موزَمبيق
موزَمبيق
«فليكن معلوما لديكَ يا شيلوليه: هذه موزَمبيق، ولن تصيروا ابدا شرعيين في هذا البلد. . . . انسوا الامر!» عندما قال ذلك شرطة الدولة للتحقيق والدفاع (PIDE) التي لم تعُد موجودة الآن لأحد شهود يهوه، كان الحكم الاستعماري الپرتغالي لموزَمبيق في اوجِه. وكانت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية تسود دون منازع.
لكنَّ شهود يهوه لم يتوقفوا عن المجاهرة بإيمانهم بيهوه، ولم يتوقفوا عن اخبار الآخرين بقصده الحبي. وتاريخهم في موزَمبيق يقدِّم ابلغ برهان على نوعية تعبُّدهم ليهوه. فقد قوَّتهم ثقتهم بمحبة اللّٰه وابنه، المحبة التي وصفها الرسول بولس عندما كتب: «مَن سيفصلنا عن محبة المسيح. أشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف. كما هو مكتوب اننا من اجلكَ نُمات كل النهار. قد حُسبنا مثل غنم للذبح . . . اني متيقن انه لا موت ولا حياة . . . ولا رؤساء . . . ولا امور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة اللّٰه التي في المسيح يسوع ربنا.» — رومية ٨:٣٥-٣٩.
ان تاريخ خدام يهوه في موزَمبيق هو سجل شعب كان غنيا بإيمانه الراسخ حتى عندما جُرِّد من كل ممتلكاته المادية. فقد رأوا الدليل على محبة اللّٰه لهم، وكانت لديهم محبة شديدة بعضهم لبعض. ولكن قبل ان نتأمل في هذا التاريخ، دعونا نلقي نظرة على هذا البلد.
جماله وميزاته
تمتد موزَمبيق، التي يُقدَّر عدد سكانها بـ ٠٠٠,٤٠٠,١٧، على طول نحو ٥٥٠,١ ميلا (٥٠٠,٢ كلم) على ساحل جنوب شرقي افريقيا. المناخ مداري من حيث الاساس، وهي تنتج ما تنتجه المناطق المدارية — جوز الهند، الاناناس، الأكاجو، المنيهوت، وقصب السكر. والطعام البحري هو ايضا جزء بارز من الغذاء.
سكان موزَمبيق هم في معظمهم شعب سعيد، ودّي، ويحب الحياة. وقد برز بينهم رياضيون اشتهروا عالميا. وهؤلاء الرياضيون قليلون طبعا. ولكن هنالك اكثر من ٠٠٠,١٩ آخرين يربحون سباقا يشمل قيما مختلفة. هؤلاء هم شهود يهوه، الذين يعود تاريخهم في موزَمبيق الى سنة ١٩٢٥.
بزور الحق تتأصل
في تلك السنة، سمع بشارة ملكوت اللّٰه ألبينو ميليمبي، موزَمبيقي يعمل في مناجم جوهانسبورڠ، جنوب افريقيا. فتأصلت بزور حق الملكوت في قلبه، وسرعان ما اعتمد. وعندما عاد الى موطنه، ابتدأ يكرز لأعضاء كنيسته السابقة، الارسالية السويسرية، في ڤيلا لويزا (الآن مارّاكوينيه)، مقاطعة في اقصى جنوب موزَمبيق. وكان الافريقيون المهتمون حديثا غيورين جدا وغالبا ما كانوا يسافرون ٢٠ ميلا (٣٠ كلم) للوصول الى الاجتماعات. وجرى تشكيل فرق جديدة، بما فيها فريق في لورَنسو ماركيس، الآن ماپوتو.
وفي الوقت نفسه تقريبا كان عمل الكرازة برسالة الكتاب المقدس يبدأ في الشمال. كان ڠرِشِم كوازيزيرا، افريقي في نياسَلَند (الآن ملاوي)، قد درس كتاب قيثارة اللّٰه بمساعدة جون وإستِر هادسون، من جنوب افريقيا. وفي سنة ١٩٢٧ انتقل ڠرِشِم برفقة بيلياتي كاپاسيكا الى موزَمبيق بحثًا عن عمل. فدخلا البلد عن طريق منطقة ميلاندْجي ثم تابعا جنوبا الى اينيامينڠا، سوفالا. وهناك وجدا كلاهما عملا في السكة الحديدية ترانس-زامبيزيا.
ووجدا ايضا في اينيامينڠا جماعة تنتمي الى حركة تدعو نفسها برج المراقبة وقسيسها، روبنسون كاليتِرا. وعندما سمع كاليتِرا بالتعاليم المؤسسة على الكتاب المقدس في قيثارة اللّٰه، استنارت عيناه. وإذ علم انه كان على خطإ، ابتدأ مع جماعته بكاملها بمعاشرة هيئة يهوه.
الحقل الاوروپي ينال الانتباه
سنة ١٩٢٩ وصل اول شاهدين اوروپيين، هنري وإيدِث ميردِل، الى لورَنسو ماركيس من جنوب افريقيا وابتدأا يشهدان للسكان الپرتغاليين. وبعد اربع سنوات انضم اليهما زوجان من عائلة دي ياڠِرس. فنُثرت بزور كثيرة لحق الكتاب المقدس نتيجة لانتقالهما.
بعدئذ، في سنة ١٩٣٥، قام فاتحان آخران، فرِد لُديك ودايڤيد نورمان، بزيارة لورَنسو ماركيس. وأقاما مع عائلة ميردِل. ولكن في اليوم الخامس من خدمتهما اعتقلهما فجأة البوليس السري في بيت ميردِل، اركبوهما في بلاك ماريا (شاحنة كانت تُستخدم لنقل المجرمين)، وأخذوهما الى رسمي عالي الرتبة، السيد تايشايرا. وعندما اعلن دايڤيد بجرأة انه يعرف ان الاسقف هو وراء المؤامرة بكاملها، قفز السيد تايشايرا وصرخ: «لو كنتما من رعاياي لنفيتكما فورا الى جزيرة ماديرا،
ولكن لأنكما من جنوب افريقيا سأرحِّلكما في الحال!» وفي ذلك اليوم عينه رافقتهما الى الحدود عربتان من رجال الشرطة المسلَّحين بأسلحة ثقيلة. ولكن عندما وصلوا الى الحدود، شهد الاخَوان لحرَّاسهما من الشرطة، قدَّما لهم المطبوعات، وصافحا كلًّا منهم قبل متابعة رحلتهما.مواجهة امتحانات عسيرة
تعلَّم جانِرو جون ديديه، مزارع افريقي متواضع، الحق سنة ١٩٣٩ في اينيامينڠا. وعند عودته الى موطنه موتارارا، اشترك في الحق مع اقربائه، الذين كانوا اعضاء في فريق ديني يمارس تعدُّد الزوجات. وصار فاتحا خصوصيا، وخدم اثنان من اخوته الجسديين، انطونيو وجْواو، كفاتحَين قانونيَّين. ولكن، في سنة ١٩٤٦، اعتُقل جانِرو وأُرسل الى تيتي، حيث أجبر على تنظيف المراحيض للسكان الاوروپيين طوال اربع سنوات. ثم نُقل الى السجن المركزي في بيرا، ومن هناك نُقل الى لورَنسو ماركيس بطريقة غريبة ووحشية على السواء. فقد أُرسل بالقارب في صندوق ملآن بالماء المالح، وكان رأسه فقط مكشوفا. وعندما وصل الى لورَنسو ماركيس، خرج عريانا؛ فثيابه كانت قد تحلَّلت. فأعطي كيسا ليتغطى. وعند محاكمته أُمر ان يهجر دينه وإلهه، ولكنه اجاب كما اجاب رسل يسوع المسيح: «ما يهمّ هو اطاعة اللّٰه اكثر من الناس.» — اعمال ٥:٢٩.
بعد المحاكمة وُضع جانِرو في زنزانة منعزلة داخل صندوق خشبي صغير فيه مجرد فتحة صغيرة كانت تُدخَل من خلالها يوميا قطع من الفاكهة. وعندما أُخرج بعد اسبوع، لم يقوَ فعليا على الوقوف. ومع اخَويه الجسديَّين، انطونيو وجْواو، جرى ترحيله الى سان توميه وپرنسيپي لقضاء مدة عقوبة تبلغ سبع سنوات. وفي غضون هذا الوقت ساعد هؤلاء الاخوة من عائلة ديديه على تشكيل جماعة في هاتين الجزيرتين
لحجز المجرمين. وعندما علم پورتوڠال ديديه الذي كان في جنوب افريقيا بترحيل اخوته، عاد الى موتارارا للاهتمام بالجماعة حتى اطلاق سراحهم من مستعمرة حجز المجرمين.وماذا عن اولئك الشهود في الجنوب؟ تحت الاضطهاد القاسي برهنوا هم ايضا انهم شهود اولياء. وبينهم كان ألبينو ميليمبي، الذي كان آنذاك متقدما في السن. وفي سنة ١٩٥٧ جرى ترحيله ايضا مع آخرين من لورَنسو ماركيس الى سان توميه، لكنهم استمروا في الشهادة. ورغم ان سيونال تومو أُطلق سراحه من سان توميه بعد سنتين، فقد أُعيد نفيه، وهذه المرة الى مِكونتا، في مقاطعة نامپولا. ومات هناك، ولكنه ترك وراءه جماعة تشهد على خدمته.
«سأكون راعيا لرعية اللّٰه»
هكذا اجاب كالڤينو ماشِيانا عندما سأل استاذه الصف ماذا يريدون ان يكونوا عندما يكبرون. وفي ما بعد شهد له في جوهانسبورڠ زميل سابق في المدرسة. ولكنه لم يقطع اخيرا صلته بالكنيسة الارسالية السويسرية حتى عودته الى لورَنسو ماركيس سنة ١٩٥٠. وعندما اقدمَت شرطة الاستعمار، الـ PIDE، على اعتقال وترحيل الاكثر خبرة في الفريق، صار الباقون يفتقرون الى الاشراف.
وبفضل العناية الالهية، اتت نيلّي مُهلونڠو، من جنوب افريقيا، لزيارة اقرباء لها في الجوار حيث يقيم ماشِيانا. فعلم ماشِيانا انها من شهود يهوه وأخبرها عن المهتمين في المنطقة. فجمعتهم معا وابتدأت فريقا لدرس الكتاب المقدس. اشترك ستة اشخاص في فريق الدرس هذا. وطلبت الاخت مُهلونڠو من ماشِيانا ان يدير الفريق، ولكنه رفض قائلا: «انا لست معتمدا.» فأجابت: «انا هنا مجرد زائرة. وعندما اغادر يجب ان تأخذ القيادة.» وهكذا صار ماشِيانا «راعيا لرعية اللّٰه» بشكل اسرع مما كان يتوقع.
‹يا زونڠوزا، . . . عد الى بلدك›
في سنة ١٩٥٣ ترك الشاب فرانسيسكو زونڠوزا بلدة بيرا الى كايپ تاون، جنوب افريقيا. وكان يهدف الى نيل منحة ليدرس الطب في لندن. وكان في حقيبته كتاب الاولاد، الذي كان احد اصدقائه قد اهداه اليه. فأقام في پريتوريا عند عائلة انڠليكانية رأته ذات يوم يقرأ الكتاب وسألته عما اذا كان من شهود يهوه. فأجاب بالنفي لكنه كان يقرأ الكتاب فقط. لكنَّ العائلة رتَّبت له ان يتَّصل بواحد من شهود يهوه ابتدأ آنذاك يدرس معه. وقد اعتمد بعد وصوله الى جنوب افريقيا بسنتين.
يتذكر الاخ زونڠوزا انه نال المشورة التالية من الاخوة الناضجين في الجماعة: «يا زونڠوزا، من الافضل ان تعود الى موزَمبيق بلدك وتعمل هناك. انت الآن معتمد. فلماذا تسعى وراء امور اخرى؟ انها لا تستأهل ذلك.» (قارنوا رومية ١١:١٣؛ فيلبي ٣:٧، ٨؛ ١ يوحنا ٢:١٥-١٧.) فقبل الاخ زونڠوزا هذه المشورة وعاد دون تردُّد الى لورَنسو ماركيس، حيث انضم الى الفريق الصغير الموجود هناك. وبعد مدة من الوقت تزوج وصارت هيئة يهوه تستخدمه كثيرا مع زوجته پولينا في العمل الجائل في كل انحاء موزَمبيق. وقد اجتازت محبته للّٰه امتحانات احتمال عسيرة. وبقي امينا على الرغم من ١٤ سنة من السجن، معسكرات الاعتقال، وتحت الحظر الحكومي. لذلك يمكن ان نفهم لماذا يحبه الاخوة في موزَمبيق ويقدِّرونه كثيرا. وكما يقول الاخ زونڠوزا، «جيد انني عدت الى بلدي.»
محاولات للحصول على الاعتراف الشرعي
بسبب الاهتمام بالاضطهاد والترحيل اللذين قامت بهما حكومة الاستعمار، ارسل مكتب فرع جنوب افريقيا سنة ١٩٥٤ الى موزَمبيق ملتون بارتلِت، احد خرِّيجي مدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس. وخلال اقامته التي دامت مجرد ايام قليلة، تمكَّن من التكلم
مع القنصل الاميركي ورسمي پرتغالي عالي الرتبة، فأوصياه ان يقدِّم طلبا للحاكم العام من اجل الاعتراف الشرعي. لكنَّ الرسمي قال انه بسبب اتفاقية الحكومة مع الڤاتيكان، حتى ولو مُنح شهود يهوه درجة من الحرية فلن تكون لديهم الحرية التي تتمتع بها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.جرت ملاحقة هذه الزيارة في السنة التالية عندما زار جون كوك، خرِّيج آخر لجلعاد، القنصل البريطاني في موزَمبيق. ورغم ان القنصل كان وديًّا، فقد ذكر ان الكاردينال الكاثوليكي هاجم في الصحافة كل اشكال الپروتستانتية. وأضاف القنصل ايضا ان شرطة الامن كانت تعتبر شهود يهوه خطرين. وفي الختام عبَّر عن الرأي انه بين كل «الشِّيَع،» اذا اردنا ان نستعمل عبارته، لدى الشهود اضعف احتمال ان ينالوا الاعتراف الشرعي.
ومع ذلك، اثمرت زيارة الاخ كوك. فقد استطاع ان يعود لزيارة شاب پرتغالي مهتم اسمه پاسكْوال اوليڤيرا. وكان پاسكْوال قد تعرَّف بالحق منذ سنوات قليلة في لِشبونة. فجرى الترتيب للدرس معه ومع والدَيه. ولاحقا نذر پاسكْوال نفسه ليهوه.
في سنة ١٩٥٦ ابتدأ فرع نياسَلَند، الذي كان آنذاك يهتم بالعمل في موزَمبيق، بإرسال فاتحين خصوصيين عبر الحدود للكرازة في قرى المنطقة الشمالية. وأتى آخرون ايضا ليخدموا حيث هنالك حاجة في موزَمبيق، وكان تأثيرهم ملحوظا بشكل خصوصي في المناطق الحدودية.
عودة المنفيين
بعد مدة من الوقت عاد جانِرو ديديه وأخَواه من سان توميه. وكانوا قد استطاعوا ان يكرزوا بحرية في سان توميه، ولكن عند عودتهم الى الموطن، ضُربوا وقيل لهم ان يتوقفوا عن ايّ نشاط للكرازة وإلا فسيُرحَّلون من جديد دون عودة على الاطلاق. كم يشبه ذلك طريقة اعمال ٥:٤٠-٤٢.
معاملة السنهدريم اليهودي لرسل يسوع المسيح! —لم يدَع جانِرو وأخَواه هذه التهديدات توقفهم عن خدمة يهوه. ففي آذار ١٩٥٧ عُيِّن جانِرو فاتحا خصوصيا، ولاحقا خدم اكثر من عشر سنوات كناظر دائرة في معظم انحاء البلد.
شهادة طوال الليل
استمر المهتمون حديثا في الانضمام الى الفريق في لورَنسو ماركيس. وأحد البيوت التي كان يُعقد فيها درس هو بيت إرنستو شيلوليه، رجل موزَمبيقي. وكان انطونيو لانڠا يسكن هناك ايضا. ولأن لانڠا كان من خلفية كاثوليكية، سأل عن النقاط العقائدية وطلب البراهين، وخصوصا في ما يتعلق بالثالوث. فخاف الفريق ان يُبلِغ عنهم الـ PIDE (Polícia de Investigação e Defesa do Estado). لكنَّ لانڠا كان لديه اهتمام مخلص بالحق واستمر في الاصغاء الى الدرس من خارج البيت، مختبئا على الدرج. وعلى اساس ما سمعه، استنتج ان هذا هو الحق.
وذات يوم اهدى احد الاخوة الى لانڠا كتاب «ليكن اللّٰه صادقا.» وعند عودته من العمل الى البيت في اليوم التالي، ابتدأ لانڠا يقرأ الكتاب عند الساعة الثانية بعد الظهر ولم يتوقف حتى وصل الى النهاية عند الساعة الثانية صباحا! ثم ابتدأ يحضر الاجتماعات قانونيا وأصرَّ ان يقرأ صديقه شيلوليه الكتاب ايضا لكي يستطيعا ان يبدأا بالكرازة.
فاختارا كمقاطعة لهما فرق الصهيونية الروحانية (مازيون) في المناطق النائية من لورَنسو ماركيس. وفي الليل عندما كانت هذه الفرق تجتمع من اجل طقوسها على اصوات الطبول، الرقص، الشرب، والموسيقى، كان هذان الاخَوان يذهبان اليهم، وبعد ان يأذن لهما قائد الفريق يقدِّمان خطابا قصيرا. وكثيرا ما كانا يعودان الى البيت عند الفجر. فيا لها من غيرة في نشر ايمانهما الجديد!
المعمودية في لورَنسو ماركيس
عندما وصل عدد الفريق الذي يقدِّم تقريرا عن خدمة الحقل الى ٢٥، كُتبت رسالة الى فرع جنوب افريقيا طلبا لمجيء ممثل ليعمِّد الجدد. والجواب الذي وصل اشار انه يجب ان يهتم الاخ زونڠوزا نفسه بذلك. وفي اجتماع عُقد في موقع سريّ، في ٢٤ آب ١٩٥٨، اعتمد ١٣ شخصا — اول المعتمدين في لورَنسو ماركيس. وكان في هذا الفريق كالڤينو ماشِيانا، إرنستو شيلوليه، وأنطونيو لانڠا مع زوجاتهم، بالاضافة الى پولينا زونڠوزا.
في سنة ١٩٥٩، بعد ان انتقل الاخ زونڠوزا الى بيرا، استدعت الـ PIDE الاخ شيلوليه. فقد كانوا يصادرون بريده ويقرأونه. وجرى استجوابه طوال فترة الصباح. وبعد الظهر، ذهب شرطيون الى بيته وصادروا كل مطبوعاته. والاخوة والمهتمون الذين رأوا اللاند روڤر الخاص بالشرطة عند بيت شيلوليه خافوا ان يُعتَقلوا جميعا. ومن المدهش انه بعد اسبوع أُعيدت الكتب كلها. وهذا كان التشجيع اللازم للفريق.
زيارات في حينها تزوِّد التشجيع
في هذه الاثناء كان پاسكْوال اوليڤيرا مع الفريق الصغير من الاوروپيين في لورَنسو ماركيس يتلقى زيارات بنَّاءة من هاليداي وجويْس بِنتلي، زوجان مرسلان ارسلهما فرع نياسَلَند. وشملت زياراتهما، التي كانا يقومان بها مرتين في السنة، بيرا الواقعة على بعد ٤٥٠ ميلا (٧٢٠ كلم) تقريبا شمال العاصمة ومدنا اخرى ايضا. ولاحقا، زارهم ايضا مِلتون هنشل من المركز الرئيسي العالمي وشجَّعهم على الاستمرار في العمل مع هيئة يهوه.
وكانت اول جماعة من الشهود الموزَمبيقيين تعمل في العاصمة طوال سنوات عديدة عندما تشكَّلت سنة ١٩٦٣ جماعة للناشرين الاوروپيين هناك.
اعلان البشارة بشجاعة
بعد ان اعادت شرطة الاستعمار، الـ PIDE، مطبوعات إرنستو شيلوليه، تشجَّع الفريق الافريقي في لورَنسو ماركيس. فكانوا يجتمعون ايام الآحاد في ظل شجرة، قرب سوق شيپامانين الناشط. وباستعمال مكبِّر للصوت كانوا يتأملون في الآية اليومية. ثم كان الفريق ينقسم اثنين اثنين لزيارة البيوت وأماكن العمل في السوق. وعند الساعة ٣٠:١١ قبل الظهر كانوا يعودون الى مكان اجتماعهم الاصلي من اجل الفطور قبل الابتداء ظهرا بمحاضرتهم العامة المعلَنة على نحو واسع. وعندما كان يتأخر احيانا بعض الناشرين عن العودة من خدمتهم، كانت تجري مناداتهم بواسطة جهاز الصوت: «حان الوقت . . . حان الوقت . . . لنرجع لأنه قد حان الوقت . . .»
وكان حشد كبير يبتدئ بالتجمع. وبالاضافة الى المدعوين شخصيا والاخوة انفسهم، كان يأتي مشاهدون فضوليون كثيرون جذبهم الصوت المكبَّر. وكانوا يشكِّلون دائرة كبيرة في المنطقة الناشطة، وبعدئذ كانت تبدأ المحاضرة. كان اصحاب البيوت في المنطقة يطلُّون من شرفاتهم للاستماع، وكان كثيرون يُخرجون كتبهم المقدسة ليتابعوا فيما تُقرأ الآيات. واستمر الاخوة في هذا الترتيب عدة سنوات، ذاهبين تارةً الى سوقَي شيپامانين وشامانكولو وتارةً الى جادة كراڤايرو لوپيش (الآن اڤِنيدا اكوردوس دو لوساكا). وقد ساهم ذلك في ستينات الـ ١٩٠٠ في النمو — من جماعة واحدة الى اربع جماعات.
بطاقته عند الـ PIDE اولا
كان ميكاس امبولووان احد الذين جرى الاتصال بهم بهذه الطريقة. فعندما قبِل كتاب «ليكن اللّٰه صادقا» وطلب درسا في الكتاب المقدس، سأل: «كم يجب ان ادفع لقاء ذلك؟» ليس هنالك
أجر مقابل دروس كهذه، ولكنَّ الاخوة اقترحوا ان يقدِّم بيته في الاحد القادم من اجل القاء محاضرة. فوافق فورا. كان الخطيب إرنستو شيلوليه، وحضر نحو ٤٠٠ شخص. فأبلغ احد المخبرين من الـ PIDE الشرطة بالاجتماع. فاستدعى رئيس الشرطة ميكاس الى مكتبه. فتولّاه الخوف. وكما قال: «ها انا اممي مزدوج، لم احضر سوى اجتماع واحد. فماذا سأقول؟» (محليا، تعني الكلمة «اممي» غير مؤمن؛ وعبارة «اممي مزدوج» تشدِّد على عدم الجدارة التي شعر بها.) فاتصل فورا بالاخ الذي كان يدرس معه ليتلقى التدريب في الدقائق القليلة المتبقية له قبل تلبية الاستدعاء.عندما وصل ميكاس الى مركز الشرطة، سُئل ما هو دينه. فأجاب دون تردُّد، «شاهد ليهوه.» ثم تابع رئيس الشرطة ماريو فيڠيرا الاستجواب: «اذًا كان هنالك اجتماع كبير في بيتك، تحت تأثير اجنبي، خلف بوابات مغلقة، ومُنعت الشرطة من الدخول. لا بد انَّ لذلك علاقة بـ ‹فريليمو›.» وكان يشير الى جبهة تحرير موزَمبيق (فْرِنْتي دا ليبِرتاساو دي موسامبيكيه)، الحركة التي كانت تناضل آنذاك من اجل استقلال موزَمبيق. فتحيَّر ميكاس كيف يجيب؛ فلم يكن ذلك قد نوقش في «التدريب» الذي خضع له. وحاول ان يشرح بلباقة كامل الترتيب الذي رآه وشارك فيه للمرة الاولى.
فقاطعه السيد فيڠيرا: «حسنا يا ميكاس هذا يكفي.» ثم تابع واضعا ذراعيه حول ميكاس: «ما تقوله هو الحق. فمن بداية التاريخ كان خدام اللّٰه مضطهدين لأنهم يتكلمون بالحق، كما كنت تفعل. اسألك امرا واحدا فقط: في المرة التالية عندما تعقدون اجتماعا كبيرا كهذا، دعونا نعرف لكي نتجنب اية مجادلات. اذهب بسلام. ولكن عُد الى هنا غدا، واجلب معك صورتين فوتوڠرافيتين لكي نصنع
لك بطاقة كواحد من شهود يهوه.» (كانت لكل المسؤولين في الجماعة آنذاك بطاقة في الملف عند الـ PIDE.) ويحب ميكاس ان يقول وهو يضحك: «انا، الاممي المزدوج، كانت لي بطاقة عند الـ PIDE قبل ان تكون لي واحدة في الجماعة!» ولكن من المؤسف القول ان هذا التعاطف في المعاملة من قِبل الشرطيين لم يكن اعتياديا.الحوادث في ملاوي تفيد العمل في الشمال
عُقدت ثلاثة من محافل «التلمذة» الكورية في ملاوي سنة ١٩٦٧ قرب حدود موزَمبيق، مما سهَّل على بعض الاخوة الموزَمبيقيين ان يحضروا. ولكن في تشرين الاول اعلن الرئيس ه. كاموزو باندا ان شهود يهوه جمعية محظورة في ملاوي. فنشب اضطهاد وحشي ضدهم. وفي كل انحاء البلد دُمِّرت ممتلكاتهم، ضُربوا، قُتل البعض، واغتُصبت اكثر من الف امرأة مسيحية. وبيأس لجأ ناجون كثيرون الى موزَمبيق. وخلافا لما جرى توقعه، استقبلتهم السلطات الپرتغالية بالترحاب. وجرى تزويدهم بالطعام في مخيمَين كبيرَين قرب موكوبا، في مقاطعة زامبيزيا. وفي واحد فقط من هذين المخيمَين كان هنالك ٢٣٤,٢ من اخوتنا. وساهم وجودهم كثيرا في نشر رسالة الملكوت في الشمال.
في خلال هذا الوقت، تمتع الشهود الموزَمبيقيون في بيرا، ثاني اكبر مدينة في البلد، بحرية اعظم من التي تمتع بها الذين في العاصمة. فقد تمكنوا من عقد اجتماعاتهم لكنَّ الكرازة من بيت الى بيت كانت محظورة، وخصوصا في المناطق السكنية الاوروپية.
مذكِّرة مثيرة للجدل تسبِّب الانقسامات
تلقى الشيوخ في لورَنسو ماركيس سنة ١٩٦٨ امر حضور من الـ PIDE. وأُعطوا «مذكِّرة» نصَّت ان شهود يهوه ممنوعون
من الهداية وأنهم يجب ان يجتمعوا فقط مع اعضاء عائلتهم الخاصة. وكان يجب توقيع هذه «المذكِّرة» كتأكيد ان الشيوخ قد تسلَّموها.فوقَّعها الشيوخ، لأنهم فهموا ان التوقيع لم يكن يمثِّل بأيّ شكل من الاشكال انكارا لإيمانهم وإنما هو مجرد اعتراف بالمذكِّرة. إلا انهم كانوا مصممين على الاستمرار في اطاعة امر الكتاب المقدس بالاجتماع معا وبالكرازة، ولكن بحذر وفي فرق اصغر. (متى ١٠:١٦؛ ٢٤:١٤؛ ٢٨:١٨-٢٠؛ عبرانيين ١٠:٢٤، ٢٥) وبصرف النظر عن هدفهم، نشأ انقسام بين الاخوة. واعتقد البعض ان الشيوخ قد سايروا بتوقيع هذه الوثيقة.
وفي محاولة للإثبات للفريق المنشقّ انهم لم يتصرفوا بدافع الخوف ولم يسايروا، شكَّل الشيوخ لجنة برئاسة إرنستو شيلوليه. وذهبوا الى المسؤولين في الـ PIDE ليسألوا عن سبب الحظر. فسألوا: «ما الخطأ في شهود يهوه؟» فقيل لهم: «ليست لدينا اية مشكلة معكم، لكنَّ هذا الدين محظور في موزَمبيق. حتى ولو كنتم لا تفعلون شيئا خاطئا، فالحكومة لا تسمح بهذا الدين.» وأضاف الرسميون انه اذا كان احد يريد ان يمارس هذا الدين، يجب ان يذهب الى بلد آخر.
والجواب الذي اعطاه الاخ شيلوليه ورفقاؤه كان حازما: «اذا قرَّرت الحكومة ان تعليم الناس ألَّا يسرقوا، او يقتلوا، او يفعلوا امرا رديئا هو خطأ، فليجرِ اعتقالنا. فسنستمر في تعليم الحق، وهذا ما سنفعله فور مغادرتنا هذا المكان.» وتذكِّرنا هذه العبارات مجدَّدا بعبارة رسل يسوع امام السنهدريم. — اعمال ٤:١٩، ٢٠.
فهل ارضى هذا العمل الشجاع المنشقّين؟ من المؤسف القول انه لم يرضِهم. وعلى الرغم من كل المساعدة المقدمة لهم، بما في ذلك متى ١٠:١٦.
زيارات ممثلين خصوصيين من فرع جنوب افريقيا، استمروا في اتِّباع مسلك استقلالي، داعين انفسهم «شهود يهوه الاحرار.» وكان ينبغي فصلهم بسبب الارتداد. وكتبت الجمعية لاحقا ان اتخاذ موقف حذر في وجه الاضطهاد لا يدل على الخوف بل هو منسجم مع مشورة يسوع فيالـ PIDE تسدِّد ضربة قاسية
بعد اقل من سنة من هذا التمرد، اعتقلت الـ PIDE ١٦ أخا في مراكز مسؤولية. وكان بينهم إرنستو شيلوليه، فرانسيسكو زونڠوزا، وكالڤينو ماشِيانا. وكان في هذه المناسبة ان الـ PIDE وجهَّت الى الاخ شيلوليه الكلمات الواردة في مستهل هذه الرواية.
وتلا المزيد من الاعتقالات. فكيف حصلت الـ PIDE على اسماء وعناوين الخدام المعيَّنين؟ خلال مداهمة لبيت الاخ شيلوليه، وجدوا على طاولة ملفا يحتوي على رسائل من الجمعية فيها اسماء الخدام المعيَّنين، وكذلك كتيِّب كارزين معا باتحاد. وبهذه المعلومات في حوزتهم بحثوا خصوصا عن خادم الجماعة، مساعد خادم الجماعة، مدير درس برج المراقبة، مدير درس الكتاب الجماعي، وآخرين. فأُلقي هؤلاء في سجن ماشاڤا دون محاكمة — وحُكم عليهم بالسجن مدة سنتين.
شجَّع فرع جنوب افريقيا الاخوة في السجن وزوَّد المساعدة لعائلاتهم. وبذلت لجنة طلب العفو الدولية الجهد لإطلاق سراح الاخوة بالاضافة الى تزويد الدعم لعائلاتهم. وقد رتَّب الاخوة خارج السجن في موزَمبيق ان يزوِّدوا الطعام للمحتاجين. تقول اليتا، ابنة الاخ شيلوليه، عن هذا الترتيب: «لم ينقصنا الطعام اليومي. وكان احيانا افضل حتى من الذي كنا معتادين عليه.»
عمل الكرازة يستمر
رغم ‹الوقت غير المناسب،› لم يستطِع شعب يهوه ان يوقفوا عملهم المانح الحياة، الكرازة ببشارة الملكوت. (٢ تيموثاوس ٤:١، ٢) يتذكر فرناندو موتِمبا، الذي صار من اعمدة العمل في هذا البلد، انه في جماعته اعتُقل خادم الجماعة ومساعد خادم الجماعة. وبما انه كان خادم درس الكتاب المقدس، صار لازما ان يأخذ القيادة. وأعطت الجمعية تعليمات ان تُلقى سلسلة من المحاضرات المؤسسة على كتاب الحق الذي يقود الى الحياة الابدية. فرتَّب بحذر مناسب ان تُلقى في الليل، في فرق درس الكتاب. وكان كل خطيب يلقي محاضرته على فريقَين كل ليلة. وهكذا حصل مدعوون كثيرون على هذا الطعام الروحي وازداد تقديرهم للحق.
نال الجدد تدريبا مكثَّفا ليكونوا فعَّالين في خدمتهم وشجعانا في وجه الاضطهاد. يصف فيليپ ماتولا كيف استفاد من التدريب الباكر: «جرى تدريبنا على اخبار الآخرين بما نتعلمه، مبرهنين ببراعة من الكتاب المقدس كل ما نعلِّمه. فبعد اسبوعين من الدرس كنا نبتدئ بالكرازة غير الرسمية. وفي الاسبوع الثالث كنا نبدأ بجلب المهتمين للاشتراك في الدرس. وفي الاسبوع الرابع كنا نبتدئ بالكرازة من بيت الى بيت. وكان يجري تشجيع الجدد على الاحتمال تحت
الامتحانات والسجن وعدم الخوف. وكان اخ واحد فقط مسؤول في الجماعة حرًّا وكان يقول: ‹لا اعرف متى أُسجن. لذلك يجب ان تتعلموا جميعا كيف تهتمون بالجماعة.›» وعندما أُرسل الاخ ماتولا ايضا الى سجن ماشاڤا، لم يفتُر حماسه.الكرازة والاجتماع في السجن
بأسرع ما يمكن، نظَّم الفريق في سجن ماشاڤا كل الاجتماعات بهدف البقاء اقوياء روحيا. وكيف استطاعوا ان يفعلوا ذلك وهم تحت الحراسة؟ هذا ما كان يجري كما قال الاخ فيليپ ماتولا: «كنا ننتهز الفرص عندما نستطيع الدخول الى باحة السجن. وكان المعيَّن ليقدِّم خطابا في مدرسة الخدمة الثيوقراطية يمشي مع اربعة آخرين، كما لو انهم يتمشون ويتحادثون. ثم كان يترك هذا الفريق ويفعل الامر عينه مع فريق ثانٍ، وهلم جرا، حتى يكون قد القى الخطاب على كل فريق.»
في البداية حاولوا ان يعقدوا درس الكتاب في الزنزانات بمساعدة مطبوعة، لكنَّ درسهم اكتُشف، ومُنعوا من الاستمرار. فغيَّروا اسلوبهم. يتذكر سجين آخر، لويش بيلا: «كنا نستعد افراديا، ثم في يوم وساعة محدَّدَين مسبقا ودون مطبوعة في اليد، كنا نتمشى مستخدمين اسلوب مدرسة الخدمة الثيوقراطية عينه، وكان كل واحد يقدِّم النقاط الرئيسية للمواد. وكان هذا الاسلوب نافعا جدا لأنه كان يجب ان نحفظ المواد لئلا ننساها ابدا.»
وقد ساعد اعضاء العائلة الاحرار بتخبئة المطبوعات تحت الطعام وتهريبها الى السجن عندما كانوا يأتون للزيارة. وبهذه الطريقة كان يجري اطعام الاخوة جسديا وروحيا.
كانت هنالك ايضا مناسبات استطاع فيها سجناء آخرون ان يستفيدوا من الاجتماعات. فذات مرة عندما كان ٣ اخوة يتشاركون في جناح من السجن مع ٧٠ من السجناء الآخرين، أُلقيت محاضرة عامة. وخدم اخ كعريف، وقدَّم آخر الصلاة. ثم رنَّم الثلاثة، وأُلقيت المحاضرة. وكان مجموع عدد الحضور ٧٣.
كان الاخ إرنستو شيلوليه يتقاسم الزنزانة مع عضو من الـ «فريليمو» كانت الـ PIDE قد اعتقلته لأنه يحارب من اجل الاستقلال. وجرى الاشتراك معه في محادثات ودية والشهادة عن رجاء ملكوت اللّٰه. وكانا سيلتقيان لاحقا في ظروف مختلفة.
توَّاق الى الاشتراك في الحق في اينيامبان
صارت اينيامبان، احدى المقاطعات الجنوبية، مسرح نشاط مكثَّف قام به بنَّاء آجرّ متواضع. فبعدما سمع هذا الرجل، اراو فرانسيسكو، محاضرة في سنة ١٩٦٧ في لورَنسو ماركيس لم يشك انه وجد الحق. وشعر بالاندفاع الى الاشتراك في ما سمعه مع الناس في موطنه. وهذا ما فعله. وبعد عودته الى لورَنسو ماركيس، اعتمد في الوقت نفسه تقريبا الذي اعتقلت فيه الـ PIDE الفريق الكبير من الشيوخ. فشعر اراو بأنه مسؤول عن الاهتمام الذي اثاره بين شعبه وخاف ان يُسجَن قبل ان يقدِّم المزيد من المساعدة لهم. وحاول بعض الاخوة ان يثنوه عن ذلك، قائلين انه لا يزال جديدا في الحق اكثر من ان يشهد وحده. فانتظر عدة اشهر لكنه لم يعُد باستطاعته ان يقاوم الرغبة الملحة في الشهادة لشعبه. فجمع زوجته وولديه وعادوا الى اينيامبان. وكان يعقد كل الاجتماعات مع عائلته فقط في بادئ الامر.
وقد نشر بزور الحق في مدينة اينيامبان، في ماشيش، وفي بلدات اخرى في المنطقة، واضعا الاساس للجماعات الموجودة هناك الآن. وعندما حاول كاهن كاثوليكي ان يتدخل، قائلا، «لا يمكنك ان تشكِّل الاعمال ١:٨.
اية فرق هنا،» اجاب اراو بشجاعة: «ليست هنالك حدود للبشارة التي اجلبها. فيمكن ان تصل الى ايّ مكان.» وهذا ما قال يسوع انه سيحدث بالتأكيد، كما تظهرهدعا الكاهن المحلي الى اجتماع لتقرير ما اذا كان يجب طرد اراو من المنطقة. فأكَّد اراو انه لن ينتقل. ولا عجب ان يستدعي الكاهن حليفه المفضَّل، الـ PIDE.
الـ PIDE تطارد كارزا-بنَّاء
عندما كان اراو يزور الفرق الاخرى الابعد ذات يوم من ايام الآحاد، كان يحضر الاجتماع في اينيامبان اربعة شرطيين من الـ PIDE. وادَّعوا انهم شهود ليهوه كانوا يزورون المنطقة. ولكن عند نهاية الاجتماع، عرَّفوا بأنفسهم وطلبوا رؤية اراو. وعندما لم يجدوه اعتقلوا ثمانية اخوة كانوا حاضرين.
وبما ان اراو كان يبني بيتا للمسؤول الاداري في قرية إنوِني، ذهب الشرطيون للبحث عنه هناك. وقد سمع اراو المسؤول يقول لهم: «لا استطيع ان اسمح له بالذهاب بسبب الدين. فيجب اولا ان ينهي العمل في منزلي.» عندئذ سأل الشرطيون: «هل تعني انه هو الذي يبني هذا المنزل؟» فأجاب المسؤول: «نعم، وقد بنى ايضا المنزل في ماشيش ومنازل اخرى ايضا. ولا يعرف احد هنا كيف يقوم بهذا العمل الذي يقوم به في منزلي. وقد بنى مكتب دائرة التسجيل في ماشيش، ويجب ان يبني بعدُ فندقا للمسافرين.» وبعد سماع هذه الخلاصة، قال الشرطيون: «سنعود لنأخذ اراو ليبني بيتا لمدير الاشغال العامة.»
فاعتُقل اراو واستُخدم في بناء مختلف المشاريع الحكومية. ولكن، حتى كسجين، كانت لديه فرص عديدة للشهادة.
كان رسمي في الـ PIDE يستدعي اراو الى مكتبه ليلا لمساعدته
على درس كتاب الحق. وعندما يأتي اشخاص آخرون، كان الرسمي، السيد نِڤِز، يمسك بسرعة بعض الوثائق ويتظاهر انه يقوم باستجواب. وذات يوم قال: «يا اراو، بما تعلِّمني اياه، اهتديت. كل حياتي، من الوقت الذي كنت فيه في لِشبونة حتى الآن، كنت اتكلم مع شهود يهوه. وقريبا عندما اتقاعد، سأصير واحدا منهم. ولكن قبل ان اترك يجب ان اطلق سراحك. فاعمل على انهاء عملك الحالي، وسأتكلم مع المفتش العام عن جلب بنَّاء آجرّ آخر. ولتجنُّب المشاكل لن اعود الى لِشبونة، لكنني سأبيع كل شيء وأرحل الى اميركا. هل تسمعني يا اراو؟ لا تقُل شيئا لأحد.»كان السيد نِڤِز مصمِّما على الوفاء بوعده حتى انه اطلق سراح الاخوة المسجونين في اينيامبان. لكنَّ اطلاق سراح اراو لم يكن مهمة سهلة. فقد صارت الـ PIDE تعتبره بنَّاءها الخاص. وبحلول هذا الوقت كان السيد نِڤِز قد تقاعد لكنه كان يذهب كل يوم ليرى صديقه ويناشد المفتش العام ان يطلق سراح اراو. وكما وعد، لم يكن إلا بعد اطلاق سراح اراو ان السيد نِڤِز رحل. ولا ندري اين هو السيد نِڤِز الآن. فهل وفى بما تبقى من وعده؟ نأمل ذلك من كل قلبنا.
التغييرات السياسية تجلب راحة مؤقتة
في ١ ايار ١٩٧٤ سُمعت صرخة ابتهاج في كل انحاء سجن ماشاڤا. فكانت «ثورة القرنفل» (رِڤولوساو دوس كراڤوس) قد انهت في ٢٥ نيسان الديكتاتورية في الپرتغال، محدثة تغييرات مفاجئة في مستعمراتها الواقعة عبر البحار. وفي ١ ايار مُنح العفو لجميع السجناء السياسيين. وجرى شمل شهود يهوه في هذا العفو، لأنهم كانوا مسجونين بسبب حيادهم السياسي. وكانت موزَمبيق تستعد الآن لتصير امة مستقلة.
وعند اطلاق سراحهم، تشجَّع الاخوة برؤية الزيادات في عدد خدام فيلبي ١:١٣، ١٤.) وإذ استغلوا حريتهم الجديدة، عقدوا محفلا دائريا ناجحا جدا. وما زاد من بهجتهم كان حضور اخَوين عزيزين عليهم من جنوب افريقيا — فرانز مولِر، منسق لجنة فرع جنوب افريقيا، الذي كان قد اظهر اهتماما شديدا بخير الاخوة في موزَمبيق، وإلياس ماهِنّي، الذي خدم سنوات عديدة كناظر دائرة في جنوب موزَمبيق.
يهوه. وسرّوا ايضا برؤية القوة الروحية للذين بقوا احرارا. (قارنوافي هذا المحفل شُجِّع الذين كانوا قد سُجنوا على العمل باتحاد مع هيئة يهوه المتقدمة بسرعة. وذكَّر الاخ ماهِنّي الاخوة: «لقد اختفت الـ PIDE، لكنَّ مصدرها، الشيطان ابليس، لا يزال موجودا. فتقووا وتشجَّعوا.» وطلب من الذين كانوا في السجن ان يقفوا. وكان هناك عديدون. ثم طلب من الذين اتوا الى الحق خلال فترة سجن الاخوة ان يقفوا. فوقف نصف الحضور البالغ نحو ٠٠٠,٢. واختتم الاخ ماهِنّي: «لا سبب لديكم للخوف.»
كانت هذه كلمات تشجيع في حينها. فقد كانت الغيوم المتلبدة تتشكل في الافق، وكان امتحان عظيم للمحبة للّٰه ينتظر كل شعب يهوه في موزَمبيق.
مرت سنة ١٩٧٤ بسرعة. وخلال هذه السنة اعتمد ٢٠٩,١؛ وفي ١٩٧٥ اعتمد ٣٠٣,٢. وكثيرون من الشيوخ الآن اعتمدوا آنذاك.
لكنَّ الحماسة الثورية كانت مسيطرة في البلد. وصار «ڤيڤا فريليمو» (تحيا فريليمو) شعارا للنضال من اجل الحرية والاستقلال دام عشر سنوات. وكان هنالك شعور بالغبطة على صعيد الامة، وفي نظر الغالبية، بدا وكأنه لا يمكن لأحد ان لا يشترك. وكانت المشاعر السائدة على وشك ان تسدل الستار على حرية الاخوة القصيرة الامد، وكان الستار سيصير من حديد.
اوامر بالاعتقال
عندما ابتدأت التحضيرات لعيد الاستقلال في ٢٥ حزيران ١٩٧٥، صار موقف شهود يهوه الحيادي اكثر وضوحا. وحاول الاخوة المسؤولون ان يقابلوا الحكومة الجديدة، ولكن دون جدوى. فقد اعطى الرئيس المنصَّب حديثا امرا عندما صاح خلال خطاب نقله الراديو: «سنقضي نهائيا على شهود يهوه هؤلاء. . . نحن نعتقد انهم عملاء خلَّفهم الاستعمار الپرتغالي؛ لقد كانوا من الـ PIDE سابقا. . . لذلك نقترح ان يلقي الشعب القبض عليهم فورا.»
فهبَّت العاصفة. وحُشدت الفرق المفوَّضة في المناطق بهدف واحد مشترك، اعتقال جميع شهود يهوه — في العمل، في المنزل، في الشوارع، في ايّ وقت من النهار او الليل، في كل انحاء البلد. وأُرغم كل فرد على حضور الاجتماعات في المناطق المعقودة في اماكن العمل والاماكن العامة، وكل مَن لا ينضم الى الحشد في الصراخ «ڤيڤا فريليمو» كانت تحدَّد هويته كعدو. هذه هي الروح التي تسود عندما ترتفع العواطف القومية الى درجة الجنون.
ولكن من المعروف جيدا ان شهود يهوه، رغم حيادهم في ما يتعلق بالمسائل السياسية، يؤيدون القانون والنظام، يعاملون الرسميين باحترام، هم مستقيمون، ولديهم ضمير حيّ بشأن دفع الضرائب. وبمرور السنين كانت حكومة موزَمبيق ستؤكد هذا الواقع. ولكن، في تلك الاثناء، كانت حالة شهود يهوه في موزَمبيق كحالة المسيحيين الاولين الذين أُعدموا في الميادين الرومانية بسبب رفضهم حرق البخور للامبراطور، وكحالة اخوتهم في المانيا الذين أُلقوا في معسكرات الاعتقال بسبب رفضهم الصراخ «هايل هتلر.» وشهود يهوه معروفون حول العالم برفضهم المسايرة في طاعتهم ليهوه وليسوع المسيح، الذي قال عن أتباعه: «ليسوا (جزءا) من العالم كما اني انا لست (جزءا) من العالم.» — يوحنا ١٧:١٦.
الترحيل الجماعي — الى اين؟
صارت السجون في موزَمبيق بسرعة مكتظَّة بآلاف من شهود يهوه. وتفرَّق اعضاء العائلات. وأثارت الدعاية المكثَّفة عداء كبيرا ضد الشهود حتى ان كثيرين فضَّلوا ان يسلِّموا انفسهم لأنهم شعروا بأمان اكثر مع اخوتهم وأقربائهم الذين كانوا قد دخلوا السجن، رغم ان الشيوخ لم يشجِّعوا على ذلك.
ومن تشرين الاول ١٩٧٥ فصاعدا تلقَّى فرعا زمبابوي (روديسيا آنذاك) وجنوب افريقيا فيضا من التقارير التي تنقل صورة كئيبة من نظار الدوائر، مختلف اللجان المسؤولة، وإخوة افراديين. وهذه بدورها أُرسلت الى الهيئة الحاكمة لشهود يهوه. وحالما تلقَّى معشر الاخوة العالمي الاخبار عن الحالة الاليمة للاخوة في موزَمبيق، صعدت الى السماء من كل انحاء الارض صلوات لا تنقطع من اجل الاخوة المضطهَدين، انسجاما مع المشورة في عبرانيين ١٣:٣. فيهوه فقط كان بإمكانه ان يدعمهم، وهذا ما فعله بطريقته الخاصة.
من المرجح ان السلطات الحكومية لم تكن تنوي ان تنزل بشهود يهوه المعاملة الوحشية التي عوملوا بها فعلا. لكنَّ بعض السلطات الادنى، في محاولة جادَّة لتغيير الاقتناعات الراسخة المتعلقة بالضمير، حاولت بوسائل عنيفة ان تنتزع منهم الـ «ڤيڤا.» وأحد الامثلة الكثيرة هو مثال جولياو كوسّا من ڤيلانكولوس، الذي ضُرب طوال ثلاث ساعات في محاولة لجعله يساير على ايمانه، ولكن دون جدوى. وعندما كان هؤلاء المعذِّبون ينتزعون احيانا الـ «ڤيڤا» من احد، كانوا يظلون غير مكتفين. وكانوا يطلبون من الشاهد ايضا ان يصرخ «ليسقط يهوه» و«ليسقط يسوع المسيح.» ان الفظائع التي عاناها اخوتنا هي اكثر من ان تُعَدّ وأفظع من ان توصف. (انظروا استيقظ!، عدد ٨ كانون الثاني ١٩٧٦، الصفحات ١٦-٢٦، بالانكليزية.) لكنهم كانوا فيلبي ١:١٥-٢٩.
يعرفون، كما كتب الرسول بولس الى المسيحيين الفيلبيين في القرن الاول، ان موقفهم الشجاع في وجه الضيقة والاضطهاد هو برهان على عمق محبتهم للّٰه وضمان بأنه سيكافئهم بالخلاص. —والاجواء الخانقة الناتجة من الازدحام في السجون، التي تفاقمت بسبب القذارة والنقص في الطعام، سبَّبت موت اكثر من ٦٠ ولدا في فترة اربعة اشهر في سجون ماپوتو (لورَنسو ماركيس سابقا). والاخوة الذين كانوا لا يزالون احرارا بذلوا اقصى جهدهم في محاولة لدعم اخوتهم في السجن. وخلال الاشهر الاخيرة من سنة ١٩٧٥ باع بعض الشهود ممتلكاتهم من اجل الاستمرار في تزويد الطعام لاخوتهم المسجونين. لكنَّ اثبات هويتهم مع الذين في السجن عنى تعريض حريتهم للخطر، وقد اعتُقل كثيرون وهم يعتنون بحاجات الاخوة. هذه هي المحبة التي قال يسوع انها ستكون لدى أتباعه الحقيقيين واحدهم نحو الآخر. — يوحنا ١٣:٣٤، ٣٥؛ ١٥:١٢، ١٣.
وبشكل متناقض ظاهريا، خلال هذه الفترة عينها، عومل بعض الشهود في اقليم سوفالا بطريقة مختلفة كليا. فعند القاء القبض عليهم أُخذوا الى ڠراند هوتِل الفخم في مدينة بيرا وقدِّم لهم الطعام وهم ينتظرون اخذهم الى وجهتهم الاخيرة.
وماذا كنت وجهتهم؟ كان هذا لغزا، حتى لسائقي الباصات والشاحنات العديدة التي كانت ستنقلهم.
الوجهة — كاريكو، مقاطعة ميلاندْجي
بين ايلول ١٩٧٥ وشباط ١٩٧٦ نُقل جميع شهود يهوه الذين احتُجزوا، سواء كان ذلك في السجون او في الحقول في العراء. وكانت الوجهة غير المعلَن عنها سلاحا آخر ايضا استعملته الشرطة والسلطات المحلية الاخرى في محاولة لإخافة الاخوة. فقيل لهم:
«ستأكلكم الحيوانات الضارية. انه مكان مجهول في الشمال لن تعودوا منه ابدا.» وشكَّل اعضاء العائلات غير المؤمنين مجموعة للبكاء والنَّوح، مصرّين ان يستسلم المؤمنون. ومع ذلك قليلون هم الذين سايروا. وحتى المهتمون حديثا ربطوا مصيرهم بمصير شهود يهوه بشجاعة. وهذه كانت حال اوجينيو ماسيتِلا، داعم غيور للمُثُل السياسية العليا. وقد أُثير اهتمامه عندما عرف ان السجون ملآنة بشهود يهوه. ولمعرفة هويتهم طلب درسا بيتيا، ولكن ليُعتقل ويرحَّل بعد اسبوع. وكان بين اول المعتمدين في معسكرات الاعتقال، وهو يخدم اليوم كناظر دائرة.لم يظهر الشهود اية علامة للخوف او الخشية عندما أُخذوا من السجون وحُشروا في الباصات، الشاحنات، وحتى الطائرات. وإحدى القوافل الكبيرة غادرت ماپوتو في ١٣ تشرين الثاني ١٩٧٥. وكان هنالك ١٤ باصا، او ماشيبومبوس كما تُدعى هنا. وفرح الاخوة الذي يبدو صعب التفسير دفع الجنودَ المسؤولين ان يسألوا: «كيف يمكنكم ان تكونوا سعداء وأنتم لا تعرفون حتى الى اين انتم ذاهبون؟ فالمكان الذي انتم ذاهبون اليه ليس جيدا على الاطلاق.» لكنَّ فرح الاخوة لم يخمد. وفيما كان الاقرباء غير المؤمنين يبكون، خائفين على مستقبل احبائهم، كان الشهود يرنِّمون ترانيم الملكوت، كالترنيمة بعنوان «تقدَّموا بشجاعة.»
وفي كل مدينة على الطريق كان السائقون يتصلون هاتفيا برؤسائهم ليعرفوا وجهتهم، فيؤمرون بأن يتقدموا الى المحطة التالية. وضلّ بعض السائقين طريقهم. ولكنهم وصلوا اخيرا الى ميلاندْجي، بلدة وعاصمة مقاطعة في اقليم زامبيزيا، على بعد ١٠٠,١ ميل (٨٠٠,١ كلم) من ماپوتو. وهناك استقبل المسؤول الاداري الاخوة بـ «خطاب ترحيب،» خطبة لاذعة ملآنة بالتهديد.
ثم أُخذوا ٢٠ ميلا (٣٠ كلم) الى الشرق، الى مكان على ضفاف نهر مُندوزي، المنطقة المعروفة بـ كاريكو، في مقاطعة ميلاندْجي. والآلاف من شهود يهوه من ملاوي، الذين كانوا قد هربوا من موجة الاضطهاد في بلدهم، كانوا يسكنون هناك كلاجئين منذ ١٩٧٢. وكان الوصول غير المتوقع للاخوة الموزَمبيقيين مفاجأة للملاويين. وكانت مفاجأة للموزَمبيقيين ان يستقبلهم اخوة يتكلمون لغة غريبة. لكنها كانت مفاجأة سارة جدا، وقد استقبل الاخوة الملاويون الشهود الموزَمبيقيين بكثير من الحرارة والضيافة حتى ان السائقين تأثروا. — قارنواوالمسؤول الاداري في المقاطعة هو الرجل الذي كان مع الاخوة في سجن ماشاڤا قبل سنوات. وعند استقبال كل فريق كان يسأل: «اين هما شيلوليه وزونڠوزا؟ انا اعرف انهما سيأتيان.» وعندما وصل الاخ شيلوليه اخيرا، قال له المسؤول الاداري: «شيلوليه، لا اعرف حقا كيف استقبلك. نحن في طرفين مختلفين الآن.» لقد التصق بإيديولوجياته ولم يجعل الامور اسهل بطريقة ما لرفقائه السابقين في الزنزانة. وكان، كما وصف نفسه، «جَديا يحكم بين الخراف.»
الدعم الحبي من معشر الاخوة الاممي
عبَّر معشر الاخوة الاممي لشهود يهوه عن اهتمامهم الحبي بالاخوة في موزَمبيق. فقد اغرقوا بريد البلد بالرسائل التي تناشد سلطات موزَمبيق. كان زملاء العمل في مركز المواصلات السلكية واللاسلكية يستهزئون بأوڠوستو نوڤِلا، الذي هو شاهد، ويقولون ان شهود يهوه ليسوا سوى طائفة محلية. لكنهم أُسكتوا عندما ابتدأت اجهزة التلكس تتلقى الرسائل من حول العالم. والتجاوب الغامر اثبت واقع ان شعب يهوه متَّحدون حقا بالمحبة.
وبعد نحو عشرة اشهر اعترف وزير في الدولة، في زيارة له لتفقُّد المخيمات، ان الاخوة سُجنوا بتهم باطلة. ولكن كان سابقا لأوانه ان يتوقَّعوا الحرية.
تحديات حياة جديدة
كان فصل جديد قد انفتح في تاريخ شعب يهوه في موزَمبيق. فكان الاخوة الملاويون في المنطقة قد نظّموا انفسهم في ثماني قرى. وكانوا قد اكتسبوا خبرة كبيرة في التكيُّف مع نمط حياة جديد في الدغل ونمَّوا مهاراتهم في بناء البيوت، قاعات الملكوت، وحتى قاعات المحافل. والذين لم تكن لديهم خبرة سابقة في الزراعة تعلَّموا ايضا الكثير عن هذا النوع من العمل. وكثيرون من الموزَمبيقيين، الذين لم يزرعوا قط ماشامبا (حقلا محروثا)، كانوا على وشك اختبار العمل الشاق في الحقول للمرة الاولى. وفي الاشهر القليلة الاولى نَعِم الوافدون الجدد بالضيافة الحبية لاخوتهم الملاويين، الذين استقبلوهم في بيوتهم وتقاسموا معهم طعامهم. ولكن حان الوقت الآن ليبني الاخوة الموزَمبيقيون قراهم الخاصة.
لم يكن ذلك مهمة سهلة. فكان الفصل الممطر قد ابتدأ، وبوركت المنطقة بأمطار لم يسبق لها مثيل. ولكن عندما فاض نهر مُندوزي، الذي يمرّ في وسط المخيم، في منطقة كانت مبتلاة عادة بالجفاف، رأى الاخوة ذلك كعلامة لكيفية اعتناء يهوه بهم. وفي الواقع، خلال السنوات الـ ١٢ التالية، لم يجفَّ النهر مرة واحدة كما كان يحدث من قبل. ومن ناحية اخرى، كما يتذكر الاخ موتِمبا، «كانت الارض الوحلة الزلقة، التي سبَّبها طبيعيا الطقس الممطر، تحديا اضافيا لسكان المدينة السابقين.» وعلاوة على ذلك، لم يكن سهلا على النساء ان يعبرن النهر وهن يحافظن على توازنهن على جسور مؤقتة لم تكن سوى جذوع اشجار. يتذكر شَڤيير دِنڠو: «بالنسبة الى الرجال
المعتادين المكاتب، كان تحديا ان ندخل الغابات الكثيفة ونقطع الاشجار لبناء بيوتنا.» وصارت هذه الاحوال امتحانا لم يكن البعض مستعدين له.نتذكر انه في ايام موسى ابتدأ التذمر بين «اللفيف» الذي رافق الاسرائيليين من مصر الى البرية ثم امتدَّ ذلك الى الاسرائيليين انفسهم. (عدد ١١:٤) وبشكل مماثل، ظهر من البداية بين الذين لم يكونوا شهودا معتمدين فريق من المتذمرين، وانضم اليهم بعض المعتمدين. فاقتربوا من المسؤول الاداري وأعلموه انهم على استعداد لدفع ايّ ثمن ليُعادوا الى موطنهم بأسرع ما يمكن. لكنَّ ذلك لم يؤدِّ الى رحلة فورية الى موطنهم كما كانوا يرجون. فقد جرى ابقاؤهم في ميلاندْجي، وصار عديدون منهم مصدر ازعاج للامناء. وصاروا معروفين بـ «المتمردين.» وعاشوا في وسط الاخوة الامناء لكنهم كانوا مستعدين دائما لخيانتهم. فمحبتهم للّٰه لم تصمد في وجه الامتحان.
لماذا سقطت القاعات
كان الاخوة الملاويون في المخيمات قد تمتعوا بحرية لا بأس بها في العبادة. وعندما وصل الاخوة الموزَمبيقيون، استفادوا في بادئ الامر من ذلك. فكل يوم كانوا يتجمعون في واحدة من قاعات المحافل الكبيرة للتأمل في الآية اليومية. وغالبا ما كان ناظر دائرة ملاويّ يشرف على ذلك. يتذكر فيليپ ماتولا: «كان مقوِّيا، بعد اشهر من السجن والسفر، ان نسمع حضًّا روحيا برفقة اخوة كثيرين.» لكنَّ هذه الحرية النسبية لم تدُم.
ففي ٢٨ كانون الثاني ١٩٧٦ دخلت السلطات الحكومية برفقة الجنود الى القرى وأعلنت: «انتم ممنوعون من العبادة او الصلاة في هذه القاعات او ايّ مكان آخر من القرى. ستؤمَّم القاعات وتستعملها
الحكومة كما تراه ملائما.» وأمروا الاخوة بأن يُخرجوا كل كتبهم وصادروها. طبعا، خبَّأ الاخوة ما استطاعوا. وعقب ذلك، رُفعت الأعلام امام كل قاعة، وأُقيم الجنود كحراس لضمان تنفيذ الامر.على الرغم من ان القاعات كانت مبنية من الاوتاد وتبدو بسيطة، فقد كانت قوية كفاية. لكنها ابتدأت كلها تنهار في وقت قصير نسبيا. يتذكر شَڤيير دِنڠو انه ذات مرة كان قد وصل هو والمسؤول الاداري الى احدى القرى عندما ابتدأت القاعة تنهار فعليا، رغم انه لم يكن هنالك مطر ولا ريح. فعبَّر المسؤول الاداري قائلا: «ماذا يجري؟ انتم اردياء. القاعات تسقط كلها الآن بعدما امَّمناها!» ولاحقا قال المسؤول الاداري لأحد الشيوخ: «لا بد انكم صليتم ان تسقط القاعات، . . . وقد اسقطها الهكم.»
التنظيم في القرى
بسرعة بُنيت تسع قرى موزَمبيقية موازية ومواجهة للقرى الملاوية الثماني الموجودة. وكان هذان الفريقان سيسكنان معا طوال السنوات الـ ١٢ التالية، توحِّدهما اللغة النقية. (صفنيا ٣:٩، عج) كانت مساحة كل قرية مقسَّمة الى مجموعات من الابنية، تفصلها شوارع حسنة الصيانة، وتشمل كل مجموعة ثماني قطع من الارض مساحتها ٨٠ قدما في ١١٠ (٢٥ مترا في ٣٥). وجرى ترتيب الجماعات حسب مجموعات الابنية. وبعد اعلان الحظر في المخيمات، لم يعُد باستطاعتهم بناء قاعات ملكوت ظاهرة. لذلك بنوا بيوتا خصوصية لها شكل L لتخدم القصد. وكانت تسكن فيها ارملة او شخص عازب آخر لإعطاء الانطباع انه يوجد مقيمون. ثم عندما تُعقد الاجتماعات، كان الخطيب يقف عند زاوية الـ «L» وهكذا يتمكن من رؤية الحضور في الجانبين كليهما.
وحول محيط كل قرية كانت هنالك الـ ماشامباس الخاصة بها. وكانت كل جماعة تُعنى ايضا بـ «ماشامبا جماعي،» وكان الجميع يشتركون في زرعه كمساهمة منهم في حاجات الجماعة.
كان حجم كل قرية يختلف وفقا لعدد السكان. وقد اظهر احصاء سنة ١٩٧٩ ان القرية الموزَمبيقية رقم ٧ كانت الاصغر، بعدد من الناشرين يبلغ ١٢٢ وجماعتين فقط، في حين ان القرية رقم ٩، الاكبر والابعد، كان فيها ٢٢٨,١ ناشرا و ٣٤ جماعة. وكان في المخيم بكامله ١١ دائرة. وصار هذا المخيم كله، المؤلف من قرى ملاوية وموزَمبيقية ومناطق تابعة لها، معروفا عند الاخوة بدائرة كاريكو. وآخر احصاء لدينا في السجل هو احصاء سنة ١٩٨١، حين كان عدد السكان في كل دائرة كاريكو ٥٢٩,٢٢، الذين كان ٠٠٠,٩ منهم ناشرين نشاطى. ولاحقا كان هنالك مزيد من النمو. (اعلن سامورا ماشِل الذي كان آنذاك رئيسا ان عدد السكان كان ٠٠٠,٤٠، بحسب كراسة كونسوليداموس اكيلو كي نوس اون [تقوية ما يوحِّدنا]، الصفحتان ٣٨-٣٩.)
عهد شينڠو — اوقات عسيرة
طبعا، لم يؤخذ شهود يهوه الى ميلاندْجي ليصيروا مجرد مستعمرة زراعية. ولم يكن عبثا ان الحكومة دعت المخيم مركز كاريكو لإعادة التعليم، كما هو ظاهر من المركز الاداري في وسط المخيم الملاوي رقم ٤، المزوَّد بمستخدَمين حكوميين، مع مكاتب وأماكن للسكن. وكان هنالك ايضا آمر المخيم، جنوده، وسجن احتُجز فيه عديدون من اخوتنا فترات متفاوتة، بحسب قرارات الآمر.
والآمر الاردأ سمعة على الاطلاق كان شينڠو. وصارت فترة تولِّيه مركز آمر التي دامت سنتين تُعرف بـ عهد شينڠو. وإذ كان مصمِّما على زعزعة موقف شهود يهوه العديم المسايرة و«اعادة تعليمهم،»
لجأ الى كل وسيلة نفسية يعرفها، وكذلك الى العنف، لتحقيق غرضه. ورغم انه لم يحصِّل فعليا اية ثقافة رسمية، فقد كان متكلما طَلْق اللسان ومقنعا، يميل الى استعمال الامثال. وقد استعمل موهبته ليحاول تلقين الاخوة فلسفته السياسية ويضعف محبتهم للّٰه. وكانت احدى خططه «حلقة دراسية لخمسة ايام.»«حلقة دراسية لخمسة ايام»
اعلن الآمر انه جرى التخطيط لـ «حلقة دراسية لخمسة ايام» وأن الشهود يجب ان يختاروا الرجال الاكثر اقتدارا في القرى، الرجال القادرين على نقل معلومات ذات اهمية. وكان هؤلاء سيُرسلون الى حلقة دراسية ستُعقد في منطقة بعيدة. فرفض الاخوة، لأنهم شكّوا في نواياه. لكنَّ «المتمردين» الذين كانوا حاضرين دلّوا على الاخوة في مراكز المسؤولية، بمن فيهم نظار الدوائر. وبين هؤلاء كان فرانسيسكو زونڠوزا، شَڤيير دِنڠو، ولويش بيلا. وغادرت شاحنة حاملة ٢١ رجلا و ٥ نساء. وسافروا مئات الاميال الى الشمال، الى منطقة شمالي ليشِنڠا، في اقليم نياسا. وهناك أُلقي الرجال في «معسكر اعادة التعليم» مع المجرمين، في حين أُخذت النساء الى مخيم للعاهرات.
وهنا أُخضعوا للعذاب القاسي، بما فيه ما دعاه معذِّبوهم «طراز المسيح.» فكانت يدا الضحية تُمدَّان الى الجانبين، كما لو انه على صليب، ثم كانت توضع خشبة توازي الذراعين. وكان حبل من النيلون يُربط بإحكام حول الذراعين والخشبة على طول الذراعين كلتيهما، من رؤوس اصابع اليد الواحدة الى رؤوس اصابع الاخرى. وإذ تنقطع الدورة الدموية كاملا عن اليدين، الذراعين، والكتفين، كان يجري ابقاء المرء في هذا الوضع لوقت لا بأس به في محاولة يائسة لينتزعوا منه الـ «ڤيڤا فريليمو.» وبسبب هذه المعاملة الوحشية غير الانسانية، عانى لويش بيلا، شيخ امين، نوبة قلبية ومات.
وأُخضعت الاخوات لمعالجة من «التمارين،» التي تتطلب منهن ان يركضن دون انقطاع تقريبا، وأحيانا الى الماء ومنه؛ وأن «يتشقلبن» بلا انقطاع وهن يصعدن الجبل وينزلن منه؛ وأن يخضعن لإهانات اخرى لا تحصى. فيا لها من حلقة دراسية! ويا لها من «اعادة تعليم»!
وبالرغم من هذه المعاملة القاسية، حافظ معظم هؤلاء الاخوة على استقامتهم، واثنان فقط سايرا. وقد تمكن احد الاخوة من ارسال رسالة الى وزير الداخلية في ماپوتو، فاضحا هذه المعاملة. وكان لذلك اثره. فأتى حاكم نياسا شخصيا بالطائرة المروحية. وجرَّد فورا الآمر وأعوانه من كل سلطة وأعلن: «يمكن ان يعتبر هؤلاء انفسهم معتقَلين بسبب قيامهم بأعمال لم تكن الـ فريليمو تنويها قط.» وعندما سمع ذلك السجناء الآخرون الذين عانوا معاملة مماثلة، هتفوا فرحا: «شكرا لكم، لقد تحررنا،» فردَّ الاخوة بالقول: «اشكروا يهوه.»
وبعد فترة نُقلوا الى مخيمات اخرى حيث كانت المعاملة تقتصر على العمل الاجباري فقط. وجملة لم يكن إلا بعد سنتين تقريبا انهم عادوا الى كاريكو — وكان شينڠو هناك لاستقبالهم. واستمر في محاولات غير ناجحة لإضعاف ولائهم ليهوه بالقيام بـ «حلقات دراسية» مماثلة. وأخيرا، عندما كان على وشك مغادرة كاريكو، القى خطبة بأسلوبه الايضاحي المميَّز. وإذ اعترف بالهزيمة قال: «يسدِّد الشخص عدة ضربات الى الشجرة، وعندما لا تبقى إلا ضربات قليلة لتقع، يُستبدل بآخر، وبضربة واحدة فقط، يكمل العمل. لقد سدَّدتُ ضربات عديدة لكنني فشلت في انهاء العمل. سيأتي آخرون بعدي. وسيستعملون وسائل اخرى. فلا تستسلموا. . . . ابقوا ثابتين في موقفكم. . . . وإلا فسينالون المجد كله.» ولكنَّ الاخوة، بإبقاء محبتهم ليهوه قوية، سعوا الى التأكد ان ينال يهوه وحده المجد. — رؤيا ٤:١١.
الذين بقوا في المدن
وهل كان كل الشهود الموزَمبيقيين في السجن او في مخيمات الاحتجاز في هذا الوقت؟ على الرغم من ان اعداءهم فتَّشوا عنهم تفتيشا دقيقا في اماكن العمل وفعليا في كل منطقة مجاورة، فقد افلت البعض. فلم يكن الجميع تواقين الى ارسال الشهود الى السجن او الى معاقبتهم بطريقة اخرى. لكنَّ الشهود كانوا دائما في خطر القبض عليهم. وكانت النشاطات اليومية كشراء الاطعمة او جلب الماء من حنفية عامة مجازفة.
تتذكر ليزِت مايِندا، التي بقيت في بيرا: «مُنعت من اخذ بطاقة ضرورية لشراء الطعام لأنني لم اذهب الى الاجتماعات السياسية المطلوبة. ومن المفرح ان صاحب مخزن وديّا كان يدعوني على انفراد ويبيعني كيلوڠرامات قليلة من الدقيق.» (قارنوا رؤيا ١٣:١٦، ١٧.) وطُرد الاخ مايِندا من وظيفته في ميناء بيرا ست مرات، ولكن كل مرة كان مستخدِموه يعودون للبحث عنه لأن مؤهلاته المهنية كانت ذات قيمة كبيرة لشركته.
وعلى الرغم من ان الشهادة والاجتماع معا كانا مجازفة كبيرة، لم يخمد الضوء الروحي في ايّ من المدن الرئيسية في البلد. وقد انضم الى عائلة مايِندا في بيرا فريق من الاحداث في جوار إستورو كانوا شجعانا ومتعطشين الى الحق. ومعا أبقوا النور مُضاء في عاصمة اقليم سوفالا. وكانت غيرة الفريق في بيرا كبيرة جدا حتى انهم كانوا يعبرون الحدود رغم الخطر الى روديسيا (الآن زمبابوي) للحصول على الطعام الروحي.
عمل مكتب الفرع في سولزبوري (الآن هَراراي) بجرأة ودون كلل للاعتناء بكل الاخوة الذين كانوا مشتَّتين في المنطقة الشمالية. وهكذا عندما وصلت الاخبار الى المكتب ان فريقا لا يزال يجتمع في تيتي، فيلبي ٢:٢٥-٣٠) وكان احد هؤلاء الاخوة رِدسون زولو المحبوب كثيرا والمشهور في كل انحاء الشمال بخطاباته المحرِّكة بلغة التشيتشايوا. وكان هو ورفيقه يخاطران كثيرا وهما ينتقلان بالدراجة عبر الدغل ليخدما اخوتهم الموزَمبيقيين المنعزلين.
ارسل الفرع اخَوين للاعتناء بحاجات هذا الفريق، لأنهم كانوا مثل ابَفرودِتُس، عامل رفيق مع الرسول بولس، مشتاقين الى رؤية الاخوة. (وبشكل مماثل، استمر نور الحق يسطع في اقليم نامپولا. فقد بقي هناك فريق من غير المعتمدين، وبطريقتهم الخاصة استمروا في عقد الاجتماعات. في البداية كان عدد الحضور ٨، لكنه سرعان ما ازداد الى ٥٠. وعندما أُرسل اخ من كاريكو ليدخل المستشفى في نامپولا، اتصل بأحد اعضاء هذا الفريق من غير المعتمدين، الذي كان يعمل في المستشفى. وكتب الاخ الى الجمعية، فأشار عليه مكتب الفرع بأن يدرس مع الفريق ليُعِدَّ للمعمودية اولئك المستعدين لها. فاعتمد خمسة. وتلقَّوا مساعدة اضافية عندما فتح شاهد من النَّذَرلند كان في نامپولا بسبب عمل دنيوي بيتَه للاجتماعات. وبمرور الوقت صار البعض من هذا الفريق مؤهَّلين لتحمل المسؤولية كشيوخ.
الراحة في السجن المركزي
في سنة ١٩٧٥ أُرسل فريق من السجناء بعد آخر الى الشمال من سجون ماپوتو، فيما استمر آخرون في الوصول ليحلوا محلهم. ثم نحو نهاية شباط ١٩٧٦ قرَّرت الحكومة ان توقف نقلها المتواصل للسجناء الشهود.
بعد اشهر قليلة زار الرئيس سامورا ماشِل السجن المركزي في ماپوتو. فاغتنمت الاخت سِلِستي موتِمبا، احدى السجينات، الفرصة للشهادة للرئيس. فأصغى بطريقة ودية، ولكن بعد مغادرته وبَّخت سلطات السجن الاختَ بشدة. ولكن بعد اسبوع اتى امر بإطلاق
سراحها، مع وثيقة تضمن حمايتها من المزيد من المضايقات لأسباب سياسية وحقها في العودة الى وظيفتها السابقة في المستشفى المركزي. وعلاوة على ذلك، أُعطي الترخيص لإطلاق سراح كل شهود يهوه من هذا السجن.جرى تنظيم الذين في ماپوتو في جماعات. وقبل مضي وقت طويل تشكَّلت ٢٤ جماعة في دائرة تمتد من ماپوتو في الشمال الشرقي الى اينيامبان. وجرى تعيين فيدِلينو دِنڠو لزيارتها. وبالاضافة الى ذلك، عيَّن فرع جنوب افريقيا لجنة شيوخ للاعتناء بالحاجات الروحية لهذه الفرق. وطوَّروا اساليب حذرة للكرازة غير الرسمية. ورتَّبوا ان يحضر الاخوة المحافل في سْوازيلند المجاورة. وفي موزَمبيق، عندما كان البعض يعودون من كاريكو، كان الاخوة يعقدون محافل خفية في شكل حفلات «ترحيب بالعائدين الى الموطن.»
وماذا عن كاريكو؟ ماذا كانت الترتيبات للنشاطات الروحية هناك؟
لجنة الـ «O.N.» تشرف على المخيمات
كان الاخوة الملاويون، تحت اشراف فرع زمبابوي، قد شكَّلوا لجنة خاصة للاعتناء بالحاجات الروحية في المخيمات. وعندما أُحضر الاخوة من جنوبي موزَمبيق الى كاريكو، استفادوا هم ايضا من الترتيب الموجود هناك. وأضيف الى اللجنة اخَوان من الجنوب، فرناندو موتِمبا وفيليپ ماتولا.
وكانت لجنة الـ O.N. (اوفيسي يا انتشيتو: مكتب الخدمة، في تشيتشايوا) تراسل الجمعية وتنظِّم المحافل الدائرية والكورية. وكانوا يجمعون التقارير من المخيم كله ويجتمعون دوريا مع الشيوخ في القرى. وكانوا ايضا يشرفون على العمل في الدوائر الـ ١١. وكانت مسؤوليتهم كبيرة، وخصوصا بسبب العلاقة المحفوفة بالمخاطر بين الاخوة والسلطات الحكومية.
الكرازة والتلمذة في المخيمات
في تشرين الثاني ١٩٧٦ اعتمد عدد لا بأس به من المهتمين وتلاميذ الكتاب المقدس الذين رافقوا الاخوة الى ميلاندْجي في سنة ١٩٧٥.
وكثيرون ممن كانوا فاتحين قانونيين استمروا في الكرازة خلال سجنهم ونقلهم الى المخيمات. ولكن لمَن كرزوا؟ في البداية كانوا يدرسون مع الذين لم يعتمدوا بعد، بمَن فيهم اولاد الاخوة. فالعائلة التي لها اولاد عديدون كانت تُعتبر «مقاطعة جيدة.» وكان الوالدون يدرسون مع بعض الاولاد، وكان الآخرون يوزَّعون بين الناشرين العزاب. وبهذه الطريقة ظل الجميع نشاطى في عمل التلمذة.
لكنَّ ذلك لم يكن كافيا في نظر الذين لديهم حقا روح التبشير. ابتدأ فاتح غيور في البحث عن مقاطعة خارج المخيمات. طبعا، كانت لذلك مخاطره بسبب القيود التي فرضتها سلطات المخيمات. وكان يدرك انه يجب ان يدبِّر حجَّة لمغادرة المخيمات. فأيّ حجَّة كان يمكن ان يستعمل؟ اذ صلّى الى يهوه من اجل التوجيه، قرَّر ان يبيع الملح ومواد غذائية اخرى للناس خارج المخيمات. وكان يطلب سعرا مرتفعا جدا ليتجنب اية صفقة حقيقية، فيما كان يخلق فرصة ملائمة لإعطاء الشهادة. فصارت هذه الطريقة شائعة. وبمرور الوقت، كان بالامكان رؤية هؤلاء «البائعين» يعرضون منتوجاتهم خارج المخيمات. وتغطية المقاطعة المتفرقة كانت تشمل السفر مسافات طويلة، مغادرين عند الفجر وعائدين في الليل. لقد كان هنالك القليل من المقاطعة للكثير من الشهود. ولكن بهذه الطريقة تعلَّم الحق اشخاص عديدون يسكنون في المنطقة.
«مركز زامبيزيا للانتاج»
بسبب العمل الدؤوب لـ «تلاميذ اعادة التعليم» المجتهدين هؤلاء والامطار المباركة التي تسقي المنطقة، ازدهر الانتاج الزراعي. وصار عاموس ٤:٧.
لدى الشهود في المخيمات محاصيل وافرة من الذرة، الارزّ، المنيهوت، الدُّخن، البطاطا الحلوة، قصب السكر، الفاصولياء، والفاكهة المحلية مثل المافورا. وكانت مخازن القمح في دائرة كاريكو تفيض. وأغنت تربية الطيور والحيوانات الصغيرة مثل الدجاج، البط، الحمام، الارانب، والخنازير وجباتهم بالپروتين. وصار الجوع الذي اختبروه في البداية شيئا من الماضي. وبالتباين مع ذلك، كان باقي القرية يعاني من اعظم نقص في الطعام في تاريخه. — قارنواواعترافا بنجاح العملية الزراعية هذه، ابتدأت الحكومة تدعو منطقة هذه المخيمات «مركز زامبيزيا للانتاج.» وبالمدخول الذي جمعه الاخوة من بيع الانتاج الفائض، تمكَّنوا من الحصول على الملابس وحتى بعض اجهزة الراديو والدراجات. ورغم انهم سجناء، كانوا مجهَّزين جيدا بسبب اجتهادهم. وقد اطاعوا بدقة كبيرة قوانين الحكومة لدفع الضرائب؛ وكانوا فعلا بين دافعي الضرائب الرئيسيين في المنطقة. وانسجاما مع مقاييس الكتاب المقدس، كان دفع الضرائب بأمانة، حتى في هذه الظروف، احد المتطلبات ليُعتبر الشخص اهلا لأيّ امتياز في الجماعة. — رومية ١٣:٧؛ ١ تيموثاوس ٣:١، ٨، ٩.
التبادل الثقافي
كان هنالك في كاريكو تبادل للمهارات والثقافة. وتعلَّم عديدون مهارات جديدة مثل البناء بالآجرّ، النجارة، والنحت في الخشب. ومعا طوَّروا قدرات في صناعة الادوات، العمل في الحديد المسبوك، صنع اثاث ذي نوعية جيدة، وأمور اخرى. وبالاضافة الى استفادتهم شخصيا من المهارات التي تعلَّموها او صقلوها، زوَّد هذا العمل مصدرا آخر للمدخول.
وأكبر تحدٍّ في التبادل الثقافي كان يشمل اللغة. فقد تعلَّم الموزَمبيقيون لغة تشيتشايوا التي يتكلمها الملاويون. فصارت هذه اللغةَ الرئيسية التي يجري التكلم بها في المخيمات، ومعظم المطبوعات
المتوافرة كانت بلغة تشيتشايوا. وببطء ولكن بشكل جيد، تعلَّم الملاويون ايضا التسونڠا ولهجاتها، التي يجري التكلم بها في جنوبي موزَمبيق. وتعلَّم كثيرون ايضا الانكليزية والپرتغالية، اللتين كان سيتبيَّن لاحقا انهما مفيدتان لهم في امتيازات خصوصية للخدمة. يتذكر احد الشيوخ: «يمكن ان تلتقوا اخا او اختا يتكلم لغتكم بطلاقة ولا تعرفوا ما اذا كان موزَمبيقيا او ملاويا.»كيف دخل الطعام الروحي الى المخيمات؟
لقد اتى من زامبيا عن طريق ملاوي. وبأية وسيلة؟ اجاب احد نظار الدوائر: «يهوه وحده يعرف.» ففي المخيمات كانت لجنة الـ O.N. تعيِّن احداثا ملاويين، وكثيرون منهم كانوا فاتحين، ليعبروا الحدود على الدراجات، وكانوا يلتقون في موقع معيَّن مسبقا اولئك الذين أُرسلوا ليسلِّموا المراسلات والمطبوعات. وبهذه الطريقة كان يجري تزويد الجماعات بالطعام الروحي الجديد.
وبالاضافة الى ذلك، كان اعضاء لجنة الـ O.N. يعبرون الحدود ويسافرون الى زامبيا او زمبابوي ليستفيدوا من الزيارات السنوية لنظار الاقاليم الذين ترسلهم الهيئة الحاكمة. وبهذه الوسائل وغيرها حافظ الاخوة في كاريكو على روابط قوية بهيئة يهوه المنظورة وبقوا بذلك متَّحدين في عبادته.
كانت اجتماعات الجماعة تتطلب ترتيبات خصوصية. ولأن الاخوة كانوا مراقَبين باستمرار، كان العديد من الاجتماعات يُعقد عند الفجر او في وقت ابكر. وكان الحضور يجتمعون خارجا، وكأنهم يأكلون اطباق العصيدة في الفناء، في حين كان الخطيب يقف داخل البيت. وكانت بعض الاجتماعات تُعقد في مجرى الانهار او داخل فوهات براكين طبيعية. لكنَّ الاستعدادات للمحافل كانت تشمل عملا اكثر بكثير.
المحافل — كيف كانت تنظَّم
بعد ان تتلقى لجنة الـ O.N. كل مواد البرنامج من الجمعية، كانت تنسحب الى القرية رقم ٩ عدة اسابيع. وفي هذا المكان المنعزل
نسبيا كانوا يعملون في الليالي على ضوء المصباح، مترجمين رؤوس اقلام الخطابات، مسجِّلين المسرحيات، ومعيِّنين الخطباء. وما كان نافعا خصوصا هو آلة النسخ اليدوية التي كانوا قد تسلَّموها من زمبابوي. ولم يكن عملهم يتوقف إلا عند إكمال البرنامج بكامله لسلسلة من ستة محافل.وبالاضافة الى ذلك، كان يعيَّن فريق لإيجاد وتحضير المكان الملائم الذي سيكون موقع المحفل. ويمكن ان يكون هذا الموقع على جانب احد الجبال او في الغابة، ولكنه لم يكن يبعد اقل من ستة اميال (١٠ كلم) عن المخيمات. وكان يجب فعل كل شيء دون معرفة السلطات او «المتمردين.» وكانت تجري استعارة اجهزة راديو صغيرة قابلة للحمل، وكان يركَّب بها جهاز صوت لحضور يبلغ عدده اكثر من ٠٠٠,٣. وكان هنالك دائما جدول في الجوار حيث يمكن اعداد بركة معمودية ببناء سدّ. وكان يُرتَّب مسبقا المسرح، قاعة الحضور، التنظيف، الصيانة. وأخيرا كان موقع المحفل يصير جاهزا — في مكان مختلف كل سنة.
وجرى التوصل الى ترتيب يسمح للجميع في القرى ان يحضروا. وقد نجح لأن الاخوة اظهروا روح تعاون رائعة. ولم يكن باستطاعتهم ان يحضروا جميعا في الوقت نفسه؛ فالقرية المهجورة كانت ستلفت انتباه السلطات. لذلك كان الجيران يتناوبون — عائلة تحضر في احد الايام، فيما تحضر العائلة الاخرى في اليوم التالي. والعائلة التي تبقى كانت تتنقل في بيت الجيران؛ وهكذا لم يكن احد يلاحظ غياب العائلة. وهل عنى ذلك ان البعض كانت تفوتهم اجزاء من المحفل؟ كلا، لأن برنامج كل يوم كان يقدَّم مرتين. وهكذا كان المحفل الكوري لثلاثة ايام يدوم ستة ايام؛ وكان المحفل الدائري ليومين يدوم اربعة ايام.
كانت مجموعة من الحجاب المتيقظين تزوِّد سلسلة من الاتصالات. وكانت تمتد على طول الطريق من مركز المخيم الاداري الى موقع المحفل، وكان هنالك حاجب كل ٦٠٠,١ قدم (٥٠٠ متر). وأية حركة مشكوك فيها يمكن ان تشكِّل تهديدا للمحفل كانت تجعل خط الاتصال هذا يعمل، ناقلا الرسالة ٢٠ او ٢٥ ميلا (٣٠ او ٤٠ كلم) في مجرد ٣٠ دقيقة. وكان ذلك يسمح بوقت كافٍ لتتخذ ادارة المحفل قرارا. وقد يعني ذلك انهاء المحفل والاختباء في الغابة.
يتذكر جوزيه بانا، شيخ من بيرا: «ذات مرة حذَّرنا شرطي قبل ليلة من المحفل انهم يعرفون عن محفلنا وأنهم سيقاطعونه. فأُخذت المسألة الى الاخوة المسؤولين. فهل كان يجب الغاء المحفل؟ صلّوا الى يهوه وقرَّروا ان ينتظروا حتى الصباح التالي. وأتى الجواب — فقد جعل مطر غزير عاصف خلال الليل نهرَ مُندوزي يفيض، محوِّلا اياه الى بحر. وبما ان الشرطة كانت في الجانب الآخر من النهر، فقد حضر الجميع المحفل، دون الحاجة ان يبقى احد في الخلف ودون الحاجة الى سلسلة اتصال بشرية. وقد رنمنا ترانيم الملكوت قدر ما شئنا.»
الارتداد والقرية رقم ١٠
انشأ فريق يدعو نفسه «الممسوحون» حركة اثارت الكثير من المشاكل. بدأ هذا الفريق بشكل رئيسي في القرى الملاوية، وادَّعى ان «زمن الشيوخ» قد انتهى سنة ١٩٧٥ وأنهم بصفتهم «الممسوحين» يجب ان يكونوا مَن يأخذ القيادة. وكانت المواد في كتاب الجمعية الحياة الابدية — في حرية ابناء اللّٰه عونا كبيرا في مساعدة بعض الذين كانت لديهم شكوك على فهم ما يشمله المسح الحقيقي. لكنَّ تأثير المرتدين انتشر، وكثيرون ممَّن اصغوا اليهم ضلُّوا. وكجزء من عقيدتهم، قالوا
انه ليس من الضروري ارسال التقارير الى الجمعية. وكانوا يرمون هذه التقارير في الهواء بعد تقديم صلاة.ويقدَّر انه فُصل نحو ٥٠٠ نتيجة تأثير الارتداد هذا. وقرَّروا حسب رغبتهم وبسماح من السلطات ان يبنوا قريتهم الخاصة. فصارت هذه القريةَ رقم ١٠. ولاحقا كانت تعتني بقائد الحركة حاشية من الشابات، وكثيرات منهن ولدنَ له اولادا.
استمر وجود القرية رقم ١٠ طوال الفترة الباقية للسكن في المخيمات. وقد سبَّبوا الكثير من المصاعب للاخوة الامناء. وبعض الذين تأثروا في البداية لينضموا الى الفريق تابوا لاحقا وعادوا الى هيئة يهوه. وقد تشتَّت اخيرا مجتمع المرتدين عندما انتهى السكن في المخيمات.
«المخيم هو سجننا، والبيوت هي زنزاناتنا»
حتى بداية سنة ١٩٨٣ كان للحياة في المخيمات مظهر شبه طبيعي. لكنَّ اخوتنا لم ينسوا انهم سجناء. صحيح ان البعض تدبَّروا وحدهم امر العودة الى مدنهم. وكان آخرون يأتون للزيارة ويذهبون. لكنَّ المجموعة ككل بقيت. وكان من الطبيعي ان يتوقوا الى البيوت التي اتوا منها. وقد تبادلوا الرسائل إما بالبريد او بواسطة بعض الاخوة الذين بجرأة زاروا المخيمات لرؤية اقربائهم وأصدقائهم القدامى — رغم ان بعض هؤلاء الاخوة كان يُلقى القبض عليهم ويُسجنون.
كان شَڤيار دِنڠو يقول متأملا: «انتم الملاويين لاجئون، أما نحن فسجناء. المخيم هو سجننا، والبيوت هي زنزاناتنا.» لكنَّ حالة اخوتنا الملاويين كانت في الواقع مشابهة جدا. ومهما بدت الحالة طبيعية في القرى، فقد كانت على وشك ان تنتهي فجأة.
الغزو المسلَّح يجلب الذعر والموت
عند بداية سنة ١٩٨٣، ابتدأ اعضاء المقاومة المسلَّحون بغزو منطقة كاريكو، مجبرين آمر مركز الادارة على اللجوء الى عاصمة المقاطعة في ميلاندْجي، على بعد ٢٠ ميلا (٣٠ كلم). ولفترة قصيرة نسبيا بدا وكأن الاخوة تمتعوا ببعض الراحة، رغم انهم كانوا لا يزالون تحت مراقبة السلطات.
لكنَّ المأساة حلَّت في ٧ تشرين الاول ١٩٨٤ فيما كان يجري انهاء التحضيرات للمحفل الكوري. فاقترب فريق مسلَّح من الشرق. وفيما هم يشقُّون طريقهم عبر القرية رقم ٩، خلَّفوا وراءهم آثار الذعر، الدم، والموت. وبعد قتل الاخ موتولا في القرية الملاوية رقم ٧، قتلوا الاخ اوڠوستو نوڤِلا في القرية الموزَمبيقية رقم ٤. وفي القرية الموزَمبيقية رقم ٥، نبَّه الاخ موتِمبا صوتُ اطلاق نار. وعندما رأى جثة اخ على الارض، صرخ الى يهوه طلبا للمساعدة. وأحرق المسلَّحون البيوت ونهبوها. وركض الرجال، النساء، والاولاد بصورة هوجاء في كل اتجاه، طالبين الحماية دون امل. وكان هذا الهجوم العنيف مجرد مقدمة لمزيد مما سيأتي. وبعد عبور المخيمات، اختار الفريق منطقة شمالي القرية رقم ١ لإقامة قاعدة عملياتهم.
وفي الايام التالية كانوا يقومون بغزوات يومية للمخيمات — سالبين، حارقين البيوت، وقاتلين. وفي احدى هذه المناسبات، قتلوا ستة شهود ملاويين، بمَن فيهم زوجة ناظر الدائرة فيدِلي اندالاما.
وأُخذ البعض سجناء الى قاعدة الفريق. وأُخضع الشبَّان خصوصا لمحاولات التجنيد الاجباري في حركتهم العسكرية. وهرب كثيرون من الشبَّان من القرى للاختباء في الـ ماشامباس (الحقول التي زرعوها)، وكان اعضاء العائلة يأخذون لهم الطعام الى هناك. وجرى تجنيد الشابات كطبَّاخات، لكنَّ الغزاة حاولوا بعدئذ ان يجبروهن على العمل ك «عشيقات.» كانت هيلدا بانز احدى اللواتي قاومن ضغطا كهذا،
لذلك ضُربت بشدة حتى انها حُسبت ميتة. ولكن من المفرح انها تعافت.طلب الفريق المسلَّح من السكان ان يزوِّدوهم بالطعام ويحملوا معداتهم. فرأى الاخوة ان هذا الطلب غير منسجم مع موقف حيادهم المسيحي ولذلك رفضوا. فقوبل رفضهم بالغضب. فالحياد وحقوق الانسان ليس لهما مكان في عالم منعزل حيث الضرب والاسلحة هي القانون الوحيد المعترف به. وقد مات نحو ٣٠ اخا في فترة الاضطراب هذه. وأحدهم كان البرتو شيسّانو، الذي رفض ان يقدِّم ايّ دعم وحاول ان يشرح: «انا لا اشترك في السياسة، ولهذا السبب جُلبت الى هنا من ماپوتو. لقد رفضت في الماضي، ولن يكون الامر مختلفا الآن.» (قارنوا يوحنا ١٨:٣٦.) كان ذلك اكثر مما يستطيع ان يتقبَّله المضطهِدون، الذين جرُّوه بعنف. وإذ كان الاخ شيسّانو متأكدا مما سيحدث، ودَّع الاخوة بمظهر يدل على الايمان غير المتزعزع. وكانت كلماته الاخيرة قبل ضربه بشدة وجرحه جرحا مميتا: «الى اللقاء في العالم الجديد.» وحاول الاخوة في الفريق الطبي انقاذه، ولكن دون جدوى. حقا، سيكون «اللقاء في العالم الجديد،» لأنه حتى التهديد بالموت لم يكن ليكسر استقامته. — اعمال ٢٤:١٥.
الانقاذ من اتون متَّقد
كان يجب فعل شيء لتخفيف الضغط الذي لا يُطاق. فاجتمعت لجنة الـ O.N. بالشيوخ والخدام المساعدين لمناقشة كيفية محاورة حركة المقاومة. لكنَّ اشخاصا من حركة المقاومة كانوا قد ارسلوا دعوة الى كل الذين في المنطقة ليأتوا الى قاعدتهم. فقرَّر الشيوخ ان يذهبوا مع فريق لا بأس به من الشهود الذين تطوَّعوا ان يرافقوهم. وأُعطيَت لأخَوين التعليمات ليتكلما بالنيابة عن كل القرى. وإيزاك مارولي، احد الناطقَين المعيَّنَين، مرَّ ببيته ليُعلِم زوجته الشابة بذلك
ويودِّعها. وإذ تولاها الذعر مما قد يحدث، حاولت ان تثنيه. فعزَّاها وسأل: «هل تعتقدين اننا نجونا حتى الآن بسبب مهارتنا؟ وهل تعتقدين اننا اهم من اخوتنا الآخرين؟» فأعربت عن موافقتها بصمت. وصلَّيا معا ثم ودَّعها.ولم يكن الشهود فقط هم الحاضرين في الاجتماع بل ايضا غير الشهود الذين كانوا مستعدين ان يدعموا الحركة المسلَّحة. لكنَّ عدد الاخوة الذي بلغ نحو ٣٠٠ فاق عدد الآخرين. ودار في الاجتماع نقاش حادّ، وكان الناس يهتفون بشعارات سياسية وينشدون اناشيد عسكرية. وجرى الاعلان: «اليوم سنهتف ‹ڤيڤا رِنامو› [رِسيستِنسيا ناسيونال دي موسامبيكيه (المقاومة الوطنية في موزَمبيق)، الحركة التي تحارب ضد حكومة الـ فريليمو] الى ان تسقط الاوراق من هذه الاشجار.» ولم يُطِق الآمر، الجنود، والسكان غير الشهود صمت الاخوة. وشرح مندوب سياسي كان يشرف على الاجتماع ايديولوجية حركته. فأخبر عن تصميم القيادة العليا ان تقضي على القرى وتشتِّت الجميع ليعيشوا في الـ ماشامباس. ثم منح الفرصة للحاضرين ليعبِّروا عن انفسهم. فشرح اخوتنا موفقهم الحيادي. وتمنوا ان تُفهم اسباب عدم اشتراكهم في تزويد الطعام، حمل المعدات، وهلم جرا. أما بالنسبة الى التشتُّت من القرى، فقد سبق ان جرى اجبارهم على ذلك.
لم يُعجَب الآمر البتة بجواب الاخوة الجريء، ولكن بفضل العناية الالهية كان المندوب اكثر تفهُّما. فهدَّأ الآمر وأرسل الاخوة بسلام. وهكذا خرجوا احياء مما وصفوه بأنه «اتون متَّقد.» (قارنوا دانيال ٣:٢٦، ٢٧.) ومع ذلك، لم يُضمَن السلام. فالحادثة الافظع كانت ستأتي بعد ايام قليلة.
مذبحة القرية رقم ٧
رغم ان الشمس كانت مشرقة، فقد تحوَّل يوم الاحد في ١٤ تشرين الاول ١٩٨٤ الى يوم مظلم في كاريكو. ففي وقت باكر من اليوم كان الاخوة قد عقدوا اجتماعهم الجماعي، وعقب ذلك زار البعض القرى لجلب المؤن الباقية قبل العودة بسرعة الى بيوتهم الجديدة في الحقول. ودون سابق انذار، ترك فريق مسلَّح قاعدتهم واتَّجهوا نحو القرية الموزَمبيقية رقم ٧. وألقوا القبض على اخ في ضواحي القرية رقم ٥ وسألوا: «دلَّنا على طريق القرية رقم ٧؛ سوف ترون كيف تكون الحرب.» وعند الوصول الى القرية، جمعوا كلَّ مَن صادف ان كان هناك. وأجلسوهم في دائرة، بترتيب ارقام قراهم. ثم ابتدأ الاستجواب.
سألوا: «مَن الذي ضرب وسرق الـ موجيبا التابع لنا [رقيب او مُخبِر غير مسلَّح]؟» فأجاب الاخوة انهم لا يعرفون، لأنهم كانوا غير عارفين بما كان الرجال يتكلمون عنه. «اذا لم يتكلم احد، فسنجعل من هذا الرجل الجالس في المقدمة عبرة.» وأطلقوا النار على اخ في جبهته من مسافة قريبة جدا. فارتعد الجميع. وأُعيد السؤال مرة بعد اخرى، وكل مرة كانت ضحية جديدة تنتظر اطلاق النار عليها. وأُجبرت النساء اللواتي كن يحملن اطفالهن على مشاهدة الاعدام البربري لازواجهن، كما كانت الحال مع الاخت سالومينا، التي شاهدت موت زوجها بِرناردينو. وقُتلت النساء ايضا. وكانت بين هؤلاء لايا بيلا، زوجة لويش بيلا، الذي كان قد مات من نوبة قلبية في المخيم قرب ليشِنڠا، فصار اولادها الصغار ايتاما. ولم يوفِّر الاعدام الصغار، مثل فرناندو تيمبانيه، الذي صلّى الى يهوه وحاول ان يشجِّع الآخرين، حتى بعد اطلاق النار عليه.
بعد ان أُعدم بوحشية عشر ضحايا بهذه الطريقة، نشأ خلاف بين منفِّذي الاعدام، مما انهى الكابوس. وبأمر منهم غادر الاخ نْڠوِنيا،
الذي كان سيصير الضحية الـ ١١، «كرسي الموت.» يروي: «كنت قد صليت الى يهوه ليعتني بعائلتي الناجية، لأن ايامي قد اتت الى نهايتها. ثم وقفت وشعرت بشجاعة غريبة. ولم يكن إلا في وقت لاحق انني شعرت بالصدمة العاطفية.»بعدئذ أُجبر الناجون على حرق البيوت الباقية في القرى. وقبل ان يغادر الرجال المسلَّحون قالوا محذِّرين: «اتينا بأمر لقتل ٥٠ منكم، ولكن يكفي هؤلاء. ولا يجب ان يُدفنوا. سنظل نراقبكم، وإذا اختفت اية جثة، فسيموت عشرة عوضا عن كل جثة مفقودة.» فيا له من امر غريب وبشع!
اجتاحت القرى موجة جديدة من الذعر عندما سُمع صوت طلقات نارية مدوية في المنطقة وانتشرت الاخبار بواسطة الذين تدبَّروا امر الفرار. وبيأس هرب الاخوة الى الغابات والجبال. ولم يُعلَم إلا لاحقا ان اسئلة الاتهام التي سبَّبت المذبحة اثارها شخص مفصول كان يريد ان ينضم الى حركة المقاومة. وكان قد صار ايضا لصا. وقد وجَّه هذه الاتهامات الباطلة ضد الاخوة في قريته في محاولة لكسب رضى المقاومة وثقتها. ولاحقا عندما اكتشفت المقاومة انه جرى خدعها، اعتقلت مخترع هذه الاكاذيب وقتلته بمنتهى الوحشية.
ابتداء التشتُّت
كانت دائرة كاريكو بكاملها مصابة بالحزن ومشوَّشة. وحاول الشيوخ، بعيون دامعة ايضا، ان يعزُّوا العائلات النائحة على خسارة احبائها في المذبحة. وكانت فكرة البقاء في المنطقة لا تُطاق. لذلك ابتدأ التشتُّت الطبيعي. ولجأت جماعات بكاملها الى اماكن بعيدة، على مسافة تصل الى ٢٠ ميلا (٣٠ كلم)، حيث كان بإمكانهم الشعور بالامان. وقرَّر البعض ان يبقوا قرب الـ ماشامباس. وهكذا تضاعف
عمل الشيوخ في لجنة الـ O.N.. فكان عليهم ان يمشوا اميالا عديدة ليتأكدوا من وحدة القطيع وأمنه الجسدي والروحي في كل الجماعات المتفرِّقة على نحو واسع.وصلت اخبار هذه الحالة الحزينة الى فرع زمبابوي، الذي رتَّب آنذاك ان يزور اعضاء من مكتب الفرع الاخوة ويشجِّعوهم. واستشاروا ايضا الهيئة الحاكمة في بروكلين بشأن الحاجة الى الطعام، اللباس، والدواء في المخيمات في ميلاندْجي. وباهتمام شديد بخير الاخوة، اعطت الهيئة الحاكمة الارشاد لاستعمال الموارد المالية المتوافرة للاعتناء بحاجاتهم، ممَّا يشمل اذا بدا ذلك ملائما التدبير لمغادرتهم منطقة ميلاندْجي والعودة الى موطنهم. وبالفعل جرى استحسان هذا الاختيار.
نحو ابتداء سنة ١٩٨٥ غادر ميلاندْجي اعضاءُ لجنة الـ O.N.، كما كانوا يفعلون كل سنة، ليجتمعوا بناظر الاقليم، الذي ارسلته الهيئة الحاكمة. وكان هناك دون ادامز من بروكلين. وفي اجتماع شمل لجنتَي فرع زامبيا وزمبابوي، ابدى اعضاء لجنة الـ O.N. قلقهم بشأن دائرة كاريكو. فجرى نصحهم بأن يتأملوا في ما اذا كان من الحكمة البقاء في كاريكو. ووُجِّه الانتباه الى المبدإ المذكور في الامثال ٢٢:٣: «الذكي يبصر الشر فيتوارى.» وعادوا الى المخيمات وهم يفكرون في ذلك.
المغادرة؟ كيف؟ وإلى اين؟
نُقلت المشورة فورا الى الجماعات. فسارع البعض الى العمل بموجبها، كما كانت الحال مع جْواو جوزيه، اخ عازب شارك لاحقا في بناء تسهيلات فرعَي زامبيا وموزَمبيق. فقد عبر الحدود الى ملاوي مع مجموعة من اشخاص آخرين ثم الى زامبيا دون اية مشاكل تُذكر.
لكنَّ الوضع لم يكن سهلا الى هذا الحد بالنسبة الى الآخرين. فكان لعائلات عديدة اولاد صغار للاعتناء بهم. وكان افراد حركة المقاومة يراقبون الطرق باستمرار، وكان كل مَن يعبرها معرَّضا لأن يُهاجَم. وشكَّلت الحدود مع ملاوي تحدِّيا آخر، وخصوصا للاخوة الملاويين، لأن شهود يهوه كانوا لا يزالون مكروهين ومُطاردين هناك. لذلك نشأت الاسئلة المحيِّرة: كيف كانوا سيغادرون؟ الى اين سيذهبون؟ بما انهم سكنوا كل هذه السنوات في الغابة ولم تكن بحوزتهم وثائق، كيف كان بإمكانهم عبور الحدود؟ «نحن ايضا لا نعرف،» كان جواب اعضاء لجنة الـ O.N. في اجتماع مع كل الشيوخ متوتر جدا. فشدَّدوا: «هنالك امر واحد اكيد — وهو اننا يجب ان نتفرَّق.» واستنتجوا: «ليصلِّ كل واحد، يرسم خطته، ويعمل.» — قارنوافي الاشهر التالية، صار ذلك المحور الرئيسي للاجتماعات. ودعم معظم الشيوخ فكرة المغادرة وشجَّعوا الاخوة على مواصلة العمل. وقرَّر الآخرون البقاء. وأخيرا ابتدأت هجرة متفرِّقة. فالاخوة الملاويون الذين حاولوا ان يعودوا الى موطنهم أُوقفوا عند الحدود للاسباب المذكورة سابقا واضطروا الى الرجوع. فأخمد ذلك حماس الذين كانوا قد قرَّروا ان يغادروا وقوَّى حجة الذين ايَّدوا البقاء. و «الدعوة» الى «اجتماع مهم» آخر في القاعدة العسكرية كانت العامل المقرِّر بالنسبة الى الغالبية.
الهجرة الجماعية
في ١٣ ايلول ١٩٨٥، قبل يومين فقط من الاجتماع المُعلَن، اجتمع معا مرة اخرى الاعضاء الثلاثة الباقون من لجنة الـ O.N.، الاخ موتِمبا، الاخ ماتولا، والاخ شيكومو. فبماذا يجب ان يوصوا الاخوة في ما يتعلق بـ «الدعوة»؟ دام الاجتماع الليل كله. وبعد الكثير من الصلاة
والتأمل قرَّروا: «يجب ان نهرب غدا ليلا.» وفورا، نشروا اخبار القرار قدر الامكان وكذلك الاخبار عن وقت ومكان اللقاء. ووصلت الجماعات التي وافقت ان تغادر. وكان ذلك آخر عمل قامت به لجنة الـ O.N. في المخيمات.شرع الاخوة في هجرة مبرمجة ابتداء من الساعة ٣٠:٨ مساء بعد تقديم صلاة. وهجرتهم كانت سرًّا أُخفي جيدا عن الجنود و«المتمردين.» فكشْفهم كان سيعني كارثة. وتحت جنح الظلام، كانت لكل جماعة ١٥ دقيقة للمغادرة، وخُصِّصت لكل عائلة دقيقتان. وتسلَّل الطابور عبر الدغل، دون ان يعلم احد ما سيجلبه الفجر عند حدود ملاوي، هذا اذا تمكنوا من الوصول الى هناك. وكان الرعاة الروحيون من لجنة الـ O.N. آخر مَن غادر، عند الساعة ٠٠:١ فجرا. — اعمال ٢٠:٢٨.
بعد ان سار فيليپ ماتولا نحو ٢٥ ميلا (٤٠ كلم)، انهكه التعب نتيجة بقائه دون نوم طيلة يومين. فغلبه النعاس على جانب الطريق وهو ينتظر ان يمرَّ آخر المسنين. ولا يمكننا إلا ان نتصور الفرح الذي شعر به عندما اتى ارنستو موشانڠا، راكضا من مقدمة الصف، بالاخبار السارة: «جرى السماح للاخوة بدخول ملاوي!» فهتف ماتولا: «هذا مثال يظهر كيف يفتح يهوه الطريق عندما يبدو انه ليس هنالك مخرج، كما عند البحر الاحمر.» — خروج ١٤:٢١، ٢٢؛ انظروا مزمور ٣١:٢١-٢٤.
خلال الاشهر القليلة التالية، اختبروا ما هو السكن في مخيمات اللاجئين في ملاوي وزامبيا، وذلك قبل العودة الى موزَمبيق والرجوع الى مدنهم. ولكن ماذا حصل للذين بقوا في منطقة كاريكو؟
الذين بقوا
لم يصل قرار لجنة الـ O.N. الى كل الجماعات الواسعة الانتشار قبل ابتداء الهجرة. وبعض الافراد الذين سمعوا الاعلان قرَّروا ان
يبقوا ويذهبوا الى الاجتماع في القاعدة العسكرية. ولم تسمع جماعة ماشاكينيه وكذلك آخرون الاعلان ولكنهم كانوا قد قرَّروا الهرب. وقبل الذهاب الى الاجتماع هيَّأ هؤلاء الاخوة عائلاتهم للهرب. وأتى نحو ٥٠٠ اخ الى الاجتماع. وكان موجزا ويصيب الهدف. قال الآمر: «قرَّر رؤساؤنا ان يأتي جميع الحاضرين هنا الى قاعدتنا الرئيسية في المنطقة. ستكون رحلة طويلة. وهناك ستقضون فترة قد تصل الى ثلاثة اشهر.» وعلى الفور ابتدأت الرحلة.وإذ استفاد الاخوة من المراقبة غير الصارمة من جهة الجنود، قرَّروا ان يهربوا خفية. وانضموا الى عائلاتهم وهربوا بأية طريقة ممكنة نحو حدود ملاوي. وابتدأ آخرون، سواء كان تنفيذا لأوامر الحركة المسلَّحة او لعدم توفُّر الفرصة، الرحلة نحو الجنوب الغربي الى القاعدة في مورومبالا، ووصلوا الى هناك بعد عدة ايام. وعندما وصلوا الى هناك، أخضعوا للمزيد من الضغط ليدعموا الحركة. وأدَّى رفضهم الى تعذيب شديد وضربات لا تُحصى مات خلالها اخ واحد على الاقل. وبعد ثلاثة اشهر سُمح لهم اخيرا بالعودة الى بيوتهم.
واستمر كثيرون في السكن في منطقة كاريكو، تحت سلطة حركة المقاومة كاملا. وقد ظلُّوا معزولين عن باقي هيئة يهوه طوال السنوات السبع التالية. وكانوا فريقا ضخما مؤلَّفا من نحو ٤٠ جماعة. فهل ظلُّوا اقوياء روحيا؟ وهل تكون محبتهم للّٰه قوية كفاية لتحفظهم من الاستسلام لليأس؟ سنعود للتكلم عنهم لاحقا.
مخيمات اللاجئين في ملاوي وزامبيا
لم يُسمح لكل الذين هربوا من كاريكو بأن يدخلوا ملاوي على الفور. فبعد ان عبرت جماعة ماشاكينيه الحدود اكتشفتها الشرطة الملاوية وهي تستريح وأُمرت بالعودة. فناشد الاخوة الشرطة وشرحوا انهم هاربون من الحرب في المنطقة حيث يسكنون. ولم تكن الشرطة
متعاطفة. وكما يبدو دون ايّ خيار وبيأس صرخ احدهم: «ايها الاخوة، هلمَّ نبكي!» وهذا ما فعلوه بالضبط، وكان ذلك بصوت عالٍ جدا بحيث لفت انتباه الذين في الجوار. وإذ شعرت الشرطة بالاحراج التمست منهم ان يتوقفوا. وتوسلت احدى الاخوات: «دعونا على الاقل نعدّ بعض الطعام للأولاد.» فأذعن رجال الشرطة لطلبها، قائلين انهم سيعودون. ومن المفرح انهم لم يعودوا قط. ولاحقا اتى شخص في مركز سلطة لمساعدة الشهود، جالبا الطعام ومرشدا اياهم الى مخيم اللاجئين حيث كان باقي الاخوة.كان شهود يهوه الموزَمبيقيون يملأون مخيمات اللاجئين في ملاوي. وسمحت لهم حكومة ملاوي بالدخول كلاجئي حرب. وزوَّد الصليب الاحمر الدولي المساعدة، جالبا المؤن لتخفيف المشقة والصعوبات التي سبَّبتها الاحوال القاسية في مخيمات اللاجئين في الهواء الطلق. وذهب البعض الى زامبيا، حيث جرى ارشادهم الى مخيمات اخرى للّاجئين. وعمل الآن فيليپ ماتولا وفرناندو موتِمبا مع اعضاء من لجنة القرى الملاوية، باحثين عن الاخوة الموزَمبيقيين في هذه المخيمات لتزويدهم بالتعزية الروحية والمساعدة المادية التي اجازتها الهيئة الحاكمة.
وفي ١٢ كانون الثاني ١٩٨٦ زوَّد أ. د. شرودر، عضو في الهيئة الحاكمة، التشجيع الروحي بالاضافة الى تعابير المحبة الحارة من الهيئة الحاكمة لهؤلاء الاخوة. ورغم انه لم يستطع ان يدخل الى المخيمات، فقد القى محاضرة في زامبيا تُرجمت بلغة تشيتشايوا، سُجِّلت، ثم أُخذت الى المخيمات حيث كان الاخوة الموزَمبيقيون.
وتدريجيا جرت مساعدة هؤلاء اللاجئين على الوصول الى محطتهم التالية — في موزَمبيق. وبالنسبة الى كثيرين كانت هذه المحطة مْواتيزيه، في اقليم تيتي. نعم، كان هنالك تغيير في موقف الحكومة من
شهود يهوه في موزَمبيق، رغم انه لم يكن جميع الرسميين الحكوميين يظهرون ذلك.العودة الى موزَمبيق
ببطء، ابتدأ فريق بعد آخر يغمر المناطق الواقعة شرقي مدينة تيتي. ومقطورات القطارات المهجورة، التي كانت تُستعمل كمراحيض عامة، استُعملت كبيوت لهم. وبعد تنظيفها استُعمل الكثير منها كأماكن للاجتماع من اجل ذكرى موت المسيح التي عُقدت في ٢٤ آذار ١٩٨٦.
والاخوة من كل انحاء موزَمبيق انتظروا هناك اشهرا دون ان يعرفوا كيف كانوا سيُنقَلون الى موطنهم. وقد ساهم هذا الانتظار في المحنة. وحاولوا ان يبتكروا ايّ نوع من الاستخدام ليساعدهم على دعم انفسهم او توفير بعض المال لشراء بطاقة سفر، ولكن دون جدوى. وبسبب الحرب، لم يكن السفر برًّا ممكنا. ولم تعاملهم دائما بلطف السلطات المحلية، التي ظلت تجبرهم على تكرار الشعارات السياسية. وأجاب الاخوة عن ذلك بجرأة: «لقد أُخذنا الى كاريكو من اجل هذه القضية. وهناك اتممنا مدَّتنا وصرنا تحت رحمة المهاجمين المسلَّحين. وهربنا بطريقتنا الخاصة. فماذا تريدون منا بعد؟» وعند هذه الاجابة كانوا يُتركون وشأنهم. لكنَّ مضايقة الاحداث وسجنهم استمرَّا في محاولة لتجنيدهم في جيش الحكومة من اجل مكافحة العصيان المسلَّح المستمر في المنطقة. واستخدم الاخوة الاحداث ابرع الوسائل الممكنة للفرار والاختباء.
قرَّرت اللجنة في ملاوي ان يذهب فرناندو موتِمبا الى تيتي من اجل تزويد العون للاخوة هناك. وعندما وصل الاخ موتِمبا الى مْواتيزيه، قرَّرت السلطات ان تفتِّش حقائبه. وفي الوقت المناسب، تمكَّن الاخوة من انقاذ المطبوعات التي في حوزته. لذلك عندما بحثت الشرطة في عبرانيين ١١:٣٧، ٣٨.
حقائبه، ماذا وجدوا؟ يقول، «بعض الخِرَق فقط.» فسألت الشرطة الخائبة: «هل هذا كل شيء؟» نعم، كان ذلك كل شيء. كان ذلك كل امتعة رجل حمل مسؤولية كبيرة في المخيمات. وكما كانت حال الجميع، عاد مجرَّدا من كل ما يملك. وفي الواقع، لم يكن مظهر الاخوة الجسدي في ذلك الوقت مرتَّبا على الاطلاق — كانوا وسخين، لابسين خِرَقا، جائعين، ومن الواضح انه اسيئت معاملتهم. وقد لاءمهم كثيرا الوصف الموحى به لكثيرين من خدام اللّٰه في الماضي: «طافوا في جلود غنم وجلود معزى معتازين . . . مُذَلين. وهم لم يكن العالم مستحقا لهم. تائهين في براري . . . ومغاير وشقوق الارض.» —اخيرا، النقل الى ماپوتو
في ماپوتو شرعت لجنة عيَّنتها الجمعية في الاتصال بمختلف الوكالات الحكومية وغير الحكومية، محاولة ان تجد وسيلة نقل للاخوة في تيتي وفي زامبيا. وكم كان ايزاك مالاتيه وفرانسيسكو زونڠوزا فرحَين عندما ذهبا الى لجنة الامم المتحدة لشؤون اللاجئين وجرى اعلامهما: «سُمح حتى الآن بأكثر من ٥٠ رحلة لإعادة شهود يهوه»! وكانوا شاكرين على سماح الحكومة بذلك.
وإذ لم يعلم الاخوة في تيتي الذين كانوا في مخيمات قرب المطار بهذا الترتيب، كانوا يذهبون كل يوم الى المطار على امل ان تنقل طائرة شحن عددا منهم على الاقل. وإذ تثيره المشاعر، يتحدث فرناندو موتِمبا عن ١٦ ايار ١٩٨٧: «كانت الساعة ٣٠:٧ صباحا. عندما نظرت الى المطار، رأيت طائرتَي بوينڠ كبيرتين كانتا ستبدأان برحلات هي بمثابة ‹جسر جوِّي› لإجلاء كل شهود يهوه الى ماپوتو.» فيا له من توقُّع مثير! العودة الى مدنهم — بعد ١٢ سنة!
ولكن من المؤسف ان مظهرهم لم يكن لائقا. فقد استعار إميديو
ماتيه، شيخ في جماعة ماشاكينيه، سروالا من شخص كان لديه اكثر من سروال ليصل الى ماپوتو بلباس مرتَّب. والاخوة الذين ينتظرون وصولهم الى ماپوتو اخذوا ايضا ثيابا الى الطائرات لكي يتمكن اللاجئون من النزول بشيء من الكرامة. وهل كانوا خجلين؟ يجيب إميديو: «كلا، فعلى الرغم من اننا جُرِّدنا ماديا، كان لدينا الرجاء ان يهوه سيستخدمنا ذات يوم في ترفيع اسمه. ولم نكن مهتمين بالامور المادية؛ ولم نشعر بالخجل. وكنا نمشي لابسين الخِرَق، لكنَّ ايماننا بيهوه لم يتزعزع.» وتبرع الاخوة في جنوب افريقيا وزمبابوي بسرور بأطنان الطعام واللباس لإخوتهم الموزَمبيقيين العائدين.وزوَّدت الحكومة المزيد من وسائل النقل للشهود العائدين الى اقاليم اخرى. وكانت ستنشأ مشاكل بعدُ للعائدين الى اقليم سوفالا، الى المنطقة المعروفة برواق بيرا (بسبب الحماية التي زوَّدها جنود زمبابوي). وجرى اعتقال ثمانية عشر منهم، بمَن فيهم شيخ، وأخذهم الى قاعدة لحركة المقاومة.
‹يهوه عظيم، يهوه عظيم!›
بعدما استجوبهم آمر القاعدة وأدرك انهم من شهود يهوه، استدعى رجل دين مسؤولا عن كنيسة في المنطقة الواقعة تحت سيطرة حركة المقاومة. وقال لهذا الرجل: «هؤلاء هم شهود يهوه، والآن سيصلّون معك. فعاملهم جيدا.» ولدهشة الاخوة، هزَّ هذا القسيس (الذي كان قد حصل منذ فترة على بعض مطبوعات برج المراقبة وهو في زمبابوي) رأسه متعجبا وهتف: «يهوه عظيم . . . يهوه عظيم!» وتابع: «لقد صلينا الى يهوه ليرسل الينا على الاقل شخصا واحدا ليعلِّمنا.»
وفي اليوم التالي جمع كنيسته المؤلفة من ٦٢ عضوا وطلب من تثنية ٧:٢٥؛ ١ يوحنا ٥:٢١) فأطاعوا فورا. وأظهر ايضا ان يهوه لا يقبل ولا يجيز طرد الابالسة بواسطة خدامه اليوم وأن قرع الطبول الشعائري ليس جزءا من العبادة الحقة كما هي مدوَّنة في الكتاب المقدس. (متى ٧:٢٢، ٢٣؛ ١ كورنثوس ١٣:٨-١٣) وفي الختام، وقف قائد الفريق وقال: «من اليوم فصاعدا عائلتي وأنا من شهود يهوه.» وعبَّرت المجموعة كلها باستثناء زوجين عن الرغبة عينها.
الشيخ ان يتحدث اليهم. فابتدأ الاخ بالقول ان كل تماثيلهم يجب ان تُنزع. (خلال الاشهر الاربعة التي بقي فيها الاخوة هناك، كانوا يعقدون الاجتماعات قانونيا. وعندما حان وقت مغادرتهم، اخذوا معهم عددا كبيرا من هذا الفريق، الذي كان كثيرون منه سابقا اعضاء نشاطى في الاحزاب المتحاربة.
انضم كثيرون الى شعب يهوه خلال هذه الفترة، لأن الاخوة لم يتوقفوا قط عن الكرازة ببشارة ملكوت اللّٰه والتلمذة على الرغم من احوالهم المعيشية الصعبة. — متى ٢٤:١٤؛ ٢٨:١٩، ٢٠.
العودة الى الحياة في المدن
كان الاخوة شاكرين على عودتهم الى المدن. ولكن دون وثائق، اماكن للسكن، او عمل دنيوي، ظلت حياتهم شاقة. وكانت تلك مرحلة جديدة في حياة التحديات التي عاشوها. والامة نفسها كانت تعاني الاضطرابات، وكانت تبتليها الحرب الاهلية، الجوع، الجفاف، والبطالة. فهل يستطيع شعب يهوه ان يعالج هذه الشدائد بنجاح؟
هبَّت الحكومة لمساعدتهم، فأنشأت ادارة اعادة التوحيد الاجتماعية. وأُعيد شهود كثيرون الى استخدامهم السابق، محتلِّين مراكز مهمة في الشركات في القطاعَين العام والخاص. وصار آخرون مقاولين.
وتمكن كثيرون من العودة الى مكان اقامتهم السابق، اذ كان الاقرباء لا يزالون يقيمون فيه. ولكن لم يكن الوضع سهلا بالنسبة الى آخرين. فكان الغرباء او الاقرباء غير الوديين قد اخذوا بيوتهم او كانت الدولة قد امَّمتها. فاختار الشهود العائدون ألّا يسبِّبوا ايّ اضطراب، مظهرين الوداعة خلافا لما كانت الدولة تخشاه. وفتح الشهود الذين لم يُرسَلوا الى المخيمات بيوتهم لاستقبال اخوتهم المشرَّدين. وتدريجيا وجدوا او بنوا اماكن ليستقروا فيها. وببركة يهوه على اجتهادهم، لدى كثيرين اليوم بيت حسن، لدهشة الذين شاهدوا حالتهم المثيرة للشفقة عند عودتهم. والجدير بالذكر انه في خضم الفقر المدقع لم يحتَج واحد من شهود يهوه ان يلجأ الى التسوُّل. وبعد عدة سنوات، عندما أُتيح للناس امتلاك بيتهم الخاص بشرائه من الدولة، كان اول من فعل ذلك في البلد كله واحدا من شهود يهوه كان في كاريكو. ومستودع المطبوعات العامل حاليا في ماپوتو هو في هذا الموقع.
لكنَّ اهتمام الاخوة الرئيسي لم يكن امتلاك بيت او ايّ ربح مادي آخر. فكان الامر الاهم ايجاد اماكن لعقد الاجتماعات من اجل العبادة. أولم يكن هذا هو السبب الرئيسي الذي من اجله اعادهم يهوه بأمان الى موطنهم؟ كان ذلك بالتأكيد ما آمن به الاخوة بثبات. (قارنوا حجي ١:٨.) وفورا اقاموا قاعات ملكوت مؤقتة من كل الانواع — في الفناء الخلفي، في غرف الجلوس والمطابخ، في اكواخ مصنوعة من الصفيح والقش، وأحيانا — في حالات الرفاهية — كانوا يجتمعون في غرف مدارس استأجروها او قاعات مستشفيات. ومعظم الجماعات الـ ٤٣٨ في موزَمبيق تجتمع الآن ايضا في قاعات الملكوت المؤقتة هذه. والاستثناءات نادرة. وأحد هذه الاستثناءات هو في بيرا حيث تغلَّب الاخوة على عقبات عديدة، بمساعدة فرع زمبابوي وفريق البناء الشجاع التابع لهم، ودشَّنوا اخيرا في ١٩ شباط ١٩٩٤ اول قاعتَي ملكوت من القرميد في موزَمبيق.
اللجان الخصوصية — الاعتراف الشرعي
للاعتناء بحاجات الاخوة المادية والروحية وهم يعيدون تنظيم حياتهم، عيَّنت الهيئة الحاكمة لجانا خصوصية في تيتي، بيرا، وماپوتو يشرف عليها فرعا زمبابوي وجنوب افريقيا. وفي ظل هذا الترتيب صار بالإمكان ان تنال الجماعات انتباها اكبر. ولتزويد مطبوعات الكتاب المقدس اللازمة جدا، أُقيمت مستودعات في هذه المدن. وخدمت هذه ايضا كمراكز توزيع لمؤن الاغاثة من الطعام واللباس. وجرى
تنظيم المحافل، رغم انه كان هنالك بعض العقبات التي لزم تخطيها قبل ان تُعقد هذه المحافل علنا.ثم في ١١ شباط ١٩٩١ تردَّد صدى اخبار مثيرة في كل انحاء البلد، لبهجة شعب يهوه حول العالم. فقد منحت حكومة موزَمبيق الاعتراف الشرعي لـ اسوسياساو داس تِستِمونياس دي جِيوڤا دي موسامبيكيه (جمعية شهود يهوه في موزَمبيق). وكان فرناندو موتِمبا، الذي ساعد بولاء على الاعتناء بالاخوة في كاريكو، سيخدم بصفته رئيسها الاول. وكان شعب يهوه في موزَمبيق مبتهجين ايضا بوجود اول مرسلين مدرَّبين في جلعاد بينهم. وكان هؤلاء في بيوت المرسلين في ماپوتو وفي بيرا. وكان يجري اعداد بيت آخر ايضا في تيتي لاستيعاب مرسلين آخرين كانوا سيصلون قريبا.
المرسلون يجلبون الفرح لإخوتهم
انفتح حقل ارسالي حقيقي في موزَمبيق. وإذ كان المتخرجون من جلعاد والفاتحون الخصوصيون ذوو الخبرة، الذين كانوا يخدمون في حقول اخرى، مضحِّين بالذات وراغبين في الاشتراك في اعادة البناء وعمل الحصاد الروحيَّين، قبلوا بتوق الدعوة الى الخدمة هنا. وأتوا من القارات الخمس، وكان كثيرون منهم من بلدان ناطقة باللغة الپرتغالية مثل البرازيل والپرتغال. ولم يكن تعيينهم الجديد دون تحديات، لأنه في سنتَي ١٩٩٠ و ١٩٩١ كان البلد يبتدئ بالتعافي من الورطة الاقتصادية التي سبَّبتها الحرب والجفاف. يتذكر هانس يِسپرسِن، وهو مرسل دنماركي كان قد خدم في البرازيل ويخدم حاليا كناظر كورة: «لم يكن هنالك شيء تقريبا في المحلات، وكانت علامات الحرب وعواقبها واضحة جدا.» لكنَّ التعافي الاقتصادي المستمر كان واضحا. ومع ذلك، لا يزال كثيرون من اخوتنا في المناطق الشمالية والريفية يعيشون في ظروف صعبة جدا.
واجه المرسلون امورا كثيرة جديدة بالنسبة اليهم. مثلا، قبل توقيع معاهدة سلام بين حكومة الـ فريليمو والـ رِنامو، كانت تعيينات المرسلين تتطلب احيانا ان يتنقلوا في كولوناس (قوافل طويلة من السيارات ترافقها قوات الحكومة المسلَّحة)، وكانت هذه تتعرض احيانا للهجوم. لكنَّهم اختبروا فرحا عظيما في التعرُّف بإخوتهم؛ وبالنسبة الى كثيرين من هؤلاء الاخوة كان الالتقاء بالشهود من عروق وقوميات اخرى بمثابة حلم يتحقق.
في منطقة نائية من الشمال، سار ولد يوما بكامله مع ابيه لرؤية مرسل من اوستراليا. وعندما رأى الاب تعابير التعجب على وجه الولد قال: «ألم اقُل لك ان لنا اخوة بيضا؟» وكان كثيرون يعبِّرون عن ابتهاجهم عند تحية المرسلين، قائلين: «لم نكن نعرف عنكم إلا من الاختبارات في الكتاب السنوي.» وقال شهود موزَمبيقيون كانوا لا يزالون في مخيمات اللاجئين في زامبيا سنة ١٩٩٣: «عندما سمعنا في زامبيا ان هنالك بيتا للمرسلين في تيتي، بذلنا اقصى جهدنا للعودة لكي نرى ذلك بأم العين ولكي نستمر في خدمتنا هنا، بعد ١٨ سنة من اخذنا الى كاريكو.»
ان الهدف الرئيسي لهؤلاء المرسلين في موزَمبيق هو الكرازة ببشارة ملكوت اللّٰه. وقد جلب ذلك السرور. يتذكر المرسلون الاوائل في ماپوتو وبيرا: «كان الجوع الروحي شديدا جدا بحيث كانت تُوزَّع كميات هائلة من المطبوعات يوميا.» ومطبوعات الجمعية بأربعة الوان هي فريدة في هذا البلد وتلفت كثيرا انتباه العامة. وغالبا ما تُستعمل بيوت المرسلين كقواعد مركزية تُعقد فيها دروس الكتاب المقدس، لأن كثيرين من التلاميذ يبدو انهم يفضِّلون ذلك.
هنالك حاليا ستة بيوت للمرسلين في كل انحاء البلد، و ٥٠ مرسلا يخدمون في تعيينات مختلفة. ويسافر بعض المرسلين كل شهر في
طرقات عيَّنها الفرع لجمع التقارير وتسليم المراسلات، المجلات، والمطبوعات. ويشمل احد هذه الطرقات الموقع السابق لدائرة كاريكو في ميلاندْجي.وماذا حصل للشهود الذين بقوا في هذه المنطقة وصاروا منعزلين عن باقي اخوتهم؟
دائرة كاريكو تنفتح
في ٤ تشرين الاول ١٩٩٢ جرى توقيع معاهدة السلام العامة بين الـ فريليمو والـ رِنامو في روما، مما انهى رسميا الحرب الاهلية في موزَمبيق التي دامت ١٦ سنة. وهذا الحدث الذي احتُفل به على نحو واسع مكَّن من ازالة الستار الذي كان يغلق على منطقة دائرة كاريكو السابقة. وماذا جرى اكتشافه؟ اكثر من ٥٠ جماعة لشهود يهوه تخرج من عزلة دامت سبع سنوات. فكيف ظلوا اقوياء روحيا خلال هذه العزلة الشديدة؟
في شباط ١٩٩٤ جرت مقابلة في ميلاندْجي مع ٤٠ من الاخوة المسؤولين. وكان هنالك ايضا بين الحضور الف شخص آخر ساروا اكثر من ٢٠ ميلا (٣٠ كلم) لمجرد رؤية المرسلين. روى الشيوخ الذين كانوا قد بقوا بعد الهجرة: «بعد ضرب كثيرين منا في القاعدة العسكرية، سُمح لنا بالعودة الى السكن في الـ ماشامباس التابعة للقرى التي لم تعد موجودة. وبمرور الوقت سمحت لنا الـ رِنامو ببناء قاعات ملكوت وعقد اجتماعاتنا. ووعدوا — ووفوا بوعدهم — انه لن تجري مضايقتنا ونحن في قاعاتنا او في طريقنا الى العبادة. لكنهم قالوا انهم ليسوا مسؤولين عمَّا يحصل اذا كان احد في يوم الاجتماع موجودا في البيت او حتى خارج قاعة الملكوت.» وماذا عن الكرازة؟ كان جوابهم مؤثرا: «دون لباس ومجرَّدين من كل شيء، كنا نعيش
كالحيوانات، لكننا لم ننسَ اننا من شهود يهوه وأن لدينا التزام الكرازة بالملكوت.» فيا له من تعبير بليغ عن التقدير والمحبة للّٰه!سنة ١٩٩٣ شهد ناظر الكورة وزوجته حادثة فريدة في محفل دائري عُقد في ميلاندْجي، حادثة اكَّدت ان هؤلاء الاخوة استمروا فعلا في التلمذة. فعندما طلب الخطيب الذي كان يلقي خطاب المعمودية من المرشحين ان يقفوا، وقف ٥٠٥ من الحضور البالغ عدده ٠٢٣,٢ ليقدِّموا انفسهم للمعمودية! ولكن هنالك المزيد.
«شاول» كاريكو
صار شاول الطرسوسي، مضطهد حماسي لأتباع يسوع المسيح في القرن الاول الميلادي، خادما غيورا ليهوه. وكان لكاريكو ايضا «شاول» خاص بها. انه رجل بهيّ الطلعة وديع المظهر، وهو الآن خادم مساعد وفاتح قانوني. ويبدو انه ليس هنالك ما يميِّزه من زملائه في العمل اذ يبذلون قصارى جهدهم في العمل الجسدي لكسب رزقهم. ولكن أصغوا اليه اذ يتوقف عن عمله ليخبر قصته:
«في حزيران ١٩٨١ استولت حركة المقاومة على المنطقة التي اسكن فيها. فأُخذت مع الرجال الآخرين الى ثكناتها. وأوضحوا لنا الاهداف النبيلة لنضالهم وأهمية دعم تحرير شعبنا. تلقيت التدريب العسكري وشاركت في معارك ناجحة. وصار ذلك روتين حياتي اليومي طوال السنوات السبع التالية. وبسبب ولائي للحركة جرت ترقيتي الى رتبة آمر. وكنت آمرا على سبع فرق صغيرة من الجنود. وخضعت مناطق عديدة لسيطرتنا، وكانت احداها كاريكو. فأرسلتُ كتيبة من الرجال للدخول الى القرى حيث كان شهود يهوه، وذلك لنيل دعمهم. وسمحت بحرق بيوتهم وقتل بعضهم. فقالت لي فرقة المغاوير: ‹سنقتلهم جميعا، ولكننا لن نغيِّرهم ابدا.› وبعد فترة أُرسلتُ الى قواعد اخرى.»
اعمال ١٧:٣٠) هذا مجرد مثال واحد من الامثلة الكثيرة التي تظهر لماذا غالبا ما يقول الاخوة الموزَمبيقيون بتقدير عميق: «يهوه عظيم.» — مزمور ١٤٥:٣.
ومع ان هذا الآمر لم يحسَّ بوخز الضمير بسبب اضطهاده شعب يهوه، منحه يهوه برحمته فرصة ليتغيَّر. يوضح: «بعد مرور سبع سنوات دون ان ارى زوجتي، طلبت اذنا شخصيا لزيارتها. وتعرَّفت للمرة الاولى بالحق في مخيم للاجئين في ملاوي. فرفضته في البداية. ولاحقا عندما سمعت عن العالم الجديد، ملكوت اللّٰه، وعالم خالٍ من الحروب، تساءلت: ‹هل يمكن ان يستفيد من ذلك شخص فعل كل هذه الامور الرديئة؟› وكان الجواب الذي أُعطي لي من الكتاب المقدس: ‹نعم، بامتلاك الايمان وإطاعة اللّٰه.› فقبلت درسا في الكتاب المقدس، واعتمدت في حزيران ١٩٩٠. ومنذ ذلك الحين انا فاتح وأساعد كثيرين من رفقائي المحاربين سابقا. وفي مجرد مخيم واحد ساعدت ١٤ شخصا ليصيروا خداما ليهوه. لقد خدمت حيث الحاجة اعظم، وشاركت في المعاناة بسبب الحياد. وأنا شاكر جدا ليهوه على رحمته وعلى تغاضيه عن ازمنة جهلي، اذ سامحني على اساس ذبيحة يسوع المسيح.» (مكتب فرع في ماپوتو
مَن كان ينتظر ذلك؟ لقد حصل ابكر مما توقَّعوا. فقد وافقت الهيئة الحاكمة على فتح مكتب فرع في موزَمبيق. ومنذ سنة ١٩٢٥، عندما جلب عامل المنجم البينو ميلمبي الحق من جوهانسبورڠ، كانت فروع جنوب افريقيا، ملاوي، وزمبابوي تهتم بالعمل في موزَمبيق. وأخيرا ابتداء من ١ ايلول ١٩٩٢ باشر فرع موزَمبيق في ماپوتو عمله للاشراف على هذا الحقل الواسع في بيت كبير اقتنته وجدَّدته الجمعية في منطقة تكثر فيها السفارات. ومن عائلة صغيرة في البداية مؤلفة من سبعة اعضاء، كان امام لجنة الفرع المعيَّنة حديثا عمل يشكِّل تحديا. فكان
عليهم ان ينظِّموا العمل في الحقل، ان يعتنوا بالحاجات الروحية — وحتى المادية — للاخوة، ان يساعدوا على بناء قاعات الملكوت، وأن يبنوا تسهيلات الفرع الجديدة. لقد كان حقا عملا عظيما. لكنَّ المساعدة ابتدأت تصل.ان فرق المتطوعين الاممية، الذين اتوا من مختلف انحاء العالم، يعملون الآن مع اخوتهم الموزَمبيقيين في بناء تسهيلات الفرع الجديدة في موقع جميل على الشاطئ. ونمت عائلة البتل الى عدد من الاعضاء الدائمين يبلغ ٢٦. ويساعد ايضا الاخوة والاخوات من منطقة ماپوتو. وكفريق متَّحد يعملون جميعا لترفيع عبادة الاله الحقيقي يهوه في هذه الناحية من الارض. — اشعياء ٢:٢.
«ليكن مثله مكرَّما عندكم»
يقوم النظار الجائلون ايضا بعمل شاق هنا. فهنالك رجال مثل أدسون امبِندِرا، الذي كان يزور الجماعات في الشمال والذي خدم لاحقا كعضو في لجنة الـ O.N. في المخيمات؛ لامِك نياڤيكوندو، الذي يتذكره الاخوة في سوفالا بتقدير؛ إلياس ماهنّي، الذي اتى من جنوب افريقيا ليخدم، عانى الفظائع، وحذَّر مسبقا: «لقد اختفت الـ PIDE [شرطة الاستعمار]، لكنَّ مصدرها، الشيطان ابليس، لا يزال موجودا. فتقووا وتشجَّعوا.» (١ بطرس ٥:٨) وإذ لم يتوقَّعوا اية وسائل للراحة، تخلَّوا عن كل الرفاهية التي كان يمكن ان يحصلوا عليها ليخدموا اخوتهم.
ومؤخرا جرى تأسيس دائرة في منطقة ميلاندْجي، حيث كانت القرى «السجون.» والاخوة الساكنون في هذه المنطقة شاكرون ليهوه خصوصا لأنهم يستفيدون بشكل اكمل من العناية المزوَّدة بواسطة هيئته المنظورة. اورلاندو پِنڠا وزوجته اعتبراه امتيازا ان يغادرا ماپوتو ليخدما هناك، حيث كان قد لعب هو وآلاف غيره دورا على «مسرح
كاريكو.» وإلى غرب مدينة تيتي، يسافر بنجامين جِرِمايا وزوجته اياما سيرا على الاقدام الى اماكن حيث لم يرَ اشخاص كثيرون سيارة قط، مساعدَين على اعادة توحيد آخرين ممَّن عزلتهم الحرب طوال سنوات. رايمُند پيري، اخ عازب لديه روح التضحية بالذات، اضطر ان ينام على قمة جبل مع باقي الجماعة التي كان يخدمها، وذلك هربا من هجومات محتملة، وهناك اعدَّ تقاريره لمكتب الفرع. وهانس وأنيتا يِسپرسِن يخدمان ايضا في المقاطعة الريفية وقد تعرَّفا كلاهما بغنى اخوتهما الروحي وفقرهم المادي.يظهر هؤلاء الاخوة جميعا الروح التي دفعت الرسول بولس ان يكتب عن أَبَفرودِتُس: «ليكن مثله مكرَّما عندكم.» — فيلبي ٢:٢٩.
التقدُّم بغيرة تقوية
بالاضافة الى المحافظة على الاستقامة خلال المحن العسيرة، يظهر الامناء في موزَمبيق محبتهم للّٰه ورفيقهم الانسان بطريقة اخرى. ففي الخدمة العلنية يستغلُّون جيدا حريتهم الحديثة وتدابير يهوه الوافرة كالمجلات والمطبوعات الاخرى. ويمكن ان يُشاهَدوا وهم يكرزون بحرية في الشوارع، في الساحات العامة، وفي الاسواق مثل شيپامانين. والنتائج واضحة اذ يزداد عدد مسبِّحي يهوه بسرعة.
وبالاضافة الى الناشرين الجدد، عزَّزت الزيادةَ عودةُ الاخوة من مخيمات اللاجئين في البلدان المجاورة. فقد عادت دوائر بكاملها. وبنوا بسرعة قاعات ملكوت، مستخدمين اية مواد في متناول ايديهم. وهم يفعلون ذلك حتى في مجتمعات اللاجئين المؤقتة، مثل زوبْويه، على حدود ملاوي، وكابوا رقم ٢، خارج ڤيلا أُلونڠويه. وينضم كثيرون الى صفوف الفاتحين دون انتظار اوقات اقتصادية افضل. وهنالك الآن اكثر من ٩٠٠,١ يشاركون في هذه الخدمة كامل الوقت.
وهم يعبِّرون عن تقديرهم العميق للتدريب الذي نالوه في مدارس خدمة الفتح، التي ابتدأت هنا سنة ١٩٩٢.وهل يمكنكم ان تحزروا مَن كان المدرِّسون في آخر مدرسة في ماپوتو، حيث كان الصف في معظمه مؤلَّفا من اشخاص كانوا في دائرة كاريكو؟ فرانسيسكو زونڠوزا، حامل الرقم القياسي لعدد المرات التي سجن فيها بسبب ايمانه، واوجينيو ماسيتِلا، الذي أُلقي القبض عليه وأُرسل الى ميلاندْجي بعد اسبوع واحد فقط من الابتداء بالدرس معه. ويخدم كلاهما الآن كناظرَي دائرة. وكان احد التلاميذ إرنستو شيلوليه. ولديه مجموعة من الذكريات يودّ ان يشترك فيها: «عندما امرّ في الشارع الذي كان فيه مبنى
الـ PIDE سابقا، انظر الى النافذة وأتذكر — هنا قال لي العملاء: ‹فليكن معلوما لديكَ يا شيلوليه: هذه موزَمبيق، ولن تصيروا ابدا شرعيين في هذا البلد.› والآن هوذا هنا في الشارع يقع مكتب فرعنا الشرعي!»وكم يشعر الاخ شيلوليه دون شك بالمكافأة لأن ابنته اليتا، التي كانت تجلب الطعام من مؤن الجماعات عندما كان ابوها في سجن ماشاڤا، هي الآن زوجة فرانسيسكو كوانا، احد اعضاء لجنة الفرع! والاخ كوانا كان ذلك الفاتح الغيور في كاريكو الذي كان «يبيع» بمهارة البضائع للذين خارج المخيمات ليتمكن من الكرازة لهم. بالتأكيد بارك يهوه آلاف الامناء الذين، في الشمال في اقليم ميلاندْجي، في دائرة كاريكو، تركوا مثالا جديرا بالمدح للمحبة، الايمان، والاستقامة، اكراما وتمجيدا ليهوه. — امثال ٢٧:١١؛ رؤيا ٤:١١.
لكنَّ المعركة لم تنتهِ. فهنالك اخطار جديدة، اخطار تشكِّل تحديا. والروح العالمية المتساهلة التي تنتشر حول الارض يمكن ان تجني الضحايا هنا ايضا وقد حصل ذلك. فالفساد الادبي، المادية، واللامبالاة الناتجة عن الاوقات الاسهل ظاهريا قد اخذت ضريبتها. لكنَّ خدام يهوه الامناء في موزَمبيق يستمرون بجد في البقاء متيقظين باستمرار. وقد نجوا من امتحانات هائلة للايمان. وتصميمهم، بمساعدة يهوه، هو ان يستمروا في اعطاء الدليل على انهم يحبون يهوه من كل قلبهم، فكرهم، نفسهم، وقدرتهم وأنهم يحبون قريبهم كنفسهم. ولديهم ايمان لا يتزعزع بأن ملكوت اللّٰه قريبا سيحوِّل الارض الى فردوس، حيث لن تتوقف الحرب والجوع فحسب بل سيفرحون ايضا فرحا عظيما بالترحيب بعودة احبائهم من الموت، بمَن فيهم كل الذين اثبتوا امانتهم للّٰه حتى الموت في دائرة كاريكو. — امثال ٣:٥، ٦؛ يوحنا ٥:٢٨، ٢٩؛ رومية ٨:٣٥-٣٩.
[الخريطتان في الصفحة ١٢٣]
(اطلب النص في شكله المنسق في المطبوعة)
زامبيا
زمبابوي
جنوب افريقيا
ملاوي
موزَمبيق
ميلاندْجي
كاريكو
موكوبا
اينيامينڠا
بيرا
ماشيش
اينيامبان
ماپوتو
تيتي
الخريطة المدرجة: نُفي اخوة عديدون الى سان توميه، على بعد نحو ٥٠٠,٢ ميل [٩٠٠,٣ كلم]، في المحيط الاطلسي
[صورة تغطي كامل الصفحة ١١٦]
[الصورة في الصفحة ١٣١]
قيل لإرنستو شيلوليه: «لن تصيروا ابدا شرعيين في هذا البلد. . . . انسوا الامر!»
[الصور في الصفحتين ١٤٠ و ١٤١]
في مخيم اللاجئين في كاريكو، كان اخوتنا (١) يقطعون الاخشاب و (٢) يدوسون الطين لصنع القرميد، فيما (٣) كانت الاخوات يحملن الماء. (٤) لقد وجدوا طرائق لعقد المحافل. (٥) شَڤيير دِنڠو، (٦) فيليپ ماتولا، و (٧) فرانسيسكو زونڠوزا عملوا على تزويد الاشراف الروحي هنا كنظار دوائر. (٨) قاعة الملكوت التي بناها هنا الشهود الملاويون لا تزال قيد الاستعمال.
[الصورة في الصفحة ١٧٥]
شهود مجتمعون من اجل محفل «التعبد التقوي» الكوري قرب ماپوتو سنة ١٩٨٩ بُعيد عودتهم من المخيمات
[الصورتان في الصفحة ١٧٧]
الاعلى: شيوخ ونظار دوائر في الموقع حيث يسلِّم المرسلون المطبوعات والبريد كل شهر
الاسفل: المرسلون في تيتي يتلقّون دروسا في لغة تشيتشايوا
[الصورتان في الصفحة ١٨٤]
لجنة الفرع (من اليسار: اميل كريتزينڠر، فرانسيسكو كوانا، ستِفِن ڠِبهارت)، مع صورة لتسهيلات الفرع التي تُبنى الآن في ماپوتو