قبرص
قبرص
عندما كرز الرسول بولس ورفقاء سفره في قبرص في القرن الاول، لاقوا اضطهادا شديدا. وحاول نبي كذاب، ساحر يُدعى باريَشوع، ان يؤثر في الوالي سعيا الى ايقاف خدمتهم. ونظرا الى ما استعمله الساحر من اساليب، وصفه بولس صراحةً بأنه ‹ممتلئ كل غش وخبث ابن ابليس عدو كل بر شخص يفسد سبل اللّٰه المستقيمة.› (اعمال ١٣:٦-١٢) وفي الازمنة العصرية ايضا استخدم بعض رجال الدين في قبرص اساليب مماثلة في مساعيهم لاعاقة الشعب هناك عن التعلُّم عن قصد يهوه العظيم ان يبارك كل عائلات الارض.
ولكن لا يوافق الجميع هنا في قبرص على ما يقوله ويفعله رجال الدين هؤلاء. فالقبارصة مشهورون بروح الضيافة. وعادةً، تُقدَّم الفاكهة المجفَّفة للزائرين؛ أما اذا كان يوما من ايام الصيف الحارة فقد يُقدَّم لهم كوب بارد ومنعش من شراب الليمون الحامض ليتمتعوا به وهم جالسون في ظل كرمة مثقلة بالعناقيد.
المناخ معتدل هنا. تقع قبرص في شرقي البحر الابيض المتوسط، على بُعد نحو ٦٠ ميلا (١٠٠ كلم) غرب الساحل السوري و ٤٠ ميلا (٦٠ كلم) جنوب تركيا. والجزيرة بحد ذاتها رائعة الجمال. تنبسط الشطآن الرملية لتلامس مياه المتوسط الدافئة. وجبال ترودُس، التي تمتد على طول الجزء الجنوبي الغربي للجزيرة، تقدم محيطا منعشا ومعطَّرا برائحة الصنوبر للذين ينشدون ملجأً من حرّ الصيف. ويألف النظرُ رؤيةَ الكروم وأشجار التين والزيتون والخرنوب. وعندما تُزهر اشجار اللوز، يبدو الريف متَّزرًا بغطاء من الثلج. وحينما تُزهر اشجار الحمضيات، يعبق الجو بأريج عَطِر. وفي المناطق الريفية كثيرا ما يُرى الرعاة وهم يقتادون قطعانهم من الخرفان والماعز الى المراعي. ان طريقة حياة كثيرين من هؤلاء الاشخاص ترجع الى زمن يسبق كثيرا العصر الميلادي.
قبرص في التاريخ
خضعت الجزيرة، مع ان طولها ١٢٨ ميلا (٢٠٦ كلم) فقط، بطرائق كثيرة لتأثير الدول العالمية السبع كلها لتاريخ الكتاب المقدس، وفي الواقع وقعت تحت السيطرة المباشرة لستّ منها. والدولة العالمية الثامنة، الامم المتحدة، مارست هي ايضا نفوذا بهدف حفظ السلام بين المجتمعات الناطقة باليونانية وتلك التي تتكلم التركية.
دخلت المسيحية قبرص في الجزء الباكر من القرن الاول بم. فبعد موجة الاضطهاد التي عقبت موت استفانوس في اورشليم، ذهب بعض التلاميذ المشتَّتين الى قبرص وكرزوا للمجتمع الكبير من اليهود الساكنين في الجزيرة آنذاك. (اعمال ١١:١٩) وفي ما بعد أُدرِجت قبرص في رحلة بولس الارسالية الاولى، نحو السنة ٤٧-٤٨ بم. وأحد رفقاء سفره كان من مواليد قبرص وقد تمتع بمعاشرة رسل يسوع المسيح في اورشليم بعد سكب الروح القدس في السنة ٣٣ بم. ولقَّبوه ببرنابا (ابن التعزية). (اعمال ٤:٣٤-٣٧) وخلال خدمة بولس وبرنابا في قبرص، شهدا اولا في سلاميس الواقعة على الساحل الشرقي ثم شقّا طريقهما عبر الجزيرة الى پافوس الواقعة غربا. وخرائب سلاميس وپافوس تشهد لمركزهما المرموق في الوقت الذي فيه انجز بولس ورفقاؤه خدمتهم هناك.
وفي پافوس كان انّ الوالي الروماني سرجيوس بولس اهتدى الى المسيحية رغم التشويش الذي سبَّبه باريَشوع الساحر. وكان الوالي، بحسب قول الكتاب المقدس، «مندهشا من تعليم الرب.» — اعمال ١٣:١٢.
بعد نحو سنتين، عاد برنابا برفقة نسيبه مرقس الى قبرص للقيام بمزيد من التبشير. — اعمال ١٥:٣٦-٤١.
‹تلاميذ الكتاب المقدس هم الجامعة›
وفي الازمنة العصرية ايضا يُنجَز تبشير مكثَّف في قبرص. وقد سُرّ المخلصون بتعلم ما يعلمه الكتاب المقدس نفسه بالتباين مع تقاليد الناس. وإحدى الاشارات الباكرة الى ان تعليما كهذا قد بلغ قبرص تظهر في برج المراقبة عدد ١ تشرين الاول ١٩٢٢. تدل رسالة نُشرَت في ذلك العدد على ان رجل دين ارمنيا تسلَّم نشرة تظهر ان النفس تموت، وأنها ليست خالدة. لقد كان شاكرا على ما قرأه. ولكنه كان منزعجا بشدة من الحالة الروحية للكنائس في قبرص. وعنها كتب: «هنالك الكثير . . . من ابنية الكنائس هنا. ولكن ما من حياة روحية؛ لقد فُقِدت منذ زمن بعيد. ورجال الدين يعيشون حياة منحطَّة اكثر من عامة الشعب. لم يعُد في وسعي إلا ان انوح، ابكي وأصرخ كإرميا. انني ابذل قصارى جهدي لأقدِّم
لبن الحق لليونانيين، الارمن، الاتراك، واليهود.» وكان هنالك ارمن آخرون خارج قبرص يفعلون ايضا ما في وسعهم ليخبروا الشعب القبرصي حق الكتاب المقدس.ثم في ايلول ١٩٢٤ عاد سيرُس خارالامبوس من الولايات المتحدة الى بلده الام قبرص. وكان تلميذا للكتاب المقدس، وقد احضر معه عددا كبيرا من النشرات، بما فيها مخزون وافر من نشرات بعنوان اين هم الموتى؟ فذهب الى مكتب البريد المركزي في العاصمة نيقوسيا، وأرسل مطبوعة الى كل واحد من وجهاء القرى وأيضا الى المعلمين في كل بلدة وقرية. في تلك الايام كان البريد يُحمل على ظهر حمار، وكان يُرسَل الى القرى مرةً في الاسبوع.
احدى المطبوعات، وهي نشرة بعنوان منبر الشعوب، وصلت الى معلم مدرسة في كسيلوفاڠو، قرية في منطقة لزراعة البطاطا في الجزء الجنوبي الشرقي من الجزيرة. وأحد المزارعين المحليين، انتونيس سْپِتسيوتيس، زار المعلم. وكان انتونيس رجلا مولعا بالدرس، فراح يبحث حوله عن شيء يقرأه. فرأى النشرة وسرعان ما انهمك في محتوياتها. وناقشها مع قروي آخر، انذرِيَس خريستو. وعلى مر الوقت حصلا على مزيد من مطبوعات جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس وقرآها. وأخبرا الآخرين ايضا بما كانا يتعلمانه، وبعض هؤلاء انضموا اليهما في درس للكتاب المقدس.
كان كليوپاس، لاهوتي من الكنيسة الارثوذكسية اليونانية، احد الذين ابدوا اهتماما. ومع انه صار صديقا لشعب يهوه، إلا انه لم يأخذ قط موقفا ايجابيا الى جانب الحق. ولكنه كان يقول: ‹الكاثوليكية هي روضة الاطفال، الپروتستانتية المدرسة الابتدائية، أما تلاميذ الكتاب المقدس فهم الجامعة.›
ولكن لم يتكلم الجميع بمثل هذا اللطف عن تلاميذ الكتاب
المقدس. فالشهادة غير الرسمية التي قام بها انتونيس سْپِتسيوتيس وأنذرِيَس خريستو جلبت عليهما غضب قريتهما. وبلغ الخبر رئيس اساقفة قبرص، فأُرسِل اللاهوتيون ليبطلوا تأثير الاخوَين. وجرى خلال السنتين التاليتين عدد من المناقشات — لاهوتي من جهة، والاخ سْپِتسيوتيس من جهة اخرى. لم تُستأجَر اية قاعة لهذه المناسبات؛ فقد خدم المقهى المحلي القصد، لأن الناس يجتمعون هناك. وأخيرا جرى حرم الاخوَين كليهما من الكنيسة الارثوذكسية اليونانية وأُنكِر عليهما الحق في ان يتزوجا او يُدفَنا. وفي الواقع، عندما مات ولد لأنذرِيَس خريستو، رفض الكاهن المحلي فعلا دفن الولد في مدفن القرية ما لم يحضر انذرِيَس قداس يوم الاحد صباحا. فماذا كانت النتيجة؟ لقد دُفن الولد في نهاية الامر، ولكنَّ انذرِيَس لم يذهب الى الكنيسة.في هذه الاثناء، كان تريفون كالوڠيرو يتعلم الحق، وهو مفتش صحة من قرية في مقاطعة نيقوسيا، وفيما كان يزور القرى لامر يختص بعمله، كان يستعمل الكتاب المقدس على افضل وجه ليشهِّر تعليمَي نار الهاوية والثالوث. ولكن بعد ان بُتِرَت احدى ساقيه بسبب المرض، صار الناس يُعيِّرونه بقولهم ان اللّٰه يعاقبه لأنه غيَّر اديان الناس. وقد آلمه ذلك كثيرا، تماما كما ازداد حزن ايوب بسبب حجج رفقائه الملتوية. (قارنوا ايوب ٤:٧، ٨؛ ١٢:٤.) لكنَّ تريفون بقي اخا امينا حتى موته سنة ١٩٦٠.
فاتحون غيورون ينشرون البشارة
اكتسب العمل في الجزيرة زخما جيدا سنة ١٩٣٤ عندما وصل من اليونان الأخَوان ماتِياكيس وترياندافيلوپولُس. وأرسل مكتب المركز الرئيسي في بروكلين، نيويورك، ٤٣ علبة كرتونية من الكتب باليونانية، بالتركية، وغيرهما من اللغات لاستعمالها. كان هذان الاخوَان غيورَين ولكن كان عليهما ان يواجها اولا الكثير من اللامبالاة. فقد اعتقد الشعب المضلَّل من رجال الدين ان الاخوَين شيوعيان او پروتستانتيان وجرى
تحذيرهم من انهما يحاولان تغيير دين الشعب. لكنَّ الناس في البلدات الاكبر، وخصوصا رجال الاعمال، كانوا فضوليين وأرادوا ان يعرفوا عن هذا «الدين الجديد.»تسلَّم الفاتحان من بروكلين اسماء بعض المشتركين في مجلتي الجمعية. وأحد المشتركين كان كليوپاس، اللاهوتي. وقد حصل على الكثير من مطبوعات الجمعية ودعا الفاتحَين ايضا الى بيته الى وجبة طعام في مناسبات عديدة. واصطحب ايضا الاخ ماتِياكيس الى النادي الهليني في لارنكا، حيث قدّمه الى الآخرين بصفته ‹رجلا من اثينا يمثِّل هيئة تُصدر كتبا نافعة تشرح الكتاب المقدس.› في تلك الامسية، تمكّن الاخ ماتِياكيس من توزيع ٨٤ كتابا مجلدا و ١٢٠ كراسا وحصل ايضا على ١٠ اشتراكات في العصر الذهبي.
ومن لارنكا، شق الفاتحان طريقهما على الساحل الجنوبي الشرقي الى كسيلوفاڠو، على بُعد نحو ١٦ ميلا (٢٦ كلم)، حيث زارا انتونيس سْپِتسيوتيس وأنذرِيَس خريستو. وكان هذان الاخوان يبذلان كل ما في وسعهما ليخبرا الآخرين بما تعلّماه، ولكن يا لفرحهما عندما سنحت فرصة احراز فهم ادقّ للاسفار المقدسة! فتأسست اول جماعة لشهود يهوه في قبرص في قريتهما.
ثم اتجه الفاتحان الى فاماڠوستا. وكانت هذه منطقة بساتين ليمون وطواحين هواء بالقرب من خرائب سلاميس القديمة. وفيما الفاتحان يكرزان هناك، وصلت رسالة من الجمعية. وقد اعلمتهما بأنّ زوجَين يتكلمان اليونانية اسم عائلتهما لاڠاكوس سيصلان من مصر ليساعدا في العمل. يا له من خبر سار! وعند وصولهما، قرر الفريق ان يركِّز الاخ والاخت لاڠاكوس على البلدات فيما يشهد الفاتحان الآخران في المناطق الريفية.
وسرعان ما تشكلت جماعة اخرى. وهذه كانت في نيقوسيا.
وداخل الجزء المسوَّر القديم للبلدة، كان هنالك عدد كبير من السكان القبارصة-الاتراك، وكان الاخوة يجتمعون في بيت يملكه رجل مسلم.وشيئا فشيئا، كان المزيد من النتائج على وشك الظهور. لقد تبنّى بعض الاخوة القبارصة-اليونانيين خدمة الفتح. وأحدهم كان كريستوس كورتِليديس، رجل قصير القامة يلمع بريقٌ في عينيه الزرقاوين. ويا للمثال البارز الذي رسمه في الشجاعة والولاء! وخلال سنواته الـ ١٧ في خدمة الفتح، غطّى تقريبا كل القرى الـ ٦٥٠ في الجزيرة. ولم تكن هذه حياة سهلة. فعندما لا يُعرَب عن روح الضيافة، كثيرا ما كان ينام في العراء. وحتى حادثة موته فتحت المجال لشهادة جيدة. فقد ابى الكاهن في قريته الام ان يسمح بأن يُدفَن في المدفن المحلي. ووجب اللجوء الى مفوّض المقاطعة. ووقت الدفن حضر ١٥٠ شخصا للاستماع الى خطاب المأتم.
ان عودة الاخ ترياندا فيلوپولُس الى اليونان وذهاب الزوجين لاڠاكوس الى سوريا عنيا نهاية فريق الفاتحين الاساسي. ولكن سنة ١٩٣٨ كان هنالك اربعة فاتحين محليين وسبعة ناشرين يخبرون بالبشارة، وحضر ٤٠ شخصا ذكرى موت المسيح.
في تلك السنة عينها عرف پانايوتيس ڠاڤرييليديس وعائلةٌ من جيرانه الحق. ووسط اضطهاد شديد تشكل فريق صغير لدرس الكتاب المقدس والخدمة في قرية پولِميثيا يتألف من الام في تلك العائلة وبناتها الثلاث، مع پانايوتيس. وعن رد فعل اهل القرية قال پانايوتيس: ‹عندما كان يجتمع فريقنا الصغير، كان من العادي ان نسمع قرعا شديدا للباب والشبابيك. وبلغت مقاومة احد الرجال حدَّ ذهابه الى منزل الاخوات وضربهن. وأنا ايضا لزم ان اذهب الى المستشفى للمعالجة. ولكن، بشكل غريب، فيما كان هذا
الرجل نفسه يعبر بعد ايام قليلة جسرا وهو على شاحنة عائدا من العمل الى بيته، سقط الى النهر في الاسفل ومات.›رقابة المطبوعات في زمن الحرب
خلال الحرب العالمية الثانية انتُهزت انظمة رقابة المطبوعات كأساس لمصادرة المطبوعات التي تصدرها جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس. ولم يتسلَّم الاخوة المجلات لدرس الكتاب المقدس التي كانت تُرسَل الى قبرص. وبدلا من ذلك، كانت تُكدَّس في المكتب العام للبريد في العاصمة.
ودون اية مطبوعة فعليا، كيف تدبَّر الشهود امرهم؟ كانوا يطبعون على اوراق، مقتطفاتٍ من مطبوعات سابقة للجمعية ويوزِّعونها في خدمة الحقل. ومن وقت الى آخر عندما كانت تصلهم نسخة من برج المراقبة، كانوا يترجمونها بسرعة ويستعملونها للدرس. وكانت تُعقد ايضا المحافل في ذلك الوقت. وبازدياد عدد الناشرين تشكَّلت جماعة اضافية.
وأخيرا، قبل اشهر قليلة من نهاية الحرب، أُفرج عن ٠٠٠,٣
مجلة و ١٧ علبة كرتونية من كتبنا وكراريسنا. لقد رأى طبعا مستخدَمو مكتب البريد الكومةَ تكبر، وأبدى بعضهم اهتماما. ونتيجة لذلك، امكن وضع ٤٥ كتابا لديهم.هل يستطيعان ان يتزوجا؟
هنالك ظروف اخرى تتعلق بشهود يهوه ابقت ايضا الرسميين مدركين لوجود الشهود. ففي سنة ١٩٣٩ اراد الاخ ماتِياكيس ان يتزوج. لكنَّ الزواج لم يكن بالامر السهل على شهود يهوه في قبرص آنذاك. ولماذا؟ لأن السلطات لم تكن تعترف بشهود يهوه كفريق ديني ولذلك لم تكن تمنحهم الاذن في عقد زواج مدني. وأعاقت ظروف زمن الحرب الجهود للاتصال بالاخوة في المركز الرئيسي في بروكلين لطلب المشورة. وأخيرا اصدر مكتب الفرع في لندن شهادة تذكر ان شهود يهوه في قبرص مرتبطون بجمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم في انكلترا. وعلى اساس هذه الشهادة، وافقت السلطات البريطانية في قبرص ان يتزوج الاخ ماتِياكيس زواجا مدنيا.
وعلى مرّ السنين صار هذان الزوجان الامينان معروفَين بروح الضيافة. وكان بيتهما مفتوحا دائما للاخوة، ويجري تذكُّر لطفهما تجاه كل المحتاجين.
وصول خرّيجي جلعاد
ان اول خريج لجلعاد وصل الى الجزيرة هو انتونيوس كاراندينوس، يوناني كان مقيما في الولايات المتحدة. لقد وصل سنة ١٩٤٧ حين كان هنالك مجرد ٣٣ ناشرا للملكوت. وكان قد عمل كبحار وكان رجلا قوي البنية. وكان ايضا مؤيدا مخلصا
للحق، وهذا كان مهمّا في مواجهة المقاومة العنيفة التي لاقاها خلال خدمته في قبرص.عنفت المقاومة خصوصا عندما ابتدأ الاخوة بعرض المجلات في شهادة الشوارع. وفي فاماڠوستا كان يزعجهم باستمرار رجل خدم كأداة في يد الكنيسة. فكان يحرض الناس ضد الشهود. ونتيجة لذلك، وجد الاخ كاراندينوس انه محاط بالرعاع، مما عرقل السير. فأُخذ الاخ كاراندينوس مع الذي اثار المشكلة الى المحكمة؛ وغُرِّما كلاهما. وتلت حوادث اخرى. وأحيانا وجب ان يدعو الاخوة الشرطة لتخليص الناشرين من الرعاع.
كان يوما سعيدا للاخوة سنة ١٩٤٨ عندما وصل الى قبرص مرسلان اضافيان طُرِدا من اليونان. وفي ايار من السنة نفسها، وصل ايضا دون رندل، خريج من الصف الثامن لجلعاد طُرد من مصر. في تلك السنة اسست الجمعية مكتب فرع في قبرص، وناظره كان انثوني سيدارِس. وعلى مرّ السنين عُيِّن آخرون من خرِّيجي جلعاد في قبرص، وأُنشئت بيوت للمرسلين في بعض البلدات الرئيسية. وقد تبيَّن ان هؤلاء الاخوة مصدر رائع للدعم في تنظيم الجماعات بطريقة ثيوقراطية وأَخْذ القيادة في تدريب الناشرين في خدمة الحقل.
ولكن قبل ان يتمكنوا من تقديم الكثير من المساعدة، كان يلزم ان يتعلموا تكلُّم اليونانية، وأدّى ذلك الى بعض الحوادث الطريفة. قال اخ مقتبسا الرؤيا ١٢:٧ ان ‹ميخائيل والانكليز حاربوا التنين،› بدلا من «ميخائيل وملائكته،» لأن «ملائكة» و «انكليز» تبدوان متشابهتين جدا في اليونانية. ولكن كثيرا ما كان اصحاب البيوت يعيرون الانتباه لأجنبي يحاول ان يتكلم لغتهم. وذات مرة قال اخ جديد بعدما اعتمد لأحد المرسلين: ‹ما اثَّر فيَّ عندما زرتَني هو واقع انك تتكبَّد عناء تعلُّم لغتي مع انك اجنبي. فجعلني ذلك اشعر بأنه يجب ان أُدقق في ما تحمله اليّ.›
الكنيسة تثير الفضول بشأن الشهود
مع انه كان هنالك، كمعدل، نحو ٥٠ ناشرا فقط لملكوت يهوه في الجزيرة في سنة ١٩٤٨، شعرت الكنيسة الارثوذكسية بالحاجة الى ‹وضع حد لهذه الهرطقة،› حسب تعبيرهم. فأية اساليب استعملوا؟ صدر منشور عام يشهِّرنا، وطُبع في الكثير من الصحف اليومية وقُرئ في الكنائس في كل انحاء الجزيرة. وأُرسل الاولاد
ليوزِّعوا نسخا من باب الى باب، وأُلصِقت النسخ على الجدران وأعمدة التلڠراف. ووُصفنا بأننا غير وطنيين، اضداد للمسيح، وعملاء للصهيونية.وكيف تجاوب شعب يهوه؟ كان الناس في ذلك الوقت فضوليين بشأن الشهود. وأرادوا ان يعرفوا لماذا تقاومنا الكنيسة بهذه القوة. فباشر اخوتنا حملة دامت اربعة اشهر تُرك فيها
٠٠٠,٧٢ كراس بين ايدي الناس — سبع مرات اكثر من مجموع المطبوعات التي وُزِّعت خلال السنة السابقة بكاملها. فمنح ذلك الناس فرصة ليكتشفوا هم بأنفسهم ما يعلِّمه شهود يهوه. وقرأ كثيرون مطبوعاتنا بدافع الفضول. ومن ناحية اخرى، ضُرب بعض الاخوة ورُجموا. وفي ليماسول أُخذ اخ وأخت الى المحكمة، بتهمة الهداية وإثارة المشاكل، وحُكم عليهما بالسجن مدة شهر واحد.مناقشة في مقرّ رئيس الاساقفة
خلال ذلك الوقت التقى دون رندل سيِّدا ذا نفوذ في نيقوسيا تربطه علاقة وثيقة بالكنيسة الارثوذكسية. قال الاخ رندل لاحقا عن الاختبار: ‹بعد مناقشة ممتعة تركت لدى الرجل كتاب «ليكن اللّٰه صادقا،» وفي زيارة مكرَّرة اراد ان يعرف المزيد. ولكنه قال انه يرغب في الاستماع الى مناقشة بيني وبين رئيس اساقفة الكنيسة الارثوذكسية اليونانية، الذي يعرفه. وسأل «هل انت مستعد؟»
‹وافق ناظر الفرع، الاخ سيدارِس، على مرافقتي الى مقرّ رئيس الاساقفة. عند وصولنا قيل لنا ان رئيس الاساقفة «متوعك» وإنما كولوسي الاصحاح ١، العدد ١٥، التي تذكر ان يسوع هو «بكر كل خليقة،» هتف على الفور: «هذه هرطقة آريوس!» لقد اتَّضح مَن هم المؤيدون الحقيقيون للكتاب المقدس.›
يمكننا ان نتكلم مع احد لاهوتيي الكنيسة الملحَقين بالبلاط الاكليريكي. بعد مناقشة طويلة، سألتُ اللاهوتي عن موقف الكنيسة الارثوذكسية اليونانية عندما ينشأ خلاف بين الكتاب المقدس وتقاليد الكنيسة. فأجاب ان الكنيسة تقبل تقاليد الكنيسة. وهذا ما فعله! فعندما اقتُبِسَتوفرة من الدعاية المجانية
على الرغم من المقاومة المستمرة، ارتفع معدل عدد الناشرين من ١٤١ سنة ١٩٤٩ الى ٢٠٤ سنة ١٩٥٠، وحضر ٢٤١ شخصا الاحتفال بالعشاء التذكاري سنة ١٩٥٠. في تلك السنة رُتِّب محفل دائري في پافوس حيث كرز الرسول بولس. فاستُئجرت دار سينما، لكنَّ الاسقف المحلي وغيره من الاشخاص البارزين في البلدة مارسوا ضغطا على المالك في محاولة لجعله يخلّ باتفاقيته معنا. وحاول المجلس المحلي حملَنا على الغاء محفلنا بالحدّ من عدد الاشخاص الذين يمكن ان يكونوا في دار السينما وبفرض ضريبة باهظة على استعمال المبنى. وعندما بُذلت الجهود لرؤية مفوَّض المقاطعة البريطاني لحلّ المسألة، أُعيقت كلها. لذلك قام ناظر الفرع، وهو بريطاني، بزيارة شخصية لمنزل المفوَّض وأوضح ان الرسميين المحليين يضايقون شهود يهوه. وقدَّرنا جدا ما فعله المفوَّض لمساعدتنا. وقد جُعلت ساحة كبيرة متاخمة للسينما متوافرة، وهذه زوَّدت متَّسعا من المكان للذين لا يتمكنون من الجلوس في الداخل.
اغتاظ اسقف پافوس. وكالساحر باريَشوع قديما، الذي حاول اعمال ١٣:٦-١٢.) فجعل منشورا يُوزَّع لتنبيه الشعب الى ان شاهدين فاتحين يعيشان في مقاطعة پافوس جرى حرمهما. وسرعان ما تلا هذا منشور آخر يشهِّر شهود يهوه بصفتهم «الهرطقة المعروفة بالألفيِّين،» التي هي، على حد قوله، «بدعة ابليسية من نتاج مخيلة القرن الماضي المريضة.» ودعمًا للكنيسة، كان الاحداث الذين يوزِّعون المنشورات يقفون بالقرب من كل ناشر يشهد في الشارع. وكان هؤلاء الاحداث يعطون منشورات المقاومة هذه قسرا لكل مَن يبدي اهتماما بما يفعله الشهود.
ان يحوِّل الوالي الروماني سرجيوس بولس عن سماع كرازة بولس، استعمل الاسقف كل «سحره الاكليريكي» الذي يصنع المعجزات. (قارنواوانضمت بعض الصحف، ولكن ليس كلها، الى الهجوم على شعب يهوه. اعلنت نيو پوليتيكال ريڤيو في پافوس سنة ١٩٥٠: «يبلغ عدد أتباع يهوه الآن المئات في مقاطعتنا. وغدا سيزدادون ليصيروا آلافا وسيشكلون خطرا على وجود كنيستنا ذاته. لهذه الاسباب من الضروري ان يتحرك السينودس المقدس وأساقفتنا بسرعة ويحققوا في هذه المسألة الرهيبة على الفور ودون ارجاء او تأجيل.» وذكرت صحيفة اخرى، پافوس، مستهزئة بوضوح بالكنيسة، في عددها ٤ ايار ١٩٥٠: «حالة الفقر والشقاء التي تعمّ بعض القرى، الى جانب الممتلكات الواسعة التي تملكها الاديرة والكنيسة، كل هذه الامور خلقت مناخا ملائما لانتشار المعتقد الالفي. نذكر على سبيل المثال قرية، وبالتحديد إپيسكوپي، حيث تملك الكنيسة كل الارض تقريبا ويعمل سكانها عبيدا يستأجرون الارض او يصيرون كالعبيد عند الاقطاعيين. . . . فلا عجب اذا صار نصف سكان هذه القرية شهودا ليهوه. . . . مما تقدَّم، يجب
ان تفهم الكنيسة القبرصية انها لن تسود بواسطة حرب المنشورات. فقد عثر الالفيون على نقطة ضعف الاكليروس . . . ولا تكفي محاربتهم بالمنشورات.»بكل هذه الدعاية، صار شهود يهوه حديث البلدة. وإذ اثير الآن الى حد بعيد اهتمام الناس، اتت اعداد كبيرة منهم لحضور الخطاب العام في السينما. وحضر ٥٠٠ على الاقل.
اول زيارة لرئيس الجمعية
ان الحدث الذي فرَّح الاخوة القبارصة كثيرا كان زيارة الاخ نور، في كانون الاول ١٩٥١، برفقة مِلتون هنشل. وكانت السينما المَلَكية موقع محفل لثلاثة ايام. وكانت مبنى حديثا، وعلَّق الاخ نور: ‹نودّ ان يكون لدينا مكان كهذا في نيويورك لمحافلنا الدائرية.› كان قد جرى التخطيط لمحفل لثلاثة ايام، ولكن لأن السينما المَلَكية كانت في جزء سكني من المدينة القديمة، حُجِزت سينما پالاس في قلب نيقوسيا للخطاب العام الذي سيقدمه الاخ نور صباح يوم الاحد. وصُنعت الترتيبات من اجل دعاية كاملة لهذا الخطاب. فرُفعت اربع لافتات كبيرة أُعِدَّت باليونانية والانكليزية على جانب السينما المَلَكية. ووُزِّع مئتا ملصَق في كل انحاء العاصمة. وكانت الدعايات تُعرض على الشاشات في اكبر دور السينما. وحملت الصحف الانكليزية، التركية، واليونانية اعلانات للخطاب العام «هل يتغلب الدين على الازمة العالمية؟» ولا عجب أن العاملين في الصحيفة الشيوعية الرئيسية قالوا انه لا يمكنهم ان يعلنوا الخطاب ‹لأنه ضد مبادئ الحزب،› وأن اعضاء هيئة العاملين في الصحيفة القومية الرئيسية قالوا انه ‹يجب اولا ان يحصلوا على إذن من رئيس الاساقفة.›
بكل هذه الدعاية، تساءلنا ماذا سيكون رد فعل مقاومينا الدينيين. وسرعان ما اكتشفنا ذلك. فقد مُزِّقت ذات ليلة اللافتات على السينما المَلَكية. فبلَّغنا الشرطة. وطبع رئيس الاساقفة نشرة حثّ فيها: «احذروا! ابتعدوا عن الألفيّين.» وقال جزء من النشرة: ‹هل ترون؟ لقد دعَوا اجنبيا ايضا ليدعمهم. . . . انهم ذئاب بثياب حملان يأتون ليلتهموا خراف المسيح السريعة التأثر. . . . فلا تقتربوا منهم، لا تعيروهم ايّ انتباه. تجاهلوهم، فربما يعودون الى رشدهم ويجري تقويمهم. من المقرّ المقدس لرئيس الاساقفة.›
وهل كان يمكن ان يقدم الاخ نور خطابه العام في سينما پالاس دون ازعاج؟ فليصف شاهد عيان ما حدث. يتذكر دون رندل: ‹بعد الساعة ٠٠:١٠ قبل الظهر مباشرة اقتربتُ من السينما. كانت الشرطة خارج المدخل، ورأيت حشدا من الاحداث يجيئون ويروحون بهدف دخول السينما لإثارة المتاعب. وبما انه كان هنالك اخوة يعرفون كثيرين من مثيري الشغب، فقد كانوا يساعدون افراد الشرطة الذين يحاولون ابقاء الرعاع بعيدا عن المدخل. كان عليّ ان اشق طريقي بينهم لأدخل. عند الساعة ٣٠:١٠ قبل الظهر، بدأ الاخ نور خطابه بحضور ٤٢٠ شخصا. لكنَّ المشاغبين الدينيين في الخارج شرعوا يقرعون الابواب بشدة. فأوقفت الشرطة ذلك بسرعة. لكنَّ السؤال الآن كان: كيف سنتمكن من الخروج من السينما بعد البرنامج؟ قرر الاخوة انهم، بمساعدة الشرطة، سيُبقون الرعاع امام السينما. ثم عند نهاية الخطاب، طُلِب منا ان نغادر المبنى من المخرج الخلفي، وهذا ما فعلناه بهدوء، متجنبين بذلك اية مواجهة.›
اجراس الكنيسة تنذر بهجوم آخر
سنة ١٩٥٢ كانت فاماڠوستا بلدة جميلة فيها بساتين البرتقال والليمون ولها شاطئ رملي طويل. تبعد هذه البلدة الواقعة على الساحل الشرقي للجزيرة اميالا قليلة فقط عن خرائب مدينة سلاميس القديمة، حيث كرز الرسول بولس ورفقاؤه. أما اليوم فقد صارت فاماڠوستا بمعظمها، منذ الاجتياح التركي سنة ١٩٧٤، مدينة مهجورة، بعدد قليل جدا من السكان. ولكن في السنة ١٩٥٢ كان شهود يهوه قد خططوا لعقد محفل في احدى دور السينما في البلدة. وإذ عرفنا جيدا ان الكنيسة الارثوذكسية اليونانية اعلنت حربا شاملة على شهود يهوه وبسبب ما حدث في المحافل
السابقة، طلبنا ان تكون الشرطة موجودة. كان صباح الاحد جميلا، وكان الاخوة يتطلعون بشوق الى الخطاب العام المرتَّب القاؤه في منتصف ما قبل الظهر. ولكن قبل الوقت المعيَّن لابتداء الخطاب بعشر دقائق وفيما كان ٣٥٠ شخصا جالسين في السينما، كانت هنالك دلائل على ان مشكلة على وشك الحدوث. كان انتونيوس كاراندينوس، مرسل في البلدة، احد الحجاب عند المدخل الامامي للسينما. وإليكم وصفه لما حدث:«قبل ١٠ دقائق فقط من الوقت المعيَّن لابتداء الخطاب، ابتدأ
يجلجل جرس كنيسة ارثوذكسية مجاورة. وكما علمنا لاحقا، كانت هذه علامةً للكهنة ولعشرات المراهقين ليبدأوا مسيرتهم الى السينما. ويا للمنظر الذي بدا! كهنة يترأسون حشدا من الاحداث المصمِّمين على دخول السينما. فاستعددنا للمتاعب. كان باب السينما مغلقا، وعندما حاولوا ان يدخلوا عنوةً، عاملني كاهن بخشونة فتمزقت ثيابي. وصارت الحالة اخطر، فطُلب المزيد من رجال الشرطة للدعم فوصلوا سريعا. وإذ أُحبِطت مساعي الحشد لانهاء الاجتماع، صرخوا وهاجوا علينا خارج السينما.»وإذ باءت جهود الكهنة بالفشل، قادوا الحشد عائدين الى الكنيسة. لقد منحنا يهوه الانتصار.
منتهكو القانون يؤخذون الى المحكمة
في وقت سابق كان اساقفة الكنيسة، كهنتها، ولاهوتيوها قد أُرسِلوا الى البلدات والقرى في كل انحاء الجزيرة لحثّ الشعب: «عندما يزور شهود يهوه قريتكم او بلدتكم، اطردوهم!» لم يطِع الجميع طلب الاكليروس. وتابع الاخوة بحثهم عن المشبهين بالخراف. لكن كان لهذا التحريض حتما صدًى. تخبرنا الاخت ڠالاتيا ماتِياكيس عن حادثة كانت موجودة في اثنائها:
‹في وقت باكر من صباح يوم احد اجتمع ٢٠ منا لخدمة الحقل. واختيرت ثلاث قرى. ولزمتنا ساعتان لنصل الى المقاطعة. في اكبر قرية عمل عشرة من الاخوة من بيت الى بيت؛ والعشرة الباقون قُسموا ليعملوا في القريتين الاخرَيين. وفي احدى القريتين الصغيرتين، طُرِد الاخوة نحو الساعة ٣٠:١٠ قبل الظهر. وكانت القرية الاكبر قد أُكملت تقريبا، بنتائج جيدة، عندما ثارت ثائرة الرعاع. فنزلت الكراسي على رأس أخَوين يشهدان في وسط القرية، وانهالت عليهما الحجارة وهما يغادران القرية. ثم جمع
كاهن القرية حشدا يبلغ عدده نحو ٢٠٠ شخص لجمعِنا. فبحثوا عنا متسلِّحين بعصيّ ثقيلة وضاربين على العلب التَّنَكية. فعُثِر اولا على اخ وأخت. فنزلت العصيّ على ظهر الاخ، وانهالت الحجارة على الاخت. وحدث الامر نفسه لمعظمنا. وساروا بنا في انحاء القرية. وخدمت الآثار التي بقيت من جراء الضربات كشهادة ضد اولئك القرويين عندما كان على بعض الاخوة ان يذهبوا الى مستشفى حكومي لإجراء فحص.›قدَّم اخوتنا شكوى الى المحكمة. وبعد سماع الشهادة لثلاثة ايام قال القاضي: «لقد صدّقتُ جملةً الدليل الذي قدّمه المدَّعون وأنا اجد المتَّهَمين مذنبين بكل التهم. . . . وأنا لا اصدق القول الزاعم ان المدَّعين كانوا يعلّمون ان المسيح زائف، الى آخره. . . . لقد ذهب المدَّعون الى قرية المدَّعى عليهم بهدف تعليم عقيدتهم؛ وقد فعلوا ذلك بسلام ولا يحق للمدَّعى عليهم ان يهاجموهم.»
مع ان بعض القضاة كانوا غير متحيِّزين، طردت الحكومة، بين السنة ١٩٥٢ و ١٩٥٣، مرسلَين هما انتونيوس كاراندينوس وإمانيويل پاتِراكيس، بصفتهما غير مرغوب فيهما. لقد جاهد هذان الاخوان جهاد الايمان الحسن وهما في قبرص، ويجري تذكُّرهما بمحبة.
مشاهدة مجتمع العالم الجديد وهو يعمل
تسلَّمنا سنة ١٩٥٥ فيلم الجمعية مجتمع العالم الجديد وهو يعمل. وأتت جموع كثيرة لتحضره. ولم يحصل الاخوة فقط على بصيرة افضل في هيئة يهوه، ولكنَّ اشخاصا من اهل العالم حصلوا عليها ايضا.
وبين الاختبارات الممتعة كان الاختبار التالي: في قرية
كسيلوفاڠو، التي يبلغ عدد سكانها ٥٠٠,١، وافق صاحب السينما المحلية ان يدعَنا نستعملها دون اجر. وفي ليلة عرض الفيلم، ارسل الكاهن المحلي قرويًّا ليسجِّل اسماء جميع الحاضرين. وبأية نتيجة؟ عندما طلب الكاهن لائحة الاسماء، اجاب القروي: «نظرا الى ان القرية بكاملها حضرت تقريبا، كيف يمكنني ان اكتب كل الاسماء؟»ازمنة التغيير
كانت قبرص منذ سنة ١٨٧٨ خاضعة للسيطرة البريطانية. ولكن تحت توجيه رئيس الاساقفة مكاريوس، قام القبارصة اليونانيون في خمسينات الـ ١٩٠٠ بحملة للإنوسيس، او الوحدة مع اليونان، على اساس الروابط المشتركة كاللغة والدين. أما القسم الناطق بالتركية من السكان فعارض ذلك.
ولكن كان هنالك اهتياج يهدف الى الاستقلال عن الاستعمار البريطاني. ومن سنة ١٩٥٥ الى ١٩٦٠، استعجلت منظَّمة تدعى إيوكا قضية الاستقلال بهجمات المغاوير على البريطانيين. ان شهود يهوه حياديون كاملا في مسائل سياسية كهذه، ولكنهم دون شك تأثروا بما كان يجري حولهم.
وقع احد الحوادث الاولى في هذه الحملة في فاماڠوستا بجوار مكتب فرع الجمعية. فقد تعرَّض مخيَّم عسكري بريطاني مجاور للهجوم. وبشكل مبرَّر شعر المرسلون الخمسة العائشون في الفرع بضغط شديد، فهم بريطانيون جميعا.
وفي مناسبة اخرى، كان المرسلان دنِس ماثيوز وزوجته، مايڤيس، قد وصلا قبل وقت قصير الى البيت. وعندما فتحا الباب
الخلفي، انفجرت قنبلة في بيت جار هو جندي بريطاني. وفيما كان واضع القنبلة يُطارَد في بستان برتقال يقع مقابل بيت المرسلين، حصل اطلاق نار. وسرعان ما قُرع الباب، لكنَّ المرسلين خافا ان يفتحا، فصرخا لمعرفة مَن الطارق. كان الجندي البريطاني يسأل بقلق عما اذا كان اهل البيت سالمين.وذات مرة عندما كان الاخَوان رندل وڠاڤرييليديس في كسيلوفاڠو ليساعدا في التحضير لمحفل دائري، حدثت جلبة كبيرة في الخارج خلال درس برج المراقبة الاسبوعي للجماعة. فظهر جنود بريطانيون عند المدخل. وأعلمونا انه قُتل جندي بريطاني وأُصيب آخرون بجروح بليغة في ضواحي القرية. ونتيجة لذلك، مُنِع التجوُّل في المنطقة كلها، وطلبوا من الاخ رندل ان يقول لجميع الموجودين في القاعة ان يغادروا فورا الى بيوتهم.
وفي اليوم التالي، جُمع كل سكان المنطقة الذكور، بمَن فيهم الاخ رندل، مع انه بريطاني، ووُضعوا ضمن سياج من الاسلاك الشائكة للاستجواب. لم يكن شهود يهوه طبعا متورطين في القتل، ولذلك أُطلق سراحهم اخيرا وتابعوا استعداداتهم للمحفل المقبل.ولكن مرةً بعد اخرى وجب ايقاف النشاطات الثيوقراطية قبل فترة قصيرة من الابتداء بها لأن المواجهات بين إيوكا والقوات البريطانية كانت تفرض مَنْع التجوُّل وقيودا اخرى. وكان يُمنَع وجود ايٍّ كان في الطرقات بعد حلول الليل، لذلك وجب عقد الاجتماعات خلال ساعات النهار. ومرت فترات احتُجِز فيها الناس في بيوتهم اربعة ايام. وكان كل شخص يشك في جاره ويخشى ابداء رأيه. ولكن على الرغم من القيود استمر شهود يهوه في تعزية ذوي القلوب المستقيمة.
نهاية الاستعمار
استمر الصراع ضد الحكم البريطاني في قبرص حتى سنة ١٩٦٠. ثم عند منتصف ليل ١٦ آب، صارت قبرص جمهورية وأخيرا عضوا في الامم المتحدة. ووسط مظاهر الابتهاج الشديد، شعر القبارصة اليونانيون اخيرا بأنهم احرار من الهيمنة الاجنبية. ولكن هل هذه حرية حقيقية؟ ماذا حدث لشهود يهوه في ظل الجمهورية الجديدة؟ دعوا الوقائع التاريخية تخبرنا.
قبل نهاية السنة، حدث هجومان بالقنابل على شهود يهوه. ومَن كان المسؤول؟ حدث الهجوم الاول في كسيلوفاڠو. فقد وُضعت قنبلتان على شرفة قاعة الملكوت. وكان الهجوم كما يبدو ضد شهود يهوه كفريق ديني. ولأن القنبلتين انفجرتا بعد منتصف الليل لم يتأذَّ احد، مع ان قاعة الملكوت تضرَّرت.
وفي الحادث الثاني، أُلقيت قنبلة على البيت حيث يسكن اربعة
فاتحين خصوصيين في پِنتايا. ولسعادتنا، كانوا خارجا في خدمة الحقل في ذلك الوقت. عرف صاحب البيت مَن المسؤول وقال: ‹سأزور الاسقف وأطلب منه ان يدفع لقاء الضرر الناتج. وفي الوقت نفسه، سأقول له انه اذا اراد ان يكسب أتباعا للمسيح، يجب ان يفعل ذلك بالكرازة كما يفعل شهود يهوه لا بالعنف.›واستهدف التعصُّب ايضا اخا وعائلته انتقلوا الى قرية ليوپِتري لمساعدة الجماعة الصغيرة هناك. واعتاد تهديدات مثل ‹سنحرقه حيا› او ‹يجب ان نقتله.› كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل عندما طوَّق عدد من المتعصِّبين المقنَّعين بيت الاخ وابتدأوا يطلقون النار من مسدساتهم، صارخين الى الاخ انه سيُقتَل إن لم يغادر في اليوم التالي. ولأن الشرطة رفضت تقديم الحماية للاخ وعائلته، قرروا الانتقال من القرية. ولكن على الرغم من كل المحاولات لترهيب الاخوة في ليوپِتري، هنالك اليوم جماعة في القرية، وتمكَّن الاخوة مؤخرا من بناء قاعة ملكوت جديدة وجميلة.
وقع حادث حقير في امسية ١١ ايلول ١٩٦٢. فقد كان انذرِيَس پسالتيس وزوجته، نينا، برفقة يونيس ماكراي، في بيت المرسلين في فاماڠوستا عندما دخل من النافذة رجال مقنَّعون. فضربوا الاخ پسالتيس. ثم ربطوا الاختين وأذلُّوهما بحلق رأسيهما. (قارنوا ١ كورنثوس ١١:٦.) وبعد تفتيش البيت بدقة، غادروا.
وأخيرا في كانون الاول ١٩٦٣ بلغ التوتر بين الفريقين العرقيين الرئيسيَّين في الجزيرة نقطة الانفجار. فاندلع العنف. وكان القتال ضاريا بشكل خصوصي في احدى ضواحي نيقوسيا، البلدة التي تُدعى تراخوناس، حيث كان هنالك مزيج من السكان القبارصة
الاتراك واليونانيين. وكان عدد من شهود يهوه ساكنين في تراخوناس، وكانوا قد بنوا قاعة ملكوت كبيرة هناك. فجلب الاخوة الساكنون خارج تلك المقاطعة طعاما للرفقاء المؤمنين في المنطقة المضطربة، معرِّضين حياتهم للخطر. ولكن للاسف، طُعن اخ، أندرونيكوس ميخايليديس، حتى الموت وهو يحاول ان يصل الى مكان عمله.امتحان للاستقامة
سنة ١٩٦٤ واجه الشهود الذكور الاحداث خصوصا امتحانا لاستقامتهم. فقد صدَّقت الحكومة القبرصية على قانون التجنيد الاجباري في حين كان الصراع مستمرا بين مجتمَعَي القبارصة الاتراك واليونانيين. وكان هنالك قرار خطير ينبغي ان يتخذه الشهود الذين يجري استدعاؤهم الى الخدمة العسكرية وهم في سن الجندية. فهل يلتصقون بتعاليم يسوع المسيح تحت الضغط؟ في اعماق قلوبهم، هل هم حقا مسيحيون حياديون؟ (متى ٢٦:٥٢؛ يوحنا ١٧:١٥، ١٦) وهل يستمرون في الوثوق بيهوه من كل قلوبهم؟ — امثال ٣:٥، ٦؛ اشعياء ٢:٢-٤.
اظهر كثيرون ايمانا كهذا. لكنَّ البعض سايروا ولم يعودوا جزءًا من الجماعة المسيحية الحيادية. واختار شهود احداث آخرون ان يغادروا الجزيرة، مما جعل معدل عدد الناشرين يهبط من ٥١٦ سنة ١٩٦٣ الى ٣٩٤ سنة ١٩٦٦. فشعَرت الجماعات بالتثبط الى حد ما.
اتُّخذت الاجراءات لتشديد ايمان الاخوة. ولهذه الغاية، جرى الترتيب لمحافل اليوم الواحد حيث كانت تناقَش مشورة الاسفار
المقدسة التي هي في حينها. وتبيَّن ان النتائج مشجعة. ولكنَّ الامتحانات لم تنتهِ كلها.اختلاق الاذى بواسطة القانون
في حزيران ١٩٦٦ سُدِّدت ضربة اخرى الى هيئة يهوه. فقد قدَّم مجلس الوزراء الى البرلمان مشروع قانون يؤثر الى حد بعيد في عمل شهود يهوه الكرازي. وكان مشروع قانون يحظر الهداية، وقد اشترط انَّ كل مَن يزور الناس في بيوتهم لهذا القصد او يوزِّع المطبوعات الدينية بهدف الهداية لا يكون فقط عرضة للسجن حتى سنتين بل يدفع ايضا غرامة مالية.
قُدِّمت شكاوى كثيرة الى مجلس نواب قبرص، وجرت زيارة الممثلين المقيمين للحكومة البريطانية ولحكومة الولايات المتحدة. وأرسلت الجمعية رسالة الى الامين العام للامم المتحدة. ونتيجة لالتماسات جهات كثيرة، لم يُعرَض مشروع القانون حتى الآن للتصديق عليه.
الشروع في برنامج بناء
مع توسُّع عمل المناداة بالملكوت نمت الحاجة الى اماكن ملائمة للاجتماع. وفي سنة ١٩٦٧، عندما كان عدد الناشرين هنا ٤٣١ فقط، انشأ فرع الجمعية في قبرص صندوقا للبناء، وكان الاخوة متحمسين للتوقُّعات.
شجَّعَنا الاخ هنشل كثيرا خلال زيارته الاقليمية في نيسان ١٩٦٨. في ذلك الوقت وصل الى الجزيرة مرسلان جديدان، لويس كوپسيس وزوجته ستيلا. وقد قدَّم الاخ كوپسيس مساعدة قيِّمة لبرنامج البناء بالمساهمة في تنظيم العمل وتفانيه المثالي.
وتأسيس شركة محلية تدعى جماعة شهود يهوه (قبرص) المحدودة، في آذار ١٩٦٠، كان خطوة مهمة في خططنا للبناء. وتضمَّن الميثاق بين امور اخرى ترتيبات لاجل الحق الشرعي في امتلاك ملكية.
كان المشروع الاول بناء قاعة ملكوت فسيحة في فاماڠوستا تتسع لـ ٢٣٠ شخصا. ولم يخدم هذا التسهيل فقط الجماعة المحلية بل زوَّد ايضا، مع الساحة المتاخمة التي تظللها عريشة ضخمة، موقعا لعقد المحافل الدائرية.
والامر التالي الذي نال الانتباه كان مكتب فرع الجمعية. فقد استعملنا لنحو ٢٠ سنة اماكن مُستأجرة. والآن اشترت الجمعية قطعة ارض في أيوس ذوميتيوس، احدى ضواحي العاصمة. وهنا شيَّد الاخوة بناء من اربعة طوابق يشمل قاعة ملكوت في الطابق الاول. ودشَّن هذا البناء سنة ١٩٦٩ ف. و. فرانز، الذي كان آنذاك نائب رئيس جمعية برج المراقبة.
في تلك الاثناء بُنيت قاعة ملكوت جميلة في كسيلوفاڠو، موقع اول جماعة لشهود يهوه في قبرص تأسست في اوائل ثلاثينات الـ ١٩٠٠. كان هنالك الكثير من المقاومة في هذه القرية عندما بدأ المهتمون الاوائل بالحق هنا يشهدون للآخرين. ولكن اذ رأى القرويون الاخوة والاخوات يعملون معا لثلاثة اسابيع، ١٥ ساعة او اكثر يوميا، لبناء قاعتهم للملكوت، لم يسَع البعض إلا ان يتأثروا ايجابيا. وهنالك الآن قاعة ملكوت تتسع لـ ٤٥٠ شخصا في وسط القرية تماما. وفي داخلها وحولها، هنالك ايضا متسع من المكان لعقد المحافل الدائرية والكورية.
والبلدة التالية التي حصلت على قاعة ملكوتها الخاصة كانت ليماسول، وهي ثاني اكبر بلدة في الجزيرة ومنتجع يقع على شاطئ الساحل الجنوبي. وبالاضافة الى قاعة الملكوت، جرى الترتيب لبيت للمرسلين في الطابق العلوي. وسنة ١٩٧٤، عندما وجب إخلاء مبنى الفرع في نيقوسيا، جرى تكييف جزء من الطابق العلوي ليستخدمه المكتب.
وقد أُعير اهتمام ايضا لبلدة پافوس المذكورة في الكتاب المقدس. ومع ان الزيادة كانت بطيئة جدا هنا في البداية، حدث نمو ضخم في منطقة پافوس في سنوات احدث. فوجب توسيع قاعة الملكوت التي بُنيت في الاصل وهي تتسع الآن لجماعتين.
بُنيت قاعة ملكوت رائعة في بلدة لارنكا، والقاعة المبنية من مواد مصنَّعة مسبقا في قرية ليوپِتري استُبدلت بمكان للاجتماع ملائم اكثر للساكنين في ما يُدعى كوكينا خوريا، او قرى الارض الحمراء، بسبب التربة الحمراء.
والناشرون الغيورون والفاتحون الخصوصيون ناشطون ايضا في الزاوية الشمالية الغربية الجميلة انما البائرة للجزيرة، منطقة مشهورة سياحيا بسبب ما يُدعى حمامات افروديت. وبسبب التجاوب مع رسالة الملكوت، اشتُريت قطعة ارض في پوليس خريسوكوس. وقد بُنيت الآن قاعة ملكوت تتسع لـ ٧٠ شخصا وهي تُستعمل كمركز للتعليم الالهي في تلك المنطقة.
الزيجات والمآتم
لأن السلطات هنا لم تعترف بنا كدين لسنوات كثيرة، لم تكن الزيجات والمآتم سهلة على شهود يهوه في قبرص. وفي ما يتعلق
بالقبارصة اليونانيين، لا يمكن ان يتزوج الشخص او يُدفن إلا بواسطة كنيسة قبرص الرسمية. ولكن في السنة ١٩٤٨ قدَّم محامي الجمعية في الجزيرة طلبا الى السلطات البريطانية المستعمِرة لتفوِّض الحكومة الى خادم من شهود يهوه اجراء الزيجات. ويا لفرح الاخوة عندما ظهر اعلان في الجريدة الرسمية للحكومة سنة ١٩٤٩ يذكر انه فُوِّض الى الشاهد، ساڤاس دروسيوتيس، اجراء الزيجات! وفي ما بعد، اجازت الحكومة ايضا لإخوة آخرين ان يؤدّوا هذه الخدمة.وشكَّلت مسألة الدفن ايضا مشكلة، لأنه غالبا ما كانت هنالك معارضة من الكهنة الارثوذكس الذين كانوا يرفضون السماح بأن يُدفَن شهود يهوه او اولادهم في ما تعتبره الكنيسة «ارضا مكرَّسة.» وفي البلدات، حيث تملك كل طائفة دينية مدفنها الخاص، كانت هذه المشكلة تزداد حدة. أما في القرى، فكانت الحالة مختلفة الى حد ما؛ فالضرائب التي يدفعها المقيمون تغطي نفقات الدفن في المدفن المحلي. ولكنَّ رجال الدين انكروا هذا الحق في بعض الحالات. وكان يصعب على اخوتنا معالجة هذه المشاكل وهم يحاولون في الوقت نفسه ان يواجهوا فقدان عضو في العائلة. فوجب حل المشكلة.
وأخيرا، سنة ١٩٥٠، منحت السلطات شهود يهوه حق امتلاك ارضهم الخاصة للدفن. فوهب اخ قطعة ارض خارج العاصمة لهذا القصد. وبعد سنوات، سنة ١٩٨٩، لزم مدفن آخر، وأُذِن لنا في استعمال قطعة ارض في قرية نيسو، حيث يقع مكتب الفرع الحالي للجمعية. وقد تبيَّن ان هذه الترتيبات هي بركة عظيمة
لشعب يهوه وقد ساعدت على إبطال ادعاء الكهنة الارثوذكس انه ‹اذا صرت من شهود يهوه، فستُدفن ككلب.›مع ان شهود يهوه مُنحوا الحق الشرعي في اجراء الزيجات، بُذلت الجهود، سنة ١٩٧١، لابطال هذا الحق. فأبلغَنا رسمي مقاطعة نيقوسيا انه قبل التمكن من اجراء الزيجات، يجب على الطرفَين في الزواج ان يقدِّما شهادة من الابرشية مفادها انهما لم يعودا عضوَين في الكنيسة الارثوذكسية اليونانية. وكما توقَّعنا، لم تكن الابرشية مستعدة لإصدار شهادات كهذه. وعنى هذا عمليا انه لا يمكن لأيّ من شهود يهوه ان يتزوج. ولكن، بمساعدة بعض الرسميين المحبين للحرية الذين ادركوا ان طلَب شهادات كهذه هو شيء حرَّض عليه الكهنة، أُلغي هذا المطلب.
محفل «الانتصار الالهي» الاممي
في تشرين الثاني سنة ١٩٧٢ قام الاخ نور بزيارة لقبرص للاعتناء بشؤون محافل «الانتصار الالهي» الاممية. فجرى الترتيب لجولات في اراضي الكتاب المقدس مع المحافل. ولفرحنا كانت قبرص مشمولة، وكان سيُعقَد محفل اممي في العاصمة، نيقوسيا، في تموز ١٩٧٣.
بذلنا على الفور جهودا للحصول على مدرَّج او موقع آخر مناسب للمحفل، ولكننا فشلنا، بشكل رئيسي بسبب الرسميين ورجال الاعمال الذين خشوا رد فعل الكنيسة. لذلك قررنا ان نستعمل ملكية محيطة بقاعة ملكوت كبيرة في تراخوناس. وكانت الجمعية تملك قطعة ارض مقابل قاعة الملكوت، وتمكَّنا من استئجار ارض متاخمة. كان مشروعا ضخما ان نبني سقفا من
الخيزران يغطي كامل المساحة لوقاية المندوبين من الحر. ويوميا، في درجة حرارة تتعدى ١٠٠ درجة فهرنهايت (٤٠° م)، عمل اخوتنا وأخواتنا لإكمال المهمة.لكنَّ احدى المشاكل الكبرى كانت الحصول على ما يكفي من الماء لسد حاجات المحفل. ففصل الشتاء الذي سبق المحفل شهد هطولا ضئيلا للامطار، وكان الماء يُزوَّد ثلاثة ايام في الاسبوع. فماذا يمكن فعله؟ كان اخ، يقع بيته بالقرب من قاعة الملكوت، يملك بئرا في حديقته. وكان مستعدا ان يسمح
للاخوة باستعمالها، ولكن لم يُستقَ ماء من البئر منذ فترة من الوقت. فكم ستعطي؟ نظَّفها الاخوة، ركَّبوا مضخة، ثم انتظروا حابسين انفاسهم لرؤية النتيجة. فابتدأت تتدفق كمية هائلة من الماء! ولكن هل هي صالحة للشرب؟ أُجريت الفحوص. والنتيجة: صالحة ١٠٠ في المئة! لقد بدت كعجيبة عصرية. وكم كنا شاكرين يهوه على هذا الحل لمشكلة كبيرة!بسبب النشاط المتزايد حول قاعة الملكوت، سرعان ما ادرك المقاومون ان امرا خصوصيا يحدث. ثم قبل انبلاج الصبح ذات يوم، استيقظ الاخ الذي يتاخم بيته قاعة الملكوت لأن غرفة نومه صارت مضاءة نتيجة النيران. فكانت كومة من الخيزران تشتعل بشدة في المكان. انه حريق عمدي! كان اعداؤنا غِضابا من جديد. ومن ذلك الحين فصاعدا، اتُّخذت احتياطات اضافية لضمان الامن.
كانت الجمعية قد طلبت ان تُحضَّر مسرحيات قصيرة تصف العادات المحلية وحياة سكان الجزيرة لفائدة الزوار الكثيرين الذين سيأتون الى الجزيرة ولا يفهمون اللغة اليونانية. وكل صباح من الساعة ٠٠:٨ حتى ٣٠:٩، قبل برنامج المحفل العادي، قُدِّمت هذه المسرحيات القصيرة التثقيفية وتمتع بها كثيرا كل الموجودين. وكانت هنالك ايضا جولات في الاماكن التاريخية المتعلقة بسجل الكتاب المقدس.
كان عقد محفل اممي في قبرص اختبارا مثيرا وبنَّاءً للاخوة المحليين. فقد اتاح لهم الفرصة ليعاشروا شخصيا شهودا من قوميات كثيرة. وهذا ساعد على توسيع ادراكهم لاخوَّتهم الاممية. وبالاضافة الى ذلك، فإن الدعاية التي نتجت من مقاومة الكنيسة
الارثوذكسية في ما يتعلق بهذا المحفل ساعدت المزيد من الاشخاص في قبرص ليدركوا جيدا نشاط شهود يهوه.١٩٧٤ — سنة تغيير
كانت قبرص محجّ السيَّاح. وكان الاقتصاد مزدهرا. واعتقد قبارصة كثيرون ان كل شيء على ما يرام. ولكنَّ الحالة شهدت تغيُّرا مأساويا في ١٥ تموز ١٩٧٤.
منذ مدة طويلة كان سكان الجزيرة منقسمين سياسيا. وكانت هنالك فئتان متعارضتان في المجتمع القبرصي-اليوناني. فمن جهة كان هنالك مؤيدو الرئيس، رئيس الاساقفة مكاريوس؛ ومن جهة اخرى، مؤيدو الجنرال الراحل يِورِيوس ڠريڤاس، قائد الإيوكا المشهور الذي ترأس الثورة ضد الاستعمار البريطاني. وفي انقلاب مسلَّح، أُطيح بالرئيس مكاريوس وفقد كثيرون حياتهم. ولكنَّ هذه الاحداث لم تكن إلا بداية لمزيد من الحوادث المأساوية.
بعد ان بقي دون رندل في انكلترا ١٤ سنة لاسباب صحية، عاد الى قبرص سنة ١٩٧٢ وكان يخدم كناظر دائرة. وفي ذلك الوقت كان يسكن في الساحل الشمالي للجزيرة على بعد ٤٠ ميلا (٦٠ كلم) فقط من ساحل تركيا الجنوبي. وإليكم وصفه لما حدث:
‹كنت اسكن مع رفيقي پول اندرِيو في قرية كاراكومي، التي تقع على بُعد نحو ميل ونصف [٢ كلم] شرقي كيرينيا. ونحو الساعة الخامسة من صباح ٢٠ تموز، سمعتُ انفجارا مدوِّيا. ومن نافذة مطبخنا، رأيتُ عمود دخان يرتفع من منطقة ميناء كيرينيا. وأعلنت محطة اذاعية تركية في الجزيرة انه بسبب الاوضاع غير المستقرة التي تطورت نتيجة «الانقلاب» القبرصي-اليوناني، وصل
جنود من البَر التركي الى الساحل الشمالي لحماية الاقلية القبرصية-التركية الساكنة في قبرص. وسرعان ما ادركنا اننا في جو حرب. وأحصينا ٧٥ طائرة مروحية فوق رؤوسنا. وكان المظليون يهبطون مباشرة خلف الجبال المحيطة بالبلدة. واستمر القصف من البحر والجو عدة ايام؛ ثم اضطررنا الى مغادرة بيتنا في وقت متأخر ذات مساء اذ كان الجنود الاتراك يتقدمون نحو القرية.‹بعد عدة ايام قضيناها في الجبال، عدنا الى بيتنا ولكن سرعان ما كنا محاطين بالجنود الاتراك. ولم يجرِ ازعاجنا. تساءلنا عما حل بإخوتنا في جماعتنا الصغيرة في كيرينيا. وأخيرا وجدنا عائلة الاخ كيريازيس — وهم جملةً سبعة شهود — فأبهجتنا جدا رؤية واحدنا الآخر. وفي اليوم التالي كنا جالسين تحت شجرة في حديقتهم ندرس الآية اليومية عندما وصل جنود اتراك. وأُمِرنا بأن ندخل البيت. وسرعان ما أُخذنا الى فندق دوم الذي كان تحت سيطرة قوات الامم المتحدة. ولم يُسمح لي ولپول بالعودة الى بيتنا، وإنما احتُجِزنا مع الاخ كيريازيس وعائلته بالاضافة الى نحو ٦٥٠ شخصا آخر في الفندق هناك في كيرينيا. وبعد عدة ايام، لأنني بريطاني، أُخذت الى نيقوسيا، سرت في منطقة مجردة من السلاح، وأُطلق سراحي. أما اخوتنا القبارصة-اليونانيون فبقوا محتَجَزين في الفندق اشهرا عديدة قبل اطلاق سراحهم. وخلال ذلك الوقت، بقوا اقوياء روحيا بعقد اجتماعات قانونية لدرس الكتاب المقدس، وانهمكوا في إخبار رسالة التعزية الموجودة في الكتاب المقدس للآخرين الذين كانوا محتَجَزين في الفندق.›
وماذا كانت نتيجة تلك العملية العسكرية؟ احتلت القوات التركية نحو ثلث الجزيرة. وصار اكثر من ٠٠٠,٢٠٠ شخص لاجئين. وكان شعب يهوه بينهم. وفقد اكثر من ٣٠٠ اخ ممتلكاتهم الارضية. وتشتَّتت اربع جماعات. وصمد البتل في وجه الهجوم الضاري، لكنَّ ندوب الحرب بدت على مصاريع المبنى التي ملأها الرصاص. وبما اننا نقدِّر الحياة اكثر من الممتلكات، قررنا ان نخلي مبنى الفرع. ولكن عندما خمد القتال، بُذلت الجهود لاسترجاع بعض الملفات من مكتب الجمعية. فوجدنا ان القوات القبرصية-اليونانية قد داهمت مبنى الفرع. وكان الباب الامامي قد خُلع، وكتب جندي على احد الجدران: ‹اللّٰه لا يحبنا لأننا لم نجد شيئا قيِّما هنا.›
تشكَّلت على الفور لجنة للاعتناء بحاجات اخوتنا اللاجئين. والذين لم يتأثروا مباشرة من الصراع فتحوا بيوتهم لإخوتهم المسيحيين. وسرعان ما وصلت مؤن الاغاثة من شهود يهوه في اليونان والمال من فرع بريطانيا. فقدَّر الاخوة المحليون حقا الاهتمام الذي اظهرته الهيئة الحاكمة بمساعدتهم في ضيقتهم. فيا لرباط الوحدة الرائع الذي يقرِّب كل خدام يهوه واحدهم الى الآخر!
تزويد قاعة محافل
بسبب انتقال القبارصة-الاتراك من جنوبي الجزيرة الى شمالها، توافرت لنا سينما تركية في بلدة ليماسول، فوقَّعنا عقدا مع صاحب المُلك التركي قبل مغادرته. كان المبنى متضررا جدا خلال الحرب. لكنَّ الاخوة عملوا جاهدين لإصلاح السطح وجعل
المكان عموما صالحا للاستعمال. وتمكَّنت احدى الجماعات في البلدة من استعمال جزء من المبنى لاجتماعاتها. يمكن ان تتسع السينما لـ ٨٠٠ شخص، وكانت هنالك فسحة حول السينما يمكن استعمالها لاقسام المحفل. لقد كان الحصول على موقع مناسب لمحافلنا مشكلة على الدوام، ولذلك كان هذا ما نحتاج اليه تماما.ولكن قبل مضي وقت طويل اراد البعض من ذوي النفوذ ان يأخذوا السينما منا بعد ان مات صاحب المُلك السابق. ولكن جرى الترتيب اخيرا مع السلطات لنستعمل السينما وجزءا من الملكية المحيطة بها. وعلى مر السنين خضع المبنى لتحسينات كثيرة حتى بلغ مقياسا مقبولا لعبادة الهنا، يهوه.
عندما حصلنا على السينما، كانت تزوِّد مكانا كافيا لكل الشهود في قبرص. ولكن، في سنة ١٩٩٤، رتَّبنا لعقد ثلاثة محافل كورية هناك، لاستيعاب الشهود والاشخاص المهتمين الذين سيحضرون.
مسألة تتعلق بالضمير المسيحي
خلال ١٩٧٨/١٩٧٩ ظهر عدد من المقالات الصحفية يناقش موقف الحياد الذي يتَّخذه شهود يهوه في ما يتعلق بالتجنيد الاجباري. ولأن القانون لم ينص على احكام للاعتراض بسبب الضمير، حُكم على شهود كثيرين بالسجن مدة من الوقت.
ومنذ سنة ١٩٨٠ سُجن على الاقل ١٣٠ شاهدا ليهوه بسبب موقف حيادهم، وأُعيد البعض الى السجن مرة ثانية، ثالثة، ورابعة. وقضية يِورِيوس أناستاسي پِترو البالغ من العمر ٢٨ سنة مثيرة
للاهتمام. ففي ١ ايلول ١٩٩٣ أُدين كمعترض بسبب الضمير للمرة الرابعة وحُكم عليه بالسجن مدة ستة اشهر. وكمجموع، بلغت فترات سجنه سنتين وشهرين. وبخصوص هذا الشاهد، ذكرت صحيفة اسبوعية قبرص عدد ٩ ايلول ١٩٩٣ اعتراض جمعية حقوق الانسان، قائلة: ‹لسوء الحظ، لا شيء يردع السلطات عن سجنه مرة خامسة، سادسة، وسابعة. ألم يحِن الوقت لتكف السلطات عن ازعاجه؟›كل اسبوع يزور شيوخ مختلفون اخوتنا الذين في السجن لاسباب تتعلق بالحياد ليناقشوا معهم برج المراقبة الى جانب معلومات روحية بناءة اخرى. ونحن نقدِّر تعاون سلطات السجن التي جعلت هذا ممكنا. والاخوة الذين يواجهون قضية الحياد يعتبرونها امتحانا للايمان وفرصة لتخصيص المزيد من الوقت للدرس الشخصي للكتاب المقدس اثناء وجودهم في السجن. والتعليقات التالية لبعضهم هي نموذجية: ‹نحن مستعدون ان نبقى في السجن ما دام يهوه يسمح بذلك،› و‹لم نقُم من قبل قط بمثل هذا المقدار من الدرس.›
يتسلَّم وزراء الحكومة رسائل احتجاج كثيرة من هيئات حقوق الانسان طالبةً من السلطات القبرصية ان تحل مسألة الاعتراض بسب الضمير. ونتيجة لذلك، حث عدد من المقالات الصحفية مؤخرا السلطات على جعل دستورها منسجما مع ما هو شائع اليوم في اوروپا. على سبيل المثال، قالت صحيفة أليثيا عدد ٢٤ كانون الثاني ١٩٩٤ بخصوص المعترضين بسبب الضمير: ‹يجب تسوية هذه المسألة بأسرع ما يمكن انسجاما مع اقتراحات اوروپا والامم المتحدة.›
حثّ البرلمان الاوروپي ايضا الامم الاعضاء على الاعتراف شرعيا بالاعتراض بسبب الضمير على الخدمة العسكرية. وفي سنة ١٩٩٣ نُشرت مقالة مفصَّلة في منبر قبرص القضائي تحث السلطات في قبرص على التفكير جدِّيا في ما فعلته بلدان كالسويد والنَّذَرلند في معالجة هذه الحالة.
مبنى جديد للفرع
سنة ١٩٨١ حدثت في فرع الجمعية تغييرات على الصعيد الاداري. وللاعتناء بحاجات الفرع طُلب من دون رندل، الذي كان يخدم آنذاك في بتل اليونان، ان يعود الى قبرص لتولِّي مهمات منسق لجنة الفرع. وفي السنة التالية أُضيف الى عائلة البتل في قبرص زوجان قبرصيان-يونانيان، انذرِيَس كوندويورڠيس وزوجته
مارو، كانا يخدمان كفاتحين خصوصيين في انكلترا. وعندما تبيَّن ان المبنى في ليماسول يصير اضيق من اللازم، سُرَّت عائلة البتل سنة ١٩٨٥ عندما اذنت الهيئة الحاكمة في بناء تسهيلات جديدة للفرع.مع ان الاخوة كانوا تواقين الى الابتداء بالعمل في التسهيلات الجديدة، كانت هنالك مشاكل ينبغي معالجتها. فأين سيشيَّد المبنى الجديد؟ تقرَّر ان تُستعمَل لهذا القصد الارض التي تملكها شركة قبرص لشهود يهوه في ليماسول. وخلال سنة ١٩٨٧ قُدِّمت التصاميم الهندسية الى البلدية المحلية، وطُلبت رخصة بناء. ولكن، حالما صار معروفا ان شهود يهوه ينوون ان يبنوا، اخذ ممثلو الكنيسة الارثوذكسية اليونانية يطوفون في الجوار ليحصلوا على تواقيع لبيان اعتراض. ونتيجة لذلك رفضت السلطات مَنح رخصة بناء. والسببان اللذان أُعطيا كانا «لحماية الامن والسلامة العامة اللذين سيُهدَّدان اذا مُنح الإذن» وأيضا «القصد من مشروع البناء.»
ولأن الرفض تأسس بشكل واضح على التحامل الديني، رفع الاخوة القضية الى المحكمة. وهناك كان القرار لمصلحة شهود
يهوه. وذكر الحكم ان البلدية «لا سلطة لديها لرفض مَنح رخصة بناء لاسباب تتعلق بالامن والنظام العام.» وتابع الحكم: «أما السبب الآخر المقدَّم، وبالتحديد ‹القصد من مشروع البناء،› . . . فيفصح عن السبب الحقيقي الذي من اجله رُفض طلب مقدِّمي الطلب.» وكانت تسوية هذه المسألة قضائيا امرا نافعا.ولكن حتى قبلما اصدرت المحكمة قرارها، صار ظاهرا بشكل متزايد انه من غير الحكمة ان يقع مكتب الفرع في منطقة فيها مقاومة شديدة جدا. وبعناية الهية، حدث في ذلك الوقت ان اخا عرض على الجمعية شراء ملكية يملكها في قرية نيسو، على بعد
اميال قليلة فقط من نيقوسيا. وعلى ارض مساحتها اكر (٤,٠ هكتار) كان هنالك مبنى مؤلف من اربع شقق. وخلف المبنى يقع بستان ليمون، ومن قدام فناء تحيط به جنبات مزهرة وأشجار نخيل. وكانت قاعة الملكوت المحلية تقع بالقرب منه مباشرة. كانت الملكية مثالية للفرع. والمساحة اكبر من التي كانت ستصير متوافرة في ليماسول، وكان يلزم اجراء تعديلات طفيفة، والملكية تقع في الوسط، والمحيط ودّي. وبعدما وافقت لجنة النشر في الهيئة الحاكمة، جرى شراء الملكية سنة ١٩٨٨، وفي حزيران من السنة عينها انتقلت اليها عائلة البتل.احكام قضائية تساعد العمل
بالاضافة الى القضية القضائية المتعلقة بمشروع مبنى الفرع، كانت هنالك مناسبات اخرى وجب فيها اتخاذ اجراء لـ ‹تثبيت البشارة شرعيا› في قبرص. وأحيانا لزم رفع الدعاوى الى محكمة الجزيرة العليا. — فيلبي ١:٧، عج.
ان احدى النقاط الاساسية التي يلزم ايضاحها هي: هل شهود يهوه هم ما يُعرف قانونيا بـ «دين معروف»؟ اذا كان الامر كذلك، يجب ان يُعامَلوا اذًا كأيّ دين آخر موجود. تقول المادة ١٨ من الدستور القبرصي:
«١- كل شخص له الحق في حرية التفكير، الضمير والدين.
«٢- كل الاديان التي ليست معتقداتها او شعائرها سرية هي حرة.
«٣- كل الاديان متساوية امام القانون.»
عرَّفت السلطات القضائية «الدين المعروف» بأنه «دين يمكن
ان ‹يعرفه› كل شخص؛ دين ليست عقائده ومبادئه سرية، وعبادته تحدث علنا.» وشهود يهوه يبلغون كل هذه المقاييس.ولكن، في مجال التعليم، كان شهود يهوه يُعامَلون بشكل غير عادل. فالمدارس ترفض ان تُدرج «شهود يهوه» كدين لتلامذتها، مع انه جرت العادة ان يُذكر دين التلميذ في تقارير العلامات المدرسية. رُفعت القضية الى السلطات التربوية. فذكر وزير التربية: ‹نحن لا نعتقد ان هنالك دينا يحمل الاسم شهود يهوه. وشهود يهوه في نظرنا هم حركة او هيئة.›
وفي مذكرة الى وزارة التربية، بتاريخ ١٦ نيسان ١٩٩١، راجع المدعي العام المسألة في ضوء دستور قبرص. ثم اصدر الرأي ان شهود يهوه هم «دين معروف،» ولذلك يجب ان يظهر دين التلامذة في تقارير علاماتهم المدرسية.
كان لرأي المدعي العام هذا اثر مؤاتٍ في تطورات قانونية اخرى تتعلق بخدام يهوه في قبرص. وأصدر مكتبه مذكرة من تسع صفحات تذكر ان خدام شهود يهوه يجب ان يُعامَلوا بالطريقة نفسها كخدام الاديان التقليدية في قبرص. وعندما حدث من جديد ضغط من قِبل المقاومين، عمل ذلك على تقوية قرارٍ اتَّخذته السلطات في تموز ١٩٩٠ بخصوص شهود يهوه. وعلى اساس هذا القرار، أُعفي الشيوخ والخدام المساعدون في جماعات شهود يهوه من الخدمة العسكرية لأنه جرى الاعتراف بهم كخدام دينيين.
والتطور الآخر الذي تلا رأي المدعي العام يتعلق
بالضرائب. ففي ١٧ حزيران ١٩٩٢ اعلنت وزارة التجارة قرارها انَّ هيئة شهود يهوه معفاة من دفع ضريبة الارض، وأُعيدت الضرائب التي دُفعت قبلا منذ سنة ١٩٨١.وبديهي القول ان شهود يهوه في قبرص شاكرون لذوي السلطة الذين تغاضوا عن التحامل وعاملوا كل الاديان دون محاباة.
التجميع يستمر
في الازمنة العصرية، مضى على وصول بشارة ملكوت يهوه الى قبرص نحو ٧٠ سنة. فماذا أُنجِز منذ ذلك الحين؟
من اقصى الجزيرة الى اقصاها — في البلدات، القرى، وفي الريف — نال الناس مرة بعد اخرى فرصة سماع رسالة الكتاب المقدس. وبعض الاعضاء المقبلين في الملكوت السماوي تعلموا الحق هنا. والآن يُجمع آخرون كثيرون لديهم رجاء الحياة الابدية كعبَّاد ليهوه على ارض فردوسية. وفي الجزء الاول من سنة ١٩٨٥ كان هنالك اكثر من ٠٠٠,١ شخص في قبرص يرنِّمون علنا تسابيح يهوه.
لكنَّ التجميع لم يتوقف آنذاك. ففي آذار ١٩٩٤ كان هنالك ٥٤٤,١ شاهدا نشيطا في قبرص وحضر الذِّكرى ١٤١,٣ شخصا. اذًا، هنالك كثيرون لا يزالون يتجاوبون مع برنامج التلمذة ويُظهرون رغبة في تعلُّم جميع ما اوصى به يسوع أتباعه.
وفي كل انحاء الجزيرة هنالك ١٦ جماعة، وهم يُبدون غيرة لخدمة يهوه. وخلال سنة الخدمة الماضية كان هنالك دليل جيد على نمو روح الفتح، وخصوصا بين الشهود الاصغر سنا. ففي آذار اشترك ما مجموعه ٢٩٥ شاهدا، اي ١٩ في المئة من مجموع الناشرين، في شكل من اشكال خدمة الفتح.وأُحرِز ايضا تقدُّم في تدريب الاخوة على حمل المزيد من المسؤولية. وكان الامر كذلك خصوصا في ما يتعلق بشيوخ الجماعات بالاضافة الى تنظيم المحافل الكورية والدائرية.
والمثابرة لازمة من جهة الناشرين ليستمروا في تغطية مقاطعتهم قانونيا. فخوف الانسان لا يزال سائدا في قبرص حيث المجتمعات متقاربة وخصوصا في المناطق الريفية.
عندما تتأصل المحبة لحق الكتاب المقدس في قلب شخص صغير، يكون هذا الصغير احيانا مَن يساعد بقية العائلة على التغلب على عقبة الخوف. وقد صحّ ذلك في عائلة تتألف من ستة اشخاص (الاب، الام، وأربعة اولاد صغار) في قرية صغيرة. ابتدأت فاتحة بدرس في الكتاب المقدس مع الام. وبعد الدرس الثالث، حضرت اجتماعا مع الشهود. ولكن عندما نشأت مقاومة عائلية، اوقفت الدرس. لكنَّ ابنتها البالغة من العمر تسع سنوات بكت بلا انقطاع الى ان وافقت الام اخيرا على متابعة الدرس. وسرعان ما ابتدأت العائلة كلها تحضر الاجتماعات. وفي سنة ١٩٩٤ اعتمدت هذه المرأة. وزوجها يدرس الآن، وتلك الابنة مستمرة ايضا في الدرس.
فيما يشترك الناشرون بإخلاص في الخدمة، يستمرون في العثور على مثل هؤلاء المتواضعين. ويتعلمون ايضا ان يطوِّروا ثمار روح اللّٰه. وهم يقدِّمون الدليل على انهم مؤيدون اولياء لسلطان يهوه.
التحرُّر الحقيقي للقبارصة المستقيمي القلوب
يسجِّل تاريخ قبرص سيطرة الدول الاجنبية على سكانها. وقد ضحَّى قبارصة كثيرون، ممَّن يتكلمون التركية واليونانية على السواء، بحياتهم في ما فهموا انه قضية الحرية. لكنَّ النتائج لم تكن دائما كما تخيَّلوا. ففي هذا الجيل فقدَ القبارصة الاتراك واليونانيون على السواء ارض اجدادهم، وهم
لا يرون في الوقت الحاضر املا في العودة اليها. ويصح هذا ايضا في حالة البعض من شهود يهوه. ولم يكن الامر سهلا بالنسبة اليهم.لكنَّ الحرية الحقيقية لا تعتمد على المكان الذي يحيا فيه المرء او على الملكية التي يحوزها. فهذه الحرية هي النوع الذي ينتج من معرفة الحق الدقيقة. ومثل هذه المعرفة، الموجودة في الكتاب المقدس، تحرر الناس من الخرافة والخوف غير المبرَّر. وهي تستبدل التحامل الديني بالمحبة للّٰه وللرفيق الانسان. وتظهر السبيل الى التحرُّر من عبودية الخطية والموت لجميع الذين يؤمنون بتدبير الخلاص الحبي الذي صنعه يهوه اللّٰه بواسطة يسوع المسيح. وإلى هذه البشارة يوجِّه شهود يهوه اناسا من جميع الانواع.
ولكن، كما حدث عندما كرز الرسول بولس ورفيقه برنابا في قبرص، يقاوم القادة الدينيون الكرازة ببشارة كهذه. وفي كل التاريخ العصري لخدام يهوه في قبرص، قاومَتهم الكنيسة الارثوذكسية اليونانية بصورة خاصة. لكنَّ الشهود كانوا دائما مدركين جيدا لما هو مكتوب في ارميا ١:١٩: «يحاربونك ولا يقدرون عليك لأني انا معك يقول (يهوه) لأُنقذك.»
انهم على يقين من ان يهوه سيستمر في انقاذهم من اعدائهم وأنه عن قريب سينقذهم عبر الضيقة العظيمة القادمة الى عالمه الجديد. وحينئذ سيصحّ ما هو مذكور في ميخا ٤:٤، ليس فقط بمعنى روحي بل ايضا بطريقة حرفية: «يجلسون كل واحد تحت كرمته وتحت تينته ولا يكون مَن يرعب.» صحيح ان هنالك قبارصة يمكنهم الآن ان يجلسوا تحت كرمتهم وتينتهم، إلا انهم لا يفعلون ذلك دون خوف. ولكن في «العالم العتيد،» الذي يتكلم عنه الكتاب المقدس، سيصير بالامكان التمتع بأحوال كهذه دون خوف من الجريمة، الحرب، او حتى المرض والموت. وهذا سيكون تحرُّرا حقيقيا! نعم، يَعِد يهوه: «ها انا اصنع كل شيء جديدا.» ويقول ايضا: «ان هذه الاقوال صادقة وأمينة.» — عبرانيين ٢:٥-٩؛ رؤيا ٢١:٤، ٥؛ مزمور ٣٧:٩-١١.
[الخريطة في الصفحة ٦٦]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
قبرص
پافوس
نيقوسيا
ليماسول
لارنكا
كسيلوفاڠو
فاماڠوستا
سلاميس
[الصورتان في الصفحة ٧١]
انتونيس سْپِتسيوتيس (الى اليمين) وأنذرِيَس خريستو، اول شاهدين في كسيلوفاڠو
[الصورتان في الصفحتين ٧٢ و ٧٣]
كرز الرسول بولس لسرجيوس بولس في پافوس رغم مقاومة ساحر (الى اليسار: خرائب قصر الوالي)
[الصورة في الصفحة ٧٦]
پانايوتيس ڠاڤرييليديس
[الصورة في الصفحة ٧٩]
نيكوس وڠالاتيا ماتِياكيس، شاهدان غيوران معروفان بضيافتهما السخية
[الصور في الصفحة ٨٠]
عدد من المرسلين الاولين المدرَّبين في جلعاد:
١- دون رندل
٢- انثوني سيدارِس
٣- إمانيويل پاتِراكيس
٤- انتونيوس كاراندينوس
[الصورة في الصفحة ٨١]
بعض الاخوات اللواتي خدمن كمرسلات في قبرص (من اليسار الى اليمين): جين بايكر، إيڤون وارموز (سْپِتسيوتيس)، نينا كونستانتي (پسالتيس)
[الصورة في الصفحة ٨٦]
ن. ه. نور (الصف الثاني، الى اليمين) مع اخوة قبارصة ومرسلين
[الصورتان في الصفحة ٨٧]
عُقد محفل مثير في السينما المَلَكية وسينما پالاس سنة ١٩٥١
[الصورة في الصفحة ٩١]
شهود مستعدون للذهاب الى مقاطعتهم، سنة ١٩٥٥
[الصورتان في الصفحة ١٠٠]
محفل اممي تحت سقف من الخيزران، في نيقوسيا، سنة ١٩٧٣
[الصورتان في الصفحة ١٠٧]
قاعة محافل في ليماسول
[الصورتان في الصفحتين ١٠٨ و ١٠٩]
مكتب الفرع الحالي وعائلة البتل في قبرص
[الصورة في الصفحة ١١٥]
لجنة الفرع التي تخدم الآن في قبرص (من اليسار الى اليمين): انذرِيَس كوستا افثيميو، انذرِيَس كوندويورڠيس، جيمس پتريديس