الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

إعداد الرسل لرحيله

إعداد الرسل لرحيله

الفصل ١١٦

إعداد الرسل لرحيله

ينتهي العشاء التذكاري،‏ لكنّ يسوع ورسله لا يزالون في العلية.‏ وعلى الرغم من ان يسوع سيمضي قريبا،‏ لديه امور كثيرة ليقولها بعد.‏ «لا تضطرب قلوبكم،‏» يعزِّيهم.‏ «انتم تؤمنون بالله.‏» ولكنه يضيف:‏ «فآمنوا بي.‏»‏

‏«في بيت ابي منازل كثيرة،‏» يتابع يسوع.‏ «انا امضي لاعد لكم مكانا .‏ .‏ .‏ حتى حيث اكون انا تكونون انتم ايضا.‏ وتعلمون حيث انا اذهب وتعلمون الطريق.‏» لا يفهم الرسل ان يسوع يتكلم عن الذهاب الى السماء،‏ لذلك يسأل توما:‏ «يا سيد لسنا نعلم اين تذهب فكيف نقدر ان نعرف الطريق.‏»‏

‏«انا هو الطريق والحق والحياة،‏» يجيب يسوع.‏ نعم،‏ فقط بقبوله والتمثل بمسلك حياته يتمكَّن الشخص من دخول البيت السماوي للآب لانه،‏ كما يقول يسوع:‏ «ليس احد يأتي الى الآب إلا بي.‏»‏

‏«يا سيد ارِنا الآب،‏» يطلب فيلبس،‏ «وكفانا.‏» يريد فيلبس،‏ كما يبدو،‏ ان يزوِّد يسوع تجلِّيا منظورا لله،‏ كالذي مُنح في الازمنة القديمة في الرؤى لموسى،‏ ايليا،‏ واشعياء.‏ ولكن،‏ في الواقع،‏ لدى الرسل شيء افضل بكثير من رؤى من هذا النوع،‏ كما يعلِّق يسوع:‏ «انا معكم زمانا هذه مدّته ولم تعرفني يا فيلبس.‏ الذي رآني فقد رأى الآب.‏»‏

يعكس يسوع شخصية ابيه كاملا بحيث ان العيش معه ومشاهدته يكونان،‏ في الواقع،‏ كرؤية الآب فعليا.‏ ومع ذلك،‏ فان الآب اعظم من الابن،‏ كما يعترف يسوع:‏ «الكلام الذي اكلمكم به لست اتكلم به من نفسي.‏» فيسوع يعطي على نحو لائق كل الفضل في تعاليمه لابيه السماوي.‏

وكم يكون مشجعا دون شك ان يسمع الرسل يسوع يقول لهم الآن:‏ «من يؤمن بي فالاعمال التي انا اعملها يعملها هو ايضا ويعمل اعظم منها»!‏ لا يعني يسوع ان أتباعه سيمارسون قوى عجائبية اعظم مما عمل هو.‏ كلا،‏ لكنه يعني انهم سيواصلون الخدمة لوقت اطول بكثير،‏ على نطاق اعظم بكثير،‏ ولاناس اكثر بكثير.‏

لن يتخلى يسوع عن تلاميذه بعد رحيله.‏ «مهما سألتم باسمي،‏» يَعد،‏ «فذلك افعله.‏» ويقول ايضا:‏ «انا اطلب من الآب فيعطيكم (‏معينا)‏ آخر ليمكث معكم الى الابد.‏ روح الحق.‏» ولاحقا،‏ بعد صعوده الى السماء،‏ يسكب يسوع على تلاميذه الروح القدس،‏ هذا المعين الآخر.‏

ان رحيل يسوع قريب،‏ كما يقول:‏ «بعد قليل لا يراني العالم ايضا.‏» فسيكون يسوع مخلوقا روحانيا لا يمكن ان يراه انسان.‏ ولكنّ يسوع يَعد من جديد رسله الامناء:‏ «انتم .‏ .‏ .‏ ترونني.‏ اني انا حيّ فأنتم ستحيون.‏» نعم،‏ لن يظهر يسوع لهم بشكل بشري بعد قيامته وحسب بل سيقيمهم في الوقت المناسب الى الحياة معه في السماء كمخلوقات روحانية.‏

ويذكر يسوع الآن القاعدة البسيطة:‏ «الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني.‏ والذي يحبني يحبه ابي وأنا احبه وأُظهِر له ذاتي.‏»‏

عند ذلك يقاطعه الرسول يهوذا،‏ الذي يدعى ايضا تداوس:‏ «يا سيد ماذا حدث حتى انك مزمع ان تظهر ذاتك لنا وليس للعالم.‏»‏

‏«ان احبني احد،‏» يجيب يسوع،‏ «يحفظ كلامي ويحبه ابي .‏ .‏ .‏ الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي.‏» فبخلاف أتباعه المذعنين،‏ يتجاهل العالم تعاليم المسيح.‏ ولذلك لا يكشف نفسه لهم.‏

وخلال خدمته الارضية علَّم يسوع رسله امورا كثيرة.‏ فكيف يتذكرونها كلها،‏ وخصوصا لانهم،‏ حتى هذه اللحظة،‏ يفشلون في فهم الكثير منها؟‏ من المفرح ان يسوع يَعد:‏ «(‏المعين)‏ الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي .‏ .‏ .‏ هو يعلِّمكم كل شيء ويذكِّركم بكل ما قلته لكم.‏»‏

واذ يعزِّيهم ثانية،‏ يقول يسوع:‏ «سلاما اترك لكم.‏ سلامي اعطيكم.‏ .‏ .‏ .‏ لا تضطرب قلوبكم.‏» صحيح ان يسوع راحل،‏ ولكنه يوضح:‏ «لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لاني قلت امضي الى الآب.‏ لان ابي اعظم مني.‏»‏

ان وقت بقاء يسوع معهم قصير.‏ «لا اتكلم ايضا معكم كثيرا،‏» يقول،‏ «لان رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء.‏» فالشيطان ابليس،‏ الذي تمكَّن من الدخول في يهوذا والسيطرة عليه،‏ هو رئيس هذا العالم.‏ ولكن ليس هنالك ضعف خطية في يسوع يمكن للشيطان ان يستغله لابعاده عن خدمة الله.‏

التمتع بعلاقة حميمة

بعد العشاء التذكاري،‏ كان يسوع يشجع رسله بكلام مبسَّط من القلب الى القلب.‏ ويمكن ان يكون الوقت قد تجاوز منتصف الليل.‏ ولذلك يحثّ يسوع:‏ «قوموا ننطلق من ههنا.‏» ولكن،‏ قبل ان يرحلوا،‏ اذ تدفعه محبته لهم،‏ يتابع يسوع التكلم مزوِّدا مثلا محرِّكا.‏

‏«انا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام،‏» يبدأ.‏ فالكرام العظيم،‏ يهوه الله،‏ زرع هذه الكرمة الرمزية عندما مسح يسوع بالروح القدس عند معموديته في خريف السنة ٢٩ ب‌م.‏ ولكنّ يسوع يتابع ليظهر ان الكرمة ترمز الى اكثر من مجرد نفسه،‏ اذ يعلِّق قائلا:‏ «كل غصن فيَّ لا يأتي بثمر ينزعه.‏ وكل ما يأتي بثمر ينقّيه ليأتي بثمر اكثر.‏ .‏ .‏ .‏ كما ان الغصن لا يقدر ان يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة كذلك انتم ايضا إن لم تثبتوا فيَّ.‏ انا الكرمة وأنتم الاغصان.‏»‏

في يوم الخمسين،‏ بعد ٥١ يوما،‏ يصير الرسل وآخرون اغصان الكرمة عندما يجري سكب الروح القدس عليهم.‏ وأخيرا،‏ يصير ٠٠٠‏,‏١٤٤ شخص اغصان الكرمة المجازية.‏ ومع ساق الكرمة،‏ يسوع المسيح،‏ يؤلف هؤلاء كرمة رمزية تنتج ثمار ملكوت الله.‏

يوضح يسوع المفتاح لانتاج الثمر:‏ «الذي يثبت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير.‏ لانكم بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئا.‏» ولكن اذا فشل الشخص في انتاج الثمر،‏ يقول يسوع،‏ «يُطرح خارجا كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق.‏» ومن جهة اخرى،‏ يعِد يسوع:‏ «إن ثبتّم فيَّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم.‏»‏

واضافة الى ذلك،‏ يقول يسوع لرسله:‏ «بهذا يتمجد ابي ان تأتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي.‏» ان الثمر الذي يرغب فيه الله من الاغصان هو اعرابهم عن الصفات الشبيهة بصفات المسيح،‏ وخصوصا المحبة.‏ وفضلا عن ذلك،‏ بما ان المسيح كان مناديا بملكوت الله،‏ فان الثمر المرغوب فيه يشمل ايضا نشاط تلمذتهم كما فعل هو.‏

‏«اثبتوا في محبتي،‏» يحث يسوع الآن.‏ ولكن،‏ كيف يمكن لرسله ان يفعلوا ذلك؟‏ «إن حفظتم وصاياي،‏» يقول،‏ «تثبتون في محبتي.‏» واذ يتابع،‏ يوضح يسوع:‏ «هذه هي وصيتي ان تحبوا بعضكم بعضا كما احببتكم.‏ ليس لأحد حب اعظم من هذا ان يضع احد نفسه لاجل احبائه.‏»‏

في ساعات قليلة يعرب يسوع عن محبته الفائقة بتقديم حياته لاجل رسله،‏ بالاضافة الى جميع الآخرين الذين يمارسون الايمان به.‏ ومثاله يجب ان يدفع أتباعه لتكون لديهم محبة التضحية بالذات عينها بعضهم لبعض.‏ وهذه المحبة ستحدِّد هويتهم،‏ كما ذكر يسوع في وقت ابكر:‏ «بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضا لبعض.‏»‏

واذ يحدِّد هوية اصدقائه،‏ يقول يسوع:‏ «انتم (‏اصدقائي)‏ إن فعلتم ما اوصيكم به.‏ لا اعود اسميكم عبيدا لان العبد لا يعلم ما يعمل سيده.‏ لكني قد سميتكم (‏اصدقاء)‏ لاني اعلمتكم بكل ما سمعته من ابي.‏»‏

فيا للعلاقة الثمينة التي يجري الحصول عليها —‏ ان يكونوا اصدقاء احماء ليسوع!‏ ولكن للاستمرار في التمتع بهذه العلاقة يجب على أتباعه ان ‹يأتوا بثمر.‏› واذا فعلوا ذلك،‏ يقول يسوع،‏ «يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي.‏» بالتأكيد،‏ هذه هي مكافأة عظيمة مقابل الاتيان بثمر الملكوت!‏ وبعد حث رسله من جديد على ‹محبة بعضهم بعضا،‏› يوضح يسوع ان العالم سيبغضهم.‏ لكنه يعزِّيهم:‏ «إن كان العالم يبغضكم فاعلموا انه قد أبغضني قبلكم.‏» ثم يكشف يسوع عن سبب بغض العالم لأتباعه،‏ قائلا:‏ «لانكم لستم (‏جزءا)‏ من العالم بل انا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم.‏»‏

واذ يوضح على نحو اضافي سبب بغض العالم،‏ يتابع يسوع:‏ «لكنهم انما يفعلون بكم هذا كله من اجل اسمي لانهم لا يعرفون [يهوه الله] الذي ارسلني.‏» وأعمال يسوع العجائبية،‏ في الواقع،‏ تدين اولئك الذين يبغضونه،‏ كما يذكر:‏ «لو لم اكن قد عملت بينهم اعمالا لم يعملها احد غيري لم تكن لهم خطية.‏ وأما الآن فقد رأوا وأبغضوني انا وأبي.‏» وهكذا،‏ كما يقول يسوع،‏ تتم الآية:‏ «أبغضوني بلا سبب.‏»‏

وكما فعل في وقت ابكر،‏ يعزِّيهم يسوع ثانية بوعده اياهم ان يرسل المعين،‏ الروح القدس،‏ الذي هو قوة الله الفعالة القديرة.‏ «هو يشهد لي.‏ وتشهدون انتم ايضا.‏»‏

نصح اضافي قبل الرحيل

يسوع ورسله مستعدون لمغادرة العلية.‏ «قد كلمتكم بهذا لكي لا تعثروا،‏» يتابع.‏ ثم يعطي التحذير الخطير:‏ «سيخرجونكم من المجامع بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم انه يقدم خدمة لله.‏»‏

من الواضح ان الرسل ينزعجون بعمق من هذا التحذير.‏ ومع ان يسوع كان قد قال في وقت ابكر ان العالم سيبغضهم،‏ فانه لم يكشف مباشرة الى هذا الحد انهم سيُقتلون.‏ «لم أقل لكم [هذا] من البداية،‏» يوضح يسوع،‏ «لاني كنت معكم.‏» ولكن،‏ ما أحسن ان يُعِدّهم بهذه المعلومات قبل ان يرحل!‏

‏«وأما الآن،‏» يتابع يسوع،‏ «فأنا ماضٍ الى الذي ارسلني وليس احد منكم يسألني اين تمضي.‏» وفي وقت ابكر في المساء،‏ كانوا قد استعلَموا عن مكان ذهابه،‏ لكنهم الآن مرتعدون مما اخبرهم به حتى انهم يفشلون ان يسألوا المزيد عن ذلك.‏ وكما يقول يسوع:‏ «لاني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم.‏» يحزن الرسل ليس فقط لانهم علموا انهم سيعانون اضطهادا رهيبا ويُقتلون بل لان سيدهم يتركهم.‏

لذلك يوضح يسوع:‏ «انه خير لكم ان انطلق.‏ لانه إن لم انطلق لا يأتيكم (‏المعين)‏.‏ ولكن إن ذهبت ارسله اليكم.‏» كانسان،‏ يمكن ليسوع ان يكون فقط في مكان واحد كل مرة،‏ ولكن عندما يصير في السماء يمكنه ان يرسل المعين،‏ روح الله القدوس،‏ الى أتباعه حيثما كانوا على الارض.‏ وهكذا فان مغادرة يسوع ستكون نافعة.‏

والروح القدس،‏ يقول يسوع،‏ «(‏يقدم للعالم دليلا مقنعا)‏ على خطية وعلى بر وعلى دينونة.‏» ان خطية العالم،‏ فشله في ممارسة الايمان بابن الله،‏ سيجري تشهيرها.‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ سيُظهر صعود يسوع الى الآب دليلا مقنعا على برّه.‏ وفشلُ الشيطان وعالمه الشرير في كسر استقامة يسوع هو دليل مقنع على ان رئيس العالم قد دين على نحو مضاد.‏

‏«ان لي امورا كثيرة ايضا لاقول لكم،‏» يتابع يسوع،‏ «ولكن لا تستطيعون ان تحتملوا الآن.‏» لذلك يعد يسوع انه عندما يَسكب الروح القدس،‏ الذي هو قوة الله الفعالة،‏ سيرشدهم هذا الى فهم هذه الامور وفقا لمقدرتهم على ادراكها.‏

يفشل الرسل خصوصا في الفهم ان يسوع سيموت ثم سيظهر لهم بعد ان يُقام.‏ وهكذا يسألون بعضهم بعضا:‏ «ما هو هذا الذي يقوله لنا بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل ايضا ترونني ولاني ذاهب الى الآب.‏»‏

يدرك يسوع انهم يريدون ان يسألوه،‏ ولذلك يوضح:‏ «الحق الحق اقول لكم انكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح.‏ انتم ستحزنون ولكنّ حزنكم يتحول الى فرح.‏» ولاحقا في ذلك اليوم،‏ بعد الظهر،‏ عندما يُقتل يسوع،‏ يفرح القادة الدينيون العالميون،‏ ولكنّ التلاميذ يحزنون.‏ إلا ان حزنهم يتحول الى فرح عندما يُقام يسوع!‏ ويستمر فرحهم عندما يمنحهم السلطة في يوم الخمسين ان يكونوا شهوده بسكب روح الله القدوس عليهم!‏

واذ يقارن حالة الرسل بتلك التي لامرأة خلال مخاضها،‏ يقول يسوع:‏ «المرأة وهي تلد تحزن لان ساعتها قد جاءت.‏» ولكن يعلِّق يسوع انها لا تعود تذكر شدتها عندما يولد طفلها،‏ ويشجع رسله،‏ قائلا:‏ «فأنتم كذلك عندكم الآن حزن.‏ ولكني سأراكم ايضا [عندما أُقام] فتفرح قلوبكم ولا ينزع احد فرحكم منكم.‏»‏

حتى هذا الوقت لم يقدِّم الرسل قط طلبات باسم يسوع.‏ ولكنه يقول الآن:‏ «إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم.‏ .‏ .‏ .‏ لان الآب نفسه يحبكم لانكم قد احببتموني وآمنتم اني من عند الله خرجت.‏ خرجت من عند الآب وقد اتيت الى العالم وأيضا اترك العالم وأذهب الى الآب.‏»‏

ان كلمات يسوع هي تشجيع عظيم للرسل.‏ «لهذا نؤمن انك من الله خرجت،‏» يقولون.‏ «أَلآن تؤمنون،‏» يسأل يسوع.‏ «هوذا تأتي ساعة وقد اتت الآن تتفرقون فيها كل واحد الى خاصته وتتركونني وحدي.‏» وعلى نحو لا يُصدَّق كما يبدو،‏ يحدث ذلك قبل ان ينتهي الليل!‏

‏«قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام.‏» ويختتم يسوع:‏ «في العالم سيكون لكم ضيق.‏ ولكن ثقوا.‏ انا قد غلبت العالم.‏» غلب يسوع العالم بانجاز مشيئة الله بأمانة على الرغم من كل ما حاول ابليس وعالمه ان يفعلوه لكسر استقامة يسوع.‏

الصلاة الختامية في العلية

اذ تدفعه المحبة العميقة لرسله،‏ يعدّهم يسوع لرحيله الوشيك.‏ والآن،‏ بعد نصحهم وتعزيتهم لوقت طويل،‏ يرفع عينيه نحو السماء ويلتمس من ابيه:‏ «مجّد ابنك ليمجدك ابنك ايضا اذ اعطيته سلطانا على كل جسد ليعطي حياة ابدية لكل من اعطيته.‏»‏

يا له من محور مثير يقدمه يسوع —‏ الحياة الابدية!‏ واذ أُعطي «سلطانا على كل جسد،‏» يمكن ليسوع ان يمنح فوائد ذبيحته الفدائية لكل الجنس البشري المائت.‏ ولكنه يعطي «حياة ابدية» فقط لاولئك الذين يرضى الآب عنهم.‏ واذ يؤسس على محور الحياة الابدية هذا،‏ يتابع يسوع صلاته:‏

‏«وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته.‏» نعم،‏ يتوقف الخلاص على اخذنا المعرفة عن الله وابنه كليهما.‏ ولكن يلزم اكثر من مجرد معرفة في الرأس.‏

فلا بد ان يأتي الشخص الى معرفتهما على نحو حميم،‏ مطورا صداقة تتسم بالفهم معهما.‏ ولا بد ان يشعر المرء كما يشعران بشأن القضايا ويرى الامور من خلال اعينهما.‏ وقبل كل شيء،‏ لا بد ان يجاهد الشخص ليتمثل بصفاتهما التي لا تُضاهى في التعامل مع الآخرين.‏

ثم يصلّي يسوع:‏ «انا مجدتك على الارض.‏ العمل الذي اعطيتني لاعمل قد اكملته.‏» وهكذا،‏ باتمامه تعيينه الى هذا الحد وبكونه واثقا بنجاحه المستقبلي،‏ يلتمس:‏ «مجدني انت ايها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم.‏» نعم،‏ يطلب الآن ان يُعاد الى مجده السماوي السابق بواسطة القيامة.‏

واذ يوجز عمله الرئيسي على الارض،‏ يقول يسوع:‏ «انا اظهرت اسمك للناس الذين اعطيتني من العالم.‏ كانوا لك وأعطيتهم لي وقد حفظوا كلامك.‏» استعمل يسوع اسم الله،‏ يهوه،‏ في خدمته وبيَّن لفظه الصحيح،‏ لكنه فعل اكثر من ذلك لجعل اسم الله ظاهرا لرسله.‏ لقد وسَّع ايضا معرفتهم وتقديرهم ليهوه،‏ لشخصيته،‏ ولمقاصده.‏

واذ يكرم يهوه بصفته اسمى منه،‏ ذاك الذي يخدم تحت اشرافه،‏ يعترف يسوع بتواضع:‏ «الكلام الذي اعطيتني قد اعطيتهم وهم قبلوا وعلموا يقينا اني خرجت من عندك وآمنوا انك انت ارسلتني.‏»‏

واذ يميِّز بين أتباعه وباقي الجنس البشري،‏ يصلّي يسوع بعد ذلك:‏ «من اجلهم انا اسأل.‏ لست اسأل من اجل العالم بل من اجل الذين اعطيتني .‏ .‏ .‏ حين كنت معهم في العالم كنت احفظهم .‏ .‏ .‏ حفظتهم ولم يهلك منهم احد إلا ابن الهلاك،‏» اي يهوذا الاسخريوطي.‏ وفي هذه اللحظة عينها يكون يهوذا في مهمته الحقيرة لخيانة يسوع.‏ وهكذا،‏ يتمم يهوذا الاسفار المقدسة دون ان يعلم.‏

‏«العالم ابغضهم،‏» يستمر يسوع في الصلاة.‏ «لست اسأل ان تأخذهم من العالم بل ان تحفظهم من الشرير.‏ ليسوا (‏جزءا)‏ من العالم كما اني انا لست (‏جزءا)‏ من العالم.‏» ان أتباع يسوع هم في العالم،‏ هذا المجتمع البشري المنظم الذي يحكمه الشيطان،‏ ولكنهم منفصلون عنه وعن شره ولا بد ان يبقوا كذلك دائما.‏

‏«قدسهم في حقك،‏» يتابع يسوع،‏ «كلامك هو حق.‏» هنا يدعو يسوع الاسفار المقدسة العبرانية الموحى بها،‏ التي اقتبس منها دائما،‏ ‹الحق.‏› ولكنّ ما علَّمه لتلاميذه وما كتبوه لاحقا بالوحي بصفته الاسفار المقدسة اليونانية المسيحية هو كذلك ‹الحق.‏› وهذا الحق يمكن ان يقدس الشخص،‏ يغيِّر حياته كاملا،‏ ويجعله شخصا منفصلا عن العالم.‏

لا يصلّي يسوع الآن «من اجل هؤلاء فقط بل ايضا من اجل الذين يؤمنون [به] بكلامهم.‏» وهكذا يصلّي يسوع من اجل الذين سيكونون أتباعه الممسوحين والتلاميذ المقبلين الآخرين الذين سيجري تجميعهم بعدُ في «رعية واحدة.‏» وماذا يسأل من اجل جميع هؤلاء؟‏

ان «يكون الجميع واحدا كما انك انت ايها الآب فيَّ وانا فيك .‏ .‏ .‏ يكونوا واحدا كما اننا نحن واحد.‏» ان يسوع وأباه ليسا حرفيا شخصا واحدا،‏ ولكنهما على اتفاق في كل الامور.‏ ويصلّي يسوع ان يتمتع أتباعه بهذه الوحدة نفسها لكي «يعلم العالم انك ارسلتني وأحببتهم كما احببتني.‏»‏

ومن اجل الذين سيكونون أتباعه الممسوحين يسأل يسوع اباه السماوي.‏ ماذا؟‏ «أنّ هؤلاء .‏ .‏ .‏ يكونون معي حيث اكون انا لينظروا مجدي الذي اعطيتني لانك احببتني قبل انشاء العالم،‏» اي قبل ان انتج آدم وحواء ذرية.‏ فقبل ذلك بزمن طويل احبّ الله ابنه الوحيد،‏ الذي صار يسوع المسيح.‏

واذ يختتم صلاته،‏ يشدِّد يسوع من جديد:‏ «عرَّفتهم اسمك وسأعرّفهم ليكون فيهم الحبّ الذي احببتني به وأكون انا فيهم.‏» وبالنسبة الى الرسل،‏ شمل تعلُّم اسم الله الاتيان شخصيا الى معرفة محبة الله.‏ يوحنا ١٤:‏١-‏١٧:‏٢٦؛‏ ١٣:‏​٢٧،‏ ٣٥،‏ ٣٦؛‏ ١٠:‏١٦؛‏ لوقا ٢٢:‏٣،‏ ٤؛‏ خروج ٢٤:‏١٠؛‏ ١ ملوك ١٩:‏٩-‏١٣؛‏ اشعياء ٦:‏١-‏٥؛‏ غلاطية ٦:‏١٦؛‏ مزمور ٣٥:‏١٩؛‏ ٦٩:‏٤؛‏ امثال ٨:‏​٢٢،‏ ٣٠‏.‏

▪ الى اين يكون يسوع ذاهبا،‏ وأي جواب يحصل عليه توما في ما يتعلق بالطريق الى هناك؟‏

▪ بطلبه،‏ ماذا يريد فيلبس،‏ كما يبدو،‏ من يسوع ان يزوِّد؟‏

▪ لماذا الذي رأى يسوع قد رأى الآب ايضا؟‏

▪ كيف سيعمل أتباع يسوع اعمالا اعظم مما عمل هو؟‏

▪ بأي معنى ليس للشيطان شيء في يسوع؟‏

▪ متى زرع يهوه الكرمة الرمزية،‏ ومتى وكيف يصير آخرون جزءا من الكرمة؟‏

▪ اخيرا،‏ كم غصنا يكون للكرمة الرمزية؟‏

▪ اي ثمر يرغب فيه الله من الاغصان؟‏

▪ كيف يمكننا ان نكون اصدقاء ليسوع؟‏

▪ لماذا يبغض العالم أتباع يسوع؟‏

▪ اي تحذير من قِبَل يسوع يزعج رسله؟‏

▪ لماذا يفشل الرسل ان يسألوا يسوع عن مكان ذهابه؟‏

▪ ماذا يفشل الرسل خصوصا في فهمه؟‏

▪ كيف يوضح يسوع ان حالة الرسل ستتحول من حزن الى فرح؟‏

▪ ماذا يقول يسوع ان الرسل سيفعلون قريبا؟‏

▪ كيف يغلب يسوع العالم؟‏

▪ بأي معنى يُعطى يسوع «سلطانا على كل جسد»؟‏

▪ ماذا يعني اخذ المعرفة عن الله وابنه؟‏

▪ بأية طرائق يجعل يسوع اسم الله ظاهرا؟‏

▪ ما هو ‹الحق،‏› وكيف ‹يقدس› المسيحي؟‏

▪ كيف يكون الله،‏ ابنه،‏ وجميع العبّاد الحقيقيين واحدا؟‏

▪ متى كان «انشاء العالم»؟‏