ڠوادلوپ
ڠوادلوپ
تصوروا انكم في جزر الهند الغربية، في جزيرة صغيرة جنوبي ڠوادلوپ. انتم في بلدة يبلغ عدد سكانها ٠٠٠,٦ فقط حيث نادرا ما يحدث ايّ شيء مثير على الاطلاق. لكن اليوم تُفرغ من مركب ينقل بشكل دائم الناس والمعدات اطنانٌ من انابيب الحديد وصفائح الالمنيوم على الرصيف. وفي غضون يوم تُنقل هذه المواد المعدنية الى ضواحي البلدة وتركَّب. ويجري انشاء قاعة محافل تسع نحو الف شخص. ولا حاجة الى لافتات لإعلان الحدث. فالجميع يعرفون ان هنالك فريقا واحدا فقط يمكن ان ينظِّم مثل هذا المحفل هنا.
وبعد اسبوع ترسو في وقت واحد ثلاثة مراكب اخرى. والبلدة بكاملها تراقب فيما يسير الف شخص — رجال، نساء، واولاد — من الرصيف الى مكان المحفل. انهم يحملون حقائب، اسرّة نقّالة، امدادات مائية. هؤلاء الناس هم شهود يهوه. وهم في البلدة ليس فقط لحضور محفل
بل ايضا للتحدث الى السكان عن حق الكتاب المقدس. وعلى مرّ السنين غالبا ما قابلهم الجميع في ڠوادلوپ وفي الجزر المجاورة.فكيف وصل حق الكتاب المقدس اولا الى هذه الجزر؟ ايّ نوع من الناس يعيشون هنا؟ ايّ نوع من الجزر يسكنون؟
مزيج من الحضارات
جزيرة المياه الجميلة — كاروكِرا كما دعاها الهنود الكاريبيون — كان اسم ڠوادلوپ قبل ان يصل كولومبُس بوقت طويل الى هنا في السنة ١٤٩٣. ولا شك في ان الهنود كانوا يفكرون في الانتعاش الذي تزوده شلالات ڠوادلوپ العديدة وجمال المياه المحيطة بڠوادلوپ. لكننا سنخبركم لاحقا عن نوع آخر من المياه التي تتدفق بغزارة في ڠوادلوپ اليوم. وما تنتجه انما هو اكثر جمالا ايضا.
وفي الواقع، تتألف ڠوادلوپ من جزيرتين، مع عدد من المقاطعات الاصغر التابعة لها (ماري ڠالانت، جزر القديسات، لاديزيراد، جزر الارض الصغيرة، سان بارتيليمي، وجزء من سان مارتان). وعلى الخريطة تبدو الجزيرتان الرئيسيتان كفراشة ممدودة الاجنحة. في الغرب هنالك باس تير بسلسلة جبالها البركانية، وفي الشرق هنالك ڠراند تير، هضبة بآكام تشبه الفسيفساء. وما يزيدهما جمالا الشواطئ ذات المياه الفيروزية، الريف الاخضر، والغابة المدارية الكثيرة الشلالات.
جاء اناس من عروق متنوعة الى شواطئ ڠوادلوپ. فكان الآراواكيون السكان الاوائل؛ وفي ما بعد اتى الكاريبيون، سابقين ايًّا من المستوطنين الاوروپيين. ولم يكن إلا بعد اكثر من ١٤٠ سنة من رحلة كولومبُس، التي موّلها الاسپان، ان الاوروپيين استوطنوا ڠوادلوپ؛ وهؤلاء المستوطنون كانوا فرنسيين، لا اسپانيين. وتدريجيا تخلصوا من الكاريبيين، بنوا مصانع السكّر، وأدخلوا عمل السخرة.
ومن الناحية السياسية، ڠوادلوپ هي محافظة فرنسية، وقد اتى فرنسيون كثيرون للعيش هنا في العقود الاخيرة. لكنَّ الجزر الرئيسية يسكنها في الاغلب شعب اسود اخذت تجارة الرقيق اسلافَه عنوة من السواحل الافريقية. لكنَّ نحو ١٠ في المئة من السكان تحدَّروا من عمال جُلبوا من الهند عقب إبطال الاسترقاق في ڠوادلوپ في السنة ١٨٤٨. وجزر القديسات وسان بارتيليمي، اثنتان من المقاطعات التابعة الست، آهلة بشكل رئيسي بالـ Blancs-pays (البيض المحليين)، الذين كان اسلافهم البريتانيون والنورمنديون بين المستعمِرين الاوائل. وهنالك ايضا عائلات لبنانية وسورية قليلة تدير مؤسسات تجارية هنا.
يُعتبر معظم السكان من الروم الكاثوليك. لكنَّ المجتمع الهندي يستمر في ممارسة الطقوس الهندوسية رغم دمجه في المجتمع الكاثوليكي. فسواريهم المقدسة بأعلام برَّاقة الالوان تشاهَد هنا وهناك في الريف. ومعتقدات عدد كبير لا تزال مشبعة بخرافات الاسلاف التي يحافظ عليها الى حدٍّ بعيد الكَنبوازور (السحرة).
ومع ذلك، يحترم الناس هنا عادةً الكتاب المقدس. فهم يؤمنون بأنه كلمة اللّٰه. وفي صلواتهم يستعمل كثيرون مقتطفات من المزامير. وفي الواقع، غالبا ما يُترَك الكتاب المقدس مفتوحا، وأحيانا بجانب شمعة مضاءة، الى مزمور يُعتقَد انه يجلب الحماية والبركة للبيت.
لقد ولَّد مزيج الحضارات المتنوعة — الافريقية، الاوروپية، والآسيوية — طريقة حياة تسودها الرقة واللطف. وهاتان الصفتان الجيدتان تجعلان اشخاصا كثيرين متقبلين لرسالة الملكوت ومن الممتع التحدث اليهم.
بدايات متواضعة
ان تاريخ شهود يهوه في ڠوادلوپ مثال جيد لما يمكن ان ينجزه روح يهوه في الناس المخلصين والمتواضعي القلوب الذين يقبلون الدعوة الالهية ان ‹يأخذوا ماء حياة مجانا.› (رؤيا ٢٢:١٧) لقد زار الشهود ڠوادلوپ قديما في السنة ١٩٣٦. ولكن في السنة ١٩٣٨ جرى البدء بالشهادة على اساس قانوني على ارصفة ميناء پوانت أ پيتْر.
كان قد ابتدأ تزويد الجزيرة بالكهرباء منذ وقت قصير، وكان يمكن ان تُرى سيارات قليلة فقط في الشوارع. كان المرفأ ناشطا. والمراكب من مختلف الحجوم ترسو هناك. وكان التجار ومستخدَموهم يروحون ويجيئون، وكذلك عمال الارصفة الذين يُعنون بالاكياس الكبيرة، صناديق الشحن الثقيلة، والبراميل الضخمة. وخلال استراحة الغداء كان رجل يجلس في الظل على عتبة، محاطا بالعمال. وكان
يتكلم عن الكتاب المقدس. هذا الرجل، الذي كان في اربعيناته، هو سيريل ونستون. كان متزوجا ومن مواليد دومينيكا، جزيرة تقع جنوبي ڠوادلوپ. وكان طويل القامة، ذا عينين رماديتين وبهيَّ الطلعة، يتكلم بهدوء باللغة الكرييولية. كان مبشرا كامل الوقت، او فاتحا، ويعمل ايضا بكدّ ليزوِّد حاجات عائلته الجسدية.كان كونداي بوشان بين اول الذين اصغوا بانتباه الى سيريل ونستون. قال: «كنا نعمل معا كعاملَي رصيف في الميناء.» وأضاف: «وقت الظهر، كنا نجلس عدة عمال آخرين وأنا حول سيريل، وكنا نتمتع بالاصغاء الى شرحه للكتاب المقدس. وفي فترة قصيرة جمع فريقا صغيرا من دومينيكا كانوا يعملون معنا، ونظّم اجتماعات. وكان هنالك خمسة اشخاص يحضرون.»
استأجر الاخ ونستون كمكان للاجتماع غرفة في كاز رينيه سايي وزوجته. والـ كاز الهندي الغربي هو مبنى مؤلف من ألواح مسمَّرة على هيكل من العوارض، بسقف من ألواح الحديد المموَّجة. وفي الداخل تُفصَل الغرف بواسطة قواطع بفتحات في الاعلى من اجل دوران الهواء. ويمكن سماع الاصوات بسهولة عبر الجدار الفاصل، لذلك كانت السيدة سايي تصغي في ايام الاجتماعات الى الخطابات. وبهذه الطريقة صارت هي وزوجها مهتمَّين بحق الكتاب المقدس.
تذكر نويما ميسودان (الآن اپورو) اتصالها الاول بهذا الفريق: «ازعجني واقع ان زوجي ابتدأ يأتي الى البيت متأخرا في ايام معيَّنة. فخفت ان يكون مهتما بامرأة اخرى. فتبعته في احدى الامسيات. كان ذلك في ٢٥ كانون الاول ١٩٣٩. دخل الى كاز في ضاحية پوانت أ پيتْر. وبعد عدة دقائق دخلتُ هذا البيت. ويا لها من مفاجأة ان اجد نفسي وسط فريق من نحو ١٢ شخصا! فجلستُ وأصغيتُ.» وهكذا ابتدأت تحضر الاجتماعات. واذ لم تكن هنالك كهرباء، كان على كل واحد ان يجلب معه شمعة.
مشقات زمن الحرب
عقب اجتياح المانيا لپولندا اعلنت فرنسا الحرب على المانيا في ٣ ايلول ١٩٣٩. فكان لذلك اثر في جزر الأنتيل الفرنسية، لأن التجارة مع فرنسا سرعان ما توقفت فعليا. وفي السنة ١٩٤٠ صارت ڠوادلوپ تحت سلطة حكومة ڤيشي الفرنسية التي تعاونت مع النازيين. والاتصالات مع الولايات المتحدة توقفت تماما. لم يعد بامكان ڠوادلوپ ان تصدِّر الروم والموز، او تستورد مؤن الطعام والمنتوجات الاخرى. حتى ان شحنة من مطبوعات الكتاب المقدس المرسلة من نيويورك حُرقت على ارصفة ميناء پوانت أ پيتْر.
لكن في السنة ١٩٤٠ ابتدأ الفريق الصغير الذي كان يجتمع لدرس الكتاب المقدس في احدى ضواحي پوانت أ پيتْر يعمل كفريق منعزل لشهود يهوه، تحت توجيه جمعية برج المراقبة. فكان اول فريق في ڠوادلوپ.
الغيرة مع التحرُّر من خوف الانسان
ان بعض الذين كانوا يحضرون اجتماعات هذا الفريق سرعان ما جعلوا الحق خاصتهم. وهكذا في ايلول ١٩٤٠ عمَّد الاخ ونستون سبعة اشخاص في نهر لا ليزارد، قرب پتي بور. ولكن لماذا في نهر في حين ان هنالك شواطئ عديدة يمكن الوصول اليها بسهولة؟ كان الاخوة يعتقدون ان ذلك ملائم اكثر. أفلم يعتمد يسوع نفسه في نهر الاردن؟ لكن طبعا، كل ما يلزم حقا هو ايّ مكان فيه ماء يسمح بالتغطيس. *
اعرب هؤلاء التلاميذ الاولون في ڠوادلوپ عن الاخلاص والغيرة، وكذلك عدم الخوف من الانسان. وإذ تذكّر الاخ بوشان الايام الباكرة، قال: «كنا في ايام الآحاد نخرج في عمل الكرازة. لم يكن لدينا ايّ تدريب وكنا نملك القليل جدا من المعرفة؛ فكان كل واحد يتكلم بأية طريقة تبدو له الافضل. وإذ كنت مقتنعا بأنني مسؤول عن هداية اكبر عدد ممكن من الناس، وقفت امام الكنيسة الكاثوليكية في پوانت أ پيتْر عند نهاية القداس وصرخت: ‹يا شعب پوانت أ پيتْر، أَصغوا الى كلمة يهوه . . .› فكنت قد قرأت انه هكذا كان الانبياء قديما يكرزون. وبعد ان تكلمت لفترة قصيرة احتشد جمع. فأصغى البعض، فيما ابتدأ آخرون يضجّون. وكان المركز الرئيسي للشرطة قريبا، فأُلقي القبض علينا زوجتي وأنا. وقضينا الليلة التالية في مخفر الشرطة.» لكنَّ ذلك لم يثبطهما عن الخدمة في المستقبل.
كان اولڠا لالند، شاب في الـ ٢٠ من عمره، شخصا آخر لم يحجم عن الكرازة عندما تعلَّم الحق. ففي الاحد الثاني لاجتماعه مع الفريق الصغير من الشهود اشترك معهم في عمل الشهادة. وصار اخا غيورا وتقدميا جدا، شخصا لا يخاف الانسان. وإذ وُهِب صوتا جهيرا، لم يكن تجاهله ممكنا.
لكنَّ امتحانات الامانة التي واجهها هؤلاء المسيحيون شملت اكثر من الشهادة العلنية.
امتحان التواضع اثناء العزلة
كانت لدى الاخوة كمية محدودة من المواد لدرس الكتاب المقدس. ومعظم الاشخاص الـ ٣٠ الذين كانوا يجتمعون مع الفريق المنعزل من الشهود هنا لم يكونوا قد بلغوا بعد النضج الروحي. وقيود زمن الحرب حرمتهم مزيدا من الاتصال بالمركز الرئيسي للجمعية. وفضلا عن ذلك، في هذا الوقت نفسه مرض سيريل ونستون وعاد الى دومينيكا حيث مات بعد ثلاثة اشهر. لقد احبّه الاخوة، لكنهم الآن سمحوا لمشاكل خطيرة بأن تتطور بينهم. فقد ارادوا ان يخدموا يهوه، لكنهم كانوا يرون الهيئة بصورة عامة من وجهة نظر بشرية. فالاخ سايي، الذي كانت الاجتماعات تُعقد في بيته، شعر بأنه هو المسؤول. فعارضه آخرون. وبلغ النزاع الداخلي الذروة بحلول ٢٩ تشرين الثاني ١٩٤٢، عندما قرَّرت الغالبية العظمى، التي يقودها الاخ ميسودان، ان تنسحب وتجتمع في مكان
آخر. واستمر الاخ سايي في عقد الاجتماعات في بيته. ولم تكن الخلافات بين الفريقين عقائدية؛ انما كانت تشمل الشخصيات.وعلى الرغم من الصدع، اشترك الفريقان في الشهادة، وكان الناس يصغون. وفي كلا الجانبين كان هنالك اخوة وأخوات مخلصون. ولكن عندما لا تُطبَّق مبادئ الكتاب المقدس، تتطور حالات لا تليق بالمسيحيين. يحضّ الكتاب المقدس: «لا يكون بينكم انشقاقات.» ‹اجتهدوا ان تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام.› — ١ كورنثوس ١:١٠؛ افسس ٤:١-٣.
وخلال هذه الفترة العصيبة نجح الاخ سايي في اعادة الاتصال بالمركز الرئيسي للجمعية. فقدّرت الجمعية جهوده في القيام بذلك اضافة الى جهوده المتواصلة في جعل مطبوعات الكتاب المقدس تصل الى الجزيرة خلال الحرب. وأُرسلت رسالة الى ڠوادلوپ في ١٦ شباط ١٩٤٤، تعيِّن الاخ سايي خادم جماعة (ناظرا مشرفا). وبحلول ذلك الوقت كان قد بلغ سن الـ ٣٠. وعلى الرغم من مركزه الاجتماعي المتواضع ومظهره الدال على بنية ضعيفة، كان رجلا صريحا جدا وثابت العزم.
وبعد تعيين الاخ سايي ليكون خادم الجماعة كتبت الجمعية
الى الفريق الآخر، قائلة: «انتم ايها الاخوة هناك، الذين انفصلتم . . .، يجب ان تتحدوا وتتعاونوا معه من الآن فصاعدا لتقدُّم مصالح الملكوت. وكما ان المسيح ليس منقسما . . . كذلك يجب ان يكون جسد المسيح على الارض متحدا . . . نعتقد ان ولاءكم للرب ولملكوته سيحثكم انتم المعنيين جميعا ان تضعوا جانبا اية مشاعر شخصية ربما كانت لديكم حيال المسألة، وتنتظروا الرب ليصدر اية احكام قد يشعر بضرورة تنفيذها في ايّ شخص يرتكب الخطأ، وأن يمضي كل واحد قُدُما ويخدم الرب.» لكنَّ الجهود لتسوية الخلاف آنذاك لم تثمر. فلم يوافق الجميع ان الاخ سايي لديه المؤهلات اللازمة لتعيينه. ورغم ان كثيرين ارادوا ان يتحد الفريقان، كان من الصعب ان يضعوا جانبا المشاعر الشخصية. ولأن الاخوة كان ينقصهم النضج الروحي استمر الانشقاق حتى السنة ١٩٤٨.وفي السنة ١٩٤٤ اخبرت الجماعة التي كانت الجمعية تعترف بها عن تسعة ناشرين فقط.
اجتماعات كانت بالتأكيد عامة
لنشر رسالة حق الكتاب المقدس، ألقى الشهود محاضرات في الشوارع خلال الامسيات المدارية المعتدلة. وتكلم الخطيب بصوت عالٍ كفاية ليس فقط ليسمعه حضوره المباشر بل ايضا ليلفت انتباه المارَّة. وغالبا ما كان يشارك الاخ لالند، بصوته القوي، في امتياز الخدمة هذا. والمشهد الذي يذكره هو هذا: «بعد غروب الشمس، كنا نجتمع معا في دائرة تحت شجرة او عند زاوية شارع. وفي وسط الفريق كان يقف الخطيب؛ وآخرون كانوا ينيرون المكان بواسطة مشاعل. كان البرنامج يبدأ بترنيمة وصلاة. وقد يدوم
الخطاب ٣٠ دقيقة او ساعة، ويعتمد ذلك على ما حضَّره الخطيب. ولم تكن المواضيع متنوعة كثيرا، اذ ان هدفها الرئيسي كان ضرب الدين الباطل.»ونتيجة لهذه الاجتماعات، جرت مساعدة عدد من الاشخاص على تعلُّم الحق. لكن لم يقدِّر الجميع الخطابات. فأحيانا، تحت جُنح الظلام، كان اناس يرشقون الفريقَ بالحجارة. ومع ذلك، لم يكن الاخوة ليغادروا حتى انتهاء الاجتماع. فقد فكَّروا: «اذا كان الجنود على استعداد لمواجهة نيران البنادق في زمن الحرب، فلماذا لا نكون على استعداد لأن نُقذَف ببعض الحجارة من اجل البشارة؟» (٢ تيموثاوس ٢:٣) حتى ان بعض الشهود أُصيبوا بجروح في الرأس. وفي احدى الامسيات فيما كانت اخت تحمل مصباحا زيتيا كبيرا للخطيب، اخطأ حجر مقذوف باتجاه المصباح المرمى وأصاب عوضا عن ذلك رأس احد المستمعين. وعندما مات الشخص في ما بعد في المستشفى، اقتيد المذنب الى المحكمة وعوقب بشدة.
اخ ينال بعض التدريب
في السنة ١٩٤٥ قرَّر الاخ لالند ان يذهب الى ڠِييانا الفرنسية، حيث كانت تسكن امه. ولم تكن هنالك اية جماعة حيث استقر، بالقرب من سان-لوران دو ماروني، لكنَّ ذلك لم يثنِه عن الشهادة.
ذكر الكتاب السنوي لاحقا: «ذهب أخَوان الى ڠِييانا الفرنسية في كانون الثاني. وعند اتصالهما بالناس في سان-لوران أُخبِر الأخَوان، ‹هنالك رجل نحو اعلى النهر يتكلم مثلكما تماما.› فاستأجر الأخَوان سيارة للبحث عن هذا الرجل، وكما قيل لهما، وجدا هناك رجلا جاء من ڠوادلوپ وكان يلقي محاضرات عامة.
ولم تكن لديه اية مطبوعات؛ لكنه لم ينقطع عن التكلم عن الملكوت. وخصمه الاكبر كان الكاهن، الذي كان مشغولا بتحذير الناس من الاصغاء الى ما لدى هذا ‹الرجل المجنون› ليقوله.»وعندما عاد الأخَوان الى پاراماريبو، سورينام، حيث كان لدى الجمعية مكتب فرع، ذهب الاخ لالند معهما. وهناك التقى فاتحين شجَّعوه على الانخراط في الخدمة كامل الوقت. فتعلَّم كيف يلاحق الاهتمام ويدير دروسا بيتية في الكتاب المقدس. وأثناء وجوده في پاراماريبو، تعلّم ايضا الكثير عن الهيئة الثيوقراطية وكيف تعمل — فوجد ان امامه الكثير ليتعلمه! وبعد ثلاثة اشهر عُيِّن ليخدم كفاتح خصوصي وأُرسل ليعود الى سان-لوران.
تنمية وحدانية الروح
في هذه الاثناء كانت الجمعية متنبهة للحالة الخطرة الموجودة في ڠوادلوپ، بوجود فريقين يسعيان الى خدمة يهوه لكن دون الاتحاد احدهما بالآخر. وفي السنة ١٩٤٧ أُرسل جاشوا ستيلمان، ناظر دائرة يتكلم الانكليزية، من جزيرة مجاورة لزيارة جماعة پوانت أ پيتْر. فجرى الترحيب بالأخ ستيلمان بفرح كبير، و ٢٦ — يشملون كما يتضح افرادا من كلا الفريقين — اشتركوا معه في خدمة الحقل خلال اسبوع زيارته. لكن لم يكن باستطاعته ان يتكلم الفرنسية، وكما اوضح في تقريره، لم يكن باستطاعة الاخوة ان يقرأوا او يترجموا الارشادات التي جرى تسلُّمها بالانكليزية. فكان التنظيم مفقودا بشكل ميؤوس منه. وكان الاخوة يدرسون واحدا من كتب الجمعية ثلاث مرات في الاسبوع، انما لم تكن هنالك مجلات برج المراقبة. ومع ذلك، كما اشار الاخ ستيلمان، كانت هنالك رغبة قوية في الاشتراك في خدمة الحقل. لكنَّ نصحه المعطى بقصد اعادة توحيد الفريقين لم يسفر عن اية نتائج مباشرة.
وبعدئذ، تلبية لطلب الجمعية، رجع الاخ لالند الى ڠوادلوپ في المزمور ١٣٣:١: «هوذا ما أحسن وما أجمل ان يسكن الاخوة معا (باتحاد).»
السنة ١٩٤٨. وحالما وصل، ابتدأ يعمل نحو مصالحة الفريقين. فكان بعض الاخوة جدّيِّين جدا في رغبتهم في ان يتحدوا من جديد حتى انهم استيقظوا في الساعة ٤ صباحا وصعدوا الى تلة للصلاة الى يهوه لكي يبارك الجهود لتحقيق الوحدة. وفي تلك السنة نفسها، في آذار، جرى ردّ الوحدة بعد انشقاق دام اكثر من خمس سنوات. فقفز معدل عدد الناشرين من ١٣ في السنة ١٩٤٧ الى ٢٨ في السنة ١٩٤٨، بذروة بلغت ٤٦. وكما يقولومع ذلك، لم يكن الجميع مسرورين بإعادة التوحيد هذه. فأوضح قليلون انهم لا يريدون ذلك. وأسس البعض بدعة دعيت «لو ميساجي دو سيون» ثم اعدُّوا نشرات ووزعوها امام مكان اجتماع اخوتهم المسيحيين السابقين. واشترى احد قادتهم دراجة نارية ليتمكن من اللحاق بالشهود وإضعاف نشاطهم وهم يشتركون في خدمة الحقل. ولكنه اصطدم في احدى هذه الحملات بعربة يجرّها ثور ملآنة بقصب السكر، ومات في المستشفى. ولم يُسمَع عن فريقه في ما بعد.
ولكنَّ تنمية وحدانية الروح شملت اكثر من الاجتماع معا والخروج معا في خدمة الحقل. (افسس ٤:١-٣) ففي ذلك الوقت كان يُحظر محليا على الاخوات لبس الحلى، قصُّ شعرهن، او حضور الاجتماعات في قاعة الملكوت دون ارتداء غطاء للرأس. وكان ذلك نتيجة اساءة الفهم لمشورة معيَّنة في الاسفار المقدسة. وكانوا بحاجة الى عون اضافي ليكونوا في وحدة تامة مع مجتمع شعب يهوه العالمي النطاق. وأتى بعض هذا العون في ما بعد في السنة ١٩٤٨ عندما ارسلت الجمعية متخرِّجَين ارساليين من مدرسة جلعاد الى ڠوادلوپ.
المرسلان الاولان
منحت السلطات الفرنسية كينيث تشانت ووالتر إيڤانز، وكلاهما كنديان، اذنا لمدة سنة في الاقامة في ڠوادلوپ. وبوجودهما كان هنالك نشاط متزايد في الجماعة. لكنَّ ذلك سبّب ايضا مقاومة اثارها رجال الدين على ما يتضح. وفي اوائل السنة ١٩٤٩ جرى تسليم المرسلَين إشعارا رسميا بمغادرة الجزيرة في الحال.
ومع ذلك، قوَّت اقامتهما القصيرة الامد الاخوة روحيا. فقد فهم الاخوة المحليون مبادئ الكتاب المقدس بأكثر وضوح، وشرعوا في احراز التقدم في تطبيق الترتيبات التنظيمية نفسها التي كان يستخدمها شهود يهوه في كل العالم.
جماعة في ديبون
بدأت بزور الحق تنبت تدريجيا خارج پوانت أ پيتْر، اكبر بلدة في ڠوادلوپ. ووُضِع اساس الجماعة الثانية في السنة ١٩٤١ عندما كان دوڤِرڤول نستور مريضا في المستشفى في پوانت أ پيتْر. فهناك سمع الحق للمرة الاولى وقبله. وبعد عودته الى البيت، استمر الاخوة في زيارته وتقويته. وحاول مبشر مجيئي ان يثنيه حتى انه قال: «كنت اعتقد ان بيتك سيكون هيكلا رائعا للرب.» لكن كما آلت اليه الامور، عندما نُظِّمت الجماعة الثانية في السنة ١٩٤٨، استُخدم بيت الاخ نستور كقاعة للملكوت. وكان يقع في ديبون، قرية تستقر عند سفح جبل، على بعد ١٦ ميلا (٢٦ كلم) من پوانت أ پيتْر.
واليوم هنالك جماعة مزدهرة تتألف من اكثر من مئة ناشر في ديبون، تجتمع في قاعة جميلة للملكوت بُنيت في السنة ١٩٨٩.
الشهادة الغيورة وقت الظهر
في پور لْوِي، الواقعة على بعد ١٢ ميلا (٢٠ كلم) تقريبا شمالي پوانت أ پيتْر، تمتع جورج موستاش بامتياز زرع بزور اضافية لحق الملكوت بعدما وصلت البشارة اليه هناك في السنة ١٩٤٣. واذ تذكَّر تلك الايام الباكرة، قال: «في مصنع السكر في بوپور، عند استراحة الظهر يوميا، كنت ألقي خطابا مرتجلا في المنجرة حيث كنت اعمل. وذات يوم تحدّاني طالب لاهوت متقدم في السن كان يضايقني باستمرار قائلا: ‹إن كنت تعبد الاله الحقيقي، فها هو موقد الحدّاد مشتعل؛ حاول ان تمشي في النار!› وبصوت يدوِّي في كل انحاء المتجر، اجبت: ‹اذهب يا شيطان لأنه مكتوب: «لا تجرّب الرب الهك.»›» — انظروا متى ٤:٥-٧.
وأيام الآحاد كان الاخ موستاش يسير عدة اميال ليشهد اكثر للرفقاء العمال الذين اظهروا رغبة في سماع المزيد. وغالبا ما كان يبقى في خدمة الحقل من الساعة الثامنة صباحا حتى السابعة ليلا، وأحيانا دون طعام. وكان قائد الفريق الصغير من المجيئيين في پور لْوِي بين الذين كان يزورهم الاخ موستاش كل اسبوع، وسرعان ما صار شاهدا. وقبل آخرون ايضا الحق، وبينهم دانيال بونكور، الذي يواصل نشاطه بأمانة حتى هذا الوقت، وألفرد كليون، الذي كان يخدم بأمانة كشيخ عندما مات في آب ١٩٩٣.
مياه الحق تتدفق في باس تير
خلال عقد اربعينات الـ ١٩٠٠ ابتدأت مياه الحق تتدفق، اولًا قليلا ثم بغزارة، في باس تير، عاصمة ڠوادلوپ الادارية. عندما كان اوجين ألِكْسر، وهو نجار، في پونت أ پيتْر، سمع سيريل ونستون يشرح حقائق الكتاب المقدس. وفي السنة ١٩٤٨ اتخذت عائلة ألِكْسر موقفها الى جانب العبادة الحقة. وعُقدت اجتماعات قانونية
في بيتهم في باس تير. وبعد سنة انضم اليهم شاب يدعى ڤِرناي أندريمون. وكل يوم احد كان يسافر الاخ ميسودان او الاخ موستاش — وفي ما بعد، الاخ لالند — بالباص مسافة ٣٧ ميلا (٦٠ كلم) من پوانت أ پيتْر الى باس تير لمساعدة المهتمين هناك. وقد كوفئت جهودهم. فبعد نحو ٤٥ سنة تزدهر الآن ثماني جماعات في تلك المنطقة: ثلاث في باس تير، واحدة في ڠوربير، اثنتان في باييف، واثنتان في سان كلود.وفي الوقت نفسه، في بلدة مول، على الساحل الشرقي من ڠراند تير، أُسِّس فريق صغير بعد ان ذهب اخ من پوانت أ پيتْر للشهادة هناك. وكانت عائلة روسكاد من اوائل الذين اخذوا موقفهم الى جانب الحق في هذه المنطقة، وكانت الاجتماعات تُعقد
في بيتهم. وكان أناستاز توشار اول مَن صار شاهدا في هذا الفريق، وقد اثبت في ما بعد انه شيخ مخلص جدا، وخدم بصفته كذلك حتى موته في السنة ١٩٨٦. وهنالك الآن في هذه المنطقة خمس جماعات نشيطة يتألف كلّ منها من اكثر من مئة ناشر.كاهن يجذب مستمعين
في يوم احد سنة ١٩٥٣، بعد ان قضى فريق من نحو ٢٠ ناشرا الصباح وهم يشهدون في قرية لامنتان، في شمال شرقي باس تير، ألقوا خطابا عاما في ساحة القرية التي كانت طبعا امام الكنيسة الكاثوليكية. وبعد الترنيمة الافتتاحية، بدأت المحاضرة من الكتاب المقدس. واذ اغتاظ الكاهن، اخذ يغلق ابواب الكنيسة الكبيرة بعنف في محاولة لحجب صوت الخطيب. ولكن نتيجة للغلق العنيف افلت تمثال من على الحائط وتحطَّم امام الكنيسة. وبغيظ مضاعف دقَّ الكاهن كل اجراس الكنيسة. فجاء اناس كثيرون راكضين. وصدم تصرّف الكاهن البعض. وكان من المستحيل متابعة الخطاب في ذلك الموقع، لكنَّ صاحب مخزن دعا الخطيب لإلقاء المحاضرة امام بيته. فجرى ذلك بحضور رائع.
واليوم تزدهر في تلك المقاطعة ثلاث جماعات ويتألف كلّ منها من اكثر من مئة ناشر. وهذا ايضا هو المكان الذي فيه بنينا قاعة محفلنا الفسيحة.
اقتدى الاحداث برجال الدين وحاولوا ايضا تعطيل خطاباتنا العامة. فخلال خطاب أُلقي في الريف قرب قرية سانت روز، احاط فريق من الكشَّافة الكاثوليك بالخطيب والشهود القليلين الآخرين الحاضرين. فابتدأ البعض ينفخون في ابواقهم، وآخرون يضربون على مقالٍ حديدية كبيرة لحجب صوت الخطيب. لم يحاول ليونار كليمان ان يرفع صوته ليصير اعلى من الضجيج؛ وعوضا عن ذلك، فيما كان يتابع، مثّل خطابه دون كلام، مستخدما الاشارات وحركة
الشفتين. وبعد وقت قصير توقف الكشَّافة وغادروا. فتابع اخونا خطابه. وفي هذه المنطقة ايضا جرت تنمية الاهتمام تدريجيا، وهنالك الآن ثلاث جماعات.نهاية حقبة
ان تلك الاجتماعات العامة في الهواء الطلق في ڠوادلوپ هي الآن شيء من الماضي. ففي السنة ١٩٥٣، إثر نشوب اضطرابات في الاجتماعات السياسية، حظرت السلطات جميع الاجتماعات العامة في الهواء الطلق بالاضافة الى استعمال مكبّرات الصوت في مواقع في الهواء الطلق. ومنذ ذلك الحين كان على الاخوة ان يجدوا اماكن اخرى لعقد الاجتماعات.
ومع ذلك، من السنة ١٩٣٨ الى السنة ١٩٥٣، ساعدت الخطابات العامة في الهواء الطلق على اعطاء شهادة علنية فعَّالة. فكان الناشرون شجعانا وغيورين في دعم هذا النشاط. وقد سافر معظمهم الى اماكن الاجتماعات سيرا على الاقدام. وكان البعض يركبون اثنين على الدراجة الواحدة. وعندما كانوا يملكون بعض المال الاضافي كانوا يستأجرون باصا لذلك اليوم. وفي تلك الايام، من بين ١٠٠ ناشر، كان واحد فقط يملك سيارة — فورد عتيقة الطراز.
١٩٥٤ — سنة بارزة
عندما كان الاخ نور، رئيس الجمعية آنذاك، وأمين سرّه، مِلتون هنشل، في طريق عودتهما من اميركا الجنوبية في اوائل السنة ١٩٥٤، حطَّت طائرتهما في مطار پوانت أ پيتْر. كان ذلك في الصباح الباكر جدا، لكنَّ الاخوة المحليين كانوا هناك للقائهما. فأكَّد لهم الاخ نور انه سيجري ارسال المزيد من المرسلين حالما يكون ذلك ممكنا لمساعدتهم.
وقد تحقق وعده بعد ذلك بوقت قصير. ففي ١٧ آذار ١٩٥٤
نزل راكبان من طائرة حطَّت في مطار پوانت أ پيتْر. إلّا انه لم يكن هنالك احد للقائهما لأن الرحلة كانت متأخرة جدا عن موعدها. لكنَّ رجال الشرطة ابدَوا استعدادهم لنقلهما الى مصبغة الاخ لالند. وهذان المسافران، أخَوان تخرجا حديثا من مدرسة جلعاد، اتيا من فرنسا. احدهما كان پيير يانكي، اخ طويل القامة، والآخر پول توڤيرون.بعد ايام قليلة من قدوم المرسلَين، وصل الاخ هنشل. وفي هذه الاثناء، كان مركب المرسلين التابع للجمعية الايمان في الميناء،
وكان الطاقم مشغولا بصنع الترتيبات لمحفل كان سيُعقد في مدرسة محلية ابتداء من ٢٦ آذار.عندما ابتدأ البرنامج، كان الجو سارًّا، رغم ان الاخوة كانوا متوترين قليلا، توَّاقين ان يجري كل شيء بنعومة. وبعد عدة خطابات وتمثيليات، عُلِّقت شاشة مؤقتة. ثم شاهدوا للمرة الاولى فيلم الجمعية مجتمع العالم الجديد وهو يعمل. واستطاعوا ان يرَوا بأمّ عيونهم الدليل الواضح الذي قوَّى اقتناعهم بأن هذه هي هيئة اللّٰه. وجميع الحاضرين تأثروا بعمق عندما رأوا كيف تعمل الهيئة بسلام واتحاد. ولاحظت الاخوات ايضا واقع انه في البلدان الاخرى كانت اخواتهنَّ المسيحيات يتزينَّ بالحلى، رغم ان ذلك لم يكن بإفراط. وفضلا عن ذلك، تشجَّع حاضرو المحفل هؤلاء بالمعرفة ان مرسلَين كانا في وسطهم، أخَوين ارسلتهما الهيئة كان مثالهما في خدمة يهوه سيقوي الجماعة. وكانت الاثارة عظيمة في ذلك المساء — عظيمة جدا بالنسبة الى الناظر المشرف لجماعة پوانت أ پيتْر، كلوتير ميسودان. فقد ذهب الى البيت وفي تلك الليلة نفسها مات وهو نائم دون ان تدري زوجته حتى الصباح.
وفي اليوم الثاني من المحفل، اعلن الاخ هنشل عن تأسيس مكتب فرع لجمعية برج المراقبة في ڠوادلوپ. وكان سيهتم بالكرازة بالبشارة في ڠوادلوپ ومارتينيك. وعُيِّن پيير يانكي ليكون خادم الفرع. وجرى تزويد التوجيه التنظيمي الادق الذي كان ضروريا جدا في هذه الجزر.
عقب المحفل شرع المرسلان في العمل. فاستأجرا بيتا خشبيا صغيرا لتزويد مكان لمكتب الفرع. ولاحقا، اشترت الجمعية بيتا
صيفيا متواضعا في حديقة مدينة ريزي، حيث عمل المكتب حتى كانون الاول ١٩٦٦. واضافة الى الاعتناء بالعمل في الفرع، اشترك الاخ يانكي في خدمة الحقل في پوانت أ پيتْر، صارفا قدر ما استطاع من الوقت مع الاخوة. وفي هذه الاثناء، زار الاخ توڤيرون الجماعات والناشرين المنعزلين كناظر دائرة حتى وجد من الضروري ان يعود الى فرنسا، بعد نحو سنة.المساعدة من بيت عائم للمرسلين
ان التقدير لهيئة يهوه اثارته الزيارات الدورية للمرسلين الذين كانوا يسافرون من جزيرة الى جزيرة على متن مركب. ولنحو عقد كانت للجمعية مراكب خدمت كبيوت عائمة للمرسلين في جزر الهند الغربية. في بادئ الامر، كان مركبا شراعيا طوله ٥٩ قدما (١٨ م) دعي سيبيا، وفي ما بعد استُبدل بمركب اكبر، النور.
واستُخدم ايضا مركب طوله ٧٢ قدما (٢٢ م) بمروحتي دفع سمِّي الايمان. وعلى الرغم من ان المرسلين على متن المراكب كانوا يتكلمون الانكليزية (ومعظم الناشرين في ڠوادلوپ لا يتكلمونها)، جرى تقدير زياراتهم كثيرا جدا. ولا يزال الناشرون هنا يذكرون غيرة هؤلاء المرسلين وهم يعملون مع الناشرين المحليين، مخصِّصين اياما كاملة لخدمة الحقل.وفي زيارتهم الاخيرة، على متن النور في السنة ١٩٥٦، قضى المرسلون من ٢٦ تموز الى ٧ آب كارزين في جزيرتَي ماري ڠالانت ولاديزيراد. وفي ماري ڠالانت، عرضوا فيلم مجتمع العالم الجديد وهو يعمل. قال احد الحاضرين: «لو اعطيتموني عشرة آلاف فرنك فرنسي لما تمكنتم من ابهاج قلبي كما في هذه الليلة!»
فاتحان يُرسَلان من فرنسا
جرى احراز تقدم جيد في ڠوادلوپ والمقاطعات التابعة لها. ولجعل العمل يستمر في السير قُدُما، ارسلت الجمعية فاتحَين آخرَين من فرنسا. فوصل نيكولا وليليان بريزار في
كانون الاول ١٩٥٥. والاخ بريزار هو شخص بطبيعة دينامية ومرحة على السواء. وعند وصولهما عُيِّنت لهما ضواحي پوانت أ پيتْر المكتظة بالسكان.وفي تلك المقاطعة يسكن اناس كثيرون في بيوت خشبية يرتكز كلٌّ منها على اربعة حجارة لإبعاد الارضية ٢٠ انشا (٥,٠ م) عن سطح الارض. والبيوت جميعها قريبة جدا بعضها من بعض. وأثناء القيام بزيارات هناك ذات يوم، حصل للاخ بريزار حادث لا يزال يضحكه. يتذكر: «رافقتُ زوجتي الى درس في الكتاب المقدس تعقده مع سيدة مسنَّة، لكنَّ عمر بيتها الخشبي بدا اكبر من عمرها! واذ دُعينا الى الدخول، اتجهتُ نحو وسط الغرفة الصغيرة وإذا بالارضية تنهار فجأة فسقطت من خلالها! فاعتذرتُ بشدة، لكنَّ السيدة المسكينة كانت مرتبكة اكثر بكثير.»
عمل الاخ بريزار وزوجته في هذه المقاطعة نحو ثمانية اشهر ثم عُيِّنا في العمل الدائري. وفي السنة ١٩٥٨ جرت دعوتهما الى حضور الصف الـ ٣٢ لمدرسة جلعاد وبعد ذلك أُعيد تعيينهما في ڠوادلوپ. وعندما تزوج الاخ يانكي وأسَّس عائلة في السنة ١٩٦٠، صار الاخ بريزار خادم الفرع. ولا يزال يخدم كمنسِّق للجنة الفرع، والاخ يانكي، الذي بقي في ڠوادلوپ، يخدم معه في هذه اللجنة.
المقاومة تنشئ امتحانا للايمان
بسبب المقاومة الدينية التي كانت احيانا عنيفة حقا، كان على كثيرين ممَّن قبلوا الحق كما هو مرسوم في الكتاب المقدس ان
يتَّخذوا موقفهم في ظروف صعبة جدا. وكانت فلورا پيمبا واحدة من هؤلاء. فقد بدأت مع زوجها بفحص الكتاب المقدس. ولكن عندما بدأ بعض الجيران بالضغط عليهما، تخلى زوجها، الذي كان يدير مخزن بقالة عائليا، عن درسه خوفا من ان يخسر زبائنه. لكنَّ زوجته احتملت وأحرزت تقدما روحيا جيدا. فصار جوّ البيت متوترا. حتى ان الرجل هدَّد بقتل زوجته. وبعد ان اكتشفت سكينا كبيرا تحت وسادته، فرّت قاطعة ١٠ اميال (١٦ كلم) عبر غابة مدارية ومزارع موز، والتجأت الى عائلة من الشهود. وبينما كانت مختبئة من زوجها، قرَّرت ان تعتمد، قائلة: «اذا كان عليَّ ان اواجه الموت بسبب ايماني فإني اريد ان يجري اعتباري بين خدام يهوه!» وهكذا، في السنة ١٩٥٧، قبل شروق الشمس ذات صباح اعتمدت في البحر.وعلى الرغم من جهودها للمصالحة، خسرت عائلتها الجسدية. ولكن بحسب وعد يسوع في متى ١٩:٢٩، ربحت عائلة روحية كبيرة. وهذه الاخت الامينة انخرطت في الخدمة كامل الوقت، ولا تزال فاتحة في لامنتان لأكثر من ٣٠ سنة!
محفل لا يُنسى
عندما عُقد محفل المشيئة الالهية الاممي في مدينة نيويورك في السنة ١٩٥٨، حضر مندوبون من ١٢٣ بلدا ومجموعة جزر. وكان بينهم تسعة عشر شاهدا من ڠوادلوپ. وما رأوه وسمعوه زاد تقديرهم للترتيب الثيوقراطي. قال ڤِرناي أندريمون، الذي كان احد هؤلاء المندوبين: «كان ذلك المحفل بمثابة انارة لي. فقد فهمت كيف يجب القيام بالامور.» وإذ عبَّر ناظر الفرع عن المشاعر العامة للفريق بكامله، كتب: «كم كانت ابصارنا شاخصة وآذاننا صاغية لإدراك وفهم كل ما تمكنّا من رؤيته! وعندما يكون المرء آتيا من احدى جزر البحر الكاريبي الصغيرة، لا يكون ما يثير الدهشة مجرد الامتداد الواسع غير العادي للبلد، ولا الابنية الهائلة المرتفعة عاليا في الهواء، ولا حركة المرور الكثيفة المذهلة في الشوارع، بل
المشهد المذهل لجموع غفيرة امام عينيه، نعم، جميع الاخوة والاخوات من اربع زوايا الارض وهم يعبدون الاله الحقيقي الوحيد بسلام واتحاد. وقد امتلأ مدرَّجان هائلان بهم!»وحتى في ما يمكن ان يعتبره البعض امورا صغيرة، اثَّر هذا المحفل في حياة اخوتنا. على سبيل المثال، شعر ليونيل نستور، اخ في الـ ٧٨ من العمر استُخدم ايضا بيته كقاعة للملكوت، بالحاجة الى دهنه ليمثل هيئة يهوه بصورة افضل. ونتيجة لذلك، كانت قاعة الملكوت هذه اول بيت يُدهن في قريته.
بدايات متواضعة في آنس بِرتران
حتى السنة ١٩٥٨ لم تسنح لكثيرين من الناس الساكنين في مقاطعة آنس بِرتران، الواقعة في الطرف الشمالي من ڠراند تير،
ڠوادلوپ، فرصة سماع رسالة الملكوت. ولكن في تلك السنة أرى مارك إدرو كتابا مقدسا لدونا تاسيتا، صديق له كان خبازا، وقال: «هذا الكتاب هو كلمة اللّٰه!» وكان كلاهما كاثوليكيَّين ممارسَين. ولاحقا، عندما عرض بائع من باب الى باب على دونا كتابا مقدسا، اشترى واحدا له وابتدأ يقرأه. ورغم انه لم يكن بإمكانه ان يقرأ الفرنسية جيدا، فقد استخدم قاموسا. ودعا ايضا صديقه مارك إدرو ليأتي الى منزله، وكانا كلاهما، مع زوجة دونا، يقرأان الكتاب المقدس ويحاولان مناقشته ايام الاربعاء والسبت.واذ كان دونا توّاقا الى فهم المزيد، بحث عن الرجل الذي باعه الكتاب المقدس، ولكن عبثا. إلّا ان احد جيرانه قال ان له ابن عم، جورج موستاش، من شهود يهوه ويسرّه ان يساعده. وعلى اساس ما تعلَّمه دونا من جاره عن شهود يهوه، زار ايضا بعض الاشخاص ليشهد لهم لأنه لم يرد ان يكون ايمانه ميتا. — يعقوب ٢:٢٦.
وبعد نحو نصف سنة، عندما سمع دونا من جاره ان شهود يهوه سيعقدون محفلا قرب پوانت أ پيتْر، قرَّر دونا، زوجته، ومارك إدرو ان يحضروا ويعتمدوا. وحتى ذلك الوقت لم يكونوا قد التقوا بعد احدا من شهود يهوه. وعندما وصلوا، رحَّب بهم الشهود. وأوضح الثلاثة رغبتهم في ان يخدموا يهوه ويعتمدوا. فسألهم الاخوة بلطف عددا من الاسئلة ثم اوضحوا انه يلزمهم قبل المعمودية درس بيتي في الكتاب المقدس. وتأثرت قلوب افراد هذا الفريق بجوّ المحفل الاخوي الدافئ. فعادوا الى آنس بِرتران ممتلئين قوة وتصميما. وكان تقدمهم في درس الكتاب المقدس سريعا، وبعد نحو نصف سنة اعتمدوا.
لقد اشتركوا بحماس في حق الكتاب المقدس مع الآخرين في قريتهم. ولكن كانت هنالك مقاومة شديدة. فعندما زارهم الأخ بريزار كناظر دائرة، فعل الكاهن الكاثوليكي المحلي كل ما في وسعه لمنعه من البقاء. وكان دونا قد استأجر غرفة حيث يمكن ان يمكث ناظر الدائرة وزوجته. ولكن بعد اليوم الاول من خدمة الحقل خلال زيارته تدخَّل الكاهن وطلب ارجاع المفتاح. واذ فشل في ذلك، ذهب الى صاحب المُلك وهدَّد بأن يحرم أُم المالك اذا لم يتمكن من استرجاع المفتاح. وعند سماع ذلك، أُغمي على المرأة المسكينة! وفي اليوم التالي حاول الكاهن مرة ثانية، بواسطة محامٍ، ولكن دون نجاح لأن مثل هذا الامر غير قانوني. وخلال زيارة ناظر الدائرة هذه وُجِد عدد من الخراف وبوشرت دروس في الكتاب المقدس. وبعد عدة اشهر، في اوائل السنة ١٩٦٠، عُقد محفل دائري في تلك القرية، مما اعطى شهادة اضافية. وعند اجراء المعمودية ذهب اكثر من ٥٠٠ شخص من القرية الى الشاطئ للمشاهدة. لم يجرِ القيام بالعمل من بيت الى بيت في ذلك اليوم. فجميع الشهود كانوا عند الشاطئ، محاطين بفريق يتوق الى تعلُّم المزيد عن شهود يهوه والرسالة التي يكرزون بها.
منذ ذلك الحين تشكَّلت جماعتان في آنس بِرتران. وقد خدم دونا تاسيتا كفاتح خصوصي مدة ٢٢ سنة وهو شيخ في آنس بِرتران.
البحث عن لص — ايجاد خروف
ذات يوم في اوائل ستينات الـ ١٩٠٠ زار شرطي بيت المرسلين في لو ريزي. لقد كان يستعلم عن سرقة حصلت في الجوار. كان الاخ بريزار وزوجته في البيت، فانتهزا الفرصة ليشهدا له. وبعد الاستماع، سأل الرجل: ‹كيف يمكنني الحصول على كتاب مقدس؟
هل لديكما ايّ عنوان يمكنني الكتابة اليه؟ ان ما تتكلمان عنه مهم جدا وقد اعطاني افكارا للتأمل فيها باعتناء!› وفي الحال تسلَّم كتابا مقدسا، مع بعض المطبوعات الاخرى. وبعد اسبوع كتب رسالة فيها العديد من الاسئلة. وسرعان ما كان يُعقد درس في الكتاب المقدس مرتين في الاسبوع.قال الاخ بريزار، مخبرا عن النتيجة: «حتى لو لم يجد ذلك الشرطي اللص، فقد وجدنا نحن خروفا، بلطف يهوه غير المستحق!» وهذا الشرطي السابق هو الآن شيخ في احدى جماعات پوانت أ پيتْر.
ايجاد مكان للمحافل
اذ نمت الهيئة في ڠوادلوپ، كانت هنالك مشكلة يلزم حلُّها. اين يمكننا ايجاد تسهيلات نعقد فيها محافلنا؟ لاكثر من عشر سنوات استخدمنا مدرسة خاصة في پوانت أ پيتْر اضافة الى قاعات احتفالات المدينة في أبيمي وكاپيستير. لكنَّ هذه القاعات صارت اصغر من ان تسعنا. فكان علينا ان نسعى الى الحصول على شيء آخر.
في جوار مصبغة الاخ لالند كانت هنالك قطعة ارض خالية. فتكرّم المالك وجعلها متوافرة لنا مجانا لعقد محفلنا الدائري في اواخر كانون الاول ١٩٦٤. وفي غضون ايام قليلة نصبنا بناء خشبيا من اعمدة مركَّزة في الارض ومجموعة معا في الاعلى بواسطة ألواح خشبية. وفوقها وضعنا قماشا مشمعا كسقف. وكانت الجوانب مفتوحة، مما يسهِّل الوصول الى منطقة الجلوس. وكان فرح الاخوة المحليين واجتهادهم وهم يعملون مصدر تشجيع عظيم لاولئك الشهود الذين اتوا للمساعدة. ويا لها من بركة ان يكون عدد الحضور نحو ٧٠٠ — ذروة جديدة! فكان واضحا اننا بحاجة الى تسهيلاتنا الخاصة للمحافل المقبلة.
وضع الاخوة تصميما لبناء فريد من نوعه، مستخدمين انابيب حديدية للهيكل وألواحا من الالومنيوم للسقف. فكان هنالك مكان يتّسع لِـ ٧٠٠ مقعد. وكانت «قاعة المحافل» بكاملها قابلة للحمل! كان هنالك نحو ٤٥٠ ناشرا في ڠوادلوپ آنذاك، فشعرنا بأنه سيكون هنالك مكان وافر.
استُخدم البناء في البداية لمحفل في جوار باس تير، في كانون الثاني ١٩٦٦. وعندما حان وقت المحاضرة العامة احتشد جمع متحمس من ٩٠٧ اشخاص في قاعة المحافل وحولها للاستماع. فصارت الآن اصغر من اللازم! وفي السنوات التي تلت، كان علينا ان نوسِّعها مرة بعد اخرى.
وغالبا ما كانت تُبرمج المحافل الدائرية لتُعقد في تشرين الثاني، وهو شهر ممطر. وبسبب الطقس الرديء، غالبا ما كان هنالك الكثير من الوحل، وعلمنا انه من الحكمة ان نأتي منتعلين الجزمات. وعادة كان يجري اختيار نهاية الاسبوع التي يكون فيها القمر بدرًا للمحفل
ليتمكن الاخوة من العودة الى البيت ليلا بمساعدة هذه الاضاءة الطبيعية. وقد سهّل نور القمر ايضا عمل تفكيك بعض التجهيزات مباشرة بعد الفترة الختامية من المحفل.ان امكانية نقل قاعتنا وبالتالي عقد محافلنا في اية بقعة من مقاطعتنا كان لها تأثير ممتاز في الكرازة بالبشارة في ڠوادلوپ. وفضلا عن ذلك، زوَّد تركيب وتفكيك هذه القاعة ثلاث مرات في السنة الفرصة ليتعلَّم اخوتنا ان يعملوا معا وينمّوا روح التضحية بالذات. ولا شك في ان بركة يهوه كانت على هذا الترتيب!
طريقة حياة مختلفة
عندما انتقل ارمان ومارڠريت فوستيني من فرنسا الى ڠوادلوپ في السنة ١٩٦٣ للمساعدة في الخدمة، وجدا ان الحياة هنا مختلفة قليلا. وفي بادئ الامر اندهشا عندما كان اصحاب البيوت يصرخون دون المجيء الى الباب: «ادخلوا من فضلكم.» كان الناس فقراء وكان لديهم القليل من المال ولكن غالبا ما كانوا يُسرّون بمقايضة الفاكهة والخُضَر بمطبوعات الكتاب المقدس. وهكذا اذ شرع الاخ والاخت فوستيني في خدمة الحقل، كانا يجدان احيانا انهما يحملان ليس فقط المطبوعات بل ايضا الموز، المنڠا، اليام، والبيض.
جرى تعيينهما للقيام بالعمل الدائري، ويذكر الاخ فوستيني: «رحّب بنا الاخوة بحرارة، ولكن في مسألة الدقة في المواعيد، كان يجب احراز تقدُّم كبير. ففي الريف لم تكن لدى معظمهم ساعة يد وبالتالي كانوا يحدِّدون الوقت بالنظر الى الشمس. ونتيجة لذلك، كان موعد الاجتماعات يتأخر احيانا مدة ساعة. ومع تغيُّر الفصول، كان لدينا المزيد من الأخطاء في التوقيت!»
المساعدة لماري ڠالانت
في السنة نفسها التي وصل فيها الاخ والاخت فوستيني الى ڠوادلوپ، قدِّمت شهادة خصوصية لجزيرة ماري ڠالانت، الواقعة على بعد نحو ٢٥ ميلا (٤٠ كلم) جنوبي پوانت أ پيتْر. فقد قضى الاخ فوستيني مع فريق من ١٦ فاتحا اضافيا شهرا كاملا هناك وهم يشهدون لسكان الجزيرة الـ ٠٠٠,١٤. وعُرض فيلم الجمعية مجتمع العالم الجديد وهو يعمل هناك عدة مرات خلال ذلك الشهر. ثم عُيِّن فاتحون خصوصيون بعد عدة سنوات للشهادة في هذه
الجزيرة. واثنان منهم، فريديريك فردينان وليو جاكلان، ربّيا عائلتيهما هناك.ولإعطاء الدعم للفاتحين الخصوصيين في جزيرة ماري ڠالانت، قرَّرنا ان ننقل قاعة محافلنا الى الجزيرة في نيسان ١٩٦٩ ونعقد محفلا هناك. اخبر ناظر الدائرة، الاخ فوستيني: «كان محفلا فريدا من نوعه. تخيَّلوا دهشة شعب ڠران بور، بلدة صغيرة عدد سكانها ٠٠٠,٦، وهم يشهدون ‹غزو› ألف شاهد نزلوا من ثلاثة مراكب وفي يد كلٍّ منهم صفيحة تحتوي على ٢٠ ليترا من الماء! ففي فترة الجفاف هذه، كانت المياه نادرة وقدَّر سكان الجزيرة ان يجلب زائروهم بعض الماء معهم، موفِّرين بذلك مخزون الصهريج. وكانت هذه هي المرة الاولى التي يرَون فيها مشهدا كهذا — صفا لامتناهيا من الناس ينتقلون من الارصفة عبر البلدة الى موقع المحفل. زار الشهود سكّان الجزيرة بكاملها، وفي بعض الحالات عدة مرات في
الصباح نفسه. وفي غضون ايام قليلة، سنحت لهم الفرصة ليعرفوا هيئة اللّٰه ويقدِّروها.» وهنالك الآن ثلاث جماعات في جزيرة ماري ڠالانت.بعد نحو عشر سنوات اضطر الاخ والاخت فوستيني ان يعودا الى فرنسا. وتمكَّنا لاحقا من العودة الى جزر البحر الكاريبي، والاخ فوستيني هو الآن عضو في لجنة فرع مارتينيك.
الاشتراك في مياه الحق في جزر لا ديزيراد والقديسات
بعد الزيارة الاخيرة التي قام بها مركب الجمعية النور في السنة ١٩٥٦، قلَّما كانت تقدَّم الشهادة في لا ديزيراد، جزيرة اخرى من الجزر التابعة لڠوادلوپ. ولكن في السنة ١٩٦٧، عيَّنت الجمعية ميدار وتورينّا جان-لْوي، وهما فاتحان خصوصيان، للخدمة هناك. كانت الجزيرة التي يبلغ طولها ٧ أميال (١١ كلم) وعرضها ٥,١ ميلا (٤,٢ كلم) قاحلة في الاغلب ودون مياه جارية، لكنَّ ٥٦٠,١ شخصا كانوا يعيشون هناك، وكان يلزم ان يُعطَوا الفرصة لسماع رسالة الملكوت. ومن السنة ١٩٦٩ الى السنة ١٩٧٢ خدم هناك فاتحان خصوصيان آخران. وقد بقي جاك ميرنيون، فاتح خصوصي آخر، من السنة ١٩٧٥ الى السنة ١٩٨٨، على الرغم من الاحوال الصعبة.
وبعد عدة سنوات تأسست جماعة صغيرة. وكان هنري تاليه، وهو طبيب، يخدم مع عائلته هناك في السنة ١٩٨٧. وبمساعدة اخوة عديدين، وخصوصا الذين من مول وسان فرانسوا، نظَّم بناء قاعة للملكوت.
وبعد سنتين دمَّر اعصار هوڠو جزيرة لا ديزيراد. لاحظ احد الاخوة: «تضرَّرت قاعة الملكوت كثيرا. لكنَّ محبة الاخوة هبَّت لنجدتنا، وسرعان ما تسلَّمنا ما كان لازما لإصلاح القاعة وبيوت الناشرين المتضرِّرة. كنا اول مَن بدأوا بالترميم في الجزيرة،
مستمرين في الوقت نفسه في عملنا الكرازي، والناس في المقاطعة لاحظوا ذلك بتأثير مؤاتٍ. ومنذ ذلك الحين يجري قبولنا بشكل افضل عندما نكرز.»على بعد ثمانية اميال (١٣ كلم) من باس تير تقع جزر القديسات التي يبلغ عدد سكانها ٠٠٠,٣. وبحلول ايلول ١٩٧٠ كان قد تعيَّن هناك فاتحان خصوصيان، أميك انڠرڤيل وجان جابيه. وكان يلزم الكثير من الصبر، ولكن اخيرا في السنة ١٩٨٠ تأسست جماعة صغيرة، وهنالك الآن ١٨ ناشرا.
جزيرة سان مارتان تسمع البشارة
ان الجزء الشمالي من سان مارتان، الواقعة على بعد نحو ١٥٥ ميلا (٢٥٠ كلم) شمالي غربي پوانت أ پيتْر، هو ايضا مقاطعة تابعة لڠوادلوپ. ويدير الفرنسيون نصف الجزيرة والنصف الآخر الهولنديون، ولكن عموما يجري التكلم بالانكليزية. ومع ذلك، بصرف النظر عن اللغة التي يتكلمها الافراد، فهم يحتاجون الى سماع البشارة.
في اوائل اربعينات الـ ١٩٠٠ تعلَّم جورج مانويل، احد سكان سان مارتان، الحق وهو في ڠوادلوپ. وفي السنة ١٩٤٩ رسا مركب الجمعية سيبيا على مقربة من سان مارتان للمرة الاولى، ونزل الطاقم للتحدث الى الناس عن الكتاب المقدس. وبعد ذلك، اعتمد جورج دورموا وليونس بوارار، مدير حركة الميناء. وبحلول السنة ١٩٥٣ كان هنالك ستة ناشرين في الجزيرة.
كان بين الذين قبلوا المطبوعات تشارلز ڠامس، رغم انه لم يكن شخصا متدينا كثيرا. ولكنه عندما قرأ برج المراقبة، اقتنع بأنه وجد الدين الحقيقي. واشترك مع اخيه جان وأخته كارمن في ما تعلمه. وبعد ان درست كارمن ڠامس وابنتها ليونيه هودج مدة من الوقت، ذهبتا الى بيت المرسلين الساعة السابعة ذات صباح وطلبتا ان
تعتمدا. واذ تأكد الاخ الموجود هناك انهما تعرفان ما كانتا تفعلان، دعا اخا آخر وأُجريت المعمودية قبل الفطور!لقد فهمتا حقا ما يعنيه الانتذار ليهوه. وفي السنة التالية، ١٩٥٩، انخرطت ليونيه في الخدمة كامل الوقت، وتبعتها امها بعد فترة قصيرة. وبعد خمس وثلاثين سنة، لا تزال هاتان الاختان المسيحيتان الامينتان فاتحتين خصوصيتين.
جماعة في جزيرة سان مارتان
مع مرور الوقت، بدأ عدد كبير من سكان هايتي بالانتقال الى سان مارتان للعمل. فقَبِل بعضهم الحق، وفي السنة ١٩٧٣ تأسست جماعة تتكلم الفرنسية. وقد ساعد فاتحان خصوصيان، جوناداب وجاكلين لالند، في بناء هذه الجماعة حتى ذهابهما الى مدرسة جلعاد.
ثم في السنة ١٩٧٥ كان هنالك حدث شكَّل نقطة تحوّل حقيقية في عمل الملكوت في سان مارتان. ففي ١٣ و ١٤ شباط، عُقد محفل في ملعب ماريڠو لكرة القدم. ونُقلت اجزاء من قاعة محفلنا القابلة للحمل الى هناك بالمركب لتزويد سقف. ترك هذا المحفل انطباعا قويا جدا في ذهن كثيرين من سكان الجزيرة. وساعدهم على التقدير ان حفنة الشهود في جزيرتهم هي جزء من هيئة عظيمة.
وفي غضون سنوات قليلة، ازداد عدد سكان سان مارتان من ٠٠٠,٨ الى ٠٠٠,٢٨ بسبب تطور السياحة. وبُنيت قاعة ملكوت جميلة تتسع لِـ ٢٥٠ مقعدا في مقاطعة ماريڠو السكنية، وهنالك الآن جماعتان تتكلمان الفرنسية في هذه الجزيرة.
بعض المقاومة في جزيرة سان بارتيليمي
ان سان بارتيليمي، الواقعة على بعد ١٣٠ ميلا (٢١٠ كلم) شمالي غربي ڠوادلوپ، هي احدى مقاطعاتها التابعة الاخرى. وقد
ازدهرت ذات مرة بسبب القراصنة الذين استخدموها كمركز لعملياتهم. أما اليوم فهي مركز للعطل المترفة. والسكان، البالغ عددهم نحو ٠٠٠,٥، متحدرون من البحارة البريتانيين والنورمنديين، وكذلك المستوطنين السويديين. انهم شعب يتحلَّى بعادات حميدة؛ يعملون بجِد وهم من الكاثوليك المتدينين. فهل سيقبل بعضهم رسالة الملكوت؟في ايلول ١٩٧٥ انتقل جان وفرنسواز كامبو، زوجان شابان من فرنسا خدما كفاتحين خصوصيين، الى الجزيرة لإعطاء السكان هذه الفرصة. وعلى الرغم من مقاومة رجال الدين الشديدة، زرعا بزور الحق بوفرة خلال السنوات الثلاث التي كانا فيها في الجزيرة. وبعد سنوات، قضى پيير اخو جان، مع زوجته، ميشال، سنتين في جزيرة سان بارتيليمي كفاتحين خصوصيين. وكان عملهما مثمرا. فتأسس فريق صغير للدرس والخدمة، ودعمته في ما بعد اربع اخوات نشيطات، فاتحات خصوصيات: پاتريشا باربيّون (الآن موديتان، فاتحة خصوصية مع زوجها في جمهورية الدومينيكان)، جيراني بينان (الآن ليما، من اعضاء عائلة البتل في ڠوادلوپ مع زوجها)، انجيلين ڠارسيا (الآن كوسي، وهي تخدم المقاطعة الاسپانية في ڠوادلوپ)، وجوزي لانسرتان. ويقدِّم الآن ثمانية عشر ناشرا تقرير النشاط في هذه الجماعة.
المحافظة على الحياد المسيحي
في جميع الامم، شهود يهوه حياديون في ما يتعلق بنزاعات العالم. وبما انهم لا يشتركون في نزاعات كهذه، فهم لا يشتركون في التدريب العسكري. ولا يملي عليهم ايّ انسان ما يجب فعله؛ فهم يطيعون كلمة اللّٰه. (اشعياء ٢:٢-٤؛ متى ٢٦:٥٢؛ يوحنا ١٧:١٦) والالتصاق بهذه الكلمة يعرِّض الافراد من الشهود لامتحانات الامانة.
عندما اعتمد شاب في ڠوادلوپ في اواسط ستينات الـ ١٩٠٠،
علم انه سيواجه قريبا مثل هذا الامتحان. ولتقوية ايمانه انخرط مباشرة في خدمة الفتح الاضافي. وعندما استُدعي الى الخدمة العسكرية، اوضح للسلطات موقفه كمسيحي. فماذا كانت النتيجة؟ وُضع في السجن، وحده في زنزانة. وأُطلقت التهديدات: «انْ لم تغيِّر رأيك، فستبقى في السجن سنتين على الاقل. وفضلا عن ذلك، ستكون وحدك في زنزانة طوال هذا الوقت، ولذلك فكِّر جيدا — وحدك سنتين!» لكنَّ اخانا اجاب: «هذا ما تظنون، لكنني لن اكون وحدي على الاطلاق كما تقولون! فيهوه اللّٰه سيكون معي ويقويني بروحه.» واذ فاجأهم جوابه، تركوه وشأنه. وقد أثَّر فيهم ثباته، هدوؤه، ومسلكه الجيد، ونتيجة لذلك، ابتدأوا يظهرون له الاحترام. وأدركوا ان لا شيء يمكن ان يغيِّر قراره ان يبقى امينا ‹ليهوه الذي له،› بحسب تعبيرهم.مرَّت الشهور، وحان الوقت لمحفل سنة ١٩٦٦ الكوري بمحور «ابناء حرية اللّٰه.» وكم كانت مفاجأة عندما أُطلق سراح هذا الاخ وكان حاضرا في اليوم الافتتاحي! وخلال احدى الفترات روى اختباره. ولم يكن يعرف ان ضابطا في الجيش كان حاضرا في ثياب مدنية. وبعد الفترة صعد الضابط الى الاخ وهنّأه بحرارة لتمسُّكه بثبات بما يؤمن به. واذ التفت الضابط الى اخ آخر كان حاضرا، قال: «كل ما قاله اخوك صحيح تماما؛ كل شيء حصل كما اخبرنا. كنتُ مشمولا بهذه القضية. لديكم هنا رجل ذو قيمة، جدير بالاحترام، امين لإلهه، ثابت في قراره. انه يعرف ماذا يريد، وعندما يقول لا، تكون لا، ولا شيء يمكن ان يغيّر رأيه في ذلك.» ثم اضاف: «هل تعرف ما قالته لي زوجتي؟ قالت: ‹لا تظنوا انكم فعلتم ذلك بملء ارادتكم. كلا، انما الهه، يهوه، هو الذي فعل ذلك له ليتمكن من حضور محفله. الهه يهوه اقوى من الهنا!›» لقد تأثر
الضابط بشكل واضح واختتم بالقول: «انني معجب بكم، ولو سنحت لي في الماضي الفرصة لأعرف ما تعرفونه عن اللّٰه، لما كنت بالتأكيد ما انا عليه الآن.»تحديات جديدة
مع تطور السياحة والتجارة منذ السنة ١٩٧٠، صارت ڠوادلوپ اكثر ازدهارا. وجرت تغييرات في المقاطعة. فانتقل الناس اليها من الجزر الاخرى، وخصوصا من دومينيكا وهايتي. وبحلول كانون الثاني ١٩٨٧ كان من الضروري تشكيل جماعة تتكلم الانكليزية في پوانت أ پيتْر. وفضلا عن ذلك، بدا الناس على عَجَلة اكثر فأكثر. وفي خدمتنا من باب الى باب صار من الضروري استعمال مقدمات مباشرة وفعَّالة لجعل الناس يصغون.
وداخل الهيئة الثيوقراطية كانت هنالك ايضا تغييرات هامة. فبحلول سنة ١٩٧٢، وانسجاما مع ما كان يجري حول العالم بين شهود يهوه، كانت هيئة شيوخ، عوضا عن ناظر واحد، تزوِّد الاشراف في كل جماعة. وقبل ذلك كنا نشير الى «جماعة الاخ فلان الفلاني.» كان نظار الجماعات موضع احترام الجميع وكانت لديهم سلطة كبيرة. ومع ذلك، رحَّب هؤلاء الاخوة بالتغييرات التي جعلت الترتيبات التنظيمية منسجمة بشكل اوثق مع الاسفار المقدسة. وبعد مرحلة الانتقال، اعلن الاخ بريزار: «تأثرنا بالروح البديعة التي اعرب عنها اخوتنا. ولا شك في ان ذلك كان امتحانا للتواضع لكلٍّ منهم. ونحن فخورون بأن نرى انهم جميعا اجتازوه بنجاح.»
ساهمت مدرسة خدمة الملكوت ايضا في تحسين الحالة الروحية في الجماعات. فقد حضر الصف الاول في ڠوادلوپ، في
السنة ١٩٦١، ١٩ شيخا. ولكن بعد ٣٠ سنة عندما اجتمع الشيوخ من الارخبيل بكامله من اجل الارشاد حضر ٣٠٠. وكمعدل، لدى كل جماعة الآن خمسة شيوخ يعتنون بحاجاتها الروحية.لقد اعرب هؤلاء الرعاة الروحيون عن الاهتمام الحبي بالقطيع ليس فقط في الاحوال الطبيعية نسبيا بل ايضا خلال الازمات.
الاحترام لشريعة اللّٰه المتعلقة بالدم
لأن البعض من اعضاء الهيئة الطبية لا يظهرون الاحترام الكافي لحقوق المرضى، واجه شهود يهوه حالات صعبة في جهودهم لإطاعة اعمال ١٥:٢٨، ٢٩) وأراد الشيوخ ان يزوِّدوا مزيدا من المساعدة للشهود الذين كانوا يواجهون ازمة طبية. وهكذا في اوائل السنة ١٩٨٧ اجتمعت لجنة الفرع لمناقشة الحالة مع شاهدين كانا ايضا طبيبين. وصار واضحا انه تلزم اتصالات افضل بالهيئات الطبية. فعُيِّنت لجنة للاهتمام بذلك. ورتبوا لاجتماع مع الاختصاصيين في التبنيج في المستشفى، وأثبت ذلك انه نافع جدا.
مطلب يهوه المتعلق بالامتناع عن الدم. (مع شهود يهوه في معظم انحاء العالم الاخرى، لدى الاخوة في ڠوادلوپ الآن لجان اتصال بالمستشفيات. وجرى تدريب سبعة عشر اخا بشكل جيد لهذه الخدمة في حلقات دراسية تديرها الجمعية.
بركان يهدِّد
شملت ازمات اخرى كوارث طبيعية. ففي السنة ١٩٧٦ صار سوفريير، وهو بركان كان ساكنا لفترة طويلة، ناشطا من جديد. وفي اوائل السنة تكرَّرت الاهتزازات اكثر فاكثر. ونحو الساعة التاسعة صباحا في ٨ تموز انشقّ صدع في جانب الجبل، مطلقا سحابة كبيرة من الغاز والبخار. وابتدأ الرماد البركاني يتساقط على باس تير والقرى المجاورة. وغطّى الغبار الرمادي الناس والارض. وبسبب النشاطات الزلزالية البركانية الكثيفة، امرت السلطات في ١٥ آب بالإجلاء التام والمباشر لِـ ٠٠٠,٧٢ شخص. ولم يكن إلا بعد خمسة اشهر ان سُمح لهم بالعودة الى بيوتهم.
جرى اجلاء سبع جماعات. وزُوِّدت المساعدة الفورية للتأكد ان اخوتنا لديهم مسكن خلال وقت الشدة هذا.
والناشرون الذين اجتمعوا وعملوا معا سابقا صاروا الآن مشتَّتين هنا وهناك. ولتزويد المساعدة الروحية اللازمة، عُقد اجتماع خصوصي مع الشيوخ والخدام المساعدين. وجرى حثهم جميعا على السعي الى ايجاد الناشرين من جماعاتهم والبقاء على اتصال لصيق بهم. وأُجريت الترتيبات الخصوصية لحفظ القطيع من التشتُّت. فكانوا سيحضرون الاجتماعات الجماعية في المنطقة التي يقيمون فيها، لكنَّ الترتيبات صُنعت ايضا ليحضروا درس الكتاب الجماعي المؤسس خصوصا لهم والذي يشرف عليه شيخ او خادم مساعد من جماعتهم الاصلية. وأثبت ذلك انه بركة حقيقية. فلم يُفقد ايّ خروف!ليلة مرعبة
بعد ثلاث عشرة سنة حلَّت ازمة اخرى. فيوم السبت في ١٦ ايلول ١٩٨٩، ضرب اعصار هوڠو دون رحمة ڠوادلوپ. لم تكن هذه هي المرة الاولى التي فيها دمّر اعصار الجزيرة. ففي السنة ١٩٦٦ اقتلع اعصار اينِز سقوف معظم البيوت الخشبية، وتوقفت الطاقة الكهربائية عن العمل لمدة شهر. لكنَّ ما حدث في السنة ١٩٨٩ كان اكثر تدميرا بكثير. فالرياح العاصفة، التي بلغت سرعة بعضها اكثر من ١٦٠ ميلا في الساعة (٢٦٠ كلم/سا)، ضربت الجزيرة لساعات. وبدا ان الليل لن ينتهي ابدا. وعندما بزغ الفجر اخيرا، كان المشهد صاعقا. فقد بدت الشوارع كساحات معارك تبعثر فيها الحطام. وكان نحو ٠٠٠,٣٠ بلا مأوى. وبين الشهود دُمِّر ١١٧ بيتا، وتضرَّر بشكل فادح ٣٠٠ بيت آخر. ودُمِّرت جزئيا ثماني قاعات، وتضرَّرت ١٤ قاعة اخرى.
وعندما تسبَّب اعصار اينِز بالدمار في السنة ١٩٦٦، جلب شهود يهوه من پورتو ريكو، مارتينيك، ڠِييانا الفرنسية، وسانت كروا مؤن الاغاثة. ولكن عندما دمّر اعصار هوڠو ڠوادلوپ في السنة ١٩٨٩، وفّرت الهيئة الحاكمة فورًا اموالا للاغاثة. وسرعان ما زوَّد الاخوة من مارتينيك، فرنسا، وأماكن اخرى ما يلزم من الطعام، اللباس، والمواد لإعادة البناء. وأتى البعض شخصيا لتقديم المساعدة. وقد تأثَّر الاخوة والاخوات في ڠوادلوپ بعمق بفيض المحبة هذا. ولم ينسَوا ما صُنع لأجلهم.
وقوَّت احداث اخرى ايضا روابط الاخوَّة الاممية.
المحفل الاممي الاول
في السنة ١٩٧٨ حصل الناشرون في ڠوادلوپ على الامتياز العظيم لإضافة محفل اممي. وبلغت ذروة عدد الحضور ٢٧٤,٦، وكان ذلك في وقت كان لدينا ٦٠٠,٢ شاهد محلي فقط. وكم كان مفرحا ان نرحّب بمندوبين من بلجيكا، سويسرا، كندا، الولايات المتحدة، وأماكن اخرى! وعندما اقترح مدير فندق ان يزيد الاخوة المسؤولون عن المنامة اجرة الفندق ١٠ في المئة وأن يُعطى هذا المبلغ لهم، رفض الاخوة، موضحين ان ذلك عدم استقامة. فشعر المدير بالخجل لتقديمه الاقتراح وقال: «انتم يا شهود يهوه مختلفون
حقا. لقد قدَّمتُ هذا الاقتراح لأنه سبق ان وافقَت عليه فرق دينية اخرى . . . لكنكم مختلفون حقا!»ان نجاح هذا المحفل اوضح اكثر الحاجة الملحة الى ايجاد موقع دائم لمحافلنا.
قاعة محافل جديدة
وُسِّعت قاعة محافلنا القابلة للحمل مرات عديدة. وصارت مجموعةً من الانشاءات التي تزن نحو ٣٠ طنا، وتسع مقاعد لنحو ٠٠٠,٥ شخص. وكانت مهمة هائلة ان تُنقَل، تُنصَب، وتُفكَّك عند كل محفل. ولكن من الواضح ان يهوه كان يعرف حاجاتنا.
بالتقدمات السخية لكل الجماعات في هذه الجزر، جرى شراء قطعة ارض، موقعها ملائم، تزيد مساحتها على ١٣ أكرا (٥ هكتارات). وفي السنة التالية، ١٩٨٠، استعملنا الموقع الجديد للمرة الاولى — وأيضا بقاعة محافلنا القابلة للحمل. وفي هذه المناسبة، في محفل «المحبة الالهية» الكوري، بلغ عدد الحضور ذروة جديدة من ٠٤٠,٧. ولكن هذه المرة لم يكن من الضروري تفكيك كل شيء عقب الفترة الاخيرة. فيا لها من راحة!
استُخدِم هذا الترتيب الجديد عدة سنوات. ثم ادركنا انه حان الوقت لبناء شيء يدوم اكثر. فشرع اخوة اكفاء في العمل، وصمِّمت قاعة فسيحة، قاعة مفتوحة الجوانب للتهوية الطبيعية. وكانت قاعة المحافل الجديدة ستصير نصف دائرية، بمقاعد لِـ ٠٠٠,٤. فجرى الحصول على رخصة البناء، وبوشر العمل في السنة ١٩٨٧. وبحلول تموز، بعد ستة اشهر من ابتداء العمل في موقع البناء، كان
قد أُكمِل ثلثا المشروع وتمكنَّا من استعماله لمحفلينا الكوريين في تلك السنة. ومن ذلك الحين فصاعدا، لم يعد هنالك وحل ولا جزمات!تغييرات في الفرع
فيما كان كل ذلك يجري، كانت تحدث تغييرات في مكتب الفرع. ففي كل انحاء العالم، تغيّر الاشراف في شباط ١٩٧٦ في فروع الجمعية. وعوضا عن ان يكون هنالك ناظر رئيسي واحد في كل فرع، صُنعت الترتيبات للجنة من ثلاثة اعضاء او اكثر للاعتناء بهذه المسؤولية تحت اشراف الهيئة الحاكمة. وفي ڠوادلوپ، عُهِد في مسؤولية الاشراف هذه الى نيكولا بريزار، پيير يانكي، وجان-پيير ڤيتشيك. وعندما وجد الاخ ڤيتشيك، الذي كان مرسلا، انه من الضروري ان يعود الى فرنسا، حلّ محلّه فلاڤيان بينان. ثم دعي پول انڠرڤيل، وفي ما بعد جان كامبو، ناظر دائرة، للخدمة في لجنة الفرع.
والتقدم التقني الذي أُحرِز في المركز الرئيسي العالمي وفي مختلف الفروع افاد ايضا ڠوادلوپ. فمجلة برج المراقبة المعدَّة للدرس جرى تسلّمها في آن واحد مع الاخوة في بلدان اخرى. وطُبعت خدمتنا للملكوت بالفرنسية في الوقت نفسه كالانكليزية. وهكذا بمختلف الطرائق شعرنا بأننا موحَّدون اكثر مع باقي الهيئة. ورغم اننا موجودون في جزر قليلة وسط البحر، لا نشعر بأننا منعزلون. فنحن نخدم ‹باتحاد› مع اخوتنا المسيحيين. — اشعياء ٥٢:٨.
مقرّ ملائم لفرع ينمو
في السنة ١٩٦٦ اشترت الجمعية بيتا في ٤٦ مورن اودول، على مقربة من پوانت أ پيتْر، ليخدم كمكتب فرع. وجرى توسيعه لاحقا
بتشييد مبنى آخر بجوار البيت، مبنى شمل مكاتب ومخزنا للمطبوعات بالاضافة الى قاعة للملكوت. ولكن بالنظر الى الزيادة في عدد مسبحي يهوه في ڠوادلوپ، لزم شيء اكبر. وهكذا في نهاية السنة ١٩٨٨ وافقت الهيئة الحاكمة على بناء بيت ايل ومكتب فرع جديدين كليا.لكنَّ ايجاد عقار مناسب في جزيرة صغيرة مثل ڠوادلوپ انما هو تحدٍّ. إلّا ان يهوه، مالك الارض، يمكنه تزويد ما يلزم، وقد فعل ذلك. فتمكنَّا من الحصول على قطعة ارض مساحتها نحو ٥,٢ اكر (١ هكتار) على تلة تطل على البحر في سانت آن. وزوَّد مكتب البناء التابع للجمعية في نيويورك الرسوم التمهيدية والطبعات الزرقاء. وميشال كونُوُو، مهندس معماري فرنسي، زوَّد العون القيِّم. وقد جرت الموافقة على البناء بسرعة فائقة، بفضل رئيس بلدية سانت آن، المجلس البلدي المحلي، ومكاتب التخطيط للمدينة.
بدأ عمل البناء في ايلول ١٩٩٠. واشترك متطوعون من ١٤ بلدا في معرفتهم وخبرتهم وساعدوا في العمل. وفي غضون سنتين لم يُكمل عمل البناء فحسب بل تشكَّلت ايضا روابط صداقة متينة بين الشهود في ڠوادلوپ والمتطوعين من البلدان الاخرى الذين عملوا معهم جنبا الى جنب. وفي السنة ١٩٥٤، عندما كان مِلتون هنشل حاضرا لإعلان تشكيل فرع ڠوادلوپ، كان هنالك ١٢٨ ناشرا هنا. وكان ايضا حاضرا في ٢٩ و ٣٠ آب ١٩٩٢ — عندما كان عدد الناشرين في تقريرنا ٨٣٩,٦ — لتدشين تسهيلات فرعنا الجديدة الرائعة وتخصيصها ليهوه اللّٰه. وبروح ودية دعا جيراننا ذلك «قرية شهود يهوه الصغيرة.»
مقاطعتنا، تحدٍّ
ان المقاطعة المحدودة في ڠوادلوپ هي تحدٍّ يجب ان يقبله كل ناشر. وكمعدل، لدينا ١٢ بيتا فقط لكل ناشر. فكيف نعالج هذا الوضع؟ الاستعداد ضروري. توضح اخت فاتحة: «اجعل الناس يعتادون رؤيتي. ولا ازال اجد دروسا جديدة بالتفكير مليا في مقاطعتي. فأنا افكِّر فيها وكأنها مؤلفة من افراد.» ويقول ناظر خدمة في احدى جماعات پوانت أ پيتْر، حيث النسبة هي ناشر واحد لكل ٢٨ من السكان: «الناس على استعداد للاصغاء فقط اذا كان لدينا شيء مثير للاهتمام لنقوله.» ورغم ان الناشر يسأل احيانا: «اين سنكرز؟» يشجعنا عدد دروس الكتاب المقدس المتزايد على الدوام (الآن اكثر من ٥٠٠,٨) على مواصلة الكرازة بالبشارة.
والاستعمال المباشر للكتاب المقدس عامل رئيسي في فعَّالية خدمتنا. والناس عموما في ڠوادلوپ يحترمون الكتاب المقدس بصفته كلمة اللّٰه المكتوبة، ويتأثرون عندما نظهر لهم كيف يشرح الحوادث الجارية. والاستعمال الفعَّال للايضاحات يشجع الناس ايضا على التفكير. ولاخوتنا وأخواتنا المسنين خصوصا خيال واسع في هذا المجال. فطريقة الحياة هنا عندما كانوا شبانا كانت تشجِّع على التأمل في الطبيعة. ولذلك يمكن ان يوضحوا رسالة الملكوت بالاشارة الى الاشياء الطبيعية حولهم، كما فعل يسوع. — متى ٦:٢٥-٣٢.
اجمل من ايّ وقت مضى
انجز يهوه امورا عظيمة في ڠوادلوپ بواسطة روحه. فقد وجد اناسا متواضعين، كطين الخزاف الطيّع، لم يرفضوا ان يصاغوا حجي ٢:٧) ففي السنة ١٩٦٨، بعد ثلاثين سنة من وصول سيريل ونستون الى ڠوادلوپ، اخبر تقريرنا عن ٠٠٠,١ ناشر للمرة الاولى. وبحلول السنة ١٩٧٤ تضاعف هذا الرقم. وفي السنة ١٩٨٢ بلغنا الرقم ٠٠٠,٣. والـ ٠٠٠,٣، بعد سبع سنوات، صاروا ٠٠٠,٦. واليوم، يجتمع اكثر من ٢٥٠,٧ ناشرا في ٨٦ جماعة. ومع ان النسبة هي ناشر واحد الى كل ٥٣ من السكان، لا نزال مصمِّمين على البقاء مشغولين في الكرازة والتعليم، ناظرين الى يهوه من اجل بركته. لقد صارت «جزيرة المياه الجميلة،» بمعنى روحي، اجمل من ايّ وقت مضى. ولا شك في ان اشخاصا اكثر سيلبُّون بعدُ الدعوة «تعال» وسيأخذون «ماء حياة مجانا.» — رؤيا ٢٢:١٧.
بحسب مشيئته. وفي هذا اليوم، يوم يهوه ‹لزلزلة› كل الامم برسائل دينونته، يجمع ايضا «المشتهى» ويدخلهم في الدار الارضية لهيكله الروحي العظيم. ([الحاشية]
^ الفقرة 23 قارنوا اعمال ٢:٤١، التي تخبر عن معمودية نحو ٣٠٠٠ شخص، ليس في نهر الاردن على ما يتضح — الامر الذي كان سيتطلب من المرشحين للمعمودية مسيرة نحو ٢٠ ميلا (٣٠ كلم) ذهابا — انما في برك في اورشليم او قربها.
[الخريطة في الصفحة ١١٦]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
ڠوادلوپ
ڠراند تير
باس تير
پونت أ پيتْر
[الخريطة في الصفحة ١٥١]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
ڠوادلوپ
سان مارتان
سان بارتيليمي
لاديزيراد
جزر الارض الصغيرة
جزر القديسات
ماري ڠالانت
[الصورة في الصفحة ١٢٠]
كونداي بوشان، احد اوائل الذين اصغوا بتقدير الى البشارة في ڠوادلوپ
[الصورة في الصفحة ١٢٣]
زوج نويما ميسودان (الآن اپورو) كان يأتي الى البيت متأخرا؛ فتبعته — الى اجتماع لتلاميذ الكتاب المقدس!
[الصورة في الصفحة ١٢٤]
رينيه سايي يعمّد شهودا جددا في سنة ١٩٤٥
[الصورة في الصفحة ١٢٥]
اولڠا لالند في محفل في فرنسا، يقدِّم تقريرا عن العمل في ڠوادلوپ
[الصورة في الصفحة ١٣٠]
سمع دوڤِرڤول نستور الحق للمرة الاولى ثم قبله وهو في المستشفى
[الصورة في الصفحة ١٣١]
جورج موستاش كان يشهد يوميا وقت الظهر في مكان استخدامه
[الصورة في الصفحة ١٣٣]
جماعة باس تير في اواخر خمسينات الـ ١٩٠٠
[الصورة في الصفحة ١٣٦]
باص ملآن بالناشرين متوجِّه الى خدمة الحقل في الريف
[الصورة في الصفحة ١٣٨]
مرسلون في مركب «النور» يشتركون بغيرة في اعطاء شهادة
[الصورة في الصفحة ١٣٩]
نيكولا وليليان بريزار أُرسلا اولا الى ڠوادلوپ من فرنسا، في السنة ١٩٥٥
[الصورة في الصفحة ١٤١]
فلورا پيمبا، التي اخذت موقفها الى جانب يهوه في وجه المحنة الشديدة
[الصورة في الصفحة ١٤٢]
من اليسار الى اليمين: ميكاييلّا ودونا تاسيتا، مع مارك إدرو، في السنة ١٩٩٤
[الصورة في الصفحة ١٤٣]
ڤِرناي أندريمون، احد الـ ١٩ مندوبا من ڠوادلوپ في المحفل الاممي في السنة ١٩٥٨
[الصورة في الصفحتين ١٤٦ و ١٤٧]
قاعة محافل ڠوادلوپ القابلة للحمل
[الصورة في الصفحة ١٥٠]
ارمان ومارڠريت فوستيني، اللذان خدما طوال ١٠ سنوات في ڠوادلوپ؛ الآن في مارتينيك
[الصورتان في الصفحة ١٥٨]
اكثر من ١٠٠ سنة من العمر؛ تخدم كل واحدة منهما يهوه لأكثر من ٣٠ سنة
لوراينشا جان-لْوي
كاثرين ڠامس
[الصور في الصفحة ١٦١]
قاعة محافل في لامنتان
[الصورتان في الصفحة ١٦٢]
مكتب الفرع وعائلة البتل في ڠوادلوپ
[الصورة في الصفحة ١٦٧]
لجنة الفرع (من اليسار الى اليمين): پول انڠرڤيل، نيكولا بريزار، پيير يانكي، جان كامبو