الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

ڤنزويلا

ڤنزويلا

ڤنزويلا

ان التعرُّف بڤنزويلا قد يبدو كالقيام بجولة حول العالم.‏ فماذا يمكن ان تروا؟‏ قد ترون هنديا يصطاد في الدغل مستخدما رمحا.‏ سيدة حسنة الهندام تتسوَّق في متجر فاخر.‏ زائرين يرقصون على ضرب للطبول على الطريقة الافريقية في مهرجان ليلي.‏ صبيا صغيرا يتمسك بعباءته اتِّقاءً للهواء الجبلي البارد فيما يركض ليجمع خرافه.‏ وأكثر من ٠٠٠‏,٧١ شاهد ليهوه —‏ صغارا وكبارا،‏ من خلفيات عديدة —‏ ينهمكون في التحدث الى الآخرين عن الاله الحقيقي وملكوته.‏

ان جذور معظم الڤنزويليين هي خليط من الاسلاف الهنود،‏ الاسپان،‏ والافريقيين.‏ ومنذ الحرب العالمية الثانية صار مهاجرون اوروپيون كثيرون من اسپانيا،‏ ايطاليا،‏ والپرتغال،‏ يؤلفون جزءا جديرا بالذكر من السكان.‏ ولا يمكن للمراقب إلا ان يتأثر بعدد الاحداث في كل مكان.‏

ڤنزويلا،‏ الواقعة على الشاطئ الشمالي من اميركا الجنوبية،‏ هي في الواقع ارض تباينات جديرة بالملاحظة.‏ فالخط الساحلي الكاريبي الذي يمتد ٧٥٠‏,١ ميلا (‏٨٠٠‏,٢ كلم)‏ والذي يهبّ عليه النسيم المداري يتباين مع الجبال المكلَّلة بالثلوج والادغال الخصبة.‏ ولا ت‍وجد فقط سهول واسعة تدعى الـ‍ لانُو بل هنالك ايضا شلالات جميلة باهرة،‏ كال‍ كوكِنان،‏ الذي يهبط من مكان واحد مسافة ٠٠٠‏,٢ قدم (‏٦٠٠ م)‏،‏ وسالتو أَنڠِل،‏ او شلال آينجِل،‏ الاعلى في العالم،‏ الذي يندفع ٢١٢‏,٣ قدما (‏٩٧٩ م)‏ من نهر تحت سطح الارض ينبع من الهضبة المستوية الصخرية في الاعلى.‏ والعاصمة،‏ كاراكاس،‏ التي يقطن فيها نحو ٠٠٠‏,٠٠٠‏,٤ ساكن،‏ هي مدينة عصرية ذات مراكز تجارية متطوِّرة.‏ وثمة شبكة طرقات جيدة تربطها بداخل البلاد.‏ ولكن يوجد مئات الآلاف ممن يعيشون في المستعمرات المحتلَّة في منحدرات التلال المطلَّة على كاراكاس المزدهرة.‏

المناخ الديني في ڤنزويلا

ان الغالبية العظمى للڤنزويليين هم كاثوليك رومانيون،‏ مع انه لم تعُد للكنيسة سلطة على الناس كما كان سابقا.‏ والهنود الاصليون،‏ في حين انه غالبا ما يكونون كاثوليكا اسميين،‏ لديهم طقوسهم وخرافاتهم الخاصة،‏ كالذين هم من اصل افريقي.‏ والشعوذة والارواحية شائعتان جدا هنا.‏ ويحمل اناس كثيرون الاحراز لحمايتهم من العين الشريرة.‏ وعبادة ماريا ليونسا،‏ المماثلة للودُّونية،‏ واسعة الانتشار.‏ والفرق الدينية الانجيلية تزداد عددا ايضا.‏

ان «القديسين» و «العذارى» لهم دور كبير في حياة الكاثوليك الڤنزويليين.‏ فكل منطقة في البلد لها «القديس» او «العذراء» الخاص بها.‏ وتحتوي معظم البيوت على صور دينية.‏ وهنالك في بعض البيوت،‏ فوق الباب الامامي،‏ شتلة لردّ الارواح الشريرة،‏ او يُترك كتاب مقدس على طاولة مفتوحا الى المزمور الـ‍ ٩١ اعتقادا منهم ان ذلك سيمنح صاحب البيت شيئا من الحماية.‏

وكثيرا ما تُعلَّق قرب صورة «قديسهم» المفضَّل صورة سيمون بوليڤار،‏ الذي حرَّر ڤنزويلا وأربعة بلدان اخرى في اميركا الجنوبية من الحكم الاسپاني.‏ وما يشهد على إكرامه هو انكم ستجدون هنا في ڤنزويلا مطار سيمون بوليڤار الدولي،‏ جامعة سيمون بوليڤار،‏ شارع سيمون بوليڤار،‏ مدينة بوليڤار،‏ وولاية بوليڤار.‏ والعملة المتداوَلة هي ايضا البوليڤار.‏ وكل بلدة في ڤنزويلا لديها ساحة عامة في وسطها،‏ وتُدعى دائما تقريبا ساحة بوليڤار العامة.‏ والاقوال المنسوبة اليه كثيرا ما تُرى مخطوطة بعناية على الجدران العامة.‏

ولكن،‏ بالاضافة الى ذلك،‏ ثمة ميزة بارزة عند الڤنزويليين هي احترامهم العميق للّٰه وإيمان معترف به بالكتاب المقدس.‏ ونادرا ما يُسخر من شخص لأنه يريد ان يتحدَّث عن الامور الروحية.‏ وموقف التقبُّل هذا زوَّد تربة خصبة لزرع بذار الحق عن يهوه اللّٰه ومقاصده.‏

امرأتان لهما روح ارسالية حقيقية

فيما كان جزء كبير من العالم لا يزال يحاول ان يتغلب على الاحوال الناتجة عن الحرب العالمية الاولى وفيما كان أدولف هتلر يثير المشاكل في اوروپا،‏ كان قرار اثنتين من شهود يهوه تعيشان في تكساس،‏ الولايات المتحدة الاميركية —‏ امرأة اسمها كايت ڠُوَس وابنتها ماريون —‏ انهما ترغبان في فعل المزيد لنشر رسالة السلام التي يحتويها الكتاب المقدس.‏ فكتبتا الى المركز الرئيسي لجمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس في بروكلين،‏ نيويورك،‏ سائلتَين اين يمكن استخدامهما بشكل افضل؛‏ وأَوضحتا انهما تعرفان الاسپانية.‏ وتعيينهما؟‏ ڤنزويلا.‏

وصلتا بالسفينة سنة ١٩٣٦ واستأجرتا غرفة في العاصمة،‏ كاراكاس،‏ التي كان عدد سكانها آنذاك ٠٠٠‏,٢٠٠.‏ وقبل اكثر من عقد،‏ كان بعض تلاميذ الكتاب المقدس —‏ كما كان شهود يهوه معروفين آنذاك —‏ قد زاروا ڤنزويلا ووزَّعوا آلاف نشرات الكتاب المقدس في المدن الرئيسية،‏ لكنهم لم يبقوا في البلد.‏ أما كايت ڠُوَس وابنتها فلم تكونا في ڤنزويلا لمجرد زيارة وجيزة.‏ ومع ان كايت كانت تبدو رقيقة وناعمة،‏ فقد حملت حقيبة ضخمة من المطبوعات وفونوڠرافا فيما كانت تذهب من باب الى باب.‏ وغطَّت مع ابنتها بشكل منظَّم كل كاراكاس.‏ وإذ انجزتا ذلك،‏ انتقلتا الى داخل البلد،‏ مسافرتَين مسافات طويلة بالباص على الطرق الملآنة غبارا وغير المرصوفة.‏ وكرزتا في اماكن مثل كيريكيرِه،‏ إِل تيڠْرِه،‏ سْيوداد بوليڤار في الشرق،‏ وماراكايبو في الغرب.‏

ولكن،‏ في تموز ١٩٤٤،‏ اضطرتا الى العودة الى الولايات المتحدة لأن ماريون التقطت الملاريا.‏ وكايت ڠُوَس،‏ في رسالة الى الجمعية بتاريخ ٢ آب ١٩٤٤،‏ كتبت ما يلي:‏ «وزَّعنا الكثير من المطبوعات .‏ .‏ .‏ وبعد الشهادة في كل انحاء الجمهورية تقريبا،‏ نستمر في ايجاد الناس الذين يحبون مطبوعاتنا ويقرأونها كلما اتينا للزيارة .‏ .‏ .‏ والآن،‏ بعد شهادة مستمرة طوال سنتين في كاراكاس،‏ اتخذ سبعة اشخاص،‏ ست اخوات وأخ واحد،‏ موقفهم الى جانب البر،‏ اذ اعتمدوا .‏ .‏ .‏ وهؤلاء الاخوة سعداء جدا بمعرفتهم المسيحية ليهوه وملكوته .‏ .‏ .‏ قُدِّمت حقا شهادة حسنة مرارا عديدة في كل كاراكاس،‏ ومحتوى المطبوعات معروف جيدا .‏ .‏ .‏ العاملة معكم من اجل ثيوقراطيته،‏ كايت ڠُوَس.‏» ان ‹الاخ الواحد› المذكور هنا كان الحدث روبِن أَراوْهو،‏ الذي سنسمع عنه المزيد لاحقا.‏ (‏في هذه المناسبة،‏ ان السبعة الذين عمَّدتهم الاخت ڠُوَس عمَّدهم احد الاخوة من جديد سنة ١٩٤٦،‏ انسجاما مع نموذج الكتاب المقدس الذي يظهر ان المعموديات تُجرى فقط من قِبل ذكور يتمتعون بعلاقة مقبولة بيهوه.‏)‏

وضع الاساس لشهادة موسَّعة

في الوقت الذي كتبت فيه كايت ڠُوَس رسالتها الى الجمعية،‏ كان يُخطَّط في بروكلين لارسال مرسلين الى ڤنزويلا مدرَّبين في مدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس.‏ ان ناثان نور وفرد فرانز،‏ رئيس جمعية برج المراقبة ونائب رئيسها في ذلك الوقت،‏ سافرا الى اميركا اللاتينية تكرارا لوضع الاساس لعمل ارسالي موسَّع هناك.‏ وحدَّدا موعدا لزيارة ڤنزويلا سنة ١٩٤٦.‏ كان قد عُيِّن ثلاثة مرسلين،‏ متخرِّجين من مدرسة جلعاد،‏ في ڤنزويلا،‏ ولكن حتى ذلك الوقت لم يكونوا قد تسلَّموا تأشيراتهم.‏ فمَن كان سينظِّم الامور لزيارة رئيس الجمعية في ٩-‏١٢ نيسان ١٩٤٦؟‏

أُرسل واحد من المرسلين الثلاثة في وقت ابكر بتأشيرة سائح.‏ ووصل بالطائرة وأَقام في بيت جانِت أَتكِنز،‏ امرأة مضيافة تعلَّمت الحق من كايت ڠُوَس.‏ ولكن بعد ثلاثة اسابيع من وصوله،‏ اختفى المرسل بشكل غامض.‏ فراجعت مضيفته وأصدقاؤه الشرطة والخطوط الجوية،‏ انما ليكتشفوا اخيرا انه عاد الى الولايات المتحدة بسبب حنين شديد الى موطنه!‏

ولكن،‏ قبل حدوث ذلك،‏ قام الاخَوان نور وفرانز بزيارة نافعة جدا للفريق في ڤنزويلا.‏ يتذكَّر روبِن أَراوْهو انه يوم وصولهما عُقد اجتماع في فناء بيت جانِت أَتكِنز،‏ حيث سمع ٢٢ شخصا خطابين أَلقاهما الاخَوان الزائران.‏

بين الحاضرين كان پِدرو مورالِس،‏ الذي كان متحمِّسا للبشارة.‏ قال لاحقا:‏ «في اواخر ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠ اعطتني كايت ڠُوَس وابنتها كتاب الغنى في السوق الرئيسي في ماراكايبو.‏ وبعد سنوات ابتدأت اقرأه،‏ فكشف لي الكتاب المقدس.‏ وعندما وصلت الى الجزء عن وسم المستحقين على الجباه،‏ اندفعت الى العمل!‏ (‏حزقيال ٩:‏٤‏)‏ جعلني ذلك ابحث عن الذين لديهم هذه المطبوعة.‏ فوجدت اربعة اشخاص كانوا يتسلَّمون كتبا من شخص ترينيدادي.‏ وكنا نجتمع لدرس كتاب الغنى كل ليلة،‏ مستخدمين بالتعاقب بيت كل منا كمكان للاجتماع.‏»‏

عندما تلقَّى پِدرو دعوة للذهاب الى كاراكاس (‏مسافة نحو ٤٣٠ ميلا [٧٠٠ كلم])‏ من اجل الاجتماع الذي سيُعقد خلال زيارة الاخ نور،‏ صمَّم هو وأحد الاصدقاء ان يقوما بالرحلة.‏ ولكن كانت هنالك مشاكل يجب معالجتها.‏ تابع پِدرو:‏ «ابتدأت زوجتي الحامل تعاني اوجاع الولادة،‏ واحتاجت تجارتي الى الانتباه.‏ فماذا افعل؟‏ اتيت بقابلة للبقاء مع زوجتي وتركت تجارة الحلوى تحت عناية اولادي الثلاثة،‏ البالغين من العمر ١٤،‏ ١٢،‏ و ١٠ سنوات.‏ ثم غادرنا بالباص الى كاراكاس،‏ رحلة صعبة،‏ يومَين في طرق غير مرصوفة.‏» وما كان اشد فرحه عندما التقى الشهود في كاراكاس!‏ وفيما كان هناك،‏ تسلَّم برقية من ماراكايبو:‏ «الزوجة جيدة.‏ الولد احسن.‏ انا في العمل.‏ هوستو مورالِس.‏» فكان اخوه قد وصل بشكل غير متوقَّع من كولومبيا وتولّى الاعتناء بالامور.‏

في اليوم الاول من تلك الاجتماعات الخصوصية في كاراكاس،‏ تكلَّم الاخ فرانز عن «شهود يهوه في المحنة.‏» ثم تابع الاخ نور الموضوع فيما كان الاخ فرانز يترجم.‏ يا لها من مناقشة منوِّرة!‏ لقد ركَّزت الانتباه على ما يقول الكتاب المقدس ان المسيحيين يجب ان يتوقَّعوه على ايدي العالم،‏ وأَعطت تفاصيل عن الاضطهاد الشديد الذي كان شهود يهوه قد اختبروه في اوروپا خلال الحرب العالمية الثانية.‏

في اليوم التالي أُجريت معمودية في لوس تشوروس،‏ في حوض ماء عند اسفل احد الشلالات.‏ واعتمد عشرة اشخاص في ذلك اليوم،‏ بمن فيهم وِنستُن بلاكوود (‏الذي قابلته الاخت ڠُوَس في كيريكيرِه)‏ وابنه إدواردو،‏ أُوراسيو مِيَر إِي تِران وأَخوه الاصغر إِفْرايين،‏ پِدرو مورالِس،‏ هِراردو هِسورون من سورينام (‏سورينامي)‏،‏ إِسرايِل فرانسِس،‏ وهوسيه ماتِيوس.‏

امتلأ پِدرو مورالِس وأخَوان آخران من غرب البلد ابتهاجا عندما قال الاخ نور ان الجمعية سترسل مرسلين الى ماراكايبو حالما تسمح الحكومة.‏ وصار پِدرو نفسه فاتحا قانونيا واستمر في هذه الخدمة حتى موته.‏

المحبة لحق الكتاب المقدس دفعتهم

قبل وصول المرسلين،‏ كان مكتب المركز الرئيسي للجمعية في بروكلين يتسلَّم التقارير من الفريق الصغير جدا الذي شكَّلته الاخت ڠُوَس.‏ وكان هنالك مجرد عدد قليل من الناشرين،‏ مع القليل جدا من المطبوعات.‏ وكثيرا ما كان يلزم إِعارة الكتب للمهتمين.‏ وأَظهر التقرير المرسَل لشهر آذار ١٩٤٦ تسعة منادين بالبشارة في ڤنزويلا،‏ وكانت هوسِفينا لوپِس تعتني بالفريق،‏ لأنها كانت الانشط في الفريق.‏

يتذكَّر روبِن أَراوْهو المثال الرائع الذي رسمته الاخت لوپِس:‏ «كنت مراهقا في ذلك الوقت .‏ .‏ .‏ وكانت هوسِفينا لوپِس امًّا لاربعة ابناء وابنتَين وكانت متحمِّسة جدا لما كانت تتعلَّمه من الاخت ڠُوَس.‏ كنت كل يوم تقريبا بعد المدرسة اذهب الى بيتها وأناقش معها الامور الجديدة التي كانت تتعلَّمها عن الحق.‏ ومع انها كانت ربة منزل مشغولة،‏ تدبَّرت الاخت لوپِس امرها للذهاب للكرازة من بيت الى بيت وإِدارة دروس في الكتاب المقدس كل يوم بعد الغداء،‏ بعد ان يعود زوجها وأولادها الاكبر الى العمل بعد الظهر.‏ كانت مثالا حسنا لنا جميعا وكانت تملك حقا روح الفتح،‏ بالغة معدلا يتراوح بين الـ‍ ٦٠ والـ‍ ٧٠ ساعة في الشهر كناشرة.‏ وبعد اكثر من ٤٠ سنة،‏ لا تزال هنالك رسائل توصية حية لها في كاراكاس.‏»‏

والشخص الآخر في الفريق الاول كان دوميتيلا مِيَر إِي تِران،‏ وهي ارملة.‏ كانت دائما ميَّالة الى الامور الروحية.‏ وكان لدى ابيها كتاب مقدس كانت تحب ان تقرأه،‏ وعندما مات،‏ فتشت بيته لتجده.‏ فكتابه المقدس كان الميراث الوحيد الذي تريده.‏ وما وجدته كان مجرد جزء من الكتاب المقدس،‏ اذ مزَّقت اساءة الاستعمال ما تبقى منه.‏ إلا انها اعزَّت حتى ذلك الجزء واستعملته حتى تمكَّنت لاحقا من شراء كتاب مقدس جديد كامل لنفسها.‏ وفي احد الايام حصل صديق على كتاب الجمعية المصالحة وأحضره الى دوميتيلا،‏ قائلا ان دوميتيلا ستقدِّره اكثر لأنها قارئة نهمة للكتاب المقدس.‏ وفي محاولة جدِّية لتحديد موقع ناشري الكتاب،‏ زارت دوميتيلا المجيئيين وفرقا پروتستانتية اخرى.‏ وأخيرا،‏ لبهجة دوميتيلا،‏ زارتها كايت ڠُوَس في بيتها،‏ ووافقت دوميتيلا فورا على درس الكتاب المقدس معها.‏ واثنان من ابنائها،‏ اذ اعتمدا خلال زيارة الاخوَين نور وفرانز الاولى،‏ خدما لاحقا كناظرَي دائرة،‏ وثمة ثالث،‏ يُدعى ڠونزالو،‏ خدم كشيخ في الجماعة.‏ لكنَّ الابن الآخر،‏ ڠِيِّرْمو،‏ مع انه كان موجودا عندما قامت كايت ڠُوَس بزيارتهم اولا،‏ لم يعتمد حتى سنة ١٩٨٦.‏

‏«وأنتما كم ستبقيان؟‏»‏

في ٢ حزيران ١٩٤٦،‏ بعد وقت قصير من زيارة الاخ نور،‏ وصل المرسلان الآخران من الفريق المعيَّن في ڤنزويلا.‏ وكانا دونالد باكستر ووولتر وان.‏ وكان الحدث روبِن أَراوْهو حاضرا للقائهما في كاراكاس.‏ وإذ كان يراقبهما بارتياب،‏ وهو لا يزال يفكِّر دون شك في اختبار المرسل السابق،‏ سأل روبِن بلغته الانكليزية الركيكة:‏ ‏«وأنتما كم ستبقيان؟‏»‏

كان روبِن قد رتَّب لدرس برج المراقبة،‏ وقد عُقد يوم وصول المرسلَين.‏ فحاول تطبيق الارشادات التي اعطاه اياها الاخ فرانز.‏ وبذل قُصارى جهده،‏ لكنه كان درسا يديره شخص واحد.‏ فكان روبِن يقرأ السؤال.‏ وبعد ذلك كان يجيب.‏ ثم كان يقرأ الفقرة.‏ وتذكَّر ان الدرس لا يجب ان يتجاوز الساعة،‏ فتوقف بطاعة في الوقت المحدَّد مع انه كان قد غطَّى ١٧ فقرة فقط،‏ اي لم يغطِّ الدرس بكامله!‏ وكانت الخبرة ستأتي مع الوقت والصبر.‏

واليوم،‏ اذ يفكِّر روبِن أَراوْهو في رحيل المرسل الاول المفاجئ،‏ يضيف:‏ «بُعيد ذلك،‏ ملأ المتخرِّجان الجديدان من جلعاد الفراغ الذي تركه.‏ وكم شعرنا بالفرح بسبب هذه الهبة من هيئة يهوه في شكل هذين المرسلَين لمساعدتنا في مكدونية الڤنزويلية!‏» (‏قارنوا اعمال ١٦:‏٩،‏ ١٠‏.‏)‏ سابقا،‏ كان الاخ نور قد قال للاخ باكستر:‏ «ابقَ في هذا التعيين،‏ حتى ولو عنى لك الموت!‏» لكنه لم يعنِ له الموت،‏ ولا يزال الاخ باكستر يخدم في ڤنزويلا بعد نحو ٥٠ سنة.‏

التكيُّف وفق محيط جديد

ان بيت المرسلين الاول في كاراكاس كان في ٣٢ شارع بوكارِس،‏ في حيّ يُدعى إِل سِمِنْتِرْيو.‏ وهنا ايضا فُتح مكتب الفرع في ١ ايلول ١٩٤٦،‏ وكان دونالد باكستر خادما للفرع.‏ وكانت الاحوال المعيشية بعيدة عن ان تكون مثالية.‏ فكانت الطريق غير مرصوفة،‏ ولم تكن هنالك مياه جارية.‏ ولا شك ان المرسلَين ارتاحا حقا سنة ١٩٤٩ عندما نُقل الفرع وبيت المرسلين من إِل سِمِنْتِرْيو (‏المدفن)‏ الى إِل پارايِيسو (‏الفردوس)‏،‏ موقع فيه مياه جارية.‏

يتذكَّر الاخ باكستر مشاكل المرسلَين المؤلمة في ما يتعلق باللغة ومشاعر تثبطهما.‏ فكانا تواقَين الى استخدام ما تدرَّبا عليه في جلعاد للمساعدة،‏ ولكن عندما وصلا كانا عاجزَين عن التحدث.‏ لكنَّ هذه العقبة الوقتية عوَّضت عنها وأكثر النتائجُ الايجابية في الحقل.‏ وفي ما يتعلق بأول شهادة في الشوارع قاما بها،‏ يتذكَّر الاخ باكستر:‏ «قرَّرنا ان نذهب الى المنطقة في وسط البلدة المعروفة بـ‍ إِل سيلَنْسيو ونرى ما سيحدث.‏ فوقف زميلي،‏ وولتر وان،‏ في زاوية الشارع الاولى وأنا في الاخرى.‏ وكان الناس فضوليين جدا؛‏ فلم يروا شيئا كهذا من قبل.‏ وقلَّما اضطررنا الى قول ايّ شيء.‏ فالناس في الواقع اصطفوا للحصول على المجلات،‏ ووزَّعنا كل مجلاتنا خلال ١٠ الى ١٥ دقيقة.‏ كم كان ذلك مختلفا عما اعتدناه في الولايات المتحدة!‏» وقال وولتر وان:‏ «عندما عددتُ ما وزَّعته،‏ وجدت لدهشتي انه خلال اربعة ايام زاخرة بالاحداث من التسبيح ليهوه في الشوارع والاسواق كما فعل يسوع والرسل،‏ وزَّعت ١٧٨ كتابا وكتابا مقدسا.‏»‏

ان اول تقرير ارسله الفرع الى المكتب الرئيسي في بروكلين،‏ نيويورك،‏ أَظهر ما مجموعه ١٩ ناشرا،‏ بمَن فيهم المرسلان وأَربعة فاتحين قانونيين.‏ وكان هؤلاء الفاتحون إدواردو بلاكوود،‏ روبِن أَراوْهو،‏ إِفْرايين مِيَر إِي تِران،‏ وهِراردو هِسورون.‏ وكان إدواردو بلاكوود قد ابتدأ بالخدمة كفاتح خلال شهر زيارة الاخ نور،‏ والثلاثة الآخرون قد انخرطوا بُعيد ذلك.‏ وكان تسعة يكرزون في داخل البلد.‏ ووِنستُن وإدواردو بلاكوود،‏ اللذان كانا يعيشان في إِل تيڠْرِه،‏ كانا يشهدان في اقصى الجنوب حتى سْيوداد بوليڤار وفي اقصى الشرق حتى مخيمات النفط قرب پونتا دو ماتا وماتورين.‏ وكان پِدرو مورالِس وآخرون يكرزون في ماراكايبو.‏ وفي الناحية الشرقية من بحيرة ماراكايبو في مخيمات النفط في كابيماس ولاڠونِياس،‏ كان هِراردو هِسورون،‏ ناثانِيَل وولكُت،‏ ودايڤد سْكُت يكرزون.‏ ولاحقا انضم اليهم هوڠو تايلور،‏ الذي كان سنة ١٩٩٥ لا يزال يخدم كفاتح خصوصي.‏ وكانوا جميعا يغطُّون منطقة واسعة من البلد.‏ وسرعان ما اكتشف الاخ باكستر والاخ وان من الاختبار الشخصي ما هو عليه الامر حقا.‏

الابتداء بزيارة كل الفرق

خلال تشرين الاول وتشرين الثاني ١٩٤٧،‏ سافر كلا المرسلَين الى اقصى غرب البلد والجزء الشرقي منه ليريا ما يمكن فعله لمساعدة الفرق الصغيرة.‏ وهدفهما كان تنظيم هذه الفرق في جماعات.‏ «سافرنا بالباص،‏ الامر الذي كان حقا اختبارا في ڤنزويلا،‏» حسبما يتذكَّر الاخ باكستر وهو يبتسم مفكِّرا في تلك الرحلة التي لا تُنسى.‏ «كانت المقاعد في الباصات صغيرة ومتقاربة،‏ لأن معظم الڤنزويليين صغار الحجم؛‏ لذلك وجدنا نحن اللذَين من اميركا الشمالية انه ليس هنالك متَّسع لأرجلنا.‏ وعلى سطح الباصات،‏ لم يكن شيئا غير عادي رؤية اسرة،‏ مكنات خياطة،‏ طاولات،‏ دجاج،‏ ديوك روميَّة،‏ وموز،‏ بالاضافة الى امتعة المسافرين.‏ وإذا كان احد الركاب ذاهبا مسافة قصيرة فقط،‏ فهو لا يزعج نفسه ليضع دجاجاته او اشياءه الصغيرة على السطح لكنه يجلبها معه الى داخل الباص ويركمها في الممشى بين المقاعد.‏ ثم تعطَّل الباص،‏ ولذلك طوال عدة ساعات،‏ حتى اتى باص آخر،‏ تُركنا في برية يعيش فيها مجرد الصبَّار والمعز.‏ وبعد ذلك نفد البنزين.‏»‏

في كل من المواقع الاربعة التي زاراها،‏ وجدا فريقا من نحو عشرة اشخاص يجتمعون في غرفة جلوس واحد منهم.‏ فأَراهم المرسلان كيف يديرون الاجتماعات،‏ كيف يقدِّمون تقريرا عن نشاطهم قانونيا الى مكتب الفرع،‏ وكيف يحصلون على المطبوعات من اجل نشاط كرازتهم.‏

وفيما كانا في إِلْ تيڠْرِه،‏ لاحظ الاخ باكستر ان أَلِهاندرو مِتشل،‏ احد الاخوة الجدد هناك،‏ كان يطبِّق حرفيا النصح في متى ١٠:‏٢٧ بأن ينادي على السطوح.‏ فكان قد ركَّب مكبِّرا للصوت على سطح بيته،‏ وكل يوم كان يقرأ بصوت عالٍ طوال نصف ساعة او نحو ذلك اجزاء مختارة من كتاب الاولاد او العالم الجديد بالاضافة الى مطبوعات برج المراقبة الاخرى.‏ وقد فعل ذلك بصوت عالٍ حتى انه كان يمكن سماعه من مكان يبعد مباني عديدة!‏ فلا عجب ان ذلك ازعج الجيران.‏ فاقتُرح عليه انه من الافضل ان يكرز من بيت الى بيت وأن يترك مكبِّر الصوت.‏

ان الرحلة لزيارة مختلف الفرق الصغيرة كانت نافعة جدا.‏ فخلال شهرَي السفر استطاع الاخَوان ان يعمِّدا ١٦ شخصا.‏

المرسلون يصلون الى ماراكايبو

ماراكايبو،‏ في الناحية الشمالية الغربية من البلد،‏ هي ثاني اكبر مدينة في ڤنزويلا.‏ اثنتان من ميزاتها البارزة هما حرارتها ورطوبتها العالية.‏ انها ايضا عاصمة النفط في ڤنزويلا.‏ والجزء الجديد من المدينة يتباين بشدة مع البلدة القديمة قرب المراسي؛‏ فذلك الجزء الاقدم،‏ بشوارعه الضيِّقة وبيوته الطينية على طراز المستعمرات،‏ قلَّما تغيَّر منذ القرن الماضي.‏

وصل ستة مرسلين الى ماراكايبو بسفينة شحن في ٢٥ كانون الاول ١٩٤٨.‏ وكانوا مثقلين بثياب شتوية لأنهم اتوا من نيويورك الباردة.‏ وتضمَّن الفريق رانْڠْنا إِنْڠْوالدْسِن،‏ التي اعتمدت سنة ١٩١٨ ولا تزال تخدم كفاتحة في كاليفورنيا،‏ بِرْنيس ڠرايسِن (‏الآن «بِن» هنشل،‏ عضو في عائلة البتل في المركز الرئيسي العالمي)‏،‏ تشارلز وماي ڤايل،‏ إِستر رايدل (‏اخت رانْڠْنا من امها)‏،‏ وجويس ماكَلي.‏ وجرى استقبالهم في بيت صغير لزوجَين يعاشران الشهود حديثا.‏ وهنا رتَّب المرسلون المتبلِّلون بالعرق صناديق ثيابهم الـ‍ ١٥ والصناديق الكرتونية الـ‍ ٤٠ لمطبوعاتهم بأفضل ما يستطيعون.‏ ونام اربعة منهم على اراجيح شبكية واثنان على سريرَين مصنوعَين من الصناديق الكرتونية للكتب حتى وجدوا بيتا يستأجرونه ليكون بيت المرسلين.‏

تتذكَّر رانْڠْنا انهم الستة بدوا غرباء الشكل جدا للـ‍ ماراكوتشوس،‏ كما يُدعى سكان ماراكايبو عموما.‏ فكان العديد من المرسلين طوالا وشقرا.‏ «مرارا كثيرة عندما كنا نذهب من بيت الى بيت،‏ كان يتبعنا حتى عشرة اولاد صغار عراة،‏ يصغون الى الطريقة الغريبة التي نتكلَّم بها لغتهم،‏» كما قالت رانْڠْنا لاحقا.‏ وأَضافت:‏ «لم يكن ايّ منا نحن الستة يعرف اكثر من كلمات قليلة بالاسپانية.‏ ولكن عندما كانوا يضحكون علينا،‏ كنا نضحك معهم.‏» عندما وصل هؤلاء المرسلون،‏ كان هنالك اربعة ناشرين فقط في ماراكايبو.‏ وفي وقت باكر من سنة ١٩٩٥ كانت هنالك ٥١ جماعة بمجموع ٢٧١‏,٤ ناشرا.‏

سُمعت صلاته

ان الزوجَين اللذين استقبلا بلطف المرسلين الستة في بيتهما كانا بِنيتو وڤكتوريا ريڤِرو.‏ وكان بِنيتو قد حصل على كتاب ‏«الملكوت قريب»‏ من هوان مالدونادو،‏ فاتح من كاراكاس.‏ وعندما زار پِدرو مورالِس بِنيتو لاحقا ليعرض عليه درسا،‏ كان بِنيتو متحمِّسا؛‏ ولم يدرس وحسب بل ابتدأ مباشرة بحضور اجتماعات الفريق الصغير.‏ وشجع ايضا زوجته على الحضور،‏ قائلا لها —‏ لأنها تحب الغناء —‏ ان الترانيم التي يرنِّمونها جميلة جدا.‏ وكانت تذهب معه،‏ لكنها لم تكن تفهم حقا كل ما يقال،‏ لذلك كثيرا ما كانت تنام.‏

وفي احدى الامسيات في البيت،‏ اذ اعتقد بِنيتو ان زوجته نائمة،‏ صلَّى الى يهوه بصوت عالٍ وطلب منه ان ينوِّرها.‏ فسمعت الصلاة عَرَضا وتأثرت بها بعمق.‏ وبعد موت بِنيتو سنة ١٩٥٥،‏ صارت ڤكتوريا فاتحة قانونية ثم فاتحة خصوصية.‏

بلوغ المناطق الريفية حول ماراكايبو

بين الذين اعتنقوا الحق في منطقة ماراكايبو كان والد رِبِكا (‏الآن رِبِكا بارِتو)‏.‏ كانت بعمر خمس سنوات فقط عندما ابتدأ هِراردو هِسورون بدرس الكتاب المقدس مع ابيها،‏ الذي تقدَّم الى المعمودية سنة ١٩٥٤.‏ وهي تملك ذكريات رائعة عن الاشتراك في عمل الكرازة كحدثة.‏ «كنا نستأجر باصا،‏ وكانت الجماعة بكاملها تنتقل الى المناطق الريفية،‏» كما تتذكَّر.‏ وتضيف:‏ «كان لدى الناس في الريف القليل من المال لكنهم كانوا يقدِّرون المطبوعات.‏ كان رائعا حقا عند نهاية النهار ان نرى الاخوة والاخوات يتجمَّعون في الباص مع البيض،‏ القرع،‏ الذرة،‏ والدجاج الحي التي قُدِّمت لهم مقابل المطبوعات.‏»‏

ولكن لم يكن الجميع سعداء برؤيتهم.‏ تتذكَّر الاخت بارِتو حادثة جرت في قرية مِنِه دو ماوْرُوَا.‏ تقول:‏ «فيما كنا نذهب من باب الى باب،‏ تبعنا الكاهن الكاثوليكي المحلي،‏ ممزِّقا المطبوعات التي قبلها الناس وقائلا لهم ان لا يصغوا الى شهود يهوه.‏ وأَثار الرعاع الذين شملوا احداثا كثيرين ونجح في اغضابهم حتى انهم رمونا بالحجارة.‏ وضُرب عدد من الاخوة والاخوات.‏» فركض فريق الشهود الى پْرِفِكتو (‏مدير شرطة)‏ البلدة طلبا للمساعدة.‏ ولأنه كان لطيفا مع الشهود،‏ قال للكاهن انه مضطر الى ابقائه في مكتبه بضع ساعات ‹لحمايته من هؤلاء الكارزين.‏› والحشد،‏ بدون قائد الآن،‏ تشتت،‏ وقضى الشهود بفرح الساعتَين التاليتَين،‏ بدون مضايقة،‏ مقدِّمين شهادة كاملة في البلدة.‏

المزيد من المساعدة يصل

كانت المقاطعة واسعة،‏ وتلزم مساعدة اضافية للاعتناء بها.‏ والمزيد من العاملات اللواتي تخرَّجن مؤخرا من مدرسة جلعاد وصلن في ايلول ١٩٤٩ للاشتراك في الحصاد الروحي.‏ وكنَّ مستعدات،‏ نعم،‏ توَّاقات الى المشاركة،‏ لكنَّ ذلك لا يعني ان الامر كان سهلا عليهن.‏ وعندما بانت اضواء المرفإِ من كوَّة مقصورتها في السفينة سانتا روسا،‏ شعرت رايتشل بورنهام بأنها لم تسعَد قط بمشهد ابدع منه.‏ فقد أُصيبت بدوار البحر منذ غادرت السفينة نيويورك.‏ ومع انها كانت الساعة الثالثة صباحا،‏ ايقظت باهتياج الفتيات الثلاث الاخريات.‏ وكانت اختها آينِز والفتاتان الاخريان،‏ دِكسي داد وأختها روبي (‏الآن باكستر)‏،‏ قد تمتعن بالرحلة لكنهن كنَّ سعيدات بأن يصلن الى تعيينهن الجديد.‏

كان موجودا للترحيب بهن فريقٌ شمل دونالد باكستر،‏ بِل وإِلسا هانا (‏مرسلَين كانا قد وصلا السنة السابقة)‏،‏ وڠونزالو مِيَر إِي تِران.‏ فركبوا في باص ليأخذهم من المرفإِ الى كاراكاس.‏ وبدا ان السائق اراد ان يجعل الرحلة مرعبة بشكل اضافي للقادمات حديثا،‏ ولا شك انه نجح في ذلك.‏ فقد قاد في المنعطفات الحادَّة،‏ الواحد تلو الآخر،‏ وغالبا على حافة الجرف وبسرعة بدت بالغة جدا!‏ وحتى هذا اليوم لا تزال الاخوات يتكلَّمن عن تلك الرحلة.‏

جرى تعيينهن في الفرع وبيت المرسلين في إِل پارايِيسو.‏ وخدمت رايتشل بأمانة في الحقل الارسالي حتى موتها سنة ١٩٨١؛‏ وآينِز سنة ١٩٩١.‏ والاخريان من ذلك الفريق لا تزالان تخدمان يهوه بولاء.‏

اذ تتطلَّع دِكسي داد الى الوراء الى الاشهر الاولى في تعيينهن،‏ تقول:‏ «شعرنا بشوق كبير الى العودة الى موطننا.‏ لكننا لم نستطِع ان نذهب حتى الى المطار اذا اردنا ذلك.‏ فلم يكن لدينا ما يكفي من المال!‏» وعوضا عن ذلك،‏ ركَّزن انتباههن على الواقع ان هيئة يهوه قد ائتمنتهن على التعيين كمرسلات في بلد اجنبي.‏ وأخيرا،‏ توقفن عن الحلم بشأن الذهاب الى الموطن وانكببن على العمل.‏

يُساء فهمهم

بالنسبة الى معظم المرسلين الجدد،‏ كانت اللغة مشكلة —‏ على الاقل لفترة من الوقت.‏

تتذكَّر دِكسي داد ان احد الامور الاولى التي قيل لهم ان يتلفظوا بها هو ‏«موتشو ڠوستو»‏ عندما يتعرَّفون بأحد.‏ وفي ذلك اليوم عينه أخذوا الى درس الكتاب الجماعي.‏ وفي طريقهم في الباص،‏ كرَّروا التعبير مرة بعد اخرى:‏ ‏«موتشو ڠوستو.‏ موتشو ڠوستو.‏»‏ تقول دِكسي:‏ «ولكن عندما جرى تقديمنا الى احد الاشخاص،‏ نسيناه!‏» إلا انهم بمرور الوقت تذكَّروا.‏

بِل وإِلسا هانا،‏ اللذان خدما كمرسلَين من سنة ١٩٤٨ حتى ١٩٥٤،‏ طالما يتذكَّران بعض اخطائهما الفادحة.‏ ففي احدى المرات حين اراد الاخ هانا ان يشتري اثنتي عشرة بيضة بيضاء،‏ طلب وِسوس بلانڠكوس (‏عظاما بيضا)‏ عوضا عن وِڤوس بلانڠكوس.‏ ومرة اخرى،‏ اراد ان يشتري مكنسة.‏ وإذ خشي ان لا يكون قد فُهم،‏ حاول ان يتكلم بأكثر تحديد:‏ «لكنس ‏‹إِل سْيِلو›»‏ (‏السماء)‏،‏ قال،‏ عوضا عن إِل سْوِلو (‏الارض)‏.‏ فأَجاب صاحب الدكان بمسحة فكاهة:‏ «يا له من طموح قوي في العمل،‏ يا سيد.‏»‏

وعندما ذهبت زوجة بِل،‏ إِلسا،‏ الى السفارة،‏ طلبت منهم ان رِموڤر (‏ينتزعوا)‏ جواز سفرها عوضا عن ان رِنوڤار (‏يجدِّدوا)‏.‏ فسأل امين السر:‏ «ماذا فعلتِ يا سيدة،‏ هل ابتلعتِه؟‏»‏

ڠيني روجرز،‏ مرسلة وصلت سنة ١٩٦٧،‏ تثبطت قليلا في بادئ الامر عندما كان صاحب البيت يلتفت الى زميلتها بعد كل عرض جرى التدرُّب عليه بعناية ويسأل:‏ «ماذا قالت؟‏» لكنَّ الاخت روجرز لم تتوقف عن المحاولة،‏ وفي نحو ٢٨ سنة كمرسلة،‏ ساعدت ٤٠ شخصا على تعلُّم الحق والتقدُّم الى درجة المعمودية بالماء.‏

وِلَرد أَندرسون،‏ الذي وصل من جلعاد مع زوجته،‏ إِيلاين،‏ في تشرين الثاني ١٩٦٥،‏ يعترف بصراحة ان اللغة لم تكن قط ميزة يتفوق فيها.‏ وإذ يكون وِلَرد مستعدا دائما ان يضحك من اخطائه الخاصة،‏ يقول:‏ «درست الاسپانية في المدرسة الإِعدادية ستة اشهر حتى جعلني معلِّمي أَعِد بأن لا احضر صفه ثانية!‏»‏

ولكن بروح يهوه،‏ المثابرة،‏ وروح فكاهة جيدة،‏ سرعان ما أَلف المرسلون لغتهم الجديدة.‏

حتى البيوت لها اسماء

لم تكن اللغة فقط مختلفة بالنسبة الى المرسلين.‏ فلزم ان يستعملوا طريقة مختلفة لتذكُّر البيوت التي يريدون ان يزوروها ثانية.‏ ففي الايام الباكرة لم تكن لبيوت كثيرة في كاراكاس ارقام.‏ وكان كل مالك بيت يختار اسما لبيته.‏ وكانت افضل البيوت معروفة بـ‍ كينتاس وتُسمى غالبا على اسم سيدة البيت.‏ مثلا،‏ قد يكون عنوان احد الاشخاص كينتا كلارا.‏ وكثيرا ما يكون مركَّبا من اسماء الاولاد:‏ كينتا كاروسي (‏كارمِن،‏ روسا،‏ سي‍مون)‏.‏ ان مالك اول فرع وبيت للمرسلين استأجرته الجمعية كان قد دعا بيته كينتا ساڤتِپاول (‏القديس ڤنسان دو پول)‏،‏ وكان على طريق رئيسية،‏ وصار بسرعة معروفا جيدا بالمكان حيث يجتمع شهود يهوه.‏

سنة ١٩٥٤ عندما جرى شراء بيت جديد تماما ليكون مكتب فرع وبيتا للمرسلين،‏ تُرك للاخوة امر استعمال مخيلتهم واختيار اسم ملائم.‏ وإذ تذكَّروا نصح يسوع بأن ‹يضيء نوركم قدام الناس،‏› جرى اختيار الاسم لُوس (‏نور)‏ للبيت.‏ (‏متى ٥:‏١٦‏)‏ ومع ان مكتب الفرع نُقل لاحقا الى مبانٍ اكبر،‏ ففي وقت باكر من سنة ١٩٩٥ كان كينتا لُوس لا يزال بيتا لـ‍ ١١ مرسلا.‏

ولوسط كاراكاس نظام عناوين خاص به.‏ فإذا سألتم عن عنوان محل تجاري او مبنى معيَّن،‏ فقد يُقال لكم شيء مثل،‏ ‏«لا فِه آ إِسپِرانسا.‏»‏ وقد تقولون:‏ ‹«الايمان الى الرجاء؟‏» لكنَّ ذلك لا يبدو عنوانا!‏› ولكن في وسط كاراكاس كل تقاطع له اسم.‏ لذلك فإِن العنوان الذي تبحثون عنه هو في مجمَّع الابنية بين شارعَي «الايمان» و «الرجاء.‏»‏

الذهاب من ڤنزويلا الى جلعاد ثم العودة

على مرّ السنين اتى ١٣٦ مرسلا مدرَّبا في جلعاد،‏ بمَن فيهم ٧ استفادوا من مقرَّر مدرسة تدريب الخدام،‏ الى ڤنزويلا من بلدان اخرى —‏ من الولايات المتحدة،‏ كندا،‏ المانيا،‏ السويد،‏ نيوزيلندا،‏ انكلترا،‏ پورتو ريكو،‏ الدنمارك،‏ اورڠواي،‏ وإِيطاليا.‏ وبين السنتين ١٩٦٩ و ١٩٨٤،‏ لم يصل مرسلون جدد الى ڤنزويلا من جلعاد،‏ اذ كان يستحيل الحصول على تأشيرات.‏ ولكن،‏ خلال سنة ١٩٨٤،‏ اثمر الجهد الموحَّد للحصول على اذن في دخول مرسلَين مع زوجتَيهما الى البلد،‏ ووصل مرسلان آخران سنة ١٩٨٨.‏ واستفاد ايضا ستة شهود محليين من التدريب في جلعاد.‏

عندما زار الاخ نور سنة ١٩٤٦،‏ سأله الحدث روبِن أَراوْهو عما اذا كان يمكن ان يتأهل يوما ما لحضور جلعاد.‏ وكان الجواب:‏ «نعم،‏ اذا حسَّنت لغتك الانكليزية.‏» يقول روبِن:‏ «لا حاجة الى القول انني كنت سعيدا جدا.‏» ويضيف:‏ «بعد ثلاث سنوات،‏ في تشرين الاول ١٩٤٩،‏ تسلَّمتُ رسالة دعوة من الاخ نور لحضور الصف الـ‍ ١٥،‏ المعيَّن ابتداؤه خلال الشتاء في اوائل سنة ١٩٥٠.‏»‏

ان الاخوة الخمسة الآخرين الذين حضروا جلعاد من ڤنزويلا هم إدواردو بلاكوود وأُوراسيو مِيَر إِي تِران (‏اللذان اعتمدا كلاهما سنة ١٩٤٦ خلال زيارة الاخ نور الاولى)‏،‏ تِيودورو ڠريسِنڠِر (‏الذي سيُقال عنه المزيد)‏،‏ كاسيميرو سيتو (‏الذي هاجر من فرنسا وصار ڤنزويليا متجنِّسا)‏،‏ وفي وقت متأخر اكثر،‏ رافايِل لونڠا (‏الذي يخدم كناظر دائرة)‏.‏

البعض كانوا يبحثون،‏ آخرون لا

قديما في سنة ١٩٤٨ كان ڤكتور مِهِياس،‏ في كاراكاس،‏ يفكِّر في عالم افضل.‏ وكان يظن بإخلاص ان ذلك يمكن بلوغه بجهود الناس،‏ وكان مستعدا للقيام بدوره.‏ ولكن كانت ايضا تساوره الشكوك.‏

في تلك السنة تركت هوسِفينا لوپِس،‏ شاهدة لطيفة جدا،‏ كتاب ‏«الحق يحرركم»‏ عند زوجة ڤكتور،‏ ديليا.‏ وأَثار العنوان اهتمام ڤكتور،‏ فابتدأ بقراءة الكتاب.‏ وتعلَّم لماذا لا يستطيع البشر ابدا ان ينتجوا وحدهم عالما حرًّا حقا.‏ وسرعان ما ابتدأ وزوجته يحضران الاجتماعات مع الشهود.‏ قال لاحقا:‏ «مع ان الحاضرين كانوا غرباء،‏ كانت وجوههم ودِّية جدا حتى ان ذلك اقنعني بأنهم مختلفون.‏ وأَتذكَّر ايضا انني تأثرت عندما رأيت الاخ نور،‏ رئيس الجمعية،‏ في محفل دائري في كلوب لاس فوِنتِس في كاراكاس.‏ وكان مختلفا جدا عن القادة الدينيين،‏ الابطال،‏ والفنانين المشهورين الذين يريدون جميعا ان يراهم الناس.‏ فاتضاعه وبساطته اثَّرا فيّ.‏» وسرعان ما ابتدأ ڤكتور ايضا يُطلع الآخرين على الحق الذي يحرر الناس —‏ نعم،‏ يحرر حتى من الخطية والموت.‏ وقبل عدة سنوات،‏ عندما تطلَّع الى الوراء الى العقود التي خصصها لاطلاع الآخرين على حق الكتاب المقدس،‏ قال الاخ مِهِياس:‏ «كانت هذه السنوات اسعد سنوات في حياتي.‏»‏

سنة ١٩٥٠،‏ السنة التي اعتمد فيها ڤكتور مِهِياس،‏ طرح حدث آخر في كاراكاس،‏ تِيودورو ڠريسِنڠِر،‏ سؤالا على رانلد پيرس،‏ الذي كان قد ابتدأ مؤخرا خدمته الارسالية:‏ «اوضِح لي معنى العدد ٦٦٦ في الرؤيا.‏» وكان والد تِيودورو قد ترك له كتابا مقدسا المانيًّا كبيرا وكان يقرأه من وقت الى آخر.‏ يوضح تِيودورو:‏ «ليس الماضي ما يهمني كثيرا،‏ وإِنما المستقبل،‏ الامور التي ستحدث بعد،‏ المذكورة في الرؤيا.‏» وإذ اكتفى بالايضاح الذي قدَّمه الاخ پيرس،‏ وافق على عرض الاخ پيرس ان يدرس كتاب ‏«ليكن اللّٰه صادقا.‏»‏ كان الكتاب بالاسپانية،‏ الكتاب المقدس الذي يملكه تِيودورو بالالمانية،‏ والمعلم والتلميذ كلاهما يتكلَّمان الانكليزية.‏ كان التقدُّم سريعا.‏ وبحلول سنة ١٩٥١ كان تِيودورو قد انخرط في الفتح،‏ وفي السنة التالية قبِل التعيين كفاتح خصوصي في پورتو لا كروز،‏ وسنة ١٩٥٤ تخرَّج من مدرسة جلعاد،‏ ثم شرع في الخدمة كناظر دائرة في ڤنزويلا.‏

في الوقت نفسه تقريبا الذي ابتدأ فيه رانلد پيرس بالدرس مع تِيودورو ڠريسِنڠِر،‏ كان رجل جسيم،‏ نمِسيو لوسانو،‏ يعيش في قرية هندية خارج إِل تيڠْرِه لكي يتجنب الشرطة.‏ كان مشاغبا والسكين في متناول يده.‏ وكان الزعيم الهندي يخشاه ويفعل ما يقوله،‏ وهكذا،‏ في الواقع،‏ كان لوسانو الزعيم.‏ جرى تحذير الشهود منه،‏ لكنهم كرزوا له على اية حال.‏ فقاطعهم وقال بفظاظة:‏ «اسمعوا!‏ لا اريد ان تشرحوا لي الامور.‏ اريد ان اقرأ لنفسي.‏» ولكن كانت المطبوعات قد نفدت منهم.‏ إلا انه اصرّ على الحصول على نسخة الاخ الشخصية من ‏«الحق يحرركم»‏ —‏ ولكن فقط بعد ان تأكد انه ليست اية من الصفحات ناقصة!‏ فهل يفيد ذلك حقا شخصا مثله؟‏

بعد اسبوع كان قد قرأ الكتاب،‏ حصل على بعض الكراريس للتوزيع،‏ وابتدأ وحده بالكرازة.‏ وعندما عاد الشهود ليروه،‏ سألوه بقلق عما كان يقوله للناس.‏ فأجاب:‏ «يمكنكم ان تحصلوا على هذا الكراس لقاء المبلغ الضئيل،‏ مِدْيو»‏ (‏قطعة معدنية محلية)‏.‏ فأوضحوا بلباقة كيف يستطيع ان يعبِّر عن نفسه بشكل افضل.‏

ولكي يحضر الاجتماعات في إِل تيڠْرِه،‏ على بُعد ١٩ ميلا (‏٣٠ كلم)‏،‏ كان يركب حصانا او دراجة،‏ وأحيانا كان يمشي.‏ وتدريجيا،‏ استبدل طرقه السابقة بالصفات المسيحية.‏ وسرعان ما صار يخصص الكثير من الوقت للكرازة حتى ان ناظر الدائرة شجعه على الانخراط في عمل الفتح.‏ وفي سنة ١٩٥٥ أُرسل كفاتح خصوصي،‏ ولا يزال وزوجته،‏ أُومايْرا،‏ يخدمان بهذه الصفة.‏

الحفاظ على الطهارة الروحية

في الايام الباكرة لم يضئ دائما نور كلمة اللّٰه بصفاء متألق في كل مكان.‏ فبعض الذين عاشروا فريق الدرس في إِل تيڠْرِه كانت لديهم افكار جلبوها معهم من العالم.‏ رافايِل إِرناندِس وزوجته،‏ اللذان عرفا الحق قديما سنة ١٩٤٧،‏ يتذكَّران الوقت الذي فيه كان هنالك اخ،‏ في الفريق الذي يجتمع في إِل تيڠْرِه،‏ يفسِّر الاحلام التي يراها.‏ ولمدة من الوقت فكَّر البعض انه ما دام الزوجان امينَين احدهما للآخر،‏ ليست هنالك حاجة الى تسجيل الزواج شرعيا.‏ ولكن تدريجيا استُبدلت هذه الافكار نتيجة الارشاد السليم من الكتاب المقدس.‏

ولكن،‏ في اواخر اربعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ ابتدأ واحد من العشرة الذين اعتمدوا سنة ١٩٤٦ خلال زيارة الاخ نور الاولى لڤنزويلا يروِّج تعاليمه الخاصة في محاولة لحشد مجموعة انصار له.‏ يتذكَّر لِيوپولدو فارِراس،‏ وهو اليوم شيخ في سْيوداد ڠْوايانا،‏ ما حصل.‏ لقد كان بين ابرز مَن يخدمون الكاهن في القداس (‏موناڠِييو‏)‏ في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية لكنه تركها بعمر ٢٠ سنة بسبب فساد رجال الدين الادبي الواضح.‏ أما الآن فقد رأى شخصا آخر يستخدم سلطته بعدم لياقة.‏ وعلى الرغم من قلة خبرته وحداثته آنذاك،‏ ظلّ لِيوپولدو راسخا في تلك الاوقات العصيبة في إِل تيڠْرِه وبرهن على ولائه ليهوه وهيئته.‏

بعد سنوات قليلة،‏ ابتدأت زوجة لِنَرْد كَمبرباتش،‏ الذي هو الآن شيخ في إِل تيڠْرِه،‏ بالدرس مع شهود يهوه.‏ يعترف لِنَرْد:‏ «كان رد فعلي رهيبا.‏» ويضيف:‏ «كنا دائما نعيش بسلام ومحبة معا،‏ ولكن حالما ابتدأتْ بدرس الكتاب المقدس،‏ صرت ساخرا.‏ وفي احدى المناسبات وبَّختني على قيادة السيارة بسرعة خطرة.‏ فقلت لها ان لا تقلق،‏ ان الهها،‏ يهوه،‏ سينقذها —‏ وهي على اية حال ستعيش الى الابد.‏ ولم ابطئ.‏

‏«وقلت لها ان الشهود يخدعونها،‏ انني اعرف اكثر منهم عن الكتاب المقدس،‏ وإنني اريد ان اتحدث اليهم.‏ فقبلوا تحديَّ.‏ وانتهى الامر الى محادثة ممتعة.‏ وفشلت في البرهان انهم يعلِّمون اكاذيب،‏ وهكذا وافقت على درس الكتاب المقدس معهم.‏ وبعد خمسة اشهر من الابتداء بالدرس اعتمدت.‏ وعُيِّنتُ مديرا للفريق في أَناكو،‏ لأنني املك سيارة.‏ وخدمة ذلك الفريق شملت رحلة من ١٠٠ ميل (‏١٦٠ كلم)‏ ذهابا وايابا.‏ ثم طُلب مني الاعتناء بفريق آخر يبعد ١٩ ميلا (‏٣٠ كلم)‏.‏ وهنالك الآن جماعات في هاتين البلدتين.‏»‏

إِل تيڠْرِه نفسها،‏ الواقعة في شرق ڤنزويلا،‏ هي مركز تجاري مهم.‏ وقد صارت ايضا مركزا مهما للعبادة الحقة.‏ وفي اوائل ١٩٩٥ كانت هنالك سبع جماعات لشهود يهوه في إِل تيڠْرِه،‏ بمجموع يزيد على ٧٣٠ ناشرا للبشارة.‏

صائغة تتوقف عن صنع التماثيل

في جنوب شرق إِل تيڠْرِه توجد سْيوداد بوليڤار،‏ على الضفة الجنوبية لنهر أورينوكو.‏ انه مكان تكثر فيه الحركة،‏ مع حركة مرور كثيفة في النهر.‏ سنة ١٩٤٧ زار احد شهود يهوه ماريا تشارلز في تلك المدينة.‏ تقول ماريا:‏ «انا صائغة،‏ وكنت جالسة اعمل في متجري في احد الايام عندما مرَّ أَلِهاندرو مِتشل ومعه كيس من قماش معلَّق على كتفه.‏ قلت:‏ ‹ماذا لديك هنا؟‏› فأجاب:‏ ‹كنز خصوصي.‏› قلت:‏ ‹اذا كان ما لديك ذهبا،‏ فأنا اشتريه،‏ لأن هذا عملي.‏› فقال ان ما يملكه افضل من الذهب.‏ قلت:‏ ‹الشيء الوحيد الذي اعرف انه افضل من الذهب هو الكتاب المقدس.‏› اعترف أَلِهاندرو بأنني على صواب وأخرج كتابا مقدسا ومطبوعات اخرى.‏

‏«كنت احب القراءة لكنني لم استطِع قط ان افهم الكتاب المقدس،‏ لذلك قلت له:‏ ‹أشتري كل ما لديك.‏› واشتريت منه في ذلك اليوم ١١ مجلة بالاضافة الى كتابَي ‏«الملكوت قريب،‏» الخلاص،‏ وكتاب مقدس جديد.‏ فتنني جدا ما قرأته حتى انني قررت ان لا اعمل في متجر الصياغة طوال اسبوع لكي اتمكَّن من وقف نفسي للقراءة.‏ وعندما قرأت كتاب ‏«الملكوت قريب،‏»‏ تأثرت بمثال يوحنا المعمدان وقلت لنفسي،‏ ‹اريد ان اكون كارزة عديمة الخوف مثله.‏›»‏

سألت ماريا في الجوار عن مكان اجتماع الشهود ولكن قيل لها انه لا يوجد مكان كهذا في سْيوداد بوليڤار.‏ فالاقرب كان في إِل تيڠْرِه،‏ على بُعد نحو ٧٥ ميلا (‏١٢٠ كلم)‏.‏ وبشجاعة،‏ ذهبت،‏ وجدت المكان،‏ حضرت اجتماعا،‏ وتركت ملاحظة لِـ‍ أَلِهاندرو مِتشل ترجو فيها ان يزورها في سْيوداد بوليڤار.‏

في غضون ذلك،‏ اكتشفت ان خياطا في الجوار يملك ايضا كتاب ‏«الملكوت قريب.‏»‏ وكان يعرف اين يجتمع فريق صغير لقراءة برج المراقبة.‏ فرافقته ماريا ووجدت لِيوپولدو فارِراس،‏ امه،‏ اخته،‏ وقليلين آخرين.‏ تمتعت بالاجتماع وكانت متحمِّسة جدا بشأن المواد حتى انها رفعت يدها عند كل سؤال!‏

عندما انتهى الدرس،‏ سألها لِيوپولدو فارِراس:‏ «من اين اتيت؟‏» فأجابت ماريا:‏ «من متجري للصياغة،‏ لكنني لن اصنع المزيد من التماثيل.‏» وإذ ابتسم بسبب صراحتها،‏ سألها فارِراس:‏ «ولمَ لا؟‏» اجابت ماريا:‏ «بسبب ما يقوله المزمور ١١٥:‏٤-‏٨‏.‏»‏

لم يكن الفريق منظَّما بعد للشهادة العلنية.‏ وفي الواقع،‏ كان هذا العضو الاحدث،‏ ماريا تشارلز،‏ مَن اقترح ان يطيعوا وصية الكتاب المقدس بالكرازة.‏ فتزوَّدوا ببطاقات شهادة ومطبوعات وابتدأوا يحملون البشارة الى سكان سْيوداد بوليڤار بطريقة منظَّمة.‏ وكانت السنوات القليلة الاولى صعبة جدا لأن الناس كانوا يخافون من رجال الدين.‏ لكنَّ جهود الفريق الغيور الامينة اثمرت.‏ وفي سنة ١٩٩٥ كانت هنالك في سْيوداد بوليڤار تسع جماعات ومجموع ٨٦٩ ناشرا.‏

المزيد من المرسلين يصلون

كانت هنالك اخبار مثيرة في مكتب الفرع في كاراكاس سنة ١٩٥٠.‏ فكان سيُرسَل اربعة عشر مرسلا آخر الى ڤنزويلا،‏ وكانت ستُفتح ثلاثة بيوت اضافية للمرسلين —‏ في باركيسيميتو،‏ ڤَلَنْسِيا،‏ وماراكاي.‏ ولكن هل كان المرسلون سيتمكنون من دخول البلد؟‏ فكان رئيس الجمهورية قد اغتيل؛‏ كان هنالك حظر تجوُّل عند الساعة ٠٠:‏٦ مساء؛‏ ووسائل الاتصال قد تأثرت.‏

اول طائرة دخلت البلد بعد الاغتيال حطَّت في المطار قرب كاراكاس.‏ ونزل منها اربعة عشر مرسلا جديدا.‏ ولكن لم يكن هنالك احد ليلتقيهم.‏ ففي تلك الظروف،‏ لم يكن قدومهم متوقَّعا.‏ تتذكَّر رَلفين (‏پِني)‏ ڠاڤِت،‏ واحدة من الـ‍ ١٤:‏ «ركبنا ثلاث سيارات اجرة ومعنا عنوان الفرع.‏ ان ايجاد الشارع،‏ أَڤِنيدا پَايِس في كاراكاس،‏ لم يكن المشكلة؛‏ لكنه كان شارعا طويلا جدا،‏ ولم نتمكن من ايجاد البيت.‏ كان الظلام قد حل،‏ وساعة الابتداء بحظر التجوُّل مرَّت،‏ وسائقو سيارات الاجرة صاروا عصبيين.‏ وأخيرا،‏ قال ڤِن تشاپمان،‏ احد المرسلين،‏ للسائق ان يتوقف وهو سيذهب ويقرع ايّ باب ويسأل عن الوجهة الصحيحة،‏ مع ان لغته الاسپانية كانت محدودة جدا.‏ وعندما قرع،‏ فتح الباب دونالد باكستر،‏ ناظر الفرع.‏ ويا لها من راحة!‏»‏

ان المرسلين الذين عُيِّنوا في باركيسيميتو،‏ التي تقع على بعد نحو ١٧٠ ميلا (‏٢٧٠ كلم)‏ جنوب غرب كاراكاس،‏ وجدوا انها مدينة متديِّنة جدا.‏ وفي خمسينات الـ‍ ١٩٠٠ كان الناس هناك منغمسين في التقاليد وقاوموا التغيير.‏

لكنَّ ردود الفعل اختلفت،‏ بحسب ما يجري فعله ومَن يفعله.‏ وفي ما يتعلق بأول يوم سبت خرج فيه المرسلون للقيام بشهادة الشارع،‏ يتذكَّر الاخ تشاپمان:‏ «وقفنا نحن الخمسة عند الزوايا الرئيسية في الجزء التجاري في وسط المدينة.‏ وسبَّبنا اهتياجا حقا!‏ فقلَّما كان يوجد اميركي في باركيسيميتو في ذلك الوقت ولا اية شابة اميركية.‏ كان يبدو انني عاجز عن توزيع اية مجلة،‏ وأما الفتيات فوزَّعن الكثير!‏» ولكن،‏ في يوم آخر،‏ عندما ذهبت الفتيات الاربع الى السوق لشراء الطعام،‏ قرَّرن ان يرتدين جينزا.‏ وفي خلال دقائق كان ما يقارب المئة امرأة قد شكَّلن دائرة حولهن،‏ مشيرات بإصبعهن وصارخات:‏ ‏«انظرن!‏ انظرن!‏»‏ فلم يكنَّ معتادات رؤية فتيات في الشارع بملابس كهذه.‏ طبعا،‏ ذهبت الفتيات مباشرة الى البيت وغيَّرن ثيابهن.‏

ان معظم الناس في هذه المنطقة لم يروا قط كتابا مقدسا.‏ وحتى عندما يُستخدم كتاب مقدس كاثوليكي،‏ كانوا لا يريدون ان يقبلوا ما يقوله.‏ حتى ان البعض كانوا لا يريدون ان يقرأوا آية من الكتاب المقدس،‏ خشية ان يخطئوا اذا فعلوا ذلك.‏ وفي السنة الاولى أُحرز تقدُّم زهيد قليل جدا في باركيسيميتو.‏

اخيرا،‏ الدين الحقيقي

ولكن،‏ لم تُعْمِ سنوات من التقليد الكاثوليكي الروماني كل شخص في باركيسيميتو.‏ ان احد الامثلة البارزة هو لونا دو أَلڤارادو،‏ امرأة مسنة جدا كانت كاثوليكية رومانية طوال سنوات عديدة.‏ وعندما اتت الاخت ڠاڤِت الى بيتها للمرة الاولى،‏ قالت المرأة:‏ «يا سيدة،‏ منذ كنت فتاة صغيرة،‏ وأنا انتظر ان يأتي احد الى بابي ويوضح الامور التي قلتِها لي الآن.‏ فعندما كنت فتاة،‏ كنت انظِّف بيت الكاهن،‏ وكان يملك كتابا مقدسا في مكتبته.‏ كنت اعرف ان قراءته محرَّمة علينا،‏ لكنني كنت فضولية جدا وأردت ان اعرف السبب حتى انني،‏ في احد الايام عندما لم يكن احد يراقب،‏ اخذته معي الى البيت وقرأته سرًّا.‏ وما قرأته جعلني ادرك ان الكنيسة الكاثوليكية لم تعلِّمنا الحق ولذلك ليست الدين الحقيقي.‏ كنت خائفة من قول ايّ شيء لأحد،‏ لكنني كنت على يقين من انه في احد الايام سيأتي مَن يعلِّمون الدين الحقيقي الى بلدتنا.‏ وعندما اتى الدين الپروتستانتي،‏ اعتقدت اولا انه لا بد ان يكونوا هم،‏ ولكن سرعان ما اكتشفت انهم يعلِّمون الكثير من الاكاذيب نفسها التي تعلِّمها الكنيسة الكاثوليكية.‏ والآن،‏ ان ما قلتِه لي هو ما قرأته في ذلك الكتاب المقدس منذ سنوات عديدة.‏» ورُتِّب فورا لدرس،‏ ولم يمرَّ وقت طويل قبل ان ترمز لونا الى انتذارها ليهوه.‏ وعلى الرغم من المقاومة العائلية الشديدة،‏ خدمت يهوه بأمانة حتى موتها.‏

كانت إِوْفروسينا مانسانارِس تملك ايضا قلبا دفعها الى التجاوب مع كلمة اللّٰه.‏ وعندما زارتها رانْڠْنا إِنْڠْوالدْسِن في بادئ الامر،‏ لم تكن إِوْفروسينا قد رأت كتابا مقدسا قط.‏ لكنها قبلت ان تدَع رانْڠْنا تدرس معها.‏ تتذكَّر رانْڠْنا:‏ «كانت متديِّنة بطريقة شكلية،‏ تحضر القدَّاس كل احد وتترك دائما مصباحا مضاءً اكراما لتمثال احد ‹القديسين،‏› الذي يكون موضوعا في كوَّة غير نافذة في الحائط.‏ ولكي تتأكد ان المصباح لا ينطفئ ابدا،‏ كانت تُبقي عندها ڠالونات من الزيت لهذا الهدف الخصوصي!‏» لكنَّ إِوْفروسينا طبَّقت ما تعلَّمته من الكتاب المقدس.‏ وعندما تعلَّمت ان بعض الامور لا ترضي يهوه،‏ صنعت تغييرات في حياتها.‏ وهكذا،‏ تخلَّصت من تماثيلها،‏ توقفت عن التدخين،‏ وسجَّلت زواجها شرعيا.‏ ولاحقا،‏ انضمت اليها امها في الدرس.‏ ولم يكن سهلا على إِوْفروسينا ان تتخلَّص من سيجاراتها الكبيرة.‏ فعندما كانت بعمر سنتين فقط،‏ كانت امها تضع سيجارة في فمها لإسكاتها،‏ وكانت تدخِّن منذ ذلك الحين.‏ ولكن الآن،‏ لكي ترضي يهوه،‏ توقَّفت عن التدخين،‏ اعتمدت،‏ وصارت ناشرة غيورة جدا.‏

بعد ست سنوات من ارسال المرسلين الاوائل الى باركيسيميتو،‏ كان يوجد نحو ٥٠ ناشرا فقط هناك.‏ لكنَّ يهوه بارك الجهود المستمرة للبحث عن المشبهين بالخراف.‏ وفي سنة ١٩٩٥ كانت الـ‍ ٢٨ جماعة في باركيسيميتو تقدِّم تقريرا بمجموع ٤٤٣‏,٢ ناشرا.‏

ڤَلَنْسِيا،‏ حقل مثمر

تقع مدينة ڤَلَنْسِيا،‏ رابع اكبر مدينة في الجمهورية،‏ في منتصف الطريق تقريبا بين باركيسيميتو وكاراكاس.‏ ان جوّ شوارعها الأعتق والأضيق هو كجو اسپانيا القديمة،‏ وهي،‏ كسميّتها ڤَلَنْسِيا الاسپانية،‏ تشتهر ببرتقالها.‏

من فريق المرسلين الذين وصلوا الى ڤنزويلا سنة ١٩٥٠،‏ أُرسلت ثماني مرسلات الى ڤَلَنْسِيا.‏ تتذكَّر إِڤلِن سيبِرت (‏الآن وارد)‏ الابتداء بالعمل في ڤَلَنْسِيا بعرض جرى استظهاره.‏ تذكر:‏ «على الرغم من عدم معرفتنا الاسپانية،‏ ابتدأنا بدروس كثيرة في الكتاب المقدس.‏» وأحد هذه كان مع پولا لُوِس.‏ كانت پولا كاثوليكية ومتعبِّدة جدا للتماثيل،‏ وخصوصا لِـ‍ «قلب يسوع الاقدس،‏» الذي كانت تطلب منه الخدمات قانونيا.‏ وكانت تنزل الى الكنيسة كل اسبوع،‏ تقدِّم هبتها المؤلَّفة من ثلاثة بوليڤارات،‏ وتصلِّي الى التمثال ان يعود زوجها الى البيت ليبقى مع العائلة.‏ وإذ استمر في العيش بعيدا عنهم،‏ قرَّرت ان تتكلَّم بلهجة اشدّ مع التمثال.‏ ‹يا رب،‏ إِنْ لم احصل على نتائج هذه المرة،‏ فستكون هذه آخر هبة اقدِّمها لك.‏› ثم تركت الثلاثة بوليڤارات ولم تعُد قط.‏

في الشهر التالي زارتها إِڤلِن سيبِرت.‏ وكانت پولا سعيدة بأن تصغي،‏ اخذت كتاب ‏«ليكن اللّٰه صادقا»‏ (‏مع انها لم تكن تجيد القراءة)‏،‏ وبمساعدة إِڤلِن،‏ ابتدأت بدرس الكتاب المقدس.‏ وكانت پولا واحدى بناتها بين اوائل الذين اعتمدوا في ڤَلَنْسِيا.‏ وزوج پولا،‏ ستيڤن،‏ مع انه لم يُرِد في بادئ الامر ان تكون له صلة بـ‍ «هذه التفاهة،‏» كما دعاها،‏ اعاد النظر في الامر،‏ رجع ليعيش مع عائلته،‏ وصار ايضا خادما ليهوه —‏ وذلك ليس نتيجة التعبُّد لتمثال معروف بقلب يسوع الاقدس بل بسبب درسه الكتاب المقدس.‏

بعد سنتين من وصول المرسلات الاخريات الى ڤَلَنْسِيا،‏ انضم اليهن لِستِر باكستر (‏اخو دونالد الاكبر)‏ وزوجته،‏ نانسي.‏ وكان على لِستِر ان يعمل خصوصا باجتهاد ليبرع في الاسپانية.‏ فلم يكن بحاجة اليها لخدمته في الحقل وحسب بل،‏ بصفته الاخ الوحيد في فريق المرسلين،‏ كان مسؤولا عن ادارة كل الاجتماعات.‏ والتدريب المكثَّف ادَّى الى نتائج جيدة.‏ فبعد سنتين،‏ عندما تشكَّلت اول كورة في ڤنزويلا،‏ عُيِّن لِستِر ناظرا للكورة.‏ وبعد ذلك خدم في العمل الجائل طوال ٣٠ سنة.‏

بين المرسلين الذين خدموا في ڤَلَنْسِيا كان لوتار كَمِر القصير الاشقر من المانيا وهربرت هَدسُن ذو العينين الزرقاوين والخدَّين المتورِّدين من بريطانيا.‏ كانا رفيقين في الغرفة نفسها مدة من الوقت وكانا برهانا حيًّا على كيفية تأثير حق الكتاب المقدس في الحياة.‏ فقد كان لوتار في شبابه عضوا في الشبيبة الهتلرية الالمانية،‏ وكان هربرت في سلاح الطيران الملكي البريطاني —‏ عدوَّين خلال الحرب!‏ لكنَّ كلمة اللّٰه غيَّرت وجهة نظرهما من الحياة.‏ وكمرسلَين،‏ عملا معا ليعلِّما الناس كيف يعيشون في سلام —‏ اولا مع اللّٰه،‏ وأيضا واحدهم مع الآخر.‏

أقفز فوق السياج ام أتخذ موقفا ثابتا؟‏

سنة ١٩٥٣ كانت أَلِس پَلوسكي،‏ احدى المرسلات هناك في ڤَلَنْسِيا،‏ تزور ڠلاديس كاسْتِييو البالغة من العمر ١٨ سنة.‏ احبت ڠلاديس ما سمعته؛‏ لكنها كانت الى حد ما مرتابة لأن أَلِس لم تستعمل كتابا مقدسا كاثوليكيا.‏ فذهبت ڠلاديس الى الكاتدرائية في ڤَلَنْسِيا وتكلَّمت الى الاسقف.‏ وأوضحت انها تدرس مع «الپروتستانت،‏» كما ظنَّت الشهود،‏ لكنها تريد كتابا مقدسا كاثوليكيا لتفحص كل الآيات.‏ في ذلك الوقت كان الشهود قليلين نسبيا وغير معروفين جيدا في ڤَلَنْسِيا.‏ ان ما فكَّرت فيه ڠلاديس بدا رأيا سليما للاسقف،‏ فزوَّدها كتابا مقدسا.‏ وإذ اندهشت ڠلاديس مما قرأته في الكتاب المقدس،‏ ادركت ان الكاثوليك لا يمارسون ما يعلِّمه الكتاب المقدس.‏ فقرَّرت ان تترك الكنيسة.‏

وسنة ١٩٥٥ عندما كانت تستعد للمعمودية،‏ نشأ امتحان لايمانها.‏ فكانت تدرس لتكون معلِّمة،‏ وكانت هنالك بعدُ سنة واحدة فقط قبل التخرُّج.‏ وخُطِّط لاحتفال في كليتها اكراما للعذراء مريم.‏ وكان يُتوقَّع من كل شخص ان يحضر قدَّاسا خصوصيا.‏ تتذكَّر ڠلاديس:‏ «كانت تلك ايام الدكتاتور پيريز خيمينيز،‏ والطرد من المدارس كان شائعا اذا رفض احد ان يطيع القوانين.‏ وأُعلن ان ايّ شخص لا يحضر القدَّاس يجب ان يأخذ رسالة طرده،‏ الامر الذي يحرمه ايضا فرصة الدرس في مكان آخر.‏ كان ذلك امتحانا حقيقيا لي.‏ حان الوقت للذهاب الى القدَّاس،‏ ففكَّرت في الاختباء في الحمام او القفز فوق السياج والذهاب الى البيت.‏ وأخيرا،‏ قرَّرت ان أتخذ موقفا.‏ فأوضحت لمدير الكلية انني لن اذهب الى القدَّاس لأنني لم اعُد اعتبر نفسي كاثوليكية لكنني ادرس مع شهود يهوه.‏ ومع انه غضب عليَّ كثيرا،‏ إلا انه تركني اذهب الى البيت.‏ ولم أُطرد.‏ كنت سعيدة بأنني وثقت بيهوه كاملا.‏»‏

عندما نال الشهادة رَجُلا دين

بين آخرين،‏ نال اثنان من رجال الدين شهادة.‏ مارينا سِلڤا،‏ احدى اوائل الذين صاروا شهودا في ڤَلَنْسِيا،‏ تتذكَّر اليوم الذي زارها فيه كاهن الكنيسة التي كانت تتردَّد اليها قبل ان تصير شاهدة.‏ واستطاعت ان تتحدث اليه وقتا طويلا.‏ وما تتذكَّره بوضوح تام هو انه،‏ عندما عجز عن تحديد موقع الآيات التي تريد مارينا ان يفتح اليها،‏ اعترف قائلا:‏ ‏‹في المعهد اللاهوتي درسنا كل شيء ما عدا الكتاب المقدس.‏› ووافق معها على نقاط كثيرة؛‏ ولكن عندما شجعته على ترك منصبه ككاهن وخدمة يهوه،‏ قال:‏ «عندئذ مَن يزوِّدني بحصتي من الـ‍ أَرِپا؟‏»‏ (‏الـ‍ أَرِپا هو خبز الذرة المحلي.‏)‏

مع ان مارينا نفسها كانت في ما مضى متعبِّدة لِـ‍ «قلب يسوع الاقدس» —‏ مخصِّصة كل يوم جمعة لهذا التمثال —‏ فإِن حق الكتاب المقدس غيَّر حياتها.‏ فاعتمدت سنة ١٩٥٣،‏ صارت فاتحة خصوصية سنة ١٩٦٨،‏ ولا تزال مستمرة في هذه الخدمة الخصوصية.‏ وإذ اشتركت مارينا في الكرازة بالبشارة،‏ كان لها امتياز المساعدة على افتتاح العمل في سان كارلو،‏ تمِرلا،‏ بِهوما،‏ تشيرڠوا،‏ تابوردا،‏ نيرڠوا،‏ وتيناكييُو.‏

عندما وصلت رسالة الحق اولا الى تيناكييُو،‏ في جنوب غرب ڤَلَنْسِيا تماما،‏ كان ردّ الفعل الاولي عدائيا.‏ تتذكَّر مارينا انه ما ان ابتدأ الفريق الصغير بالعمل في البلدة حتى ركَّب الكاهن المحلي،‏ «مونسينيور» ڠرانادِييو،‏ مكبِّرات للصوت ليحذِّر الناس.‏ صرخ:‏ «وصلت الحمَّى الصفراء الى تيناكييُو!‏» وأَضاف:‏ «لا تصغوا الى هؤلاء الناس!‏ دافعوا عن البلدة وعن دينكم!‏ دافعوا عن سر الثالوث الاقدس!‏» فقرَّرت مارينا ان تزور الكاهن.‏ فذهبت الى بيته وانتظرت حتى اتى الى البيت.‏

حيَّته قائلة:‏ «انا جزء من ‹الحمَّى الصفراء› التي تذمَّرت منها هذا الصباح.‏ اريد ان اوضح اننا شهود ليهوه.‏ ونحن نكرز برسالة مهمة عن ملكوت اللّٰه،‏ رسالة يجب ان تكرز بها الكنيسة لكنها لا تفعل.‏» وطلبت منه بشجاعة كتابه المقدس وأَرته الآية في الاعمال ١٥:‏١٤‏،‏ حيث يُنبَأ مسبقا بأن يهوه سيأخذ من الامم «شعبا على اسمه.‏» فتغيَّر موقفه.‏ وقال انه يعتذر،‏ انه لم يدرك ايّ نوع من الناس نحن.‏ ولدهشة الجميع حضر الخطاب العام الذي دعته اليه الاخت.‏ وبعد ذلك قبِل المجلات في مناسبات عديدة في الساحة العامة الرئيسية.‏ وآخرون لاحظوا ذلك فتشجعوا على اخذها ايضا.‏ وفي سنة ١٩٩٥ كانت هنالك اربع جماعات في تيناكييُو ومجموع ٣٨٥ ناشرا.‏

بزور حق الكتاب المقدس تزدهر في ماراكاي

تتذكَّرون انه بالاضافة الى المرسلين الذين أُرسلوا الى باركيسيميتو وڤَلَنْسِيا،‏ كان على بعض الذين وصلوا سنة ١٩٥٠ ان يهتموا بـ‍ ماراكاي.‏ وهذه خامس اكبر مدينة في ڤنزويلا،‏ على بُعد ٧٤ ميلا (‏١٢٠ كلم)‏ تماما جنوب غرب كاراكاس.‏ وهي تقع في الجانب الشرقي من بحيرة ڤَلَنْسِيا وتحيط بها التلال.‏

بوصول المرسلين الى ماراكاي،‏ صار ممكنا عقد الاجتماعات في تلك المدينة ايضا.‏ وفي ذلك الوقت كان فريق المرسلين مؤلَّفا من اخوة عزَّاب.‏ ولكن،‏ بحلول الوقت الذي وصلت فيه لِيلا پراكتُر،‏ مرسلة اوسترالية المولد،‏ سنة ١٩٥٨،‏ مع ان ما يتراوح بين ١٢ و٢٠ كانوا يحضرون الاجتماعات،‏ كان هنالك اخ معتمد واحد فقط في ماراكاي.‏ وكان هذا كيث ڠْلِسِنڠ،‏ الذي تخرَّج وزوجته جويس من مدرسة جلعاد سنة ١٩٥٥.‏ وبسبب النقص في الاخوة،‏ كانت مساعدة الاخوات لازمة بطرائق عديدة.‏ تتذكَّر الاخت پراكتُر:‏ «كانت لدينا نحن الاخوات اجزاء في اجتماعات الخدمة وساعدنا في الحسابات،‏ المطبوعات،‏ والمجلات.‏ وبعد خمسة اشهر في تعييني،‏ عُيِّنتْ لي ادارة احد دروس الكتاب.‏ في بادئ الامر،‏ كان هنالك فقط ناشر خامل واحد وأنا.‏ وكان الاجتماع يُعقد على ضوء الشمعة في بيت له ارضية من تراب.‏ وقبل مرور وقت طويل،‏ على الرغم من لغتي الاسپانية الرهيبة،‏ ازداد الحضور كثيرا حتى ان غرفة الجلوس،‏ المطبخ،‏ والفناء صارت كلها ملآنة.‏ يمكن ان يحدث ذلك فقط بروح يهوه القدوس.‏»‏

برهن كثيرون جدا في ماراكاي عن رغبة قوية في معرفة يهوه وخدمته حتى انه في وقت باكر من سنة ١٩٩٥،‏ كانت هنالك ٣٠ جماعة ومجموع ٨٣٩‏,٢ ناشرا في تلك المدينة.‏

‏‹سأطلق عليك النار اذا كان ذلك صحيحا!‏›‏

بين الذين اظهروا اهتماما في ماراكاي كانت ماريا،‏ زوجة أَلفرِدو كورتِس.‏ وكانت جويس ڠْلِسِنڠ قد درست معها الكتاب المقدس طوال ستة اشهر.‏ ثم في احد الايام اتى الزوج الى البيت ووجد هذه الغريبة،‏ كما تُدعى الاميركيات هنا.‏ فسأل زوجته عما يحدث.‏ وبغية الايضاح،‏ اعطته الزوجة مجلة تركتها جويس معها.‏ وكانت تحتوي على مقالة عن الارواحية،‏ رابطة اياها بجمعية الوردصليبيين Rosicrucianism.‏ فقرأها باهتمام لأنه كان متأثِّرا بمعتقداتها.‏

عندما اخبرت زوجته الاخت ڠْلِسِنڠ عن اهتمام زوجها بالمجلة،‏ رُتِّب ان يزور زوج المرسلة،‏ كيث،‏ السيد كورتِس.‏ فزاره،‏ وجرى الابتداء بدرس في الكتاب المقدس.‏ وبعد ثلاثة اسابيع فقط —‏ قبل الاوان الى حد ما —‏ دعا المرسل السيد كورتِس الى الانضمام اليه في العمل من باب الى باب.‏ فذهب معه،‏ تمتع بذلك كثيرا جدا،‏ ووزَّع ١٦ مجلة.‏ وإذ ابتهج جدا،‏ خرج في تلك الامسية مع اصدقاء غير شهود للاحتفال بنجاحه وسكر،‏ واصلا الى البيت عند الساعة الثالثة صباحا!‏

في اليوم التالي شعر بالأسف لذلك وفكَّر،‏ ‹إما ان اخدم يهوه بلياقة او ان اعود الى نمط حياتي القديم.‏› وبصعوبة،‏ اقتنع ان يستمر في درسه للكتاب المقدس.‏ وتدريجيا اذ ترك وراءه طريقة حياته السابقة،‏ تقدَّم الى المعمودية سنة ١٩٥٩.‏

وبعد اسبوعين اتى ليرى أَلفرِدو كولونيلٌ غضبان،‏ وهو عرَّاب احدى بناته،‏ ووجَّه مسدسا نحو صدره،‏ وهدَّد:‏ «أَصحيح ما سمعته —‏ انك صرت واحدا من شهود يهوه؟‏ سأطلق عليك النار اذا قلتَ ان الامر صحيح!‏» فبقي أَلفرِدو هادئا وأكَّد ان الامر صحيح وأوضح السبب.‏ وإذ اشمأز الكولونيل،‏ اعاد سلاحه الى مكانه وابتعد بغضب،‏ قائلا انه لم يعُد يعتبر نفسه عرَّاب الفتاة.‏ وبفضل روح يهوه وغيرة أَلفرِدو في الشهادة لكل شخص،‏ كان اداة في مساعدة ٨٩ شخصا على معرفة الحق ونذْر حياتهم ليهوه.‏ وهو يخدم في الوقت الحاضر كشيخ في كابودارِه،‏ قرب باركيسيميتو؛‏ احد ابنائه هو فاتح خصوصي؛‏ وابنته كارولينا وزوجها يخدمان في الفرع.‏

انتبهوا،‏ انه وقت الكرنڤال

ان وقت الكرنڤال في ڤنزويلا هو وقت حفلات وملابس تنكرية —‏ والرشق بالماء!‏ والاولاد خصوصا يبتهجون كثيرا بتبليل المارَّة على غفلة.‏ وعادة من غير الحكمة الخروج الى الشوارع يومَي الاثنين والثلاثاء من اسبوع الكرنڤال.‏

تعترف لِيلا پراكتُر:‏ «لم اصغِ الى التحذيرات.‏» وتضيف:‏ «في السنة الاولى التي كنت فيها في ماراكاي،‏ اعتقدت انني سأعقد دروسي للكتاب المقدس مهما كلَّف الامر.‏ لقد عقدتها،‏ ولكنني وصلت الى درسي الاول ممتلئة ماء،‏ اذ سكب عليّ احدهم دلوا من الماء من اعلى.‏ وسرتُ الى درسي الثاني جافة جزئيا،‏ ولكن لأكون هدفا لدلوَي ماء في طريقي الى هناك.‏ وصلت مبلَّلة جدا.‏» ولدى مرسلين آخرين حكايات مماثلة يخبرون بها.‏

لِيلا،‏ الموجودة في بيت المرسلين في كينتا لُوس في كاراكاس،‏ ترتِّب الآن برنامجها بطريقة مختلفة قليلا في وقت الكرنڤال.‏

‏«سمع صلاتي القلبية»‏

عندما كان أَلفرِدو أَمادور صغيرا،‏ كان ابوه يريه السموات المرصَّعة بالنجوم ويقول له اسماء بعض الكوكبات.‏ كان يقول:‏ «صنع اللّٰه كل هذه.‏» لكنَّ والد ألفرِدو مات قبل ان يبلغ ابنه العاشرة.‏ وأَلفرِدو،‏ الذي كان آنذاك يعيش في تورمِرو،‏ ولاية أَراڠوا،‏ ابتدأ يشك في دينه.‏ فلم يبدُ له صائبا ان يطلب الكاهن مالا ليتلو الصلوات من اجل الميت او ان يتمكن الاغنياء ان يُخرجوا انسباءهم من المطهر بأسرع من الطبقة الفقيرة.‏ وإذ امتلأ شكوكا،‏ تورَّط في السكر،‏ الفساد الادبي الجنسي،‏ العنف،‏ وإساءة استعمال المخدِّرات.‏ وإذ ابتدأ يحصد عواقب ما زرعه،‏ بحث عن منفذ.‏ ثم تذكَّر تلك الليالي التي فيها كان ينظر الى السموات مع ابيه.‏

يروي:‏ «بعد ظهر احد الايام،‏ اذ شعرت باليأس تماما والدموع في عينيَّ،‏ صلَّيت ان يسمح لي اللّٰه بمعرفته.‏ ويبدو انه سمع صلاتي القلبية،‏ لأنه في الصباح التالي عينه قرع اثنان من شهود يهوه بابي.‏ وتلت مناقشات مثيرة للاهتمام،‏ لكنني لم اوافق على درس في الكتاب المقدس.‏ اردت ان اقرأ الكتاب المقدس لنفسي،‏ مع انني وافقت على الذهاب الى قاعة الملكوت.‏ والأخ الذي كان يزورني اخذني معه ايضا الى محفل دائري في مكان قريب في كاڠوا.‏ وإذ اصغيت الى مختلف الخطابات،‏ ادركت ان هذا هو الحق.‏ وعندما وقف المرشحون للمعمودية للاجابة عن السؤالين،‏ وقفتُ انا ايضا!‏»‏

كان أَلفرِدو مندهشا لان كل الآخرين الذين وقفوا كانوا في احدى جهتَي قاعة المحاضرات،‏ في حين انه كان في الجهة الاخرى.‏ ولكنه اصطف وراءهم ليعتمد.‏ عندئذ سأله احدهم من اية جماعة هو.‏ لم يكن يعرف حتى ان للجماعات اسماء!‏ وسرعان ما اكتشف انه ليس مستعدا حقا للمعمودية.‏

بعد ذلك بوقت غير طويل،‏ تزوج المرأة التي كان يعيش معها،‏ وبمساعدة درس نظامي في الكتاب المقدس،‏ صار مؤهلا للانضمام الى الاخوة في الشهادة من باب الى باب.‏ وسنة ١٩٧٥ اعتمد مع زوجته.‏ وهو يخدم الآن كشيخ مسيحي في ماراكاي.‏ ويتطلع الى الامام الى اليوم الذي فيه،‏ في نظام اللّٰه الجديد،‏ يعود ابوه في القيامة.‏ وحينئذ سيتمكن من القول لأبيه ان اسم الخالق الذي كان يتكلَّم عنه قبل سنوات كثيرة هو يهوه،‏ وسيتمكن من تشجيع ابيه على معرفة يهوه جيدا.‏

كارثة في ماراكاي

السادس من ايلول ١٩٨٧ هو تاريخ سيتذكَّره طويلا اولئك الذين يعيشون في منطقة ماراكاي.‏ فالامطار الغزيرة سبَّبت فيضانا وأحدثت انهيارات وحلٍ جرفت او غمرت تماما مئات البيوت.‏

كثيرون من الـ‍ ٠٠٠‏,٢ ناشر تقريبا في ماراكاي كانوا يحضرون محفلا كوريا عندما حلَّت الكارثة.‏ وعندما عادوا،‏ وجدوا انهم خسروا بيوتهم وممتلكاتهم.‏ وكان ما لا يقل عن ١٦٠ شخصا قد ماتوا؛‏ مئات آخرون لم يُعرف عنهم شيء قط؛‏ و ٠٠٠‏,٣٠ تُركوا مشرَّدين.‏ ومع انه لم يخسر ايّ شاهد حياته او يتأذَّ بشكل خطير،‏ فإن ما مجموعه ١١٤ شاهدا وتلميذا للكتاب المقدس كانوا بين الذين تُركوا مشرَّدين،‏ بلا ممتلكات سوى الملابس التي يرتدونها.‏

نظَّم الاخوة بسرعة لجنة اغاثة فعَّالة وقدَّموا مساعدة وافرة بشكل طعام،‏ ادوية،‏ ملابس،‏ وفُرُش.‏ ووصلت هذه المؤن أحمالا في عربات نقل من الرفقاء الشهود المهتمين في بلدات ومدن اخرى حتى لم تعُد هنالك حاجة الى المزيد.‏ وعندما ادرك الاخوة المسؤولون انه يوجد اكثر مما يكفي للاعتناء بالشهود ودروس الكتاب المقدس،‏ وفَّروا ايضا الطعام وبعض اللباس للجيران الذين هم في حاجة ماسَّة.‏ ان سخاء الاخوة الغامر واستعدادهم للمساعدة كانا حقا مقوِّيَين للايمان.‏

رغبة واضحة في الاجتماع معا

لا شك ان الڤنزويليين هم بالطبيعة اجتماعيون.‏ فهم يحبون ان يجتمعوا معا بأعداد كبيرة —‏ من اجل وجبة طعام،‏ من اجل حفلة،‏ من اجل نزهة على الشاطئ او في الريف.‏ وعندما يأتون الى هيئة يهوه،‏ يستمر هذا الوجه من شخصيتهم في ان يكون واضحا جدا.‏ فهم يحبون المحافل الدائرية والكورية.‏ وبالنسبة الى كثيرين منهم،‏ فإن الوقت،‏ المسافة،‏ الكلفة،‏ وعدم الراحة ليست مهمة ما داموا يستطيعون ان يكونوا معا.‏

في كانون الثاني ١٩٥٠ كانت هنالك اثارة كبيرة اذ اعدّ الاخوة لمحفل دائري يدوم يومين في ماراكايبو.‏ وكان الاخ نور وروبرت مورڠن،‏ من المركز الرئيسي العالمي،‏ سيحضران وكان پِدرو مورالِس خائب الامل لأن الصحافة المحلية رفضت صنع دعاية للمحفل نتيجة المقاومة من الكنيسة.‏ ولكن،‏ اذ اقترب وقت وصول الاخوَين بالطائرة،‏ ابتكر اسلوبا آخر.‏ قال لاحقا:‏ «رتَّبتُ ان يكون كل اولاد الجماعة خارج المطار،‏ كل واحد معه باقة من الزهور الناضرة.‏ فأثار ذلك طبعا اهتمام المراسلين الصحفيين هناك،‏ وسألوا عما اذا كانوا يتوقَّعون شخصا استثنائيا.‏ والاولاد،‏ الذين كانوا قد لُقِّنوا المعلومات بعناية،‏ كانوا يجيبون:‏ ‹نعم،‏ يا سيد،‏ وهو سيلقي خطابا في القاعة الماسونية،‏ شارع أُوردانِتا رقم ٦،‏ قرب مركز الشرطة.‏› وإذ وصل الاخَوان الزائران،‏ التقط المراسلون صورا،‏ ونُشرت المعلومات عن المحفل الدائري بالاضافة الى الصور الفوتوڠرافية في الصحف.‏ لقد حصلنا على دعاية.‏»‏

وأيضا،‏ طوال يومين قبل الاجتماع العام،‏ قدَّمت محطة راديو محلية،‏ أُونداس دِل لاڠو (‏موجات البحيرة)‏،‏ اعلانات كل نصف ساعة انه سيُلقى هذا الخطاب وأنه سيُذاع على الراديو.‏ وكانت النتائج مؤاتية جدا.‏ فبالاضافة الى الـ‍ ١٣٢ في المحفل الدائري،‏ كان هنالك عدد حضور كبير على الراديو.‏ وشهدت تلك السنة اعلى نسبة زيادة في عدد الناشرين سُجِّلت على الاطلاق في ڤنزويلا —‏ ١٤٦ في المئة.‏

وعُقد محفل كوري آخر يتذكَّره كثيرون في حلبة مصارعة الثيران نْويڤو سيركو في كاراكاس،‏ في ٢٣-‏٢٧ كانون الثاني ١٩٦٧.‏ وكان ذلك محفلنا الاممي الاول في ڤنزويلا.‏ وكان هنالك ٥١٥ مندوبا اجنبيا بين الحضور،‏ بمَن فيهم اعضاء من مجلس ادارة جمعية برج المراقبة.‏ ومسرحيات الكتاب المقدس كانت وجها جديدا من البرنامج في ذلك الوقت.‏ يتذكَّر ضِيا يزبك،‏ الذي اشرف على احداها:‏ «كان لها حقا وقع في النفس،‏ ليس فقط بسبب جدَّة ورسالة المسرحية وإِنما ايضا بسبب الـ‍ ٥٠٠ كاميرا للمندوبين الزائرين الذين يأخذون صورا باهتياج لتسجيل الحدث!‏» ان جمعا امميا كهذا لفت الانتباه.‏ ومع انه كان يوجد اقل من ٠٠٠‏,٥ شاهد في ڤنزويلا في ذلك الوقت،‏ إلا ان عدد الحضور بلغ ٤٦٣‏,١٠.‏ وخلال الثلاث سنوات التالية،‏ كانت الزيادة في عدد الشهود النشاطى في البلد ١٣ في المئة،‏ ١٤ في المئة،‏ و ١٩ في المئة.‏

ليس امرا غير مسموع ان يحضر شخص مهتم محفلا دائريا او محفلا كوريا حتى قبل ان يُدار معه درس رسمي في الكتاب المقدس او يذهب الى قاعة الملكوت.‏ وتبرهنت هذه الرغبة في الاجتماع بشكل بارز في كانون الثاني ١٩٨٨.‏ كان دون آدامز،‏ من المركز الرئيسي في بروكلين،‏ يقوم بزيارة كناظر اقليم.‏ فاستُؤجرت احدى حلبات مصارعة الثيران في ڤَلَنْسِيا،‏ ورُتِّب برنامج لمدة ساعتين.‏ في ذلك الوقت كان هنالك فقط ٠٠١‏,٤٠ ناشر في كل ڤنزويلا.‏ ولكن اتى ٦٠٠‏,٧٤ شخص لحضور البرنامج؛‏ وقد اتوا من اقصاء البلد.‏ وسافر البعض ١٢ ساعة او اكثر بالباص ليكونوا حاضرين؛‏ وعندما انتهى البرنامج،‏ ركبوا ثانية في باصاتهم من اجل رحلة العودة التي تدوم ١٢ ساعة.‏ ولكن بالنسبة الى الشهود الڤنزويليين المبتسمين،‏ المبتهجين،‏ وغير المتذمِّرين،‏ كان مجرد وجودهم بين الكثير جدا من اخوتهم وأخواتهم الروحيين طوال نصف نهار شيئا جديرا بالعناء.‏

الرسالة تؤخذ الى جبال الأنديز

تمتد سلسلة جبال الأنديز شمالا حتى ڤنزويلا.‏ والمدن الرئيسية الثلاث الموجودة في منطقة الأنديز هي ميريدا،‏ سان كريستوبال،‏ وڤالِرا.‏ وطريقة الحياة ومواقف الناس هي بشكل لافت للنظر مختلفة عن تلك التي في البلدات الساحلية والمناطق التي تجمع اشخاصا من مختلف انحاء العالم.‏

رودني پراكتُر،‏ ناظر كورة خدم في جبال الأنديز،‏ قدَّم هذه الملاحظة عن الناس الذين يعيشون هناك:‏ «مرارا كثيرة يُعامَل الغريب كأجنبي مع انه في بلده.‏ ولا تزال الكنيسة تمارس سلطة قوية،‏ وعموما،‏ لا تُقبل رسالة الملكوت بسهولة.‏ وقد اختبر بعض الفاتحين الخصوصيين واقع وجودهم في بلدة سنة كاملة قبل ان يحصلوا على جواب عندما يحيُّون الناس في الطريق.‏ وبعد السنة الثانية،‏ قد يبتدئ البعض بدرس الكتاب المقدس.‏ وبخلاف انحاء اخرى من البلد،‏ يبدو انّ العائق امام الاصغاء عندما يقوم الشهود بالزيارة هو،‏ ‹ماذا سيفكِّر جيراني؟‏›»‏

في اوائل خمسينات الـ‍ ١٩٠٠ زار هوان مالدونادو،‏ فاتح من كاراكاس،‏ مدنا عديدة في جبال الأنديز،‏ مقيما اسابيع قليلة في كل منها،‏ وكارزا حيثما ذهب.‏ كان الاستقبال في سان كريستوبال غير مشجع في بادئ الامر.‏ فقد أُلقي القبض على الاخ مالدونادو مرارا عديدة بسبب كرازته الصريحة.‏

ولكن كانت هنالك عائلة اظهرت اهتماما بالحق،‏ ودرس الكتاب المقدس معهم مرارا عديدة في الاسبوع خلال اقامته.‏ ولكنَّ الانسباء والكاهن المحلي اضطهدوهم حتى ان الام،‏ أَنڠهِلينا ڤانِڠاس،‏ لم تستطِع ان تحصل على ما يكفي من العمل لاعالة العائلة.‏

بعد ان خدم ڤِن وپيرل تشاپمان كمرسلَين في باركيسيميتو،‏ عُيِّنا في سان كريستوبال في كانون الاول ١٩٥٣.‏ فاستقبلتهما أَنڠهِلينا ڤانِڠاس وعائلتها بصفتهما تدبيرا رائعا من يهوه وابتدأوا فورا بالخدمة مع المرسلَين.‏ وبعد اشهر قليلة قرَّرت الام ان تعتمد.‏ كان حوض الاستحمام في بيت المرسلين كبيرا جدا،‏ وأَنڠهِلينا صغيرة جدا،‏ لذلك لم تكن هنالك مشكلة في الحصول على تسهيلات ملائمة.‏

القيلولة ام الخلاص؟‏

ابتدأ الزوجان تشاپمان بدرس مع زوجين فقيرين جدا،‏ ميسايِل وإِدِلميرا سالاس.‏ وكانت إِدِلميرا كاثوليكية متحمِّسة.‏ توضح:‏ «كان تعبُّدي شديدا حتى انني في احدى المناسبات عندما كنت حاملا،‏ لكي اتمِّم نذرا كنت قد نذرته للّٰه،‏ قمت برحلة حافيةً من قرية الى اخرى،‏ ثم مشيت على ركبتيَّ من باب الكنيسة حتى المذبح.‏ ثم سرت حافيةً في طريق العودة،‏ وبفعلي ذلك مرضت وأجهضت الطفل.‏»‏

بحلول الوقت الذي فيه وُلدت طفلتهما التالية،‏ كان ميسايِل وإِدِلميرا قد ابتدأا بدرس الكتاب المقدس مع الزوجين تشاپمان.‏ وفي احد الايام عندما كانت الطفلة مريضة جدا،‏ قرَّرت إِدِلميرا ان تأخذها الى المستشفى.‏ وقبل ان تغادر ضغط عليها الجيران لتعمِّد الطفلة بسرعة،‏ قائلين انه اذا ماتت الطفلة،‏ فستُحرم من الدفن وتذهب الى اليمبوس.‏ فقرَّرت إِدِلميرا انه لكي تكون في مأمن من العواقب يجب ان تتوقف عند الكنيسة في الطريق الى المستشفى وتسأل الكاهن ان يعمِّد طفلتها.‏

‏«وصلتُ عند الظهر تقريبا،‏ ولم يكن الكاهن مسرورا بإزعاجه خلال قيلولته،‏» كما تتذكَّر.‏ «قال لي ان اذهب وأعود في وقت آخر.‏ فقلت له:‏ ‹طفلتي تموت.‏ ايهما اهمّ ان تنقذ طفلة من اليمبوس ام ان تنهي قيلولتك؟‏› وبتذمُّر،‏ تنازل ليوافق على تعميد الطفلة،‏ لكنه ارسل معاونه،‏ حافظ غرفة المقدَّسات،‏ للقيام بذلك.‏»‏

بقيت الطفلة على قيد الحياة،‏ لكنَّ تلك الحادثة كانت نقطة التحوُّل بالنسبة الى إِدِلميرا.‏ والآن اذ خيَّبت الكنيسة املها تماما،‏ ابتدأت تتخذ درسها للكتاب المقدس مع الشهود بجدِّية.‏ ثم انتقلت وزوجها الى بلدة تدعى كولون،‏ حيث لم يكن هنالك شهود.‏ وعندما زار كاسيميرو سيتو سان كريستوبال كناظر دائرة،‏ طلب منه المرسلان ان يزور إِدِلميرا.‏ كم كانت شاكرة على تلك الزيارة!‏ وفي تلك المناسبة اعتمدت.‏

بفضل جهودها الاولية،‏ هنالك الآن جماعة في كولون.‏ وهنالك ايضا ثلاث في إِل ڤيهِييا،‏ حيث ساعدت على ابتداء العمل عندما انتقلت العائلة الى هناك.‏ وبعد سنوات قليلة اعتمد زوجها ايضا وبناتها الثلاث.‏

كاهن يشجع على العنف

في قرية صغيرة اخرى في جبال الأنديز كان لُوِس أَنڠولو يخدم كفاتح.‏ وفي احد الايام سنة ١٩٨٥ اقلقه صوت خارج بيته فنظر الى الخارج واندهش عند رؤية طاولة قرب بابه الامامي عليها تمثال احد «القديسين.‏» وكان حشد غضبان يطالب ان يخرج الشهود من البلدة،‏ وهدَّدوا ان يحرقوا البيت.‏ وصرخوا:‏ «نمنحكم مهلة اسبوع لتغادروا البلدة.‏»‏

يتذكَّر الاخ أَنڠولو:‏ «قرَّرت انه من الافضل ان اذهب الى پْرِفِكتو البلدة طلبا للمساعدة.‏ كان الـ‍ پْرِفِكتو متعاطفا وطلب من الشرطة ان تأتي بزعماء الفتنة.‏ سألهم:‏ ‹مَن نظَّمكم لتفعلوا هذا؟‏› وأخيرا اعترفوا بأنه الكاهن الكاثوليكي.‏ ففي موعظة خلال القدَّاس شجَّع افراد رعيته على طردنا من البلدة،‏ بحجة اننا نعرِّض خير القرية الروحي للخطر.‏ فهتف الـ‍ پْرِفِكتو:‏ ‹هذا الكاهن مجنون!‏ اذهبوا الآن الى بيوتكم ودَعوا الشهود بسلام،‏ وإلا فستذهبون جميعا الى السجن.‏›»‏

بعد ذلك بوقت غير طويل وُجد الكاهن متورِّطا في خداع،‏ وكما يحدث غالبا في حالات كهذه،‏ نُقل فقط الى منطقة اخرى.‏

شخص متغيِّر

في پْوِبلو يانو،‏ القرية التالية،‏ كان أَلفونسو سِرپا معروفا جيدا.‏ فكان متورِّطا في السياسة،‏ سكِّيرا،‏ يدمن المخدِّرات،‏ يدخِّن،‏ يسعى وراء النساء لاهداف جنسية،‏ ويخيف الناس المحليين بالقيادة ذهابا وإيابا في الشارعَين الرئيسيَّين على دراجته النارية.‏ ولكن،‏ بعدما زُرعت بزور الحق في قلبه سنة ١٩٨٤،‏ نمت هذه بسرعة.‏ فابتدأ أَلفونسو يرى الحاجة الى صنع تغييرات كبيرة ولبس الشخصية الجديدة.‏ —‏ افسس ٤:‏٢٢-‏٢٤‏.‏

عندما اتى الى اجتماعه العام الاول،‏ كان الشخص الوحيد الموجود بالاضافة الى الفاتحين الخصوصيين.‏ فسأل:‏ «اين الجميع؟‏» ربما كان من الافضل ان يكون الوحيد.‏ فكان لديه الكثير جدا من الاسئلة حتى ان الفاتحين شُغلوا حتى منتصف الليل بالاجابة عنها من الكتاب المقدس.‏ ولم يفوِّت اجتماعا بعد ذلك،‏ وزوجته،‏ پولا،‏ كانت تأتي معه.‏ لقد نقَّى شخصيته وحياته وتأهل اخيرا لأن يكون ناشرا.‏ وأول مقاطعة عمل فيها كانت ذينك الشارعَين الرئيسيَّين عينهما في پْوِبلو يانو!‏ وإذ صار الآن لطيفا يرتدي بأناقة بدلة وربطة عنق،‏ استطاع ان يقدِّم شهادة رائعة.‏ وهو وأَلسيدِس پارِدِس،‏ الذي احضره أَلفونسو الى الاجتماعات وقدَّمه بصفته افضل صديق له،‏ هما شيخان الآن يخدمان،‏ مع عائلتيهما،‏ في جماعة پْوِبلو يانو.‏ وجرت ايضا مساعدة اكثر من ٢٠ شخصا من انسباء پولا على تقدير الحق.‏

وأخيرا جرى التغلب على العوائق في وجه التقدُّم التي بدا انه لا يمكن تخطِّيها،‏ وبحلول سنة ١٩٩٥ كانت هنالك في سان كريستوبال عشر جماعات،‏ في ميريدا سبع،‏ وفي ڤالِرا اربع.‏ وهنالك ايضا فرق وجماعات كثيرة اصغر في كل انحاء منطقة الأنديز.‏

الرجال مطلوبون في كيومانا

ان مدينة كيومانا،‏ عاصمة ولاية سوكريه،‏ هي اقدم مدينة اسپانية في اميركا الجنوبية.‏ تعرَّف الناس في كيومانا بالحق بطريقة منظَّمة سنة ١٩٥٤ عند وصول الفاتحين الخصوصيين.‏ ولاحقا،‏ اتى من اجل المساعدة مرسلان هما رودولفو ڤيتِس وزوجته،‏ بِسي.‏ وبعد مدة من الوقت عُيِّن في العمل الدائري —‏ ولكن ليس قبل ان يتمكَّنا من استئجار قاعة صغيرة،‏ تنظيفها ودهنها،‏ وتجهيزها ببعض المقاعد القديمة المطروحة التي احضراها من مدرَّج للبايسبول.‏ وبوجود مكان للاجتماع ارتفع بسرعة عدد الاشخاص الحاضرين.‏ لكنهم كانوا جميعهم تقريبا نساء وأولادا.‏

عُيِّنت پِني ڠاڤِت وڠولدي روموشِيَن في فريق المرسلين في كيومانا،‏ وما تتذكَّرانه هو انه بعد ان ترك الاخ ڤيتِس من اجل العمل الدائري،‏ لم يكن هنالك رجال لأخذ القيادة.‏ فلم يُرِد الرجال ان يأتوا.‏ تقول پِني:‏ «كانوا يقولون لنا:‏ ‹نحن لا نحب هذا الدين.‏ فهو لا يسمح لنا بأن نسكر وتكون لنا نساء اخريات.‏ أما ديننا فيسمح لنا بفعل ما نريد.‏› وحتى عندما يحضر ٧٠ او ٨٠ شخصا يكون هنالك مع ذلك خمسة او ستة رجال موجودين فقط،‏ وكنا نحن الاخوات مضطرات بعدُ الى ادارة الاجتماعات من حين الى آخر.‏»‏

ولكن،‏ تدريجيا،‏ ابتدأ الرجال بالحضور والتقدُّم بشكل كافٍ ليؤتمنوا على المسؤولية في الجماعة.‏ وسرعان ما صارت قاعة الملكوت الصغيرة مكتظة.‏ والتهوية الرديئة والازدحام لم يمنعا الناس من المجيء.‏ فمع ان المرسلين شعروا بأن قاعة الملكوت في وقت الاجتماع تشبه حماما تركيا،‏ فإن المحبة للحق دفعت الحاضرين الى الجلوس والاصغاء طوال ساعتين.‏ وفي الوقت المناسب فتح يهوه الطريق،‏ وبُنيت قاعة ملكوت جديدة.‏

استمر العمل في كيومانا في النمو.‏ وبحلول سنة ١٩٩٥ كانت هنالك ١٧ جماعة مزدهرة،‏ بمجموع ٠٣٢‏,١ ناشرا للبشارة.‏

على خطى اختها

عندما تركت پِني ڠاڤِت البيت في كاليفورنيا لتحضر مدرسة جلعاد سنة ١٩٤٩،‏ كانت اختها إِلويِيز تبلغ من العمر خمس سنوات فقط.‏ وما كانت پِني تفعله اثَّر كثيرا في إِلويِيز.‏ تتذكَّر انها كانت تفكِّر،‏ ‹اريد ان اكبر لأكون مرسلة ايضا.‏› وابتهجتا كلتاهما،‏ سنة ١٩٧١،‏ عندما عُيِّنت إِلويِيز،‏ اذ تخرَّجت هي نفسها من جلعاد،‏ لتكون رفيقة پِني في العمل الارسالي في كيومانا.‏

إِلويِيز،‏ المتزوِّجة الآن ناظر الكورة رودني پراكتُر،‏ تتذكَّر المقاطعة الضخمة التي غطَّتها وپِني.‏ تروي:‏ «بعد سنتين من العمل في كيومانا،‏ قرَّرنا اختي وأنا اننا نرغب في الاعتناء اكثر ببعض البلدات الاصغر.‏» وتضيف:‏ «حصلنا على اذنٍ من الفرع ان نعمل في بلدتَي كوماناكُوَا وماريڠْوِيتار وكنا نقضي اياما او نهايات اسابيع كاملة هناك.‏ كان الطقس حارًّا جدا،‏ وكان علينا ان نذهب سيرا على الاقدام الى كل مكان.‏ وفي كلتا البلدتين شُكِّلت فرق.‏»‏

البشارة تبلغ البلدات الحدودية

في الناحية الشرقية من البلد،‏ تفسح التلال المدوَّرة الحرجيَّة جنوب نهر أورينوكو المجال للهضاب شمال الحدود مع البرازيل.‏ وهذه هضابٌ مستوية مؤثِّرة من الحجر الرملي يصل ارتفاعها الى ٠٠٠‏,٩ قدم (‏٧٠٠‏,٢ م)‏.‏ وهذه المنطقة غير الكثيفة السكان هي اغنى مصدر للذهب والماس في ڤنزويلا.‏ ولكن يجري البحث عن كنوز من نوع آخر في البلدات الصغيرة في هذه المنطقة.‏ وهذه كنوز روحية،‏ «مشتهى كل الامم.‏» —‏ حجي ٢:‏٧‏.‏

سنة ١٩٥٨ سافر فريق من خمسة شهود الى هذه المنطقة بطائرة صغيرة.‏ فوزَّعوا مئات المجلات على السكان الهنود.‏ وبعد نحو ٢٠ سنة،‏ عندما ذهب الناظر الجائل أَلبِرتو ڠونسالِس الى سانتا إِلَيْنا مع فريق من الاخوة من پْوِرتو أُورداس،‏ وُزِّعت ٠٠٠‏,١ مجلة.‏ لم تكن هنالك كهرباء في البلدة في ذلك الوقت،‏ ولكن اعارهم احد الرجال مولِّدا ليعرضوا الصور المنزلقة،‏ وتمتع بها حضور مؤلَّف من ٥٠٠ شخص.‏ ثم،‏ سنة ١٩٨٧،‏ وصل من كاراكاس فاتحان خصوصيان،‏ رودريڠو وأَدرِيانا أَنايا.‏

ان الفرق الدينية التي ذهبت الى هذه المناطق من قبل وضعت اساسا بنى عليه الشهود.‏ فالكاثوليك والمجيئيون علَّموا الهنود ان يتكلَّموا ويقرأوا الاسپانية.‏ وجلبوا ايضا ترجمة ڤاليرا للكتاب المقدس،‏ التي تستعمل بشكل ثابت الاسم الالهي هِيوڤا.‏

لكنَّ بعض الهنود ابتدأوا يدركون ان الكنيسة الكاثوليكية لم تكن مستقيمة في تعليم ما في الكتاب المقدس.‏ مثلا،‏ عندما عرفت امرأة هندية رأي اللّٰه في التماثيل،‏ هتفت:‏ «تصوَّروا كيف قالوا لنا انه من الخطإ ان يعبد المرء الشمس وإن الاصنام الهندية باطلة،‏ ومع ذلك فإن تماثيل الكنيسة الكاثوليكية في الوقت نفسه غير مرضية عند اللّٰه!‏ ارغب في الذهاب الى الكنيسة وضرب الكاهن بعصا لأنه خدعني كل هذا الوقت الطويل!‏» فجرى اقناعها بعدم فعل ذلك،‏ ولكنها عبَّرت عن مشاعر كثيرين من السكان في تلك المنطقة.‏

ان الهنود هناك في الجزء الجنوبي من ولاية بوليڤار يحبون مطبوعاتنا.‏ ولأنهم يحبون الطبيعة،‏ تجذبهم خصوصا الصور الملوَّنة لخليقة اللّٰه.‏ ومن المثير للاهتمام ان يشهد المرء توزيع احدى المطبوعات.‏ يأخذ الهندي الكتاب بيديه،‏ يلمسه،‏ يشمّه،‏ يفتحه،‏ يتنهَّد بابتهاج عند كل صورة ايضاحية ملوَّنة،‏ ويهمس بتعليقات موافقة باللغة الپِمونيَّة.‏ وأحيانا يكونون توَّاقين جدا حتى انهم يأخذون المطبوعات من محفظة الفاتح ويبتدئون بتوزيعها على اعضاء عائلتهم.‏ والشعب المحلي مضياف جدا وكثيرا ما يقدِّمون الوجبات لأولئك الذين يحملون اليهم رسالة الملكوت.‏

في اول ذكرى لموت يسوع بعد وصول الفاتحين الخصوصيين،‏ كان ٨٠ شخصا حاضرين.‏ والآن هنالك جماعة.‏ لكنَّ التقاليد الهندية الراسخة بعمق جعلت التقدُّم بطيئا.‏

تجاوب سريع في الأمازون

ان منطقة الأمازون في ڤنزويلا هي في جنوب وسط البلد.‏ وقرب الحدود الكولومبية توجد بلدة پْوِرتو أَياكوتشو الصغيرة.‏ ويحيط بها دغل لم يمسّه احد فيه حياة برِّية فاتنة وشلالات عديدة.‏

في سبعينات الـ‍ ١٩٠٠ زار وِلَرد أَندرسون،‏ وهو ناظر دائرة،‏ پْوِرتو أَياكوتشو،‏ حين كان هناك سبعة ناشرين فقط.‏ ووجد تجاوبا رائعا في المقاطعة؛‏ ففي صباح احد الايام وزَّع ٤٢ كتابا.‏ وصفَّ الفريقُ بإيجابية نحو ٢٠ كرسيا من اجل عرض للصور المنزلقة،‏ ولكن تخيَّلوا دهشتهم وبهجتهم عندما حضر ٢٢٢ شخصا!‏ وهنالك الآن جماعة مزدهرة مؤلَّفة من اكثر من ٨٠ ناشرا للملكوت في پْوِرتو أَياكوتشو.‏

هنود الڠواهيرو في سوليا

في اقصى غرب ڤنزويلا توجد ولاية سوليا.‏ والسكان الاصليون في هذه المنطقة هم هنود الڠواهيرو.‏ في بعض الاماكن،‏ كما في لا بوكيتا،‏ يعيشون في بيوت مصنوعة من حُصُر من القصب المضفور ومبنيَّة على ركائز فوق سطح الارض.‏ عاداتهم متنوِّعة جدا وثيابهم غنية بالالوان.‏ الرجال حفاة يركبون الاحصنة.‏ والنساء يرتدين ثيابا طويلة،‏ متعدِّدة الالوان،‏ لها شكل خيمة،‏ وأخفافهن لها كرات صوفية كبيرة.‏

ان الناس المشبهين بالخراف يوجدون بين هنود الڠواهيرو هؤلاء.‏ وكثيرا ما يكون ردّ فعلهم الاولي تجاه رسالة الكتاب المقدس متحفِّظا الى حد ما لأن الفرق الدينية من العالم المسيحي خدعتهم.‏ لكنَّ البعض يتجاوبون بشكل ايجابي.‏

اخذ فرانك لارسون،‏ وهو مرسل،‏ احد افلام الجمعية الى بلد الڠواهيرو.‏ وأُعلِن ان عرض الفيلم سيكون عند الـ‍ ٠٠:‏٧ مساء،‏ إلا انه لم يأتِ احد.‏ ولكن،‏ بعد تشغيل تسجيل فيه خلل لموسيقى الـ‍ سالسا الشعبية،‏ حضر ٢٦٠ شخصا،‏ وتمتعوا بالفيلم.‏ وفي مناسبة اخرى،‏ اجتمع اكثر من ٦٠٠ شخص ليستمعوا الى خطاب ألقاه ماريو يايِسو،‏ احد نظار الدوائر.‏

مهاجرون يخبرون بغيرة بحق الكتاب المقدس

في ڤنزويلا،‏ ١ من كل ٦ اشخاص هو مهاجر.‏ وفي خمسينات الـ‍ ١٩٠٠ خصوصا وصلت اعداد كبيرة من المهاجرين من الپرتغال،‏ ايطاليا،‏ اسپانيا،‏ والبلدان العربية.‏ وكثيرا ما كانوا يصلون معدِمين تقريبا،‏ ولكن على مرّ السنين انشأ كثيرون منهم اعمالا مزدهرة.‏ فهؤلاء هم اشخاص يعملون بكدّ كبير؛‏ وحياتهم مفعمة بالقلق على المصالح المادية.‏ ونتيجة لذلك،‏ كثيرا ما يكون صعبا بلوغهم برسالة الملكوت.‏ وهنالك ايضا،‏ طبعا،‏ مهاجرون من بلدان اخرى في اميركا الجنوبية،‏ وخصوصا كولومبيا.‏

ان احد الشهود،‏ الذي يملك سجلا طويلا جدا من الخدمة الثيوقراطية هنا في ڤنزويلا،‏ هو ڤيليُس توماس،‏ الذي اعتمد في ليثوانيا سنة ١٩٢٣.‏ وإذ بقي حيًّا بعد انقضاء الايام المظلمة لنظام هتلر في اوروپا،‏ انتقل الاخ توماس الى ڤنزويلا بعد الحرب العالمية الثانية.‏ وحتى موته سنة ١٩٩٣،‏ كان مثالا حسنا في الخدمة الامينة لاخوته في بلدة لا ڤِكتوريا،‏ حيث خدم كشيخ في الجماعة.‏

رِميهيو أَفونسو،‏ احد ابناء جزر كاناري،‏ يخدم كناظر جائل في ڤنزويلا.‏ وهو يحتكّ بمهاجرين آخرين.‏ ويجد ان البعض في العائلة قد لا يكونون مهتمين لكنَّ آخرين في العائلة نفسها قد يكونون توَّاقين الى سماع حق الكتاب المقدس.‏ وهكذا،‏ في كيومانا،‏ رفض زوجان يتكلَّمان العربية كانا يديران عملا ان يصغيا،‏ ولكنَّ ابنتهما ارادت ان تصغي.‏ يروي رِميهيو:‏ «طلبت مني ان اجلب لها كتابا مقدسا.‏ قلت انني سأفعل،‏ لكنها تساءلت عما اذا كنت سأفي بوعدي.‏ رتَّبنا يوما ووقتا،‏ وأوليت اهتماما خصوصيا للوصول في الموعد المعيَّن،‏ الامر الذي اثَّر فيها.‏ اخذت الكتاب المقدس بالاضافة الى كتاب الحق الذي يقود الى الحياة الابدية،‏ ورُتِّب ان تتابع احدى الاخوات الدرس الذي ابتدأت به.‏

‏«وبعد وقت قصير،‏ فيما كنت ازور احدى الجماعات في ڠويريا،‏ رأيت رجلا جالسا في مدخل احد المتاجر قبالة قاعة الملكوت،‏ يقرأ كتابا له غلاف اخضر.‏ فأومأ اليَّ ان آتي.‏ كان يتكلَّم العربية وسألني عما اذا كان الكتاب الذي يقرأه من كتبنا.‏ كان باللغة العربية،‏ لكنني استطعت ان اعرف انه كتاب ‏‹ليكن اللّٰه صادقا.‏›‏ فأوضح انه تسلَّمه كهدية في بلده الام وأنه لا يُعيره ولا يبيعه لأحد!‏ وإذ تأكَّدت انه يقرأ الاسپانية ايضا،‏ قدَّمت له كتاب الحق،‏ الذي قبله بسرور،‏ وابتدأنا بدرس.‏ اتى الى ثلاثة اجتماعات في ذلك الاسبوع حتى انه اجاب في درس برج المراقبة.‏»‏

بعد سنتين في محفل كوري في ماراكاي،‏ رحَّب رجل معه محفظة بالاخ أَفونسو وسأله عما اذا عرفه.‏ «انا الرجل من ڠويريا،‏» كما اوضح.‏ «انا معتمد وأدير الآن شخصيا ثلاثة دروس في الكتاب المقدس.‏» وفي السنة التالية في محفل كوري في كولومبيا،‏ بعد ان انهى الاخ أَفونسو جزءا في البرنامج،‏ اندفعت اليه سيدة شابة ودموع الفرح في عينيها وقدَّمت نفسها بصفتها الفتاة من كيومانا التي شهد لها.‏ وأوضحت انها هي ايضا شاهدة معتمدة.‏ يا للفرح الذي تجلبه اختبارات كهذه!‏

والمثال الآخر لمَن اتى من خارج،‏ جعل ڤنزويلا موطنه،‏ وشهد تقدُّم العمل هو ضِيا يزبك.‏ يتذكَّر انه كان يكرز مع والدَيه،‏ اخيه،‏ وأخواته في القرى والبلدات في لبنان،‏ حيث قبل ابوه الحق في ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠.‏ وعندما مات الوالد،‏ ميشال،‏ بعد شهرين من وصولهم الى ڤنزويلا،‏ كان ذلك مصيبة كبيرة لعائلة يزبك؛‏ ولكن يتذكَّر ضِيا:‏ «بقينا امي ونحن الأولاد في الحق،‏ نحضر الاجتماعات في الجماعة الشمالية في كاراكاس.‏ اعتمدت بعمر ١٦ سنة وانخرطت في خدمة الفتح.‏» ادَّت النكسات المالية في البيت الى مقاطعة خدمته كفاتح بعد ثلاث سنوات فقط.‏ ولكن بعد ٢٨ سنة من العمل الدنيوي في الدوائر المصرفية،‏ شعر بأنه في وضع مؤاتٍ للاستقالة دون التأثير سلبيا في زوجته،‏ اولادهما الثلاثة،‏ وأمه،‏ التي تعيش معهم.‏ ومرة ثانية انخرط في صفوف الفاتحين.‏ ويخدم الاخ يزبك الآن كعضو في لجنة الفرع.‏ وإذ يتطلَّع الى الوراء،‏ الى ما قبل نحو ٤٠ سنة،‏ يتذكَّر المحفل الكوري في ڤنزويلا سنة ١٩٥٦.‏ فهناك،‏ للمرة الاولى،‏ تجاوز الحضور الالف.‏ يذكر:‏ «والآن،‏ يتجاوز مجموع الحضور في المحافل الكورية المئة الف.‏»‏

النظار الجائلون يقدِّمون المساعدة

في اواخر اربعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ عندما كان دونالد باكستر الشخص الوحيد في مكتب الفرع وكانت هنالك ست او سبع جماعات فقط في البلد بكامله،‏ كان الاخ باكستر يزور هذه الفرق كلما استطاع ذلك.‏

ولكن عند عودة روبِن أَراوْهو البالغ من العمر ٢١ سنة من جلعاد سنة ١٩٥١،‏ عُيِّن ليزور الجماعات والفرق المنعزلة في كل انحاء البلد.‏ وارتفع عدد الجماعات الى ١٢ في تلك السنة.‏ وإذ لم تكن لدى روبِن سيارة،‏ كان يسافر بالباص او بسيارة اجرة للعموم وأحيانا بالطائرة او بمركب صغير (‏تشالاناس‏)‏ عند زيارة الاماكن النائية.‏

ولا يزال يتذكَّر زيارة قام بها لأحد المشتركين في برج المراقبة على مقربة من روبيو،‏ ولاية تاتشيرا،‏ قرب الحدود الكولومبية.‏ قال صاحب المزرعة انه سويسري ولا يتكلَّم الاسپانية.‏ وقال:‏ «لكنك تستطيع ان تتحدَّث الى زوجتي،‏ لأنها تحب الكتاب المقدس.‏» يتذكَّر روبِن:‏ «بعد ان تحدَّثت الى زوجته،‏ نادت امها،‏ سيدة تبلغ من العمر ٨١ سنة.‏ وعندما رأت الكتب التي كانت في حوزتي،‏ سألت عما اذا كان هذا العمل مرتبطا بالكتاب نظام الدهور الالهي.‏ فأشرقت عيناها،‏ وتحمَّست.‏ وسألت،‏ ‹تعني انك تعرف عن السيد رذرفورد؟‏› كانت ابنتها تترجم كلامها بالاسپانية،‏ لأن السيدة المسنَّة تتكلَّم الالمانية فقط.‏ قالت انها كانت تقرأ مرارا وتكرارا الكتاب منذ تسلَّمته سنة ١٩٢٠.‏ وشاهدت ايضا ‹رواية الخلق المصوَّرة› وأصغت الى الخطاب ‹ملايين من الاحياء الآن لن يموتوا ابدا.‏› وقبل اثنتي عشرة سنة،‏ عندما اتت من سويسرا الى ڤنزويلا،‏ فقدت الاتصال بالشهود.‏ قالت،‏ ‹اشتقت اليكم كثيرا جدا جدا.‏› وأظهرت فرحها بترنيم احدى ترانيم الملكوت بالالمانية،‏ واشتركتُ معها حالا في الترنيمة نفسها بالاسپانية.‏ فرنَّمنا ودموع الفرح في عيوننا.‏»‏

كيث ولويْس وِست،‏ متخرِّجان من الصف الـ‍ ١٩ في جلعاد،‏ اشتركا في العمل الدائري طوال ١٥ سنة.‏ ولم تكن الظروف التي واجهاها سهلة دائما.‏ وزيارة مونتي أُسْكورو في ولاية پورتوڠايْسا هي خير مثال.‏ يقول كيث:‏ «بسبب الامطار الغزيرة قبل ليلة،‏ لم نستطِع ان نقطع المسافة التي رجونا قطعها بالسيارة،‏ فتركنا السيارة وسرنا حتى النهر.‏ خلعنا احذيتنا وخضنا في الماء نحو اعلى النهر ثم اضطررنا الى تسلُّق الجبل،‏ ووصلنا الى قاعة الملكوت الصغيرة.‏ لم نرَ هناك احدا.‏ لكنَّ الاخ الذي رافقنا قال:‏ ‹لا تقلقا.‏ سيأتون.‏› وضرب فورا على اطار عجلة معدني،‏ وأخيرا حضر نحو ٤٠ شخصا.‏ القيتُ خطابي —‏ على الرغم من انني كنت مبلَّلا،‏ بنطلوني كان وحِلا،‏ وهلم جرا.‏ ويبدو ان النهر البارد،‏ التسلُّق الحارّ الى القاعة،‏ وإلقائي الخطاب ببنطلون مبلَّل ادَّت معا الى مرض مؤلم في العضلات.‏ وطوال مدة من الوقت بعد ذلك،‏ احتجت الى المساعدة للصعود الى منصة قاعة الملكوت والنزول منها واضطررت الى الاستراحة تكرارا اثناء الكرازة.‏»‏

ان تنوُّع وسائل الراحة كثيرا ما يكون تحدِّيا للنظار الجائلين.‏ فمرارا كثيرة لا توجد مياه جارية.‏ والسطوح المعدنية المتموِّجة تساهم في درجات حرارة في الغرف تتراوح بين ٩٠ و ١٠٠ درجة فهرنهايت (‏٣٠-‏٤٠° م)‏.‏ والستائر المنخلية على النوافذ والأبواب هي في الواقع غير معروفة،‏ لذلك فإن الحيوانات والحشرات المحلية تشارك المرء في الغرفة —‏ وأحيانا في السرير.‏ ونمط الحياة المريح،‏ غير المتحفظ،‏ والاجتماعي الذي تتمتع به العائلات الڤنزويلية يتطلب احيانا التعديل من جهة الغرباء المعتادين مزيدا من العزلة.‏ لكنَّ ودّ وضيافة الڤنزويليين بارزان،‏ وعبارة «البيت بيتك» هي جزء من الترحيب الذي يحصل عليه الناظر الجائل عند وصوله.‏

عرض النظار الجائلون الشرُط السينمائية والصور المنزلقة التي للجمعية في كل انحاء ڤنزويلا.‏ والڤنزويليون يحضرون الافلام بكثرة.‏ لذلك يمكن لناظر الدائرة دائما ان يتوقع بثقة حضور حشد كبير.‏ والناس يجلسون على الارض،‏ يقفون في الداخل،‏ او يراقبون من الخارج عبر النوافذ.‏ وكان احد المهتمين من اللطف بحيث دهن جانب بيته باللون الابيض لكي يخدم كشاشة.‏ وفي احدى القرى الصغيرة في الجبال قرب كاروپانو،‏ زوَّد صاحب دكان ودِّيٌّ الكهرباء من تجهيزات مؤسسته (‏مصدر الكهرباء الوحيد المتوافر على طول اميال)‏ وقاعة المحاضرات ايضا —‏ ميدانه لمصارعة الديوك.‏ ثم اطلق سهاما نارية لكي ينزل الناس المقيمون على التلال.‏ فنزل خمسة وثمانون منهم،‏ كثيرون وهم يركبون على حميرهم.‏ لقد كان فيلما سينمائيا فريدا من نوعه،‏ كالافلام التي تُعرض والمشاهدون في سياراتهم!‏

ڠلاديس ڠِرِّرو،‏ في ماراكايبو،‏ تكنُّ للنظار الجائلين وزوجاتهم مودة خصوصية.‏ فعندما كانت نانسي باكستر،‏ زوجة الناظر الجائل،‏ في خدمة الحقل مع الحدثة ڠلاديس في احد الايام في بلدة پونتو فيهو،‏ لاحظت ان الفتاة تعاني من عائق في النطق.‏ فأوضحت ڠلاديس انه شيء موروث عن عائلة ابيها.‏ ومع انه سُخر منها كثيرا بسبب ذلك،‏ لم تستطِع ان تتغيَّر.‏ لكنها تأثرت بعمق عندما خصَّصت الاخت باكستر الوقت لتعليمها كيف تتلفَّظ ببعض الكلمات بشكل صحيح وكيف تتدرَّب عليها.‏ تقول ڠلاديس:‏ «كوفئ صبرها.‏ والآن استطيع ان اتكلَّم كما ينبغي.‏» وقد ساهم آخرون ايضا في نمو ڠلاديس الروحي.‏

بثقة بيهوه يخدمون كفاتحين

هنالك اكثر من ٠٠٠‏,١١ فاتح في ڤنزويلا في الوقت الحاضر.‏ وكثيرون من هؤلاء ابتدأوا بالفتح نتيجة التشجيع الحبي من آخرين هم في الخدمة كامل الوقت.‏

نال پِدرو بارِتو تشجيعا كهذا.‏ فسنة ١٩٥٤ دعاه ناظر الفرع الى الانخراط في عمل الفتح الخصوصي مع ثلاثة شبان آخرين.‏ وكان پِدرو الاكبر سنا بينهم،‏ بعمر ١٨ سنة.‏ فماذا كان سيفعل؟‏ «كنت صغير السن وعديم الخبرة،‏ ولم اكن اجيد غسل الملابس او كيّها.‏ وفي الواقع،‏ كنت لا اكاد اعرف كيف استحم!‏» هذا ما يقوله پِدرو ضاحكا.‏ كان قد اعتمد في السنة السابقة‏.‏ وبعدما تحدث الى ناظر الفرع طوال ساعة او نحوها،‏ اتخذ پِدرو قراره.‏ وعُيِّن الشبان الاربعة في تروهييو،‏ عاصمة الولاية التي تحمل الاسم نفسه.‏ كان شعبها،‏ وخصوصا في ذلك الحين،‏ متمسكين بالتقاليد ومتديِّنين جدا.‏ وهؤلاء الفاتحون الاربعة انجزوا الكثير من عمل التأسيس هناك.‏ وبين الذين كرزوا لهم بعض المواطنين البارزين اكثر،‏ بمَن فيهم مدير مكتب البريد وقاضي محكمة تروهييو.‏

وذات يوم في الساحة العامة،‏ واجه الفاتحون الاربعة الكاهن الكاثوليكي المعروف جيدا في ڤنزويلا بمقالاته القاسية الافترائية وغير الدقيقة في الصحافة العامة عن شهود يهوه.‏ وإذ اجتمع حشد،‏ قال الكاهن للناس ان لا يصغوا الى ما لدى الشبان ليقولوه لأنهم،‏ كما ادَّعى،‏ يخلُّون بأمن البلدة ويزعجون الجميع.‏ وحثَّ الحشد على التذكُّر ان ايمان الشعب ينتمي الى الكنيسة الكاثوليكية.‏ يتذكَّر پِدرو:‏ «في الفوضى والضجيج كان الكاهن يتهددني بصوت منخفض ويستعمل لغة بذيئة.‏ فكنت اقول بصوت عالٍ للناس،‏ ‹هل سمعتم ما قاله الآن؟‏ .‏ .‏ .‏ وهو كاهن!‏› وكنت اكرِّر بعض الامور التي كان يقولها لي.‏ ثم قال وهو يصرّ بأسنانه:‏ ‹انصرف وإلا فسأركلك وأخرجك من هنا.‏› فقلت انه لا حاجة به الى ان يستخدم قدمَيه.‏ فسنغادر.‏»‏

بلغ هذا الحادث اذنَي القاضي المذكور سابقا.‏ فمدح الفاتحين،‏ قائلا انه معجَب كثيرا بالعمل الذي يقومون به.‏ وترسَّخت رسالة الحق التي كرز بها هؤلاء الاحداث الشجعان الاربعة في تروهييو،‏ وبحلول سنة ١٩٩٥ كانت هنالك جماعتان في المدينة بالاضافة الى جماعات وفرق في معظم البلدات والقرى المحيطة.‏

أَرمِندا لوپِس،‏ اخت پِدرو،‏ تتذكَّر انه في اواخر خمسينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ فيما كانت تخدم كفاتحة في سان فرناندو دو أَپورِه مع ثلاث اخوات اخريات،‏ كان يهوه يزوِّدهنّ دائما ضرورات الحياة،‏ كما يعِد ان يفعل للذين يطلبون الملكوت اولا.‏ (‏متى ٦:‏٣٣‏)‏ وفي احد الاشهر لم تصِل مساعدتهنّ للفتح الخصوصي عندما كنَّ يتوقَّعنها،‏ وكان مالهنّ قد نفد.‏ والخزانة كانت حرفيا فارغة.‏ ولكي ينسين قرقرة بطونهنّ،‏ قرَّرن ان يأوين باكرا الى الفراش.‏ وعند الساعة ٠٠:‏١٠ مساء،‏ سمعن شخصا يقرع الباب الامامي.‏ وإذ نظرن الى الخارج من النافذة،‏ رأين رجلا كنَّ يدرن معه درسا في الكتاب المقدس.‏ اعتذر لأنه جاء في هذه الساعة المتأخرة ولكنه قال انه عاد الآن من رحلة وجلب بعض الاشياء التي اعتقد انهنّ قد يستخدمنها —‏ صندوق فواكه،‏ خضرا،‏ ومأكولات اخرى!‏ فنُسيت كل الافكار المتعلِّقة بالذهاب الى الفراش،‏ وصار المطبخ فجأة مكانا يعجّ بالنشاط.‏ تقول أَرمِندا:‏ «لا بدّ ان يهوه دفع الرجل الى المجيء في تلك الليلة،‏ اذ كان درسه سيُدار في اليوم التالي،‏ وكان يستطيع بسهولة ان ينتظر حتى ذلك الحين.‏» ولا تزال أَرمِندا تخدم كفاتحة قانونية،‏ الآن في كابيماس.‏

بين الفاتحين الغيورين،‏ ما من مشكلة تبدو اكبر من ان تُحَلّ.‏ فالعمر،‏ الصحة الرديئة،‏ او عضو مقاوم في العائلة ليس بالضرورة عائقا لا يمكن تخطِّيه.‏ ومع ان الاحداث الصغار يَظهرون بالتأكيد في صفوف الفاتحين —‏ في وقت باكر من سنة ١٩٩٥ كان هنالك ٥٥ فاتحا قانونيا تتراوح اعمارهم بين الـ‍ ١٢ والـ‍ ١٥ —‏ إلا انهم لا يتفرَّدون على الاطلاق بهذا الفرع من الخدمة.‏ فثمة اخوات كثيرات ازواجهن ليسوا شهودا ينهضن باكرا كل صباح لكي يعددن الوجبات ويعتنين بأولادهن وأعمالهن المنزلية،‏ بحيث يستطعن ان يجتمعن مع الفريق لخدمة الحقل كل يوم ويدرن دروسا في الكتاب المقدس دون اهمال واجباتهن الزوجية.‏

والاخوة المتزوجون ذوو العائلات ينظِّمون ايضا نشاطاتهم ويعالجون بنجاح برنامجهم كفاتحين.‏ ابتدأ داڤيد ڠونسالِس مهنته كفاتح فيما كان شابا عازبا سنة ١٩٦٨.‏ ولاحقا خدم كفاتح خصوصي مع زوجته،‏ بلانڠكا،‏ حتى صارت لهما عائلة.‏ والآن هو وزوجته،‏ وإحدى البنات هم فاتحون قانونيون.‏ وبالاضافة الى حمل مسؤولية اولاده الثلاثة،‏ هو شيخ ويخدم قانونيا كناظر دائرة بديل.‏ وكيف يكون ذلك ممكنا؟‏ يقول انه استطاع ذلك بالتضحية بالامور المادية الزائدة غير الضرورية وحيازة برنامج جيد.‏ ولديه ايضا تعاون زوجته الكامل.‏

ثم هنالك المسنّون الذين تغيَّرت ظروفهم والذين يستطيعون ان يفكِّروا الآن في مباشرة خدمة الفتح.‏ ويشمل هؤلاء الاشخاصَ الذين كبر اولادهم وآخرين تقاعدوا عن العمل الدنيوي.‏ وهنالك ايضا بعض الاشخاص مثل آيليزابِت فاسبِندر.‏ آيليزابِت،‏ التي وُلدت سنة ١٩١٤،‏ اعتمدت في فترة ما بعد الحرب في المانيا قبل ان تهاجر الى ڤنزويلا سنة ١٩٥٣ مع زوجها غير المؤمن.‏ وطوال ٣٢ سنة تحمَّلت الاضطهاد القاسي حتى موته سنة ١٩٨٢.‏ وبعمر ٧٢ سنة،‏ بعدما صارت الطريق مفتوحة الآن لخدمة يهوه بشكل اكمل،‏ حقَّقت آيليزابِت طموحها الطويل الامد بالانخراط كفاتحة قانونية.‏

ثمة شيء يساهم دون شك في روح الفتح الناجحة في ڤنزويلا وهو عدم وجود طريقة حياة مادية عموما بين معظم الاخوة.‏ ومعظمهم ليسوا واقعين في شرك الجهاد المتواصل للحصول على الكماليات لبيوتهم او لكسب المال لعُطل مكلفة.‏ وبدون هذه الالتزامات المالية الاضافية،‏ يجد عدد اكبر من شعب يهوه ان امتيازات الفتح هي في متناول يدهم.‏

نمو حقل مثمر

الڤنزويليون ككل هم شعب متسامح،‏ يحترم الكتاب المقدس؛‏ وباستثناءات قليلة جدا،‏ يعترفون بالايمان باللّٰه.‏ ان قبضة الكنيسة الكاثوليكية في السنوات السالفة قد ضعفت،‏ وكثيرون من افراد الرعية المخلصين ولكن غير السعداء يبحثون في مكان آخر لاشباع حاجاتهم الروحية.‏ فتورُّط الكنيسة السياسي والآثام الفردية للكهنة التي تنكشف من وقت الى آخر لا تزيد الثقة بالكنيسة.‏

لا شك ان كل هذه العوامل تساهم في السهولة النسبية التي بها يمكن الابتداء بدروس الكتاب المقدس هنا.‏ ففي آب ١٩٩٥،‏ كان الـ‍ ٧٠٩‏,٧١ شهود ليهوه في ڤنزويلا يديرون اكثر من ٠٠٠‏,١١٠ درس بيتي في الكتاب المقدس.‏ وليس صعبا على الناشر الذي يكرز قانونيا،‏ وهو حيّ الضمير في ملاحقة الاهتمام،‏ ان يبتدئ بدروس تقدُّمية في الكتاب المقدس.‏ وعموما،‏ يحضر التلاميذ الاجتماعات ويتغيَّرون بسرعة ليعملوا وفق مطالب يهوه البارَّة.‏

في سنة ١٩٣٦ كان هنالك فقط مناديان بالبشارة يقدمان تقريرا عن نشاطهما في ڤنزويلا.‏ وسنة ١٩٨٠ كان عدد الناشرين ٠٢٥‏,١٥.‏ وبعد خمس عشرة سنة تجاوز العدد الاجمالي للمنادين بالملكوت الـ‍ ٠٠٠‏,٧١.‏ وسنة ١٩٨٠ كانت هنالك فقط ١٨٦ جماعة في كل البلد.‏ والآن هنالك ٩٣٧.‏ وعدد الذين يحبون يهوه ويخدمونه يستمر في النمو.‏

وقت للبناء

بسبب الزيادة الجديرة بالملاحظة في عدد الناشرين في السنوات الاخيرة،‏ ليست لقاعات ملكوت كثيرة فسحة كافية للذين يأتون الى الاجتماعات.‏ وثمن الملكية،‏ وخصوصا في المناطق داخل المدينة،‏ باهظ.‏ وفي كاراكاس،‏ حيث توجد حاليا ١٤٠ جماعة والارض غالية الثمن،‏ ليس امرا غير اعتيادي ان تشترك في التسهيلات نفسها حتى خمس جماعات كبيرة بحضور هائل.‏ ويزوِّد ذلك مشهدا مثيرا للاهتمام للجيران ايام الآحاد فيما تصطف جماعة بعد اجتماعها للخروج وتدخل اخرى،‏ بمصافحات وقبلات لا نهاية لها اذ يحيِّي الاخوة والاخوات واحدهم الآخر.‏ ويضطر كثيرون الى الوقوف خلال الاجتماعات،‏ وكثيرا ما تكون التهوية غير كافية.‏ وهنالك حاجة ماسَّة الى المزيد من قاعات الملكوت،‏ وبمساعدة صندوق قاعات الملكوت المركزي في ڤنزويلا،‏ يجري الابتداء ببذل الجهود لمعالجة هذه الحاجة.‏

على الرغم من الموارد المحدودة،‏ ان تجاوب الاخوة السخي جعل ممكنا بناء اول قاعة محافل في ڤنزويلا،‏ في كُوا،‏ ولاية ميراندا.‏ وضِيا يزبك،‏ الذي خدم في لجنة البناء،‏ يزوِّد بعض التفاصيل.‏ «ان بناء القاعة في كُوا اصطدم ببعض المشاكل بعد السنة الاولى عندما لم تكن الموارد المالية الكافية متوافرة،‏ في حين ان الهيكل صار مبنيًّا وكان لا يزال هنالك المزيد من العمل لإنجازه.‏ وفي ١٢ تشرين الاول ١٩٨٢ اجتمعنا بالشيوخ والخدام المساعدين المحليين وعرضنا عليهم الحالة،‏ طالبين منهم،‏ تباعا،‏ ان يدرسوا امكانية الاخوة في الجماعات.‏ وكانت النتيجة انه بعد ثلاثة اشهر،‏ لدهشتنا الكبيرة،‏ وُهب ٥‏,١ مليون بوليڤار —‏ مبلغ ضخم في تلك الايام.‏ وهذا مكَّننا من اكمال المشروع،‏ بما في ذلك تكييف الهواء وتزويد مقاعد مريحة.‏ وتبرهن ان القاعة بركة حقيقية للدوائر الـ‍ ١١ التي تستخدمها حاليا.‏» ولدى ڤنزويلا الآن قاعتا محافل،‏ الاخرى في كامپو إِلياس،‏ ولاية ياراكْوِي.‏

تسهيلات فرع افضل

ان لجنة من ستة اخوة ناضجين يديرون الآن العمل الذي يعتني به الفرع.‏ وهم تِيودورو ڠريسِنڠِر،‏ كيث وِست،‏ ستِفان يوهانسُن (‏منسق لجنة الفرع الحالي)‏،‏ إدواردو بلاكوود (‏الذي يخدم ايضا كواحد من نظار الكور الاربعة)‏،‏ ضِيا يزبك (‏فاتح قانوني ورب عائلة)‏،‏ ورافايِل پيريز (‏ناظر دائرة)‏.‏

اذ ينمو العمل في الحقل،‏ يصير ضروريا ايضا توسيع تسهيلات الفرع.‏ وعندما زار الاخَوان نور وهنشل ڤنزويلا في تشرين الثاني ١٩٥٣،‏ اشار الاخ نور انه جيد ان تشتري الجمعية ملكيتها الخاصة لبيت المرسلين ومكتب الفرع.‏ فوُجد بيت كبير جديد مؤلف من طابقَين في منطقة لاس أَكاسياس السكنية الهادئة في كاراكاس.‏ وانتقلت عائلة الفرع والمرسلين الى كينتا لُوس في ايلول ١٩٥٤،‏ وعمل الفرع من هناك طوال ٢٢ سنة.‏

عندما زاد عدد ناشري الملكوت على ٠٠٠‏,١٣،‏ انتقل الفرع ثانية الى تسهيلات جديدة —‏ وهذه المرة في بلدة لا ڤِكتوريا المجاورة،‏ ولاية أَراڠوا.‏ وهذا المجمَّع الجديد الرائع بدا دون شك هائلا بالمقارنة مع الفرع السابق،‏ وكان صعبا على البعض ان يتخيَّلوا انه سيُستخدم كاملا.‏ ولكن سنة ١٩٨٥ أُكمل قسم جديد ودُشِّن لأن الجزء الاول كان قد صار اصغر من اللازم.‏

خلال سنوات قليلة صار الفرع من جديد اصغر من اللازم،‏ وفي سنة ١٩٨٩ جرى شراء ٣٥ اكرا (‏١٤ هكتارا)‏ من الارض الممتازة للبناء من اجل تشييد تسهيلات فرع جديدة.‏ وقد أُنجز الآن العمل التمهيدي،‏ ويُرجى ان تُكمَل التسهيلات الجديدة في المستقبل القريب.‏

‏«مَن يعطش فليأتِ»‏

اذ اوشك الرسول يوحنا ان ينتهي من كتابة سفر الرؤيا،‏ تأكد يسوع المسيح ان يشمل ما يلي:‏ «الروح والعروس يقولان تعال.‏ ومَن يسمع فليقل تعال.‏ ومَن يعطش فليأتِ.‏ ومَن يُرد فليأخذ ماء حياة مجانا.‏» (‏رؤيا ٢٢:‏١٧‏)‏ تُقدَّم هذه الدعوة اللطيفة لشعب ڤنزويلا طوال نحو ٧٠ سنة حتى الآن.‏ وبشدة اكثر من ايّ وقت مضى،‏ تبلغ جميع انحاء البلد —‏ وبنتائج جيدة.‏

ان زيادة الجريمة لم تبطئ العمل.‏ وبدون استثناء تقريبا،‏ للبيوت والشقق حديد مليَّف على الباب الامامي،‏ تظهر عليه احيانا سلسلة ثخينة او قفل كبير.‏ فالمهاجمة بقصد السلب،‏ حتى في وَضَح النهار،‏ هو خطَر دائم.‏ والذين يعيشون في كاراكاس يحترسون خصوصا من ارتداء حلى ذهبية او ساعات غالية الثمن في الشارع.‏ وغالبا ما يكون السياح غير الحذرين هدفا للمهاجمين بقصد السلب.‏ وعندما يكرز اخوتنا في المناطق الافقر في المدينة يجب عليهم ان يمارسوا حذرا شديدا.‏ وعموما،‏ يُحترم شهود يهوه.‏ ولكن أُوقفت فرق بكاملها من الناشرين تحت تهديد الموت رميا بالرصاص وأُجبروا على تسليم الساعات،‏ المال،‏ والحلى.‏ لكنَّ غيرة اخوتنا في هذه المناطق الخطرة تبقى غير متأثِّرة،‏ وتُقدَّم شهادة كاملة.‏

ان المناداة بصبر ومثابرة بالبشارة تنفع الناس من جميع الانواع.‏ ثمة مهندس وعائلته في ماراكايبو كانوا قد رفضوا بحزم جهود جيرانهم الشهود الودِّيين لمناقشة الكتاب المقدس معهم،‏ وطوال ١٤ سنة لم تتعدَّ المحادثة بين العائلتَين التحيَّات اللطيفة.‏ ثم،‏ في احد الايام سنة ١٩٨٦،‏ كان ابن الشهود البالغ من العمر خمس سنوات يتحدَّث من فوق السياج الى ابنة الجيران الصغيرة.‏ وإذ انتهت المحادثة،‏ قال الصبي:‏ «اذا اعطى ابي اباكِ كتاب الخلق،‏ فسيدرك ان يهوه خلقنا.‏» وفي الصباح التالي،‏ اذ شعر الاب ان يهوه ربما يريد منه ان يحاول ثانية بلوغ جاره،‏ ذهب الى البيت المجاور وأخبر عن محادثة الولدَين.‏ وقال:‏ «لذلك،‏ بالنيابة عن ابني،‏ اريد ان تقبل كتاب الخلق هذا كهدية.‏» ولدهشة الاخ،‏ بعد يومين اتى هذان الزوجان الى بيت الشهود طالبَين المسامحة بموقفهما المتصلِّب السابق ومعبِّرَين عن التقدير للكتاب الرائع.‏ فجرى الابتداء بدرس في الكتاب المقدس،‏ والزوجان وولداهما الكبيران هم الآن شهود ليهوه منتذرون ومعتمدون.‏

في باركيسيميتو،‏ كانت أَنا تطرد دائما الشهود عندما يأتون الى بابها.‏ وكانت تقف نفسها لعبادة ماريا ليونسا،‏ وبهذه الصفة كانت تنهمك في الممارسات الارواحية.‏ ولكنها كانت تتوق الى التحرُّر من هذه الامور التي تستعبدها.‏ فصلَّت الى اللّٰه ليساعدها على تغيير طريقة حياتها.‏ وبُعيد ذلك زارتها شاهدة ليهوه،‏ إِستايْر هِرمانوس.‏ ولم يَسَع أَنا إلا ان تتساءل عما اذا كانت هنالك علاقة بين صَلاتها وزيارة الشهود.‏ فقبلت درسا قانونيا في الكتاب المقدس،‏ ابتدأت تحضر الاجتماعات،‏ طلبت بسرعة من المستأجرين عندها الفاسدين ادبيا ان ينتقلوا،‏ نزعت من بيتها كل الاشياء المتعلقة بالارواحية،‏ نذرت حياتها ليهوه سنة ١٩٨٦،‏ وأخيرا اختبرت الحرية التي لا يمكن ان يجلبها إلا الحق!‏

كان إِرنان ينتمي الى فريق يمارس طقوسا ارواحية،‏ يعتبر الفساد الادبي الجنسي مقبولا،‏ ويستخدم الكثير من الكحول اثناء الشعائر الدينية لِـ‍ «انعاش الروح،‏» كما يقولون.‏ وعندما ذهب في بادئ الامر الى قاعة الملكوت،‏ كان يصغي الى ما يقال ثم يذهب مباشرة الى كنيسته ويلقي خطابا مماثلا.‏ ولكن بعد حضوره محفلا دائريا،‏ ابتدأ يتخذ بجدِّية اكثر ما يتعلَّمه.‏ ثم،‏ في يوم من ايام الآحاد سنة ١٩٨١،‏ عندما وصل الى الكنيسة،‏ وجد ان مَن يدعونها الام الروحية يُزبد فمها.‏ وقال له الآخرون ان الشيطان ابليس يسيطر عليها.‏ فلم يعُد الى هناك قط.‏ وفي السنة التالية اعتمد كواحد من شهود يهوه.‏ وهو،‏ زوجته،‏ والابن الاكبر هم الآن فاتحون قانونيون.‏

كانت عائلة مارتينِس على وشك الانهيار.‏ وكانت هنالك تهديدات دائمة بالطلاق.‏ واستخدم الاولاد الحالة لفائدتهم الخاصة.‏ وفي بحث يائس عن التعزية،‏ فتَّشت الزوجة عن واحدة من شهود يهوه كانت قد تحدَّثت اليها سابقا عن الكتاب المقدس،‏ وجرى الابتداء بدرس دون معرفة الزوج.‏ وفي غضون ذلك،‏ في العمل،‏ شهدت سكرتيرة الزوج له،‏ ورُتِّب ان يدرس معه احد الشيوخ.‏ ولم يمرَّ وقت طويل حتى قرَّر ان يُطلع زوجته على الامور التي تعلَّمها من درسه للكتاب المقدس.‏ وكم كان مدهشا ان يعرف انها هي ايضا تدرس الكتاب المقدس مع شهود يهوه وتحضر الاجتماعات في قاعة ملكوت اخرى!‏ من تلك اللحظة صار درس الكتاب المقدس معا وحضور الاجتماعات كعائلة جزءا قانونيا من حياتهما العائلية.‏ وهذه العائلة،‏ التي كانت على وشك الانهيار،‏ تخدم الآن يهوه بسعادة واتحاد.‏

كانت بَياترِس تحلم كل حياتها بفهم الكتاب المقدس.‏ ثم تزوَّجت،‏ وانتقلت مع زوجها الى كاراكاس،‏ حيث صارا جزءا من المجتمع الراقي.‏ وهناك في العاصمة صارت صديقةَ شخص كبير السن كان قد ترك منصبه ككاهن،‏ لأنه لم يستطع ان يوافق على تعاليم الكنيسة الاساسية.‏ وفي احدى المناسبات قال لها:‏ «ان المعمودية الصحيحة الوحيدة هي التغطيس الكلي كما يمارسه شهود يهوه.‏» وبعد سنوات،‏ اذ طلَّقها زوجها،‏ صارت بَياترِس تواجه مشكلة شخصية محزنة.‏ فصلَّت يائسةً الى اللّٰه.‏ وفي احدى الامسيات خصوصا —‏ في ٢٦ كانون الاول ١٩٨٤ —‏ قضت ساعات عديدة في الصلاة.‏ وفي الصباح التالي دُقَّ جرس الباب.‏ فنظرت بغضب عبر ثقب باب شقتها ورأت شخصَين معهما محفظتان.‏ وإذ تضايقت من ازعاجها،‏ صرخت عبر الباب وكأنها الخادمة:‏ «السيدة ليست في البيت،‏ ولا استطيع ان افتح الباب.‏» وقبل ان يغادر الشخصان،‏ دفعا ورقة دعوة تحت الباب.‏ فالتقطتها بَياترِس.‏ وكانت تقول،‏ «اعرف كتابك المقدس.‏» فعادت الى ذاكرتها كلمات الكاهن السابق الكبير السن.‏ فهل يمكن ان يكون هذان الزائران من الناس الذين تكلَّم عنهم،‏ شهود يهوه؟‏ هل يمكن ان تكون هنالك علاقة بين زيارتهما وصلواتها في الامسية السابقة؟‏ فتحت الباب،‏ لكنهما كانا قد ذهبا.‏ فنادتهما على الدرج ليعودا،‏ اعتذرت عن ردّ فعلها الاول،‏ ودعتهما للدخول.‏ وجرى الابتداء فورا بدرس في الكتاب المقدس،‏ وبعد وقت قصير اعتمدت بَياترِس كشاهدة مسيحية ليهوه.‏ وإذ وجدت السعادة اخيرا بتحقيق رغبة عمرها،‏ تقضي بَياترِس الآن جزءا كبيرا من وقتها في مساعدة الآخرين على معرفة كتابهم المقدس.‏

ببركة يهوه،‏ تنمو الجماعات بسرعة.‏ وقاعات الملكوت تمتلئ وتفيض.‏ وتتشكَّل جماعات جديدة.‏ وعدد المنادين بالملكوت يرتفع وكذلك صفوف الخدام كامل الوقت.‏ وعدد الحضور الكبير في مناسبة الذكرى والمحافل الكورية يدلّ ان المزيد سينضمون الينا في عبادة يهوه قبل نهاية نظام الاشياء هذا.‏

وإذ يكثِّف شهود يهوه شهادتهم في المدن،‏ القرى،‏ السهول،‏ والجبال في ڤنزويلا ويرون النتائج المذهلة،‏ يتذكرون كلمات الرسول بولس:‏ «ليس الغارس شيئا ولا الساقي بل اللّٰه الذي يُنمي.‏» —‏ ١ كورنثوس ٣:‏٧‏.‏

‏[صورة تغطي كامل الصفحة ١٨٦]‏

‏[الصورة في الصفحة ١٩٤]‏

روبِن أَراوْهو،‏ احد اول الڤنزويليين الذين صاروا شهودا معتمدين

‏[الصورة في الصفحة ١٩٩]‏

من اليسار:‏ آينِز بورنهام،‏ روبي داد (‏الآن باكستر)‏،‏ دِكسي داد،‏ ورايتشل بورنهام عند مغادرتهن نيويورك سنة ١٩٤٩.‏ قبل ان تغادر السفينة المرسى شعرن جميعا بأنهن بحال جيدة!‏

‏[الصور في الصفحتين ٢٠٠ و ٢٠١]‏

بعض المرسلين الذين خدموا سنوات عديدة في الحقل الڤنزويلي:‏ (‏١)‏ دونالد وروبي باكستر،‏ (‏٢)‏ دِكسي داد،‏ (‏٣)‏ پِني ڠاڤِت،‏ (‏٤)‏ لِيلا پراكتُر،‏ (‏٥)‏ رانْڠْنا إِنْڠْوالدسِن،‏ (‏٦)‏ مِرڤِن وإِڤلِن وارد،‏ (‏٧)‏ ڤِن وپيرل تشاپمان

‏[الصورة في الصفحة ٢٠٧]‏

كينتا لُوس

‏[الصورتان في الصفحة ٢٠٨]‏

الاعلى:‏ مِلتون هنشل يخاطب المحفل في كلوب لاس فوِنتِس،‏ سنة ١٩٥٨

الاسفل:‏ ناثان نور (‏اليسار)‏ مع تِيودورو ڠريسِنڠِر كمترجم،‏ سنة ١٩٦٢

‏[الصورة في الصفحة ٢٢٧]‏

سنة ١٩٨٨ ملأ اكثر من ٦٠٠‏,٧٤ حلبة مصارعة الثيران في ڤَلَنْسِيا من اجل برنامج خصوصي

‏[الصور في الصفحة ٢٣٦]‏

بعض الذين خدموا كنظار دوائر او كور (‏مع زوجاتهم)‏:‏ (‏١)‏ كيث ولويْس وِست،‏ (‏٢)‏ أَلبِرتو وسولي ڠونسالِس،‏ (‏٣)‏ كاسيميرو سيتو،‏ (‏٤)‏ لِستِر ونانسي باكستر،‏ (‏٥)‏ رودني وإِلويِيز پراكتُر،‏ (‏٦)‏ رِميهيو أَفونسو

‏[الصور في الصفحة ٢٤٤]‏

بعض الذين لديهم سجلات طويلة في خدمة الفتح:‏ (‏١)‏ ديليا دو ڠونسالِس،‏ (‏٢)‏ اميليو وإِستايْر هِرمانوس،‏ (‏٣)‏ ريتا پايْن،‏ (‏٤)‏ آينجل ماريا ڠرانادييو،‏ (‏٥)‏ ناييبه دو لينارِس،‏ (‏٦)‏ إِرما فرنانديز،‏ (‏٧)‏ هوسيه رامون ڠوميز

‏[الصورتان في الصفحة ٢٥٢]‏

فوق:‏ مكتب الفرع في لا ڤِكتوريا

لجنة الفرع (‏من اليسار الى اليمين)‏:‏ ضِيا يزبك،‏ تِيودورو ڠريسِنڠِر،‏ ستِفان يوهانسُن،‏ كيث وِست،‏ إدواردو بلاكوود،‏ ورافايِل پيريز