الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

الفصل ٢٣

‏«هو احبنا اولا»‏

‏«هو احبنا اولا»‏

١-‏٣ ما هي بعض العوامل التي جعلت ميتة يسوع مختلفة عن اية ميتة اخرى في التاريخ؟‏

في احد ايام الربيع قبل ٠٠٠‏,٢ سنة تقريبا،‏ حوكِم رجل بريء وأُدين بجرائم لم يرتكبها قط،‏ وبعد ذلك عُذِّب حتى الموت.‏ لم تكن هذه اول عملية اعدام وحشية وظالمة في التاريخ،‏ وللأسف لم تكن الاخيرة.‏ لكنَّ تلك الميتة اختلفت كثيرا عن غيرها.‏

٢ فخلال الساعات الاخيرة من عذاب هذا الرجل،‏ تغيَّر مظهر السماء بشكل ابرزَ اهمية هذا الحدث.‏ ففي منتصف النهار حلَّت الظلمة فجأة على الارض هناك.‏ و «الشمس ذهب نورها»،‏ كما قال احد المؤرخين.‏ (‏لوقا ٢٣:‏​٤٤،‏ ٤٥‏)‏ وقُبيل لفظ الرجل آخر انفاسه،‏ تفوَّه بهاتين الكلمتين اللتين لا تُنسيان:‏ «قد تمَّ!‏».‏ نعم،‏ فبتقديم حياته تمَّم شيئا رائعا.‏ وكانت ذبيحته اعظم اعراب عن المحبة قام به ايّ انسان.‏ —‏ يوحنا ١٥:‏١٣؛‏ ١٩:‏٣٠‏.‏

٣ هذا الرجل هو دون شك يسوع المسيح.‏ وكثيرون يعرفون قصة عذابه وموته في ذلك اليوم القاتم في ١٤ نيسان القمري سنة ٣٣ ب‌م.‏ ولكن ثمة حقيقة مهمة غالبا ما يُتجاهل امرها.‏ فمع ان يسوع تألم كثيرا،‏ هناك مَن تألم اكثر منه.‏ وهناك مَن قام بتضحية اكبر في ذلك اليوم،‏ وكان ذلك اعظم اعراب عن المحبة في الكون.‏ فعمّ نتحدث؟‏ يشكّل الجواب مقدمة ملائمة لأهمّ المواضيع قاطبةً:‏ محبة يهوه.‏

اعظم اعراب عن المحبة

٤ كيف ادرك قائد روماني ان يسوع لم يكن انسانا عاديا،‏ وماذا استنتج؟‏

٤ ذهل قائد المئة الروماني،‏ الذي اشرف على عملية اعدام يسوع،‏ لدى رؤيته الظلمة التي حلَّت قبل موت المسيح والزلزال العنيف الذي تبع موته.‏ فقال:‏ «حقا كان هذا ابن الله».‏ (‏متى ٢٧:‏٥٤‏)‏ كان واضحا ان يسوع لم يكن انسانا عاديا.‏ وقد ساهم هذا القائد في تنفيذ حكم الاعدام في ابن العلي المولود الوحيد!‏ فإلى ايّ حد كان هذا الابن عزيزا على قلب ابيه؟‏

٥ كيف يمكن ايضاح الفترة الزمنية الطويلة التي قضاها يهوه وابنه معا؟‏

٥ يدعو الكتاب المقدس يسوع «بكر كل خليقة».‏ (‏كولوسي ١:‏١٥‏)‏ تخيَّل هذا!‏ لقد كان ابن يهوه موجودا قبل الكون المادي.‏ فكم بلغت المدة التي بقي خلالها الآب والابن معا؟‏ يقدِّر بعض العلماء ان عمر الكون يبلغ ١٣ بليون سنة.‏ فهل بإمكانك ان تستوعب كل هذه الفترة؟‏ لمساعدة الناس على استيعاب عمر الكون كما يقدِّره العلماء،‏ رُسم في مركز لعرض حركة الاجرام السماوية خطٌّ زمني بطول ١١٠ امتار.‏ وكل خطوة يخطوها الزوار على طول ذلك الخط الزمني تمثِّل نحو ٧٥ مليون سنة من عمر الكون.‏ وعند نهاية الخط،‏ يمثَّل كامل التاريخ البشري بعلامة رفيعة بعرض شعرة انسان!‏ ولكن حتى لو كان هذا التقدير صحيحا،‏ فكامل الخط لا يكفي ليمثِّل طول عمر ابن يهوه!‏ فماذا كان يفعل طوال كل هذه العصور؟‏

٦ (‏أ)‏ ماذا كان ابن يهوه يفعل خلال وجوده السابق لبشريته؟‏ (‏ب)‏ ايّ نوع من الرُّبُط يوجد بين يهوه وابنه؟‏

٦ كان الابن سعيدا في عمله ‹كصانع› لدى ابيه.‏ (‏امثال ٨:‏٣٠‏)‏ ويقول الكتاب المقدس:‏ «بغيره [الابن] لم يوجد ايّ شيء».‏ (‏يوحنا ١:‏٣‏)‏ اذًا،‏ عمل يهوه وابنه معا لصنع سائر الاشياء.‏ وكم كانت تلك الاوقات سعيدة ومثيرة!‏ يعرف الجميع ان المحبة بين الابوين والولد انما هي شديدة بشكل مذهل.‏ والمحبة هي «رباط وحدة كامل».‏ (‏كولوسي ٣:‏١٤‏)‏ فمن يستطيع ان يسبر كاملا عمق الرباط الذي نما بين يهوه الله وابنه على مدى تلك الفترة الهائلة من الزمن؟‏!‏ من الواضح انهما متَّحدان بأقوى رباط محبة تشكَّل على الاطلاق.‏

٧ عندما اعتمد يسوع،‏ كيف عبَّر يهوه عن مشاعره تجاه ابنه؟‏

٧ رغم ذلك ارسل الآب ابنه الى الارض ليولد كطفل بشري.‏ وعنى ذلك ان يتخلى يهوه بضعة عقود عن علاقته الحميمة بابنه الحبيب في السماء.‏ وباهتمام شديد اخذ يراقب يسوع من السماء وهو يكبر ليصير رجلا كاملا.‏ وبعمر ٣٠ سنة تقريبا،‏ اعتمد يسوع.‏ ولا حاجة الى ان نخمّن كيف كان يهوه يشعر تجاهه.‏ فقد تكلَّم الآب بنفسه من السماء وقال:‏ «هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت».‏ (‏متى ٣:‏١٧‏)‏ ولا بد ان الآب كان سعيدا دون شك برؤية يسوع ينفذ بأمانة كل ما جرى التنبؤ به وكل ما طُلب منه.‏ —‏ يوحنا ٥:‏٣٦؛‏ ١٧:‏٤‏.‏

٨،‏ ٩ (‏أ)‏ ماذا عانى يسوع في ١٤ نيسان القمري سنة ٣٣ ب‌م،‏ وماذا كان شعور ابيه السماوي حيال ذلك؟‏ (‏ب)‏ لماذا سمح يهوه بأن يتألم ابنه ويموت؟‏

٨ ولكن كيف شعر يهوه في ١٤ نيسان القمري سنة ٣٣ ب‌م؟‏ كيف شعر حين جرت خيانة يسوع وجاء رعاع لاعتقاله في الليل،‏ حين هجر يسوعَ اصدقاؤه وأُجريت ضده محاكمة غير شرعية،‏ حين استُهزئ به وبُصق عليه ولُكِمَ،‏ حين جُلد وتمزَّق لحم ظهره تمزيقا،‏ وحين سُمِّر في يديه وقدميه على عمود خشبي وتُرك هناك معلَّقا فيما الناس يشتمونه؟‏ كيف شعر الآب حين صرخ ابنه الحبيب اليه في غمرة عذابه؟‏ وكيف شعر يهوه حين لفظ يسوع آخر انفاسه،‏ فلأول مرة منذ فجر كل خليقة،‏ لم يعد لابنه الحبيب وجود؟‏ —‏ متى ٢٦:‏​١٤-‏١٦،‏ ٤٦،‏ ٤٧،‏ ٥٦،‏ ٥٩،‏ ٦٧؛‏ ٢٧:‏​٣٨-‏٤٤،‏ ٤٦؛‏ يوحنا ١٩:‏١‏.‏

‏«الله .‏ .‏ .‏ بذل الابن،‏ مولوده الوحيد»‏

٩ يعجز لساننا عن وصف ما احس به.‏ فيهوه يملك مشاعر،‏ ولا توجد كلمات تصف الالم الذي احس به بسبب موت ابنه.‏ ولكن توجد كلمات تصف الدافع الذي جعل يهوه يسمح بحدوث ذلك.‏ فلماذا ترك الآب نفسه يقاسي هذه المشاعر؟‏ يكشف يهوه لنا شيئا رائعا في يوحنا ٣:‏​١٦‏،‏ آية مهمة جدا حتى انها اعتُبرت انجيلا مصغَّرا.‏ تقول هذه الآية:‏ «فإن الله احب العالم كثيرا حتى انه بذل الابن،‏ مولوده الوحيد،‏ لكي لا يهلك كل من يمارس الإيمان به،‏ بل تكون له حياة ابدية».‏ فالمحبة اذًا هي التي دفعت يهوه الى ذلك.‏ وقد كانت هبة يهوه —‏ ارساله ابنه ليتألم ويموت من اجلنا —‏ اعظم اعراب عن المحبة.‏

تعريف المحبة الالهية

١٠ اية حاجة يملكها البشر،‏ وماذا حلّ بمعنى كلمة «المحبة»؟‏

١٠ ماذا تعني كلمة «محبة»؟‏ وُصفت المحبة بأنها اعظم حاجة لدى البشر.‏ فمن المهد الى اللحد يسعى الناس وراء المحبة،‏ وتتحسن حالهم حين ينعمون بدفئها،‏ حتى انهم يذبلون ويموتون اذا حُرموا منها.‏ ورغم ذلك يبقى تعريفها صعبا جدا.‏ صحيح ان الناس يتحدثون كثيرا عن الحب والمحبة،‏ ولا نهاية للكتب والاغاني والقصائد عنهما،‏ ولكن لا ينتج دائما من ذلك توضيح لمعنى المحبة.‏ وفي الواقع،‏ من فرط ما تُستعمل هذه الكلمة صار من الصعب اكثر ايجاد معناها الحقيقي.‏

١١،‏ ١٢ (‏أ)‏ اين يمكن ان نتعلم الكثير عن المحبة،‏ ولماذا؟‏ (‏ب)‏ اية انواع من المحبة وُجدت في اللغة اليونانية القديمة،‏ وأية كلمة مقابل «المحبة» هي الاكثر استعمالا في الاسفار اليونانية المسيحية؟‏ (‏انظر ايضا الحاشية.‏)‏ (‏ج)‏ ما هي اڠاپِه؟‏

١١ أما الكتاب المقدس فيعلِّمنا عن المحبة بأسلوب واضح.‏ يذكر القاموس التفسيري لكلمات العهد الجديد ‏(‏بالانكليزية)‏ لواضعه ڤاين:‏ «لا يمكن تمييز المحبة الا من خلال الاعمال الناتجة عنها».‏ وسجلُّ الكتاب المقدس عن اعمال يهوه يعلِّمنا الكثير عن محبته ومودته الرقيقة نحو خلائقه.‏ فهل من دليل على صفة المحبة اقوى من اعراب يهوه السامي عنها كما وُصف آنفا؟‏!‏ تُضاف الى ذلك ايضا امثلة كثيرة اخرى لمحبة يهوه العملية سنراها في الفصول التالية.‏ كما انه يمكن ان تتوضح لنا الفكرة اكثر اذا تأملنا في الكلمات الاصلية المستخدمة في الكتاب المقدس التي تقابل «المحبة».‏ فباليونانية القديمة،‏ استُعملت اربع كلمات مقابل «محبة».‏ * وإحداها هي اڠاپِه،‏ اكثرها استعمالا في الاسفار اليونانية المسيحية.‏ يقول احد قواميس الكتاب المقدس عنها انها «اقوى كلمة يمكن تخيُّلها للتعبير عن فكرة المحبة».‏ ولماذا؟‏

١٢ تشير اڠاپِه الى محبة يوجِّهها المبدأ.‏ لذا تنطوي الكلمة على اكثر من مجرد تجاوب عاطفي مع شخص آخر.‏ انها اوسع مجالا،‏ وتعبِّر في جوهرها عن تفكير وتروٍّ اكبر.‏ والاهم هو ان اڠاپِه مجردة من كل انانية.‏ مثلا،‏ تأمل من جديد في ما تقوله يوحنا ٣:‏١٦‏.‏ ما هو «العالم» الذي احبه الله جدا حتى بذل ابنه المولود الوحيد؟‏ انه عالم الجنس البشري الذي يمكن افتداؤه.‏ وهو يشمل اناسا كثيرين يسلكون في حياتهم مسلكا خاطئا.‏ فهل يحب يهوه كل واحد منهم كما لو كان صديقه،‏ كما احب ابراهيم الامين؟‏ (‏يعقوب ٢:‏٢٣‏)‏ كلا،‏ لكنَّ يهوه يُبدي صلاحه للجميع بمحبة،‏ حتى لو استلزم ذلك منه تضحية كبيرة.‏ فهو يرغب ان يتوب الجميع ويغيِّروا طرقهم.‏ (‏٢ بطرس ٣:‏٩‏)‏ وهذا ما يفعله كثيرون.‏ ويسرّه ان يتخذ هؤلاء اصدقاء له.‏

١٣،‏ ١٤ ماذا يُظهر ان اڠاپِه تنطوي غالبا على مودة حميمة؟‏

١٣ ولكن لدى البعض فكرة خاطئة عن اڠاپِه.‏ ففي رأيهم تشير هذه الكلمة الى محبة فاترة وعقلانية.‏ لكنَّ الحقيقة هي ان كلمة اڠاپِه تنطوي غالبا على مودة شخصية حميمة.‏ مثلا،‏ عندما كتب يوحنا «الآب يحب الابن»،‏ استعمل صيغة للكلمة اڠاپِه.‏ فهل هذه المحبة خالية من المودة الحميمة؟‏ لاحظْ ان يسوع قال:‏ «الآب يكن للابن مودة»،‏ مستعملا هنا صيغة للكلمة فيليو.‏ ‏(‏يوحنا ٣:‏٣٥؛‏ ٥:‏٢٠‏)‏ فمحبة يهوه تشمل غالبا مودة رقيقة.‏ ولكن لا تتأثر محبته بالإحساس العاطفي فحسب،‏ بل توجِّهها دائما مبادئه الحكيمة والعادلة.‏

١٤ رأينا ان جميع صفات يهوه رفيعة وكاملة وجذابة.‏ لكنَّ المحبة هي ابرز الصفات التي تجذبنا اليه.‏ فلا شيء يجذبنا اليه اكثر.‏ والمفرح هو ان المحبة هي الصفة الغالبة عنده.‏ فكيف نعرف ذلك؟‏

‏«الله محبة»‏

١٥ ماذا يقول الكتاب المقدس عن صفة المحبة عند يهوه،‏ وماذا يجعل هذا القول فريدا؟‏ (‏انظر ايضا الحاشية.‏)‏

١٥ يقول الكتاب المقدس عن المحبة شيئا لا يقال ابدا عن صفات يهوه الرئيسية الاخرى.‏ فالاسفار المقدسة لا تقول ان الله قدرة او ان الله عدل،‏ او حتى ان الله حكمة.‏ فهو يملك هذه الصفات،‏ وهو المصدر الاسمى لها،‏ ولا يضاهيه احد فيها جميعا.‏ ولكن يقال عن الصفة الرابعة شيء اعمق:‏ «الله محبة».‏ * (‏١ يوحنا ٤:‏٨‏)‏ فماذا يعني ذلك؟‏

١٦-‏١٨ (‏أ)‏ لماذا يقول الكتاب المقدس ان «الله محبة»؟‏ (‏ب)‏ من بين كل المخلوقات على الارض،‏ لماذا يُعتبر الانسان رمزا ملائما الى صفة المحبة عند يهوه؟‏

١٦ ليست عبارة «الله محبة» مجرد معادلة بسيطة،‏ كما لو اننا نقول:‏ ‏«الله يساوي المحبة».‏ فلا يمكننا ان نقلب العبارة ونقول ان «المحبة هي الله».‏ وليس يهوه صفة مجردة.‏ انه كائن ذو شخصية يحس بمشاعر ويتمتع بصفات كثيرة غير المحبة.‏ لكنَّ المحبة تتغلغل عميقا في كيان يهوه.‏ لذلك يقول احد المراجع عن هذه الآية:‏ «المحبة هي جوهر الله او طبيعته».‏ ويمكننا عموما ان نفكر في المسألة على هذا الوجه:‏ قدرة يهوه تمكِّنه من العمل؛‏ عدله وحكمته يوجِّهان الطريقة التي يعمل بها؛‏ أما محبته فتدفعه الى العمل.‏ وتُرى محبته دائما في طريقة استخدامه الصفات الاخرى.‏

١٧ يقال غالبا ان يهوه هو مجسَّم المحبة.‏ لذلك اذا اردنا ان نتعلم شيئا عن المحبة المؤسسة على مبدإ،‏ يجب ان نتعلم عن يهوه.‏ طبعا،‏ يمكننا ان نرى هذه الصفة الجميلة لدى البشر ايضا.‏ ولكن لماذا يملك البشر تلك الصفة؟‏ عند خلق الانسان،‏ تفوَّه يهوه بهذه الكلمات الموجَّهة كما يتضح الى ابنه:‏ «نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا».‏ (‏تكوين ١:‏٢٦‏)‏ فمن بين كل المخلوقات على هذه الارض،‏ باستطاعة الرجال والنساء وحدهم ان يقرروا ان يحبوا،‏ وهم بذلك يتمثلون بأبيهم السماوي.‏ وتذكّر ان يهوه استخدم مخلوقات عديدة رمزا الى صفاته الرئيسية.‏ لكنه اختار الانسان،‏ اسمى خليقته الارضية،‏ ليكون رمزا الى الصفة الغالبة لديه:‏ المحبة.‏ —‏ حزقيال ١:‏١٠‏.‏

١٨ عندما نحب بطريقة غير انانية ومؤسسة على مبدإ،‏ نعكس هذه الصفة الغالبة عند يهوه.‏ وهذا ما كتبه الرسول يوحنا:‏ «أما نحن فنُحِب،‏ لأنه هو احبنا اولا».‏ (‏١ يوحنا ٤:‏١٩‏)‏ ولكن بأية طرائق احبنا يهوه اولا؟‏

يهوه اخذ المبادرة

١٩ لماذا يمكن القول ان المحبة لعبت دورا هاما في عمل يهوه الخلقي؟‏

١٩ ليست المحبة امرا حديثا.‏ أفليست المحبة ما دفع يهوه الى الابتداء بالخلق؟‏!‏ لم يبادر الله الى ذلك لأنه شعر بالوحدة واحتاج الى الرفقة.‏ فيهوه مستقل وتام في ذاته،‏ ولا يعوزه شيء يؤمّنه له كائن آخر.‏ لكنَّ محبته،‏ التي هي صفة يُعرب عنها بالاعمال،‏ جعلته يرغب دون شك في ان يُشرِك مخلوقات ذكية في افراح الحياة،‏ مخلوقات تقدِّر هذه الهبة.‏ وكان الابن المولود الوحيد «بداية خليقة الله».‏ (‏كشف ٣:‏١٤‏)‏ ثم استخدم يهوه هذا الصانع لصنع سائر الاشياء،‏ بدءا من الملائكة.‏ (‏ايوب ٣٨:‏​٤،‏ ٧؛‏ كولوسي ١:‏١٦‏)‏ وبما انه أُنعم على هذه الارواح الجبارة بالحرية والذكاء والمشاعر،‏ سنحت لها الفرصة ان تنشئ روابط حبية خاصة —‏ بعضها مع بعض والاهم مع يهوه الله.‏ (‏٢ كورنثوس ٣:‏١٧‏)‏ وهكذا أَحَبُّوا لأنهم أُحِبُّوا اولا.‏

٢٠،‏ ٢١ ايّ دليل على محبة يهوه تمتَّع به آدم وحواء،‏ ولكن كيف تجاوبا؟‏

٢٠ هكذا كان الامر بالنسبة الى البشر.‏ فمن البداية أُغدقت المحبة على آدم وحواء.‏ وأينما نظرا في موطنهما الفردوسي في عدن،‏ وجدا دليلا على محبة الآب لهما.‏ لاحظ ما يقوله الكتاب المقدس:‏ «غرس الرب الاله جنة في عدن شرقا.‏ ووضع هناك آدم الذي جبله».‏ (‏تكوين ٢:‏٨‏)‏ فهل ذهبت مرة الى حديقة او منتزه اسر لبَّك بجماله؟‏ ما هو اكثر ما سرَّك هناك؟‏ هل هو ضوء الشمس المُنساب بين اوراق الشجر في مكان مظلِّل يُختلى فيه؟‏ هل هو تنوُّع الالوان المدهش في بساط من الازهار؟‏ هل هي عذوبة خرير الجداول وزقزقة الطيور وطنين الحشرات؟‏ وماذا عن رائحة الاشجار والثمار والازهار؟‏ ومع ذلك،‏ ما من حديقة اليوم تماثل الجنة في عدن.‏ ولماذا؟‏

٢١ لأن يهوه نفسه هو مَن غرس الجنة!‏ لذلك لا بد ان جمالها يفوق الوصف.‏ وفيها وُجدت كل شجرة تُمتِّع الناظر بجمالها والآكل بثمارها اللذيذة.‏ وكانت الجنة مرويّة وفسيحة وتعجّ بأنواع كثيرة من الحيوانات.‏ لقد امتلك آدم وحواء كل ما يلزم لجعل حياتهما سعيدة وغنية،‏ بما في ذلك عمل مرضٍ ورفقة تتميز بانسجام تام.‏ لقد احبهما يهوه اولا،‏ وكان من الطبيعي ان يتجاوبا بالمثل.‏ لكنهما لم يفعلا ذلك.‏ فبدلا من اطاعة ابيهما السماوي بمحبة،‏ تصرَّفا بأنانية وتمرَّدا عليه.‏ —‏ التكوين الاصحاح ٢‏.‏

٢٢ كيف اظهر تجاوب يهوه مع التمرُّد في عدن ان محبته ولية؟‏

٢٢ كم آلم ذلك يهوه دون شك!‏ ولكن هل ملأ هذا التمرُّد قلبه المحب حقدا؟‏ كلا!‏ «لأن الى الابد رحمته [او «محبة ولائه»،‏ حاشية ع‌ج بالانكليزية]».‏ (‏مزمور ١٣٦:‏١‏)‏ وهكذا سارع الى ترتيب الامور لصنع تدابير حبية تخلِّص مَن يملكون الدافع الصائب بين ذرية آدم وحواء.‏ وكما رأينا،‏ شملت هذه التدابير الذبيحة الفدائية التي قدَّمها ابنه الحبيب،‏ امرٌ شقَّ احتماله على الآب كثيرا.‏ —‏ ١ يوحنا ٤:‏١٠‏.‏

٢٣ ما هو احد الاسباب التي تجعل يهوه «الاله السعيد»،‏ وأيّ سؤال مهم سيجاب عنه في الفصل التالي؟‏

٢٣ نعم،‏ اخذ يهوه المبادرة من البداية وأظهر المحبة للجنس البشري.‏ وبطرائق لا تُعدّ ولا تُحصى «هو احبنا اولا».‏ والمحبة تعزّز الانسجام والفرح،‏ لذلك لا عجب ان يوصَف يهوه بأنه «الاله السعيد».‏ (‏١ تيموثاوس ١:‏١١‏)‏ ولكن ينشأ هنا سؤال مهم.‏ هل يحبنا يهوه فعلا كأفراد؟‏ هذا ما سيجيب عنه الفصل التالي.‏

^ ‎الفقرة 11‏ كثيرا ما تستعمل الاسفار اليونانية المسيحية الفعل فيليو الذي يعني «أكنَّ مودة،‏ أعزَّ،‏ او أُعجِب (‏كالشعور تجاه صديق حميم او اخ)‏».‏ وتُستعمل صيغة للكلمة ستورڠي،‏ او المحبة العائلية اللصيقة،‏ في ٢ تيموثاوس ٣:‏٣ للاشارة الى انعدام هذه المحبة خلال الايام الاخيرة.‏ أما كلمة إروس،‏ او الحب الرومنطيقي بين الجنسَين،‏ فلا تُستعمل في الاسفار اليونانية المسيحية،‏ مع ان الكتاب المقدس يناقش هذا النوع من المحبة.‏ —‏ امثال ٥:‏​١٥-‏٢٠‏.‏

^ ‎الفقرة 15‏ ترد في الاسفار المقدسة آيات اخرى ذات بنية مشابهة،‏ مثل «الله نور» و «إلهنا نار آكلة».‏ (‏١ يوحنا ١:‏٥؛‏ عبرانيين ١٢:‏٢٩‏)‏ ولكن يجب ان تُفهم هذه الكلمات على انها تشابيه،‏ لأنها تشبِّه يهوه بأشياء مادية.‏ فيهوه هو مثل النور لأنه قدوس ومستقيم،‏ ولا «ظلمة» او نجاسة فيه البتة.‏ كما يمكن تشبيهه بالنار لاستعماله القدرة على الإهلاك.‏