واحد من شهود يهوه هناك.‏ وقالوا في رسالتهم:‏ «فيما كنا نكتب اليكم هذه الرسالة،‏ بلغنا خبر مفاده ان ١٠٠ اخ وأخت اعتُقلوا في يوم واحد».‏ وذكرت رسالة اخرى عن الاخوة في المعسكرات:‏ «انهم يحافظون بشكل رائع على استقامتهم ليهوه.‏ وقد أُعدم الكثير منهم،‏ وينتظر الاخوة والاخوات خلاص يهوه مثلما انتظره اولئك الذين كانوا في معسكرات الاعتقال».‏

اعتُقل الشهود ايضا بسبب كرازتهم ورفضهم الانتخاب.‏ كتب الاخوة المسؤولون سنة ١٩٤٧ قائلين:‏ «نظن ان السلطات العليا في روسيا لا تعرف شيئا عما يصيب اخوتنا وأخواتنا،‏ وهي في الواقع لا تريد قتلهم.‏ ولكن يلزم تزويدها [السلطات] بالمعلومات الضرورية لتوضيح الامور».‏

محاولات للحصول على تسجيل شرعي

بعد وقت قصير،‏ اقترح مكتب الفرع في بولندا ان يُعدّ اثنان من الاخوة الروسيين ومحامٍ ذو خبرة الوثائق الضرورية لتسجيل عمل شهود يهوه شرعيا في الاتحاد السوفياتي.‏ ذكرت احدى الرسائل التي بُعِثت من بولندا الى الاخوة في روسيا:‏ «يجب ان تُسمع الكرازة ببشارة الملكوت في كل الامكنة،‏ بما فيها روسيا (‏مرقس ١٣:‏١٠‏)‏».‏ واختُتمت الرسالة بهذه الكلمات:‏ «اصبروا!‏ وسيحوّل يهوه دموعكم الى تهليل.‏ —‏ مزمور ١٢٦:‏٢-‏٦‏».‏

في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٤٩،‏ قدم ميكولا پياتوكا وميخايلو تشوماك وإيليا بابيتشوك طلبا للتسجيل الشرعي.‏ فوافقت الحكومة على الاعتراف بشهود يهوه انما بشروط معينة.‏ وأحد هذه الشروط ان يعطي الاخوة اسماء كل شهود يهوه العائشين في اراضي الاتحاد السوفياتي.‏ طبعا لم يكن الاخوة ليوافقوا على ذلك.‏ وعلى الرغم من استمرار العمل وازدياد عدد الناشرين باطراد،‏ كان اخوة كثيرون لا يزالون يُزجّون في السجن.‏

‏«لن يحررك الهك يهوه من هنا»‏

يتذكر پْيُوتر كريڤوكولسكي صيف سنة ١٩٤٥ ويقول:‏ «بعد ان حوكم الاخوة،‏ أُرسلوا الى مختلف المعسكرات.‏ وفي المعسكر الذي كنت فيه،‏ اعرب الكثير من السجناء عن اهتمام مخلص بالحق.‏ وكان احدهم رجل دين ادرك بسرعة ان ما سمعه هو الحق واتخذ موقفه الى جانب يهوه.‏

‏«لكن الاحوال كانت قاسية الى حد بعيد.‏ فذات مرة سُجنت في زنزانة صغيرة جدا بالكاد استطعت الوقوف فيها.‏ وقد دُعيَت بيت البقّ لأنها كانت ملآنة بكميات كبيرة من بقّ الفراش كان بإمكانها على الارجح ان تمتص دم الشخص بكامله.‏ فقال لي المفتش وهو واقف امام الزنزانة:‏ ‹لن يحررك الهك يهوه من هنا›.‏ كانت حصتي اليومية من الطعام ٣٠٠ غرام من الخبز وكوب ماء.‏ ولم يكن هنالك هواء،‏ لذا كنت استند الى الباب الصغير وأحاول تنشق الهواء عبر شق رفيع جدا.‏ كما شعرت ان البقّ يمتص دمي.‏ خلال ايامي العشرة في بيت البقّ،‏ طلبت مرارا من يهوه ان يعطيني القوة على الاحتمال.‏ (‏ارميا ١٥:‏١٥‏)‏ وعندما فُتحت الابواب في نهاية هذه الفترة أُغمي علي،‏ وحين استيقظت وجدت نفسي في زنزانة اخرى.‏

‏«وفي ما بعد،‏ حكمت عليّ محكمة تابعة لمعسكر العمل الالزامي بالسجن عشر سنوات في معسكر جزائي خاضع لحراسة مشددة،‏ وذلك بتهمة ‹تهييج النفوس ونشر دعاية مناهضة للسلطة السوفياتية›.‏ في ذلك المعسكر كان من المستحيل ارسال او تسلم اي بريد.‏ كما ان السجناء كانوا عموما من مرتكبي الجرائم العنيفة،‏ كالقتل.‏ وقد قيل لي انه إن لم انكر ايماني،‏ فسيفعل بي هؤلاء الاشخاص كل ما يُطلب منهم.‏ كنت ازن ٣٦ كيلوغراما فقط وبالكاد استطعت المشي.‏ ولكن حتى هناك تمكنت من ايجاد اشخاص مخلصين،‏ قلوبهم مهيأة لقبول الحق.‏

‏«وذات مرة،‏ عندما كنت مستلقيا بين الجنبات اصلي،‏ اقترب الي رجل كبير السن وسألني قائلا:‏ ‹ما الذي اتى بك الى هذا الجحيم؟‏›.‏ وما إن سمع انني واحد من شهود يهوه حتى جلس وضمني اليه وقبلني.‏ ثم قال:‏ ‹يا بُني،‏ لطالما رغبت في درس الكتاب المقدس!‏ فهل تعلمني من فضلك؟‏›.‏ لم تسعني الدنيا من شدة الفرح.‏ وعلى الفور سحبت قصاصات قديمة من الاناجيل كنت قد خطتها على ثيابي الرثة.‏ فاغرورقت عيناه بالدموع.‏ وفي تلك الامسية دارت بيننا محادثة طويلة اخبرني فيها انه يعمل في قاعة الطعام التابعة للمعسكر وأنه سيهتم بإطعامي.‏ وهكذا اصبحنا صديقين.‏ وقد نما هو روحيا في حين استعدت انا عافيتي.‏ وكنت متأكدا ان يهوه دبر ذلك.‏ بعد بضعة اشهر أُطلق سراحه،‏ اما انا فنُقلت الى معسكر آخر في اقليم غوركي.‏

‏«كانت الاحوال هناك افضل بكثير.‏ ولكن الاهم هو انني فرحت بعقد دروس في الكتاب المقدس مع اربعة سجناء.‏ وفي سنة ١٩٥٢ وجد المسؤولون عن المعسكر بعض المطبوعات في حوزتنا.‏ وخلال استجوابي قبل المحاكمة،‏ وُضعتُ في صندوق محكم الاغلاق بحيث لا يمكن ان يتسرب الهواء اليه.‏ وكلما ابتدأت بالاختناق كانوا يفتحون الصندوق لأتنشق القليل من الهواء ثم يغلقونه.‏ فقد ارادوا ان انكر ايماني.‏ وجرت إدانتنا جميعا.‏ وعندما قُرئ على مسامعنا الحكم،‏ لم يهلع احد من تلاميذي الذين يدرسون الكتاب المقدس،‏ الامر الذي اسعدني كثيرا.‏ وقد حُكم على هؤلاء الاربعة بالسجن ٢٥ سنة في المعسكرات.‏ اما انا فكانت عقوبتي اقسى،‏ ولكنها عُدِّلت وأصبحت ٢٥ سنة اضافية في معسكر خاضع لحراسة مشددة و ١٠ سنوات في المنفى.‏ بعد مغادرتنا الغرفة توقفنا وشكرنا يهوه على دعمه ايانا.‏ فتعجّب الحراس متسائلين عن سبب سعادتنا.‏ ثم فُرّقنا وأُرسلنا الى معسكرات مختلفة.‏ وقد أُرسلت انا الى معسكر خاضع لحراسة مشددة في ڤوركوتا».‏

الحياد المسيحي انقذ حياتهم

كانت الحياة في المعسكرات قاسية جدا.‏ وانتحر كثيرون من السجناء غير الشهود.‏ يذكر إيڤان كريلوڤ:‏ «بعد اطلاق سراحي من المعسكر الخاضع لحراسة مشددة،‏ قصدتُ عدة مناجم فحم أُجبر فيها اخوتنا وأخواتنا على القيام بأشغال شاقة.‏ ونجحتُ في الاتصال بهم،‏ وكان كل مَن يتمكن من نسخ بعض مجلاتنا باليد يمرِّر النسخ الى الآخرين.‏ لقد كرز الشهود في كل المعسكرات،‏ وكثيرون اظهروا اهتماما.‏ فاعتمد بعضهم في نهر ڤوركوتا بعد اطلاق سراحهم.‏

‏«كان ايماننا بيهوه وملكوته يُمتحن بشكل دائم.‏ وحدث سنة ١٩٤٨ ان بعض السجناء في احد المعسكرات في ڤوركوتا اعلنوا العصيان.‏ وكان المتمردون قد قالوا للسجناء الآخرين ان العصيان سيحقق اكبر نجاح ممكن اذا نظموا انفسهم ضمن مجموعات،‏ بحسب القومية او الدين مثلا.‏ وفي ذلك الوقت كان يوجد في المعسكر ١٥ شاهدا مسجونا.‏ فقلنا للمتمردين ان شهود يهوه مسيحيون وإنه لا يمكننا المشاركة في امور كهذه.‏ كما أوضحنا لهم ان المسيحيين الاولين لم يشاركوا في اي عصيان على الرومان.‏ طبعا،‏ فوجئ كثيرون بموقفنا،‏ ومع ذلك لم نَعدِل عنه مطلقا».‏

ادى العصيان الى نتائج مأساوية.‏ فقد تمكن الجنود المسلحون من سحق المقاومة،‏ واقتادوا المتمردين الى ثكنة اخرى.‏ وبعد ذلك رشّوا الثكنة بالوقود وأشعلوا فيها النار.‏ فمات معظم مَن في الداخل.‏ اما الاخوة فلم يمسَّهم الجنود بسوء.‏

ويمضي إيڤان قائلا:‏ «في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٤٨،‏ التقيت في معسكر واحد بثمانية اخوة حُكم عليهم بالسجن ٢٥ سنة.‏ وكان الشتاء قارسا جدا،‏ والعمل في المناجم صعبا.‏ ومع ذلك كنت ارى عيون هؤلاء الاخوة تشع ثقة ورجاء اكيدا.‏ ونظرتهم الايجابية قوَّت حتى السجناء الذين ما كانوا من شهود يهوه».‏

النفي الى سيبيريا

رغم المقاومة الوحشية من قِبل السلطات،‏ استمر الشهود يكرزون ببشارة ملكوت يهوه بغيرة.‏ وهذا اثار حنق الحكومة المركزية في موسكو وأغاظ كثيرا المخابرات السوفياتية.‏ وقد جاء في مذكرة مؤرخة في ١٩ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٥١ ارسلتها المخابرات السوفياتية الى ستالين:‏ ‏«بهدف قمع اية انشطة اضافية معادية للسوفيات تقوم بها حركة اتباع يهوه السرية،‏ ترى وزارة امن الدولة [ما عُرف لاحقا بالمخابرات السوفياتية KGB] انه لا بد من نفي مَن يُعرف انهم من اتباع يهوه مع عائلاتهم الى اقليمَي إركوتْسْك وتومْسْك».‏ وكانت المخابرات السوفياتية تعرف مَن كانوا شهودا،‏ فطلبت من ستالين الإذن بنفي ٥٧٦‏,٨ شخصا من ست جمهوريات سوفياتية الى سيبيريا.‏ وقد سُمح لها بذلك.‏

تذكر ماڠدالينا بيلوشيتسْكايا:‏ «عند الساعة الثانية من صباح يوم الاحد،‏ في ٨ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥١،‏ استيقظنا على صوتِ قرْعٍ قوي للباب.‏ فقفزت امي من فراشها وهرعت الى الباب وفتحته،‏ وإذا بضابط يقف امامنا ويقول بشكل رسمي:‏ ‹تقرَّر نفيكم الى سيبيريا لإيمانكم باللّٰه.‏ وسأعطيكم مهلة ساعتين لتوضّبوا اغراضكم.‏ يمكنكم اخذ اي شيء في البيت.‏ ولكن لا يُسمح بأخذ الحبوب والدقيق،‏ وكذلك الاثاث والامتعة الخشبية وآلات الخياطة.‏ كما لا يُسمح بأخذ شيء من خارج البيت.‏ اجلبوا معكم اغطية الاسرّة والملابس والحقائب واخرجوا›.‏

‏«كنا قد قرأنا في مطبوعاتنا انه يوجد عمل كثير لإنجازه شرق البلاد.‏ ففهمنا عندئذ ان الوقت قد حان لذلك.‏

‏«لم يرفع ايٌّ منا صوته بالبكاء.‏ ففاجأ ذلك الضابط الذي قال:‏ ‹دمعة واحدة صغيرة لم تذرفها عيونكم›.‏ فقلنا اننا نتوقع حدوث ذلك منذ سنة ١٩٤٨.‏ ثم طلبنا الإذن بأن نأخذ معنا واحدة على الاقل من دجاجاتنا الحية،‏ لكنه رفض.‏ ووزّع الضباط على انفسهم ما لدينا من حيوانات داجنة،‏ وتقاسموا الدجاجات امام اعيننا.‏ فأخذ واحد خمس دجاجات،‏ وواحد ستًّا،‏ وآخر ثلاثًا او اربعًا.‏ وحين لم يبقَ في القن سوى دجاجتين،‏ امر الضابط بذبحهما وإعطائهما لنا.‏

‏«كانت ابنتي البالغة من العمر ثمانية اشهر نائمة في مهد خشبي.‏ فسألْنا الضابط هل يمكن ان نأخذه معنا.‏ فأمر بأن يُفكَّك المهد وأن نُعطى فقط الجزء الذي توضع الطفلة فيه.‏

‏«سرعان ما عرف جيراننا اننا سنُنفى.‏ فجلب احدهم كيسا صغيرا فيه قطع من الخبز المحمص ورماه الى داخل العربة التي كانت تقلّنا.‏ لكن الجندي الذي يحرسنا رأى ما جرى،‏ فرمى الكيس الى الخارج.‏ كنا ستة اشخاص:‏ انا،‏ امي،‏ اخويَّ،‏ زوجي،‏ وابنتنا البالغة من العمر ثمانية اشهر.‏ وعندما صرنا خارج القرية دُفعنا بسرعة الى داخل سيارة ذهبت بنا الى المركز الاقليمي،‏ حيث مُلئت ملفاتنا.‏ وبعد ذلك أُخذنا بالشاحنة الى محطة السكة الحديدية.‏

‏«كان يوم الاحد مشمسا وجميلا.‏ وكانت المحطة تعج بالناس بين منفيين ومتفرجين.‏ وقد توقفت شاحنتنا تماما عند عربة قطار كان اخوتنا فيها.‏ عندما امتلأ القطار،‏ تحقق الجنود من وجود الجميع بقراءة اسماء العائلات،‏ وكان في عربتنا ٥٢ شخصا.‏ وقبل الانطلاق،‏ انهمرت الدموع من اعين الاشخاص الذين جاءوا ليودّعونا،‏ حتى ان بعضهم صار يشهق وهو يبكي.‏ وقد دُهشنا لرؤية هؤلاء الناس لأننا لم نكن نعرف بعضا منهم.‏ ولكنهم كانوا يعرفون اننا من شهود يهوه وأننا نُنفى الى سيبيريا.‏ بعدئذ اطلق المحرك البخاري صفيره المدوي.‏ فبدأ اخوتنا يرنمون باللغة الاوكرانية:‏ ‹لتكن محبة المسيح معكم.‏ المجدَ نعطي ليسوع المسيح.‏ سنلتقي ثانيةً في ملكوته›.‏ كان لمعظمنا ملء الثقة والرجاء ان يهوه لن يتركنا.‏ وقد رنّمنا عدة ابيات من الترنيمة.‏ فبات الوضع مؤثرا جدا حتى ان بعض الجنود بدأوا يبكون.‏ وبعد ذلك انطلق القطار».‏

‏«عكس ما كان متوقعا»‏

اورد الدكتور ن.‏ س.‏ ڠورْديينْكو —‏ بروفسور في جامعة هيرْزِن في سانت بيترسبرغ —‏ في كتابه ما حققه المضطهِدون،‏ قائلا:‏ «اتت النتائج عكس ما كان متوقعا.‏ فقد ارادوا إضعاف هيئة شهود يهوه في الاتحاد السوفياتي،‏ لكنهم في الحقيقة زادوا من قوتها.‏ ففي المستوطنات الجديدة التي لم يسبق ان سمع احد فيها بهذا الدين،‏ نقل شهود يهوه ‹عدوى› ايمانهم وولائهم الديني الى السكان المحليين».‏

تكيف شهود كثيرون مع ظروفهم الجديدة بشكل سريع.‏ فتشكلت جماعات صغيرة وعُيّنت المقاطعة التابعة لكل منها.‏ يقول نيكولاي كاليبابا:‏ «كنا في سيبيريا نكرز من بيت الى بيت،‏ او بتعبير ادق،‏ من بيت الى بيت يفصل بينهما بيتان او ثلاثة.‏ لكن الامر ينطوي على مخاطرة.‏ فماذا كنا نفعل؟‏ عند البدء بالكلام،‏ كنا نطرح هذا السؤال على الناس:‏ ‹هل تبيعون دجاجا او ماعزا او بقرا؟‏›،‏ ثم نحوّل المحادثة تدريجيا الى موضوع الملكوت.‏ وعقب الزيارة الاولى،‏ كنا نحاول القيام بزيارة مكررة بعد شهر تقريبا.‏ بعد فترة علمت المخابرات السوفياتية بالامر،‏ وسرعان ما نُشرت في الصحيفة مقالة تحذر السكان المحليين من التكلم الى شهود يهوه.‏ وقد ذكرت المقالة ان الشهود يذهبون من بيت الى بيت ويقولون للناس انهم يريدون ماعزا وبقرا ودجاجا.‏ لكننا في الحقيقة كنا نبحث عن خراف».‏

ويروي ڠاڤريل ليڤي:‏ «حاول الاخوة الاشتراك في الخدمة مع ان المخابرات السوفياتية كانت تراقبهم عن كثب.‏ وقد تبنى الشعب السوفياتي هذا الموقف:‏ عليك استدعاء الشرطة فورا اذا اشتبهت ان احدا يحاول التحدث اليك في موضوع ديني.‏ ورغم ذلك استمررنا في الكرازة،‏ مع اننا لم نشهد اية نتائج ملموسة في البداية.‏ لكن بمرور الوقت بدأ الحق يغيّر بعض السكان المحليين،‏ بينهم رجل روسي كان يشرب الخمر بكثرة.‏ فعندما تعرّف بالحق،‏ جعل حياته تنسجم مع مبادئ الكتاب المقدس وصار شاهدا نشيطا.‏ وفي وقت لاحق استدعاه ضابط في المخابرات السوفياتية وقال له:‏ ‹مع مَن تقضي وقتك؟‏ فهؤلاء الشهود جميعهم اوكرانيون›.‏

‏«فأجاب الاخ:‏ ‹عندما كنت سكيرا مرميا في الشارع،‏ لم تكترثوا بأمري بتاتا.‏ اما الآن فبعدما صرت انسانا سويّا ومواطنا صالحا،‏ ارتأيتم ان هذا غير جيد.‏ كثيرون من الاوكرانيين يغادرون سيبيريا،‏ لكنهم يتركون وراءهم سكانا محليين يعلّمهم اللّٰه كيف يجب ان يعيشوا›».‏

بعد سنوات قليلة،‏ بعث ضابط من إركوتْسْك برسالة الى موسكو جاء فيها:‏ «قال العديد من العمال المحليين انه يجب ارسال جميع [شهود يهوه] هؤلاء الى منطقة في الشمال لكي ينقطع كل اتصال بينهم وبين الناس ويعاد تأهيلهم».‏ فلا المسؤولون في سيبيريا ولا المسؤولون في موسكو عرفوا كيف يُسكتون شهود يهوه.‏

‏«لَكُنَّا قتلناكم جميعا»‏

في اوائل سنة ١٩٥٧،‏ نظمت السلطات حملة جديدة ضد شهود يهوه.‏ فكان الاخوة يلاحَقون وبيوتهم تُفتَّش.‏ يذكر ڤيكتور ڠوتشميت:‏ «عندما رجعت ذات يوم الى بيتي من الخدمة،‏ وجدتُ كل ما في الغرفة مقلوبا رأسا على عقب.‏ فكانت المخابرات السوفياتية تبحث عن مطبوعات.‏ وبعد اعتقالي استمروا يستجوبونني طوال شهرين.‏ وفي ذلك الوقت كانت ابنتي الصغرى يوليا في شهرها الـ‍ ١١،‏ وابنتي الكبرى في سنتها الثانية.‏

‏«خلال التحقيق سألني المفتش:‏ ‹هل انت الماني؟‏›.‏ وفي ذلك الوقت كانت كلمة ‹الماني› في نظر كثيرين مرادفة لكلمة ‹فاشيّ›.‏ فكان الالمان مكروهين.‏

‏«فقلت له:‏ ‹انا لست من الدعاة الى القومية،‏ ولكن اذا كنتَ تتحدث عن الالمان المسجونين في معسكرات الاعتقال على يد النازيين،‏ فأنا افتخر بهم.‏ كان اسمهم سابقا بيبلفورشر،‏ اما الآن فاسمهم شهود يهوه.‏ وبكل اعتزاز اقول لك ان لا احد من الشهود اطلق رصاصة من رشاش او قذيفة من مدفع.‏ حقا،‏ هؤلاء الالمان مدعاة للفخر!‏›.‏

‏«بقي المفتش صامتا،‏ فمضيتُ اقول:‏ ‹انا على ثقة بأنه لا احد من شهود يهوه اشترك في اي تمرد او عصيان.‏ صحيح انهم لا يتوقفون عن عبادة اللّٰه حتى عندما تكون نشاطاتهم محظورة،‏ لكنهم في الوقت نفسه يعترفون بالسلطات الشرعية ويطيعونها ما دامت قوانينها لا تخالف الشرائع الاسمى التي وضعها خالقنا›.‏

‏«فجأة قاطعني المفتش وقال:‏ ‹لم نتحرَّ قط عن اية مجموعة بقدر ما تحرَّينا عن الشهود ونشاطاتهم.‏ ولو وُجد في السجلات اي شيء ضدكم،‏ حتى مجرد اذى بسيط ألحقتموه بشخص ما،‏ لَكُنَّا قتلناكم جميعا›.‏

‏«عندئذ قلت في نفسي:‏ ‹يتحلى اخوتنا في كل انحاء العالم بالشجاعة في خدمة يهوه،‏ وقد انقذ مثالهم حياتنا نحن الساكنين في الاتحاد السوفياتي.‏ ولعل خدمتنا للّٰه هنا تساعد بطريقة ما اخوتنا الموجودين في اماكن اخرى›.‏ فقوّت هذه الفكرة تصميمي على الثبات في طرق يهوه».‏

الشهود في اكثر من ٥٠ معسكرا

ظل موقف شهود يهوه الحيادي وخدمتهم الغيورة في الاتحاد السوفياتي يثيران حنق الحكومة.‏ (‏مر ١٣:‏١٠؛‏ يو ١٧:‏١٦‏)‏ وغالبا ما ادى ذلك الى الحكم على الاخوة ظلما بالسجن فترات طويلة.‏

خلال المحافل الـ‍ ١٩٩ التي عُقدت حول العالم من حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٥٦ الى شباط (‏فبراير)‏ ١٩٥٧،‏ وافق ٩٣٦‏,٤٦٢ مندوبا بالاجماع على عريضة أُرسلت نسخ منها الى مجلس وزراء الاتحاد السوفياتي في موسكو.‏ وبعض ما جاء فيها:‏ «هناك اشخاص من شهود يهوه مسجونون في اكثر من ٥٠ معسكرا في المناطق الممتدة من روسيا الاوروبية الى المحيط القطبي الشمالي مرورا بسيبيريا،‏ وحتى في جزيرة نوڤايا زَمليا القطبية .‏ .‏ .‏ ويقال عن شهود يهوه في اميركا والبلدان الغربية الاخرى انهم شيوعيون،‏ اما في البلدان الخاضعة للحكم الشيوعي فيقال انهم امبرياليون .‏ .‏ .‏ لقد اتهمتهم الحكومات الشيوعية بأنهم ‹جواسيس امبرياليون› واقتادتهم الى المحاكم وحكمت عليهم بالسجن فترات تصل الى ٢٠ سنة.‏ لكن هؤلاء لم يشاركوا قط في اي نشاط هدّام».‏ والمؤسف ان العريضة لم تنجح في تحسين وضع شهود يهوه في الاتحاد السوفياتي.‏

كذلك لاقت عائلات شهود يهوه في روسيا صعوبة بالغة في تربية اولادها.‏ قال فلاديمير سوسْنين من موسكو،‏ وهو والد ربى ثلاثة بنين في تلك الفترة:‏ «كان الذهاب الى مدرسة سوفياتية امرا إلزاميا.‏ وقد ضغط المعلمون والتلاميذ الآخرون على اولادنا لكي ينضموا الى منظمات خاصة بالاولاد تروّج للفكر الشيوعي.‏ اردنا ان يتلقى صغارنا علومهم الضرورية،‏ وكنا نساعدهم في دروسهم.‏ ولكن لم يكن سهلا علينا نحن الوالدين ان ننمي محبة يهوه في قلوبهم.‏ فقد كانت المدارس مشحونة بالافكار التي تهدف الى تعزيز الاشتراكية والشيوعية.‏ لذلك وجب علينا ان نتحلى بالصبر والمثابرة الى اقصى الحدود».‏

متَّهَمان بقطع اذن ابنتهما

ربى سيميون وداريا كوسْتيلْييڤ ثلاثة اولاد في سيبيريا.‏ يروي سيميون:‏ «كان شهود يهوه يُعتبرون في ذلك الوقت فئة متعصبة.‏ وفي سنة ١٩٦١،‏ بدأت ابنتنا الثانية ألا سنتها الدراسية الاولى.‏ وفيما كانت ذات يوم تلعب مع اولاد آخرين،‏ جرحها احدهم في اذنها عن غير قصد.‏ فسألتها المعلمة في اليوم التالي عما حدث،‏ لكن ألا لزمت الصمت لأنها لم ترد ان تشي بالفاعل.‏ وكانت المعلمة تعرف ان والدَيها من شهود يهوه،‏ فاستنتجت انهما يضربانها ليجبراها على العيش وفق مبادئ الكتاب المقدس.‏ بعد ذلك ابلغت المدرسة المسألة الى مكتب المدعي العام.‏ وصارت الشركة التي اعمل فيها متورطة في الموضوع.‏ وقد استمرت التحقيقات نحو سنة،‏ وفي النهاية استُدعينا للمثول امام المحكمة في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٦٢.‏

‏«طوال الاسبوعين اللذين سبقا المحاكمة،‏ عُلقت لافتة على مبنى قصر الثقافة كُتب عليها:‏ ‹محاكمة المنتمين الى بدعة اتباع يهوه الخطرة تبدأ قريبا›.‏ وخلال المحاكمة اتُّهمنا انا وزوجتي بتربية اولادنا بحسب الكتاب المقدس.‏ كما اتُّهمنا بأننا متوحشان.‏ فقد زعمت المحكمة اننا كنا نجبر ابنتنا على الصلاة وأننا قطعنا اذنها بحرف دلو!‏ وكانت ألا الشاهدة الوحيدة في القضية،‏ لكنها أُرسلت الى ميتم في كيرنسك،‏ مدينة تبعد مسافة ٧٠٠ كيلومتر تقريبا عن شمال إركوتْسْك حيث نعيش.‏

‏«كانت القاعة تغص بأعضاء احدى المنظمات الشبابية الناشطين.‏ وعندما رُفعت الجلسة للتداول،‏ اثار الجمع ضجة كبيرة.‏ فقد وجّهوا الينا التهديدات والشتائم،‏ وطالب احدهم ان نخلع ملابسنا ‹السوفياتية›.‏ وكان الجميع يصيحون مطالبين بإعدامنا،‏ حتى ان واحدا اراد ان يقتلنا حالا حيثما نحن.‏ ولكن رغم احتدام غضب الجمع،‏ لم يبرح القضاة مكانهم.‏ واستمر التداول ساعة من الوقت.‏ وعندما اندفع الجمع نحونا،‏ وقفت اخت وزوجها غير المؤمن بيننا وبينهم وتوسلا اليهم ألا يؤذونا.‏ وقد تمكّنَا من اختطافنا من ايديهم وهما يحاولان ان يشرحا لهم ان كل التهم الموجهة الينا باطلة.‏

‏«وأخيرا حضر القاضي مع مستشارَي محكمة الشعب وقرأ علينا الحكم الذي حرمنا من الحقوق الابوية.‏ ثم وُضعتُ تحت الحراسة وأُرسلت الى احد معسكرات العمل الالزامي الاصلاحية مدة سنتين.‏ كما أُرسلَت ابنتنا الكبرى الى ميتم بعدما قيل لها ان ابويها ينتميان الى بدعة خطرة ويؤثران سلبا في تربيتها.‏

‏«اما ابننا فتُرك مع داريا لأنه كان في الثالثة فقط من العمر.‏ وبعدما انتهت فترة عقوبتي،‏ عدت الى المنزل.‏ وكما في السابق،‏ اقتصرت كرازتنا على الخدمة غير الرسمية».‏

‏«فخوران جدا بأولادنا»‏

‏«غادرت ألا الميتم حين بلغت الـ‍ ١٣ من عمرها،‏ وعادت الى البيت لتعيش معنا.‏ وكم ابتهجنا حين نذرت نفسها ليهوه واعتمدت سنة ١٩٦٩!‏ في تلك الفترة تقريبا،‏ كانت سلسلة من المحاضرات حول الدين تُلقى في قصر الثقافة في مدينتنا.‏ فقررنا الذهاب لنستمع الى ما سيقولونه هذه المرة.‏ وكالعادة،‏ كانت معظم المناقشات تدور حول شهود يهوه.‏ وقد حمل احد المحاضرين عددا من برج المراقبة وقال:‏ ‹هذه المجلة مؤذية وخطيرة،‏ وهي تقوّض وحدة دولتنا›.‏ ثم اعطى هذا المثال:‏ ‹يجبر اعضاء هذه البدعة اولادهم على قراءة مجلات كهذه وعلى الصلاة ايضا.‏ وفي احدى العائلات رفضت فتاة صغيرة قراءة المجلة،‏ فقطع ابوها اذنها›.‏ ففاجأ هذا الكلام ألا،‏ التي كانت جالسة هناك تستمع الى المحاضرة بأذنين سليمتين.‏ لكنها لم تقل شيئا،‏ لأنها خشيت ان يبعدوها عن والديها من جديد.‏

‏«عندما بلغ ابننا بوريس الـ‍ ١٣ من العمر،‏ نذر نفسه ليهوه واعتمد.‏ وفي احدى المرات كان يكرز في الشوارع مع شهود في مثل سنه،‏ رغم ان نشاطاتنا كانت لا تزال محظورة في ذلك الوقت.‏ ولم يكن معهم كتاب مقدس ولا اية مطبوعات مؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وفجأة اقتربت منهم سيارة وأخذتهم جميعا الى مركز الميليشيا.‏ وبعد استجوابهم وتفتيشهم،‏ لم يجد رجال الميليشيا سوى ورقة كُتبت عليها بعض الآيات من الكتاب المقدس.‏ فسُمح لهم بالعودة الى منازلهم.‏ وعندما وصل بوريس الى البيت،‏ اخبرَنا بكل فخر كيف اضطُهد هو والاخوة الآخرون من اجل اسم يهوه.‏ فشعرنا اننا فخوران جدا بأولادنا لأن يهوه دعمهم وقت الامتحان.‏ بعد ذلك استدعتنا المخابرات السوفياتية انا وداريا عدة مرات.‏ وقال احد الضباط:‏ ‹يستحق هؤلاء الاولاد ان نرسلهم الى مستعمرة جزائية للاحداث.‏ ولكن من المؤسف انهم لم يبلغوا الـ‍ ١٤ بعد›.‏ ثم دفعنا غرامة جزاء نشاطات ابني التبشيرية.‏

‏«اعيش اليوم مع ابني وأحفادي الذين يسيرون في الحق.‏ وتعيش ابنتي الكبرى في اوزبكستان.‏ ومع انها لم تصبح خادمة ليهوه بعد،‏ فهي تحترمنا وتحترم الكتاب المقدس وتأتي لزيارتنا كثيرا.‏ في سنة ٢٠٠١ ماتت داريا بعد ان خدمت يهوه بأمانة حتى نهاية حياتها.‏ وما دامت لدي القوة حتى الآن،‏ ارافق الجماعة في الكرازة في المقاطعات النائية بحثا عن ‹الذين قلوبهم مهيأة للحياة الابدية›.‏ (‏اع ١٣:‏٤٨‏)‏ وأنا أومن بأن يهوه سيلبي قريبا جدا رغبة كل واحد منا،‏ حسبما هو مكتوب في اشعيا ٦٥:‏٢٣‏».‏

الوالدون يرسمون مثالا حسنا

يخدم ڤلاديسلاڤ اپانيوك في بيت ايل في روسيا.‏ وهو يتذكر كيف غرس والداه في قلبه وقلب اخوته محبة يهوه من الطفولية،‏ قائلا:‏ «نُفي والداي من اوكرانيا الى سيبيريا سنة ١٩٥١.‏ وقد علّمانا ان نسعى الى ارضاء يهوه حين نتخذ قراراتنا الخاصة.‏ وكانا يتحدثان امامنا دائما عن تقصيراتهما دون إحراج،‏ الامر الذي قدّرتُه كثيرا.‏ فلم يخفيا الاخطاء التي ارتكباها.‏ كما كانت محبتهما ليهوه جلية جدا.‏ وغالبا ما كانا مرحَين،‏ وخصوصا خلال مناقشة المواضيع الروحية معنا.‏ وقد لاحظنا انهما يحبان كثيرا التأمل والتحدث عن يهوه.‏ وهذا ما دفعَنا نحن ايضا الى التأمل في الحقائق المتعلقة بإلهنا.‏ فكنا نتخيل كيف سيعيش الناس في العالم الجديد،‏ حين يكون كل شيء رائعا وحين لا يكون مرض ولا حروب في ما بعد.‏

‏«عندما كنت في الصف الثالث،‏ دُعي صفي بكامله للانضمام الى منظمة شبابية سوفياتية تُعرف باسم ‹الطلائع›.‏ وكان معظم الاولاد في الاتحاد السوفياتي يعتبرون الانضمام الى الطلائع شرفا عظيما.‏ وقد انتظر رفاقي في الصف هذا اليوم بفارغ الصبر.‏ وكان على كل واحد منا ان يدوِّن قسَما رسميا يذكر فيه انه على استعداد للانضمام الى صفوف الطلائع السوفيات،‏ بناة الشيوعية المستقبليين.‏ لكنني رفضت القيام بذلك.‏ وكعقاب لي،‏ حجزتني معلمتي في الصف وقالت:‏ ‹لن تخرج ما لم تدوِّن القسَم›.‏ وبعد ساعات،‏ اخذ بعض رفاقي يدقّون على النافذة ويلحون علي لأخرج وألعب معهم.‏ لكني بقيت في الصف وأنا عاقد العزم على عدم كتابة اي شيء.‏ وقرابة المساء اتت معلمة اخرى.‏ ولما رأتني في الصف،‏ سمحت لي بالذهاب الى البيت.‏ كان هذا اول انتصار لي.‏ وكنت فخورا لأني فعلت شيئا يفرّح قلب يهوه.‏ (‏ام ٢٧:‏١١‏)‏ وعندما وصلت الى البيت،‏ اخبرت والديَّ بكل ما حدث.‏ ففرحا كثيرا،‏ وقال لي ابي:‏ ‹احسنت يا بُنيّ!‏›».‏

اعتبار الكتاب المقدس معاديا للسوفيات

في بعض الاحيان كان الاخوة يحاكَمون لمجرد امتلاكهم كتابا مقدسا.‏ تقول نادييجْدا ڤيشنياك:‏ «مع اننا انا وزوجي لم نكن بعد من شهود يهوه،‏ كان الحق قد مسَّ قلبنا في الصميم.‏ وفي احدى المرات،‏ اتت الشرطة الى مركز عملي واعتقلتني وأنا بلباس العمل.‏ كما اعتُقل زوجي پْيُوتر في مكان عمله.‏ وقبل ذلك كانت الشرطة قد فتشت بيتنا،‏ فوجدت كتابا مقدسا وكراس بعد هرمجدون —‏ عالم اللّٰه الجديد.‏ لم يخيَّل الى زوجي انهم سيعتقلونني لأني كنت حاملا في شهري السابع.‏

‏«وُجهت الينا تهمة العمل ضد السلطات السوفياتية.‏ فكان ردنا اننا نؤمن بالكتاب المقدس الذي له سلطة اعلى من السلطات السوفياتية.‏

‏«قلت لهم:‏ ‹الكتاب المقدس هو كلمة اللّٰه،‏ ولهذا السبب نريد ان نحيا بحسب مبادئه›.‏

‏«وعندما حان وقت محاكمتنا،‏ كان من المتوقع ان ألد بعد اسبوعين فقط.‏ وقد سمح القاضي لي بفترات استراحة بين جلسات الاستماع لكي امشي خارجا انما برفقة جندي مسلح.‏ وذات مرة،‏ سألني الجندي عما فعلته.‏ فأُتيحت لي فرصة رائعة لأشهد له.‏

‏«اعلن القاضي ان الكتاب المقدس والمطبوعة اللذين صودرا منا هما ‹معاديان للسوفيات›.‏ ففرحتُ لأننا لم نُتهم انا وزوجي فقط بمعاداة السوفيات،‏ بل ايضا مطبوعاتنا وحتى الكتاب المقدس!‏ ثم سُئلنا كيف تعرّفنا الى شهود يهوه.‏ فأجبنا اننا تعرّفنا اليهم في احد معسكرات العمل الالزامي في ڤوركوتا.‏ حينئذ،‏ صاح القاضي بغضب:‏ ‹انظروا ماذا يحدث في معسكراتنا!‏›.‏ وبعد ذلك حُكم علينا بقضاء عشر سنوات في معسكرات العمل الالزامي الاصلاحية.‏

‏«أُرسل پْيُوتر الى معسكر في موردڤينا بوسط روسيا،‏ ووُضعت انا في سجن انفرادي.‏ وفي آذار (‏مارس)‏ ١٩٥٨ وَلدتُ ابنا.‏ وفي تلك الاوقات الصعبة،‏ كان يهوه خير صديق ومعين لي.‏ بعد ذلك،‏ اخذت امي ابننا وتولت رعايته.‏ اما انا فنُقلت الى كيميروڤو في سيبيريا،‏ حيث وُضعت في احد معسكرات العمل الالزامي.‏

‏«بعد ثماني سنوات أُطلق سراحي قبل انتهاء مدة عقوبتي.‏ ولا ازال اتذكر المسؤولة في الثكنة وهي تصرّح بصوت عالٍ انني لم اتفوه قط بأية ملاحظات ‹معادية للسوفيات› وأن مطبوعاتنا تتناول مواضيع دينية فقط.‏ وفي سنة ١٩٦٦ اعتمدتُ بعدما استعدتُ حريتي».‏

كانت للكتاب المقدس والمطبوعات المؤسسة عليه قيمة كبيرة في السجون والمعسكرات.‏ وفي سنة ١٩٥٨،‏ كان الاخوة يعقدون الاجتماعات بانتظام في احد معسكرات موردڤينا.‏ وحين يعقد فريق منهم درس برج المراقبة،‏ كان عدة اخوة يعيَّنون ليقفوا حراسا بحيث تكون المسافة بينهم كافية ليسمع الواحد صوت الآخر،‏ وذلك لكيلا يباغتهم المسؤولون عن المعسكر.‏ فإذا اتى مسؤول،‏ يقول الاخ الاقرب «قادم» للحارس الواقف بعده،‏ وهكذا دواليك الى ان يسمع الفريق المجتمِع الكلمة.‏ عندئذ يتفرق الجميع وتُخفى المجلة.‏ ولكن غالبا ما كان المسؤولون يأتون من حيث لا يدري الاخوة.‏

ففي احدى المرات ظهر المسؤولون على حين غفلة من الاخوة،‏ فقرر بوريس كريلتسوڤ ان يفعل شيئا يلهي به المسؤولين وينقذ المجلة.‏ فأمسك بكتاب وركض به الى خارج الثكنة.‏ فطارده المسؤولون وقتا طويلا،‏ ولكن عندما ادركوه وجدوا ان الكتاب الذي في يده هو احد كتب لينين.‏ ومع ان الاخ وُضع في السجن الانفرادي سبعة ايام،‏ كان مسرورا بأن المجلة لم تقع في يدهم.‏

بذور الحق تُزرع في موسكو

بدأت الكرازة ببشارة الملكوت في موسكو مع مجموعة صغيرة.‏ وكان بوريس كريلتسوڤ بين اوائل الاشخاص القليلين الذين كرزوا بغيرة في تلك العاصمة.‏ يروي قائلا:‏ «كنت اعمل كمشرف على العمال في مشاريع انشائية.‏ وقد حاولت مع مجموعة من الاخوة والاخوات ان اكرز بطريقة غير رسمية.‏ وعندما علمت المخابرات السوفياتية بما افعله،‏ فتشت شقتي في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥٧ ووجدت فيها مطبوعات مؤسسة على الكتاب المقدس.‏ فجرى اعتقالي على الفور.‏ وخلال الاستجواب،‏ قال لي المفتش ان شهود يهوه هم اخطر الناس في الدولة.‏ ثم اضاف:‏ اذا اطلقتُ سراحك،‏ فكثيرون من المواطنين السوفياتيين سينضمون اليكم.‏ لذلك نحن نعتبركم خطرا كبيرا على دولتنا.‏

‏—‏ يعلّمنا الكتاب المقدس ان نكون مواطنين طائعين للقانون.‏ وهو يأمرنا ايضا ان نطلب اولا الملكوت وبر اللّٰه.‏ لذا لم يحاول المسيحيون الحقيقيون قط الاستيلاء على السلطة في اي بلد.‏

‏—‏ من اين حصلت على المطبوعات التي وجدناها خلال التفتيش؟‏

‏—‏ ما المشكلة في هذه المطبوعات؟‏ فهي تناقش نبوات الكتاب المقدس ولا تتناول اية مواضيع سياسية.‏

‏—‏ هذا صحيح،‏ ولكنها تصدر في الخارج.‏

‏«انتهى بي الامر الى سجن خاضع لحراسة مشددة في مدينة فلاديمير.‏ ومع اني فُتشت تفتيشا دقيقا،‏ استطعت ان أُدخل الى المعسكر اربعة اعداد من مجلة برج المراقبة منسوخة على ورق رقيق،‏ امر لم اكن اتوقعه البتة.‏ لقد كان واضحا ان يهوه ساعدني.‏ وفي زنزانتي قمت بإعادة نسخ كافة الاعداد الاربعة،‏ اذ عرفت انه يوجد هنا شهود بقوا محرومين من الطعام الروحي طوال سبع سنين.‏ ثم مرَّرتُ هذه المجلات اليهم عن طريق اخت مسؤولة عن مسح الادراج.‏

‏«ولكن تبين في النهاية ان احد الاشخاص الذين يعاشرون الاخوة هو مخبر،‏ فأبلغ آمري السجن بأن احدا يمرّر الى بعض المساجين مطبوعات مؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وعلى الفور اخذوا يفتشون كل شخص ويضعون ايديهم على كل المطبوعات.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى وصلوا الي ووجدوا المطبوعات في فراشي.‏ وكان عقابي قضاء ٨٥ يوما في السجن الانفرادي.‏ مع ذلك استمر يهوه يعتني بنا كما من قبل».‏

محاضرات ساعدت البعض على تعلم الحق

استُخدمت المحاضرات لشن حرب ايديولوجية على شهود يهوه في الاتحاد السوفياتي.‏ يقول ڤيكتور ڠوتشميت:‏ «كثيرا ما كان خطباء يأتون الى معسكرنا لإلقاء محاضرات تروّج للالحاد.‏ وكان اخوتنا يطرحون الاسئلة على الدوام.‏ وفي بعض الاحيان لم يتمكن المحاضرون من الاجابة عن ابسط الاسئلة.‏ عادةً،‏ كانت القاعة تمتلئ بالناس،‏ وكان الجميع يصغون بانتباه شديد الى ما يقال.‏ فكانوا يأتون بملء ارادتهم لسماع ما يقوله شهود يهوه في ختام المحاضرة.‏

‏«في احدى المرات،‏ اتى الى المعسكر محاضر كان قبلا كاهنا في الكنيسة الارثوذكسية الروسية.‏ وكان الجميع يعرفون انه تخلى عن ايمانه خلال فترة سجنه في احد المعسكرات وصار ملحدا.‏

‏«وعند انتهاء محاضرته سأله احد الاخوة:‏ ‹هل كنتَ ملحدا قبل ان تُسجن ام بعد ذلك؟‏›.‏

‏«فأجاب المحاضر:‏ ‹فكر في هذا:‏ ذهب الانسان الى الفضاء ولم يرَ اللّٰه هناك›.‏

‏«عندئذ سأله الاخ:‏ ‹عندما كنتَ كاهنا،‏ هل كنت تظن حقا ان اللّٰه يراقب البشر من ارتفاع يزيد قليلا على ٢٠٠ كيلومتر عن سطح الارض؟‏›.‏ فلم يجب المحاضر بشيء.‏ هذه المناقشات جعلت سجناء كثيرين يفكرون بجدية في تلك المسائل،‏ وعلى اثرها بدأ بعضهم يدرسون الكتاب المقدس معنا.‏

‏«خلال احدى هذه المحاضرات،‏ طلبت اخت الإذن بالتكلم.‏ فقال المحاضر:‏ ‹تفضلي.‏ انتِ على الارجح واحدة من شهود يهوه›.‏

‏«فسألت الاخت:‏ ‹ماذا تقول عن شخص يقف في حقل ويصرخ:‏ «سأقتلك!‏»،‏ ولا احد غيره هناك؟‏›.‏

‏«اجاب المحاضر:‏ ‹طبعا لن اقول انه شخص ذكي›.‏

‏«عندئذ قالت الاخت:‏ ‹اذا كان اللّٰه غير موجود،‏ فلماذا يحاربه الناس؟‏ فما دام غير موجود،‏ لا احد هناك ليحاربوه›.‏ فانفجر الحضور بالضحك».‏

سيعود الكارز بالتأكيد

طبعا،‏ لم تكن المحاضرات التي تروّج للايديولوجية السوفياتية تُلقى فقط في المعسكرات.‏ فقد كانت تنظَّم بشكل رئيسي ليسمعها الناس في المدن الكبيرة.‏ لذا كان محاضرون بارعون يزورون مختلف البلدات والمدن،‏ وخصوصا التي تضم عددا كبيرا من الشهود مثل ڤوركوتا وإنتا وأوختا وسيكْتيفْكار.‏ يروي الاخ ڠوتشميت:‏ «سنة ١٩٥٧،‏ اتى ذات يوم رجل الى قصر الثقافة ليلقي محاضرة امام عمال المناجم في إنتا،‏ فحضر الى هناك ٣٠٠ شخص.‏ وأخذ هذا المحاضر يشرح معتقدات شهود يهوه والطريقة التي يتبعونها في كرازتهم.‏ وبعد ان وصف بكل دقة طريقتنا في التبشير،‏ مع ذكر ما نستخدمه من عروض على مدى ١٥ زيارة مكررة،‏ اردف قائلا:‏ ‹اذا لم يبدر منكم شيء يُظهر انكم غير موافقين،‏ فسيعود الكارز بالتأكيد.‏ وإذا لم تُظهروا انكم غير موافقين في الزيارة الثانية،‏ فستتبعها زيارة ثالثة›.‏

‏«وعلى مدى ساعتين،‏ اخذ يتحدث عما نقوله في ستٍّ من هذه الزيارات كلمة فكلمة بحسب الطريقة التي نعتمدها،‏ حتى انه قرأ من دفتر ملاحظاته كل الآيات التي نستخدمها.‏ وقد اخبرتني زوجتي پولينا بما حدث في رسالة بعثت بها الي حين كنت اقضي فترة عقوبة في احد المعسكرات،‏ وذكرت ان الاخوة الذين اتوا لسماع المحاضرة لم يصدِّقوا آذانهم.‏ وبعد هذه المحاضرة نشرت الصحيفة تعليقات سلبية عن الشهود،‏ ولكنها اوردت وصفا شاملا للملكوت.‏ كما ان المحاضرة بُثَّت بكاملها على الراديو.‏ بهذه الطريقة عرف آلاف الاشخاص في المدينة كيف يكرز شهود يهوه وبماذا يكرزون.‏

‏«في سنة ١٩٦٢،‏ اتى خطيب من موسكو ليلقي محاضرة عن شهود يهوه.‏ وبعد مناقشة تاريخهم العصري،‏ قال:‏ ‹كل شهر تتدفق ملايين الدولارات الى بروكلين بشكل هبات طوعية لدعم نشاطات الشهود في مختلف البلدان.‏ ولكن لا احد من زعمائهم يملك حتى خزانة يضع فيها ملابسه.‏ والكل —‏ من مدبرة المنزل الى الرئيس —‏ يأكلون في صالة الطعام معا،‏ ولا يوجد اي فارق بينهم.‏ وجميعهم يدعون بعضهم بعضا اخا وأختا كما ندعو نحن بعضنا بعضا الرفيق والرفيقة›.‏

‏«عندئذ ساد الصمت لبعض الوقت في القاعة.‏ ثم اضاف المحاضِر:‏ ‹لكننا لن نتبنى ايديولوجيتهم هذه مهما بدت حسنة،‏ لأننا نريد ان نحقق كل ذلك بمعزل عن اللّٰه،‏ اي بسواعدنا وعقولنا›.‏

‏«كان هذا مصدر تشجيع كبير لنا،‏ لأننا سمعنا للمرة الاولى الحقيقة عن شهود يهوه من فم السلطات نفسها.‏ كما اتاحت هذه المحاضرات الفرصة لأناس كثيرين آخرين ان يسمعوا من السلطات الحقيقة عن شهود يهوه.‏ ولكن لزم ايضا ان يرى الناس بأم العين ان تعاليم الكتاب المقدس قادرة على تحسين حياتهم».‏

المراقبة لا تنجح دائما

اعتادت المخابرات السوفياتية على مر السنين ان تتنصّت على المكالمات الهاتفية وتحتجز الرسائل،‏ اضافة الى اعتماد وسائل اخرى للمراقبة.‏ وفي بعض الاحيان كانت المخابرات تزرع سرا اجهزة تنصُّت في بيوت الاخوة الذين يأخذون القيادة في الجماعة.‏ يتذكر ڠريڠوري سيڤولسكي،‏ الذي خدم ٢٥ سنة كناظر كورة خلال الحظر،‏ كيف اكتشف سنة ١٩٥٨ وجود جهاز تنصت في العلية،‏ قائلا:‏ «كنا نعيش في احدى ضواحي بلدة تولون بسيبيريا،‏ في الطابق الثاني لمجمّع سكني مؤلف من طبقتين.‏ وعندما عدت في احد الايام الى البيت،‏ سمعت صوت مثقاب يصدر من علية المبنى.‏ فأدركت ان المخابرات السوفياتية تزرع جهاز تنصُّت في العلية للتجسس علينا —‏ احد الاساليب المعروفة التي تعتمدها المخابرات.‏ وكانت معظم مطبوعاتنا مخبأة في العلية وفي الاطراف الناتئة من السطح فوق الجدار.‏

‏«عندما اجتمعت العائلة في المساء،‏ اخبرتُهم بظنوني،‏ واتفقنا ألا نتحدث عن شؤون الجماعة في البيت فترة من الوقت.‏ ثم شغّلنا الراديو ورفعنا صوته عاليا،‏ وأبقيناه هكذا طوال اسبوع كامل.‏ وفي آخر ذلك الاسبوع تسللنا انا وأخ الى العلية،‏ فوجدنا سلكا كهربائيا موصولا بجهاز تنصُّت.‏ وكان هذا السلك يمر بين لوحَي خشب ويلتف حول طرف السطح،‏ ثم يمتد بشكل مستقيم الى المدينة باتجاه مكاتب المخابرات.‏ فلا شك انهم كانوا يسجلون كل شيء،‏ لكنّ ما استطاعوا تسجيله في ذلك الوقت لم يكن إلا برامج اذاعية».‏

اندساس المخابرات في الهيئة

رأت المخابرات السوفياتية ان الاضطهاد المباشر لا يثبط عزم الشهود.‏ فلجأت الى المكر والخداع،‏ وأخذت تزرع بين الاخوة بذور الشك حيال اخوتهم المعينين للاشراف على العمل وحيال الهيئة ككل.‏ وإحدى الاستراتيجيات التي اعتمدتها المخابرات هي دس عملاء متمرسين في الجماعات.‏

وقد تمكن عدة عملاء من تولي مراكز اشراف في الهيئة.‏ وفعل هؤلاء الاخوة الكذبة كل ما في وسعهم لإعاقة النشاط الكرازي،‏ وذلك بخلق جو من الخوف والقلق يثير الشكوك حول الاخوة الذين يأخذون القيادة.‏ كما انهم منعوا شخصيا وصول المطبوعات الى يد الاخوة وسلّموها الى المخابرات.‏ وأحد التقارير يذكر ان عميلين اثنين فقط سلّما اكثر من ٥٠٠ نسخة من برج المراقبة،‏ اضافةً الى مطبوعات اخرى،‏ الى المخابرات خلال فترة عملهما،‏ اي ما بين سنتي ١٩٥٧ و ١٩٥٩.‏

وفي اواسط الخمسينات،‏ بدأ بعض الاخوة يخسرون الثقة بلجنة البلد.‏ وانتشرت اشاعات مفادها ان بعض اعضاء هذه اللجنة يعملون مع المخابرات السوفياتية ويخونون الاخوة الامناء،‏ بمن فيهم الذين ينسخون المطبوعات.‏ يذكر إيڤان پاشْكوڤسكي:‏ «في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥٩ تشكلت لجنة بلد جديدة كنتُ عضوا فيها.‏ فعقدنا العزم على الدفاع عن الحق مهما بذل ابليس من جهود ليمزّق شمل الاخوة.‏ حينئذ بدأت اصعب فترة في تاريخ شهود يهوه في الاتحاد السوفياتي».‏

ومع تزايد الشكوك،‏ توقف بعض الاخوة عن ارسال تقارير الجماعات الى لجنة البلد.‏ غير ان الناشرين في الجماعات واصلوا نشاط خدمتهم واستمروا يقدمون تقاريرهم بانتظام.‏ لكن معظمهم لم يكن يعرف ان التقارير ما عادت تُرسل الى لجنة البلد.‏ وبحلول سنة ١٩٥٨،‏ كان آلاف الناشرين قد عُزلوا عن لجنة البلد بفعل ما قامت به مجموعات من الاخوة.‏ وقد تواصل نمو مجموعات الاخوة التي انعزلت عن الهيئة في مدينتي إركوتْسْك وتومْسْك،‏ ولاحقا في مدن روسية اخرى.‏ وفي آذار (‏مارس)‏ ١٩٥٨،‏ انشأ هؤلاء «لجنة بلد» خاصة بهم على امل ان تحظى باعتراف كل الجماعات.‏

استخدمت الهيئة الحاكمة كل ما لديها من وسائل لمساعدة الاخوة في الاتحاد السوفياتي على التوحد من جديد في عبادة يهوه.‏ وكان ألفرايت روتيمان العائش في سويسرا مديرَ مكتب فرع الجمعية في شمال اوروبا الذي يشرف على العمل في الاتحاد السوفياتي.‏ فبعث سنة ١٩٥٩ برسالة الى الاخوة في روسيا ذكر فيها ان يهوه لا يبارك إلا الذين يسعون الى الحفاظ على الوحدة ويكرزون ببشارة الملكوت.‏ لاقت هذه الكلمات قبول بعض الاخوة الذين انعزلوا عن الهيئة،‏ فبدأ هؤلاء يسعون الى اعادة بناء الثقة بلجنة البلد.‏ لكن الثقة لم تُستعد بالكامل إلا بعد سنوات.‏ وطوال كل ذلك الوقت،‏ اهتمت لجنة البلد بتوزيع المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس بواسطة السعاة.‏ ومع ان الذين انعزلوا عن الهيئة كانوا يدرسون هذه المطبوعات،‏ ظلوا يمتنعون عن ارسال تقارير خدمة الحقل الخاصة بهم الى اللجنة.‏

استمرت المخابرات السوفياتية تزرع بذور الشك بين الاخوة.‏ وقد تعمّدت ابقاء بعضهم خارج السجن فيما سجنت آخرين.‏ وهكذا تكوَّن عند الاخوة عموما الانطباع ان الشهود الذين بقوا احرارا هم متواطئون مع المخابرات.‏ فصار كثيرون شكاكين وانتقاديين جدا للاخوة المسؤولين.‏

محاكمة أُحيطت بضجة اعلامية

ذكر تقرير ارسله مسؤول حكومي من إركوتْسْك الى موسكو:‏ «قام [شهود يهوه في اقليم إركوتْسْك] بنشاطات سريّة واسعة النطاق.‏ فخلال النصف الثاني من عام ١٩٥٩،‏ اكتشف عملاء المخابرات السوفياتية خمس مطابع سريّة».‏ وقد وُجدت هذه المطابع في بلدتَي زيما وتولون وقرى كيتوي وأوكْتيابرسكي وجالاري في سيبيريا.‏ وبعد اكتشافها اعتُقل الاخوة المشمولون بعملية الطباعة.‏

في البداية اعتُقل اربعة اخوة.‏ وباستخدام الحيلة ارغمهم المحقّقون على اعطاء افادات خطية عن عمل الطباعة.‏ ثم حرّفت المخابرات السوفياتية شهاداتهم ونشرتها في الصحف المحلية.‏ بعد ذلك أُطلق سراح الاخوة الاربعة واعتُقل ثمانية آخرون.‏ وكانت ستجري محاكمتهم في تولون،‏ في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٦٠.‏ فقامت المخابرات السوفياتية بالاستعدادات لتغطية اعلامية شاملة للمحاكمة تجذب انتباه الناس.‏ وخططوا ان يستخدموا الاخوة الاربعة الذين أُطلق سراحهم كشهود لصالح الادعاء.‏ فاعتقد الكثير من الاخوة في الجماعات ان هؤلاء الاربعة يتعاملون مع المخابرات السوفياتية.‏

فضلا عن ذلك،‏ ارادت المخابرات السوفياتية ان تستخدم هذه المحاكمة الصورية لتقويض ايمان الشهود الحاضرين وإثارة السكان المحليين ضدهم.‏ لذلك،‏ نظّمت قبل انعقاد المحكمة جولات في احد الطوابق السفلية حيث كان الاخوة يطبعون المطبوعات لعدة سنوات.‏ وسرعان ما ضجت البلدة بإشاعات عن نشاطات تقوم بها «بدعة» سرية.‏ وعندما حان موعد المحاكمة ملأ القاعة اكثر من ٣٠٠ شخص،‏ بمن فيهم مراسلو الصحف والتلفزيون،‏ حتى ان البعض اتوا من موسكو.‏ كما كان حاضرا الكثير من شهود يهوه.‏

الفوضى تعمّ المحكمة

فجأة،‏ بدأت خطط المخابرات السوفياتية تفشل.‏ فالإخوة الذين اعطوا افادات خطية ادركوا انهم اخطأوا.‏ وفي اليوم نفسه قبل المحاكمة،‏ صمموا جميعهم بثبات ان يفعلوا كل ما في وسعهم لتمجيد يهوه.‏ فأعلنوا اثناء المحاكمة انهم خُدعوا وأنه جرى تحريف ما ادلوا به.‏ ثم قالوا:‏ «نحن مستعدون ان نجلس على مقعد المتَّهَمين الى جانب اخوتنا».‏ فعمت الفوضى المحكمة.‏

بالاضافة الى ذلك،‏ نجح الاخوة المستجوَبون في اعطاء اجوبة لا تورط احدا غيرهم.‏ مثلا،‏ عندما سأل القاضي الاخ ڠريڠوري تيمتشوك:‏ «مَن اقام المطبعة في بيته؟‏»،‏ اجابه:‏ «انا».‏ ثم سأله:‏ «ومَن طبع المطبوعات؟‏»،‏ فأجابه:‏ «انا».‏ فعاد وسأل:‏ «ومَن وزعها؟‏»،‏ فأجابه:‏ «انا».‏ وعندما سأله اخيرا:‏ «مَن اشترى الورق وجلبه الى المطبعة؟‏»،‏ قال:‏ «انا فعلت ذلك ايضا».‏ عندئذ سأله المدعي العام:‏ «فمَن انت اذًا؟‏ هل انت المدير ومزوِّد المواد والعامل على السواء؟‏».‏

‏‹الرسالة ابهجت قلوبنا›‏

عندما ادرك المدعي العام انه خسر شهوده،‏ اتهم الاخوة بأنهم يتآمرون مع الاجانب.‏ ولكي يدعم قوله،‏ ابرز رسالة من ناثان ه‍.‏ نور في بيت ايل في بروكلين.‏ يقول ميخائيل ساڤيتسكي،‏ احد الاخوة الذين حضروا المحاكمة:‏ «ابتدأ المدعي العام يقرأ بصوت عالٍ رسالة بعثها الاخ نور الى الاخوة في الاتحاد السوفياتي واحتجزتها المخابرات السوفياتية.‏ وبالنسبة الينا نحن الشهود الحاضرين في القاعة،‏ كانت هذه الرسالة هدية رائعة من يهوه ابهجت قلوبنا.‏ فكنا نستمع الى مشورة حكيمة من الكتاب المقدس وتشجيع على خدمة رفقائنا المؤمنين بمحبة وعلى البقاء امناء عند مواجهة المحن.‏ كما حث شهود يهوه على الثقة باللّٰه في كل الامور وطلب حكمته وإرشاده،‏ وأيضا على العمل جنبا الى جنب مع الاخوة المعيّنين.‏ قرأ المدعي العام الرسالة من اولها الى آخرها،‏ فأصغينا بانتباه شديد.‏ وشعرنا كما لو اننا نحضر محفلا».‏ صحيح ان المحكمة اصدرت حكما بسجن الاخوة فترات مختلفة،‏ لكنّ الحاضرين بقوا مصممين بثبات على خدمة يهوه.‏

فرح الاتحاد في العبادة من جديد

اعتقدت المخابرات السوفياتية انها نجحت في شل نشاطات شهود يهوه في الاتحاد السوفياتي،‏ فخططت لتسدد ضربتها القاضية.‏ ففي سنة ١٩٦٠ سُجن فجأة اكثر من ٤٥٠ اخا في احد معسكرات موردڤينا.‏ وكان بينهم اولئك الذين كانوا يأخذون القيادة بين المجموعتين من الاخوة —‏ المجموعة التي انفصلت عن الهيئة والتي لم تنفصل عنها.‏ واعتقدت المخابرات ان ذلك سيؤدي الى انقسام نهائي ضمن الهيئة.‏ كما نُشرت مقالة ازدرائية في صحيفة معسكر العمل الالزامي اوردت توقعات حول مَن سيتقاتل مع مَن.‏ لكن الاخوة نجحوا في بلوغ الوحدة،‏ مستفيدين من وجودهم معا.‏

يذكر يوڤ أندرونيك:‏ «طلب الاخوة المسؤولون من كل الشهود،‏ بمن فيهم اولئك الذين انفصلوا عن الهيئة،‏ ان يبذلوا جهدا لتحقيق الوحدة.‏ وقد اولوا انتباها خصوصيا لمقالة ‹الوعد بوحدة جميع ذوي النيات الطيبة› في عدد ١ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٦١ من مجلة برج المراقبة بالروسية.‏ تحتوي المقالة على مبادئ وأمثلة تُظهر كيف وجه يهوه شعبه في الازمنة القديمة.‏ كما تناقش ضرورة قيام كل شخص ببذل الجهد لتحقيق السلام والوحدة في الجماعة المسيحية.‏ وبعد درس دقيق للمقالة،‏ ادرك كثيرون قيمة الوحدة الثيوقراطية وكان رد فعلهم ايجابيا».‏

الطعام الروحي الشافي

ساعدت هذه المقالة في برج المراقبة الشهود خارج السجن ايضا على استعادة وحدتهم.‏ فصلى الاخوة الذين يأخذون القيادة وقرأوها معا.‏ وذكرت المقالة ان الخطاب الذي ألقاه الاخ رذرفورد في المحفل المنعقد في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٤١ هو خطابه الاخير بسبب مرضه.‏ وقد قال فيه،‏ مشجعا الاخوة على الالتصاق بهيئة يهوه وعدم اتباع اي قائد بشري:‏ ‹كلما ظهرت مجموعة وابتدأت تنمو يقولون ان هنالك قائدا له اتباع كثيرون.‏ وإذا كنتم انتم الموجودين هنا تعتقدون انني مجرد واحد من خدام الرب،‏ وأننا نعمل معا كتفا الى كتف في وحدة،‏ خادمين اللّٰه وخادمين المسيح،‏ فقولوا نعم›.‏ وبصوت واحد مدوٍّ اجاب الحضور بـ‍ «نعم!‏» حاسمة.‏

ويذكر ميخائيل ساڤيتسكي:‏ «كان الشهود في الاتحاد السوفياتي يحتاجون خصوصا الى هذه الوحدة في تلك الاثناء.‏ ونحن شاكرون جدا ليهوه على دعمه لنا روحيا بمحبة وصبر.‏ على الفور طلب مني المجلة احد الاخوة الذين انفصلوا عن الهيئة،‏ قائلا:‏ ‹اعطني اياها لكي نقرأها على الاخوة في براتسك وفي اماكن اخرى›.‏ فأجبته اننا لا نملك سوى نسخة واحدة من هذه المجلة.‏ لكنه اكد لي انه سيعيدها بعد اسبوع.‏ وقد اعادها فعلا وجلب معه ايضا تقارير الخدمة لجماعات كثيرة عن اشهر عديدة.‏ فقد عاد مئات الاخوة والاخوات الى عائلة عباد يهوه الموحّدة».‏

كما يذكر إيڤان پاشكوڤسْكي،‏ احد اعضاء لجنة البلد لأكثر من ثلاثة عقود:‏ «طلبنا من الاخ نور،‏ بواسطة اخ اتى من الخارج،‏ ان يلتمس من كل الاخوة في بلدنا ان يتحدوا ويذعنوا للترتيب الثيوقراطي.‏ فوافق الاخ نور،‏ وفي سنة ١٩٦٢ تسلّمنا ٢٥ نسخة من رسالة له مكتوبة بلغتين،‏ الانكليزية والروسية.‏ لقد جعلت هذه الرسالة الكثير من الاخوة يعون اهمية الخدمة مع الهيئة».‏

الخراف تسمع صوت راعيها

بذلت لجنة البلد جهدا دؤوبا لتوحيد الاخوة.‏ ونظرا الى الظروف السائدة آنذاك،‏ لم يكن ذلك بالامر السهل.‏ وبحلول صيف ١٩٦٢،‏ اتحدت من جديد كورة بكاملها مع الهيئة.‏ وعُيّن اشخاص ناضجون روحيا في لجنة خصوصية.‏ وقد بارك يهوه جهود هؤلاء الاخوة،‏ معطيا اياهم «الحكمة التي من فوق».‏ (‏يع ٣:‏١٧‏)‏ يذكر ألِكسي ڠابورياك،‏ الذي خدم كناظر دائرة من سنة ١٩٨٦ الى سنة ١٩٩٥:‏ «التقينا لجنة البلد في أوسُلْي-‏سيبِرْسكُي سنة ١٩٦٥.‏ فطلبت منا ان نفتش عن كل الاخوة والاخوات المشتّتين بسبب النفي والسجن والانقسامات ونوحدهم من جديد مع الجماعات.‏ وأُعطينا عناوين البعض لنبدأ بها.‏ وقد شملت المنطقة المعيّنة لي اقليمَي تومْسْك وكيميروڤو ومدينتَي نوڤوكوزْنتسك ونوڤوسيبرسْك.‏ وعُيّنت للإخوة الآخرين مناطق مختلفة.‏ وكان علينا ان ننظم الجماعات والفرق وأن نعيّن وندرِّب الاخوة المسؤولين في الجماعات.‏ كما لزم ان نرسم الطريق الواجب سلوكها لتسليم المطبوعات وأن ننظم اجتماعات الجماعة تحت الحظر.‏ وفي غضون فترة قصيرة زرنا ٨٤ اخا واختا كانوا قد فقدوا الاتصال بالهيئة.‏ وكم اسعدنا ان تسمع ‹خراف› يهوه من جديد صوت الراعي الفاضل وتخدمه مع شعبه!‏».‏ —‏ يو ١٠:‏١٦‏.‏

ولم يمضِ وقت طويل حتى عاد المنفصلون عن الهيئة واتحدوا مع لجنة البلد وابتدأوا يرسلون تقارير خدمة الحقل.‏ وبحلول سنة ١٩٧١ كان اكثر من ٥٠٠‏,٤ ناشر قد اتحدوا من جديد مع هيئة يهوه.‏ وفي اواسط ثمانينات القرن العشرين استمر عمل الكرازة رغم الحظر،‏ وانضم الى الجماعات اشخاص جدد.‏

قصاصات ثمينة من اشرطة الافلام

كان صنع نسخ من الطعام الروحي يتطلب دائما جهودا كبيرة يقوم بها الاخوة الحذرون والشجعان العائشون في الاتحاد السوفياتي.‏ ولكن كيف كان الطعام الروحي يصل اليهم اصلا؟‏

احدى الطرائق الاساسية هي استخدام الميكروفيلم.‏ فقد قام اخوة يعملون في بلد مجاور بتصوير مجلاتنا وكتبنا وكراساتنا التي تصدر بشكل رئيسي بالروسية والأوكرانية،‏ الى جانب عدد من اللغات الاخرى.‏ وكان ذلك يجري بدقة تامة،‏ فتُصوَّر الصفحة تلو الاخرى على ميكروفيلم بواسطة آلة تصوير تحمل بكرات من الافلام بطول ٣٠ مترا.‏ كما كانت كل مطبوعة تُصوَّر عدة مرات لصنع العديد من النسخ بغية تسهيل التوزيع.‏ وعلى مر السنين أُنتجت كيلومترات من اشرطة الميكروفيلم التي تحتوي على الطعام الروحي.‏ وكانت هذه الاشرطة تُقطَّع الى قصاصات طول الواحدة منها نحو ٢٠ سنتيمترا،‏ مما يسهّل توزيعها.‏ ثم تصبح جاهزة ليأخذها الساعي الى الاتحاد السوفياتي.‏

مطابع سرية في سيبيريا

كان نسخ مطبوعات الكتاب المقدس صعبا،‏ لكن يهوه بارك العمل.‏ فبين سنتي ١٩٤٩ و ١٩٥٠ فقط،‏ انتج الاخوة ١٦٥‏,٤٧ نسخة من مختلف المطبوعات ووزعوها على الجماعات.‏ كما اخبرت لجنة البلد انه في تلك الفترة نفسها عُقد ٤٨٨‏,٣١ اجتماعا في البلد،‏ وذلك على الرغم من المقاومة الشديدة.‏

وكان الطلب على المطبوعات يزداد باطّراد،‏ وقد استلزم ذلك انشاء مطابع جديدة.‏ يقول ستاخ ساڤيتسكي:‏ «عام ١٩٥٥ رُكّبت مطبعة سرية في بيتنا.‏ وكان علينا ان نستأذن ابي في ذلك لأنه لم يكن من شهود يهوه.‏ وقد بقينا حوالي الشهرين نحفر غرفة تحت الرواق بلغت مساحتها مترين في ٤ امتار.‏ وخلال هذه الفترة،‏ استخرجنا جراء الحفر حوالي ٣٠ مترا مكعبا من التراب.‏ ووجب نقل التراب وإخفاؤه في مكان ما كي لا يلاحظه احد.‏ وعندما حفرنا مترا ونصفا اصطدمنا بتربة دائمة التجمد.‏ لهذا السبب،‏ خلال وجودنا في اعمالنا الدنيوية،‏ كانت امي تذوّب التربة المتجمدة بإشعال نار خفيفة عليها مستخدمة الحطب،‏ وذلك دون لفت انتباه الجيران.‏ وفي ما بعد كسونا المكان بألواح خشبية لنصنع ارضية وسقفا.‏ وحالما اصبحت الغرفة جاهزة انتقل اليها زوجان.‏ وكان عليهما ان يعملا ويعيشا في هذه الغرفة السفلية،‏ فيما تقوم امي بطهو الطعام لهما وغسل ثيابهما والاعتناء بهما.‏ وقد استمر العمل في هذه المطبعة حتى سنة ١٩٥٩.‏

‏«في سنة ١٩٥٧،‏ سألني الاخ الذي كان يشرف على نسخ المطبوعات:‏ ‹هل بإمكانك العمل في المطبعة؟‏ فنحن بحاجة الى انتاج ٢٠٠ مجلة على الاقل في الشهر›.‏ في البداية انتجتُ ٢٠٠ مجلة ثم ٥٠٠.‏ لكن الطلب على المطبوعات ظل يتزايد.‏ وكان يجب القيام بالعمل ليلا،‏ لأننا كنا نحن المنفيين نعمل في النهار تحت اشراف مراقب في مراكز عملنا التي تتطلب انتاجا متواصلا،‏ ولم يكن لدينا سوى يوم عطلة واحد.‏

‏«بعد عودتي من العمل الى البيت،‏ كنت انزل الى المطبعة.‏ ونادرا ما استطعت النوم،‏ لأنه اذا بوشر بأيّ عمل طباعي،‏ فلا بد من مواصلته دون توقف حتى ينتهي.‏ فالحبر يجف،‏ لذلك يستحيل ايقاف العمل وإكماله في وقت آخر.‏ واضطررت احيانا ان اطبع ٥٠٠ صفحة ثم اتفحصها،‏ مجريا بواسطة ابرة تصحيحات طفيفة تجعل النص واضحا.‏ وإذ كانت التهوية شبه معدومة،‏ صعب جدا تجفيف الصفحات بعد طبعها.‏

‏«كنت اقوم اثناء الليل بنقل المجلات المطبوعة الى بلدة تولون التي تبعد ٢٠ كيلومترا عن بيتي.‏ ولم اكن اعلم بالضبط الى اين تُؤخَذ من هناك،‏ لكنني عرفت ان هذه المطبوعات استخدمها الشهود في كراسنويارسك وبراتسك وأوسُلْي-‏سيبِرْسكُي والمدن والبلدات الاخرى.‏

‏«وفي سنة ١٩٥٩ طلب مني الاخوة المشرفون ان اساعد في انشاء مطبعة جديدة في تولون بالقرب من محطة السكة الحديدية.‏ ومن جديد قمت بأعمال مألوفة لي كنت قد انجزتها اثناء انشاء المطبعة الاولى،‏ مثل حفر التربة وتجهيز الاضاءة.‏ وقد اعطانا يهوه الحكمة.‏ بعد ذلك انتقلت عائلة الى المطبعة الجديدة وعملت هناك سنة تقريبا.‏ غير ان المخابرات السوفياتية اكتشفت اخيرا امر المطبعة.‏ وقد ورد في صحيفة محلية ان ‹الاضاءة جُهزت بطريقة يصعب حتى على الاختصاصيين في الكهرباء المتمرسين ان يتصوروها›.‏

‏«لم يعلم احد بعملي في المطبعة سوى عائلتي وبعض الاخوة.‏ وقد قلق الاخوة والاخوات الآخرون في الجماعة بشأن روحياتي،‏ اذ لم يرني احد قط في الامسيات.‏ وحين كانوا يأتون الى البيت لزيارتي وتشجيعي،‏ لم يجدوني.‏ ففي تلك الاوقات التي خضعنا فيها لمراقبة شديدة،‏ وجب العمل في المطبعة بسرية تامة».‏

نسخ المطبوعات في موسكو

كانت السلطات تدرك جيدا ان الشهود بحاجة ماسة الى الكتب المقدسة والمطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس.‏ فالطلبات المتكررة التي قدمتها الهيئة الحاكمة لطبع او ادخال المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس إما رُفضت او جرى تجاهلها.‏ وبسبب النقص في المطبوعات،‏ بحث الاخوة دائما عن طرائق لنسخها في اجزاء مختلفة من البلد،‏ بما فيها موسكو،‏ وذلك لكي يزودوا الجماعات والفرق بالطعام الروحي.‏

عام ١٩٥٧ حُكم على ستيپان لِڤيتسكي بالسجن عشر سنوات بسبب امتلاكه عددا واحدا من برج المراقبة اكتُشف تحت غطاء طاولة في غرفة الطعام.‏ يروي ستيپان:‏ «بعد ثلاث سنوات ونصف ابطلت المحكمة العليا الحكم الصادر في حقي.‏ وقبل اطلاق سراحي،‏ نصحني الاخوة بأن انتقل الى مكان قريب من موسكو للكرازة والانهماك في نشاطات روحية اخرى.‏ فوجدت مكانا في منطقة تبعد مسافة ساعتين عن موسكو،‏ وابتدأت بالكرازة في مختلف انحاء العاصمة.‏ وقد بارك يهوه هذه الجهود،‏ فبعد سنوات قليلة تأسس فريق من الاخوة والاخوات في موسكو.‏ وفي سنة ١٩٧٠،‏ عُيّنت ناظرا لدائرة شملت موسكو ولينينغراد (‏الآن سانت بيترسبرغ)‏ وغوركي (‏الآن نيجْني نوڤڠورود)‏ وأوريل وتولا.‏ وأصبحت مسؤولا عن تزويد الجماعات بالمطبوعات.‏

‏«كنت متأكدا ان مشيئة يهوه هي ان تحصل موسكو والانحاء الاخرى من روسيا على كميات كافية من مطبوعات الكتاب المقدس.‏ وقد عبّرت ليهوه في الصلاة عن رغبتي في فعل المزيد بهذا الخصوص.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى تعرفت بشخص كان خبيرا ومحترفا في الطباعة وعلى صلة بالعديد من مطابع موسكو.‏ ودون اثارة شكوكه،‏ سألته هل يمكن طبع نسخ قليلة من كتاب في احدى مطابع موسكو.‏

‏«فسألني:‏ ‹ايّ كتاب؟‏›.‏

‏«اجبته بتوتر:‏ ‹‏من الفردوس المفقود الى الفردوس المردود›.‏

‏«وكان احد اصدقائه الاحماء يعمل في احدى المطابع،‏ وهو شيوعي وزعيم تنظيم حزبي.‏ فوافق على طبع كمية صغيرة من الكتب مقابل مبلغ من المال.‏ وكم فرح الاخوة حين استطاعوا ان يمسكوا بأيديهم هذا المساعد على درس الكتاب المقدس!‏

‏«شكلت طباعة مطبوعاتنا بهذه الطريقة خطرا كبيرا عليّ وعلى الشخص الذي يقوم بالطبع.‏ فعند الانتهاء من طبع كل دفعة —‏ في الليل عادة —‏ كان علينا ان نخرجها من المطبعة بسرعة ودون ان يلاحظ احد.‏ وقد بارك يهوه هذا الترتيب،‏ فطُبع الكثير من مطبوعات الكتاب المقدس في هذه المطبعة،‏ بما فيها كتابَا ‏«الحق يحرركم»‏ و الحق الذي يقود الى الحياة الابدية وأيضا كتاب الترانيم.‏ فكان ذلك حقا طعاما لنا في حينه.‏ (‏مت ٢٤:‏٤٥‏)‏ وقد تمكنّا من استخدام هذه المطبعة تسع سنوات.‏

‏«ولكن ذات يوم،‏ فيما كانت احدى مطبوعاتنا تُطبَع،‏ اتت فجأة الى المطبعة الموظفة المشرفة.‏ فأجرى الطابع تعديلا سريعا وابتدأ يطبع مجلة تُعنى بالشؤون الصحية.‏ وبما انه كان على عجلة من امره،‏ اضاف خطأً ست صفحات من مطبوعتنا الى المجلة.‏ اخذت المشرفة نسخة من المجلة الى مكتبها،‏ وحين قرأتها وجدت فيها مواد لا علاقة لها ابدا بموضوع المجلة.‏ ففوجئت بذلك،‏ ودعت الطابع وسألته كيف أُقحمت هذه المواد في المجلة.‏ وبعد ذلك،‏ حقّقت المخابرات السوفياتية في القضية.‏ فأخبرهم الطابع كل ما يعرفه بعد ان هُدّد بالسجن فترة طويلة.‏ وسرعان ما اكتشفت المخابرات السوفياتية امري،‏ اذ كنت الشاهد الوحيد ليهوه المعروف عندهم في موسكو.‏ فحُكم عليّ بالسجن خمس سنوات ونصفا».‏ اما الطابع فحُكم عليه بثلاث سنوات.‏

‏«لتأتِ هرمجدون!‏»‏

قضى الكثير من الاخوة والاخوات فترات طويلة في السجون.‏ يذكر ڠريڠوري ڠاتيلوڤ الذي سُجن ١٥ سنة:‏ «كان لسِجني الاخير اسم جميل،‏ فقد دُعي التَّمّ الابيض.‏ وكان يقع في منطقة خلابة في القوقاز على رأس احد الجبال الخمسة المحيطة ببلدة پياتيڠورسك السياحية.‏ وفي هذا السجن تسنّى لي ان اتحدث عن الحق مع شتى الناس مدة سنة كاملة.‏ فقد كانت زنزانتي ‹مقاطعة› رائعة للكرازة،‏ ولم أُضطر قط ان اخرج الى اي مكان.‏ فكان آمرو السجن يجلبون اشخاصا جددا الى الزنزانة ثم يأخذونهم بعد ايام قليلة.‏ اما انا فبقيت فيها دائما،‏ ونادرا ما أُخذت الى زنزانة اخرى.‏ حاولت ان اقدم لكل شخص شهادة كاملة عن ملكوت يهوه.‏ وقد طرح كثيرون اسئلة عن هرمجدون.‏ وفوجئ بعض السجناء بإيجاد شخص يرضى بقضاء الكثير من الوقت في السجن من اجل ايمانه.‏ كما سألني سجناء معي وأحيانا آمرو السجن:‏ ‹لماذا لا تنكر ايمانك وتذهب الى بيتك؟‏›.‏ كنت اشعر بالسعادة عندما يُظهر احدهم اهتماما مخلصا بالحق.‏ وذات مرة رأيت كتابة مخربشة على حيطان احدى الزنزانات تقول:‏ ‹لتأتِ هرمجدون!‏›.‏ صحيح ان الحياة في السجن ليست مفرحة،‏ لكنني كنت سعيدا اذ تمكنت من التكلم بالحق».‏

‏«هل توجد بينكن يونادابيات؟‏»‏

ان الكثير من الاخوات المسيحيات الغيورات في خدمة يهوه قضين ايضا فترة عقوبتهن في المعسكرات.‏ (‏مز ٦٨:‏١١‏)‏ تذكر زينِييدا كوزيريڤا كيف اعربت الاخوات عن محبتهن احداهن للاخرى وللسجينات غير الشاهدات،‏ قائلة:‏ «عام ١٩٥٩،‏ بعد معموديتي بأقل من سنة،‏ أُخذنا انا وڤيرا ميخائيلوڤا وليودميلا يڤستافْيِڤا الى معسكر في كيميروڤو،‏ سيبيريا.‏ كان المعسكر يضم ٥٥٠ سجينة.‏ وعندما وصلنا وجدنا عدة نساء واقفات امام المدخل.‏

‏«فسألن:‏ ‹هل توجد بينكن يونادابيات؟‏›.‏

‏«فأدركنا انهن اخواتنا العزيزات.‏ وعلى الفور قدمن لنا الطعام وابتدأن يطرحن علينا الاسئلة.‏ كانت تشع منهن محبة دافئة نابعة من القلب،‏ محبة لم اشعر بها قط بين افراد عائلتي.‏ وقد اصبحن دعما لنا لمعرفتهن اننا اتينا حديثا الى المعسكر.‏ (‏مت ٢٨:‏٢٠‏)‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى ادركنا ان برنامج التغذية الروحية هنا منظم بشكل ممتاز.‏

‏«اصبحنا عائلة حقيقية.‏ وأكثر ما ابهجَنا هو جمع التبن في الصيف.‏ لم تكن ادارة المعسكر تخشى ان نهرب او نكسر قواعد المعسكر.‏ فكان جندي واحد فقط مسؤولا عن حراسة اكثر من ٢٠ او ٢٥ اختا،‏ مع اننا في الواقع كنا نحن مَن يحرسه.‏ فكلما اقترب احد،‏ ايقظناه لئلا يُعاقَب على النوم اثناء قيامه بواجبه.‏ وكنا خلال نومه نناقش مواضيع روحية في فترات الاستراحة.‏ وهكذا استفاد هو ونحن على السواء.‏

‏«في اواخر سنة ١٩٥٩ أُرسلنا انا وبعض الاخوات الى معسكر خاضع لحراسة مشددة.‏ ووُضعنا في زنزانة باردة لها نافذة دون زجاج.‏ وكنا ننام على ألواح في الليل ونعمل في النهار.‏ وقد عيّنت لنا السلطات عمل فرز الخُضَر،‏ وأخذوا يراقبون سلوكنا.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى اقتنعوا اننا لا نسرق كنزيلات السجن الاخريات،‏ فجلبوا لنا بعض القش لننام عليه وركّبوا زجاجا للنافذة.‏ وبعد قضاء سنة هناك،‏ أُرسلت كل الاخوات الى معسكر خاضع لحراسة غير مشددة في إركوتْسْك.‏

‏«ضم هذا المعسكر نحو ١٢٠ اختا.‏ وقضينا هناك سنة وثلاثة اشهر.‏ كان شتاء السنة الاولى شديد البرودة،‏ وتساقطت ثلوج غزيرة.‏ وقد تطلب عملنا في مصنع للخشب مجهودا جسديا كبيرا.‏ وكان المسؤولون يفتشوننا دائما بحثا عن مطبوعات.‏ فكما يبدو،‏ كانت هذه طريقتهم الوحيدة لتبديد الوقت.‏ وقد اصبحنا ماهرات جدا في اخفاء مطبوعاتنا،‏ لكننا كنا احيانا ماهرات اكثر من اللازم.‏ فذات مرة اخفينا جيدا انا وڤيرا اوراقا عليها الآية اليومية في السترة التي نرتديها اثناء العمل،‏ بحيث لم نستطع ايجادها لاحقا.‏ لكن المسؤول وجدها،‏ فأُرسلنا سويا الى زنزانة للسجن الانفرادي فترة خمسة ايام.‏ وكانت الحرارة في الخارج اقل من ٤٠ درجة مئوية تحت الصفر،‏ وقد غطى الجليد حيطان الزنزانة غير المزودة بالتدفئة.‏

‏«احتوت الزنزانة على رفوف صغيرة من الاسمنت لا تصلح إلا للجلوس عليها.‏ وعندما نشعر بالبرد القارس كنا نثني ارجلنا ونسندها الى الحائط ونجلس متّكئتين الواحدة على ظهر الاخرى،‏ مستسلمتين للنوم ونحن في هذه الوضعية.‏ ولكن حين نستيقظ فجأة كنا ننهض بسرعة خشية ان نتجمد حتى الموت ونحن نائمتان.‏ وكنا نحصل كل يوم على كوب من الماء الساخن و ٣٠٠ غرام من الخبز الاسمر.‏ ولكن رغم كل شيء شعرنا بالسعادة لأن يهوه منحنا ‹القدرة التي تفوق ما هو عادي›.‏ (‏٢ كو ٤:‏٧‏)‏ وحين سُمح لنا بالعودة الى الثكنة،‏ كانت الاخوات لطيفات جدا معنا.‏ فقد اعددن مسبقا الطعام الساخن وقمن بتسخين الماء لكي نستحم».‏

‏«تستطيع ان تنسجم مع الآخرين»‏

تتابع زينِييدا:‏ «كان من الصعب الكرازة في هذا المعسكر،‏ فالسجينات قليلات والكل يعرفن الشهود.‏ لذلك كان المبدأ الذي تتضمنه الآية في ١ بطرس ٣:‏١ ملائما لهذا الوضع،‏ وقد دعونا ذلك كرازة بلا كلام.‏ فأبقينا ثكنتنا نظيفة ومرتبة وحافظنا على علاقة ودية وحميمة الواحدة بالاخرى.‏ (‏يو ١٣:‏٣٤،‏ ٣٥‏)‏ كما كنا على وفاق تام مع غير الشاهدات.‏ وحاولنا ان نتصرف كما تمليه علينا كلمة اللّٰه،‏ وحرصنا على مراعاة حاجات الاخريات.‏ وأحيانا كنا نقدم المساعدة للسجينات غير الشاهدات بشتى الطرق.‏ مثلا،‏ ساعدت احدى الاخوات عن طيب خاطر السجينات اللواتي احتجن الى اجراء عمليات حسابية.‏ فأدرك كثيرون ان شهود يهوه مختلفون عن الناس الذين يعتنقون ديانات اخرى.‏

‏«عام ١٩٦٢ نُقلنا من المعسكر في إركوتْسْك الى معسكر في موردڤينا.‏ وهناك ايضا حاولنا ان نحافظ على مظهر مرتب ونمارس على صعيد شخصي عادات صحية جيدة.‏ فكانت اسرَّتنا نظيفة ومرتبة على الدوام.‏ وقد ضمت ثكنتنا حوالي ٥٠ سجينة،‏ معظمهن من اخواتنا؛‏ ولم يقم احد بتنظيف الثكنة سوى الاخوات،‏ لأن السجينات الاخريات لم يردن القيام بعمل كهذا.‏ فكانت ارض الثكنة تُشطف وتُفرك بالرمل دائما،‏ وقد اعطتنا ادارة المعسكر كل اللوازم الضرورية لذلك.‏ وإذ رفضت الراهبات المقيمات معنا في الثكنة ان ينظفن المكان،‏ مثلهن مثل السجينات اللواتي ينتمين الى طبقة اهل الفكر،‏ اعتمد عمل تنظيف الثكنة في الغالب على جهودنا نحن.‏ وكلما أُطلق سراح احدى الاخوات،‏ كان يُسجَّل في التقرير المتعلق بشخصيتها انها ‹قابلة للتكيف وتستطيع ان تنسجم مع الآخرين›».‏

الزهور الطويلة الساق تشكل مخبأ ملائما

تقول زينِييدا:‏ «ذات مرة بعثت عدة اخوات رسائل الى ديارهن يطلبن بذور نباتات ازهارها كبيرة.‏ وقد اخبرنا الادارة اننا نرغب في زرع بعض الزهور الجميلة،‏ وطلبنا ان يؤتى بقليل من التربة السوداء الخصبة الى المعسكر لهذا القصد.‏ ففوجئنا انهم وافقوا بحماس.‏ فزرعنا احواض زهور على طول الثكنة وأنشأنا ممرات طويلة تمتد على جانبيها صفوف من الزهور.‏ وسرعان ما تزيّن المعسكر بعناقيد كثيفة من الورد والقرنفل المُلْتحي وغيرهما من الازهار الجميلة،‏ وأهم ما في الامر هو ان النباتات كانت طويلة الساق.‏ كما ازدان حوض الزهور في الوسط بالأضاليا البهية وبعناقيد كثيفة من زهور المَرغريتا الصغرى ذات الساق الطويلة والالوان العديدة.‏ فكنا نسير في المكان،‏ ندرس الكتاب المقدس وراء الزهور،‏ ونخفي المطبوعات بين جنبات الورد الوارفة.‏

‏«عقدنا الاجتماعات اثناء سيرنا،‏ ونظمنا انفسنا في فرق مؤلفة من خمس اخوات.‏ وكان كل من الاخوات يستظهر مسبقا فقرة من خمس فقرات مأخوذة من مطبوعة مؤسسة على الكتاب المقدس.‏ ثم،‏ بعد صلاة افتتاحية،‏ تتلو الواحدة بعد الاخرى الفقرة التي استظهرتها وتناقشها،‏ ونتابع سيرنا بعد ان نختم بصلاة.‏ كانت مجلات برج المراقبة التي في حوزتنا على شكل كراريس صغيرة [كالتي تظهر في الصورة في الصفحة ١٦١].‏ وقد اعتدنا يوميا ان ندرس شيئا ما،‏ خصوصا الآية اليومية،‏ ونتلو الفقرات المعيّنة لاجتماعاتنا التي عقدناها ثلاث مرات في الاسبوع.‏ ولم نكتفِ بذلك،‏ بل حاولنا ايضا ان نستظهر اصحاحات بكاملها من الكتاب المقدس ونرددها الواحدة امام الاخرى لكي نتقوّى.‏ بهذه الطريقة لم نشعر بقلق زائد حيال امكانية اكتشاف السلطات لمطبوعاتنا عند قيامها بالتفتيش.‏

‏«حاولت ادارة المعسكر ان تكتشف من خلال السجينات الاخريات كيف تنظَّم نشاطاتنا في المعسكر،‏ لكن السجينات كن لطيفات معنا.‏ وكانت تقيم معنا في الثكنة نفسها الكاتبة اولڠا إيڤنسكايا،‏ مساعدة الشاعر والكاتب الشهير بوريس پاسترناك الحائز جائزة نوبل للآداب.‏ وبما ان اولڠا كانت تقدِّرنا،‏ سرّها ان ترى حسن التنظيم عند الشهود.‏ وقد اعطانا يهوه الحكمة لكي نتمكن،‏ في المقام الاول،‏ من الحصول على الطعام الروحي».‏ —‏ يع ٣:‏١٧‏.‏

‏«كفاني منكِ!‏»‏

تتابع زينِييدا:‏ «حصلنا على المطبوعات بطرائق مختلفة،‏ وكان واضحا في اغلب الاوقات ان يهوه هو الذي يدبر الامر،‏ فقد وعدنا:‏ ‹لن اتركك ولن اتخلى عنك›.‏ (‏عب ١٣:‏٥‏)‏ وفي بعض الاحيان،‏ كان يكتفي بإعماء اعين الحراس.‏ فذات مرة،‏ في فصل الشتاء،‏ دخلت فرقة عملنا الى المعسكر عبر البوابات.‏ فأمرتنا الحارسات كالعادة بخلع كل ثيابنا لتفتيشنا.‏ ودخلت انا في الآخر حاملة مطبوعات جديدة تحت السروالين اللذين ارتديهما.‏

‏«بسبب البرد،‏ كنت ارتدي طاقًا فوق طاق من الثياب مثل طبقات البصلة.‏ ففتشت المسؤولة معطفي ثم سترة سميكة بلا اكمام كنت ارتديها تحته.‏ ولجعلها تملّ قررتُ إطالة عملية التفتيش،‏ فخلعتُ ببطء اول كنزة ثم الكنزة الثانية.‏ وفيما كانت تفتشهما باعتناء،‏ خلعت ببطء عدة اوشحة ثم صدرة وبعدها قميصا ثم قميصا اخرى.‏ وبقي السروالان والجزمة المصنوعة من اللباد.‏ وعلى مهل خلعت فردة الجزمة ثم الفردة الاخرى،‏ وببطء ابتدأت بخلع السروال الاول.‏ عندئذ قلت في نفسي:‏ ‹ماذا ينبغي ان افعل الآن؟‏ اذا طلبت مني ان انزع السروال الثاني،‏ فسأركض بسرعة وأرمي المطبوعات الى الاخوات›.‏ ولكن ما إن خلعت السروال الاول حتى صرخت المسؤولة بغضب:‏ ‏‹كفاني منكِ!‏ ارحلي من هنا!‏›.‏ فارتديت ثيابي بسرعة وركضت الى داخل المعسكر.‏

‏«ومن اين حصلنا على المطبوعات؟‏ كان الاخوة يضعونها في مكان متفق عليه مسبقا،‏ ثم نتناوب على جلبها الى المعسكر حيث نخفيها في مكان آمن نغيره من وقت الى آخر.‏ وكنا ننسخها ونخفي النسخ.‏ وقد قمنا بذلك تحت الاغطية،‏ التي احدثنا فيها فتحة صغيرة لينفذ منها الضوء الآتي من الشارع عبر النافذة.‏ وكنا نشغل انفسنا دائما كيلا نضيّع اية دقيقة.‏ حتى عند الذهاب الى قاعة الطعام المشتركة،‏ كان كلٌّ منا يحمل قصاصة ورق عليها آية من الكتاب المقدس».‏

‏«حان وقتكِ»‏

عام ١٩٦٥ اصدرت فجأة الحكومة السوفياتية قرارا يقضي بإطلاق سراح كل الشهود الذين نُفوا الى سيبيريا بين عامَي ١٩٤٩ و ١٩٥١.‏ ولكن لم يُسمح لغالبية الاخوة والاخوات بالعودة الى حيث كانوا يعيشون سابقا.‏ والذين لم يريدوا البقاء في سيبيريا قرّروا ان ينتقلوا الى منطقة حيث الحاجة اعظم في الخدمة.‏

تقول ماڠدالينا بيلوشيتسْكايا:‏ «عشنا في المنفى في سيبيريا حوالي ١٥ سنة.‏ كانت الحرارة في الشتاء تصل الى ٦٠ درجة مئوية تحت الصفر،‏ وحمل الصيف معه سُحُبا من ذباب الخيل والبعوض اللذين يهاجمان حتى عيوننا.‏ ولكن بمعونة يهوه نجونا من كل شيء.‏ وكم كان رائعا ان نتمكن من زرع بذار الحق في مقاطعات سيبيريا الباردة هذه!‏ طوال ١٥ سنة كنا كل شهر نوقّع في مكتب المراقب تصريحا نؤكد فيه اننا لن نحاول الهرب من منفانا.‏ وكان المراقب يأتي احيانا ويقضي الليل في بيتنا.‏ ففي تلك الاوقات كان لطيفا جدا معنا،‏ وقد طرح علينا الكثير من الاسئلة عن الكتاب المقدس وما يلزم للعيش وفق تعاليمه.‏ كما سألنا عما دفعنا الى اختيار طريقة الحياة هذه رغم معرفتنا اننا سنُضطهد.‏ وذات مرة سألناه اذا كان هنالك اي امل بإطلاق سراحنا من المعسكر.‏ ففتح كف يده وسأل:‏ ‹هل هنالك اي امل بأن ينمو الشعر هنا؟‏›.‏

‏«اجبته:‏ ‹كلا›.‏

‏«فقال:‏ ‹اذًا لا امل لكم بذلك›.‏ ثم اضاف بعد ان فكر قليلا:‏ ‹إلا اذا تدخَّل الهكم بطريقة ما او صنع معجزة من اجلكم›.‏

‏«وفي احد ايام الصيف سنة ١٩٦٥،‏ ذهبت الى محطة القطار لأبعث رسالة.‏ فصرخ المراقب حين رآني من بعيد:‏ ‹الى اين انت ذاهبة دون اذن يا ماڠدالينا؟‏›.‏

‏«فقلت له:‏ ‹لست ذاهبة الى اي مكان،‏ انني فقط ابعث رسالة›.‏ ثم اقترب مني وقال:‏ ‹سيُطلق سراحك اليوم.‏ فقد حان وقتكِ›.‏ ثم رمقني بنظرة وكأنه يقول لي:‏ ‹لقد حرّرك اللّٰه›.‏ فلم استطع تصديق ذلك.‏

‏«سُمح لنا بالذهاب الى اي مكان في الاتحاد السوفياتي ما عدا مكان سكننا السابق.‏ فبدا وكأننا نسمع صوت يهوه يقول:‏ ‹انتشروا واكرزوا.‏ هذا هو الوقت المناسب،‏ فانتشروا ولا تتأخروا›.‏ فلو سُمح لنا بالعودة الى بيوتنا لرغب الكثير منا في الاستقرار بموطنهم.‏ ولكن لم يُسمح لنا بذلك،‏ فانتقلنا الى اماكن جديدة.‏ وقد قررت عائلتنا ان تستقر بالقوقاز».‏

انتشر آلاف الشهود في كل انحاء الاتحاد السوفياتي.‏ وفي مؤتمر حكومي عُقد في تلك السنة نفسها،‏ سأل احد المسؤولين حائرا:‏ «مَن يخبرني كيف وصلت بدعة اتباع يهوه الى مدينتنا التي بناها حديثا متطوعون شبان؟‏ فمع ان المدينة جديدة ومنظمة،‏ ظهرت فيها فجأة بدعة اتباع يهوه هذه».‏ وهكذا،‏ لم تعلم السلطات كيف يجب التعامل مع الشهود.‏ فما من احد يستطيع ان يحول دون اتمام وعد اللّٰه بمَلء الارض من «معرفة يهوه».‏ —‏ اش ١١:‏٩‏.‏

‏«لديكم ‹ماء مقدس›»‏

أُرسل الشهود الى معسكرات جزائية بسبب نشاطهم الكرازي.‏ يذكر نيكولاي كاليبابا الذي قضى سنوات عديدة في هذه المعسكرات:‏ «أُرسل اربعة منا الى معسكر جزائي في قرية ڤيخورفْكا،‏ بإقليم إركوتْسْك،‏ حيث كان نحو ٧٠ اخا مسجونين.‏ ولم يكن هنالك ماء للشرب؛‏ فأنبوب الماء الوحيد الموجود كان متصلا بشبكة المجارير،‏ لذلك شكل شرب الماء خطرا علينا.‏ كما ان الطعام لم يكن صالحا للاكل،‏ لكن يهوه ساعدنا.‏ وفي هذا المعسكر لم يرد احد قط العمل باستثناء الشهود.‏ وقد كنا عمالا كفؤين.‏ وما ان ادركت الادارة ذلك حتى ارسلتنا للعمل في اجزاء اخرى من المعسكر.‏ فاستطعنا ان نجلب معنا ماء للشرب بالدلاء.‏ وقد اتى الينا سجناء كثيرون قائلين:‏ ‹سمعنا انه لديكم «ماء مقدس».‏ اعطونا نصف كوب على الاقل›.‏ وطبعا،‏ اعطيناهم ماء ليشربوا.‏

‏«كان بين السجناء اشخاص قلوبهم صالحة.‏ ومع ان بعضهم كانوا سابقا سارقين والبعض الآخر مجرمين،‏ فقد تعلموا الحق واصبحوا شهودا ليهوه.‏ وبدا لنا ان آخرين هم ضد الحق،‏ وقد قاومونا علنا.‏ ولكن عندما اتى ذات مرة احد الخطباء الى معسكرنا لكي يلقي محاضرة ضد شهود يهوه،‏ دافعوا عنا وقالوا ان المحاضرة تتضمن افتراء على الشهود».‏

‏«سنأتي اليكم في مجموعات»‏

كان الاخوة يطلبون الحكمة من يهوه ويفكرون دائما كيف يمكنهم ان يستغلوا الظروف من اجل تقدم مصالح الملكوت.‏ يتابع نيكولاي:‏ «سمعنا اننا سنُنقل بعد فترة قصيرة الى معسكر آخر في موردڤينا لا يبعد كثيرا عن موسكو.‏ وقبل رحيلنا حصل امر مثير.‏ فلدهشتنا،‏ اتى الينا بعض الضباط والمسؤولين الذين راقبوا شهود يهوه لسنوات وقالوا:‏ ‏‹نريد ان تنشدوا لنا ترانيمكم وتخبرونا المزيد عن معتقداتكم.‏ فسنأتي اليكم في مجموعات يضم كل منها ما بين ١٠ و ٢٠ شخصا،‏ وربما اكثر›.‏

‏«ولأنهم كانوا خائفين مما يمكن ان يحصل لنا او لهم،‏ قالوا انهم سيعيّنون اشخاصا ليحرسوا مكان اجتماعنا.‏ فأجبنا بأننا اكثر خبرة في هذه المسائل،‏ لذلك سنعيّن نحن ايضا حراسنا.‏ وعمل حراسهم تماما كحراسنا،‏ فقد كان جنود يقفون على مسافات متباعدة بين بيت الحرس وبين مكان اجتماعنا.‏ هل يمكنك ان تتخيل هذا المشهد؟‏ مجموعة من الشهود ينشدون الترانيم لمجموعة من الضباط والمسؤولين،‏ ثم يلقي احد الاخوة خطابا قصيرا مؤسسا على موضوع من الكتاب المقدس.‏ لقد بدا وكأننا في قاعة ملكوت لشهود يهوه.‏ بهذه الطريقة عقدنا عدة اجتماعات مع مجموعات من الاشخاص المهتمين.‏ وقد رأينا كيف اعتنى يهوه بنا وبهؤلاء الناس المخلصين ايضا».‏

ويضيف نيكولاي:‏ «اخذنا معنا الكثير من المجلات من هذا المعسكر الى المعسكر في موردڤينا،‏ حيث كان الكثير من الشهود مسجونين.‏ فقد اعطاني الاخوة حقيبة ذات جوانب مزدوجة يمكن وضع المطبوعات فيها.‏ وفعلنا كل ما يمكن فعله لئلا تلفت الحقيبة انتباه المسؤولين اثناء التفتيش.‏ وفي معسكر موردڤينا جرى تفتيشنا بدقة شديدة.‏ وأخذ احد المسؤولين حقيبتي وصرخ:‏ ‹انها ثقيلة جدا!‏ لا بد انها تحتوي على كنز!‏›.‏ وقد فوجئت حين وضع حقيبتي وأشيائي الاخرى جانبا وابتدأ يفتش امتعة الآخرين.‏ وبعد الانتهاء من التفتيش قال لي مسؤول آخر:‏ ‹خذ امتعتك واذهب!‏›.‏ وهكذا اخذت الى الثكنة مخزونا من الطعام الروحي الجديد الذي كنا بحاجة ماسة اليه،‏ لأن حقيبتي لم تُفتش.‏

‏«ولم تكن هذه المرة الوحيدة،‏ فأكثر من مرة حملت نشرات منسوخة باليد في جزمتي.‏ ولأن قدمَي كبيرتان كان هنالك دائما متسع في جزمتي للكثير من الاوراق.‏ وكنت احشرها تحت غطاء النعل من الداخل وأطلي الجزمة بالكثير من الشحم.‏ وكان الشحم زلقا جدا ورائحته كريهة،‏ لذلك كان المسؤولون يبتعدون عن جزمتي».‏

‏«كان المسؤولون يراقبوننا وأنا اراقبهم»‏

يتابع نيكولاي:‏ «في معسكر موردڤينا،‏ عيّنني الاخوة مشرفا على نسخ مطبوعات الكتاب المقدس.‏ وكانت احدى مسؤولياتي مراقبة المسؤولين بحيث يتسنى الوقت للاخوة الذين ينسخون المطبوعات بيدهم ان يخفوا كل شيء.‏ فكان المسؤولون يراقبوننا وأنا اراقبهم.‏ وقد نوى بعضهم ان يمسكونا بالجرم المشهود،‏ فراحوا يدخلون الى الثكنة مرارا وعلى نحو مفاجئ.‏ لذلك كانت مراقبتهم اصعب امر نقوم به.‏ كما اتى مسؤولون آخرون مرة في اليوم،‏ وهؤلاء كانوا يغضون النظر ولم يسببوا لنا اية مشاكل.‏

‏«في تلك الفترة كنا نقوم بنسخ الاعداد الاصلية،‏ التي بقيت مخبّأة في اماكن آمنة.‏ فقد وُضعت عدة نسخ اصلية في المواقد،‏ حتى في موقد مكتب مدير المعسكر.‏ فالاخوة الذين كانوا ينظفون مكتبه صنعوا تجويفا في الموقد،‏ وفيه احتفظنا بالنسخ الاصلية الثمينة للعديد من مجلات برج المراقبة.‏ ومهما دقّق المسؤولون في التفتيش،‏ فإن النسخ الاصلية كانت دائما بأمان في مكتب المدير».‏

اصبح الاخوة ماهرين في إخفاء المطبوعات.‏ وكان المكان المفضل لذلك حافة النافذة.‏ حتى انهم تعلموا كيف يخفون المطبوعات في انابيب معجون الاسنان.‏ ولم يعرف سوى اثنين او ثلاثة اخوة مكان الاحتفاظ بالنسخ الاصلية.‏ وعند الحاجة،‏ كان احدهم يأتي بها ثم يعيدها الى مكانها بعد ان تُصنع نسخة منها.‏ بهذه الطريقة تبقى النسخ الاصلية دائما في مكان آمن.‏ وقد اعتبر الاخوة عمل النسخ امتيازا رغم خطر زجّهم في السجن الانفرادي مدة ١٥ يوما.‏ يذكر ڤيكتور ڠوتشميت:‏ «قضيت نحو ثلاث سنوات في السجن الانفرادي من اصل عشر سنوات في المعسكرات».‏

مجلات برج المراقبة بخط نسيج العنكبوت

بدا للاخوة ان ادارة المعسكر انشأت نظاما خصوصيا لتفتيش الشهود ومصادرة مطبوعاتهم المؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وقد بذل بعض الضباط جهودا دؤوبة في هذا الشأن.‏ يذكر إيڤان كليمكو:‏ «ذات مرة،‏ في المعسكر الموردڤيني رقم ١٩،‏ ابعد الجنود مع كلابهم الاخوة عن منطقة المعسكر وفتشوهم تفتيشا دقيقا.‏ وقد جُرّد كل شاهد من ثيابه،‏ حتى من الخِرَق التي يلف بها قدمَيه.‏ لكن لم تُكتشَف الاوراق القليلة المنسوخة باليد التي كان الاخوة قد ألصقوها بالغراء على اسفل اقدامهم.‏ كما صنع الاخوة كراريس بالغة الصغر يمكن وضعها بين اصابع ايديهم.‏ وعندما امر الحراس كل واحد برفع يديه بقيت الكراريس بين اصابعه،‏ وهكذا حُفظت بعض الكراريس».‏

كانت هنالك طرائق اخرى لحفظ الطعام الروحي.‏ يقول ألِكسي نيپوتشاتوڤ:‏ «استطاع بعض الاخوة ان يكتبوا بخط سُمي خط نسيج العنكبوت.‏ فكان رأس القلم يُبرى حتى يصبح رفيعا جدا،‏ وتُحشر عند الكتابة ثلاثة او اربعة اسطر بين كل خطين افقيين في ورقة الدفتر المسطَّرة.‏ وكان من الممكن ان تحوي علبة الثقاب خمس او ست نسخ من برج المراقبة مكتوبة بهذا الخط الرفيع جدا.‏ وقد تطلب ذلك بصرا ممتازا وجهدا دؤوبا.‏ فهؤلاء الاخوة كانوا يقومون بذلك تحت الاغطية وبعد ان تُطفأ كل الاضواء ويخلد الجميع الى النوم.‏ والضوء الوحيد المتوفر كان يأتي من مصباح كهربائي في مدخل الثكنة بالكاد يشع.‏ وكان الاستمرار في هذا العمل لبضعة اشهر يتلف البصر.‏ وفي حال لاحظ احد الحراس ما نفعله وكان ايجابيا في تعاطيه معنا،‏ كان يقول:‏ ‹ألا تزالون تكتبون،‏ متى ستخلدون الى النوم؟‏›».‏

يتذكر الاخ كليمكو:‏ «في احدى المناسبات خسرنا كمية كبيرة من المطبوعات والكتاب المقدس ايضا.‏ فكانت كلها مخبّأة في الساق الاصطناعية لأحد الاخوة.‏ وبعد اجباره على نزع الساق،‏ قام الحراس بسحقها.‏ وقد التقطوا صورا للصفحات المبعثرة ونشروها في صحيفة المعسكر.‏ غير ان ذلك كان نافعا اذ تبرهن من جديد لكثيرين ان شهود يهوه لا ينهمكون إلا في النشاطات الدينية.‏ وبعد هذا الاكتشاف،‏ قال مدير المعسكر للاخوة متشفّيا:‏ ‹هذه هرمجدون بالنسبة اليكم!‏›.‏ لكن احدا اخبره في اليوم التالي ان شهود يهوه يجتمعون ويرنمون ويقرأون كالعادة».‏

محادثة مع المدعي العام

في اواخر سنة ١٩٦١ اتى المدعي العام لجمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية الى المعسكر في موردڤينا لتفقد المكان.‏ وفيما هو سائر في المعسكر دخل ثكنة الشهود.‏ وسمح للاخوة بأن يطرحوا بعض الاسئلة.‏ يذكر ڤيكتور ڠوتشميت:‏ «سألته:‏ ‹هل تعتقد ان دين شهود يهوه يشكل خطرا على المجتمع السوفياتي؟‏›.‏

‏«اجاب المدعي العام:‏ ‹كلا،‏ لا اعتقد ذلك›.‏ لكنه خلال المحادثة قال دون انتباه:‏ ‹في عام ١٩٥٩ وحده،‏ خُصصت لسلطات اقليم إركوتْسْك خمسة ملايين روبل لتتعامل مع الشهود بالطريقة المناسبة›.‏

‏«وقصد بذلك ان السلطات تعرف جيدا مَن نحن،‏ فقد انفقت خمسة ملايين روبل من الاموال المخصصة للنظام الجزائي لكي تعرف مَن هم شهود يهوه.‏ وهذا مبلغ كبير جدا.‏ ففي ذلك الوقت،‏ كان يمكن لمبلغ قدره خمسة آلاف روبل ان يشتري سيارة جميلة او بيتا مريحا.‏ لذلك فإن السلطات في موسكو كانت تعرف دون شك ان شهود يهوه ليسوا شعبا خطِرا.‏

‏«وتابع المدعي العام قائلا:‏ ‹اذا قلنا للشعب السوفياتي ان يفعلوا بالشهود ما يشاءون،‏ فسيمحون كل اثر لكم›.‏ وقصد بقوله هذا ان المجتمع السوفياتي لا يحب الشهود.‏ فكان واضحا من كلماته ان ملايين الناس تأثروا بالدعاية الالحادية والايديولوجية.‏

‏«عندئذ اجبناه:‏ ‹سترى الوضع على حقيقته عندما يعقد الشهود محافلهم الكورية في كل ارجاء المنطقة الممتدة من موسكو الى ڤلاديڤوستوك›.‏

‏«فقال:‏ ‹ربما يكون نصف مليون شخص الى جانبكم،‏ ولكن هنالك آخرون الى جانبنا›.‏

‏«بهذه الجملة انتهت المحادثة مع المدعي العام،‏ وقد كان محقا الى حد ما.‏ واليوم،‏ هنالك اكثر من ٠٠٠‏,٧٠٠ شخص يحضرون اجتماعات شهود يهوه في كل انحاء دول الاتحاد السوفياتي السابق.‏ فهناك يصغي الناس الى الكلام النقي لحق الكتاب المقدس لا الى الدعاية».‏

‏«انشأتم منتجعا للشهود»‏

يتابع ڤيكتور:‏ «اخذ مدير المعسكر المدعي العام وأراه الزهور والاشجار التي زرعها الشهود،‏ بالاضافة الى الطرود التي تسلّموها والتي بقيت في ثكنتهم دون ان يسرقها احد.‏ وكان المدعي العام ينظر الى كل شيء باندهاش واضح.‏ لكننا علمنا لاحقا ان هذا الرجل امر ادارة المعسكر بإتلاف كل الزهور والاشجار.‏ فكان قد قال لمدير المعسكر:‏ ‹لقد انشأتم منتجعا للشهود لا معسكرا للعمل الالزامي›.‏ كما انه منع الشهود من تسلّم الطرود وأقفل كشك الطعام الذي كان يُسمح للشهود ان يشتروا منه طعاما اضافيا.‏

‏«ولكن لفرحة الاخوة لم ينفذ المدير كل الاوامر.‏ مثلا،‏ لم تُمنع الاخوات من زرع الزهور.‏ وفي فصل الخريف كن يقطفن الزهور ويصنعن باقات كبيرة يقدمنها لعمال المعسكر وأولادهم.‏ وسرّنا كثيرا ان نرى الاولاد يلتقون والديهم عند البوابة،‏ يأخذون زهورهم،‏ ويركضون الى المدرسة وأمارات السعادة مرتسمة على وجوههم.‏ فقد احبوا الشهود».‏

يتذكر ڤيكتور:‏ «ذات يوم في اوائل سنة ١٩٦٤،‏ اخبرنا مسؤول لديه اخ يعمل لدى المخابرات السوفياتية انه يجري تنظيم حملة كبيرة على صعيد الدولة ضد شهود يهوه.‏ ولكن في اواخر تلك السنة خُلع فجأة نيكيتا خروتشيف من منصبه كرئيس دولة،‏ فسكنت موجة الاضطهاد».‏

ترانيم الملكوت في معسكر خاضع لحراسة مشددة

في ستينات القرن العشرين،‏ سمح احد المعسكرات الخاضعة لحراسة مشددة في موردڤينا بأن يتسلم السجناء طرودا مرة في السنة ‹كمكافأة خصوصية›.‏ وكانت عمليات التفتيش تجري باستمرار.‏ وإذا وُجد في حوزة احد قصاصة ورق عليها آية من الكتاب المقدس،‏ كان يُرسل الى السجن الانفرادي لمدة عشرة ايام.‏ هذا بالاضافة الى ان السجناء في هذا المعسكر كانوا يحصلون على حصص طعام اقل مما يحصل عليه اولئك الذين في المعسكرات غير الخاضعة لحراسة مشددة.‏ كما ان العمل الالزامي كان اصعب،‏ فوجب على الشهود قلع أُروم الاشجار الضخمة.‏ يقول ألِكسي نيپوتشاتوڤ:‏ «غالبا ما كنا نصل الى شفير الانهيار الجسدي التام.‏ لكننا حافظنا على يقظتنا ولم نستسلم.‏ وإحدى الطرائق التي ساعدت الاخوة على ابقاء معنوياتهم عالية هي انشاد ترانيم الملكوت.‏ فقد شكلنا جوقة مرنمين من رجال تختلف طبقة صوتهم،‏ وكان ترنيمهم جميلا بشكل يفوق الوصف رغم غياب اصوات النساء.‏ ولم تبهج هذه الترانيم الشهود فقط بل ايضا الضباط،‏ الذين طلبوا من الاخوة ان يرنموا اثناء ساعات العمل.‏ وذات مرة،‏ حين كنا نقطع الاشجار،‏ اتى المسؤول عن حراسة العمال وقال:‏ ‹رنموا بعض الترانيم.‏ فهذا الطلب هو من ضابط الفرق العسكرية نفسه›.‏

‏«كان الضابط قد سمع الاخوة يرنمون ترانيم الملكوت مرات عديدة.‏ وقد اتى طلبه في وقته لأننا كنا على حافة الانهيار التام.‏ فابتدأنا بفرح نمجد يهوه بأصواتنا.‏ وعادة،‏ عندما كنا نرنم في المعسكر،‏ كانت زوجات الضباط يخرجن من البيوت المجاورة ويقفن على الشرفات ويستمعن الينا لوقت طويل.‏ وقد احببن خصوصا كلمات الترنيمة رقم ٦ من كتاب ترانيم قديم،‏ وهي بعنوان ‹لتعطِ الارض مجدا›.‏ وكانت كلمات الترنيمة جميلة ولحنها رائعا».‏

‏«انت في بلد آخر»‏

كان بإمكان الناس الذين يتعاملون مع شهود يهوه ان يروا ما هم عليه حقا حتى في ظروف غير متوقعة البتة.‏ يذكر ڤيكتور ڠوتشميت:‏ «بينما كنا جالسين في الحديقة في نهاية احد الاسابيع،‏ أُدخلت شاحنة محمَّلة بأدوات كهربائية غالية الثمن الى المعسكر حيث نحن مسجونون.‏ ولم يكن السائق الذي يسلّم البضاعة من اخوتنا الروحيين بل سجينا في معسكرنا،‏ اما مدير المشتريات الذي يرافقه فكان من معسكر آخر.‏ وبما ان المخزن كان مقفلا والمسؤول عنه في اجازة،‏ طُلب من الشهود ان يتسلّموا البضاعة ويفرّغوا الشاحنة.‏

‏«انزلنا الادوات الكهربائية وكدسناها قرب المخزن على مسافة غير بعيدة من الثكنة التي يقيم فيها اخوتنا.‏ وكان مدير المشتريات قلقا جدا بشأن تسليم البضاعة بهذه الطريقة غير الرسمية دون الحصول على توقيع مدير المخزن لتأكيد الاستلام.‏ لكن السائق طمأنه قائلا:‏ ‹لا تخف.‏ فلا احد هنا يسرق شيئا.‏ انت في «بلد آخر»،‏ فلا تفكر في ما يحصل عادة خارج هذا المعسكر.‏ في هذا المكان بإمكانك ان تنزع ساعة يدك وتتركها اينما كان،‏ وتأكد انك ستجدها غدا في المكان نفسه›.‏ لكن مدير المشتريات اصر على عدم المغادرة دون الحصول على التوقيع،‏ لأن البضاعة تقدَّر بنصف مليون روبل.‏

‏«بعد وقت قصير اتى رجال من ادارة المعسكر وأمروا بإخراج الشاحنة من المكان.‏ وطلب احدهم من مدير المشتريات ان يترك هناك فاتورة التسليم ويعود في اليوم التالي لأخذها.‏ ففعل ذلك على مضض،‏ ثم رحل.‏ وفي الصباح التالي عاد وطلب ان يدخل المعسكر لكي يجعل مدير المخزن يوقّع الفاتورة،‏ لكن الحارس سلّمه اياها موقَّعة.‏

‏«في وقت لاحق اخبرَنا الحارس ان مدير المشتريات تردد كثيرا قبل ان يغادر.‏ فطوال نصف ساعة وقف امام البوابة يحدّق فيها وفي المستندات ثم يدور ليرحل،‏ لكنه كان يدور من جديد ويحدّق في البوابة.‏ فربما لم يسبق ان شهد شيئا كهذا:‏ تسليم بضاعة قيِّمة في غيابه،‏ توقيع الفاتورة دون ان يكون حاضرا،‏ وإنجاز كل ما يلزم بنزاهة.‏ والاهم هو ان ذلك حدث في معسكر للعمل الالزامي خاضع لحراسة مشددة،‏ حيث السجناء مصنفون بأنهم ‹مجرمون بالغو الخطورة›.‏ نعم،‏ مهما نشرت الدعاية المغرضة معلومات سلبية عن شهود يهوه،‏ فإن حدثا كهذا يُظهر للمراقبين جميعا ما هم عليه حقا».‏

‏‹عادوا الآن الى التبشير›‏

في سنة ١٩٦٠،‏ بعد ايام قليلة من جمع الاخوة معا في المعسكر الموردڤيني،‏ اختير اكثر من مئة شاهد ليُنقلوا الى سجن خصوصي يدعى المعسكر رقم ١٠ في قرية اودارني المجاورة.‏ وكان هذا المكان سجنا «اختباريا» لإعادة تأهيل الشهود.‏ وفيه أُلبس السجناء بزّات مخططة شبيهة ببزّات السجناء في معسكرات الاعتقال النازية.‏ وبين الاعمال التي وجب على الشهود ان يقوموا بها اقتلاع أُروم اشجار ضخمة في الغابة.‏ فكان على كل منهم ان يقتلع في اليوم الواحد ١١-‏١٢ ارومة على الاقل.‏ ولكن احيانا كانت مجموعة الاخوة بكاملها تعمل معا طوال اليوم لاقتلاع ارومة شجرة سنديان ضخمة واحدة،‏ دون ان تنجح.‏ وغالبا ما كانوا ينشدون ترانيم الملكوت ليشجعوا واحدهم الآخر.‏ ولدى سماع مدير المعسكر صوت الترنيم،‏ كان احيانا يصيح قائلا:‏ «لا عشاء لكم اليوم ايها الشهود حتى تتعلموا ألا ترنموا.‏ هذا درس لكم كي تنجزوا عملكم».‏ يذكر احد الاخوة الذين كانوا في هذا المعسكر:‏ «لكن يهوه كان يدعمنا.‏ ورغم الظروف الصعبة،‏ بقينا صاحين روحيا.‏ فكنا دائما نشجّع بعضنا بعضا ونرفع معنوياتنا بتذكير احدنا الآخر اننا وقفنا الى جانب يهوه في قضية السلطان الكوني».‏ —‏ ام ٢٧:‏١١‏.‏

بالاضافة الى «المرشدين» المعينين للاشراف على السجن بكامله،‏ كان لكل زنزانة مرشد خاص بها —‏ ضابط عسكري لا تقل رتبته عن نقيب.‏ وكان هدف هؤلاء الضباط جعل الشهود ينكرون ايمانهم.‏ فكانوا يقولون ان كل مَن يذعن،‏ او بالاحرى ينكر ايمانه،‏ سيُطلَق سراحه.‏ وكان المرشدون يكتبون كل شهر تقريرا حول شخصية كل شاهد،‏ ويوقع التقرير عدد من الموظفين في السجن.‏ لكن ما كتبوه عن كل فرد من الشهود كان دائما:‏ «لا يتجاوب مع اجراءات اعادة التأهيل،‏ بل يبقى ثابتا في اقتناعاته».‏ ويمضي إيڤان كليمكو قائلا:‏ «قضيت في هذا السجن ست سنوات من اصل عشر،‏ وجرى تصنيفي مع اخوة آخرين بأني ‹مجرم بالغ الخطورة يكرّر ارتكاب الجريمة نفسها›.‏ وقد اخبرَنا الضباط ان السلطات تعمّدت وضع الشهود في ظروف صعبة للغاية لكي تراقب سلوكهم».‏

في احدى المرات طرح يوڤ أندرونيك،‏ الذي قضى خمس سنوات في ذلك السجن،‏ هذا السؤال على آمر المعسكر:‏ «الى متى سنبقى في هذا السجن؟‏».‏ فأشار الآمر الى الغابة وأجاب:‏ «الى ان تؤخذوا الى هناك محمولين».‏ ويذكر يوڤ:‏ «أُبقينا معزولين عن الآخرين لكيلا نكرز لهم،‏ وأُخضِعنا لمراقبة شديدة.‏ ولم يستطع ايٌّ منا التجول في المعسكر دون ان يرافقه احد المسؤولين.‏ وبعد بضع سنوات،‏ حين نُقلنا الى معسكر خاضع لحراسة غير مشددة،‏ اخبر بعض السجناء غير الشهود ادارة المعسكر:‏ ‹لقد انتصر شهود يهوه.‏ فمع انكم عزلتموهم،‏ ها هم الآن قد عادوا الى التبشير›».‏

ضابط يدرك ان كتابه المقدس نُسِخ

كان من الصعب جدا إدخال اية مطبوعات الى المعسكر رقم ١٠،‏ فكم بالاحرى الكتاب المقدس!‏ فبدا للاخوة ان إدخال كلمة اللّٰه الى السجن امر اشبه بالمستحيل.‏ ومع ذلك،‏ يقول اخ قضى في هذا السجن بضع سنوات:‏ «لا شيء مستحيل عند يهوه».‏ نعم،‏ سمع صلواتنا.‏ فقد طلبنا كتابا مقدسا واحدا على الاقل من اجل مئة شاهد في هذا السجن،‏ وإذا بنا نحصل على اثنين!‏».‏ (‏مت ١٩:‏٢٦‏)‏ فكيف حدث ذلك؟‏

جُنِّد كولونيل ليكون احد المرشدين في السجن.‏ ولكن كيف استطاع شخص لا يعرف شيئا عن الكتاب المقدس ان «يرشد» الشهود؟‏ تمكن الكولونيل بطريقة ما من الحصول على كتاب مقدس في حالة سيئة.‏ وقبل ان يأخذ اجازة،‏ طلب من سجين معمداني مسنّ ان يعيد تجليد الكتاب بعد ان امر المسؤولين ألا يصادروه.‏ فأخذ المعمداني يتباهى امام الشهود بأنه حصل على كتاب مقدس،‏ وسمح لهم باستعارته لإلقاء نظرة عليه.‏ ولكن عندما وقع هذا الكنز الثمين في يد الاخوة،‏ فكّوا مَلازمه ووزّعوا الصفحات على كل الشهود السجناء لينسخوها.‏ وطوال الايام القليلة التالية انشغل الشهود جميعا بنسخ الكتاب في زنزاناتهم،‏ فصنعوا نسختين مكتوبتين باليد من كل صفحة.‏ يذكر احد الاخوة:‏ «عندما جُمعت الصفحات معا،‏ حصلنا على ثلاثة كتب مقدسة!‏ فأُعيدت الى الكولونيل نسخته بعد اعادة تجليدها،‏ في حين حصلنا نحن على نسختين.‏ وقد استعملنا احداهما للقراءة ووضعنا الاخرى في مكان خاص داخل ‹الخزنة›،‏ التي كانت عبارة عن بضعة انابيب فيها اسلاك تمر عبرها كهرباء ذات توتر عالٍ.‏ وبما ان المسؤولين كانوا يخشون حتى الاقتراب منها،‏ لم يقم احد قط بالتفتيش هناك.‏ وهكذا كانت الكهرباء ذات التوتر العالي حارسا امينا لمكتبتنا».‏

ولكن خلال احدى عمليات التفتيش،‏ اكتشف الكولونيل صفحة من الكتاب المقدس المنسوخ باليد.‏ وعندما ادرك ما حصل،‏ استاء جدا وقال:‏ «هذه نُسِخت عن الكتاب المقدس الذي جلبته انا بنفسي الى المعسكر!‏».‏

الاحتفال بالذكرى

كان الاخوة كل سنة يحاولون الاحتفال بالذكرى في المعسكرات.‏ وفي كل السنوات التي قضوها في احد المعسكرات في موردڤينا،‏ لم يفوّت واحد منهم هذه المناسبة.‏ طبعا،‏ حاولت ادارة المعسكر على الدوام منع الاحتفال.‏ وبما انهم يعرفون تاريخ الذكرى،‏ كانوا عادة يأمرون جميع وحدات الحرس في المعسكر بتشديد المراقبة خلال ذلك اليوم.‏ ولكن بحلول المساء كان معظم الحراس يضجرون من مراقبة الاخوة عن كثب،‏ اذ لم يكن احد منهم يعرف في اي مكان وفي أية ساعة بالتمام ستُعقد الذكرى.‏

كان الاخوة دائما يبذلون جهودا حثيثة لتوفير الخمر وخبز الفطير.‏ وفي احدى المرات،‏ وجدت وحدة مراقبة الرمزين في احد الادراج يومَ الذكرى،‏ فقامت بمصادرتهما.‏ وفي وقت لاحق من ذلك اليوم،‏ استُبدلت هذه الوحدة بوحدة مراقبة اخرى،‏ فتمكن اخ ينظف مكتب آمر الوحدة من استرجاعهما وتمريرهما الى الاخوة دون ان يراه احد.‏ وفي تلك الليلة،‏ خلال نوبة المراقبة الثالثة،‏ احتفل الاخوة بالذكرى مستخدمين الرمزين،‏ اللذين كانا ضروريين جدا لأن احد الاخوة لديه الدعوة السماوية.‏

الاحتفال بالذكرى في احد معسكرات النساء

كان الوضع مشابها في معسكرات اخرى.‏ ولا تزال ڤالنتينا ڠارنوفسْكايا تذكر كم كان الاحتفال بالذكرى صعبا في معسكر للنساء في كيميروڤو.‏ تقول:‏ «ضمَّ هذا المعسكر نحو ١٨٠ اختا.‏ وكان ممنوعا علينا ان نجتمع معا.‏ فلم نتمكن من الاحتفال بالذكرى إلا مرتين خلال عشر سنوات.‏ وفي احداهما قررنا ان نعقد الذكرى في مكتب اتولى تنظيفه.‏ فأخذت الاخوات يتسللن الى مكان الاجتماع الواحدة تلو الاخرى على مدى ساعات قبل بدء الذكرى.‏ وقد تمكن نحو ٨٠ اختا من المجيء.‏ فوضعنا خبز الفطير والخمر الحمراء غير المحلاة على طاولة المكتب.‏

‏«قررنا ان نبدأ بدون ترنيم،‏ فقدمت اخت الصلاة الافتتاحية،‏ وسار الاحتفال بطريقة لائقة ومبهجة.‏ وفجأة سمعنا ضجيجا وصياحا،‏ فأدركنا ان المسؤولين يبحثون عنا.‏ ثم رأينا آمر الوحدة نفسه ينظر من خلال النافذة،‏ مع انها كانت عالية.‏ وفي نفس الوقت سمعنا الباب يُقرع بشدة،‏ فيما علا صوت شخص يأمرنا بفتحه.‏ عندئذ اقتحم المسؤولون المكان وأمسكوا بالاخت التي تلقي الخطاب واقتادوها الى السجن الانفرادي.‏ فأخذت اخت شُجاعة اخرى مكانها لإكمال الخطاب،‏ لكنهم امسكوها هي ايضا.‏ وعلى الفور حاولت اخت ثالثة ان تواصل تقديم الخطاب،‏ فأدخلونا جميعا الى غرفة اخرى وهددوا بزجِّنا في السجن الانفرادي.‏ وهناك انهينا الاحتفال بالذكرى بترنيمة وصلاة ختامية.‏

‏«عندما عدنا الى الثكنة،‏ استقبلَتنا السجينات الاخريات بهذه الكلمات:‏ ‹حين اختفيتن جميعا فجأة،‏ اعتقدنا ان هرمجدون اتت وأن اللّٰه اخذكن الى السماء وتركَنا هنا لنموت›.‏ وبعد هذه الحادثة،‏ بدأ بعضهن بالاستماع الى الحق بعدما كن يرفضنه طوال السنوات القليلة الماضية التي قضيناها معا في السجن».‏

‏«كنا نلتزّ بعضا ببعض»‏

كان احد المعسكرات في ڤوركوتا يضم شهودا كثيرين من اوكرانيا ومولدوفا ومنطقة البلطيق،‏ اضافة الى جمهوريات اخرى في الاتحاد السوفياتي.‏ يتذكر إيڤان كليمكو:‏ «في شتاء ١٩٤٨،‏ لم تكن لدينا مطبوعات مؤسسة على الكتاب المقدس.‏ لكننا كنا نسجل على اوراق صغيرة ما نتذكره من المجلات القديمة ونخفيها عن اعين المسؤولين.‏ إلا انهم علموا بوجود الاوراق،‏ مما جعلنا نخضع لعمليات تفتيش طويلة ومضنية.‏ فخلال ايام الشتاء الباردة،‏ كانوا يقتادوننا الى الخارج ويجبروننا على الوقوف في صفوف من خمسة اشخاص.‏ وغالبا ما احصوا عددنا مرة بعد مرة.‏ فكما يبدو،‏ توقعوا ان نسلّمهم الاوراق حتى لا نبقى واقفين خارجا في البرد القارس.‏ وخلال عدّهم لنا مرارا وتكرارا،‏ كنا نلتزّ بعضا ببعض ونناقش موضوعا من الكتاب المقدس.‏ فكانت عقولنا دائما تُشغل بالمسائل الروحية.‏ وقد ساعدَنا يهوه ان نحافظ على استقامتنا امامه.‏ حتى ان الاخوة تمكنوا في وقت لاحق من إدخال كتاب مقدس الى المعسكر.‏ فقسَّمناه الى عدة اجزاء لكيلا يصادَر بكامله اثناء التفتيش.‏

‏«كان بين الحراس اشخاص يعتقدون انه من الخطإ ارسال شهود يهوه الى المعسكرات.‏ وقد ساعدَنا هؤلاء الناس اللطفاء بقدر ما استطاعوا.‏ فبعضهم كانوا ‹يغمضون اعينهم› حين يصل طرد الى واحد منا.‏ وكان الطرد عادةً يحتوي على صفحة او صفحتين من مجلة برج المراقبة مخبأتين داخله.‏ وهذه الاوراق،‏ التي لا تزن سوى غرامات قليلة،‏ كانت اكثر قيمة من كيلوغرامات من الطعام.‏ صحيح ان الشهود كانوا دائما محرومين من الناحية الجسدية،‏ لكنهم كانوا اغنياء كثيرا من الناحية الروحية.‏ —‏ اش ٦٥:‏١٣،‏ ١٤‏.‏

‏«سوف يقسمها الى ٥٠ قطعة»‏

كان الاخوة يديرون كل اسبوع دروسا في الكتاب المقدس مع الذين يظهرون اهتماما بالحق.‏ وكثيرون من السجناء —‏ حتى غير المهتمين بالكتاب المقدس —‏ عرفوا ان الدروس تُعقد في الثكنة بعد الساعة السابعة مساء،‏ وحاولوا المحافظة على الهدوء.‏ يذكر يوڤ أندرونيك:‏ «من الواضح ان يهوه كان يعتني بنا ويدعم عمله.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ حاولنا الاعراب عن المحبة المسيحية واحدنا نحو الآخر بتطبيق مبادئ الكتاب المقدس.‏ مثلا،‏ كنا نتشارك في الطعام الذي يصلنا في الطرود،‏ وهذا امر غير مألوف في المعسكرات.‏

‏«في احد المعسكرات،‏ كان ميكولا پياتوكا مسؤولا عن توزيع الطعام على الاخوة.‏ وعنه قال احد ضباط المخابرات السوفياتية ذات مرة:‏ ‹اذا اعطيتَ ميكولا قطعة سكاكر،‏ فسوف يقسمها الى ٥٠ قطعة›.‏ هكذا كانت الحال بين الاخوة.‏ فقد تشاركنا في كل ما أُرسِل الينا،‏ سواء كان طعاما جسديا او روحيا.‏ وهذا ساعدنا وأعطى شهادة حسنة لذوي القلوب المخلصة الذين تجاوبوا معها».‏ —‏ مت ٢٨:‏١٩،‏ ٢٠؛‏ يو ١٣:‏٣٤،‏ ٣٥‏.‏

علاوات لحسن السلوك

في احد المعسكرات،‏ كان الموظفون الذين يعملون مباشرة مع شهود يهوه يحصلون على علاوة تصل الى ٣٠ في المئة من راتبهم.‏ ولماذا؟‏ يوضح ڤيكتور ڠوتشميت:‏ «اخبرتني امينة صندوق سابقة في المعسكر بما يلي:‏ في المعسكرات التي سُجن فيها عدد كبير من اخوتنا،‏ أُمر موظفو المعسكر ألا يفقدوا اعصابهم او يشتموا،‏ بل ان يكونوا دائما لبقين ومهذبين.‏ وقد تقاضوا زيادة على راتبهم كمكافأة على حسن سلوكهم.‏ وكان القصد من ذلك كله ان يظهر للجميع ان شهود يهوه ليسوا الوحيدين الذين يعيشون حياة مثالية،‏ وأن لا شيء يميزهم عن غيرهم.‏ وهكذا،‏ كان الموظفون يتقاضون اجرا مقابل حسن السلوك.‏ وقد ضم المعسكر موظفين كثيرين —‏ افراد الهيئة الطبية والعمال والمحاسبين والمسؤولين —‏ ما مجموعه مئة شخص تقريبا.‏ ولا احد منهم اراد ان يفوّت على نفسه فرصة كسب مال اضافي.‏

‏«في احد الايام،‏ فيما كان اخ يعمل خارج المعسكر،‏ سمع احد المشرفين على فرق العمال يشتم بصوت عالٍ.‏ وفي اليوم التالي،‏ التقاه الاخ داخل المعسكر وقال له:‏ ‹لا بد ان احدا في بيت الحرس اثار حنقك.‏ فقد كنت تشتم بصوت عالٍ!‏›.‏ فاعترف الرجل قائلا:‏ ‹ليس الامر كذلك.‏ لكنني شعرت في داخلي بضغط يشتد اكثر فأكثر طوال النهار.‏ لذا خرجت من المعسكر لأنفِّس همومي عني›.‏ اذًا،‏ لم يكن سهلا على الناس ان يتصرفوا كما يتصرف شهود يهوه».‏

الكرازة من خلف الزجاج

كان الاخوة ينتهزون كل فرصة ليشهدوا للآخرين،‏ وفي بعض الاحيان كانت جهودهم تُكافأ بسخاء.‏ يذكر نيكولاي ڠوتْسولياك:‏ «كنا في الغالب نحصل على الاطعمة من كشك المأكولات في المعسكر.‏ وكلما حان دوري لجلب الطعام،‏ كنت احاول ان اقول بعض الكلمات حول موضوع من الكتاب المقدس.‏ وكانت المرأة التي تسلّمني الطعام تصغي دائما بانتباه،‏ حتى انها طلبت مني مرة ان اقرأ عليها شيئا.‏ وبعد ثلاثة ايام،‏ استدعاني احد الضباط الى البوابة وأمرني ان اذهب مع شاهد آخر الى منزل آمر المعسكر لتركيب الزجاج في احدى النوافذ.‏

‏«فذهبتُ مع الاخ الى المدينة برفقة جنود.‏ وعندما وصلنا الى البيت،‏ فتحَت لنا الباب المرأة التي تعمل في كشك المأكولات.‏ فكانت زوجة آمر المعسكر!‏ وقد وقف جندي في الداخل وجنديان آخران في الشارع الى جانب النافذة.‏ وبعد ان قدمت لنا المرأة الشاي،‏ طلبت منا ان نخبرها المزيد عن الكتاب المقدس.‏ وفي ذلك اليوم ركّبنا الزجاج في نافذة بيتها وأعطيناها شهادة كاملة.‏ وعندما انتهت محادثتنا قالت:‏ ‹لا تخشيا مني.‏ فوالداي كانا يخافان اللّٰه مثلكما›.‏ وقد قرأت مطبوعاتنا سرا،‏ من دون علم زوجها الذي يكره الشهود».‏

‏‹عودوا الى عملكم›‏

كان بعض الرسميين في السلطة يملكون نظرة ايجابية من الشهود،‏ ولم يترددوا في التعبير عن رأيهم علنا.‏ فخلال سبعينات القرن الماضي،‏ وفي مدينة براتسك بإقليم إركوتْسْك،‏ قرر مكتب الحزب الشيوعي في مصنع الخشب المحلي ان يطرد جميع الموظفين الذين من شهود يهوه.‏ وقيل للاخوة:‏ «لأنكم لا تحبون السلطة السوفياتية،‏ فهي لن تقوم برعايتكم.‏ وبما انكم تحبون يهوه،‏ فليرعكم هو».‏ عندئذ رأى الاخوة المطرودون ان افضل ما يمكنهم فعله هو الكرازة علانية،‏ فأخذوا يكرزون من باب الى باب.‏ وفي احدى المرات فتحت لهم امرأة الباب،‏ فعرّف الاخوة بأنفسهم وشرحوا لها باختصار الهدف من زيارتهم.‏ ثم نادى رجل من المطبخ قائلا:‏ «الى مَن تتحدثين؟‏ دعيهم يدخلون».‏ ولما دخل الاخوة،‏ سألهم الرجل:‏ «لماذا لستم في عملكم؟‏ فهذا يوم عمل».‏ فأوضح له الاخوة كيف صاروا عاطلين عن العمل.‏

تبيَّن للاخوة ان هذا الرجل،‏ الذي اتى الى بيته لتناول الغداء،‏ هو مدَّعٍ عام.‏ وإذا به يمسك الهاتف بغضب ويتصل بالمصنع ويسأل هل صحيح ان المكتب طرد كل شهود يهوه.‏ وبعدما أُجيب بأن ذلك صحيح،‏ اردف قائلا:‏ «على اي اساس؟‏ ألا ترون انكم خالفتم القانون؟‏ فليس لديكم الحق في ذلك!‏ آمركم بأن تعيدوا كل الشهود الى عملهم وتدفعوا لهم تعويضا عن الاشهر الثلاثة التي لم يتمكنوا فيها من العمل بسبب قراركم».‏ ثم اقفل المدعي العام الخط والتفت الى الاخوة وقال:‏ «عودوا غدا الى عملكم واستمروا فيه».‏

‏‹انا اخفي المطبوعات منذ سنة ١٩٤٧›‏

بحلول السبعينات،‏ كان الاخوة قد صاروا مهرة في انتاج وتوزيع وإخفاء المطبوعات.‏ ولكن نشأت احيانا اوضاع تستلزم سرعة البديهة.‏ يذكر ڠريڠوري سيڤولسكي:‏ «ذات يوم سنة ١٩٧٦،‏ اتى رجال المخابرات الى بيتنا لتفتيشه.‏ وكنت في الليلة السابقة قد وضعت بإهمال بعض التقارير وعناوين الاخوة تحت خزانة ذات ادراج.‏ وفيما كان عملاء المخابرات السوفياتية يفتشون البيت،‏ بدوا واثقين من انفسهم كما لو انهم يعرفون تماما اين وعمَّ يجب ان يبحثوا.‏ وقال لي احد العملاء:‏ ‹احضر كماشة ومفك براغيّ،‏ فسوف نفك الاريكة›.‏ فصليت وأجبته بصوت واثق:‏

‏—‏ لو قمتم بكبسة على بيتنا كما فعلتم ببيوت الشهود الآخرين،‏ لوجدتم شيئا في بيتي.‏ ولكن فات الاوان اليوم.‏ فلن تجدوا شيئا.‏

‏—‏ وماذا كنا سنجد؟‏

‏—‏ مجلات برج المراقبة و استيقظ!‏.‏ لكنكم لن تجدوا شيئا اليوم.‏

‏«ثم اعطيتهم الاداتين وقلت:‏ ‹عليكم بعد الانتهاء من التفتيش ان تعيدوا تركيب الاريكة حتى يعود شكلها كما هو الآن›.‏

‏«عندئذ وقف العملاء حائرين مدة دقيقة.‏ وعندما رأيتهم مترددين،‏ وجّهت حديثي الى شاب بينهم وقلت:‏ ‹اظن انك تبحث عن مطبوعات لشهود يهوه منذ فترة لا تزيد على ثلاث سنوات.‏ لكني اخفي المطبوعات منذ سنة ١٩٤٧.‏ فلا تهدر وقتك هنا،‏ لأن المطبوعات موجودة في مكان آمن›.‏

‏«وكم فوجئت عندما رأيتهم يغادرون البيت!‏ لقد كانت التقارير وعناوين الاخوة في متناولهم،‏ وكان يلزم فقط ان يمد احدهم يده تحت الخزانة ليجدها».‏

البيريسترويكا —‏ زمن التغيير

ان البيريسترويكا المعلنة سنة ١٩٨٥ لم تسفر فورا عن النتائج المتوقعة منها.‏ ففي بعض المناطق،‏ استمرت الاحكام تصدر بحق الشهود وأُرسلوا الى السجون كما من قبل.‏ ولكن في سنة ١٩٨٨،‏ كتب مكتب الفرع في المانيا الى المركز الرئيسي العالمي ما يلي:‏ «في بداية سنة الخدمة،‏ ظهرت دلائل تشير الى استعداد السلطات لمنح [الاخوة في الاتحاد السوفياتي] المزيد من الحرية في ما يتعلق بالاجتماعات وربما المطبوعات ايضا،‏ وذلك اذا تسجَّلوا محليا.‏ وقد استطاع الاخوة ان يحتفلوا بالذكرى في معظم الاماكن دون اية مضايقة.‏ وهم يشعرون بأن موقف السلطات منهم تغيَّر كثيرا».‏

في وقت لاحق،‏ ارسل الاخوة المعيّنون الى فرع المانيا عناوين بريد الاخوة المستعدين لتسلم طرود الطعام الروحي.‏ وكان هؤلاء بدورهم سيسلمون هذا الطعام الى الشيوخ،‏ الذين يتأكدون من حصول الجميع على هذه المساعدات الروحية.‏ وبحلول شباط (‏فبراير)‏ ١٩٩٠،‏ بلغ عدد هذه العناوين البريدية الشخصية ٦٠٠‏,١ تقريبا،‏ وكان الطعام الروحي يُرسَل اليها مرة في الشهر.‏

في سنة ١٩٨٩،‏ تمكن آلاف الشهود في الاتحاد السوفياتي من حضور المحفل الخصوصي المنعقد في بولندا.‏ تذكر يفدوكيا،‏ وهي شاهدة من مدينة نابَرَجْني تشلني:‏ «صلينا الى يهوه بحرارة كي نتمكن من حضور اول محفل حقيقي لنا.‏ وحين سمع مدير المؤسسة التي اعمل فيها اني اريد ان اغادر البلد،‏ قال:‏ ‹ماذا؟‏ ألا تشاهدين التلفزيون؟‏ فالحدود مغلقة،‏ ولا يُسمح لأحد بعبورها!‏›.‏

‏«فأجبته بكل ثقة:‏ ‹ستُفتح الحدود›.‏ وهذا ما حدث تماما.‏ فعند حاجز تفتيش تابع للجمارك في مدينة برست،‏ لم يُسمح إلا لشهود يهوه بالمرور.‏ وعوملنا جميعا بلطافة،‏ حتى اننا لم نفتَّش.‏ وقد حاول شخص غير شاهد ان يعبر الحدود بحجة انه من مندوبي المحفل.‏ لكن موظفي الجمارك كشفوا امره على الفور واحتجزوه.‏ فكيف عرفوا حقيقته؟‏ كانت وجوه جميع المندوبين تشع بابتسامة مشرقة،‏ وجميعهم حملوا فقط حقائب صغيرة في ايديهم».‏

استقبال حار في موسكو

كانت اربعون سنة قد مرت منذ تقدَّم شهود يهوه سنة ١٩٤٩ بطلب الى موسكو لتسجيل عملهم.‏ وفي ذلك الوقت،‏ ما كان ضمير الاخوة يسمح لهم بالوفاء بكل شروط حكومة ستالين.‏ ولكن في ٢٦ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٩٠،‏ استقبل رئيس لجنة الشؤون الدينية في موسكو وفدا من شهود يهوه.‏ وحضر الاجتماع ايضا نائبا الرئيس وثلاثة آخرون من اعضاء اللجنة.‏ اما وفد شهود يهوه فضم ١٥ شخصا:‏ ١١ اخا من روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي الاخرى،‏ مِلتون هنشل وثيودور جارس من بروكلين،‏ ڤيلي پول ونيكيتا كارلستروم من فرع المانيا.‏

افتتح الرئيس الاجتماع بهذه الكلمات:‏ «يسرنا جدا ان نجتمع بشهود يهوه.‏ لقد سمعت الكثير عنكم قبلا،‏ لكنها المرة الاولى التي اجتمع فيها بكم.‏ ونحن مستعدون للنقاش بروح الغلاسنوست (‏الانفتاح)‏».‏ عندئذ عبّر الاخوة عن رغبتهم في التقدم بطلب لتسجيل عمل شهود يهوه في الاتحاد السوفياتي.‏ فمضى رئيس اللجنة قائلا:‏ «يسرني سماع هذا،‏ والوقت الآن مناسب لذلك.‏ فعما قريب سيحل الربيع،‏ وهو فصل الزراعة.‏ لذا نتوقع ان نحصد نتائج حسنة وثمارا جيدة».‏

بعدما طلب رئيس اللجنة من الاخوة ان يعرّفوا بأنفسهم،‏ تبيّن له ان شهود يهوه موجودون في كل انحاء البلد،‏ من كالينينغراد الى الشرق الاقصى الروسي.‏ وقال لهم احد نظار الدوائر:‏ «انا امثّل اربع جماعات في اقليم إركوتْسْك.‏ لكني اهتم ايضا بمنطقة الشرق الاقصى الروسي ومقاطعتَي خباروفسك وكراسنويارسك وإقليمَي نوڤوسيبرسْك وأومْسك».‏ فهتف رئيس اللجنة قائلا:‏ «انت تعمل ضمن مساحة هائلة،‏ اكبر من مساحة بلدان كثيرة!‏».‏

ثم قال احد نائبَي الرئيس:‏ «يلزمنا ان نعرف اكثر عن معتقداتكم،‏ لأننا لا نفهم بعضا منها.‏ مثلا،‏ يقول احد كتبكم ان اللّٰه سيطهر الارض ويزيل كل الحكومات الحاضرة.‏ ونحن لا نفهم معنى ذلك».‏ فأجاب الاخ پول:‏ «لا يشارك شهود يهوه في اي نوع من اعمال العنف.‏ وإذا كان الكتاب يقول ذلك،‏ فهو يشير الى نبوات محددة مذكورة في الكتاب المقدس.‏ وشهود يهوه يكرزون بملكوت اللّٰه ويبشرون بحياة ابدية في فردوس على الارض».‏

فقال نائب الرئيس:‏ «لا مشكلة في ذلك».‏

وفي آخر المناقشة قال رئيس اللجنة:‏ «سررنا جدا بلقائكم.‏ ولا بد ان يتم تسجيلكم بأسرع وقت ممكن».‏

في آذار (‏مارس)‏ ١٩٩١،‏ حصل شهود يهوه في روسيا على اعتراف رسمي.‏ وكان عدد سكان روسيا في ذلك الوقت يزيد على ١٥٠ مليون نسمة،‏ فيما بلغ عدد المنادين بالملكوت ٩٨٧‏,١٥.‏ لذا كان الاخوة والاخوات في روسيا بحاجة الى مزيد من الارشاد من يهوه.‏ —‏ مت ٢٤:‏٤٥؛‏ ٢٨:‏١٩،‏ ٢٠‏.‏

‏«يا للسعادة،‏ يا للحرية!‏»‏

نظرا الى قرب المسافة بين فنلندا وروسيا،‏ طلبت الهيئة الحاكمة من فرع فنلندا ان يساعد في تنظيم المحفل الاممي المنعقد في سانت بيترسبرغ،‏ روسيا،‏ في ٢٦-‏٢٨ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٩٢.‏ وماذا كان شعور الاخوة وهم يحضرون المحفل بحرية بعد اكثر من خمسين سنة من الحظر؟‏ يتذكر احد الاخوة:‏ «في المدرّج كنا نعدّ بالآلاف.‏ واستمرت دموعنا تنهمر دون توقف.‏ يا للسعادة،‏ يا للحرية!‏ فنحن لم نتوقع ان ننعم بهذه الحرية في نظام الاشياء هذا ولو في الاحلام.‏ لكن يهوه جعل ذلك ممكنا.‏ لقد تذكرنا كيف كان خمسة منا يقبعون في زنزانة منعزلة في معسكر محاط بسياج عالٍ،‏ وكيف كان كل اربعة منا يتناوبون على إدفاء الخامس.‏ صحيح ان المدرّج كان محاطا بسور عالٍ،‏ لكننا اردنا ان نبقى فيه اطول فترة ممكنة.‏ ويعجز اللسان عن وصف الشعور الذي انتابنا.‏

‏«بقيت عيوننا مغرورقة بالدموع طوال المحفل.‏ فكنا نبكي فرحا لرؤية هذه العجيبة.‏ ومع اننا تجاوزنا الـ‍ ٧٠ من العمر،‏ اخذنا نتنقل بخفة في ارجاء المدرّج كما لو كانت لدينا اجنحة.‏ لقد انتظرنا هذه الحرية طوال ٥٠ سنة.‏ في البداية سمح يهوه بأن نُنفى الى سيبيريا،‏ ثم أُرسلنا الى السجون والمعسكرات.‏ لكننا استطعنا في نهاية المطاف ان نحضر محفلا في ذلك المدرّج،‏ لأن يهوه اقوى من اي شخص كان.‏ وقفنا ننظر واحدنا الى الآخر ونحن نبكي.‏ فما استطاع احد ان يصدّق ان هذا يحدث حقا.‏ عندئذ احاط بنا بعض الاخوة الشبان وسألونا:‏ ‹هل انتم بخير؟‏ هل آذاكم احد؟‏›.‏ لكننا عجزنا عن الاجابة من كثرة البكاء.‏ ثم قال واحد منا فيما دموعه تنهمر:‏ ‹نحن نبكي من الفرح!‏›.‏ وصرنا نخبرهم كيف خدمنا يهوه تحت الحظر سنوات طويلة،‏ وأننا لا نستطيع ان نصدّق كيف غيَّر يهوه كل شيء بهذه السرعة».‏

بعد ذلك المحفل الذي لا يُنسى،‏ طُلب من فرع فنلندا ان يرسل ١٥ فاتحا خصوصيا الى روسيا.‏ وفي ١ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٩٢ وصل زوجان غيوران من فنلندا،‏ هما هانو وإيا تانينن،‏ الى تعيينهما في سانت بيترسبرغ.‏ في البداية،‏ كان اكبر تحدٍّ امامهما تعلم اللغة.‏ وبعد درسهما الاول في اللغة،‏ خرجا في الخدمة وعرضا على الناس دروسا بيتية في الكتاب المقدس.‏ يتذكر هانو:‏ «في اوائل التسعينات،‏ اراد كل شخص في المدينة تقريبا ان يدرس الكتاب المقدس.‏ وكان الناس يعطوننا عناوينهم طوعا خلال الشهادة في الشوارع.‏ ورغب الجميع في الحصول على مطبوعات.‏ فإذا رآك عشرة اشخاص تعطي احدا مجلة او نشرة في الشارع،‏ كانوا يأتون اليك ويطلبون منك مطبوعات.‏ ولم يكتفِ الناس بأخذ المطبوعات،‏ بل كانوا في الغالب يقرأونها على الفور في الشارع او في القطار النفقي».‏

ابتداء من تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٢،‏ اتى ايضا من بولندا كثيرون من الفاتحين الخصوصيين.‏ وكان في المجموعة الاولى بعض الاخوات العازبات.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى وصلت مجموعة ثانية من بولندا وأُرسلت الى سانت بيترسبرغ.‏ وبعد سنة،‏ أُرسلت مجموعة من الفاتحين البولنديين الى موسكو.‏ وفي السنوات اللاحقة عُيّن للخدمة في روسيا اكثر من ١٧٠ متطوعا من بولندا،‏ معظمهم من خريجي مدرسة تدريب الخدام.‏

باب كبير يؤدي الى النشاط

بعد ذلك المحفل الاممي الذي عُقد في سانت بيترسبرغ،‏ سمحت الهيئة الحاكمة للاخوة بشراء قطعة ارض مناسبة (‏بمساحة ٧ هكتارات)‏ تحوي بعض الابنية القديمة وتقع في قرية سولْنتشْنويي القريبة من المدينة.‏ فقد حان الوقت لبناء بيت ايل في روسيا،‏ وطُلب من فرع فنلندا ان يقدم المساعدة في مشروع البناء.‏ فوصلت في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٩٢ الى سولْنتشْنويي اول مجموعة متطوعين من فنلندا.‏ يتذكر أَوْليس برڠدال،‏ اخ في هذه المجموعة صار لاحقا عضوا في لجنة الفرع:‏ «قبِلنا انا وزوجتي إيڤا-‏ليسا بفرح الدعوة الى المساهمة في بناء بيت ايل في روسيا.‏ كان من الواضح ان يهوه يوجِّه العمل.‏ وقد ساهم اخوتنا من كل انحاء العالم في دعم هذا المشروع».‏

وكان ألف سيدرلوف (‏اخ من فنلندا يشرف على عمل البناء)‏ وزوجته ماريا-‏لينا مصدر دعم لكل الاخوة في ورشة البناء.‏ كما كان اعضاء لجنة فرع فنلندا خير مشجع لهم.‏ وخلال البناء،‏ قام اخوة من المركز الرئيسي في بروكلين بزيارة سولْنتشْنويي.‏ يتذكر أَوْليس:‏ «في سنة ١٩٩٣،‏ قام ملتون هنشل بزيارتنا إثر المحفل الاممي المعقود في موسكو.‏ وكان مصدر تشجيع كبير،‏ سواء في خطاباته امام المتطوعين في الورشة او في محادثاته الفردية معهم».‏

بلغ عدد المتطوعين لبناء بيت ايل نحو ٧٠٠ شخص،‏ وقد اتوا من إسكندينافيا،‏ اوروبا،‏ اميركا،‏ اوستراليا،‏ روسيا،‏ وجمهوريات سوفياتية سابقة اخرى.‏ وبما انهم من حضارات وخلفيات متفاوتة،‏ كانت لديهم اساليب مختلفة في العمل.‏ لكن العمل أُنجز «‹لا بجيش ولا بقوة،‏ بل بروحي›،‏ قال يهوه الجنود»،‏ بحسب زكريا ٤:‏٦‏.‏ حقا،‏ كان يهوه يبني هذا «البيت».‏ (‏مز ١٢٧:‏١‏)‏ وقد تطوَّع اخوة روسيون للقيام بعمل الملكوت.‏ صحيح ان معظمهم حديثو السن وجدد في الحق،‏ لكن كثيرين منهم كانوا قد ابتدأوا بخدمة الفتح.‏ وقد بدوا تواقين ان يتعلموا طريقة البناء السريع العالي الجودة،‏ وكذلك طريقة تنظيم العمل بحسب الترتيب الثيوقراطي.‏

تنظيم العمل

نحو نهاية سنة ١٩٩٣،‏ وصل اعضاء لجنة البلد الروسية الى سولْنتشْنويي.‏ وضم هؤلاء ڤان پاشْكوڤسكي،‏ دمتري ليڤي،‏ ڤاسيلي كالين،‏ ألِكسي ڤرجْبيتسْكي،‏ اناتولي پريبِتْكوڤ،‏ ودمتري فدونيشين.‏ وبعد سنة تقريبا انضم اليهم ميخائيل ساڤيتسكي.‏ وقد اوكلت الهيئة الحاكمة الى هورست هنشل من فرع المانيا مسؤولية مساعدة الاخوة في تنظيم العمل.‏

كان العمل الجائل احد اول الامور التي وجب تنظيمها.‏ وفي البداية،‏ شُكِّلت في البلد خمس دوائر:‏ اثنتان في سانت بيترسبرغ وثلاث في موسكو والمناطق المحيطة.‏ وأول خمسة نظار دوائر كامل الوقت كانوا:‏ ارتور باور وپاڤْيَل بوڠايسكي وروي اوستر في موسكو،‏ وكشيشْتوڤ پوپلاڤسكي وهانو تانينن في سانت بيترسبرغ.‏ وفي وقت لاحق،‏ عُيّن رومان سكيبا ايضا ناظر دائرة.‏ اما ماثيو كيلي من الولايات المتحدة،‏ احد خريجي مدرسة تدريب الخدام لسنة ١٩٩٢،‏ فعُيّن ناظر كورة بدوام جزئي.‏

وعن الزيارات الباكرة لنظار الدوائر في اوائل التسعينات،‏ يتذكر هانو تانينن:‏ «بعثتُ الى احدى الجماعات في مدينة پتروزاڤودسك،‏ جمهورية كاريليا،‏ برسالة حول زيارتي المقبلة لهم.‏ وتطرقتُ في الرسالة الى طريقة عقد الاجتماعات خلال ذلك الاسبوع.‏ وعندما وصلنا انا وزوجتي الى هناك للبدء بالزيارة،‏ التقى بنا شيخ في محطة السكة الحديدية وأخذَنا الى بيته.‏ وهناك اراني الرسالة وقال:‏ ‹تسلّمنا هذه الرسالة منك.‏ ولكن بما اننا لم نفهم ماذا تقصد،‏ قررنا ألا نفعل شيئا وأن ننتظر حتى تأتي وتشرح لنا كل شيء›.‏

‏«خلال الزيارة الدائرية الاولى لمدينة مورْمَنسك،‏ كان هناك ٣٨٥ ناشرا يديرون اكثر من ٠٠٠‏,١ درس في الكتاب المقدس.‏ لكن عدد الذين يدرسون الكتاب المقدس كان في الحقيقة اكبر بكثير،‏ لأن دروسا كثيرة كانت تُعقد مع مجموعات من المهتمين.‏ مثلا،‏ كان لإحدى الفاتحات ١٣ درسا في الكتاب المقدس،‏ غير ان عدد الذين يدرسون معها تجاوز الخمسين!‏

‏«كان تعييننا التالي في اقليمَي ڤولڠوڠراد وروستوڤ.‏ في مدينة ڤولڠوڠراد،‏ التي يزيد عدد سكانها على المليون،‏ لم يكن هناك إلا اربع جماعات.‏ وكان الاخوة متلهفين ليتعلموا كيف يديرون الاجتماعات،‏ يعقدون دروس الكتاب المقدس،‏ ويكرزون من بيت الى بيت.‏ ووجب تشكيل جماعات جديدة في كل زيارة.‏ وعند إعداد تقرير ناظر الدائرة،‏ كنا نحصي عدد الاشخاص الذين اعتمدوا منذ الزيارة السابقة.‏ فنجد ان ٥٠ او ٦٠ او ٨٠ شخصا في كل جماعة اعتمدوا منذ آخر زيارة،‏ حتى ان احدى الجماعات اعتمد فيها اكثر من ١٠٠ شخص!‏ نتيجة لذلك،‏ تشكلت ١٦ جماعة جديدة في المدينة في غضون ثلاث سنوات فقط».‏

في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٦،‏ عُيِّنت لجنة فرع في روسيا.‏ وفي نفس الوقت تم تعيين اول نظار كور كامل الوقت.‏ وكان بينهم رومان سكيبا (‏سيبيريا والشرق الاقصى الروسي)‏،‏ روي اوستر (‏روسيا البيضاء وموسكو وسانت بيترسبرغ وصولا الى جبال الاورال)‏،‏ هانو تانينن ‏(‏القوقاز وصولا الى نهر الڤولڠا)‏،‏ وأرتور باور (‏قازاخستان وآسيا الوسطى)‏.‏ وفي تلك الايام،‏ كان كل نظار الكور يخدمون في دائرة صغيرة اضافةً الى كورتهم.‏

السفر مسافات شاسعة

كان رومان سكيبا احد اول الفاتحين الخصوصيين الذين اتوا من بولندا الى روسيا في اوائل سنة ١٩٩٣.‏ وهو يتذكر قائلا:‏ «في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٣،‏ تلقيت تعيينا للخدمة في العمل الدائري.‏ وقد ضمت دائرتي الاولى كل الجماعات الواقعة في جنوب سانت بيترسبرغ وإقليم پيسكوف وكل روسيا البيضاء.‏ ومع ذلك،‏ لم تكن اكبر دائرة في روسيا.‏ وكان لا بد ان اتعود على السفر مسافات شاسعة.‏ ففي تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٩٥ عُيِّنَتْ لي دائرة في جبال الاورال،‏ كما عُيِّنْتُ ناظر كورة بديلا.‏ وشملت المقاطعة التي اخدمها جبال الاورال وكل سيبيريا والشرق الاقصى الروسي.‏ وقد اجرى احد الاخوة بعض الحسابات،‏ فوجد ان هذه الكورة تعادل ٣٨ بلدا بحجم بولندا!‏ كما انها تضم ثماني مناطق زمنية!‏ وبعد سنتين تقريبا،‏ طلب مني الفرع ان ازور فريقا في اولان باتور عاصمة منغوليا».‏

ويمضي الاخ سكيبا قائلا:‏ «في احدى المرات،‏ كان علينا ان نذهب من مدينة نوريلسك شمال الدائرة القطبية الى مدينة إيكاتيرينبورغ.‏ فاضطررنا ان نقوم برحلتين بالطائرة،‏ الاولى من نوريلسك الى نوڤوسيبرسْك والثانية من نوڤوسيبرسْك الى إيكاتيرينبورغ.‏ لا استطيع ان انسى تلك السَّفرة من كثرة ما كانت طويلة.‏ وإذ تأخرت الرحلة من نوريلسك ١٢ ساعة،‏ قضينا انا وزوجتي ليودميلا يوما في المطار.‏ لكن احد الاوجه الايجابية في المسألة هو اننا تعلمنا القيام بدرسنا الشخصي خلال اسفارنا.‏

‏«كنا احيانا نتأخر عن زيارتنا للجماعة مهما بذلنا من جهد.‏ وفي احدى المرات،‏ كان علينا ان نقود السيارة على طرقات جبلية غير معبَّدة لنصل الى جماعة في قرية اوست-‏كان الجبلية في آلتاي.‏ لكن السيارة تعطلت في الطريق،‏ وبسبب ذلك لم اتأخر فقط عن مراجعة سجلات الجماعة بل ايضا تأخرنا ساعتين عن الاجتماع.‏ فخاب املنا وتوقعنا ألا نجد احدا عندما نصل.‏ ولكن كم كانت دهشتنا كبيرة عندما وجدنا ١٧٥ شخصا بانتظارنا في القاعة المستأجرة،‏ مع ان عدد الناشرين يقل عن ٤٠!‏ فيبدو انه بسبب تأخرنا تمكن كثيرون من المهتمين في القرى الجبلية الاخرى من الوصول الى الاجتماع».‏ *

محافل لا تُنسى

كانت المحافل الكورية تُعقد للمرة الاولى في بعض المدن الكبيرة،‏ وهناك لم يكن لدى الاخوة خبرة بالتحضير لها.‏ وفي سنة ١٩٩٦،‏ اختار الاخوة في إيكاتيرينبورغ ملعبا مناسبا لعقد المحفل الكوري.‏ يذكر رومان سكيبا:‏ «كان العشب ينمو على المدرَّجات وترتفع داخل الملعب اشجار البَتولا بطول مترين.‏ لم يفصلنا عن موعد المحفل سوى ثلاثة اسابيع،‏ كما انه لم يكن في المدينة وضواحيها إلا ثلاث جماعات.‏ لكن مدير الملعب اعرب عن استعداده للتعاون معنا رغم انه لم يفهم كيف سنتمكن من عقد المحفل في ذلك الملعب.‏ فتولى الاخوة العمل،‏ وفي الموعد المحدد كان الملعب يشع نظافةً.‏ فلم يصدّق المدير عينيه!‏».‏ وتعبيرا عن امتنانه،‏ سمح للاخوة ان يعقدوا مدرسة خدمة الفتح في احد ابنية الملعب.‏ يذكر احد الاخوة:‏ «بعد المحفل،‏ صار الملعب يستضيف المباريات الرياضية من جديد.‏ فكان ذلك مصدر دخل للمدينة».‏

في بعض الاحيان لزم الاعراب عن المرونة والاحتمال لعقد المحافل الدائرية والكورية.‏ ففي سنة ١٩٩٩،‏ لم يتمكن الاخوة في مدينة ڤلاديقَفْقاز من استئجار ملعب لعقد محفل دائري يُتوقع ان يحضره ٠٠٠‏,٥ شخص.‏ فسارع الاخوة الى وضع برنامج محفل بديل.‏ فقُدِّم برنامج مختصر ليوم واحد خمس مرات في ڤلاديقَفْقاز،‏ في صالة سينما مستأجرة.‏ ثم عُقد خلال نهاية الاسبوع المحفل الدائري ببرنامجه الكامل الذي يدوم يومين،‏ وذلك في موقعين في مدينة نالتشكيك يبعد احدهما عن الآخر نحو كيلومترين.‏ وكان المحفل في احدى القاعتين يسبق الآخر بساعتين،‏ ما اتاح للخطباء في المحفل الاول الوقت اللازم ليصلوا الى المحفل الثاني.‏ وقد احس بعض النظار الجائلين ان اصواتهم تتلاشى قبل ان ينتهي المحفل.‏ كما ان احد الاخوة قال لاحقا انه ألقى في ذلك الاسبوع ٣٥ خطابا!‏ كل شيء سار على ما يرام حتى وقت متأخر من صباح يوم السبت،‏ حين قوطع البرنامج في احدى القاعتين.‏ فقد دخل القاعة رجال في بزاتهم الرسمية ومعهم كلب،‏ وطلبوا من الجميع إخلاء المبنى على الفور لأسباب تقنية.‏ فحافظ الاخوة والاخوات على هدوئهم كالعادة وغادروا القاعة،‏ ثم اخذوا يتناولون طعام الغداء ويعاشرون بعضهم بعضا خارج المبنى.‏ وقد تبين ان احد المتعصبين الدينيين اتصل بالسلطات وقال لهم ان هنالك قنبلة في المبنى.‏ ففُتِّشت القاعة ولم يُعثر على شيء،‏ فسُمح للاخوة بمتابعة المحفل.‏ وبعد اجراء تعديلات طفيفة على البرنامج،‏ انتهى المحفل بنجاح وحصل الجميع على فرصة الاستفادة من البرنامج.‏

حجارة وتروس وسيوف

كانت بذور الحق تنتشر بسرعة في كل انحاء البلد.‏ تذكر إيا تانينن:‏ «في سنة ١٩٩٨،‏ كنا نستعد للقيام برحلة بالقطار تستغرق ١٥ ساعة بغية الانتقال من محفل كوري الى آخر.‏ فسأل الاخوة ما اذا كان ممكنا ان نأخذ معنا كمية كبيرة من امتعة مسرحية المحفل.‏ وكان في الامر مخاطرة لأننا نعلم ان المفتشين في القطارات لا يروقهم عموما الاشخاص الذين ينقلون امتعة كثيرة.‏ ومع ذلك،‏ بادرنا بمساعدة الاخوة الى نقل حجارة وتروس وسيوف وأكياس مليئة بالالبسة الى مقصورتنا التي تسع اربعة اشخاص.‏ وهناك جلسنا ومعنا كل امتعتنا،‏ وكان راكبان يشاركاننا في المقصورة.‏

‏«عندما اتت المفتشة لتتحقق من البطاقات،‏ سألتنا لماذا نأخذ معنا كل هذه الكمية من الامتعة.‏ فأوضحنا لها ان هذه امتعة مسرحية ستُعرض في المحفل الكوري لشهود يهوه.‏ فكانت لطيفة جدا معنا وأخبرتنا انه قبل فترة قصيرة،‏ حضرت خطابا عاما ألقاه زوجي خلال زيارته لإحدى الجماعات في المنطقة التي تعيش فيها.‏ فشعرنا بمساعدة يهوه في هذه المسألة».‏

مراقِبات الدرس

كان بإمكان الاخوات تعلم الكثير الواحدة من الاخرى.‏ تذكر إيا:‏ «لقد تحلت اخواتنا بكثير من الصبر والتواضع عندما بدأنا بالخدمة في روسيا،‏ لأني لم اكن اتكلم اللغة جيدا.‏ وكنت اتأثر برؤية توقهن الى تعلم طريقة ادارة دروس الكتاب المقدس.‏ فكثيرات كن جديدات في الحق،‏ وبعضهن خدمن تحت الحظر حين لم يكن من الممكن دائما الحصول على الارشاد من هيئة يهوه.‏

‏«خدمنا في بلدة ڤولشكي من سنة ١٩٩٥ الى ١٩٩٦.‏ وعندما كانت اخت تدعوني للذهاب معها الى احد دروسها،‏ غالبا ما كانت اخوات اخريات يطلبن مرافقتنا.‏ في البداية لم افهم السبب،‏ فأوضحن لي انهن يردن ان يرَين ويتعلمن طريقة ادارة دروس الكتاب المقدس.‏ فقلت لهن اذا كانت تلميذة الكتاب المقدس لا تمانع ذلك ولا تشعر بالخجل في حضورهن،‏ فلا بأس ان يأتين.‏ وعموما،‏ كانت ست الى عشر اخوات يأتين الى الدرس لاعتقادهن ان الامر لا يزعج تلميذة الكتاب المقدس؛‏ وكن في ذلك محقات.‏ وبعد بضعة اشهر،‏ رأيت العديد من تلاميذ الكتاب المقدس يعقدون بدورهم دروسا مع اشخاص مهتمين.‏ في ذلك الوقت كانت في ڤولشكي جماعتان.‏ وبعد عشر سنوات،‏ كانت قد تشكلت ١١ جماعة».‏

صلاتها استُجيبت

كان واضحا ان الارشاد الثيوقراطي لم يأتِ بفائدة جزيلة على الاخوة والاخوات الجدد في الحق فحسب،‏ بل ايضا على الذين خدموا يهوه سنوات طويلة تحت الحظر.‏ يذكر هانو تانينن:‏ «في ظروف مختلفة غالبا ما شعرنا بالتوجيه الملائكي وشهدنا احداثا تركت اثرا عميقا فينا.‏ ففي سنة ١٩٩٤ وصلنا الى جماعة جديدة في نوڤڠورود،‏ التي تدعى الآن ڤيليكي نوڤڠورود،‏ وأخذَنا الاخوة الى شقة لنمكث فيها اسبوعا.‏ وكانت في الشقة زائرة تدعى ماريا،‏ وهي اخت مسنة سافرت نحو ٥٠ كيلومترا من اجل هذه المناسبة.‏ وقد ارادت هذه الاخت،‏ التي اعتنقت الحق قبل ٥٠ سنة،‏ ان تلتقي احد اول نظار الدوائر الذين خدموا بعد الحظر.‏ ولما سألناها كيف تعرفت بالحق،‏ اخبرتنا انه عندما كانت في الـ‍ ١٧ من العمر،‏ أُخذت الى احد معسكرات الاعتقال في المانيا حيث التقت شهود يهوه.‏ فقبلت الحق واعتمدت في المعسكر على يد اخت من الممسوحين.‏ ثم أُطلق سراحها،‏ فعادت الى روسيا لتكرز ببشارة الملكوت.‏ وبعد فترة من الوقت اعتُقلت وسُجنت بسبب نشاطاتها الكرازية.‏ وقد قضت سنوات كثيرة في معسكرات العمل الالزامي السوفياتية.‏

‏«عندما انتهت من سرد قصتها،‏ تأثرنا حين سمعنا هذه الاخت المتواضعة تقول انها كانت تصلي الى يهوه طوال الاسابيع القليلة الماضية وتطلب منه ان يُظهر لها هل يوجد اي خطإ في عبادتها له.‏ وفي وقت لاحق من ذلك المساء،‏ قلت لها ان مقالة «اسئلة من القراء» في مجلة برج المراقبة تناولت قبل وقت طويل مسألة معينة،‏ وذكرَت انه لكي تكون المعمودية صحيحة يلزم ان يجريها اخ مسيحي.‏ عندئذ شكرتني ماريا كثيرا،‏ اذ شعرت ان ذلك استجابة لصلواتها.‏ وكانت مسرورة جدا حين اعتمدت في حوض استحمام،‏ بعد مرور خمسين سنة على انتذارها سنة ١٩٤٤».‏

توزيع الطعام الروحي على ١١ منطقة زمنية

ابتداءً من اول سنة ١٩٩١،‏ كانت المطبوعات ترسَل في طرود بريدية صغيرة الى روسيا من المانيا او فنلندا.‏ وفي تموز (‏يوليو)‏ ١٩٩٣،‏ وصلت الى سولْنتشْنويي اول شاحنة من المانيا تحمل ٢٠ طنا من المطبوعات.‏ وبدأت شاحنات من فرع روسيا تنقل المطبوعات الى موسكو وروسيا البيضاء وقازاخستان.‏ ولم يكن الامر يخلو من الصعوبات.‏ فلإرسال المطبوعات الى قازاخستان مثلا،‏ لزم ان يقطع الاخوة مسافة ٠٠٠‏,٥ كيلومتر ذهابا.‏ فضلا عن ذلك،‏ كان يحصل تأخير عند الحدود،‏ وكثيرا ما علقت الشاحنات في اكوام الثلج خلال الشتاء.‏

يصل الى سولْنتشْنويي حاليا نحو ٢٠٠ طن من المطبوعات كل شهر.‏ وينتهز سائقو بيت ايل كل فرصة لتقديم الشهادة الى حراس الحدود او موظفي الجمارك.‏ وبعض هؤلاء يتمتعون بقراءة مطبوعات الكتاب المقدس.‏ وعندما كان شرطي يتحقق من احدى شاحنات بيت ايل،‏ ادرك انها تابعة لهيئة دينية،‏ فرفع صوته مشهّرا بالدين بشكل عام.‏ وروى كيف ان احد الكهنة شتمه لدى ايقافه اياه بسبب ارتكابه مخالفة خطيرة لقوانين السير.‏ فشرح له الاخوة كيف يعامل اللّٰه الناس وما هو قصده نحو الارض والبشر.‏ عندئذ تغيّرت نبرة صوت الشرطي وصار ودودا.‏ كما انه بدأ يطرح الاسئلة،‏ فأخرج الاخوة كتبهم المقدسة وأجروا معه مناقشة بناءة.‏ وقد تأثر الشرطي جدا،‏ حتى انه قال:‏ «سأفتش عن الشهود حتى اتابع هذه المحادثة معهم».‏

من سنة ١٩٩٥ الى ٢٠٠١،‏ كان فرع اليابان يتولى تسليم المطبوعات الى الجماعات الواقعة في ڤلاديڤوستوك،‏ في الشرق الاقصى الروسي.‏ ومن هناك كان الاخوة يرسلون المطبوعات بحرا الى الجماعات في كامتشاتكا.‏ وقد تعرّف الاخوة في ڤلاديڤوستوك الى ربابنة بعض السفن التي تبحر الى كامتشاتكا.‏ ووافق احدهم على وضع مطبوعاتنا في قمرته وشحنها مجانا،‏ حتى انه كان يشارك في نقل المطبوعات الى سفينته.‏ وقد اوضح للاخوة قائلا:‏ «صحيح اني شخص غير مؤمن،‏ لكني اريد ان افعل خيرا.‏ انتم تعجبونني،‏ وطريقتكم في التنظيم تروقني.‏ فعندما اصل الى نقطة التسليم،‏ لا اكون مضطرا الى الانتظار طويلا حتى يتم تفريغ المطبوعات.‏ فأنتم مثل الطيور:‏ ما إن تصل صناديق المطبوعات حتى تنقضّوا عليها وتأخذوها في لمحة بصر».‏

حاجة تنشأ من جراء النمو

طوال سنوات كثيرة،‏ كانت الطبعة الروسية لمجلة برج المراقبة تصدر شهريا في ١٦ صفحة وتُطبع على ورق اكبر قليلا من الورق المستعمل حاليا.‏ وكانت كل مقالات الدرس تُترجم الى الروسية وتُجعل في متناول الاخوة في الاتحاد السوفياتي،‏ ولكنها تصدر بعد صدورها بالانكليزية بوقت طويل يتراوح بين ٦ اشهر وسنتين.‏ اما المقالات الثانوية فكانت تصدر بعد فترة اطول.‏ ولكن ابتداء من سنة ١٩٨١،‏ صارت الطبعة الروسية من مجلة برج المراقبة تصدر شهريا في ٢٤ صفحة،‏ ومنذ سنة ١٩٨٥ صارت نصف شهرية.‏ وكان عدد ١ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٩٠ اول عدد يصدر في وقت واحد مع الطبعة الانكليزية،‏ بالالوان،‏ وفي ٣٢ صفحة.‏

تذكر تانيا،‏ وهي واحدة من المترجمين:‏ «عندما اعود بالذاكرة الى الماضي،‏ ادرك ان الكثير مما ترجمناه وطبعناه في ذلك الوقت لم يستوفِ شروط الترجمة بأسلوب سهل الفهم خالٍ من التكلف.‏ لكن ذلك كان افضل ما عندنا في ظل الاوضاع السائدة آنذاك.‏ كما انه كان الطعام الذي يتوق اليه الجياع روحيا».‏

بفضل انفتاح الباب للعمل في بلدان الاتحاد السوفياتي السابق،‏ صار بالامكان توزيع مطبوعاتنا على نطاق واسع.‏ وكان المترجمون الروس العاملون في المانيا يتلهفون لنيل المساعدة.‏ وقد ساهم تطوران جديدان في تحسين نوعية الترجمة.‏ الاول هو تمكُّن عدة اخوة وأخوات من روسيا وأوكرانيا من الذهاب الى فرع المانيا للتدرب على الترجمة،‏ مما افرحهم كثيرا.‏ وقد وصل خمسة منهم الى هناك في ٢٧ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٩١،‏ انما لينضم اليهم آخرون في ما بعد.‏ فبدأت اعادة تنظيم فريق الترجمة الروسي،‏ الامر الذي لم يخلُ من صعوبات.‏ ‹فالخشب والحجارة› لم تتحول فورا الى «ذهب»،‏ بل مرت بكل المراحل المذكورة في اشعيا ٦٠:‏١٧‏.‏

التطور الثاني هو ان المترجمين الروس بدأوا يستفيدون من العمل الذي يقوم به قسم خدمات الترجمة المشكل حديثا.‏ وقد عُقدت حلقة دراسية للمترجمين في فرع المانيا نحو الوقت الذي وصلت فيه اول مجموعة من الاخوة والاخوات من روسيا الى زلترس في المانيا.‏

من المستحسن عموما ان تُجرى الترجمة في بلد يتكلم سكانه باللغة المترجَم اليها.‏ لذلك كانت الحماسة شديدة حين غادر فريق المترجمين الروس فرع المانيا في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٤ ليقيموا في بيت ايل في سولْنتشْنويي الذي كان آنذاك قيد الانشاء.‏

طبعا،‏ لم يكن من السهل عليهم الانفصال عن اشخاص استمروا طوال عقود يترجمون المطبوعات سرا من اجل اخوتهم وراء الستار الحديدي لكنّ ظروفهم لم تسمح لهم بالرحيل مع المترجمين الروس.‏ ويوم الاحد في ٢٣ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٤،‏ رحلت عن زلترس بعد نحيب وعناق تلك المجموعة المؤلفة من ١٧ اخا وأختا،‏ مع اخوَين آخرَين عُيِّنا فاتحَين خصوصيَّين.‏

‏«بالنسبة الى المريض،‏ انا اللّٰه»‏

طوال سنوات كثيرة،‏ كان الاطباء والعاملون في الحقل الطبي في روسيا يستندون الى علومهم الالحادية والانتشار الواسع لاستعمال الدم في الطب السوفياتي عند الحكم على معتقدات مرضاهم الدينية.‏ لذلك كان الاطباء يحتارون او حتى يتصرفون بفظاظة حين يطلب الشهود المحتاجون الى الرعاية الصحية ان تتم معالجتهم دون نقل دم.‏

حتى ان الاطباء كثيرا ما كانوا يقولون:‏ «هنا،‏ انا اللّٰه بالنسبة الى المريض».‏ وإذا لم يوافق المريض على ما يقوله الطبيب،‏ كان يعرّض نفسه للطرد الفوري من المستشفى.‏ وغالبا ما استخدم المقاومون موقف الشهود المؤسس على الكتاب المقدس من نقل الدم لحظر عملنا في روسيا.‏

في سنة ١٩٩٥،‏ بدأ مكتب معلومات المستشفيات في فرع روسيا يعمل على تزويد الاخصائيين في الطب بمعلومات دقيقة حول موقف شهود يهوه.‏ وعُقدت عدة حلقات دراسية لتعليم الشيوخ في اكثر من ٦٠ لجنة اتصال بالمستشفيات كيف يزودون الاطباء والاخصائيين في الطب بالمعلومات اللازمة،‏ وكيف يجدون الاطباء الذين يوافقون على معالجة الشهود دون نقل دم.‏

وفي سنة ١٩٩٨،‏ عقد الاطباء الروسيون وزملاؤهم الاجانب مؤتمرا دوليا في موسكو بعنوان «بدائل لنقل الدم في الجراحة»،‏ وكان الاول من نوعه في روسيا.‏ وقد حضر المؤتمر اكثر من ٥٠٠ طبيب من اقطار عديدة في روسيا.‏ وبين سنة ١٩٩٨ و ٢٠٠٢،‏ نال الاطباء الروس الخبرة الكافية لعقد كثير من المؤتمرات المماثلة في عدد من المدن الروسية الرئيسية.‏ وقد نجمت عن هذه المؤتمرات نتائج جيدة.‏

وفي رسالة رسمية الى المحامين الذين يدافعون عن حقوق المرضى الشهود،‏ ذكر الدكتور أ.‏ إ.‏ ڤوروبيوف،‏ وزير صحة سابق كان مسؤولا عن الاختصاصيين في الدم في روسيا الاتحادية،‏ انه نتيجةً لقيام الاطباء بإعادة النظر في عمليات نقل الدم،‏ «انخفض معدل وفيات النساء اللواتي يلدن في بلدنا بنسبة ٣٤ في المئة».‏ ثم اضاف قائلا:‏ «قبل ذلك،‏ كان جهازنا الطبي يسجل معدل وفيات اعلى بثماني مرات من معدل وفيات النساء اللواتي يلدن في اوروبا،‏ وذلك لأن القابلات هنا ينقلن الدم الى الامهات دون حاجة اليه».‏

وفي سنة ٢٠٠١،‏ ارسلت وزارة الصحة في روسيا الاتحادية مجموعة من الارشادات الى المؤسسات الطبية في كل انحاء البلد.‏ وقد نصت الارشادات على انه من واجب الطبيب ان يحترم قرار المريض الذي يرفض نقل الدم لأسباب دينية.‏ وفي سنة ٢٠٠٢ اصدرت وزارة الصحة الروسية إرشادات حول استعمال مكوِّنات الدم.‏ وقد ذكرت هذه الارشادات بالتحديد انه لا يُسمح بنقل الدم الى المريض إلا بعد موافقته خطيا.‏ كما اشارت الى انه في حال رفض المرضى نقل مكوِّنات للدم اليهم لأسباب دينية،‏ يلزم اعتماد وسائل بديلة للعلاج.‏

كثيرون من الاطباء غيّروا موقفهم من استعمال الدم بعدما عملوا مع ممثلي مكتب معلومات المستشفيات.‏ وقال احد الجراحين لهم:‏ «كنت اسمع من المرضى [الشهود] ومنكم ان رفضكم نقل الدم ليس اعتباطا بل هو قائم على وصية من الكتاب المقدس.‏ فقررت التحقق من الامر.‏ لذا قرأت كل آيات الكتاب المقدس الواردة في المواد التي اعطيتموني.‏ وبعد التفكير في الموضوع،‏ توصلت الى الاستنتاج ان موقفكم يعتمد فعلا على الكتاب المقدس،‏ ولا اعرف لماذا لا يقول كهنتنا شيئا عن هذه المسألة.‏ وهكذا عندما يدور نقاش حول هذا الموضوع،‏ صرت اقول للاطباء الآخرين ان الشهود هم الذين يتبعون الكتاب المقدس».‏ ويوجد اليوم في روسيا اكثر من ٠٠٠‏,٢ طبيب يزوِّدون المرضى الشهود بالعلاج الطبي دون دم.‏

يخدمان بفرح في تعيينهما

يخدم آرنو وزونيا تونڠلر،‏ المتخرجان من مدرسة جلعاد الفرعية بألمانيا،‏ في مختلف المدن الروسية منذ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٣.‏ فكيف كان عمل يهوه يتقدم في المقاطعات التي خدما فيها؟‏ لندعهما يرويان لنا اختباراتهما.‏

آرنو:‏ «بعد اسابيع قليلة من وصولنا الى تعييننا في موسكو،‏ قدمنا موضوعينا الاولين في مدرسة الخدمة الثيوقراطية.‏ وألقيت اول خطاب لي في محفل بعد مضي ستة اسابيع على وجودنا في روسيا.‏ لقد عُيِّنّا في جماعة مؤلفة من نحو ١٤٠ ناشرا معتمدا،‏ وكانت مقاطعة الجماعة بحجم دائرة في المانيا.‏ وأول مقاطعة لنا كانت بالقرب من بيت الفاتحين الذي اقمنا فيه.‏ وكم شعرنا بالاثارة لكوننا اول الشهود الذين يكرزون هناك من باب الى باب!‏».‏

زونيا:‏ «رغم اننا لم نتكلم الروسية،‏ شهدنا احيانا بمفردنا في الشوارع،‏ حيث تحدثنا الى الناس ووزعنا عليهم النشرات والمطبوعات.‏ وكان الاخوة والاخوات المحليون خير معين لنا،‏ ولم نلاقِ صعوبة في اخذ المواعيد للذهاب معهم في خدمة الحقل.‏ وكانوا ايضا لطفاء وصبورين جدا،‏ ولم ينزعجوا منا حين تكلمنا الروسية بغير إتقان.‏ كما كان اصحاب البيوت صبورين جدا معنا.‏ فقد صار الناس يهتمون كثيرا بالدين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي».‏

آرنو:‏ «احد الامور التي ساعدتنا كثيرا على تعلم اللغة الروسية هو الاشتراك في الخدمة من باب الى باب وعقد الدروس في الكتاب المقدس.‏ ففي كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٤،‏ وهو شهرنا الرابع في روسيا،‏ كنا ندير ٢٢ درسا في الكتاب المقدس.‏ وهكذا سنحت لنا فرص كثيرة لسماع وتكلم اللغة الروسية المتداولة بين الناس.‏

‏«في ذلك الوقت كانت اعداد كبيرة من الاشخاص يعتمدون في المحافل،‏ اذ بلغت نسبة المعتمدين ١٠ في المئة او اكثر من الحاضرين.‏ ولم يكن في كل الجماعات عدد كاف من الاخوة المؤهلين ليسدوا الحاجة الى شيوخ وخدام مساعدين.‏ حتى ان احد الشيوخ كان الناظر المشرف لخمس جماعات!‏ وذات مرة طلب مني ان ألقي خطاب الذكرى في احدى هذه الجماعات.‏ فإذا بعدد الحضور يبلغ ٨٠٤ اشخاص،‏ وكان عليهم ان يغادروا القاعة فور انتهاء الخطاب لأن جماعة اخرى ستجتمع هناك.‏ ولكن بما ان الخطيب الذي سيلقي الخطاب الثاني وقع له حادث سير في طريقه الى القاعة ولم يستطع الوصول على الوقت،‏ اضطررت الى إلقاء الخطاب ثانية.‏ وهذه المرة حضر ٧٩٦ شخصا!‏ وهكذا بلغ عدد حضور الذكرى لجماعتين فقط ٦٠٠‏,١ شخص،‏ مما يدل على اهتمام شديد بالحق ابداه الناس في ذلك الوقت».‏

يهوه ‹يُسرع› بالحصاد

وعد يهوه في كلمته بأنه سوف ‹يُسرع› بتجميع ‹نفائسه›.‏ (‏اش ٦٠:‏٢٢؛‏ حج ٢:‏٧‏)‏ وقد انطبق ذلك على عدد الناشرين في سانت بيترسبرغ.‏ ففي سنة ١٩٨٠،‏ كان هناك ٦٥ ناشرا يخبرون سكان المدينة بأمور من الكتاب المقدس رغم المراقبة الدقيقة للمخابرات السوفياتية.‏ وبحلول سنة ١٩٩٠،‏ كان اكثر من ١٧٠ ناشرا يقدمون شهادة غير رسمية في الشوارع في مختلف انحاء المدينة.‏ وفي آذار (‏مارس)‏ ١٩٩١ جرى تسجيل نشاطات الشهود في روسيا،‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى صارت في تلك المدينة خمس جماعات نشيطة.‏ وحدث نمو سريع على اثر المحفل الاممي الذي عُقد في سانت بيترسبرغ سنة ١٩٩٢ والمناسبات الثيوقراطية الاخرى.‏ وكانت النتيجة ان عدد الجماعات النشيطة في سانت بيترسبرغ فاق السبعين سنة ٢٠٠٦.‏

في سنة ١٩٩٥،‏ كان هنالك جماعة واحدة فقط في أستراخان غير البعيدة عن الحدود مع قازاخستان.‏ ولم يكن في الجماعة شيوخ ولا خدام مساعدون.‏ ومع ذلك،‏ تمكن الاخوة من عقد محفل دائري ويوم محفل خصوصي.‏ اما الخطابات فقد ألقاها شيوخ اتوا من كابَردينو بَلكاريا بعدما قطعوا مسافة تزيد على ٧٠٠ كيلومتر.‏ ولم يكن هؤلاء الاخوة يعرفون كم شخصا سيعتمد في هذين المحفلين.‏ يذكر رومان سكيبا:‏ «وصلنا انا وشيخ آخر الى المدينة قبل اسبوعين من تاريخ عقد المحفل لكي نذهب في الخدمة مع الجماعة ونراجع الاسئلة مع الذين يريدون ان يعتمدوا.‏ ولكن ما حدث هو انه لم يكن لدينا اي وقت للذهاب في الخدمة.‏ فكل وقتنا خُصص للمناقشات مع مرشحي المعمودية العشرين».‏

وفي سنة ١٩٩٩،‏ دعا الاخوة في إيكاتيرينبورغ عدة تجار من احد الاسواق الى الذكرى.‏ فسأل التجار ما اذا كان بإمكانهم دعوة اصدقائهم ايضا.‏ وكم فوجئ الشهود حين اتى نحو ١٠٠ شخص الى القاعة!‏ وقد اضطر البعض الى الوقوف مع ان القاعة المستأجرة كانت كبيرة.‏

كل درس يضم خمسين شخصا

بدأ النشاط الكرازي في اقليم إيڤانوڤو،‏ غير البعيد عن موسكو،‏ في اواخر سنة ١٩٩١ حين انتقل پاڤْيَل وأناستازيا ديموڤ الى تلك المنطقة.‏ وكانت امامهما مهمة صعبة:‏ الكرازة في مقاطعة يزيد عدد سكانها على المليون.‏ فكيف يبدآن؟‏ قرر پاڤْيَل وأناستازيا اعتماد طريقة سهلة وفعالة هي استخدام كشك للمطبوعات.‏ فوضعا كشكا في الساحة الرئيسية للمدينة وعرضا فيه كراسات ومجلات وكتبا.‏ وكثيرون من المارة الذين كانوا يتوقفون هناك اعربوا عن اهتمام فعلي.‏ وقد دعي كل المهتمين بالحق الى اجتماع لدرس الكتاب المقدس.‏ وهذه الاجتماعات كانت بعيدة كل البعد عن الدروس البيتية في الكتاب المقدس،‏ وذلك لأنها تُعقد في قاعات مستأجرة وعدد الحضور يصل الى ٥٠ شخصا.‏ وكانت الدروس تشبه الاجتماعات وتُقسم الى قسمين.‏ في القسم الاول كان يناقَش كتاب يمكنكم ان تحيوا الى الابد في الفردوس على الارض،‏ وتُدرَس في القسم الثاني مقالة من برج المراقبة.‏ عُقدت هذه الدروس ثلاث مرات في الاسبوع،‏ ودام كل درس ثلاث ساعات.‏ عُقدت ثلاثة من اجتماعات الدرس هذه في انحاء مختلفة من المدينة.‏ وكان پاڤْيَل يكتب دائما في تقريره انه يدير ثلاثة دروس في الكتاب المقدس.‏ وعندما سُئل لماذا يدير هذا العدد القليل من الدروس في حين ان معظم الناشرين يعقدون من ١٠ الى ٢٠ درسا،‏ قال ان نحو ٥٠ شخصا مهتما يحضرون كل درس!‏ وكان واضحا ان يهوه يبارك هذا الترتيب لأن كثيرين ممن يحضرون الدروس عبّروا بعد وقت قصير عن رغبتهم في إخبار الآخرين بالبشارة.‏ لذلك اعلن پاڤْيَل بعد انتهاء احد الدروس انه بإمكان الراغبين في الصيرورة ناشرين ان يبقوا.‏ فلم يغادر احد،‏ وصار الجميع ناشرين.‏ وازداد عدد اكشاك المطبوعات في المدينة،‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى امتلأ العديد من الاكشاك في ساحات المدينة ومنتزهاتها بالمطبوعات.‏

كان الوقت قد حان للانتقال الى شكل آخر من اشكال الخدمة:‏ الكرازة من باب الى باب.‏ ولكن كيف يمكن البدء بذلك ولا احد تقريبا من الناشرين انخرط قبلا في هذا الشكل من الخدمة؟‏ كان الراغبون في تعلم طريقة الكرازة من بيت الى بيت يرافقون الاخ والاخت ديموڤ في الخدمة.‏ وغالبا ما كان عدد الناشرين الراغبين في التعلم كبيرا.‏ ففي بعض الاحيان،‏ كان عشرة ناشرين يرافقون پاڤْيَل في الخدمة على الابواب!‏ والمدهش ان ذلك لم يُخف اصحاب البيوت،‏ بل سرهم ان يتحدثوا الى مجموعة.‏ حتى ان بعضهم دعا الجميع للدخول الى الشقة.‏

سرعان ما عبّر الناشرون الجدد عن لهفتهم الى الكرازة خارج مدينة إيڤانوڤو،‏ فنُظمت رحلات الى مدن اخرى في اقليم إيڤانوڤو.‏ وكانت مجموعات من ٥٠ شخصا تركب القطار،‏ فيبدأ الناشرون بالكرازة وهم في طريقهم الى المكان المقصود،‏ وبعد وصولهم كانوا ينقسمون ازواجا.‏ وخلال الكرازة في المباني السكنية،‏ كان الناس يُدعون الى اجتماع يُعقد في نفس الليلة.‏ وأثناء ذلك الاجتماع عرض الاخوة افلام فيديو انتجها شهود يهوه،‏ بالاضافة الى إلقاء خطاب.‏ وبعد الاجتماع كان يُعرض على جميع الحاضرين درس بيتي في الكتاب المقدس،‏ وكان الراغبون في الدرس يعطون عناوينهم للاخوة.‏ بفضل هذه النشاطات،‏ تشكلت جماعات في كل مدينة من مدن اقليم إيڤانوڤو،‏ وقد وصل عدد الجماعات في بعض مدنه الى خمس.‏

في سنة ١٩٩٤،‏ بلغ عدد الناشرين في مدينة إيڤانوڤو وحدها ١٢٥ ناشرا،‏ وحضر الذكرى ٠٠٨‏,١ اشخاص.‏ وفي تلك السنة عينها،‏ اعتمد ٦٢ شخصا من إيڤانوڤو في المحفل الكوري:‏ جماعة جديدة في يوم واحد!‏ ويوجد اليوم في اقليم إيڤانوڤو ٨٠٠‏,١ منادٍ بالملكوت مشغولون بعمل الرب.‏

الاجتماع رغم المقاومة

لم يكن سهلا في عدد من المدن الحصول على اذن لاستعمال المدارج لعقد المحافل.‏ مثلا،‏ نظم المقاومون المدعومون من رجال الدين في نوڤوسيبرسْك تظاهرة امام مدخل المدرَّج الذي كان المحفل يُعقد فيه.‏ وقد ورد في احدى اللافتات التي رفعها المقاومون:‏ «احذروا من شهود يهوه».‏ لكن المتظاهرين لم يلاحظوا ان الحرفين الاخيرين من الكلمة الاولى في اللافتة ليسا واضحين،‏ لذا كان الناظر الى اللافتة يقرأ:‏ «انتبهوا لشهود يهوه».‏

في سنة ١٩٩٨،‏ واجه الاخوة بعض المشاكل عندما حاولوا عقد محفل دائري في أومْسك.‏ فبضغط من المقاومين،‏ وفي آخر لحظة،‏ اجبرت السلطات المحلية مدير القاعة على إلغاء عقد الايجار مع الشهود.‏ فتجمع مئات الاشخاص الواصلين لحضور المحفل الى جانب القاعة.‏ فخاف المدير على نفسه وعلى القاعة،‏ وبدأ يتوسل الى الاخوة بأن يطلبوا منهم عدم اللجوء الى العنف.‏ فهدَّأ الاخوة روعه وقالوا له انه لا احد هناك يرفع يده على احد.‏ وأخذ المندوبون يلتقطون بهدوء صور بعضهم بعضا استذكارا للمناسبة ثم انصرفوا.‏ فاقتنع المدير بأن شهود يهوه هم شعب مسالم.‏ وبعد اسبوعين،‏ عُقد المحفل في قاعة اخرى.‏ ولم يعلم المقاومون بالمحفل إلا متأخرين،‏ ولما جاءوا لإيقافه كان البرنامج يقترب من نهايته.‏

محفل «تحت النجوم»‏

تقرَّر ان يُعقد بين ٢٢ و ٢٤ آب (‏اغسطس)‏ ٢٠٠٣ محفل كوري بلغة الاشارات في مدينة ستاڤروپول بالقوقاز.‏ وأتى مندوبون من ٧٠ مدينة في روسيا.‏ ولكن كاد هذا المحفل يلغى بسبب المقاومة الشديدة من الهيئة الادارية للمدينة،‏ اذ ألغى مدير القاعة عقد الايجار في اليوم الذي سبق المحفل.‏ غير ان الاخوة تمكنوا يوم الجمعة في ٢٢ آب (‏اغسطس)‏ من عقد اتفاق مع ادارة سيرك سُمح لهم بموجبه باستخدام مبنى السيرك لعقد المحفل.‏

بدأ البرنامج الساعة ٠٠:‏٣ بعد الظهر،‏ ولكن ما إن انتهت الاستراحة حتى انقطعت الكهرباء عن المبنى بشكل مفاجئ.‏ فانتظر المندوبون بصبر في مقاعدهم،‏ وبعد ساعة عادت الكهرباء واستُؤنف البرنامج الذي انتهى الساعة ٣٠:‏٩ مساء.‏

بدأ اليوم الثاني للمحفل بانقطاع التيار الكهربائي الساعة ٣٠:‏٩ صباحا.‏ وبعد وقت قصير انقطع الماء ايضا.‏ فكيف كان الاخوة سيكملون برنامج المحفل بدون ماء ولا اضاءة؟‏ عند الساعة ٥٠:‏١٠ قبل الظهر،‏ قررت لجنة المحفل فتح كل ابواب المبنى لأن الجو كان مشمسا ومشرقا في الخارج.‏ ولإدخال الضوء اتى الاخوة بفكرة ذكية،‏ فأخرجوا مرايا كبيرة الى الشارع لتعكس ضوء الشمس الى داخل القاعة وتحديدا على الخطيب،‏ وهكذا صار بإمكان الحضور رؤية الخطيب.‏ ولكن سرعان ما تبين ان الضوء الساطع يبهر الخطيب فيعجز عن رؤية ملاحظاته.‏ لذا استعمل الاخوة مرايا اخرى ووجّهوا ضوء الشمس الى كرة كبيرة ذات مرايا صغيرة متدلية من قبة المبنى.‏ وهكذا امتلأ مبنى السيرك بالكثير من الاضواء المتلألئة،‏ وصار بإمكان الخطيب والحضور التركيز على البرنامج.‏ وكان هذا محفلا فريدا عُقد «تحت النجوم»،‏ على حد وصف المندوبين لبقع الضوء الكثيرة المتلألئة في مبنى السيرك المظلم.‏

بعد وقت قصير وصل العمدة وعدد من المسؤولين الى المبنى.‏ ودهشوا لما رأوا الشهود مستمرين في عقد محفلهم.‏ وأكثر ما اثار اعجابهم هو سلوك مندوبي المحفل.‏ فلا احد منهم اعترض او احتج،‏ بل كان الجميع يركزون انتباههم الى المنصة.‏ وقد تأثر رئيس الشرطة،‏ الذي كان قبلا معاديا للشهود،‏ بما رآه حتى انه قال:‏ «انا معكم بقلبي وروحي،‏ لكننا نعيش في عالم لا يحبكم».‏

غادر المسؤولون،‏ وعادت الكهرباء بعد وقت قصير الى المبنى.‏ ومع ان المحفل انتهى في اليومين الاولين في وقت متأخر،‏ لازم المندوبون اماكنهم حتى الصلاة الختامية.‏ وعلى الرغم من المقاومة،‏ استمر عدد المندوبين يرتفع،‏ من ٤٩٤ يوم الجمعة الى ٥٣٥ يوم السبت و ٦١١ يوم الاحد.‏ وفي الصلاة الختامية،‏ وُجهت كلمات شكر عميق الى يهوه لسماحه بعقد هذا المحفل الرائع.‏ ثم انصرف المندوبون فرحين،‏ وهم اكثر تصميما على خدمة ابيهم السماوي وتسبيح اسمه.‏

الصم يسبحون يهوه

كان عدد من الصم بين آلاف المندوبين الذين اتوا من الاتحاد السوفياتي لحضور المحفل الخصوصي في بولندا سنة ١٩٩٠.‏ وبعد نيل التشجيع الروحي في المحفل،‏ صار هؤلاء «الزارعون» الاولون من الصم يبذلون قصارى جهدهم في الكرازة.‏ وقد اصبح واضحا في سنة ١٩٩٢ ان هذا الجزء من الحقل قد ابيضَّ للحصاد وأن ‹الحصاد كثير›.‏ (‏مت ٩:‏٣٧‏)‏ وفي سنة ١٩٩٧،‏ تشكلت اول جماعة بلغة الاشارات،‏ كما انتشرت فرق كثيرة بلغة الاشارات في انحاء البلد.‏ وفي سنة ٢٠٠٢ تشكلت دائرة بلغة الاشارات،‏ وهي اكبر دائرة في العالم من حيث المساحة.‏ وفي سنة ٢٠٠٦ كانت نسبة الناشرين الى السكان ١ الى ٣٠٠ بين الصم في البلد،‏ فيما بلغت ١ الى ١٠٠٠ بين غير الصم.‏

ونشأت حاجة الى ترجمات جيدة لمطبوعاتنا بلغة الاشارات.‏ وقد بدأ فرع روسيا بترجمة المطبوعات الى لغة الاشارات سنة ١٩٩٧.‏ تقول يفدوكيا،‏ احدى الاخوات الصم في فريق الترجمة بلغة الاشارات:‏ «انه امتياز كبير لي ان اخدم في بيت ايل وأترجم مطبوعاتنا الى لغة الاشارات.‏ والناس في العالم لا يأتمنون الصم على شيء،‏ وهم يعتبرونهم ادنى مقاما.‏ اما في هيئة اللّٰه،‏ فكل شيء مختلف.‏ اولا،‏ أعتقد ان يهوه نفسه يأتمننا نحن الصم على ايصال الحق بلغتنا.‏ وثانيا،‏ نشعر بين شعب يهوه بالثقة،‏ ونحن سعداء جدا لأننا جزء من هذه العائلة الكبيرة».‏

البشارة بكل لسان

مع ان الروسية كانت لغة التجارة والتعليم الرئيسية في الاتحاد السوفياتي،‏ يُنطق هناك ايضا بنحو ١٥٠ لغة اخرى.‏ وفي سنة ١٩٩١،‏ بعد تفكك الاتحاد السوفياتي الى ١٥ بلدا،‏ صار لدى كثيرين ممن يتكلمون هذه اللغات اهتمام بالحق،‏ وخصوصا في البلدان المستقلة حديثا.‏ وانسجاما مع الرؤيا ١٤:‏٦‏،‏ تركزت الجهود على ايصال الرسالة الى اناس من «كل أمة وقبيلة ولسان وشعب» داخل هذه المقاطعة الشاسعة.‏ لذا لزم اصدار برج المراقبة بـ‍ ١٤ لغة جديدة في مقاطعة فرع روسيا لتوفير الطعام الروحي لعشرات الآلاف من التلاميذ الجدد.‏ ولتسهيل نشر البشارة،‏ يشرف مكتب فرع روسيا على ترجمة المطبوعات بأكثر من ٤٠ لغة،‏ وهذا ما يجعل حق الكتاب المقدس يمس القلوب بشكل اسرع وأعمق من ذي قبل.‏

يُنطق بمعظم هذه اللغات في روسيا الاتحادية.‏ مثلا،‏ تُسمع اللغة الاوسيشية في شوارع بيسلان وڤلاديقَفْقاز،‏ واللغة البورياتية القريبة من المنغولية في المنطقة التي تحيط ببحيرة بَيكال،‏ واللغة الياقوتية (‏احدى اللغات الآلتائية-‏التوركية)‏ بين رعاة الرنة والسكان الآخرين في الشرق الاقصى الروسي،‏ اضافة الى نحو ٣٠ لغة اخرى في القوقاز.‏ وتُعتبر التترية اوسع المجموعات اللغوية انتشارا في روسيا بعد اللغة الروسية اذ ينطق بها اكثر من خمسة ملايين شخص،‏ وخصوصا في المنطقة المعروفة باسم تتارستان.‏

غالبا ما يفضّل الناطقون بالتترية قراءة المطبوعات بلغتهم،‏ مع ان قليلين يقبلون المطبوعات بالروسية.‏ وخلال حملة اخبار الملكوت رقم ٣٥،‏ تلقت امرأة تعيش في منطقة ريفية نسخة من اخبار الملكوت وكتبت رسالة تطلب فيها نسخة من كراسة ماذا يطلب؟‏ بالتترية.‏ فأرسلت اخت اليها كراسة ورسالة،‏ وردَّت عليها المرأة برسالة حماسية من ثماني صفحات.‏ وبعد وقت قصير بدأت تدرس الكتاب المقدس باستعمال المطبوعات المتوفرة بالتترية.‏ كما ان رجلا حصل على كراسة هل يهتم؟‏ بالتترية قال انها ساعدته على رؤية احوال العالم بمنظار مختلف.‏ وما كان ممكنا تحقيق هذه النتائج لولا المطبوعات المتوفرة بالتترية.‏

حصلت امرأة تتكلم المارية على اخبار الملكوت رقم ٣٥.‏ وبعد ان قرأتها،‏ ارادت ان تعرف المزيد،‏ ولكن لا يوجد احد من شهود يهوه في المنطقة الريفية التي تعيش فيها.‏ فاتصلت بأحد شهود يهوه خلال رحلة قامت بها الى المدينة،‏ وحصلت منه على كتاب المعرفة ومطبوعات اخرى بالروسية.‏ وبعد ان درست هذه المطبوعات بمفردها،‏ بدأت تكرز بالبشارة في منطقتها،‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى صارت تدرس مع مجموعة من المهتمين.‏ بعد ذلك علمت بأن يوم محفل خصوصيا سيُعقد في إيجفسك،‏ وسافرت الى هناك على امل ان تعتمد.‏ ولكنها اكتشفت خلال المحفل انه يجب على الذين يريدون المعمودية ان يدرسوا الكتاب المقدس دراسة وافية.‏ وقد اجرى الاخوة الترتيبات اللازمة لتنال المساعدة الروحية.‏ كل ذلك نتج من قراءتها اخبار الملكوت بلغتها.‏

وُجدت في ڤلاديقَفْقاز جماعة واحدة فقط ناطقة بالاوسيشية،‏ ولم يكن اي من الخطابات يترجم الى هذه اللغة خلال المحافل الدائرية والكورية.‏ لكن الخطابات صارت تُترجم للمرة الاولى الى الاوسيشية سنة ٢٠٠٢.‏ فتهلل الاخوة الناطقون بالاوسيشية فرحا!‏ حتى الذين يجيدون الروسية قالوا ان سماعهم رسالة الكتاب المقدس بلغتهم الاصلية ابهج قلوبهم.‏ وهذا ما ساهم في نمو الجماعة الروحي وجذب اوسيشيين كثيرين الى الحق.‏ وفي سنة ٢٠٠٦ أُنشئت دائرة في اوسيشيا،‏ وصارت تُعقد المحافل الدائرية للمرة الاولى بالاوسيشية.‏

خلال احدى زيارات النظار الجائلين لفريق في قرية أكتاش النائية بجمهورية آلتاي،‏ اجتمع نحو ٣٠ شخصا في احدى الشقق مع ان الفريق لم يكن مؤلفا الا من بضعة ناشرين.‏ وكان الجميع يصغون الى الخطاب العام،‏ ولكن نحو نصف الحضور غادروا خلال خطاب الخدمة الذي ألقاه ناظر الكورة.‏ وبعد الاجتماع،‏ سأل ناظر الكورة الاخوة المحليين عن سبب مغادرة الكثيرين.‏ فأجابت امرأة مسنة آلتائية بلغة روسية غير متقنة:‏ «انت تقوم بعمل مهم،‏ لكنني بالكاد فهمت شيئا».‏ وفي زيارة ناظر الدائرة التالية تُرجمت الخطابات،‏ فبقي الجميع وتمتعوا بكامل البرنامج.‏

تضم مدينة ڤورونيج عددا كبيرا من الطلاب الاجانب.‏ وفي سنة ٢٠٠٠،‏ قام خادم مساعد يتكلم الصينية بإعطاء دروس غير رسمية في هذه اللغة.‏ وقد ادرك شهود كثيرون انه توجد حاجة في هذا المجال،‏ فأخذوا يتعلمون اللغة وصاروا يكرزون للطلاب الصينيين.‏ ومع ان الصينية لغة صعبة للغاية،‏ لم تخُر عزيمة الاخوة.‏ وفي شباط (‏فبراير)‏ ٢٠٠٤،‏ أُسس اول فريق درس كتاب بالصينية في المدينة.‏ وفي شهر نيسان (‏ابريل)‏ من تلك السنة اعتمد اول تلميذ صيني للكتاب المقدس،‏ وبعد شهرين اعتمد آخر.‏ واليوم تحضر اعداد من المهتمين درس الكتاب بانتظام،‏ ويدار نحو ١٥ درسا في الكتاب المقدس بالصينية.‏ ونظرا الى انتشار البشارة في كل انحاء هذا الحقل الواسع،‏ يستمر فرع روسيا في تلبية طلبات الحصول على مزيد من المطبوعات بمزيد من اللغات.‏

الفاتحون يدرَّبون

تُعقد مدرسة خدمة الفتح في روسيا منذ عدة سنوات.‏ ويضم كل صف ٢٠ الى ٣٠ شخصا معظمهم من الفاتحين المحليين الذين لا يضطرون الى قطع مسافات طويلة لحضور المدرسة.‏ لكن الوضع لم يكن كذلك حين عُقدت المدرسة للمرة الاولى في روسيا.‏ يذكر رومان سكيبا:‏ «لا يمكن ان انسى مدرسة خدمة الفتح التي عُقدت في إيكاتيرينبورغ سنة ١٩٩٦.‏ فقد حضرها اكثر من ٤٠ اخا وأختا.‏ وكان على كثيرين ان يقطعوا مئات الكيلومترات ليتمكنوا من حضورها،‏ وبعضهم قطع نحو ٠٠٠‏,١ كيلومتر».‏

تخدم سڤيتْلانا كفاتحة عادية في حقل لغة الاشارات منذ سنة ١٩٩٧.‏ وفي كانون الثاني (‏يناير)‏ ٢٠٠٠،‏ حضرت مدرسة الفاتحين بهذه اللغة.‏ وبعد المدرسة،‏ روت سڤيتْلانا كيف ساعدتها المدرسة على تحسين نوعية خدمتها،‏ كما جعلتها تدرك ان كون المرء مسيحيا يستوجب منه امورا في العائلة والجماعة.‏ تقول:‏ «صارت عندي محبة اكبر للآخرين.‏ وأدركت ايضا قيمة التعاون مع الاخوة والاخوات،‏ وأنا الآن اقبل المشورة عن طيب خاطر.‏ كما تحسَّنت نوعية دروسي في الكتاب المقدس الى حد كبير لأني صرت استعمل الايضاحات في تعليمي».‏

تخدم أليونا كفاتحة في مدينة خباروفسك الواقعة في الشرق الاقصى الروسي،‏ وهي تساعد الصم على تعلم الحق.‏ ولكي تكون اكثر فعالية في خدمتها،‏ ارادت ان تحضر مدرسة خدمة الفتح بلغة الاشارات.‏ فأية صعوبات اضطرت الى مواجهتها؟‏ تقول أليونا:‏ «كانت اقرب مدرسة فاتحين بلغة الاشارات تُعقد في موسكو التي تبعد عن خباروفسك ٠٠٠‏,٩ كيلومتر.‏ ولكي احضر المدرسة،‏ كان علي ان اسافر بالقطار ثمانية ايام ذهابا،‏ هذا عدا رحلة العودة التي تستغرق ثمانية ايام ايضا».‏ لكنها لم تندم البتة على ما فعلته.‏

بالاضافة الى المدارس المخصصة لمساعدة الناس في حقل لغة الاشارات،‏ عُقدت في روسيا مئات مدارس خدمة الفتح بين سنتي ١٩٩٦ و ٢٠٠٦.‏ وقد كان لتدريب الفاتحين دور اساسي في توسع عمل الكرازة وفي نمو الجماعات.‏ يذكر مارتشين الذي يخدم حاليا كناظر دائرة:‏ «عُيِّنت سنة ١٩٩٥ فاتحا خصوصيا في جماعة كونتْسيڤو في موسكو.‏ وعندما ذهبت لحضور الخطاب العام ودرس برج المراقبة،‏ خُيِّل الي ان محفلا يُعقد.‏ فقد وُجد في القاعة نحو ٤٠٠ شخص.‏ وكانت الجماعة آنذاك تضم ٣٠٠ ناشر.‏ وبعد اقل من عشر سنوات،‏ تشكلت عشر جماعات جديدة من تلك الجماعة.‏

‏«خلال خدمتي كناظر دائرة في سنتي ١٩٩٦ و ١٩٩٧،‏ رأيت الدائرة تنمو بشكل مدهش.‏ فبعد ستة اشهر من زيارة قمت بها لجماعة في بلدة ڤولشكي بإقليم ڤولڠوڠراد،‏ وجدت ان ٧٥ شخصا صاروا ناشرين جددا في هذه الجماعة.‏ فكما لو ان جماعة جديدة تشكلت!‏ كما يعجز اللسان عن وصف الروح التي يعرب عنها هؤلاء الناشرون الجدد الغيارى.‏ فكان نحو ٨٠ شخصا يحضرون دائما اجتماعات خدمة الحقل المعقودة في احدى شقق مبنى مؤلف من عدة طبقات.‏ وكان كثيرون يقفون على الادراج وعلى بسطات الدرج لأنه لا متسع لهم في الشقة».‏

الاحداث يمجدون يهوه

يُظهر احداث كثيرون اهتماما برسالة الملكوت رغم مقاومة والديهم.‏ تروي اخت عمرها ٢٠ سنة:‏ «في سنة ١٩٩٥،‏ حين كنت في التاسعة من عمري،‏ كرز شهود يهوه لوالديَّ اللذين لم يقبلا الحق.‏ لكني اردت ان اعرف المزيد عن اللّٰه.‏ والمفرح ان صديقة كانت زميلة لي في الصف بدأت تدرس الكتاب المقدس،‏ فصرت احضر دروسها معها.‏ وعندما علم والداي بالامر،‏ منعاني من معاشرة الشهود.‏ وأحيانا كانا يحبسانني في الشقة وحدي لكيلا اذهب الى الدرس.‏ استمر هذا الوضع حتى بلغت السن القانونية.‏ وغادرت البيت لأذهب الى المدرسة في مدينة اخرى،‏ وتعرَّفت الى شهود يهوه الموجودين هناك.‏ وكم فرحت حين عدت ادرس الكتاب المقدس!‏ وصرت احب يهوه من كل قلبي واعتمدت في محفل كوري سنة ٢٠٠٥.‏ وبعد معموديتي مباشرة بدأت خدمة الفتح الاضافي.‏ واليوم لا يعارض والداي اتّباعي هذا الطريق الذي اعزُّه جدا من الصغر».‏

وتذكر اخت اخرى:‏ «في سنة ١٩٩٧،‏ حين كنت في الـ‍ ١٥ من العمر،‏ عرض علي الشهود نسخة من مجلة استيقظ!‏.‏ فأعجبني اسم المجلة ومحتواها،‏ وأردت ان احصل عليها بانتظام.‏ ولكن عندما علم ابي بأني اقرأ هذه المجلة،‏ منع الشهود من الدخول الى بيتنا.‏ وبعد فترة بدأت نسيبة لي بدرس الكتاب المقدس مع شهود يهوه،‏ وفي اوائل سنة ٢٠٠٢ بدأت احضر معها الاجتماعات في قاعة الملكوت.‏ وهناك سمعت ان بعض شهود يهوه يخدمون كمرسلين،‏ فتولدت عندي رغبة شديدة في مساعدة الآخرين على التعلم عن اللّٰه.‏ غير ان نسيبتي اوضحت لي انه عليّ اولا ان اتوقف عن التدخين وأجعل حياتي منسجمة مع مشيئة اللّٰه وأصير واحدة من خدام اللّٰه.‏ فاتبعت نصيحتها،‏ وبعد ستة اشهر اعتمدت وباشرت فورا بعمل الفتح الاضافي.‏ وأنا سعيدة لأنه صار عندي قصد حقيقي في الحياة».‏

البحث عن ‹النفائس› في ساخا

تتألف احدى دوائر البلد من اقليم آمور وكامل جمهورية ساخا.‏ وخلال سنة الخدمة ٢٠٠٥،‏ استضافت ياقوتسك عاصمة ساخا محفلا دائريا ويوم محفل خصوصيا للمرة الاولى.‏ وكم كان مبهجا رؤية اشخاص من السكان الاصليين يحضرون هذين المحفلين!‏

وبهدف تسهيل حضور المحفل على الاخوة،‏ قُسمت الدائرة الى خمسة اقسام بحيث كان لكل قسم محفل خاص به.‏ وللسفر من موقع للمحفل الى آخر،‏ لزم النظار الجائلين ركوب القطار ٢٤ ساعة،‏ ثم الذهاب بالسيارة ١٥ ساعة،‏ ثم الطيران ٣ ساعات.‏

والشتاء في هذه المقاطعة بارد جدا،‏ اذ تصل درجات الحرارة الى ٥٠ درجة مئوية تحت الصفر او اقل.‏ ومع ذلك يواصل الناشرون المحليون عمل الكرازة ليس فقط في الابنية السكنية المتعددة الطبقات بل يتنقلون ايضا من بيت الى بيت.‏

في اوائل سنة ٢٠٠٥ تشكل فريقان من الناشرين،‏ احدهما في قرية خاير التي تبعد ٨٠ كيلومترا عن سواحل بحر لاپتيڤ فوق الدائرة القطبية الشمالية.‏ وعدد السكان في القرية هو ٥٠٠ منهم ٤ شاهدات.‏ وفي سنة ٢٠٠٤ عُقدت الذكرى في هذه القرية وحضرها ٧٦ شخصا.‏ ولكي يزور ناظر الدائرة الفريق الموجود في هذه القرية،‏ يضطر الى قطع مسافة ٩٠٠ كيلومتر تقريبا بالطائرة،‏ ثم اكثر من ٤٥٠ كيلومترا بالسيارة على طرقات مغطاة بالثلج.‏

اما الفريق الآخر فقد تشكل في قرية اوست-‏نيرا النائية التي تبعد ١٠٠ كيلومتر عن قرية آيميكون.‏ وفي هذه المنطقة تصل احيانا درجة الحرارة في الشتاء الى ٦٠ درجة مئوية تحت الصفر.‏ ولكي يحضر الناشرون في هذا الفريق المحفل الدائري السنة الماضية،‏ ركبوا سيارتين وقطعوا مسافة ٠٠٠‏,٢ كيلومتر تقريبا عبر اراضٍ نائية ومعزولة بمعظمها فيما درجة الحرارة تبلغ ٥٠ درجة مئوية تحت الصفر.‏

ويروي احد نظار الدوائر اختبارا مثيرا حدث على ارتفاع ٠٠٠‏,٤ متر:‏ «خلال حملة كراسة داوِم على السهر!‏،‏ كانت سلسلة من المحافل تُعقد في دائرتنا.‏ وكنا انا وناظر الكورة ذاهبين بالطائرة الى المحفل التالي.‏ وبما انه لم تبقَ معنا اعداد من هذه الكراسة،‏ عرضنا على مضيفة الطيران كراسة ماذا يطلب اللّٰه منا؟‏.‏ فقالت انها حصلت من قبل على بعض المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس،‏ وفوجئنا حين ارتنا نسخة من كراسة داوِم على السهر!‏.‏ وفرحنا لأن الاخوة نشاطى في العمل الكرازي.‏ خلال المحادثة مر مساعد الطيار.‏ وأثار الحديث اهتمامه وانضم الينا وبقينا نتحادث طوال الرحلة تقريبا.‏ وبما ان ما نتكلم به اثار اعجابه،‏ اخذ عدة مجلات ليعطيها للطاقم في مقصورة القيادة».‏

البشارة في جزيرة سخالين

في اواخر سبعينات القرن الماضي وصل الشهود للمرة الاولى الى سخالين،‏ جزيرة تقع شمال هوكايدو اعلى جزر اليابان.‏ فالاخوة الذين يشرفون على عمل الكرازة في المنطقة شجعوا سيرڠي ساڠين على توسيع خدمته والانتقال الى تلك الجزيرة ليبشر سكانها.‏ وخلال عمله في المرفإ،‏ حاول سيرڠي ان يتحدث مع العمال الآخرين في مواضيع من الكتاب المقدس.‏ وبعد وقت قصير صار يدير العديد من الدروس.‏ ومع انه اضطر لاحقا الى مغادرة الجزيرة،‏ نمت بذور الحق التي زرعها هناك وأثمرت في آخر الامر.‏

دفعت المحافل التي عُقدت في بولندا سنتي ١٩٨٩ و ١٩٩٠ شهودا كثيرين في روسيا الى توسيع خدمتهم والانتقال الى حيث الحاجة اعظم.‏ وفي سنة ١٩٩٠،‏ انتقل سيرڠي وڠالينا أڤيرين من خباروفسك في الشرق الاقصى الروسي الى كورساكوف في جزيرة سخالين.‏ وبعد اشهر قليلة،‏ انتقل فاتحان وعدة ناشرين الى مدينة يوجنو سخالينسك التي كانت فيها شاهدة واحدة فقط.‏

يتذكر پاڤْيَل سيڤولسكي،‏ ابن پاڤْيَل سيڤولسكي المذكور آنفا وأحد الفاتحَين (‏هو يخدم حاليا في بيت ايل)‏:‏ «عندما وصلنا الى يوجنو سخالينسك،‏ نزلنا انا وأخ في فندق لأننا لم نتمكن من العثور سريعا على مكان نعيش فيه.‏ وبدأنا بالخدمة من باب الى باب بجانب الفندق،‏ وكنا خلال محادثاتنا نسأل الناس هل عندهم مكان يؤجّروه لنا لنسكن فيه.‏ وثمة اناس سألونا اين يمكنهم مواصلة هذه المناقشات في الكتاب المقدس،‏ ولكن كنا نضطر ان نقول لهم اننا نقيم في فندق وإننا سندعوهم ما إن نجد مكانا نعيش فيه.‏ وصلينا الى يهوه بحرارة ليساعدنا على ايجاد عمل ومسكن.‏ فاستجاب يهوه لصلواتنا اذ لم يمضِ وقت طويل حتى صار عندنا عمل وشقة.‏ فقد دعتنا صاحبة احدى المنازل للإقامة في شقتها دون ان تتقاضى ايجارا منا.‏ حتى انها كانت تطبخ لنا الطعام،‏ مما ساعدَنا على قضاء وقت اطول في الخدمة.‏ وهكذا اظهر يهوه لنا انه معنا.‏ وبعد وقت قصير صرنا نعقد العديد من دروس الكتاب المقدس وننظم فرق درس الكتاب.‏ وبعد شهرين استأجرنا بيتا وبدأنا نعقد الاجتماعات فيه».‏

مع نمو الجماعة،‏ انخرط كثيرون من الناشرين الجدد في خدمة الفتح.‏ وقد دفعتهم غيرتهم في الخدمة الى الانتقال الى انحاء اخرى من الجزيرة لنشر الحق بين السكان.‏ وبارك يهوه كثيرا غيرة هذه الجماعة السريعة النمو في الخدمة،‏ اذ انه بعد ثلاث سنوات،‏ اي في سنة ١٩٩٣،‏ كانت قد تشكلت ثماني جماعات من هذه الجماعة الاصلية.‏

على مر الوقت،‏ غادر ناشرون كثيرون الجزيرة بسبب الضائقة الاقتصادية وكذلك من اجل توسيع خدمتهم.‏ وكما في السابق،‏ ادت هذه الجهود الى المزيد من النمو.‏ وتوجد اليوم قاعة ملكوت جميلة في وسط مدينة يوجنو سخالينسك،‏ وتضم الجزيرة تسع جماعات وأربع فرق يؤلفون دائرة واحدة.‏

الباب ينفتح رغم المقاومين الكثيرين

قال الرسول بولس في القرن الاول:‏ «قد انفتح لي باب كبير يؤدي الى النشاط،‏ ولكن هناك مقاومون كثيرون».‏ (‏١ كو ١٦:‏٩‏)‏ وبعد مرور ألفي سنة،‏ لم يقلّ عدد المقاومين.‏ فمن سنة ١٩٩٥ الى سنة ١٩٩٨،‏ رفع مكتب المدعي العام في موسكو دعوى جزائية على الشهود اربع مرات.‏ وقد اتُّهم شهود يهوه بتحريض الناس على التعصب الديني،‏ تدمير العائلات،‏ المشاركة في نشاطات ضد الدولة،‏ وانتهاك حقوق المواطنين الآخرين.‏ وعندما لم تثبت التهم الموجهة الى الشهود،‏ رُفعت على الشهود دعوى مدنية في سنة ١٩٩٨ على اساس نفس التهم الباطلة.‏

بعد سنة تقريبا،‏ قامت وزارة العدل بتسجيل «المركز الاداري لشهود يهوه في روسيا»،‏ معترفة بأن شهود يهوه لا يروجون لأي شيء يحرض الناس على البغض الديني او يدمر العائلات او ينتهك حقوق الانسان،‏ وأن مطبوعاتهم ايضا لا تفعل ذلك.‏ ومع ذلك،‏ اثار مكتب المدعي العام نفس التهم من جديد.‏

يدرك بعض الاساتذة في الدراسات الدينية ان شهود يهوه يعتمدون في معتقداتهم على اساس الكتاب المقدس وحده.‏ يقول الدكتور ن.‏ س.‏ ڠورْديينْكو،‏ بروفسور في الدراسات الدينية من جامعة هيرْزِن التربوية الحكومية الروسية في سانت بيترسبرغ:‏ «عندما يوجّه الخبراء التهم الى شهود يهوه بسبب ما يعلّمونه،‏ لا يدركون انهم يوجّهون التهم في الواقع الى الكتاب المقدس».‏

ومع ذلك،‏ اصدرت محكمة مدينة موسكو قرارا بسحب الاعتراف بالوضع الشرعي لجماعة شهود يهوه في موسكو.‏ لكن ذلك لا يمنع الاخوة من اتمام وصية الكتاب المقدس بإخبار الناس بالبشارة.‏ وشهود يهوه مقتنعون بأنه يحق لسكان موسكو اتخاذ قرارهم بأنفسهم من جهة المعتقدات الدينية.‏ وتقييد هذا الحق يشكل انتهاكا لحريات كل شخص يعيش في موسكو.‏ لذلك سيستمر الشهود في موسكو بإتمام وصية يسوع بالكرازة والتلمذة.‏ (‏مت ٢٨:‏١٩،‏ ٢٠‏)‏ وفي الوقت الحالي تعيد المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان النظر في قرار محكمة مدينة موسكو.‏

في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٩٨،‏ وقت ابتداء الدعوى الهادفة الى تصفية جماعة شهود يهوه في موسكو،‏ كانت المدينة تضم ٤٣ جماعة لشهود يهوه.‏ وبعد ثماني سنوات،‏ صار عددها ٩٣.‏ فقد وعد يهوه شعبه:‏ «كل سلاح يصور ضدك لا ينجح».‏ (‏اش ٥٤:‏١٧‏)‏ وفي سنة ٢٠٠٧،‏ عقد شهود يهوه محفلهم الكوري في مدرَّج لوشْنيكي بموسكو،‏ وهو المدرَّج الذي استضاف قبلا الالعاب الاولمبية.‏ وبلغ عدد الحضور في هذا المحفل ٠٤٠‏,٢٩ شخصا،‏ واعتمد ٦٥٥.‏

اسم اللّٰه يعظَّم في روسيا

قال يهوه اللّٰه،‏ كما هو مسجل في ملاخي ١:‏١١‏:‏ «من مشرق الشمس الى مغربها يكون اسمي عظيما بين الامم».‏ وكل شروق للشمس يحمل معه إمكانية العثور على خروف آخر في هذا البلد الشاسع.‏ فخلال سنة الخدمة السابقة وحدها،‏ اعتمد اكثر من سبعة آلاف شخص في روسيا.‏ وهذا دليل دامغ على ان «قيصر القياصرة»،‏ كما يدعى يسوع المسيح في الكتاب المقدس الروسي،‏ يدعم رعاياه فيما يؤدون هذا العمل.‏ —‏ مت ٢٤:‏١٤؛‏ رؤ ١٩:‏١٦‏.‏

قال الرسول بطرس:‏ «يوم يهوه سيأتي كسارق».‏ (‏٢ بط ٣:‏١٠‏)‏ ولذلك يعقد شعب يهوه في روسيا العزم على الاستفادة من الوقت الباقي للبحث عن الذين قلوبهم مهيأة من كل امة وقبيلة ولسان وشعب.‏

‏[الحاشية]‏

^ ‎الفقرة 353‏ انظر مقالة «الألتائيون —‏ شعب صرنا نحبه» في عدد ٢٢ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٩٩ من مجلة استيقظ!‏.‏

‏[النبذة في الصفحة ١١٠]‏

‏«لو وُجد في السجلات اي شيء ضدكم،‏ حتى مجرد اذى بسيط ألحقتموه بشخص ما،‏ لَكُنَّا قتلناكم جميعا»‏

‏[النبذة في الصفحة ١٢٨]‏

‏«اذا اطلقتُ سراحك،‏ فكثيرون من المواطنين السوفياتيين سينضمون اليكم.‏ لذلك نحن نعتبركم خطرا كبيرا على دولتنا»‏

‏[النبذة في الصفحة ٢١٩]‏

‏«انتم مثل الطيور:‏ ما إن تصل صناديق المطبوعات حتى تنقضّوا عليها وتأخذوها في لمحة بصر»‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٦٩]‏

ماذا تعرف عن سيبيريا؟‏

ماذا يتبادر الى ذهنك عندما تفكر في سيبيريا؟‏ هل تتخيلها برية مقفرة منعزلة شتاؤها شديد البرودة؟‏ او ارضا عراء يُنفى اليها الذين يتصادمون مع الحكومة السوفياتية؟‏ قد تكون مُحِقا،‏ لكن هذا ليس كل شيء.‏

انها منطقة كبيرة جدا،‏ اكبر من كندا —‏ ثاني اكبر دولة في العالم.‏ وهي تغطي اليوم مساحة تزيد على ٠٠٠‏,٠٠٠‏,١٣ كيلومتر مربع.‏ وتمتد من جبال الاورال الى المحيط الهادئ شرقا،‏ ومن منغوليا والصين الى المحيط القطبي الشمالي.‏ كما انها غنية بالموارد الطبيعية مثل الخشب والزيت والغاز.‏ وفيها سلاسل جبال وسهول ومستنقعات وبحيرات وأنهار كبيرة.‏

طوال قرن ونصف القرن تقريبا،‏ كانت سيبيريا منفى وسِجنا ومكانا للاشغال الشاقة.‏ وخلال ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين،‏ ارسل اليها جوزيف ستالين ملايين الاشخاص للعمل في المعسكرات.‏ وفي سنتي ١٩٤٩ و ١٩٥١،‏ نُفي الى سيبيريا نحو ٠٠٠‏,٩ شاهد ليهوه من مولدوفا وجمهوريات البلطيق وأوكرانيا.‏

‏[الاطار/‏الصور في الصفحتين ٧٢،‏ ٧٣]‏

لمحة عامة

اليابسة:‏

روسيا اكبر بلد في العالم،‏ وهي تمتد مسافة ٧٠٠‏,٧ كيلومتر من الشرق الى الغرب و ٠٠٠‏,٣ كيلومتر من الشمال الى الجنوب،‏ وتبلغ مساحتها الاجمالية ٤٠٠‏,٠٧٥‏,١٧ كيلومتر مربع.‏ تقع في روسيا ١١ منطقة زمنية،‏ مما يعني انها تشمل ٥٠ في المئة تقريبا من نصف الكرة الارضية الشمالي.‏ كما يوجد فيها اعلى جبل وأطول نهر في اوروبا وأعمق بحيرة في العالم.‏

الشعب:‏

يؤلف الروسيون ٨٠ في المئة من سكان روسيا.‏ ولكن يقطن فيها اكثر من ٧٠ فئة من الفئات الاثنية.‏ ويضم بعض هذه الفئات بضعة آلاف،‏ والبعض الآخر اكثر من مليون.‏

اللغة:‏

الروسية هي اللغة الرسمية ويتكلمها اجمالا كل المواطنين.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ يجري التكلم بأكثر من ١٠٠ لغة اخرى،‏ وبعض هذه اللغات هو اللغة الام لما يقارب المليون شخص.‏

الاقتصاد:‏

روسيا هي واحدة من اكبر الدول المنتجة للنفط والغاز الطبيعي في العالم.‏ وتشمل الصناعات الرئيسية الاخرى:‏ استغلال الاراضي الحرجية،‏ التعدين،‏ وتصنيع كل انواع السلع.‏

الطعام:‏

تؤكل عموما الاطباق الغنية المُعَدَّة من اللحم او السمك او الملفوف او خثارة اللبن مع خبز الشَّيْلم الاسمر والبطاطا والحنطة السوداء.‏ والمطبخ الروسي غني بالدهون والكربوهيدرات التي تمنح الطاقة اللازمة لاحتمال اشهر الشتاء الطويلة والباردة.‏ وتُقدَّم في الوجبة النموذجية الپيلْميني (‏كرات العجين باللحم)‏ في حساء او مغطاة بالقشدة المحمَّضة؛‏ او الپيروشكي (‏فطائر صغيرة)‏ المحشوة بالملفوف او اللحم او الجبن او البطاطا.‏ وأما طبقا الحساء المعروفان فهما البورشت او حساء الشمندر،‏ و الشي او حساء الملفوف.‏

المناخ:‏

الفصلان السائدان في روسيا هما الصيف الحار والشتاء القارس المظلم،‏ اما فصلا الربيع والخريف فقصيران.‏

‏(‏خريطتا روسيا في الصفحتين ١١٦ و ١٦٧)‏

‏[الصور]‏

الكرملين

جبل إلبروس،‏ كابَردينو بَلكاريا

دب اسمر،‏ شبه جزيرة كامتشاتكا

‏[الاطار في الصفحتين ٩٢،‏ ٩٣]‏

حرب لاستمالة القلوب والعقول

لم تسعَ الحكومة السوفياتية الى ابادة الشهود.‏ فكان هدفها هدايتهم،‏ اما بالاقناع او بالقوة،‏ الى الايديولوجية السوفياتية.‏ ولتحقيق ذلك استخدمت جهاز المخابرات والامن الداخلي (‏KGB)‏.‏ وإليك بعض الوسائل التي استعملها:‏

حملات التفتيش:‏ شُنت هذه الحملات على بيوت الشهود،‏ حتى اثناء الليل.‏ وقد اضطُرت بعض العائلات الى تغيير مكان سكنها بسبب حملات التفتيش المتكررة.‏

المراقبة:‏ شملت التنصت على المكالمات الهاتفية،‏ احتجاز الرسائل،‏ ووضع اجهزة تنصت في بيوت الاخوة.‏

فرض غرامات وتعطيل الاجتماعات:‏ في كل انحاء البلد كانت السلطات المحلية تراقب عن كثب الاماكن التي يعقد فيها الاخوة الاجتماعات.‏ وكان الحضور جميعا يغرَّمون.‏ وفي اغلب الاحيان،‏ بلغت الغرامة نصف معدل المرتب الشهري او اكثر.‏

الرشوة والتهديد:‏ وعدت المخابرات السوفياتية بعض الشهود بالحصول على شقق في وسط موسكو،‏ وأيضا سيارات،‏ مقابل تعاونهم.‏ كما كانت،‏ في حالات عديدة،‏ تخبر الاخوة انه سيُحكم عليهم بقضاء سنوات طويلة في معسكرات العمل الالزامي اذا رفضوا التعاون.‏

الدعاية:‏ صورت الافلام والتلفزيون والصحف الشهود على انهم يشكلون خطرا على المجتمع.‏ وكانت تُلقى محاضرات في السجون ومعسكرات العمل الالزامي تندد بالاخوة،‏ متهمة اياهم بأنهم يستخدمون الكتاب المقدس كذريعة لكسب التأييد السياسي.‏ وقد ادت الدعاية الى عدم المساواة في المعاملة.‏ فالمعلمون اعطوا التلاميذ الشهود علامات ادنى،‏ وحرم ارباب العمل اخوتنا من المنافع او العطل التي تحق لهم.‏

دس العملاء:‏ ادعى عملاء المخابرات السوفياتية انهم مهتمون برسالة الملكوت،‏ فدرسوا الكتاب المقدس واعتمدوا.‏ وتمكن البعض من تولي مراكز مسؤولية في الهيئة.‏ وكان هدفهم ايقاف عمل الكرازة بإثارة الشكوك وتسبيب الانقسامات بين الشهود.‏

النفي:‏ أُرسل الشهود الى مناطق منعزلة من البلد.‏ وهناك كان عليهم ان يكسبوا لقمة عيشهم بالقيام بأعمال شاقة ١٢ ساعة في اليوم.‏ كما تحملوا البرد القارس شتاء والبعوض وذباب الخيل صيفا.‏

مصادرة الممتلكات وتفريق العائلات:‏ كانت الاملاك والبيوت والمقتنيات تُصادر.‏ وأحيانا أُبعد الاولاد عن والديهم الشهود.‏

الاستهزاء والضرب:‏ تعرّض الكثير من الشهود،‏ بمن فيهم النساء،‏ للاهانات والاستهزاء.‏ وضُرب البعض بوحشية.‏

السجن:‏ كان الهدف منه ارغام الشهود على انكار ايمانهم او عزلهم عن اخوتهم.‏

معسكرات العمل الالزامي:‏ بلغ الاخوة شفير الانهيار الجسدي الكامل في هذه المعسكرات.‏ فغالبا ما اضطروا الى اقتلاع ارومات الاشجار الضخمة.‏ كما عملوا في مناجم الفحم،‏ شق الطرقات،‏ ومدّ السكك الحديدية.‏ وكان عمال المعسكرات المنفصلون عن عائلاتهم يعيشون في ثكنات.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٩٦،‏ ٩٧]‏

حُكم عليّ بالاعدام مرتين

پْيُوتر كريڤوكولسكي

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٢

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٥٦

لمحة عن حياته:‏ درس في معهد للاهوت قبل ان يتعلم الحق.‏ ثم قضى ٢٢ سنة في السجون والمعسكرات،‏ ومات سنة ١٩٩٨.‏

في سنة ١٩٤٠،‏ ابتدأ الاخوة البولنديون يكرزون حيث كنت اعيش في اوكرانيا.‏ فزارني كورنْيا،‏ اخ من الممسوحين.‏ وتحدثنا طوال الليل،‏ فاقتنعت ان ما اخبرني به هو الحق عن اللّٰه.‏

وفي سنة ١٩٤٢ احرز الجيش الالماني تقدما،‏ وانسحبت القوات السوفياتية من المنطقة التي اسكن فيها.‏ فعمّت الفوضى.‏ وقد أصرّ الوطنيون الأوكرانيون ان اشترك في حربهم ضد الالمان والسوفيات على السواء.‏ وعندما رفضت اوسعوني ضربا حتى فقدت الوعي،‏ ثم رموني في الشارع.‏ وفي تلك الليلة نفسها،‏ قبضوا علي وأخذوني الى مكان ينفَّذ فيه الاعدام الجماعي.‏ وهناك سألوني هل سأخدم الشعب الأوكراني.‏ فأجبتهم بثبات وبصوت عال:‏ «سأخدم يهوه اللّٰه فقط».‏ فحكموا علي بالاعدام.‏ وعندما اعطى احد الجنود الامر باطلاق النار عليّ،‏ امسك جندي آخر البندقية وصرخ:‏ «لا تطلق النار.‏ فما زال ممكنا ان يفيدنا».‏ فاعترت سورة غضب رجلا آخر،‏ وراح يضربني.‏ وتعهد ان يقتلني هو بنفسه في غضون اسبوع،‏ ولكن لم تمر بضعة ايام حتى لقي حتفه.‏

في آذار (‏مارس)‏ ١٩٤٤،‏ عاد الجيش السوفياتي الى منطقتنا،‏ وأخذ الجنود كل الرجال بمن فيهم انا.‏ وهذه المرة كان الجيش السوفياتي مَن يحتاج الى محاربين.‏ وفي المكان الذي جُمعنا فيه،‏ التقيت كورنْيا،‏ الاخ الذي عرفني بالحق.‏ وكان هنالك ايضا ٧٠ شاهدا آخر.‏ فوقفنا معا بعيدا عن الباقين،‏ ورحنا نشجع واحدنا الآخر.‏ ثم أتى احد الضباط وسألنا عن سبب ابتعادنا عن الآخرين.‏ فأوضح له كورنْيا اننا مسيحيون ولا يمكننا حمل السلاح.‏ فأخذوه على الفور،‏ وأخبرونا انه سيُقتل.‏ ولم نره ثانية قط.‏ بعد ذلك بدأوا يهددوننا،‏ قائلين انهم سيقتلوننا مثله رميا بالرصاص.‏ وراحوا يسألوننا واحدا واحدا هل سنلتحق بجيشهم.‏ وحين اجبت بالنفي،‏ اخذني ثلاثة جنود وضابط الى الغابة.‏ وقرأ القائد الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية الذي نصّ على ما يلي:‏ «بسبب رفضك ارتداء البذلة العسكرية وحمل السلاح،‏ حُكم عليك بالاعدام رميا بالرصاص».‏ فصليت بحرارة الى يهوه،‏ ثم تساءلت هل سيقبل خدمتي،‏ اذ لم يكن قد أُتيح لي بعد ان اعتمد.‏ وفجأة،‏ سمعت الامر:‏ «اطلقوا النار على العدو».‏ لكن الجنود اطلقوا النار في الهواء.‏ وابتدأ الضابط يضربني.‏ ثم حُكم عليّ بالسجن عشر سنوات،‏ وانتهى بي الامر الى احد معسكرات العمل الالزامي في اقليم غوركي بوسط روسيا.‏

أُطلق سراحي سنة ١٩٥٦،‏ ثم تزوجت شاهدة امينة اسمها رجينا.‏ وبعد ستة اشهر من زواجنا اعتُقلت على نحو غير متوقع وحُكم عليّ بالسجن عشر سنوات.‏

وبعد ان أُطلق سراحي اخيرا،‏ قال لي احد الرسميين:‏ «لا مكان لك على الارض السوفياتية».‏ لكنه كان على خطإ.‏ فكم هو رائع ان نعرف ان الارض هي ليهوه وأنه هو الذي يقرر من سيحيا عليها الى الابد!‏ —‏ مزمور ٣٧:‏١٨‏.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٠٤،‏ ١٠٥]‏

‏«ايتها الفتيات،‏ هل بينكنَّ واحدة من شهود يهوه؟‏»‏

ييفْڠينيا ريباك

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٨

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٦

لمحة عن حياتها:‏ وُلدت في اوكرانيا وأُخذت بالقوة الى المانيا حيث تعلمت الحق.‏ ولا تزال تخدم يهوه بأمانة في روسيا.‏

ذات يوم احد،‏ سمعت من نافذتي صوت ترنيم جميل.‏ وكان المرنمون اشخاصا من شهود يهوه.‏ بُعيد ذلك بدأت احضر اجتماعاتهم،‏ ولم اكن افهم لماذا يضطهد الالمان ألمانًا آخرين بسبب ايمانهم.‏ فبدأ اصدقائي الاوكرانيون،‏ الذين أُخذت معهم الى المانيا،‏ يكرهونني لأنني اعاشر ألمانًا.‏ وذات مرة،‏ صاحت احدى صديقاتي علي وضربتني على وجهي.‏ فراحت صديقاتي السابقات يضحكن.‏

عدت الى اوكرانيا بعد اطلاق سراحي سنة ١٩٤٥.‏ وهناك قال لي جدي:‏ «امكِ فقدت عقلها.‏ فقد رمت ايقوناتها وهي الآن تعبد إلها آخر».‏ وعندما تُركنا انا وأمي وحدنا،‏ جلبَت كتابا مقدسا وقرأت منه كلمات تُظهر بغض اللّٰه للصنمية.‏ ثم اخبرتني انها تحضر اجتماعات شهود يهوه.‏ عندئذ عانقتُها بحرارة وقلت لها بصوت منخفض فيما الدمع يملأ عينيَّ:‏ «امي حبيبتي،‏ انا ايضا واحدة من شهود يهوه!‏».‏ فبكينا كلتانا من الفرح.‏

كانت امي غيورة جدا في الخدمة.‏ وعُيِّنَت خادمة فريق لأن كل الاخوة تقريبا كانوا مسجونين في المعسكرات.‏ وقد انتقلت غيرتها في الخدمة اليّ.‏

في سنة ١٩٥٠،‏ اعتُقلتُ بسبب نشاطاتي الدينية،‏ وحَكمت علي المحكمة بالسجن عشر سنوات في احد المعسكرات.‏ فأُخذت مع اربع اخوات اخريات الى بلدة أوسُلْي-‏سيبِرْسكُي في سيبيريا.‏ وبدءا من نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥١ صرنا نعمل في مد السكك الحديدية.‏ كنا نحمل على اكتافنا العوارض الثقيلة —‏ عارضة لكل اثنتين منا —‏ المستخدمة لتثبيت قضبان السكة.‏ كما اننا كنا ننقل ونثبّت بأيدينا القضبان المعدنية التي يبلغ طول كلٍّ منها ١٠ امتار ووزنه ٣٢٠ كيلوغراما.‏ وهذا العمل ارهقنا للغاية.‏ وذات يوم،‏ حين كنا عائدات من العمل خائرات القوى،‏ توقف الى جانبنا قطار مليء بالسجناء.‏ ومن احدى النوافذ تطلّع الينا رجل وسأل:‏ «ايتها الفتيات،‏ هل بينكنَّ واحدة من شهود يهوه؟‏».‏ فتلاشى كل تعبنا،‏ وصرخنا قائلات:‏ «نحن خمس اخوات».‏ فقد كان بين السجناء اخوة وأخوات اعزاء نُفُوا من اوكرانيا.‏ وفيما القطار لا يزال متوقفا،‏ اخبرونا بلهفة عما حصل معهم وكيف جرى نفيهم.‏ بعد ذلك ألقى الاولاد على مسامعنا قصائد نظَمها الاخوة انفسهم.‏ ولم يزعجنا احد،‏ ولا حتى الجنود،‏ فتمكّنّا من التحادث وتشجيع بعضنا بعضا.‏

ومن أوسُلْي-‏سيبِرْسكُي نُقلنا الى معسكر كبير قرب مدينة أنْڠَرسك فيه ٢٢ اختا.‏ وكانت الاخوات قد نظّمن كل شيء هناك،‏ بما فيه المقاطعات المخصصة للتبشير.‏ وهذا ساعدَنا على البقاء احياء روحيا.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٠٨،‏ ١٠٩]‏

أُرسلتُ الى «الزاوية الخامسة» عدة مرات

نيكولاي كاليبابا تاريخ الولادة:‏ ١٩٣٥

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٥٧

لمحة عن حياته:‏ نُفي عام ١٩٤٩ الى اقليم كورڠان في سيبيريا.‏

بدا لنا ان كل شاهد في الاتحاد السوفياتي ملاحَق.‏ ولم تكن الحياة سهلة،‏ لكن يهوه منحَنا الحكمة.‏ في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥٩ جرى اعتقالي بسبب نشاطاتي الدينية.‏ فقررت ان انكر اية علاقة لي بالاخوة حتى لا اشي بهم.‏ وحين اشار المحقق الى صور بعض الاخوة وطلب مني ان اذكر اسماءهم،‏ قلت اني لا استطيع تحديد هوية احد.‏ ثم اراني صورة اخي في الجسد وسألني:‏ «هل هذا اخوك؟‏».‏ فأجبت:‏ «لا اعرف إن كان هذا اخي ام لا.‏ لا استطيع ان اجزم».‏ وبعد ذلك اراني صورة لي وسألني:‏ «هل هذا انت؟‏».‏ فقلت:‏ «انه يشبهني،‏ لكني لا استطيع ان اجزم هل هو انا ام لا».‏

وُضعت في زنزانة طوال شهرين.‏ وفي كل صباح،‏ كنت استيقظ وأشكر يهوه على لطفه الحبي،‏ ثم اتذكر آية من الكتاب المقدس وأناقشها مع نفسي.‏ عقب ذلك كنت ارنم احدى ترانيم الملكوت وإنما بصمت لأن الترنيم في الزنزانة ممنوع،‏ وبعدها أراجع احد مواضيع الكتاب المقدس.‏

كان هنالك العديد من الاخوة في المعسكر الذي أُرسلت اليه.‏ غير ان الاوضاع في السجن كانت قاسية جدا،‏ ولم يُسمح لنا بالتحادث.‏ وغالبا ما كان الاخوة يرسَلون الى القسم الانفرادي،‏ الذي دُعي الزاوية الخامسة.‏ لقد أُرسلت عدة مرات الى الزاوية الخامسة،‏ حيث أُعطي السجناء ٢٠٠ غرام من الخبز يوميا.‏ وهناك كنت انام على لوح خشبي مغطى بطبقة رقيقة من الحديد،‏ متخذا جزمتي وسادة لرأسي.‏ وكان زجاج النافذة محطما،‏ والمكان مليئا بالبعوض.‏

عموما،‏ كان كل اخ يدبر لنفسه مكانا يخبئ فيه المطبوعات.‏ فقررتُ ان اخفي المطبوعات التي معي في المكنسة التي اكنس بها الارض.‏ وخلال جولات التفتيش،‏ لم يفكر المسؤول قط في النظر داخل المكنسة،‏ مع انه كان يتحقق من كل شاردة وواردة.‏ كما كنا احيانا نخبئ المطبوعات في الجدران.‏ لقد تعلمت ان اثق بهيئة يهوه.‏ فيهوه يرى ويعرف كل شيء،‏ وهو يساعد كل واحد من خدامه الامناء.‏ ولم يبخل علي بالمساعدة مطلقا.‏

قبل ان تُنفى عائلتي سنة ١٩٤٩،‏ قال ابي ان يهوه قادر على توجيه الامور بحيث يتمكن الناس في سيبيريا البعيدة من سماع الحق.‏ وكنا نقول في انفسنا:‏ ‹كيف يمكن ذلك؟‏›.‏ ان السلطات نفسها هي التي مكّنت آلاف الاشخاص المخلصين في سيبيريا من التعرف بالحق.‏

عندما هبت على البلد رياح التغيير،‏ انتهز الاخوة فرصة السفر الى بولندا لحضور المحفل الاممي سنة ١٩٨٩.‏ كانت تلك الايام رائعة لا تُنسى.‏ وبعد الصلاة الختامية بقينا واقفين وظللنا نصفق وقتا طويلا.‏ وما اروع الاحاسيس التي غمرتنا!‏ فعلى مر سنين طويلة تعرضنا لمختلف المشقات والمشاكل،‏ ومع ذلك نادرا ما ذرفت اعيننا الدمع.‏ ولكن عندما فارقْنا اخوتنا الاعزاء في بولندا،‏ صار الدمع ينسكب غزيرا.‏ وما استطاع —‏ او حتى اراد —‏ احد ان يحبسه.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١١٢،‏ ١١٣]‏

فعْل كل شيء لأجل البشارة

پْيُوتر پارتسي تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٦

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٦

لمحة عن حياته:‏ التقى پْيُوتر شهود يهوه لأول مرة سنة ١٩٤٣،‏ وأُرسل الى معسكري اعتقال نازيَّين وإلى معسكر عمل إلزامي في روسيا.‏ وفي وقت لاحق خدم كناظر دائرة خلال الحظر.‏

ما إن تلقنتُ تعاليم الكتاب المقدس الاساسية في المانيا النازية حتى بدأتُ اخبر معارفي بها،‏ فانضم كثيرون الى العبادة الحقة.‏ وفي سنة ١٩٤٣ وشى بي كاهن الى الغستابو،‏ فاعتقلوني واتهموني بمزاولة نشاطات تحرّض الشباب على الفتنة.‏ وسرعان ما انتهى بي الامر الى معسكر مايدانِك للإبادة في بولندا.‏ كنا نعزّ كثيرا معاشرة الاخوة والاخوات.‏ وفي المعسكر،‏ صار تصميمنا على الكرازة اقوى من ذي قبل.‏ فكثيرون هناك اظهروا اهتماما بالحق،‏ فأخذنا نبحث عن طرائق للشهادة عن ملكوت يهوه.‏ وفي احدى المرات جُلدتُ ٢٥ جلدة بسوط له سَير مزدوج.‏ فوقفت وقلت بصوت عالٍ بالالمانية:‏ ‏«دانكي شون!‏»‏ (‏«شكرا لكم!‏»)‏.‏ فقال احد الالمان:‏ «انظروا ما اشجع هذا الفتى!‏ فنحن نجلده وهو يشكرنا».‏ وكل ظهري ازرقَّ من الجَلد.‏

كان العمل صعبا،‏ فتلاشت قوانا من التعب.‏ وكل مَن مات وُضع في محرقة الجثث التي كانت تعمل ليل نهار.‏ وكنت اقول في نفسي ان مصيري هو المحرقة وأنني سأنتهي اليها قريبا،‏ اذ لم يخيَّل الي ان اغادر المعسكر على قيد الحياة.‏ ولكن جاء خلاصي عندما جُرِحت.‏ فقد كان كل الاصحاء نسبيا يُجبَرون على العمل في ذلك المعسكر،‏ اما البقية فيرسَلون الى معسكرات اخرى.‏ وهكذا أُرسلت بعد اسبوعين الى معسكر الاعتقال في رَڤنسْبروك.‏

عندما اشرفت الحرب على الانتهاء،‏ سمعت اشاعات تقول ان الالمان سيقتلوننا جميعا عما قريب.‏ ثم علمت ان الحراس هربوا.‏ فتفرَّق جميع السجناء عندما ادركوا انهم صاروا احرارا.‏ وقد انتهى بي الامر الى النمسا،‏ حيث طُلب مني التطوع في الجيش.‏ فرفضتُ على الفور،‏ وقلت انه سبق لي ان أُرسلت الى معسكرَي اعتقال بسبب معتقداتي الدينية.‏ فسُمح لي بالعودة الى دياري في اوكرانيا،‏ التي كانت آنذاك جزءا من الاتحاد السوفياتي.‏ وفي سنة ١٩٤٩ تزوجت ييكاترينا التي صارت رفيقة دربي الامينة.‏ ثم اعتُقلت سنة ١٩٥٨ وأُرسلت الى معسكر للعمل الإلزامي في موردڤينا.‏

بعد اطلاق سراحي،‏ شاركت في طباعة المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وفي احد الايام،‏ سنة ١٩٨٦،‏ عملنا طوال الليل على طباعة ٢٠٠‏,١ صفحة.‏ فكدّسنا الاوراق اينما كان —‏ على الارض والاسرّة وغيرها.‏ وفجأة ظهر عند الباب عميل للمخابرات السوفياتية قال انه اتى «لمجرد التحدث الينا».‏ فسألته ييكاترينا اين يريد ذلك،‏ دون ان تدرك انه قد يطلب الدخول الى المنزل.‏ ولكن من المفرح انه اراد التحدث الينا في مطبخنا الخارجي.‏ فلو دخل البيت،‏ لاعتُقلنا جميعا.‏

لا نزال حتى هذا اليوم نحاول العيش وفق انتذارنا وفعل كل شيء لأجل البشارة.‏ كما ان اولادنا الستة وأحفادنا الـ‍ ٢٣ وابنتَي حفيدنا يخدمون يهوه بأمانة،‏ ونحن نشكر يهوه لأن اولادنا يواصلون السير في الحق.‏

‏[الاطار في الصفحة ١٢٢]‏

السجن الانفرادي

كان السجن الانفرادي في النظام الجنائي السوفياتي وسيلة شائعة لمعاقبة الاشخاص الذين يرفضون تسليم المطبوعات الدينية طوعا.‏ وكان السجناء يُعطَون لباسا قطنيا باليا ويُحتجزون في زنزانات.‏

تخيّل الزنزانة في سجن كهذا.‏ انها عبارة عن حجرة صغيرة تناهز مساحتها تسعة امتار مربعة،‏ وهي معتمة ورطبة وقذرة وباردة جدا وخصوصا في الشتاء،‏ ولها جدران اسمنتية خشنة الملمس.‏ وتخترق احدَ الجدران (‏سمكه متر)‏ نافذةٌ صغيرة تكسرت بعض ألواحها الزجاجية.‏ كما وُضع في فجوة جدار مصباحٌ كهربائي يرسل ضوءا خفيفا،‏ وهو مغطى بصفيحة حديدية ذات ثقوب صغيرة.‏ والشيء الوحيد الذي تستطيع الجلوس عليه،‏ غير الارض الاسمنتية،‏ هو نتوء ضيق شبيه بالمقعد خارج من الحائط.‏ لكنك لا تستطيع الجلوس عليه طويلا.‏ فسرعان ما تشعر بالتعب والالم في عضلات الساقين والظهر،‏ كما ان الجدار الخشن يجرّح ظهرك.‏

وفي الليل،‏ يدفع الحراس الى الداخل صندوقا خشبيا قليل الارتفاع مشدودا بشرائط معدنية لكي تنام عليه.‏ فتستلقي على ألواحه الخشبية ذات الاجزاء المعدنية،‏ لكن البرد يطرد النوم من عينيك،‏ فلا بطانيات لديك لتدفئك.‏ وعموما،‏ يحصل السجناء الانفراديون على ٣٠٠ غرام من الخبز مرة في اليوم وعلى حساء رقيق مرة كل ثلاثة ايام.‏

اما المرحاض فهو عبارة عن قسطل في الارض تنبعث منه رائحة كريهة للغاية.‏ وبعض الزنزانات مجهزة بمراوح تسحب الرائحة القذرة من قساطل المجارير وتقذفها الى داخل الزنزانة.‏ وفي بعض الاحيان يشغِّل المسؤولون المروحة ليُضعفوا معنويات السجين ويزيدوا من معاناته.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٢٤،‏ ١٢٥]‏

المعسكر الموردڤيني رقم ١

بين سنتي ١٩٥٩ و ١٩٦٦،‏ قضى اكثر من ٤٥٠ اخا فترة عقوبة في هذا المعسكر الذي اتسع لـ‍ ٦٠٠ سجين،‏ وهو احد المعسكرات الـ‍ ١٩ للعمل الالزامي في منطقة موردڤينا.‏ وكان سياج من الاسلاك الشائكة المكهربة بارتفاع ثلاثة امتار (‏١٠ اقدام)‏ تقريبا يحيط بهذا المعسكر،‏ وحول السياج نُصب ١٣ سياجا اضافيا من الاسلاك الشائكة.‏ وكانت الارض المحيطة بالمعسكر تُحرَث بشكل دائم لكي تترك اقدامُ الفارّين آثارا على الارض.‏

حاولت السلطات إضعاف الشهود جسديا ونفسيا بعزلهم كليا عن العالم الخارجي.‏ لكن الاخوة نجحوا في تنظيم نشاطات ثيوقراطية داخل المعسكر.‏

فقد تحول المعسكر نفسه الى دائرة يخدمها ناظر دائرة خاص بها.‏ وتألفت هذه الدائرة من اربع جماعات تضم ٢٨ فريقا لدرس كتاب.‏ ولكي يبقى الجميع اقوياء روحيا،‏ قرر الاخوة عقد سبعة اجتماعات في الاسبوع.‏ في البداية لم يكن في حوزتهم سوى كتاب مقدس واحد،‏ فوضعوا برنامجا لتقرأ الكتاب المقدس جماعة تلو الاخرى.‏ وعندما سنحت اول فرصة،‏ بدأ الاخوة ينسخون الكتاب المقدس.‏ فنُسخ كل سفر باليد على دفتر ملاحظات منفصل،‏ وأُخفي الكتاب الاصلي في مكان آمن.‏ بهذه الطريقة استطاع الاخوة متابعة البرنامج المقرر لقراءة الكتاب المقدس.‏ كما رُتِّب لعقد درس برج المراقبة.‏ فكانت الاخوات الآتيات لزيارة ازواجهن يُدخِلن الى المعسكر نُسخا صغيرة جدا من المجلات،‏ وذلك بوضعها في افواههن او كعوب احذيتهن او بوضع قصاصات رفيعة في شعرهن المضفور.‏ وقد أُلقي اخوة كثيرون في السجن الانفرادي فترة تتراوح بين يوم و ١٥ يوما لأنهم نسخوا المطبوعات يدويا.‏

كان السجن الانفرادي بعيدا ومعزولا عن السجناء الآخرين.‏ وقد حرص المسؤولون على منع الشهود من قراءة اي شيء عندما يكونون هناك.‏ ومع ذلك،‏ ابتكر الاخوة الآخرون طرائق لتزويدهم بالطعام الروحي.‏ فكان اخ يصعد على سطح بناء مشرف على الساحة التي يؤخذ اليها السجناء الانفراديون للمشي،‏ وكان يحمل معه اوراقا صغيرة كُتبت عليها آيات من الكتاب المقدس وجُعّدت حتى صارت على شكل كرات صغيرة قطرها سنتيمتر واحد.‏ ثم يضع الكرة الورقية في طرف انبوب طويل وينفخها باتجاه الشاهد الذي يمشي في الساحة تحته.‏ فينحني الشاهد بحجة ربط شريط حذائه ويلتقط الطعام الروحي دون ان يراه احد.‏

كان الفطور والعشاء المخصصان للمساجين يتألفان من دقيق مطبوخ بالحليب وممزوج بقليل من زيت بزر القطن.‏ اما الغداء فاشتمل على حساء رقيق من الشمندر او غيره،‏ الى جانب طبق رئيسي بسيط.‏ وكان الخبز الذي يأكله السجناء يشبه اللبّاد المستخدَم في صنع الجزمات.‏ يذكر إيڤان ميكيتكوڤ:‏ «قضيتُ في هذا المعسكر سبع سنوات،‏ ومعظم الوقت كنا نشعر بآلام مبرحة في المعدة».‏

ظل ايمان الاخوة راسخا.‏ ولم يتمكن السجن الانفرادي من زعزعة الاستقرار الروحي السائد بين خدام اللّٰه الاولياء،‏ الذين واصلوا الاعراب عن الايمان والمحبة للّٰه والقريب.‏ —‏ مت ٢٢:‏٣٧-‏٣٩‏.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٣١،‏ ١٣٢]‏

سألتني:‏ «لماذا تبكين؟‏»‏

پولينا ڠوتشميت

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٢

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٦٢

لمحة عن حياتها:‏ تزوجَت من ڤيكتور ڠوتشميت.‏ وحين كانت في السجن،‏ لفت نظرها اللطف الذي اظهره شهود يهوه.‏

كنت مؤمنة بالمُثل الشيوعية وشديدة الاخلاص لها.‏ لكن الشيوعيين اعتقلوني في ايار (‏مايو)‏ ١٩٤٤ وأرسلوني الى معسكر للعمل الالزامي في ڤوركوتا.‏ وطوال ثلاث سنوات لم أُخبَر عن سبب اعتقالي.‏ في البداية ظننت ان في الامر خطأ،‏ فتوقعت اطلاق سراحي.‏ ولكن حُكم علي بالسجن عشر سنوات في احد المعسكرات بتهمة ابداء ملاحظات معادية للسوفيات.‏

وإذ كانت لي خبرة في المجال الطبي،‏ عملت في مستشفى المعسكر خلال السنوات القليلة الاولى من سجني.‏ وفي سنة ١٩٤٩ نُقلت الى معسكر للسجناء السياسيين في إنتا.‏ كان النظام في المعسكر اشد صرامة بكثير.‏ وغلبت مشاعر الاستياء واليأس على السجناء،‏ الذين اتصفوا بالفظاظة واللامبالاة؛‏ كما انتشر بينهم الفساد الادبي.‏ وقد ازداد الوضع المتوتر سوءا بسبب سريان شائعات زعمت ان الجميع في المعسكر سيُقتلون او يُحكم عليهم بالسجن المؤبد.‏ وتحت وطأة هذا الضغط،‏ اصيب عدة سجناء بالجنون.‏ ومن كثرة ما وُجد مخبِرون في المعسكر،‏ انعدمت الثقة بين السجناء وصاروا يكرهون بعضهم بعضا.‏ كما عزلوا انفسهم عن الآخرين محاولين التكيف مع الوضع بأحسن ما يمكن.‏ وقد تفشت بينهم روح الانانية والجشع.‏

لكن مجموعة من نحو ٤٠ سجينة كن مختلفات جدا عن غيرهن.‏ فقد كنَّ دائما معا،‏ والمدهش هو انهن حافظن على نضارتهن ونظافتهن واستمررن يعربن عن اللطف والتعاطف.‏ وكن بمعظمهن شابات،‏ حتى انه وُجدت بينهن فتيات صغيرات.‏ وقد علمتُ انهن مؤمنات متديّنات من شهود يهوه.‏ كانت معاملة السجينات لهن تختلف باختلاف الاشخاص.‏ فالبعض كن لئيمات وعدائيات معهن،‏ والبعض الآخر معجبات بسلوكهن وخصوصا محبتهن بعضهن لبعض.‏ مثلا،‏ عندما تمرض واحدة من الشهود،‏ كانت الاخريات يتناوبن على السهر الى جانب سريرها.‏ وهذا الامر يُعدّ غريبا جدا في المعسكر.‏

وما ادهشني هو انهن كن ودودات بعضهن نحو بعض رغم انتمائهن الى قوميات مختلفة.‏ في ذلك الوقت ما عادت الحياة تعني لي شيئا.‏ وفي احدى المرات كنت مثبطة للغاية،‏ فجلست ورحت ابكي.‏ فاقتربت مني واحدة منهن وسألتني:‏ «پولينا،‏ لماذا تبكين؟‏».‏

فأجبتها:‏ «لا اريد ان اعيش».‏

عندئذ بدأت الفتاة،‏ واسمها ليديا نيكولينا،‏ تواسيني.‏ وأخبرتني عن القصد من الحياة وكيف ان اللّٰه سيحل كل مشاكل الجنس البشري،‏ فضلا عن امور كثيرة اخرى.‏ في تموز (‏يوليو)‏ ١٩٥٤ أُطلق سراحي.‏ وبحلول ذلك الوقت كنت قد تعلمت الكثير من شهود يهوه،‏ وفرَّحني جدا ان اصير واحدة منهم.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٤٠،‏ ١٤١]‏

من مهندس عسكري الى كارز بالبشارة

فلاديمير نيكولاڤسكي تاريخ الولادة:‏ ١٩٠٧

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٥٥

لمحة عن حياته:‏ نُقل ٢٥٦ مرة الى معسكرات وسجون مختلفة.‏ ومات عام ١٩٩٩.‏

تخرجت من معهد هندسة الاتصالات في موسكو عام ١٩٣٢.‏ وعملت حتى عام ١٩٤١ كمهندس ورئيس للمهندسين المعماريين في احد معاهد موسكو.‏ وقد صمّمت اجهزة خصوصية للسفن الحربية.‏ وخلال الحرب سُجنت،‏ ثم أُرسلت الى معسكر في قرية كنڠير بوسط قازاخستان.‏

لفت انتباهي هناك فريق من شهود يهوه كانوا مختلفين عن بقية السجناء.‏ فكان هنالك نحو ٨٠ شاهدا بين ٠٠٠‏,١٤ سجين تقريبا في ثلاثة اجنحة للمعسكر.‏ وقد برز الفرق بين الشهود وبقية السجناء ولا سيما اثناء انتفاضة كنڠير سنة ١٩٥٤.‏ فشهود يهوه لم يشتركوا في التمرد،‏ حتى انهم رفضوا الاستعداد له.‏ كما اعربوا عن رزانة مذهلة وحاولوا ان يشرحوا موقفهم للسجناء الآخرين.‏ فتأثرت كثيرا بمسلكهم وسألتهم عن معتقداتهم.‏ وبعد مدة نذرت حياتي ليهوه.‏ وقد امتُحن ايمان الشهود في المعسكر،‏ خصوصا عندما قمعت القوات المسلحة الانتفاضة بالدبابات.‏

أُخبرت ذات مرة ان قائدين اتيا من موسكو بهدف مقابلتي.‏ وقد قال احدهما لي:‏ «يكفي ذلك يا فلاديمير.‏ فأنت مهندس عسكري ومعماري،‏ وبلدك بحاجة اليك.‏ نريد ان ترجع الى العمل الذي كنت تقوم به قبلا.‏ فكيف يمكنك ان تفرح بوجودك بين اشخاص غير متعلمين؟‏!‏».‏

فأجبته:‏ «ليس هنالك ما افتخر به.‏ فكل مواهب الانسان هي من اللّٰه.‏ والذين يطيعونه سيتمتعون بحكم ملكوت المسيح الالفي،‏ الذي في ظله سيصبح البشر كاملين ومتعلمين بكل ما في الكلمة من معنى».‏

كنت سعيدا جدا اذ سنحت لي الفرصة ان اتحدث الى هذَين القائدين عن الحق.‏ وقد توسلا اليّ عدة مرات ان استأنف عملي السابق.‏ لكنني طلبت منهما ألا يزعجاني بل يتركاني في المعسكر مع اخوتي الروحيين الذين احببتهم كثيرا.‏

عام ١٩٥٥ أُبطل الحكم الصادر في حقي.‏ وابتدأت العمل في مؤسسة للهندسة المعمارية لا تمت بصلة الى القوات المسلحة.‏ ونتيجة للجهود التي بذلتها لزرع بذار الحق بوفرة،‏ ابتدأت بعقد درس في الكتاب المقدس مع عائلة احد المهندسين.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى اصبح هو وكل عائلته شهودا ليهوه وكارزين غيورين.‏ لكن المخابرات السوفياتية كانت تراقبني،‏ وأثناء احدى حملات التفتيش وجدوا مطبوعات للكتاب المقدس في شقتي.‏ فحكمت عليّ المحكمة بالسجن ٢٥ سنة،‏ وأُرسلت الى معسكر للعمل الالزامي في مدينة كراسنويارسك بسيبيريا.‏ وقد نُقلت عدة مرات الى معسكرات وسجون مختلفة.‏ ووفق حساباتي التي اجريتها ذات مرة،‏ جرى نقلي ٢٥٦ مرة خلال السنين التي عشتها.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٤٧،‏ ١٤٨]‏

احتجنا الى حقائب كبيرة

نادييجْدا ياروش

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٦

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٥٧

لمحة عن حياتها:‏ تعلمت نادييجْدا الحق في معسكر اعتقال رَڤنسْبروك.‏ وبعد عودتها الى الاتحاد السوفياتي عملت طوال سنوات كساعية للمطبوعات.‏ وهي تعيش الآن في القوقاز.‏

عندما دخلت الى معسكر الاعتقال عام ١٩٤٣،‏ فقدت كل اهتمام بالحياة.‏ وبقيت على هذه الحالة حتى التقيت شهود يهوه.‏ وكم شعرت بالسعادة عندما عدت الى موطني في اوكرانيا ولي رجاء راسخ بالعيش الى الابد على ارض فردوسية!‏ ثم ابتدأت اراسل بعض الشاهدات لأدعم نفسي روحيا.‏ لكن المخابرات السوفياتية احتجزت رسائلي،‏ وسرعان ما حُكم عليّ بالسجن ١٥ سنة في احد المعسكرات.‏

في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٤٧ أُرسلت الى معسكر في كوليما،‏ حيث قضيت فترة عقوبتي دون ان ارى ايّ شاهد آخر.‏ وقد ساعدني يهوه على الكرازة.‏ فأعربت يفدوكيا،‏ احدى السجينات،‏ عن اهتمام بالكتاب المقدس.‏ وصرنا صديقتَين تدعم الواحدة الاخرى روحيا وعاطفيا على السواء.‏ وصحيح ان معرفتي للكتاب المقدس كانت محدودة،‏ لكن ما تعلمته كان كافيا لأحافظ على استقامتي امام يهوه.‏

وفي اوائل سنة ١٩٥٧،‏ اي بعد سنة من اطلاق سراحي،‏ انتقلت الى سويتيكا في اقليم إركوتْسْك.‏ فاستقبلني الاخوة بحفاوة وحسن ضيافة،‏ كما ساعدوني على ايجاد عمل وشقة.‏ ولكن اكثر ما ابهجني هو انهم طلبوا مني الاشتراك في النشاطات الثيوقراطية.‏ وإذ كنت لا ازال غير معتمدة،‏ اعتمدت في حوض استحمام كبير.‏ عندئذ اصبحت جاهزة لتحمل المسؤوليات في هيئة يهوه.‏ وقد شملت مسؤولياتي تسليم مطبوعات الكتاب المقدس والمراسلات.‏

كان يجب تسليم المطبوعات في كل انحاء سيبيريا ووسط روسيا وغرب أوكرانيا.‏ ولزم التخطيط مسبقا لكل شيء بشكل جيد.‏ فلكي ننقل المطبوعات الى غرب اوكرانيا احتجنا الى حقائب كبيرة.‏ وفي احدى المرات،‏ عند محطة ياروسلاڤل في موسكو،‏ انكسر قفل احدى الحقائب وسقطت كل المطبوعات ارضا.‏ فحافظت على هدوئي وأخذت اصلي وأنا اجمع المطبوعات بغير عجلة،‏ ثم حزمتها كيفما كان وغادرت المحطة بسرعة.‏ ولحسن التوفيق لم يلاحظ احد ذلك.‏

وفي مناسبة اخرى،‏ اخذت حقيبتين مملوءتين مطبوعات من اوكرانيا الى سيبيريا مرورا بموسكو.‏ ووضعت احداهما تحت السرير السفلي لمقصورة القطار.‏ فأتى الى المقصورة عميلان للمخابرات السوفياتية كانا مسافرَين.‏ وأثناء حديثهما اتيا على ذكر الشهود الذين،‏ كما قالا،‏ «ينشرون المطبوعات ويحاولون تهييج الشعب ضد الحكومة السوفياتية».‏ فحاولت المحافظة على الهدوء وعدم اثارة الشك،‏ وخصوصا لأنهما كانا تقريبا جالسين على المطبوعات.‏

كنت دائما مستعدة لأن أُعتقل في اي وقت،‏ سواء اثناء تسليم المطبوعات او عند اتمام التعيينات الاخرى.‏ وواجهت حالات كثيرة تعلمت فيها الاتكال على يهوه في كل شيء.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٥٨،‏ ١٥٩]‏

‏«شعبكم مختلف تماما»‏

زينِييدا كوزيريڤا

تاريخ الولادة:‏ ١٩١٩

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٥٨

لمحة عن حياتها:‏ قضت سنوات عديدة في مختلف المعسكرات وماتت عام ٢٠٠٢.‏

كنت من الطفولية اتوق الى خدمة اللّٰه.‏ وفي سنة ١٩٤٢ اخذتني رفيقتي المخلصة الى كنيستها الارثوذكسية الروسية لئلا «ينتهي بي الامر الى الجحيم»،‏ على حد قولها.‏ لكن الكاهن رفض ان يعمدني بعد ان علم انني اوسيشية.‏ ثم بدل رأيه وعمدني بعد ان اعطته صديقتي مبلغا من المال.‏ وفي بحثي عن الحق عاشرت اشخاصا مجيئيين وخمسينيين ومعمدانيين.‏ وبسبب ذلك حكمت السلطات بإرسالي الى معسكر للعمل الالزامي.‏ وهناك التقيت الشهود،‏ فأدركت على الفور انهم يعرفون الحق.‏ وبعد اطلاق سراحي سنة ١٩٥٢ عدت الى موطني وابتدأت اكرز بالبشارة.‏

وفي صبيحة احد الايام،‏ في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٥٨،‏ سمعت قرعا قويا على الباب.‏ ثم اندفع الجنود الى داخل بيتنا وبدأوا يفتشونه،‏ فيما حشرني اثنان منهم في احدى زوايا البيت.‏ فاستيقظ ابي وخاف كثيرا على عائلته وخصوصا ابناءه.‏ فأنا كنت الابنة الوحيدة بين خمسة ابناء.‏ وعندما رأى ابي كيف يفتش الجنود كل الغرف والعلية،‏ عرف ان الامر له علاقة بإيماني.‏ فالتقط بندقية وصرخ:‏ «جاسوسة اميركية!‏».‏ وحاول ان يطلق عليّ النار،‏ لكن الجنود انتزعوا منه البندقية.‏ ولم اصدق ان ابي كان يمكن ان يطلق عليّ النار!‏ وبعدما انتهوا من التفتيش اخذوني في شاحنة غير مكشوفة،‏ لكنني كنت سعيدة ببقائي على قيد الحياة.‏ وقد حُكم علي بالسجن عشر سنوات بسبب نشاطاتي الدينية.‏

في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٦٥ أُطلق سراحي قبل ان تنتهي مدة العقوبة.‏ ففرح والداي برؤيتي،‏ لكن ابي لم يرد ان ابقى في البيت.‏ غير انني فوجئت حين اجبر موظفو المخابرات السوفياتية ابي ان يسجلني رسميا كشخص يسكن بيته،‏ حتى انهم ساعدوني على ايجاد عمل.‏ وبقي ابي عدائيا نحوي،‏ لكن موقفه ابتدأ يتغير بعد فترة.‏ وأصبح يقابل الاخوة والاخوات عندما يأتون لزيارتي.‏ اما اشقائي فكانوا عاطلين عن العمل ومشاكسين يفرطون في شرب الكحول.‏ وقد قال لي ابي ذات مرة:‏ «ارى ان شعبكِ مختلف تماما عما كنت اعتقد.‏ اريد ان اعطيك غرفة خاصة بكِ لكي تعقدوا فيها اجتماعاتكم».‏ فلم اصدق ما سمعته!‏ وخصص لي ابي غرفة كبيرة وقال:‏ «لا تخافي!‏ حين تجتمعون كلكم معا سأقف حارسا ولن يدخل احد اليكم».‏ وهذا ما حدث تماما،‏ فالجميع يعرفون شخصية ابي المتصلبة.‏

وهكذا عقدنا اجتماعاتنا المسيحية تحت سقف بيتي وبحماية يهوه وأبي.‏ وكان عدد الحضور يصل احيانا الى ٣٠ شخصا،‏ وهو عدد الشهود الذين كانوا آنذاك في أوسيشيا.‏ وكنت افرح كثيرا حين انظر من النافذة وأرى والدَي جالسَين في الشارع فيما يقومان بحراستنا.‏ واليوم هنالك في أوسيشيا نحو ٦٠٠‏,٢ ناشر غيور ينادون بملكوت يهوه.‏ —‏ اش ٦٠:‏٢٢‏.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٦٢،‏ ١٦٣]‏

كنت الشاهد الوحيد الذي بقي في المعسكر

كونستانتين سكريپتشوك

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٢

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٥٦

لمحة عن حياته:‏ تعلم الحق عام ١٩٥٣ في معسكر للعمل الالزامي واعتمد هناك عام ١٩٥٦.‏ وقضى ٢٥ سنة متتالية في السجن كواحد من شهود يهوه.‏ ثم مات عام ٢٠٠٣.‏

التقيت اخا يُدعى ڤاسيلي في احدى الزنزانات في اوائل سنة ١٩٥٣.‏ وقال لي انه مسجون بسبب ايمانه باللّٰه.‏ فلم استطع ان افهم كيف يمكن ان يُزج شخص في السجن من اجل معتقداته.‏ وقد ازعجني ذلك كثيرا حتى انني لم استطع النوم.‏ وفي اليوم التالي شرح الاخ لي المسألة.‏ ومع الوقت اقتنعتُ بأن الكتاب المقدس هو كتاب من اللّٰه.‏

اعتمدت سنة ١٩٥٦.‏ وفي نهاية تلك السنة قام المسؤولون بحملة تفتيش،‏ فوجدوا في حوزتنا كمية كبيرة من مطبوعات الكتاب المقدس.‏ وبعد تحقيقات دامت حوالي سنة،‏ حكمت عليّ المحكمة عام ١٩٥٨ بالسجن ٢٣ سنة بسبب نشاطي الديني.‏ وكنت آنذاك قد قضيت خمس سنوات ونصفا في المعسكرات.‏ وهكذا،‏ بقيت مسجونا طوال ٢٨ سنة وستة اشهر دون ان اذوق طعم الحرية.‏

وفي نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٦٢ اعلنت المحكمة انني «مجرم بالغ الخطورة»،‏ ثم نُقلت الى معسكر خاضع لحراسة مشددة حيث قضيت ١١ سنة.‏ وهنالك امور كثيرة جعلت هذا المعسكر «مميّزا».‏ مثلا،‏ كان المبلغ الذي يحصل عليه الشخص لشراء الطعام يساوي ١١ «كوپيكًا» في اليوم،‏ اي اقل من القيمة اللازمة لشراء رغيف خبز في ذلك الوقت.‏ فبلغ وزني ٥٩ كيلوغراما وأنا بطول ١٩٢ سنتيمترا.‏ وابتدأ جلدي يتغضن ويتقشر.‏

كنت عامل بناء جيدا،‏ لذلك أُرسلت في اغلب الاحيان الى شقق المسؤولين لإجراء الترميمات.‏ ولم يكن احد يخاف مني،‏ حتى ان القاطنين في الشقق لم يروا داعيا الى اخفاء ممتلكاتهم.‏ وحين علمت زوجة احد المسؤولين انني سأعمل في شقتها،‏ لم ترسل ابنها البالغ من العمر ست سنوات الى روضة الاطفال.‏ فكان ذلك امرا لافتا للنظر:‏ «مجرم بالغ الخطورة» يقضي وحده يوما كاملا في شقة مع ولد بعمر ست سنوات!‏ فمن الواضح ان لا احد صدّق انني مجرم،‏ فكيف يصدقون انني «مجرم بالغ الخطورة»؟‏!‏

مع الوقت أُطلق سراح كل الاخوة في معسكرنا.‏ فأصبحت عام ١٩٧٤ الشاهد الوحيد في المعسكر.‏ وبقيت هناك سبع سنوات اضافية حتى أُطلق سراحي في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٨١.‏ ولكن كيف استمر يهوه في دعمي روحيا؟‏ طوال السنوات السبع هذه،‏ تسلمت برج المراقبة في رسائل.‏ فكان احد الاخوة يرسل إليّ بانتظام رسائل تحتوي على مقالات من عدد جديد منسوخة باليد بخط واضح ومرتب.‏ وفي كل مرة كان مراقب المعسكر يسلمني الرسالة مفتوحة.‏ فكلانا عرف ما تحتويه الرسالة.‏ وإلى هذا اليوم لا اعرف ما الذي دفعه الى القيام بهذه المجازفة،‏ لكنني مسرور انه عمل هناك طوال السنوات السبع.‏ وفي الدرجة الاولى انا شاكر ليهوه.‏ فخلال كل تلك السنوات تعلمت ان اتكل عليه ونلت القوة منه.‏ —‏ ١ بط ٥:‏٧‏.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٦٨،‏ ١٦٩]‏

بعد الحرب عدت الى روسيا

ألِكسي نيپوتشاتوڤ

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢١

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٥٦

لمحة عن حياته:‏ تعلّم الحق في معسكر اعتقال بوكنْوُلد عام ١٩٤٣،‏ وقضى ١٩ سنة في السجن في روسيا.‏ كما خدم كفاتح عادي اكثر من ٣٠ سنة كان العمل في معظمها تحت الحظر.‏

أُرسل ألِكسي وهو بعمر ٢٠ سنة الى معسكر اعتقال اوشڤيتس في المانيا النازية.‏ ونُقل في وقت لاحق الى معسكر بوكنْوُلد حيث تعلّم الحق.‏ وقُبيل اطلاق سراحه قال له اثنان من الشهود الممسوحين:‏ «من المستحسن يا ألِكسي ان تعود بعد الحرب الى روسيا.‏ فهي بلد كبير في حاجة ماسة الى حصادين.‏ لكن الوضع هناك صعب،‏ فكن مستعدا لمواجهة اي نوع من التجارب.‏ ونحن سنصلي لأجلك ولأجل الذين يسمعون لك».‏

حرّر البريطانيون ألِكسي عام ١٩٤٥.‏ فعاد الى روسيا حيث حُكم عليه فورا بالسجن عشر سنوات بسبب رفضه الانتخاب.‏ يكتب قائلا:‏ «في البداية كنت الشاهد الوحيد في السجن.‏ وطلبت من يهوه التوجيه في بحثي عن الخراف،‏ فلم يمضِ وقت طويل حتى اصبحنا ١٣ شخصا.‏ وخلال فترة السجن كلها لم يكن في حوزتنا مطبوعات للكتاب المقدس.‏ فكنا ننسخ آيات مقتبسة في الروايات التي استعرناها من مكتبة السجن».‏

انهى ألِكسي فترة عقوبته،‏ التي سُجن فيها عشر سنوات.‏ وبعد اطلاق سراحه ذهب الى منطقة علم ان فيها اناسا كثيرين يؤمنون بيسوع.‏ يقول:‏ «كان الناس جائعين روحيا.‏ فقد اتوا إليّ في النهار وفي الليل،‏ جالبين اولادهم معهم.‏ وكانوا يتحققون ان كل ما يسمعونه مؤسس على الكتاب المقدس».‏

وفي السنوات القليلة التي تلت ساعد ألِكسي اكثر من ٧٠ شخصا على اتخاذ خطوة المعمودية.‏ وأحد هؤلاء الاشخاص كان ماريّا التي تزوجها.‏ يذكر قائلا:‏ «كانت المخابرات السوفياتية تبحث عني.‏ فاعتُقلت وحُكم عليّ بالسجن ٢٥ سنة.‏ ثم اعتقلوا ماريّا.‏ وقبل محاكمتها قضت سبعة اشهر في السجن الانفرادي.‏ وقد قال لها المحقق انه مستعد ان يطلق سراحها على الفور اذا انكرت يهوه.‏ لكن ماريّا رفضت،‏ فحكمت المحكمة عليها بالسجن سبع سنوات في معسكرات العمل الالزامي.‏ فأخذت احدى الاخوات طفلتنا الصغيرة واعتنت بها».‏

أُطلق سراح ألِكسي وماريّا قبل انتهاء فترة عقوبتهما،‏ وانتقلا الى اقليم تڤير.‏ وهناك واجها مقاومة شديدة من السلطات والناس المحليين،‏ كما اضرم احد الجيران النار في بيتهما.‏ وفي السنوات التي تلت أُجبرا على الانتقال مرات عديدة من مكان سكنهما،‏ لكنهما كانا يتلمذان اشخاصا جددا في كل مكان جديد ينتقلان اليه.‏

يقول ألِكسي:‏ «خلال سنوات سجننا لم نستطع قراءة كلمة اللّٰه.‏ ومنذ ذلك الوقت وضعنا هدف قراءة الكتاب المقدس كل يوم.‏ وحتى الآن قرأنا انا وماريّا الكتاب المقدس بكامله اكثر من ٤٠ مرة.‏ فكلمة اللّٰه هي التي تمنحنا القوة والغيرة في الخدمة».‏

قضى ألِكسي ما مجموعه ٤ سنوات في معسكرات الاعتقال النازية و ١٩ سنة في سجون ومعسكرات روسيا.‏ وخلال السنوات الـ‍ ٣٠ التي خدم فيها كفاتح،‏ ساعد هو وزوجته اناسا كثيرين على التعرّف بيهوه وتنمية المحبة له.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٧٧،‏ ١٧٨]‏

كان الجندي على حق

رجينا كوكوشكينا

تاريخ الولادة:‏ ١٩١٤

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٧

لمحة عن حياتها:‏ رغم انها لم تتمكن طوال سنوات من الاتصال بالجماعة،‏ استمرت بأمانة تكرز بالبشارة.‏

عام ١٩٤٧ تحدثت إليّ شاهدة في السوق.‏ ثم زرتها في بيتها مساء وتحدثنا ساعات طويلة.‏ وعلى الفور قررت ان اخدم يهوه بغيرة مثلها.‏ وقلت لها:‏ «انت تكرزين،‏ وأنا سأحذو حذوك».‏

في سنة ١٩٤٩ اعتُقلت في لڤيف،‏ اوكرانيا،‏ بسبب عمل الكرازة وأُبعدت عن زوجي وابنتَيّ الصغيرتَين.‏ وفي جلسة مغلقة حكمت علي محكمة مؤلفة من ثلاثة قضاة بالموت رميا بالرصاص.‏ وأثناء قراءة الحكم،‏ اضافت واحدة من القضاة الثلاثة:‏ «لأنك امّ لولدين،‏ قررنا ان نخفف حكم الاعدام الى السجن ٢٥ سنة».‏

أُخذت الى زنزانة لا يوجد فيها سوى الرجال.‏ وكانوا يعرفون مسبقا انني واحدة من شهود يهوه.‏ ولدى سماعهم انه حُكم عليّ بالسجن ٢٥ سنة تعجبوا من هدوئي.‏ وأثناء نقلي من هذه الزنزانة،‏ اعطاني جندي شاب كمية من الطعام وقال لي بلطف:‏ «لا تخافي،‏ كل شيء سيكون على ما يُرام».‏

سُجنت في معسكر شمال روسيا حتى عام ١٩٥٣.‏ وضم المعسكر الكثير من الاخوات من مختلف جمهوريات الاتحاد السوفياتي.‏ وقد احببنا بعضنا البعض وكأننا عائلة.‏

حاولنا نحن الاخوات بسلوكنا ان نعطي الآخرين شهادة حسنة على امل ان يدفعهم ذلك الى خدمة اللّٰه.‏ وكان علينا القيام بأعمال شاقة ساعات طويلة.‏ ثم أُطلق سراحي من المعسكر قبل اكمال مدة عقوبتي،‏ انما لينتهي بي الامر الى نوع آخر من العزلة.‏ فطوال اكثر من خمس سنوات لم اتمكن من الاتصال بالجماعة.‏ وهذا كان اصعب بكثير من السجن.‏ ورغم هذا الوضع العسير شعرت دائما بدعم يهوه ومحبته المخلصة.‏ وكثيرا ما قرأت الكتاب المقدس وتأملت في ما قرأته،‏ الامر الذي قوّاني روحيا.‏

ساعدني يهوه على الاتصال بالشهود بطريقة فريدة.‏ فقد قرأت في صحيفة روسيا السوفياتية مقالة ازدرائية عن اخوتنا في أوسيشيا،‏ جنوب غرب روسيا.‏ وقالت المقالة ان نشاطات شهود يهوه معادية للمجتمع السوفياتي.‏ كما اوردت اسماء عائلات بعض الاخوة والاخوات مع عناوينهم.‏ ففرحت جدا بذلك.‏ وأخبرتهم بالرسائل انني ارغب في رؤيتهم.‏ وعندما التقينا شجعوني كثيرا وقالوا ان يهوه سمح بصدور المقالة لكي استطيع الاتصال بشعبه.‏

انا اليوم بعمر ٩٢ سنة.‏ وأقول بملء الثقة ان ذلك الجندي اللطيف كان على صواب.‏ فرغم الصعوبات التي مررت بها في حياتي،‏ كان دائما كل شيء على ما يُرام.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٨٨،‏ ١٨٩]‏

قوَّينا ‹اوتادنا› قدر الامكان

دمتري ليڤي

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢١

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٣

لمحة عن حياته:‏ خدم كعضو في لجنة البلد في روسيا اكثر من ٢٠ سنة،‏ وهو الآن شيخ في احدى جماعات سيبيريا.‏

في سنة ١٩٤٤،‏ قبل ستة اشهر من انتهاء الحرب العالمية الثانية،‏ مثَلتُ امام قاضٍ عسكري في قاعة محكمة بسبب حيادي المسيحي.‏ وحُكم علي بالموت رميا بالرصاص،‏ لكن الحكم خُفف الى السجن عشر سنوات في معسكرات العمل الالزامي الاصلاحية.‏

في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٤٥ أُخذت الى معسكر يقع في شمال روسيا،‏ وتحديدا في بلدة پتشورا بجمهورية كومي.‏ وكان هنالك عشرة من اخوتنا بين مئات المساجين في المعسكر.‏ ومن المؤسف ان نسختي الوحيدة من مجلة برج المراقبة صودرت مني،‏ فبقينا جميعا بلا طعام روحي.‏ كنت مرهقا جدا من الناحية الجسدية،‏ حتى انني لم اقوَ على العمل اطلاقا.‏ وقد قال لي اخ حين كنا نستحم في الحمام العمومي اني ابدو كهيكل عظمي.‏ فكان شكلي مثيرا جدا للشفقة،‏ الى حد اني نُقلت الى معسكر طبي في ڤوركوتا.‏

بعد فترة تحسنت صحتي قليلا،‏ فأُرسلت للعمل في المرملة.‏ ولم يمضِ شهر حتى صرت من جديد مثل هيكل عظمي.‏ فظن الطبيب اني اقايض طعامي بالتبغ،‏ لكني قلت له اني من شهود يهوه وإني لا ادخن.‏ بقيت في هذا المعسكر اكثر من سنتين.‏ ومع اني كنت الشاهد الوحيد،‏ لم يخلُ المكان من اشخاص يحبون الاستماع الى الحق،‏ وقد تجاوب بعضهم مع البشارة.‏

ذات مرة ارسل اقربائي الي نسخة مكتوبة باليد من برج المراقبة.‏ فكيف تمكنت من تسلمها مع ان المسؤول كان يفتش الطرود بتدقيق شديد؟‏ كانت الصفحات مطوية مرتين وموضوعة في قاعدة وعاء ذي قعر مزدوج ومغطاة بطبقة سميكة من الدهن.‏ وعندما ثقب المسؤول الوعاء ولم يجد شيئا مثيرا للارتياب،‏ اعطاني اياه.‏ وهكذا استفدت من هذا المصدر ‹للماء الحي› وقتا طويلا.‏ —‏ يو ٤:‏١٠‏.‏

في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٤٩ أُطلق سراحي قبل انتهاء فترة عقوبتي،‏ وفي تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ عدت الى بيتي في اوكرانيا.‏ وقد سمعنا ان عددا من الاخوة ذهبوا الى موسكو من اجل تسجيل عملنا،‏ ولكن يبدو ان السلطات لم تكن مستعدة للاعتراف بشهود يهوه في الاتحاد السوفياتي.‏

وفي ليلة ٨ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥١ وُضعنا في عربات قطار،‏ مع عائلات اخرى من شهود يهوه،‏ وأُرسلنا الى سيبيريا.‏ وبعد اسبوعين وصلنا الى قلب سيبيريا،‏ وتحديدا الى قرية خازان في اقليم إركوتْسْك.‏

كم تأثرت قلوبنا بكلمات اشعيا ٥٤:‏٢ التي تقول:‏ «اطيلي حبالك،‏ وقوّي اوتادك»!‏ وقد بدا اننا نتمم هذه النبوة.‏ فما كان احد منا ليذهب طوعا الى سيبيريا.‏ وشعرت انه علينا ان نقوّي اوتادنا قدر الامكان.‏ لذلك،‏ انا اعيش في سيبيريا حتى الآن،‏ اي منذ اكثر من ٥٥ سنة.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٩١،‏ ١٩٢]‏

لم امتلك قط بيتا اعيش فيه

ڤالنتينا ڠارنوفسْكايا

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٤

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٦٧

لمحة عن حياتها:‏ قضت ٢١ سنة في السجون والمعسكرات،‏ ١٨ سنة منها قبل معموديتها.‏ وساعدت ٤٤ شخصا على تعلم الحق قبل وفاتها سنة ٢٠٠١.‏

كنا نعيش انا وأمي في غرب روسيا البيضاء.‏ والتقيت بشهود يهوه في شباط (‏فبراير)‏ ١٩٤٥.‏ فقد جاء احد الاخوة الى منزلنا ثلاث مرات فقط ليرينا امورا من الكتاب المقدس.‏ ومع اني لم اره بعد ذلك قط،‏ بدأت اكرز للجيران والمعارف.‏ فاعتقلتني السلطات وحكمت علي بالسجن ثماني سنوات في المعسكرات.‏ فأُرسلت الى اقليم اوليانوڤسْك.‏

كنت في المعسكر اراقب السجينات الاخريات وأستمع الى محادثاتهن،‏ على امل ان ألتقي واحدة من شهود يهوه هناك.‏ وفي سنة ١٩٤٨،‏ سمعت بالصدفة سجينة تتحدث عن ملكوت اللّٰه.‏ كان اسم السجينة أسيا.‏ وكم ابهجني ان اتحدث معها في مواضيع روحية!‏ وبعد وقت قصير جُلبت ثلاث اخوات الى المعسكر.‏ وبما ان المطبوعات كانت نادرة لدينا،‏ حاولنا ان نعاشر بعضنا بعضا الى اقصى حد ممكن.‏

أُطلق سراحي سنة ١٩٥٣،‏ ولكن بعد ثلاث سنوات ونصف حُكم علي بالسجن عشرة اعوام بتهمة الكرازة.‏ فنُقلت سنة ١٩٥٧ الى المعسكر في كيميروڤو حيث كانت نحو ١٨٠ اختا مسجونة.‏ كان في حوزتنا دائما مطبوعات للكتاب المقدس.‏ وقد اخفيناها في الثلج اثناء الشتاء،‏ وبين العشب وفي الارض اثناء الصيف.‏ وحين كان الحراس يفتشون عنها،‏ كنت اخفي النسخ في كلتا يديَّ وأغطي كتفيَّ بشالٍ كبير،‏ ممسكة طرفيه بيديَّ.‏ وعند الانتقال من معسكر الى آخر،‏ كنت اعتمر قبعة خطتُها انا بنفسي وأضع فيها عدة اعداد من برج المراقبة.‏

في الآخِر تم ارسالي الى معسكر في موردڤينا.‏ وهناك كان يوجد كتاب مقدس مخفي في مكان آمن.‏ ولم يُسمح لنا بقراءته إلا بحضور الاخت المسؤولة عن حفظه في المكان الآمن.‏ والمرة الوحيدة التي شاهدت فيها الكتاب المقدس قبلا كانت حين رأيته في يدَي الاخ الذي عرّفني بالحق سنة ١٩٤٥.‏

عندما أُطلق سراحي سنة ١٩٦٧،‏ انتقلت الى أنْڠرن في اوزبكستان.‏ وقد تمكنت هناك ان اعتمد في الماء رمزا الى انتذاري ليهوه.‏ انها المرة الاولى التي التقيت فيها اخوة ذكورا منذ اول زيارة لأحد الاخوة في بيتنا.‏ فقد كنت اقضي فترة عقوبتي في معسكرات العمل الالزامي الخاصة بالنساء.‏ كان جميع الاخوة والاخوات في الجماعة غيورين في الخدمة،‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى صرت احبهم.‏ وفي كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٦٩،‏ اعتُقل ثمانية اخوة وخمس اخوات من جماعتنا بسبب الكرازة،‏ وكنت انا بينهم.‏ فحُكم علي بالسجن ثلاث سنوات على انني «مجرمة بالغة الخطورة».‏ ومرارا كثيرة أُرسلت الى السجن الانفرادي بسبب الكرازة.‏

كنت ادير دروسا في الكتاب المقدس مع المهتمات تحت بطانية.‏ وقد مُنعنا من التحادث عند إخراجنا للمشي.‏ وإذا أُمسك بنا ونحن نتحادث،‏ عوقبنا بالسجن الانفرادي.‏ اما عن المطبوعات فلم نستعمل إلا تلك المنسوخة باليد،‏ وكنا نعيد نسخها مرة بعد اخرى.‏

لم امتلك قط بيتا اعيش فيه.‏ فكل ممتلكاتي كانت في حقيبة واحدة.‏ لكني شعرت بالسعادة والاكتفاء لأني اخدم يهوه.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٢٠٠،‏ ٢٠١]‏

محقِّق يقوّيني روحيا

پاڤْيَل سيڤولسكي

تاريخ الولادة:‏ ١٩٣٣

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٨

لمحة عن حياته:‏ أُخضع مرارا لمحاولات اعادة التأهيل الايديولوجية،‏ وهو الآن يخدم كشيخ في احدى الجماعات في روسيا.‏

اعتُقلت سنة ١٩٥٨ بسبب نشاطاتي الدينية.‏ وحين رافقني الشرطي الى القطار قال لي:‏ «انظر الى زوجتك للمرة الاخيرة،‏ لأنك لن تراها بعد الآن».‏

في إركوتْسْك،‏ وُضعت في زنزانة خاصة لا يستطيع الشخص فيها إلا ان يبقى واقفا.‏ بعد ذلك قضيت ستة اشهر في السجن الانفرادي قبل محاكمتي.‏ وخلال الاستجوابات الجارية في الليل،‏ فعل المحققون كل ما في وسعهم لتقويض ايماني بالكتاب المقدس وثقتي بهيئة اللّٰه.‏ وقد اتُّهمتُ بالمشاركة في نشاطات شهود يهوه غير الشرعية.‏ كانوا في بعض الاحيان يلجأون الى العنف،‏ لكن الوسيلة الاساسية التي اعتمدوها عموما هي الضغط الايديولوجي المتواصل.‏ فتوسلت الى يهوه كي يمنحني القوة لأبقى ثابتا.‏ فكان دائما معي.‏

خلال احد الاستجوابات الروتينية،‏ استدعاني المحقِّق الى مكتبه وقال:‏ «سنريك الآن ما تفعله هيئتك.‏ وستعرف عندئذ هل هذا العمل عمل اللّٰه».‏

ومضى قائلا وهو يحدق فيَّ:‏ «هذه السنة عُقد محفلكم في نيويورك في مدرَّجين،‏ وحضره ٠٠٠‏,٢٥٣ شخص.‏ وعندما تتأمل في ضخامة هذا الحدث،‏ تدرك انه من المستحيل انجازه لولا دعم وكالة المخابرات المركزية (‏CIA)‏.‏ فقد دام المحفل ثمانية ايام.‏ وحضره مندوبون اتوا من مختلف البلدان بالطائرات والقطارات والسفن ووسائل النقل الاخرى.‏ فهل يعقل ان يحدث كل هذا دون مساعدة من السلطات؟‏ مَن يستطيع ان يدفع تكاليف محفل يُعقَد في هذين المدرَّجين الضخمين لثمانية ايام؟‏!‏».‏

ثم غطى المحقِّق الطاولة بالصور.‏ فرأيت في احداها مندوبين سعداء لابسين زيًّا فلكلوريا ملونا يعانقون واحدهم الآخر.‏ ويظهر الاخ نور في صورة اخرى وهو يلقي خطابا.‏ كما رأيت صورا للمعمودية يظهر فيها الاخ نور وهو يعطي المعتمدين كتاب ‏«لتكن مشيئتك على الارض».‏ لم نكن قد تسلمنا هذا الكتاب،‏ لكننا علمنا بأمره لاحقا في برج المراقبة.‏ عندئذ نظر المحقِّق الي مباشرة وقال:‏ «أتعلم ماذا يناقش هذا الكتاب؟‏ انه يتحدث عن ملك الشمال والمصير الذي ينتظره.‏ هل كان باستطاعة شهود يهوه تنظيم كل ذلك بمفردهم؟‏ نحن نعرف ان ضباطا اميركيين حضروا هاتين المناسبتين ليتعلموا من مثالكم كيف ينظمون نشاطاتهم العسكرية.‏ كما نعرف ايضا ان مليونيرا تبرع بمبلغ كبير من المال لعقد هذا المحفل.‏ وأصحاب الملايين لا يرمون اموالهم بلا سبب!‏».‏

ما كان المحقِّق ليتخيل اية مشاعر احسست بها في تلك اللحظة.‏ فقد شعرت كما لو اني احضر المحفل بدون مغادرتي السجن.‏ وأحسست ايضا بقوة متجددة تغمرني.‏ وكم كنت بحاجة الى ذلك!‏ لقد اعطاني يهوه دعما سخيا بطريقة مميزة جدا.‏ وهذا ما جعلني مستعدا لتحمل المزيد.‏

‏[الاطار‏/‏الصورة في الصفحتين ٢١٤،‏ ٢١٥]‏

كانت الصالة مكتظة بشهود يهوه

ڤينيرا ڠريڠورييڤا

تاريخ الولادة:‏ ١٩٣٦

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٩٤

لمحة عن حياتها:‏ كانت تعمل في التمثيل في الستينات،‏ وقد أدت دورا في فيلم ينشر الدعاية السوفياتية.‏ وهي تخدم منذ سنة ١٩٩٥ كفاتحة عادية في سانت بيترسبرغ.‏

في سنة ١٩٦٠،‏ مع بداية مسيرتي في التمثيل،‏ أعطِيتُ الدور الرئيسي في الفيلم الوثائقي شهود اللّٰه الذي عُرض في صالات السينما السوفياتية.‏ وكان الفيلم يتناول «بدعة شهود يهوه المخيفة» المسؤولة عن موت البطلة تانيا،‏ التي أدّيتُ دورها.‏ وبحسب النص،‏ تهرب تانيا من اهل «البدعة» ليلا وتتعرض لعاصفة ثلجية عنيفة وهي غير لابسة معطفا.‏ فتختفي صورتها في الثلج،‏ ويُسمع صوت الراوي يقول بحزن:‏ «تلك كانت نهاية تانيا ڤيسيلوڤا».‏ اعجبني نص الفيلم وشعرت بالفخر لأني اشارك في الحرب ضد شهود يهوه،‏ مع ان كل ما كنت اعرفه عنهم اقتصر على ما ورد في النص.‏

عُرض الفيلم في صالات السينما والنوادي في مدن عديدة من الاتحاد السوفياتي.‏ وكنت بعد كل عرض اول للفيلم اظهر امام المشاهدين.‏ في ذلك الوقت،‏ كان الشعب السوفياتي يصدّق كل ما يراه على الشاشة.‏ لذلك كان الجميع يتنفسون ارتياحا حين اظهر امامهم ويقولون:‏ «انها على قيد الحياة!‏».‏ ثم كنت اشرح لهم كيف صُوِّر الفيلم وكيف صنع المخرج والعاملون في المؤثرات الخاصة العاصفة الثلجية التي بدا انها دفعتني الى وادٍ صغير وغطتني بالثلج.‏

في احدى المرات،‏ حين عُرض الفيلم في ڤيشني ڤولوتشيك بإقليم كالينين (‏الآن تڤير)‏،‏ كانت الصالة مكتظة.‏ ولكن حدث شيء جعل تلك الامسية مختلفة عن غيرها.‏ فبعد العرض طرح عليَّ رجل مسن اسئلة كانت كلها تتعلق بالدين،‏ فدافعتُ عن النظرة الالحادية الى اصل الحياة على الارض.‏ ولم يذكر احد اي شيء عن الفيلم.‏ ثم انسللت الى ما وراء الكواليس وذهبت الى منظم الحفل وسألته:‏ «مع مَن كنت اتحدث؟‏».‏

فأجاب:‏ «انه زعيم بدعة شهود يهوه.‏ فالصالة مكتظة بالشهود ولا احد غيرهم هنا».‏ وهكذا التقيت بشهود يهوه دون ان ادري.‏ بعد ذلك اردت ان اقرأ الكتاب المقدس،‏ لكني لم اعثر على واحد.‏ ثم تزوجت رجلا بولنديا وانتقلت معه الى بولندا.‏ وفي سنة ١٩٧٧ قرعت اختان باب بيتنا،‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأت ادرس الكتاب المقدس معهما.‏ فصرتُ احب هذا الكتاب،‏ كما اصبح الشهود اصدقاء لنا.‏ وفي سنة ١٩٨٥ مرض ابي الذي يعيش في لينينغراد (‏الآن سانت بيترسبرغ)‏،‏ فذهبنا انا وزوجي الى هناك.‏ وأخذت اصلي الى يهوه ليمكّنني من الاتصال بشهود يهوه في لينينغراد.‏

في النهاية صرت واحدة من شهود يهوه.‏ وأنا اخدم كفاتحة عادية منذ ١٢ سنة،‏ وزوجي زجيسواف هو خادم مساعد في احدى جماعات سانت بيترسبرغ.‏

ادرك من تجربتي الخاصة ان صناعة الافلام قد تخدع اناسا كثيرين «بالمكر في ابتداع الضلال».‏ (‏اف ٤:‏١٤‏)‏ وعندما مثّلت في ذلك الفيلم الذي ينشر الدعاية السوفياتية،‏ لم اتصور قط اني سأصير بعد ٣٠ سنة واحدة من شهود يهوه.‏

‏[الاطار في الصفحة ٢٣٧]‏

ترجمة العالم الجديد بالروسية

طوال اكثر من مئة سنة،‏ استعان شهود يهوه بمختلف ترجمات الكتاب المقدس الروسية.‏ وإحداها هي «ترجمة السينودس».‏ ورغم اسلوبها القديم وقلة استعمالها للاسم الالهي،‏ فقد ساعدت آلاف القراء الروس على فهم قصد اللّٰه.‏ كذلك استفادوا من «ترجمة مكاريوس» التي تستعمل اسم اللّٰه نحو ٠٠٠‏,٣ مرة.‏ ولكن مع ازدياد عدد الشهود الروس،‏ ازداد ايضا الطلب على ترجمة دقيقة وواضحة وعصرية للكتاب المقدس.‏

فاتخذت الهيئة الحاكمة الترتيبات اللازمة لإصدار ترجمة العالم الجديد بالروسية.‏ واستمر فرع روسيا يعمل على هذا المشروع الكبير لأكثر من عشر سنوات.‏

وفي سنة ٢٠٠١ صدرت الاسفار اليونانية المسيحية —‏ ترجمة العالم الجديد بالروسية.‏ وفي سنة ٢٠٠٧،‏ لبهجة القراء الروس حول العالم،‏ صدر الكتاب المقدس —‏ ترجمة العالم الجديد بكامله باللغة الروسية.‏ وأول اعلان عن هذا الاصدار الجديد اتى من العضوين في الهيئة الحاكمة ثيودور جارس في سانت بيترسبرغ وستيڤن لَت في موسكو.‏ وتبع الاعلان تصفيق حاد.‏ وكانت ردود الفعل الحماسية فورية.‏ كتبت احدى الاخوات:‏ «يا للاسلوب الواضح والمفهوم والمفعم بالحيوية!‏ فقد صارت قراءة الاسفار المقدسة اكثر متعة الآن».‏ وعبَّر كثيرون عن تقديرهم للهيئة بكلمات مثل:‏ «يا لهذه الهبة الثمينة من يهوه!‏» و «لكم منا جزيل الشكر العميق».‏ ولا شك ان اصدار ترجمة العالم الجديد بالروسية يشكل حدثا هاما يستفيد منه محبو الحق الناطقون بالروسية اينما كانوا.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٢٤٤،‏ ٢٤٥]‏

حُلَّت مشاكلنا في يوم واحد

إيڤان وناتاليا سلاڤا

تاريخ الولادة:‏ ١٩٦٦ (‏إيڤان)‏ و ١٩٦٩ (‏ناتاليا)‏

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٨٩

لمحة عن حياتهما:‏ انتقلا كفاتحين الى حيث الحاجة اعظم.‏ ويخدم إيڤان حاليا في لجنة فرع روسيا.‏

انتقلنا انا وناتاليا من اوكرانيا الى روسيا في اوائل التسعينات.‏ وكان عدد الناشرين في اقليم بيلڠورود،‏ الذي يناهز عدد سكانه مليونا ونصف المليون،‏ اقل من عشرة.‏ فلا شك ابدا ان هذا المكان كان فيه «حصاد كثير،‏ ولكن العمال قليلون».‏ —‏ مت ٩:‏٣٧‏.‏

كنا متزوجين حديثا وبحاجة إلى عمل لكي نتمكن من اعالة انفسنا.‏ لكن الوضع الاقتصادي في البلد ساء،‏ وأناس كثيرون خسروا وظائفهم.‏ ولكي يحصل الناس على المواد الغذائية الاساسية،‏ اصدرت الحكومة قسائم لتوزَّع في اماكن العمل.‏ وبما انه لم يكن لدينا عمل،‏ لم نحصل على قسائم.‏ لذا اضطررنا الى شراء الطعام بسعر مرتفع في السوق.‏ كما لاقينا صعوبة في ايجاد بيت للسكن،‏ فاضطررنا الى العيش في فندق.‏ وبعد ان دفعنا قيمة ايجار غرفة لعشرين يوما،‏ لم يبقَ شيء تقريبا في جيوبنا.‏ وكنا نصلي الى يهوه كل يوم ليساعدنا على ايجاد عمل ومسكن ايجاره رخيص نعيش فيه.‏ وطوال كل هذا الوقت،‏ كنا نواظب على الكرازة بحثا عن الناس المخلصين.‏ ثم اتى آخر يوم لنا في الفندق.‏ فاشترينا بما تبقى معنا من مال رغيف خبز وعلبة حليب.‏ وعندما اوينا الى الفراش في تلك الليلة،‏ توسلنا الى يهوه من جديد وطلبنا اليه مساعدتنا على ايجاد عمل ومسكن نعيش فيه لأنه كان علينا اخلاء الغرفة في الصباح.‏

وفي الصباح استيقظنا على صوت الهاتف.‏ وكان المتصل هو مدير الفندق الذي قال ان نسيبا لي ينتظرني في الردهة.‏ عرض علي نسيبي بعضا من المال قائلا انه نال مؤخرا علاوة كبيرة في عمله وأراد ان يشاركني فيها.‏ ولكن ليس هذا كل شيء.‏ فبعد دقائق اتصل بي اخ وقال انه وجد لنا شقة ايجارها رخيص.‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ حصلنا في نفس اليوم على الموافقة لنعمل في الاعتناء بالارض في احدى روضات الاطفال.‏ وهكذا حُلَّت مشاكلنا في يوم واحد،‏ اذ صار عندنا بعض المال ومسكن نعيش فيه ووظيفة.‏ فلا شك ابدا ان يهوه سمع صلواتنا.‏

في سنة ١٩٩١ بلغ عدد حضور الذكرى في مدينة بيلڠورود ٥٥ شخصا،‏ وارتفع بعد سنة الى ١٥٠.‏ وفي السنة التالية وصل عدد الحضور الى ٣٥٤ شخصا.‏ وفي سنة ٢٠٠٦،‏ كانت المدينة تضم ست جماعات مع اكثر من ٢٠٠‏,٢ ناشر في اقليم بيلڠورود.‏

‏[الاطار في الصفحة ٢٥٠]‏

آخِر التطورات القانونية

تأكد حقنا في العبادة دون تدخل من الحكومة في شهر كانون الثاني (‏يناير)‏ ٢٠٠٧ عندما اصدرت المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان بالاجماع قرارا في صالحنا ينص على ان «الدرس الجماعي ومناقشة النصوص الدينية من قِبل اعضاء فرقة شهود يهوه الدينية هو احد الاشكال المعترف بها التي يمارسون بها دينهم في العبادة والتعليم».‏

وعلى الرغم من تقييد العمل رسميا في مدينة موسكو سنة ٢٠٠٤،‏ لا يزال اخوتنا يجتمعون علنا كجزء من عبادتهم وينخرطون في عمل الكرازة الى اقصى حد ممكن.‏ وفي سنة ٢٠٠٧ ابتهج الاخوة بالاحتفال بالذكرى،‏ وعقدوا محافل كورية في موسكو دون اي عائق.‏ وكان الوضع مماثلا بشكل عام في كل انحاء روسيا.‏

رغم المشاكل القانونية العالقة،‏ لا يزال اخوتنا يتخذون بشجاعة الاجراءات القانونية اللازمة في وجه ممارسات المقاومين.‏ مثلا،‏ أُحيل الى المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان ملف جديد يتناول قيام دائرة الشرطة في ليوبلينو بتعطيل الاحتفال بالذكرى في موسكو بتاريخ ١٢ نيسان (‏ابريل)‏ ٢٠٠٦.‏ وقد احتجزت الشرطة ١٤ اخا وهددت محاميهم بسكّين.‏ ومع ان المحكمة المحلية قضت جزئيا لصالح اخوتنا،‏ أُبطل الحكم وخُسرت القضية في الاستئناف.‏ كما ان شكوى رُفعت في تموز (‏يوليو)‏ ٢٠٠٧ ضد مسؤولين حكوميين عديدين اجروا بدون إذن رسمي تحقيقا مطولا في نشاطاتنا الدينية في سانت بيترسبرغ.‏

‏[الجدول/‏الرسم البياني في الصفحات ٢٢٨-‏٢٣٠]‏

نبذة تاريخية —‏ روسيا

١٨٩٠

١٨٩١:‏ سيميون كوزليتسكي يُنفى الى شرق الامبراطورية الروسية بسبب كرازته الجريئة.‏

١٩٠٤:‏ فرع المانيا يتسلم رسائل تقدير من روسيا على المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس.‏

١٩١٠

١٩١٣:‏ الحكومة الروسية تعترف بمكتب تلاميذ الكتاب المقدس في فنلندا التي كانت آنذاك جزءا من الامبراطورية الروسية.‏

١٩٢٣:‏ جمعية برج المراقبة تبدأ بتسلم رسائل كثيرة تطلب ارسال المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس الى روسيا.‏

١٩٢٨:‏ في موسكو،‏ جورج يونڠ يتقدم بطلب للسماح لتلاميذ الكتاب المقدس بممارسة نشاطاتهم في روسيا.‏ والسلطات ترفض تمديد تأشيرته.‏

١٩٢٩:‏ عقد يوقَّع مع احدى المحطات الاذاعية في تالين،‏ أستونيا.‏ وتُبثّ محاضرات من الكتاب المقدس وتُسمع في لينينغراد ومدن اخرى.‏

١٩٣٠

١٩٣٩-‏١٩٤٠:‏ الاتحاد السوفياتي يضم اوكرانيا الغربية ومولدوفا وجمهوريات البلطيق،‏ مما يضع الآلاف من شهود يهوه داخل حدود هذا البلد.‏

١٩٤٤:‏ مئات الشهود يُرسَلون الى السجون ومعسكرات العمل الالزامي في كل انحاء روسيا.‏

١٩٤٩:‏ شهود يهوه يُنفون من مولدوفا الى سيبيريا والشرق الاقصى الروسي.‏

١٩٥٠

١٩٥١:‏ اكثر من ٥٠٠‏,٨ شاهد من غرب اوكرانيا وروسيا البيضاء ولاتفيا وليتوانيا وأستونيا يُنفون الى سيبيريا.‏

١٩٥٦/‏١٩٥٧:‏ مندوبو ١٩٩ محفلا كوريا حول العالم يتقدمون بعريضة الى الحكومة السوفياتية للمطالبة بالحرية الدينية.‏

اواخر الخمسينات:‏ اكثر من ٦٠٠ شاهد يوضعون في عزلة تامة بأحد معسكرات العمل الالزامي في موردڤينا.‏

١٩٦٥:‏ الحكومة السوفياتية تصدر قرارا خاصا يسمح للمنفيين الى سيبيريا بالانتقال الى اماكن اخرى.‏ والشهود المنفيون الى سيبيريا يتوزعون في كل انحاء البلاد.‏

١٩٧٠

١٩٨٩-‏١٩٩٠:‏ اعضاء من الهيئة الحاكمة يلتقون بالاخوة في روسيا للمرة الاولى.‏ والشهود في الاتحاد السوفياتي يسافرون الى بولندا لحضور محافل خصوصية.‏

١٩٩٠

١٩٩١:‏ في ٢٧ آذار (‏مارس)‏،‏ يحصل شهود يهوه على الاعتراف الشرعي في روسيا.‏

١٩٩٢/‏١٩٩٣:‏ محافل اممية تُعقد في سانت بيترسبرغ وموسكو.‏

١٩٩٧:‏ فرع روسيا يدشَّن في قرية سولْنتشْنويي قرب سانت بيترسبرغ.‏

١٩٩٩:‏ اول قاعة محافل في روسيا تدشَّن في سانت بيترسبرغ.‏

٢٠٠٠

٢٠٠٣:‏ توسيع الفرع يكتمل.‏

٢٠٠٧:‏ اكثر من ١٠٠‏,٢ جماعة وفريق منعزل من الناشرين يعملون بنشاط في روسيا.‏

‏[الرسم البياني]‏

‏(‏انظر المطبوعة)‏

مجموع الناشرين

مجموع الفاتحين

مجموع الناشرين

مجموع الفاتحين

مجموع الناشرين في البلدان الـ‍ ١٥ للاتحاد السوفياتي السابق

٠٠٠‏,٣٦٠

٠٠٠‏,٣٠٠

٠٠٠‏,٢٤٠

٠٠٠‏,١٨٠

٠٠٠‏,١٢٠

٠٠٠‏,٦٠

٠٠٠‏,٤٠

٠٠٠‏,٢٠

١٨٩٠ ١٩١٠ ١٩٣٠ ١٩٥٠ ١٩٧٠ ١٩٩٠ ١٩٩٠ ٢٠٠٠

‏[الرسم/‏الخريطة في الصفحة ٢١٨]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

فروع اخرى شاركت في نقل المطبوعات الى مختلف انحاء البلد

المانيا فنلندا

سولْنتشْنويي

روسيا البيضاء قازاخستان موسكو روسيا

اليابان

ڤلاديڤوستوك

كامتشاتكا

‏[الخرائط في الصفحتين ١١٦،‏ ١١٧]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

الدائرة القطبية الشمالية

المحيط القطبي الشمالي

القطب الشمالي

بحر بارنتس

بحر كارا

بحر لاپتيڤ

بحر سيبيريا الشرقية

بحر تشوكشي

مضيق بيرنغ

السويد

النَّروج

الدانمارك

كوبنهاغن

المانيا

بولندا

لودز

وارسو

بحر البلطيق

فنلندا

أستونيا

لاتفيا

ليتوانيا

روسيا البيضاء

برست

اوكرانيا

لڤيف

مولدوفا

بحر قزوين

قازاخستان

أستانا

كنڠير

اوزبكستان

طشقند

أنْڠرن

الصين

منغوليا

اولان باتور

الصين

بحر اليابان

اليابان

طوكيو

هوكايدو

بحر اوكوتْسك

بحر بيرنغ

روسيا

پتروزاڤودسك

سانت بيترسبرغ

سولْنتشْنويي

كالينينغراد

نوڤڠورود

ڤيشني ڤولوتشيك

موسكو

تولا

اوريل

كورسْك

ڤورونيج

فلاديمير

إيڤانوڤو

نيجْني نوڤڠورود

سيكْتيفْكار

اوختا

پتشورا

إنتا

نوڤايا زَمليا

ڤوركوتا

جبال الاورال

سيبيريا

إيكاتيرينبورغ

نابَرَجْني تشلني

إيجفسك

ساراتوف

ڤولشكي

اودارني

ستاڤروپول

پياتيڠورسك

جبل إلبروس

نالتشيك

نارتكالا

بيسلان

ڤلاديقَفْقاز

جبال القوقاز

أستراخان

نهر الڤولڠا

تومْسْك

نوڤوسيبرسْك

كيميروڤو

كراسنويارسك

نوڤوكوزْنتسك

اوست-‏كان

أكتاش

بيروسينسك

اوكْتيابرسكي

براتسك

ڤيخورفْكا

تولون

خازان الوسطى

زيما

جالاري

أوسُلْي-‏سيبِرْسكُي

كيتوي

أنْڠَرسك

إركوتْسْك

بحيرة بيكال

كيرنسك

خباروفسك

ڤلاديڤوستوك

كورساكوف

يوجنو سخالينسك

سخالين

ياقوتسك

آيميكون

اوست-‏نيرا

كامتشاتكا

شبه جزيرة تشوكشي

نهر كوليما

خاير

نوريلسك

‏[الخريطة في الصفحة ١٦٧]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

بحر قزوين

بحر البلطيق

بحر بارنتس

بحر كارا

المحيط القطبي الشمالي

القطب الشمالي

بحر لاپتيڤ

بحر سيبيريا الشرقية

بحر تشوكشي

مضيق بيرنغ

بحر اوكوتْسك

بحر اليابان

قازاخستان

الصين

منغوليا

مورْمَنسك

پيسكوف

تڤير

موسكو

بيلڠورود

ڤورونيج

روستوڤ

كابَردينو بَلكاريا

ألينيا

إيڤانوڤو

نيجيڠورود

موردڤينا

اوليانوڤسْك

ڤولڠوڠراد

تتارستان

پيرم

جمهورية كومي

جبال الاورال

سيبيريا

سْفيردْلوفسْك

تْشليابنسك

كورڠان

تيومن

أومْسك

تومْسْك

نوڤوسيبرسْك

آلتاي

جمهورية آلتاي

كيميروڤو

جمهورية خاكاسيا

كراسنويارسك

جمهورية توڤا

إركوتْسْك

بورياتيا

تشيتا

جمهورية ساخا

آمور

خباروفسك

مقاطعة پريمورسكي

سخالين

كامتشاتكا

‏[الصورة في الصفحة ٦٦]‏

شروق الشمس في شبه جزيرة تشوكشي

‏[الصورتان في الصفحة ٦٨]‏

تدل هذه اللافتة باللغتين القازاخستانية والروسية الى قرية بُخترما في سيبيريا،‏ حيث نفي سيميون كوزليتسكي

‏[الصورتان في الصفحة ٧١]‏

قضت عائلة هِركِندل شهر العسل في مساعدة الناس الذين يتكلمون الالمانية في روسيا

‏[الصورتان في الصفحة ٧٤]‏

التوكيل الرسمي الذي مُنح لكارلو هارتِڤا (‏الى اليمين)‏ والذي ختمه بختم الحكومة قنصل الامبراطورية الروسية في نيويورك

‏[الصورة في الصفحة ٨٠]‏

في ايار (‏مايو)‏ ١٩٢٥،‏ حضر ٢٥٠ شخصا هذا المحفل الكوري باللغة الروسية في كارنيجي،‏ بنسلفانيا،‏ واعتمد ٢٩

‏[الصورة في الصفحة ٨١]‏

اعلنت هذه المجلة:‏ «اقليم ڤورونيج يعج بالبدع»‏

‏[الصورة في الصفحة ٨٢]‏

جورج يونڠ

‏[الصورتان في الصفحة ٨٤]‏

طوال عشر سنوات تقريبا،‏ كان الكسندر فورستمان يترجم النشرات والكراريس والكتب الى الروسية

‏[الصورة في الصفحة ٩٠]‏

رجينا وپْيُوتر كريڤوكولسكي،‏ ١٩٩٧

‏[الصورتان في الصفحة ٩٥]‏

اصبحت اولڠا سِڤْريوڠينا خادمة ليهوه بسبب الرسائل المربوطة بحجر التي كان يكتبها پْيُوتر

‏[الصورة في الصفحة ١٠٠]‏

إيڤان كريلوڤ

‏[الصورتان في الصفحة ١٠١]‏

الشهود المنفيون بنوا لأنفسهم بيوتا في سيبيريا

‏[الصورة في الصفحة ١٠٢]‏

نُفيت ماڠدالينا بيلوشيتسْكايا مع عائلتها الى سيبيريا

‏[الصورة في الصفحة ١١٠]‏

ڤيكتور ڠوتشميت

‏[الصورة في الصفحة ١١٥]‏

ألا سنة ١٩٦٤

‏[الصورة في الصفحة ١١٨]‏

سيميون كوسْتيلْييڤ اليوم

‏[الصورة في الصفحة ١٢٠]‏

التدريب الذي ناله ڤلاديسلاڤ اپانيوك من الكتاب المقدس مكّنه من التغلب على امتحانات الايمان

‏[الصورة في الصفحة ١٢١]‏

وجدت الشرطة الكراس «بعد هرمجدون —‏ عالم اللّٰه الجديد» في بيت نادييجْدا ڤيشنياك

‏[الصورة في الصفحة ١٢٦]‏

بوريس كريلتسوڤ

‏[الصورة في الصفحة ١٢٩]‏

ڤيكتور ڠوتشميت مع اخته (‏اعلى الصورة)‏ وابنتيه وزوجته پولينا قبل حوالي شهر من اعتقاله سنة ١٩٥٧

‏[الصورة في الصفحة ١٣٤]‏

إيڤان پاشْكوڤسكي

‏[الصورة في الصفحة ١٣٦]‏

سنة ١٩٥٩،‏ نشرت مجلة «كروكوديل» صورة لهذه المطبوعات التي اكتُشفت في كومة قش

‏[الصورة في الصفحة ١٣٩]‏

تحت هذا البيت كانت توجد احدى المطابع التي اكتشفتها المخابرات السوفياتية عام ١٩٥٩

‏[الصورة في الصفحة ١٤٢]‏

ساعد ألِكسي ڠابورياك على اعادة توحيد الذين تشتتوا

‏[الصور في الصفحة ١٥٠]‏

معدات الطباعة المحلية الصنع

المطبعة الدوّارة

مكبس الورق

آلة التشذيب

دبّاسة

‏[الصورة في الصفحة ١٥١]‏

سائق الترام ستيپان لِڤيتسكي تحدث بشجاعة الى احد عمال الطباعة

‏[الصورة في الصفحة ١٥٣]‏

ڠريڠوري ڠاتيلوڤ كرز للآخرين في زنزانته

‏[الصورتان في الصفحة ١٥٧]‏

الزهور الطويلة الساق شكلت مخبأ ملائما لدرس ومناقشة الكتاب المقدس

‏[الصورة في الصفحة ١٦١]‏

الحجم الفعلي لمجلة «برج المراقبة» التي صُنعت منها نسخة على شكل كراس بالغ الصغر

‏[الصورة في الصفحة ١٦٤]‏

‏«قرار اللجنة التنفيذية الدائمة لمجلس السوفيات الاعلى في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية»‏

‏[الصورة في الصفحة ١٧٠]‏

اخفى الاخوة «كنوزا» في حقائب مزدوجة الجوانب او تحت غطاء النعل من داخل جزماتهم

‏[الصورة في الصفحة ١٧٣]‏

إيڤان كليمكو

‏[الصورة في الصفحة ١٧٥]‏

علبة ثقاب يمكن ان تحوي خمس او ست نسخ من «برج المراقبة» مكتوبة بخط نسيج العنكبوت

‏[الصورة في الصفحتين ١٨٤،‏ ١٨٥]‏

في كل السنوات التي قضاها الاخوة في احد المعسكرات بموردڤينا،‏ لم يفوّت واحد منهم الاحتفال بالذكرى

‏[الصورة في الصفحة ١٩٤]‏

نيكولاي ڠوتْسولياك قدم شهادة غير رسمية لزوجة آمر معسكر

‏[الصور في الصفحة ١٩٩]‏

المحافل الاممية

في سنة ١٩٨٩،‏ حضر مندوبون روسيون المحافل الاممية الثلاثة في بولندا

وارسو

كوجوف

پوزنان

‏[الصورة في الصفحة ٢٠٢]‏

بعد الحصول على التسجيل الرسمي،‏ من اليسار الى اليمين:‏ ثيودور جارس،‏ ميكيل داسيڤيتش،‏ دمتري ليڤي،‏ مِلتون هنشل،‏ موظف في وزارة العدل،‏ أناني ڠْروڠُل،‏ ألِكسي ڤرجْبيتسْكي،‏ وڤيلي پول

‏[الصورتان في الصفحة ٢٠٥]‏

مِلتون هنشل يلقي خطابا في محفل «حملة النور» الاممي لعام ١٩٩٢ على مدرَّج كيروف في سانت بيترسبرغ

‏[الصورة في الصفحة ٢٠٦]‏

العقار الذي اشتُري في سولْنتشْنويي،‏ روسيا

‏[الصورة في الصفحة ٢٠٧]‏

أَوْليس وإيڤا-‏ليسا برڠدال كانا بين اول مجموعة من المتطوعين الذين اتوا الى سولْنتشْنويي

‏[الصورة في الصفحة ٢٠٨]‏

هانو وإيا تانينن عُيِّنا في سانت بيترسبرغ

‏[الصورة في الصفحة ٢١٠]‏

قطع رومان سكيبا برفقة زوجته ليودميلا مسافات شاسعة خلال عمله كناظر كورة

‏[الصورة في الصفحة ٢٢٠]‏

اخَوان يهتمان بالمطبوعات على رصيف الميناء في ڤلاديڤوستوك

‏[الصورة في الصفحة ٢٢٤]‏

آرنو وزونيا تونڠلر تمتعا بامتيازات كثيرة في تعيينهما في روسيا

‏[الصورة في الصفحتين ٢٢٦،‏ ٢٢٧]‏

اجتماع للجماعة في الغابة قرب سانت بيترسبرغ،‏ سنة ١٩٨٩

‏[الصورة في الصفحة ٢٣٨]‏

مكتب فرع روسيا يشرف على ترجمة المطبوعات بأكثر من ٤٠ لغة

‏[الصورة في الصفحة ٢٤٣]‏

مدرسة خدمة الفتح الاولى التي عُقدت في سانت بيترسبرغ في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٩٦

‏[الصور في الصفحة ٢٤٦]‏

الكرازة في روسيا

في حقول اقليم پيرم وبلدة نارتكالا

في شوارع سانت بيترسبرغ

من بيت الى بيت في ياقوتسك

في اسواق ساراتوف

‏[الصور في الصفحة ٢٥٢،‏ ٢٥٣]‏

فرع روسيا

منظر من الجو للمباني السكنية والارض المحيطة

‏[الصورة في الصفحة ٢٥٤]‏

٥٣٧‏,٢٣ مندوبا حضروا المحفل الكوري لسنة ٢٠٠٦ في موسكو

‏[الصورة في الصفحة ٢٥٤]‏

مدرَّج لوشْنيكي