بينين
بينين
هوذا نيسان ١٩٧٦. كان الجنود يحملون اسلحة اتوماتيكية ويقرعون باب البتل بقوة. وأمر القائد: «اخرجوا وانضموا الى احتفال رفع العلم!» وكان حشد غضبان من الناس ينشد الشعارات السياسية.
تابع المرسَلون في الداخل مناقشتهم للآية اليومية من الكتاب المقدس، كعادتهم. وكانت الآية التي يجري التأمل فيها: «قوات السموات تتزعزع.» (متى ٢٤:٢٩) وكم كان ذلك مصدر قوة للمرسلين في ذلك الصباح! في الخارج، رفع الجنود العلم على اراضي مكتب الفرع. لقد صادروا المُلكية!
وسرعان ما امر الجنود جميع المرسلين بالخروج. ولم يُسمح لهم إلّا بأخذ امتعتهم الشخصية التي استطاعوا حملها في حقائبهم. ودون توانٍ، أُركب المرسلون في ڤان الجمعية، ليُرافَقوا الى خارج البلد.
وبينما كان الڤان يغادر ارض البتل، اقترب منهم اخ شاب يركب دراجة. وسألهم: «ماذا يحدث؟ الى اين يأخذونكم؟» فأشار اليه المرسلون بيدهم ليبتعد مخافة ان يُعتقل هو ايضا.
فماذا ادّى الى حظر عمل شهود يهوه في بينين؟ كيف بقي الشهود المحليون اقوياء روحيا خلال فترة الـ ١٤ سنة الصعبة تلك؟ هل عاد المرسلون؟ وعندما رُفعت القيود اخيرا، كيف استخدم شهود يهوه في بينين حريتهم المكتسبة حديثا؟
هذه هي بينين
انها بلد يشبه شكله ثقب المفتاح، محصور بين توڠو ونيجيريا على ساحل افريقيا الغربية — هذه هي بينين. ربما انتم تعرفونها باسمها السابق، داهومي. الناس هنا محبُّون وودّيون، والمناخ لطيف. ويتكلم حوالي ٦٠ فريقا عرقيا اكثر من ٥٠ لغة محلية، الا ان اللغة القومية هي الفرنسية.
وبينين هي موطن القلاع الصغيرة والمَلَكيات الافريقية القديمة. ووسط بحيرة شاطئية ضحلة زرقاء تقع ڠانڤييه، قرية عائمة يدعوها البعض البندقية الافريقية. الشوارع هناك عبارة عن انهار، وسيارات الاجرة هي پيروڠ، اي زوارق شجرية، غنية بالالوان. وتوجد شمالي البلاد حديقتان وطنيتان، الپنجاري والـ «W»، حيث تجول الاسود، الفيَلة، السعادين، افراس النهر، والحيوانات الاخرى بحرية في الساڤانا. ولجهة الجنوب، تتراقص اشجار النخل على انغام رياح المحيط.
ولكنَّ الحياة كانت في بعض الاحيان مرّة جدا بالنسبة الى شعب تلك الارض. ففي وقت باكر من القرن الـ ١٧، بدأ كاپسه، حاكم مملكة اويدا، بعلاقات تجارية مع تجار الرقيق الفرنسيين، الانكليز، والپرتغاليين. ومقابل المعدات الصغيرة والاسلحة، باع هذا الملك القاسي ابناء بلده. فوُضعوا على السفن في ڠِلْويه، التي تُدعى الآن ويدا، ونُقلوا الى هايتي، جزر الانتيل الهولندية، وأميركا. واستمرت تجارة الرقيق من القرن الـ ١٧ حتى اوائل القرن الـ ١٩. ثم أُلغيت اخيرا في بلدان عديدة.
ولكن، في مطلع القرن الـ ٢٠ بدأت الفرصة تتاح للناس في بينين
ليتحرروا من اغلال نوع من العبودية اكثر وحشية بكثير — العبودية للدين الباطل بكل اشكاله البشعة. وفي بينين، يشمل ذلك الودّونية.مسقط رأس الڤودو
ان مذهب الروحانية هو الدين التقليدي، وبين أتباع مذهب الروحانية هنا، يُعتبر ماو الاله الاسمى. ويمثِّله عدد كبير من الآلهة الثانوية، او الڤودو، الذين تُقدَّم لهم الذبائح في اعياد دينية معينة. على سبيل المثال، ابيوسو هو اله الرعد، والإله زانڠبيتو، كما يقال، يحمي حقول المزارعين ليلا. وبعد هؤلاء الڤودو تأتي الآلهة الادنى، وما يُعتقد ايضا انه ارواح الموتى. ومن هنا تأتي ممارسة عبادة الاسلاف. ففي بيوت كثيرة، تجدون اسِن، نوع من المظلّات الصغيرة مصنوع من الحديد المشكَّل بالتطريق، ومزيَّن برموز إحياءً لذكرى احد الاحباء الموتى.
ويتطلب التعامل مع هذه الآلهة وسيطا، كاهنا فَتَشيا، ذكرا كان او انثى. وبعد قضاء ثلاث سنوات في دير فَتَشي، يُعتبر الكاهن مؤهلا للاتصال بالآلهة والارواح الاخرى. وهذه الهيئة الكهنوتية القوية لديها تأثير كبير في حياة الشعب البينيني الذي يلتصق بها.
ان الذين يمارسون شكل العبادة هذا يؤمنون بأن الشخص بعد موته، يمكنه ان يعود في شكل روحاني ويقتل اعضاء العائلة الآخرين. فيبيع اشخاص كثيرون ممتلكاتهم او يغرقون في الدَّين لكي يدفعوا من اجل ذبائح حيوانية وطقوس مكلفة لاسترضاء الاقرباء الموتى. وفي النتيجة، قد تُترك العائلة في حالة من الفقر. والخوف الخرافي الذي انشأته هذه المعتقدات يستعبد الناس.
والاديان المدعوَّة مسيحية لها أتباع هنا وتُمارَس في اغلب الاحيان جنبا الى جنب مع مذهب الروحانية. ولا يعتبر الناس عادة خلط شكلَي
العبادة هذين امرا بغيضا، أما التوقف عن الاشتراك في التقاليد الروحانية فيُعتبر خطية خطيرة. ولكنَّ كثيرين اقترفوها.السنوات الباكرة
في سنة ١٩٢٩ وصل الى داهومي حق الكتاب المقدس الذي يمكنه حقا ان يحرِّر الناس من الخوف الخرافي. فإذ تعلَّم الاخ يانادا من قبيلة الڠون هذا الحق من تلاميذ الكتاب المقدس (كما كان شهود يهوه يُدعَون آنذاك) في ايبادَن، نيجيريا، عاد ليعلِّم رفاقه من رجال القبيلة. فجمع فريقا من ستة اشخاص في المدينة التي وُلد فيها، پورتو نوڤو، العاصمة، وبدأ يدرس معهم الكتاب المقدس. ومن هذا الفريق، تمسَّك دانيال افينيي، النيجيري الاصل، بالحق بثبات واعتمد سنة ١٩٣٥. ولكنَّ الاضطهاد من رجال الدين المحليين دفع الاخ يانادا الى العودة الى نيجيريا، وأُجبر دانيال افينيي المعتمد حديثا على العودة الى قريته، داهاڠبي. وعندما بدأ اربعة شهود نيجيريين آخرين بالكرازة في پورتو نوڤو، أُوقفوا ورُحِّلوا فورا.
وفي سنة ١٩٣٨، عُيِّن اثنا عشر شاهدا من قبيلة ايبو في نيجيريا للخدمة في پورتو نوڤو. ولخَيبة رجال الدين الپروتستانت، قدَّر اناس كثيرون ما كان الشهود يعلِّمونهم اياه من الكتاب المقدس. وأحد هؤلاء كان موييز اكينوكو، تاجر من قبيلة يوروبا. وقد كان منهجيا يمارس ايضا عبادة الاسلاف. وأُجبر شهود يهوه من جديد على ترك پورتو نوڤو نتيجة ضغط رجال الدين على السلطات المحلية. ولكن عندما اشتدَّ لهب الاضطهاد على اولئك الاخوة من قبيلة إيبو، دعمهم الاخ اكينوكو وقال: «اذا كانت الحكومة ستقتل جميع شهود يهوه، فأنا مستعد لأن أُقتل.» وبقي راسخا في الايمان حتى موته عام ١٩٥٠.
وخلال الحرب العالمية الثانية، لم يعد لدى الشهود النيجيريين وسيلة للوصول الى بينين. ولكنَّ بذور الحق غُرست، ولاحقا، بقليل
من السقي والحراثة، نمت بسرعة. وأتت تلك الفرصة فورا بعد الحرب. فقد اصبح نورو اكيتونْدي، البينيني المولد، واحدا من شهود يهوه حين كان في نيجيريا. وفي سنة ١٩٤٨ عاد فاتحا الى وطنه الام، وقضى جزءا كبيرا من وقته يشهد للآخرين عن يهوه اللّٰه وقصده كما هو مكشوف في الكتاب المقدس. ففاقت النتائج كل التوقعات المعقولة.ذكر تقرير خدمة الحقل لشهر ايار ١٩٤٨: «ان ارسال تقرير من بلد جديد انما هو حدث يثير الرعشة. لقد انتشرت البشارة في داهومي الفرنسية [بينين] والذين يتجاوبون مع البشارة يجتمعون تحت ‹راية الامم.›» — اشعياء ١١:١٢.
وفي الشهر نفسه، قُدِّم طلب الى حاكم داهومي من اجل الاعتراف رسميا بالجمعية. فأُحيل الى المفوَّض السامي في دكار، السنڠال. ولكن، بعد تأخير دام اكثر من سنة، رُفض منح الاعتراف. ورغم ذلك، استمر العمل في التوسع. وكتب لاحقا ويلفرد ڠوتش، ناظر الفرع في نيجيريا آنذاك: «كان هنالك الكثير من الاهتمام المستتر حتى انه خلال ستة اسابيع انضم ١٠٥ اشخاص الى الفاتح [الاخ اكيتونْدي] في خدمة الحقل. وخلال الاشهر القليلة التالية، استمر هذا الفاتح في نشر البشارة في البلدات المجاورة، كما استمرت الزيادة الرائعة — حتى بلغوا ذروة من ٣٠١ ناشر للملكوت في تموز ١٩٤٨.»
الكرازة بالبشارة تنتشر
ومن پورتو نوڤو انتشرت الكرازة بالبشارة الى البلدات والقرى النائية. وأخذ الاخ اكيتونْدي بعض المهتمين الجدد معه للشهادة في اماكن مثل لوكونڠبو وكوتونو. فبقوا في احدى القرى عدة ايام، اذ رحَّب بهم المهتمون الجدد وأضافوهم. وفي ذلك الوقت، بدأ الاشخاص المهتمون يكرزون مع الاخوة الزائرين فورا بعد اتصالهم الاول بهم.
وبعد عودة الاخ اكيتونْدي الى بينين بأقل من اربعة اشهر، عُقد محفل لثلاثة ايام في پورتو نوڤو. وقد حضر من فرع نيجيريا و. ر. (بايبل) براون، انطوني آتوود، وأرنست مورتون. واعتمد في تلك المناسبة ثلاثون شخصا، وقد اغضب هذا كثيرا المرسلين الپروتستانت. فبذلوا اقصى جهدهم لإقناع المهتمين الجدد بالعدول عن موقفهم، ولكنَّ هؤلاء بقوا ثابتين. وقال احد المعتمدين في ذلك المحفل: «اذا فحصتم كلّ الامور ووجدتم شيئا ليس جيدا — يعود القرار اليكم. أما انا، فقد وجدتُ ان هذا جيد جدا.» وكثيرون آخرون فحصوا ايضا ما كان يعلِّمه شهود يهوه ووجدوا انه «جيد جدا.» وبحلول كانون الثاني ١٩٤٩، كانت هنالك ثلاث جماعات في بينين — پورتو نوڤو، لوكونڠبو، وكوتونو.
رجل متعدد الزوجات يجد الحق
رغم ان نشاط شهود يهوه لم يكن معترفا به شرعيا في هذا البلد، حصلنا على الموافقة في كانون الثاني ١٩٤٩ لعقد محفل في كوتونو. واستُعملت سيارات مجهَّزة بمكبرات للصوت للإعلان عن البرنامج، فحضر اكثر من ٠٠٠,١ شخص المحاضرة العامة «حكومة السلام.»
وأحد الذين حضروا هذا المحفل كان سورو أُوِينو، الذي كان كاتب عدل وقاضيا وكذلك رئيس «العائدين من الموت»، وهم فريق لوقا ٤:٨) وعدَّل ايضا شؤونه الزوجية لتنسجم مع المقاييس المسيحية. ورغم ان مهنته ممتازة في النظام الحاضر، فعل كشاول الطرسوسي قبل ان يصير الرسول بولس، اعتبرها كلها «نفاية.» وتركها وراءه. (فيلبي ٣:٨) ولكي يتفرَّغ لمصالح الملكوت، ترك مركزه ككاتب عدل وقاضٍ وتبنَّى الخدمة كامل الوقت.
يمارس عبادة الاسلاف. وكانت له اربع زوجات. فهل كان قادرا على صنع التغييرات اللازمة كي يسير على خطى يسوع المسيح؟ لقد هجر عبادة الاسلاف، وصِلاتها بالارواحية. وفعل ذلك انسجاما مع اعلان يسوع: «للرب الهك تسجد وإياه وحده تعبد.» (كانت جماعة كوتونو تجتمع قانونيا في منزل الاخ أُوِينو في منطقة من المدينة تدعى ميسِّبو. وفي احدى المناسبات، حرَّض قادة كاثوليك مجموعة من الاولاد على بثّ الفوضى في الاجتماع. وبينما كان الخطاب العام يُلقى في حديقة منزل الاخ أُوِينو المسوَّرة، تسلَّق حدث شجرة وبدأ يرشق الخطيب من فوق السور بالإهانات وبالحجارة على السواء. ويبدو انه لم يكن يجيد التسديد، لأن ايّا من حجارته لم يسبِّب الاذى للخطيب. وبدلا من ذلك، اخطأ احدها هدفه وأصاب بقوة حدثا آخر من المجموعة التي تبثّ الفوضى الى حد انه وجب ادخاله المستشفى ليُعالج! فركض جميع الاولاد خائفين، معتقدين ان هذا كان عقابا من اللّٰه. وجرت متابعة الاجتماع دون اية حوادث اضافية.
الڤودو ضد يهوه
كانت دونڠبو-تِنديه أُڠودينا تراقب من بُعد ما كان يحدث. وكانت تاجرة ألبسة يقع متجرها في الجانب الآخر من الشارع حيث منزل الاخ أُوِينو. وكانت ايضا امينة سر الدير الفَتَشي في پورتو نوڤو. ولكنها كانت متأثرة بشكل ايجابي بتصرف الشهود في وجه تلك المقاومة
حتى انها اصبحت مهتمة برسالة الملكوت. وما لبثت ان اصبحت هي نفسها هدفا لمقاومة الكهنة الفَتَشيين الشديدة. فأعلن الكاهن الفَتَشي الاعلى انها ستموت خلال سبعة ايام لأنها وقفت الى جانب الشهود! واستعمل الشعوذة لكي يجعل تنبؤه يتم.ورغم ان الارواح الشريرة قتلت البعض، كانت الاخت أُڠودينا شجاعة. وقالت: «اذا كانت الفَتَشية هي التي اوجدت يهوه، فسأموت؛ ولكن اذا كان يهوه هو الاله الاسمى، فحينئذ سيُبطل الفَتَشية.» وفي الليلة السادسة، قدَّم الكهنة الفَتَشيون ذبائح من التيوس وتعاويذ لڠبيلوكو الفَتَشي. وقطعوا نبتة موز، كسوها برداء ابيض وجرّوها على الارض رمزا الى موتها. وبعد ذلك، كانوا متأكدين جدا من النتيجة حتى انهم اذاعوا علنا ان الاخت أُڠودينا ميتة الآن. ولكن ماذا حدث في الصباح التالي؟
كانت الاخت أُڠودينا تماما حيث تكون كل صباح تقريبا — تبيع الألبسة في المتجر. لم تكن ميتة؛ لقد كانت حية تُرزق! فأُرسل فورا وفد مفوض الى الكاهن الفَتَشي الاعلى في پورتو نوڤو لإعلامه بما حدث او بالأحرى بما لم يحدث. فسخط اذ لم يكن لرقيته ايُّ تأثير. وإذ عرف ان هذا سيُضعف سلطته على الناس، ترك پورتو نوڤو الى كوتونو بهدف واحد في ذهنه — ان يجد الاخت أُڠودينا ويقتلها. عرف الاخوة المحليون ان المتاعب كانت تُحاك، فساعدوها على اقفال متجرها الصغير وأخذوها الى مكان آمن.
بعدما بقيت الاخت أُڠودينا مخبَّأة طوال اسبوع، استأجر الاخ أُوِينو سيارة وجال بها في كل انحاء پورتو نوڤو كي يشاهد الجميع انها حية. وكانت السيارات لا تزال نادرة الوجود في افريقيا سنة ١٩٤٩، لذلك قليلة هي السيارات التي كانت تمر دون ان تُلاحظ. تأكد الاخ أُوِينو ان يراها اكبر عدد ممكن من الناس؛ ثم انهيا رحلتهما عند باب ديرها الفَتَشي السابق. فخرجت من السيارة وصرَّحت علنا للجميع ليسمعوا امثال ١٨:١٠) وعلى الرغم من صحتها الرديئة، تابعت خدمة يهوه بأمانة حتى نهاية ايامها. وموقفها الشجاع ساعد عبَّادا فَتَشيين آخرين على التحرر من اغلال الارواحية.
انه على الرغم من ان الكاهن الفَتَشي الاعلى سحرها لإماتتها، كان الهها، يهوه، هو المنتصر! لقد برهن انه «برج حصين» لها. (المقاومة تشتد
باقتراب موعد الذِّكرى عام ١٩٤٩، أُعدَّت الترتيبات من اجل خطاب خصوصي في پورتو نوڤو. وحضر اكثر من ٥٠٠,١ شخص مهتم. لكنَّ رجال الدين لم يرق لهم هذا الخبر. فحرَّضوا السلطات من جديد على الاخوة، واعتُقل عشرة منهم.
وأخبر اخ لاحقا: «احتُجز الاخوة عدة ايام ثم أُطلق سراحهم بعد تحذير شديد ان لا ‹يعلِّموا او يكرزوا بهذا الاسم.› وقد اتاحت مقاومة كهذه الفرصة للإخوة بأن يشهدوا امام ‹ملوك وحكام› ويُخبروا عن سبب الرجاء الذي فيهم.» — قارنوا اعمال ٤:١٧.
جرى الاحتفال بالذِّكرى سرّا تلك السنة، وبلغ عدد الحضور ١٣٤، بمن فيهم خمسة متناولين من الرمزين. وعندما كانت تحدث معمودية، كان ذلك يجري ليلا، في بحيرة پورتو نوڤو الشاطئية الضحلة. وكانت تُغيَّر مواقع الاجتماع باستمرار، وكان اخ يقف دائما للحراسة. وقبل كل اجتماع، كانت تعدّ طاولة طعام؛ فإذا اقترب احد ما، يجلس الاخوة بسرعة الى الطاولة ويتظاهرون بالتمتع بوجبة طعام معا. وكانوا في الواقع يفعلون ذلك — يتمتعون بوجبة من الطعام الروحي الجيد!
كان على الاخوة ان يتصرفوا بحكمة في جميع الاوقات — كما قال يسوع، «حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام.» (متى ١٠:١٦) وكانت السلطات تبحث باستمرار عن الاخ اكيتونْدي، الذي اعتقدت انه زعيم الشهود. وفي احد الايام أُرسل شرطي للبحث عنه. ولأنه لم يكن يعرف اين يسكن الاخ اكيتونْدي، طلب الشرطي من سيد ان يرشده الى بيت السيد اكيتونْدي. ففعل الرجل ذلك وفقا لعادات الضيافة عند الشعب البينيني. ولكنَّ الرجل الذي كان يرشده كان الاخ اكيتونْدي نفسه! ولم يعرفه الشرطي. وعندما وصلا الى المنزل، لم يُفاجأ الاخ اكيتونْدي انه لم يكن موجودا في البيت! ولكن، اخيرا، في حزيران ١٩٤٩، عندما اصبح عمل شهود يهوه تحت الحظر الرسمي، عاد الاخ اكيتونْدي الى وطنه الام نيجيريا.
وفي آب ١٩٤٩ اصدرت الحكومة انذارا ضد مطبوعات برج المراقبة، محدِّدة عقوبة سنتي سجن وغرامة ٠٠٠,٥٠٠ فرنك سيفا (حوالي ٠٠٠,١ دولار اميركي) لكل مَن يُضبط وهو يوزع هذه المطبوعة بأيّة لغة. ومجلة برج المراقبة وكتاب «ليكن اللّٰه صادقا» كانا مستهدفَين بشكل خصوصي. لم يتثبَّط الاخوة من جراء هذا التحوُّل في الاحداث. فقد عرفوا جيدا ان يسوع المسيح قال: «ليس عبد اعظم من سيده. إنْ كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم.» — يوحنا ١٥:٢٠.
وخلال ذلك الوقت، استخدم كوپييه ألانْدانْكپوڤي، احد اوائل الذين قبلوا الحق في ذلك البلد، لباس رجال بينين التقليدي ليساعده في الخدمة. فالثوب ذو الكمَّين الطويلين الفضفاضين الذي يرتدونه، يُدعى بوبو، وله جيب داخلي واسع الى حد ما. وعندما كان الاخ ألانْدانْكپوڤي يتأكد انه وجد شخصا مهتما بصدق، كان يمد يده داخل ثوبه ويُخرج كتابا او كراسا مخبأ في ذلك الجيب الواسع. وكان يتظاهر دائما انه الكتاب الاخير، ولكن يبدو انه كان هنالك دائما كتاب آخر حين يجد شخصا آخر جائعا للحق.
مشتَّتون لكن مستمرون في الشهادة
«اكرز بالكلمة اعكف على ذلك في وقت مناسب وغير مناسب.» (٢ تيموثاوس ٤:٢) لقد تأثر شهود يهوه في بينين تأثُّرا عميقا بهذه النصيحة التي كتبها الرسول بولس، فازدهر عمل الشهادة حتى في ‹الوقت غير المناسب.› وخلال الجزء الاخير من سنة ١٩٤٩، ذهب احد الفاتحين البينينيين المعيَّنين حديثا، ألبرت يِدِنو ليڠان، الى زينڤيه، قرية صغيرة شمالي كوتونو. وفي يومه الاول هناك، زار جوزويه وماري ماوليكپونتو. فأدركا بسرعة رنّة الحق في تعاليم الكتاب المقدس التي سمعاها. ومع ان جوزويه كان پروتستانتيا، كان يمارس عبادة الاسلاف، كانت له زوجتان، وكان الكاهن الفَتَشي الاعلى للإله زانڠبيتو. وفي الشهر نفسه الذي عرفا فيه الحق، هجرا كل تلك الممارسات. ولم ترحِّب عائلتاهما بدينهما الجديد، فقاومتاهما بقساوة، حتى انهما طردتاهما من منزل العائلة وأتلفتا حقولهما.
فرَّ الزوجان من القرية لإنقاذ حياتهما، واستقرا في دِكان، احدى قرى سكان البحيرات. وساعد هذا الانتقال على نشر الحق في منطقة جديدة. وكان زعيم القرية في دِكان اول مَن قبِل الحق هناك. وخلال سنتين، اعتنق ١٦ شخصا العبادة الحقة في تلك المنطقة، رغم ان السلطات كانت تعتقلهم وتضربهم، وأُتلفت كل مطبوعاتهم، بما فيها كتبهم المقدسة.
وبينما كان فاتح يشهد في احدى القرى سنة ١٩٥٠، التقى رجلا اخبره ان هنالك رجلا اكبر سنّا يعلِّم من الكتاب المقدس الامور نفسها التي يعلِّمها الفاتح. وهذا الرجل الاكبر سنّا كان الاخ أفينيي، الذي كان واحدا من الفريق الاساسي الذي تعلَّم الحق في ذلك البلد وقد اعتمد سنة ١٩٣٥. ويهوه لم ينسَ الاخ أفينيي، رغم انه كان منعزلا، ولم ينسَ هذا الاخير الفرح الذي لقيه عندما تحرَّر من المعتقدات غير المؤسسة على الاسفار المقدسة في دينه الپروتستانتي السابق. ولم تعتنق زوجته الحق قط، وكانت الودّونية متأصلة بعمق في القرية حيث كان يكرز، ومع ذلك لم يستسلم الاخ أفينيي. ولسنوات
كان يعلِّم الكتاب المقدس بأمانة للآخرين. ومات بعمر ٨٠ سنة، بعد ان خدم يهوه بأمانة اكثر من ٤٢ سنة.وفي وقت باكر من سنة ١٩٥٠، ظلَّت امواج الاضطهاد تلطم الشهود تكرارا. وفي منطقة كوتي، وجد شرطي فريقا من الاخوة يتأملون في الآية اليومية. فأُوقف بعضهم، رُبطوا بالحبال، وأُحضروا امام الآمر، او ضابط المقاطعة. ثم أُطلق سراحهم لاحقا، بعد ان حُذِّروا بشدة لئلا يكرزوا او يعقدوا الاجتماعات في ما بعد. ورغم ذلك، ادرك شعب يهوه اهمية الاستمرار في الاجتماع معا قانونيا لدرس كلمة اللّٰه، فاعلين ذلك سرّا عند الضرورة. وكتب احد الشيوخ المحليين: «ان الفرصة الوحيدة الآن كي يجتمع اخوتنا معا هي ان يستيقظوا في الصباح الباكر للدرس. والذين يملكون دراجات كانوا يذهبون الى اماكن بعيدة جدا للشهادة . . . حتى وإن كان حمل كتابهم المقدس يشكل خطرا. ورغم هذه الصعوبات كنا سنتابع الكرازة بالكلمة حتى النهاية.» وفي آذار ١٩٥٠ اجتمعوا بأمانة للاحتفال بذِكرى موت المسيح. ولم ‹يرتدّوا› خوفا. (عبرانيين ١٠:٣٨) وفي بداية سنة ١٩٥١، كانت هنالك سبع جماعات تقدِّم تقريرها، و ٣٦ ناشرا من الـ ٢٤٧ الذين كانوا يقدِّمون تقاريرهم كانوا فاتحين.
اعاد الادوات الدينية
في اوائل خمسينات الـ ١٩٠٠ لم يكن كثيرون من اخوتنا يحسنون القراءة؛ ولكنهم بذلوا ما في وسعهم ليقدِّموا الشهادة، وبارك يهوه جهودهم. وفي احد الايام، كان اخَوان يحاولان توضيح حق الكتاب المقدس لشخص ثالث عندما ظهر سامويل أُڠانڠبي. وأخبر لاحقا: «في ذلك الحين لم اكن اعرف ذلك، ولكنَّ هذين الرجلين كانا من شهود يهوه، وكانا يختلفان في الرأي لأنهما لم يستطيعا قراءة كتابيهما المقدسين باللغة الڠونية. انضممت الى المناقشة واستطعت
مساعدتهما، لأنني كنت قد تعلَّمت قراءة الكتاب المقدس بالڠونية.» وفي ذلك الوقت كان سامويل أُڠانڠبي امين صندوق وعضوا في مجلس كنيسة الكروبيم والسرافيم. ويُعرف اعضاء هذه الكنيسة بسهولة؛ فهم يلبسون اثوابا بيضاء طويلة وقلنسوات بيضاء لأنهم يعتقدون انهم عروس المسيح. ولكن رغم تعلُّقه بدينه، وجد سامويل أُڠانڠبي ان المناقشة مع شاهدَي يهوه هذين مشوِّقة. فعُيِّن موعد لمتابعة المناقشة يوم السبت، اي بعد اربعة ايام فقط. ولكن قبل ذلك الحين حدث امر جعله يخاف.«ان الكنيسة التي كنت انتمي اليها تستعمل العرافة وقراءة البخت بالإضافة الى فنون سحرية اخرى،» كما اوضح. «وفي اليوم الذي تلا لقائي لشهود يهوه، ذهبت الى الكنيسة كعادتي. وفورا، حذَّرني اعضاء الكنيسة الرفقاء الذين كانوا يستشيرون الارواح لكي انتبه لخطوتي هذه لسببين — اولا، رغم انني كنت اشغل مركزا رفيعا في الكنيسة، كنت في خطر ‹الارتداد،› وثانيا، انني كنت سأعاني قريبا مشاكل في المعدة خطيرة سيتبيَّن انها مميتة الا اذا اتَّبعت النصيحة التي اعطتني اياها الارواح. وقالوا انه يجب ان اشتري سبع شمعات وكذلك البخور والمرّ من اجل طقس خصوصي وأن أُقدم الصلوات بصوت عال وأصوم سبعة ايام. وإن لم اطِع، فسيعني ذلك موتي.»
وقد اعترَف لاحقا بصراحة: «عندما ذهبت الى البيت يوم الخميس ليلا، كنت خائفا. وصباح يوم الجمعة بدأت بالصلاة والصوم، عالما انه يجب ان اقرر سريعا هل اتابع مناقشاتي مع الشهود ام لا. كدت افوِّت موعدي معهم، ولكن في اللحظة الاخيرة قررت ان اذهب. ناقشنا امورا كثيرة، ودعواني الى اجتماعهم يوم الاحد.» وأتت التغييرات بسرعة. حاول اعضاء الكنيسة الذين كان سامويل أُڠانڠبي يعاشرهم ان يقنعوه بالعدول عن موقفه، ولكنه كان مقتنعا انه وجد الحق. فأعاد
كل ادواته الدينية، وفي الشهر نفسه، ابتدأ يشترك في خدمة الحقل. وخلال ستة اشهر اعتمد رمزا الى انتذاره ليهوه. وبالمناسبة، لم يمت الاخ أُڠانڠبي بسبب ايمانه الجديد. لقد خدم يهوه بأمانة اكثر من ٤٠ سنة، حتى موته سنة ١٩٩٦.التشديد على صفوف القراءة والكتابة
قد يتمكن المرء من الشهادة دون ان يكون مثقفا، الا ان قراءة كلمة اللّٰه يمكن ان تساعده على اكتساب القوة كي يحتمل في الاوضاع الصعبة. والقدرة على القراءة عامل مهم ايضا في التعليم الفعَّال. ولكن في السنوات الماضية لم يكن كثيرون من الناس في بينين يحسنون القراءة، بمن فيهم اخوتنا؛ لذا شجَّعت الجمعية الاخوة على تنظيم صفوف القراءة والكتابة. وفي بادئ الامر، كانت دروس كهذه تُعطى شخصيا، في جلسة بين شخصين. ثم في ستينات الـ ١٩٠٠، تأسَّست صفوف القراءة والكتابة في الجماعات.
لا تزال صفوف القراءة والكتابة مستمرة في جماعات كثيرة في افسس ٦:١٤-١٧.
بينين حتى الوقت الحاضر. وبالإضافة الى ذلك، جرت مساعدة اشخاص آخرين على اساس فردي. ولكن مع توفُّر مدارس عامة افضل، قلَّت الحاجة الى مثل هذه المساعدة. وعندما يتعلم الافراد ان يفهموا معنى ما هو مكتوب في الصفحات المطبوعة، يصبحون قادرين شخصيا على تطبيقه بشكل اكمل في حياتهم ويستطيعون استعمال كلمة اللّٰه بأكثر فعَّالية لمساعدة الآخرين. —كاهن كاثوليكي وكاهن جوجو يوحِّدان جهودهما
وبسبب عجز رجال الدين عن دحض الحق الذي يعلِّمه شهود يهوه من الكتاب المقدس، غالبا ما يستخدمون السلطات الدنيوية لإيقاف عمل شعب يهوه. وفي احدى الحالات، وحَّد كاهن كاثوليكي وكاهن جوجو جهودهما ليخلِّصا منطقة دِكان من شهود يهوه. فلفَّقا تهما وقدَّماها الى السلطات، خالطَين انصاف الحقائق بالأكاذيب البحتة، مدَّعيَين ان الشهود يغرون الناس ليثوروا على الحكومة، وأنهم يتنبأون بحرب عالمية، ويكرزون بنهاية العالم، ويرفضون دفع الضرائب! وأخبر كاهن الجوجو آمر المقاطعة انه بسبب الشهود، ترفض الارواح استنزال المطر وأنه لهذا السبب يهدِّد الجوع الارض! وقال الكاهن الكاثوليكي ان الشهود مسؤولون عن عدم سماع اللّٰه لصلواته وقداديسه!
فهمَ المستقيمو القلوب هذه الهجمات على حقيقتها — اشارة الى خوف القادة الدينيين. لقد خافوا لأن عمل شهود يهوه بدأ يؤثر تأثيرا كبيرا في الناس. ولم تساعد مثل هذه الهجمات إلّا على تقوية ثقة الاخوة بيهوه. وذكر تقرير كُتب في ذلك الوقت: «ان الاخوة ‹ثابتون في روح واحد مجاهدين معا بنفس واحدة لإيمان الانجيل،› ويبارك يهوه جهودهم بالزيادة. (فيلبي ١:٢٧) ولدينا الايمان بأنه سيستمر في فعل ذلك.»
وهل استمر يهوه في مباركة جهودهم الدؤوبة؟ اجل بكل تأكيد! فرغم المقاومة والاضطهاد القاسيين، ازداد عدد الذين شاركوا في تقديم الشهادة لاسمه وملكوته، من ٣٠١ ناشر سنة ١٩٤٨ الى ٤٢٦,١ سنة ١٩٥٨! رغم ان هذه الشهادة في بعض الاحيان كانت تُقدَّم في السجن.
تقديم شهادة شاملة في السجن
عندما أُوقف دايڤيد دِنون من پورتو نوڤو بسبب عدم توقفه عن خدمة يهوه، اعتبر السجن مقاطعته. فأسر الحاضرين فعلا! الا ان كرازته اغضبت حارس السجن، فنقله الى سجن آخر. ولكنه عومل هناك معاملة افضل وتمكن من الكرازة للسجناء الآخرين دون عائق. وأصبح رئيس الحرس نفسه مهتما، وقبِل سجينان آخران الحق وانضما الى الاخ دِنون في الكرازة في مقاطعتهم — ضمن جدران السجن.
خلال النهار، كان الاخ دِنون، الذي كانوا يثقون به كثيرا، يُرسَل الى خارج السجن ليعمل كنجار في منزل مدير الشرطة. وقد تبيَّن ان هذا الرجل ايضا مهتم برسالة الكتاب المقدس، حتى انه كان يسمح للأخ دِنون بالذهاب الى بيته ليُحضر له بعض المطبوعات — المطبوعات نفسها التي سُجن الاخ دِنون لأنه يمتلكها.
وسرعان ما وصلت مساعدة اضافية لتغطية هذه المقاطعة غير العادية. ففي سنة ١٩٥٥، عبر خمسون ناشرا نيجيريا اضافيا الى بينين للمساعدة على ايصال البشارة الى الاجزاء المنعزلة من البلد. فجُمع الفريق كله وأُخذ الى السجن المحلي. وللأسف، لم يكن كبيرا كفاية حتى يسع الجميع، فأُعيد جميع الاخوات وبعض الاخوة الى بلدهم. وسبعة وعشرون اخا احتُجزوا بتهمة توزيع «المطبوعات المحظورة،» نُقلوا الى سجن داخل البلد بانتظار محاكمتهم. ولم يضيعوا
الوقت في تلك الاثناء. فعندما اتوا من نيجيريا، لم تكن هذه هي المقاطعة التي ينوون تغطيتها، ولكن كان هناك اناس بحاجة الى سماع البشارة. ونتيجة نشاطهم، اظهر ١٨ شخصا على الاقل الاهتمام، بمن فيهم رسميو السجن وطبيب السجن.وفي نهاية شهر آب، أُحضر هؤلاء الشهود للمحاكمة. وانتشرت اخبار المسألة في كل مكان، فحضر اكثر من ٦٠٠,١ شخص. وأتى الكهنة الكاثوليك من منطقة بعيدة وأخبروا كثيرين انه سينال كل من الاخوة عقوبة ١٢ سنة — وذلك قبل ان تبدأ جلسة الاستماع في المحكمة!
ومع ذلك، كان القاضي ايجابيا وسمح للإخوة بتقديم شهادة حسنة في المحكمة. وشبَّه الشهود بيسوع المسيح، الذي أُحضر الى المحكمة رغم انه لم يرتكب اية اساءة. وعبَّر القاضي عن اسفه على وجوب اصدار حكم على معظم الاخوة بقضاء عقوبة ثلاثة اشهر. ولكنَّ العقوبة كانت ستُحسب من الوقت الذي اعتُقلوا فيه، والذي حدث قبل ثلاثة اشهر تقريبا. وقد استفاد الاخوة من الوقت المتبقي لهم في السجن. فقدموا تقريرا خلال شهر آب بأكثر من ١٠٠ ساعة لكل واحد في الكرازة برسالة الملكوت ضمن جدران السجن! وقد لفتت هذه المسألة برُمَّتها انتباه الناس عموما بطريقة رائعة الى نشاطات شهود يهوه.
مطبوعات الكتاب المقدس باللغة الڠونية
ان امتلاك مطبوعات بلغة عامة الناس لَمساعد كبير في تعليمهم حق الكتاب المقدس. ويجري التكلم باللغة الڠونية على نحو واسع في كل انحاء هذا البلد. وكم كان الاخوة سعداء حين تسلموا نشرة بماذا يؤمن شهود يهوه؟ باللغة الڠونية، عام ١٩٥٥. وقد تبعتها عام ١٩٥٧ خدمة الملكوت، التي ساعدت الاخوة على تنظيم اجتماعات خدمتهم ونشاطهم في خدمة الحقل على نحو فعَّال اكثر. وبدأت احدى جمعيات
الكتاب المقدس ايضا بإعادة طبع الكتاب المقدس بكامله باللغة الڠونية.ثم اتى بعد ذلك كراس «بشارة الملكوت هذه.» وعندما جرى تسلُّم اولى النسخ، أُعدَّت الترتيبات لدراستها في كل دروس الكتاب الجَماعية. وفي اوائل السنة التالية، جُعل متوفرا للتوزيع للعموم. وكان الاثر لافتا للنظر حقا. وقد قبل المتواضعون في هذا البلد بفرح شرحه الواضح لحق الكتاب المقدس. وبحلول نيسان ١٩٥٨ جرى بلوغ ذروة جديدة من ٤٢٦,١ ناشرا — ٨٤ في المئة اكثر من معدل السنة السابقة.
وكان القبول الواسع النطاق لهذه المطبوعات باللغة الڠونية مشجعا للغاية حتى انه سرعان ما ابتدأ العمل على ترجمة كتاب «ليكن اللّٰه صادقا.» وجُعلت ايضا نُسخ برج المراقبة باللغة الڠونية متوفِّرة، بدءا من عدد ١ كانون الاول ١٩٦٠. وقد ساعدت كل هذه المطبوعات الاخوة على النمو في التقدير للحق ومساعدة الآخرين على التحرر من عبودية الدين الباطل.
البعض يتبيَّن انهم «لم يكونوا منا»
عندما يعلم المرء انه تعلَّم الاكاذيب، قد يترك دينه السابق فورا ويبدأ بعبادة يهوه. ولكنَّ الاستمرار في ممارسة العبادة النقية يتطلب التواضع والمحبة الحقيقية ليهوه، الرغبة في النمو الى النضج المسيحي وفي تطبيق كلمة اللّٰه في كل وجه من اوجه الحياة. وليس كل الذين بدأوا بالكرازة بحماسة شديدة في بينين تابعوا هذا النهج. فقد تبيَّن ان البعض «لم يكونوا منا.» — ١ يوحنا ٢:١٩.
عندما ترك ناظر من جماعة ڠبوكبوتا الحق، حاول اقناع كوادينو توڤيودجي بفعل الامر نفسه. فذكَّره الاخ توڤيودجي بلباقة انه حين كان خادما ليهوه، كان يقول للآخرين ان محبة البعض للحق سوف متى ٢٤:١٢) وأضاف الاخ توڤيودجي ايضا انه بما ان محبة الناظر نفسه بردت، يمكنه ان يرى الآن ان ما قاله الكتاب المقدس كان صحيحا. وبحكمة لم يحذُ الاخ توڤيودجي حذوه بل بقي امينا ليهوه.
تبرد. (ولكن، لم يفهم جميع الاخوة بوضوح كيف يتعاملون مع الذين لم يعودوا يريدون ان يتبعوا مبادئ اللّٰه البارة. لقد احتاجوا الى المساعدة. وفي عام ١٩٥٩، عُيِّن ثيوفيلوس ايدوو، ناظر دائرة نيجيري، في مدينة پورتو نوڤو ليبني الاخوة. وكانوا سعداء برؤيته ولكنهم تثبطوا بعض الشيء عندما علموا انه يجهل لغتهم. فكانت هنالك حاجة الى مترجمين لخطاباته وللمناقشات مع الشيوخ. وأدرك الاخ ايدوو ان هنالك مشاكل في الجماعات تحتاج الى المعالجة. ولكن بما انه لم يكن قادرا على تكلم اللغة، فقد كانت قدرته على فعل الامور محدودة. وإذ ازعجه ذلك، بدأ يتعلم اللغة الڠونية. فأحرز تقدما سريعا وسرعان ما اصبح قادرا على مساعدة الاخوة حتى في الحالات الصعبة. وجرى الاهتمام بالمشاكل تدريجيا؛ وأولئك الذين اختاروا طريقة حياة غير طاهرة ادبيا وتمسكوا بها عُزلوا عن الجماعة.
وأحد الضعفات الرئيسية كان النقص في الفهم من جهة الجدد الذين كانوا غير قادرين على القراءة والكتابة. ولكنَّ اولئك الذين فهموا الحق بوضوح وغرسوه في قلوبهم صنعوا تغييرات عميقة في حياتهم. وأحد هؤلاء كان جرمان ادوماو.
رجل متعدد الزوجات يجد طريقا افضل
كانت لوالد جرمان ادوماو ١٢ زوجة. ولكن حتى قبل ان يصبح شاهدا، قرر جرمان ان يتزوج امرأة واحدة فقط. واستطاع ان يرى انه رغم ان امتلاك زوجات كثيرات كان اشارة الى الغنى والسلطة، كانت هنالك خلافات وغيرة مرّة بين زوجات ابيه. لكن بعد ان تزوج
جرمان، بقيت زوجته بلا اولاد، وكان ذلك عارا بين بعض الافريقيين. ورغم نواياه الحسنة السابقة، سرعان ما اتخذ زوجتين اخريين. ولاحقا، اتخذ من جديد زوجتين اخريين فصار المجموع خمس نساء. ولم يمضِ وقت طويل حتى نشأت المنافسات والغيرة المرّة في بيته. وفي محاولة لينسى هذه المشاكل، التفت الى نساء اخريات لم يكنَّ زوجاته. فأصبح بيته كبيت والده، الذي كان يكرهه جدا.ورغم كونه عابدا فَتَشيا، طلب التعزية والمشورة من كاهن كاثوليكي، فقال له انه كي يذهب الى السماء عليه ان يعتمد. ولم يقُل شيئا عن عبادته الفَتَشية، زوجاته الخمس، او ما يقوله الكتاب المقدس عن اقامة علاقات بنساء لم يتزوجهن الرجل. وقد عمَّدت الكنيسة جرمان واستمر في دينه الفَتَشي ومسلك تعدد الزوجات. لم يتغير شيء حقا. ثم في سنة ١٩٤٧، حصل على نسخة من كتاب «الحق يحرركم.» وبعد ان قرأه، تحرر من الكنيسة الكاثوليكية ومن دينه الفَتَشي. ولكنَّ تعدد الزوجات وطريقة الحياة الفاسدة ادبيا ظلّا يقيدان قلبه بالسلاسل. وأدرك انه ليصير واحدا من شعب يهوه، عليه ان يتخلى عن هذين الامرين. ثم في احد الايام تبدلت الامور.
لقد اعتُقل البعض من جماعة شهود يهوه في ابوماي وزُجَّ بهم في السجن. فانتشرت هذه الاخبار في انحاء القرية. لم يرَ جرمان قط اناسا ينتمون الى اديان اخرى يعامَلون على هذا النحو. فتأثر عميقا باستعداد شهود يهوه ان يحتملوا الاضطهاد كي يكرزوا برسالة الكتاب المقدس. ٢ تيموثاوس ٣:١٢) فاتخذ قراره. وهجر نمط حياته الذي يتَّسم بتعدد الزوجات، تكيَّف مع تعاليم الكتاب المقدس، ونذر حياته ليهوه اللّٰه.
واقتنع ان شهود يهوه هم المسيحيون الحقيقيون. (ولكنَّ ايمانه الجديد لم يسمح له بأن يترك ببساطة زوجاته السابقات. فرغم انه لم يعُد يعيش معهن، اعتنى بحاجاتهن ماديا وروحيا على السواء حتى تزوَّجن لاحقا. وقد اصبحت اثنتان من زوجاته السابقات لاحقا خادمتين منتذرتين ليهوه؛ وتزوجت أصغرهما خادما كامل الوقت وخدمت اخيرا مع زوجها في العمل الدائري. وكثيرون من الاولاد المولودين من زيجاته المتعددة تعلموا الحق ايضا.
امنية رجل يحتضر
كان آخرون ايضا عطاشا الى الحق. كان أموس دجاڠون قائد الكنيسة المنهجية في كيليبو، قرية في شمال بينين، وكان سيلاس فاڠبوهون احد اعضائها البارزين. لكن عندما زار احد شهود يهوه منزل سيلاس فاڠبوهون، قال بصراحة انه وآخرين كثيرين غير راضين عن التشويش في كنيستهم وأنهم كانوا يعلمون انه يُسمح بينهم بالممارسات الخاطئة. فهو نفسه كانت له زوجتان وعدة خليلات، منهن زوجة احد الكارزين العلمانيين الرئيسيين في كنيسته.
بعد ان زار الشهود اموس دجاڠون، جمع الكثير من اعضاء الكنيسة الذين عرف انهم جياع الى الحق. وأظهر لهم ناظر الدائرة الذي كان يزورهم آنذاك، كيف يدرسون الكتاب المقدس بمساعدة كتاب «ليكن اللّٰه صادقا» وكراس «بشارة الملكوت هذه.» وأظهر لهم ايضا كيف يستفيدون من الآية اليومية. وكثيرون منهم، بمن فيهم اموس دجاڠون وسيلاس فاڠبوهون، قبلوا بفرح عظيم الامور التي تعلموها.
طبعا، تاق سيلاس فاڠبوهون ان تقبل زوجته وأولاده ايمانه الجديد، ولكن بدا ان هنالك تجاوبا زهيدا. وفي الليلة التي سبقت موته، في حزيران ١٩٦٣، نادى سيلاس ابنه الاكبر، جوزف، ليأتي الى جانب سريره وقال: «يؤسفني انك لم تأخذ حتى الآن موقفا ثابتا الى جانب الدين الحقيقي. اعلمْ ان ما ترفضه الآن هو الحق الذي يؤدي الى الحياة الابدية. انني اصلي ان يكون يهوه معك في هذه المهمة الصعبة التي اتركها لك؛ من الآن فصاعدا انت مسؤول عن اخوتك جميعا. اعتنِ بهم ماديا وخصوصا روحيا.» فهل كانت امنية الاخ فاڠبوهون الاخيرة هذه ستتحقق؟
بدا ان جوزف ملتصق بآرائه. ومع الوقت، تسجَّل في مدرسة ثانوية پروتستانتية في كوتونو. وفي احد الايام، فيما هو هناك، جرت مناقشة من الاسفار المقدسة بينه وبين القسيس امام صف من ٨٠ تلميذا. وجواب القسيس عن معظم الاسئلة كان، «يبقى هذا سرّا الهيا.» وبمساعدة كتاب «ليكن اللّٰه صادقا،» استطاع جوزف ان يعطي اجوبة مقنعة عن اسئلة كثيرة من الكتاب المقدس. وإذ بقي طلب ابيه الاخير يرن في اذنيه، طلب جوزف علنا، امام الصف بكامله والقسيس، ان يُحذف اسمه من سجل العضوية الپروتستانتية. لقد تحرَّر! واعتمد في تموز ١٩٦٤ وتبنى خدمة الفتح القانوني سنة ١٩٦٩.
وعلى الرغم من ان زوجة الاخ فاڠبوهون، ليدي، لطيفة جدا وطيبة القلب، لم ترَ الحاجة الى تغيير دينها. فكانت تعتقد انه بإمكانها ان تنال الحياة الابدية وتبقى مع ذلك پروتستانتية. ولكنَّ عينيها انفتحتا عندما طلب منها قس كهل في كنيستها ان تكون له معها علاقات جنسية لكي «يعزّيها» في ترمُّلها! فلم تدُس بقدمها ثانية تلك الكنيسة! وبتشجيع ابنها ومساعدة احدى الفاتحات الخصوصيات، بدأت تدرس مع شهود يهوه. ومع الوقت، لم تعتمد هي فقط ولكنَّ جميع اولادها تقريبا جعلوا الحق خاصتهم.
المرسلون المدربون في جلعاد يصلون
كم سُرّ الاخوة حين وصل اول مرسلَين من مدرسة جلعاد في ٣ شباط ١٩٦٣! كان كيث وكارول روبنس متخرجَين من الصف الـ ٣٧ من جلعاد. فوجدا منزلا وما لبثا ان تعلَّما اللغة الڠونية. وقد تشجَّع الاخوة كثيرا بوجود هذين الزوجين الشاهدين اللذين كانا من البيض — دليل لهم على وحدة معشر الاخوة العالمي. وكان المرسلان يتنقلان بواسطة دراجة، يزوران الجماعات في الدغل ويدربان ايضا مَن هم معينون لفعل ذلك. وعندما وجدا انه من الضروري ان يعودا الى موطنهما الام كندا للاعتناء بمسؤوليات عائلية، شعر الاخوة المحليون بخسارة كبيرة.
وفي الاشهر التالية، عُيِّن مرسلان كنديان آخران في بينين — لوي وإلينور كاربونو. وإذ كانا يجيدان الفرنسية، تأسَّست جماعة باللغة الفرنسية في كوتونو بُعيد وصولهما. وكان الكثير من المطبوعات متوفِّرا للدرس باللغة الفرنسية مما ساهم في نمو روحي سريع في ذلك الفريق.
كان الاخ كاربونو عريف محفل «ثمار الروح» الكوري في ابومي في تشرين الثاني ١٩٦٤. وكان رجال الشرطة حاضرين، كعادتهم في التجمعات الكبيرة. ولم يجدوا ايَّ خطإ؛ في الواقع، كانوا وديين جدا تجاه الاخوة وتمتعوا بخطابات الكتاب المقدس. وتعجبوا ايضا من رؤية ٤٤٢,١ شخصا، بعضهم من الشمال والبعض الآخر من الجنوب، يعاشرون بعضهم البعض كإخوة. وكان ذلك بارزا لأنه في ذلك الوقت كان الشغب قائما بين الشماليين والجنوبيين، مقسِّما اياهم الواحد ضد الآخر.
وقد خدم مرسلون آخرون ايضا في بينين — بعضهم لفترة قصيرة فقط؛ ولكنَّ البعض الآخر اتوا ولديهم الرغبة في جعلها موطنهم. وبعد قليل من التأخير بسبب الانتفاضات السياسية في بينين، وصل دون وڤيرجينيا وورد وكارلوس وماري پروسر في اوائل سنة ١٩٦٦. وبعد وصولهم بوقت قصير، جرى تأسيس مكتب فرع في كوتونو في آذار ١٩٦٦ للإشراف على الكرازة بالبشارة في هذا البلد.
ومنذ عام ١٩٤٨، كان شهود يهوه يقدمون طلبا من اجل اعتراف رسمي بعملهم التثقيفي من الكتاب المقدس في بينين، ولكنه كان يُرفض. ولذلك، يا للفرح الذي شعروا به حين رأوا اسم جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس في پنسلڤانيا في الجريدة الرسمية في بينين، مع الملاحظة انه بإمكان شهود يهوه ان يعلِّموا الكتاب المقدس من باب الى باب في كل انحاء البلد وأنه سيُسمح للمرسلين بمتابعة نشاطاتهم دون عائق!
حان الوقت للتزوج
قبل عام ١٩٦٦، لم يكن هنالك تدبير من الحكومة من اجل تسجيل شرعي للزيجات. فكان يُحتفل بالزواج بالطريقة التقليدية، ولكنَّ الاخوة كانوا يرسلون ايضا بيانا موقَّعا الى مكتب الفرع. ولكن في سنة ١٩٦٦، صنعت الحكومة تدبيرا من اجل التسجيل الشرعي للزيجات، الا انه لم يكن الزاميا. فأظهر المرسلون للشهود المحليين انه من المهم ان يسجلوا زواجهم، انسجاما مع هذا التدبير الشرعي.
وقد اوجد ذلك مشاكل مختلفة للإخوة. اولا، ان فعل ذلك يكلِّف المال — المال الذي كان يصعب الحصول عليه. ثانيا، كان يجب ان تحدَّد تواريخ الولادة بالنسبة الى المتزوجين حديثا. ولم تكن هذه معروفة دائما لأنه نادرا ما كان يُحتفظ بسجلات دقيقة. ورغم هذه العقبات، صمَّم شعب يهوه على ان يكون زواجهم «مكرما» في نظر اللّٰه. — عبرانيين ١٣:٤.
قرر الشهود في ايتان، قرية مكوَّنة في اغلبها من بيوت مبنية على ركائز، انه سيكون اقل كلفة ان يرتبوا لمجيء امين سجل الزواج الرسمي اليهم بدلا من ذهاب ٢٥ زوجا وزوجة اليه. وبما انه كان هناك كثيرون، وافق الرسمي. وعندما وصل اخيرا، وجد ٦٠ زوجا وزوجة بانتظار ان يُجعل زواجهم شرعيا! فماذا حصل؟ فيما كانت تُعد
الترتيبات من اجل هذا الاحتفال بالزواج الجَماعي، سمع القرويون الآخرون عنه. وبما ان قادة كنيستهم لم يقدموا لهم المساعدة لتسجيل زواجهم، سألوا الشهود ان كانوا يستطيعون هم ايضا ان يستفيدوا من خدمات امين سجل الحكومة عندما يأتي. وفي فترة اربعة اشهر تقريبا، كبر حجم الجماعة بسرعة من ٦٩ الى ٩٠ ناشرا.تزويد تسهيلات فرع ملائمة
لكي يعمل مكتب الفرع كما ينبغي، كانت هنالك حاجة الى تسهيلات ملائمة. وقبل انخراطه في الخدمة كامل الوقت، كان دون وورد بنّاء. فاستخدم تلك الخبرة خلال سنة ١٩٦٨ في بناء يكون مكتب فرع وبيتا للمرسلين في الوقت نفسه في كوتونو. وبمساعدة ١٦ فاتحا وشهود محليين آخرين كثيرين، استغرق البناء الفعلي ثمانية اشهر فقط. في الطابق الارضي من التسهيلات، كان هنالك قاعة ملكوت جميلة، وفسحة للمكاتب ايضا، مكان للطعام، ومكان للشحن لمكتب الفرع. وفي الطابق العلوي، ست غرف نوم تطلُّ على حديقة كبيرة ممتلئة بأشجار النخل. ويمكن ان تُرى من فوق سور الحديقة بحيرة شاطئية ضحلة متلألئة ينتشر فيها صيادو السمك في زوارق شجرية.
وقد سُجِّل ١٢ كانون الثاني ١٩٦٩ يوما خصوصيا في تاريخ بينين الثيوقراطي. فقد دُشِّنت في ذلك اليوم تسهيلات الفرع الجديد وبيت المرسلين لخدمة يهوه. وشعر الاخوة بأن مثل هذا البناء الجميل كان حقا دليلا على بركة يهوه على عملهم. لكنَّ الشخصيات المسيحية التي بُنيت بالصفات الالهية، كانت قيمتها اعظم من ذلك البناء.
الاستقامة هي الطريق الصحيح
ذات يوم امتُحنت نوعية شخصية دانيال ايينادو المسيحية، الذي كان يعمل في احد فنادق الدرجة الاولى. ففيما كان يأخذ سروالَي
احد ضيوف الفندق الى التنظيف، وجد ما يساوي ٦٠٠,١ دولار اميركي في احد الجيوب. وكان هذا المبلغ يساوي اكثر من اجر سنتين بالنسبة اليه. فماذا كان سيفعل؟ ها هو، وفي يده ثروة ولا احد حوله.كان الاخ معتمدا منذ وقت قصير فقط ولكنه كان قد درس مؤخرا في برج المراقبة مقالة عن الاستقامة. وكان مصمِّما على عدم اغضاب اللّٰه بقبوله الربح غير الشرعي. فحَمَل المال الى عامل الاستقبال عند المكتب الامامي. ولكن عندما رأى عامل الاستقبال كل ذلك المال، اخذ الاخ جانبا وقال: «دعنا نحتفظ بالمال ونبقي هذا سرًّا بيننا.» فقال الاخ: «لا استطيع فعل ذلك، انا مسيحي وواحد من شهود يهوه.» فاعترض العامل: «انا ايضا مسيحي، اذهب الى الكنيسة الكاثوليكية بانتظام. لستُ ارى ايَّ خطإ في الاحتفاظ بالمال. على اية حال، لقد فقده الرجل، اليس كذلك؟» وبشجاعة، اخذ الاخ المال الى مالك الفندق، الذي وضعه في الخزينة.
وفي وقت لاحق، عاد الضيف الى غرفته، وأخذ يفتش بيأس عن ماله — تحت السرير، في الخزانة، خلف الكراسي. فلم يجده في ايِّ مكان. وبحزن كبير، ذهب الى مالك الفندق، الذي اكَّد له ان ماله لم يكن مفقودا بل كان في خزينة الفندق. وحين علم ان احد عمال الفندق اعاده، طلب الضيف مقابلة ذلك الشخص المستقيم. وإذ تأثر كثيرا، قال الضيف: «اعرف ان شهود يهوه اناس صالحون. عندما اعود الى فرنسا سأتَّصل بهم بالتأكيد لأنني اريد ان اعرف المزيد عنهم.» وحتى مدير الفندق، الذي كان سابقا يعطي القليل من الاهمية لشهود يهوه، قال الآن انه سعيد بأنهم يعملون عنده.
لم يُنسَ هذا الحادث سريعا. ولاحقا، قال ضيف آخر انه اضاع مبلغا صغيرا من المال واتَّهم الاخ ايينادو بسرقته. وعندما سمع
مالك الفندق بالأمر، سارع الى الدفاع عن الاخ وسرد الحادثة السابقة.وفي السنوات التالية، أُخبر عن زيادات ثابتة في عدد الشهود النشاطى في بينين. ففي عام ١٩٧١، خدم اثنان وعشرون مرسلا هنا في الحقل وفي مكتب الفرع. وبحلول سنة ١٩٧٥، كان هنالك ٣٨١,٢ ناشرا نشيطا في خدمة الحقل، بالمقارنة مع ذروة من ٢٩٠ ناشرا فقط قديما سنة ١٩٥٠. كان يهوه بالتأكيد يبارك المستقيمي القلوب الذين كانوا يتحررون من اغلال الدين الباطل. ولكنَّ زيادة كهذه لم تسرّ الجميع. فبدأت غيوم اضطهاد اكثر اسودادا تلوح في الافق.
تغييرات في الحكومة
«پور لا ريڤولوسيون؟» (هل انت مستعد للثورة؟) «پريه!» (انا مستعد!) كانت تحيات شائعة كهذه تُسمع في شوارع بينين عندما كان نظام الحكم الماركسي-اللينيني سائدا في اوائل عام ١٩٧٥. وفي نهاية كل رسالة كانت مكاتب الحكومة تبعثها، وُجدت هذه الكلمات، «مستعدون للثورة، النضال مستمر!»
وشهود يهوه معروفون حول العالم بحيادهم في ما يتعلق بالقضايا السياسية، وضمائرهم المدربة على الكتاب المقدس لا تسمح لهم بترديد شعارات كهذه. (يوحنا ١٥:١٩؛ ١٨:٣٦) وقد جلب لهم هذا الامر الكثير من العداء.
تشرين الثاني ١٩٧٥ — اعتقال احد الاخوة
كان پيار ڤورو منهمكا في الخدمة في تشرين الثاني ١٩٧٥ عندما التقى رجلا حياه بشعار سياسي. وعندما لم يردّ الاخ ڤورو التحية، أُخذ فورا الى مركز الشرطة. حاولت الشرطة ان تجعله يردِّد الشعارات، ولكنه رفض. فأُجبر على الزحف على ركبتيه ومرفقيه عدة ساعات. وبقي الاخ ڤورو ثابتا.
تكلم احد الاخوة في آخر الامر مع رجال الشرطة المسؤولين، فوافقوا على اطلاق سراحه في نهاية اليوم لأنه كان يوم احد. وما حدث نبَّه الاخوة الى ما كان يكمن امامهم.
كانون الاول ١٩٧٥ — انذارات بالراديو والصحف
خلال كانون الاول شنَّ راديو الحكومة، «صوت الثورة،» هجوما على الدين المنظَّم برُمَّته. ويُقال ان فرق الاحداث نهبت بعض الكنائس. وأنذر ثوار كثيرون الشهود بالتوقف عن الكرازة. وبحلول ١٤ كانون الثاني ١٩٧٦، كانت السلطات قد اعاقت الشهادة العلنية في عدد من الأماكن. وأُقفلت قاعات الملكوت في ستة مواقع، وأُوقفت الاجتماعات في ثلاثة بيوت خاصة. وفي ايتان، صُودرت قاعة الملكوت واستُخدمت لاجتماعات سياسية. ولكن في بعض المناطق السكنية الاكثر اكتظاظا كان لا يزال بإمكان الفاتحين والمرسلين الاستمرار في الخدمة دون عائق كبير.
آذار ١٩٧٦ — القيود تزداد
في ٢٤ آذار ١٩٧٦، اخبر فرع بينين الهيئة الحاكمة لشهود يهوه: «تستمر السلطات في مختلف اقاليم البلد في تقييد النشاطات الدينية بطرق متنوعة. فقد مُنعت طقوس فَتَشية كثيرة وطقوس دينية اخرى في انحاء كثيرة من البلد. كما مُنعت الكرازة من بيت الى بيت او في احياء مختلفة من البلدات والقرى.»
وبعد اسبوعين، اخبر الفرع ايضا الهيئة الحاكمة: «في احدى المناطق في الشمال (ڠوكا) اعتُقل كل الاخوة في الجماعة (ما عدا الاخوات) واحتُجزوا ٧٢ ساعة. كان هذا لإنذارهم بالتوقف عن عمل الكرازة ولمحاولة اجبار الاخوة على ترديد الشعارات السياسية، الامر الذي رفضوا فعله. . . . وأُخبر الاخوة انه باستطاعتهم ان يجتمعوا في قاعة ملكوتهم شرط ان يُبقوا العلم مرفوعا امامها، وقبل وبعد كل اجتماع، كان عليهم ان ينظِّموا فترة لإنشاد الاناشيد والشعارات السياسية. عرف الاخوة انهم لا يستطيعون فعل هذا، فاضطروا الى متابعة اجتماعاتهم في بيوت الاخوة.»
نيسان ١٩٧٦ — اعتقال الاخوة في كوتونو
استمر التوتر السياسي في الازدياد في كل انحاء البلد. وبحلول اوائل نيسان كانت لدى معظم اماكن العمل حصص درس اسبوعية للشعارات السياسية، احتفالات العلم، النشيد الوطني، ومقررات في «الايديولوجية.» وكان يجري ابلاغ السلطات عن الذين لا يشاركون في هذه الاجتماعات. وقد دُعي الى اجتماع كهذا في احدى مناطق كوتونو حيث يعمل ثلاثة اخوة وإحدى الاخوات. فرفض الاخوة حضور الاجتماع؛ وذهبت الاخت ولكنها رفضت الاشتراك. وعندما حضروا الى العمل يوم الاثنين التالي، أُجبرت الاخت اولا ثم الاخوة الثلاثة على الركض في الشوارع امام سيارة الشرطة طول الطريق
الى مركز الشرطة الرئيسي — مسافة خمسة كيلومترات (٣ اميال) تقريبا. وكانت الاخت آنذاك في الشهر الرابع من حملها. ولم يتبدل موقفهم في مركز الشرطة؛ فقد رفضوا ترديد الشعارات السياسية. ورغم انهم ضُربوا بشدة، بقوا اقوياء — فاللكمات الجسدية لم تكسر ايمانهم.كتب كارلوس پروسر الى الهيئة الحاكمة في ٧ نيسان ١٩٧٦، ممثلا لجنة فرع بينين: «فيما كنتُ اكتب هذه الرسالة، اتى قائد المنطقة مع حارسه وأمين سرّه لزيارتي. طرح اسئلة حول الشعارات، تحية العلم، الخ، فتمكنت من مناقشة بعض هذه النقاط معه. وذكر ايضا انه جرى اعتقال البعض منا بسبب رفضهم الاشتراك في هذه الامور وذكر ايضا لائحة اسماء كان قد اعدّها. كانت الزيارة ودّية جدا ولكنه كان حازما جدا في بعض النقاط كما في قوله انه لم يعد مسموحا لنا بالكرازة في بيوت الناس بل يجب ان نلزم ‹معبدنا.› لا نعرف ماذا يقرِّر فعله رجال السلطة هؤلاء، لكنَّ امرا واحدا هو مؤكد: ان شهود يهوه يصيرون معروفين اكثر من ايِّ وقت مضى، ونحن نصلي ان يؤدي كل هذا الى تقديم شهادة. ويبتدئ جميع المرسلين بالتساؤل كم يتبقَّى لنا من الوقت هنا.»
الاضطهاد يزداد شدَّة
في ١٦ نيسان ١٩٧٦، انتقد وزير الداخلية شهود يهوه انتقادا لاذعا في برنامج اذاعي كان موجَّها الى الامة. وبين امور اخرى، قال ان شهود يهوه يرفضون الاشتراك في مقرَّرات الايديولوجية وإنهم لُقِّنوا انهم لا يستطيعون ترديد الشعارات السياسية. وذكر بتشدُّد انه ان لم يغيِّر شهود يهوه موقفهم حتى نهاية الشهر، فسيُرحَّل من البلد كل ممثليهم، الذين هم ‹عملاء مرخَّص لهم لوكالة المخابرات المركزية C.I.A.› — تعبير مشوِّه لدور المرسلين!
وقد أُذيعت مثل هذه التعليقات مدة اسبوعين تقريبا في كل انحاء بينين. وكثيرون ممَّن لم يسمعوا قط بشهود يهوه بدأوا يتساءلون، ‹من هم هؤلاء الناس الذين يتكلمون عنهم الى هذا الحد؟› وقد اثارت مثل هذه البرامج الاذاعية فضولا كبيرا، وسُمع باسم يهوه في كل انحاء البلد الى حد لم يكن الشهود انفسهم يستطيعون انجازه بنشاطهم العلني المقيَّد آنذاك.
اتى ممثل آخر من مكتب قائد المنطقة الى الفرع للحصول على اسماء الجميع وتفاصيل اخرى. لقد ارادوا اسماء كل الاخوة المسؤولين في البلد. فأُعطوا اسماء المرسلين الذين يعيشون في الفرع/بيت المرسلين. وعندما غادروا، نُقلت كل سجلات وملفات الجمعية من المباني وأُخفيت باحتراس.
في اليوم التالي، ١٧ نيسان، عاد شرطيان، وطلبا رؤية المسؤول. وإذ كانا يدخِّنان، قال لهما الاخ پروسر انه عليهما اطفاء سيجارتيهما قبل الدخول. فاستجابا للطلب ودُعيا الى المكتب. وكانا لا يزالان يريدان اسماء كل الاخوة المسؤولين في كل انحاء البلد. ولكن في ذلك الوقت، لم تعد الملفات المهمة في الفرع موجودة في ايِّ مكان، حتى لو قرروا القيام بالتفتيش.
ساعات حاسمة بالنسبة الى المرسلين
في ٢٦ نيسان ١٩٧٦، اعتقد بعض الاخوة انه من الحكمة ان يذهبوا لرؤية قائد المنطقة في اكپاكپا، كوتونو، لتوضيح الامور اكثر. ولو علم الفرع بما كانوا ينوون فعله، لما شجَّعهم على ذلك. ورغم ان بعض الشيوخ المحليين حاولوا اقناع هذا الوفد الحسن النية بالعدول عن ذلك، اصرّوا على الذهاب. وكانت العاقبة وخيمة. فبعد ان تكلم معهم قائد المنطقة لبعض الوقت، هتف مردِّدا بعض الشعارات السياسية، ولما لم يجيبوا، اعتقلهم.
في هذه المرحلة، كان ١٠ من ١٣ مرسلا لا يزالون في البلد. وكان الأخ والأخت ماهون ينتظران مولودا وكانا يستعدان للعودة الى انكلترا خلال بضعة اسابيع. ولأن الوضع كان خطِرا، شجَّعهما الفرع على المغادرة في اقرب وقت ممكن بدلا من الانتظار حتى اللحظة الاخيرة. ففعلا ذلك. وكانت مريان دايڤِس من بيت المرسلين في پورتو نوڤو موجودة في كندا بسبب مرض والدتها.
اصبح المرسلون الباقون، مساء ٢٦ نيسان، «سجناء» في بيت ايل — فلم يستطيعوا الخروج، ولم يكن احد يستطيع الدخول. لم يكن هنالك هاتف. فبدأ المرسلون يحزمون امتعتهم اذ قد يجري ترحيلهم.
٢٧ نيسان ١٩٧٦ — القاء القبض على منسِّق لجنة الفرع
في الصباح التالي اتى رجل شرطة مسلَّح ليقبض على الاخ پروسر. فأمره ان يدخل الى ڤان الجمعية ويقوده؛ وأبقى رجل الشرطة السلاح مصوَّبا نحوه طول الطريق. أُخذ الاخ پروسر الى مركز الشرطة في اكپاكپا للاستجواب. لم يُسيئوا اليه جسديا، لكنهم حاولوا ان يخوِّفوه بالإساءة الشفهية.
وصاح رجل الشرطة: «أعطِنا اسماء جميع المسؤولين عندكم!» فأجاب الاخ پروسر: «لا استطيع ان اعطيك اسماء اخوتي. اذا كنتَ تريدها، يمكنك ان تأتي الى قاعة الملكوت وتسجِّلها انت بنفسك.» فقبلوا بذلك. لكنَّه عرف انه ليس هنالك ايّ خطر لأن الاجتماعات في قاعة الملكوت لم تعد تُعقد منذ وقت ليس بقليل. فالاجتماعات كانت تُعقد آنذاك في البيوت الخاصة في فرق درس الكتاب الجماعي.
«ماذا عن سامويل آنز-مويڤي؟ ألا تعرفه؟ أليس واحدا منكم؟» صدم هذا السؤال الاخ پروسر. فكانوا قد اخفوا سجلات الجمعية
في منزل الاخ آنز-مويڤي، في حقيبتين قديمتين وباليتَين. احتوت هذه السجلات على اسماء كثيرين من الاخوة. تُرى، هل عثرت الشرطة على هذه السجلات؟ استطاع الاخ پروسر ان يحافظ على مظهر خارجي هادئ فيما كان يصلي في اعماق قلبه من اجل ارشاد يهوه.انتهى الاستجواب اخيرا. ولم تُعطَ اية اسماء، ولم يُصب الاخ پروسر بأذى جسدي. ثم أُطلق سراحه — وحده دون مرافق! وبعد عدة سنوات، قال الاخ پروسر، وهو يفكِّر مليًّا في تلك اللحظة: «كانت فكرتي الاولى: ‹ماذا يمكن ان افعل لأساعد الاخوة؟› ثم قلتُ لنفسي: ‹كُن حذرا! قد يكون هذا فخا. ربما يخططون ليتبعوني على امل ان اقودهم الى الاخوة.›»
تذكَّر الاخ پروسر: «بدلا من التوجُّه الى البيت مباشرة، عبرتُ الجسر وذهبتُ الى المدينة لأرى إن كان هنالك ايُّ بريد في مكتب البريد. لم اكن اريد ان افعل ايَّ شيء يمكن ان يصعِّب الامور على الاخوة. ولكن كل ما اردته هو ان اراهم لاؤكِّد لهم اننا بخير ولأُعطيهم بعض الارشادات للأيام المقبلة.
«انطلقتُ عائدا الى البيت، متسائلا طول الطريق كيف استطيع ان اتَّصل بالاخوة. وفجأة، هبَّت ريح هوجاء، وبدأ يهطل مطر غزير. ودون انذار، مرَّت بقربي دراجة نارية مسرعة يركبها اثنان. تساءلتُ مَن يمكن ان يكون هذا، لأنه كان من الخطر عبور الجسر الضيِّق، وخصوصا عند هطول المطر. وإذ اصبحت الدراجة النارية امامي، ادار الرجل في المؤخرة رأسه ونزع خوذته كي اتمكن من معرفته. ولدهشتي، كان احد اعضاء لجنة الفرع! والسائق كان عضوا آخر! لم اكن قد رأيتهما منذ ايام لأننا كنا تحت الاقامة الجبرية في البتل/ بيت المرسلين.
«استمر المطر ينهمر بغزارة، وكان معظم الناس يركضون طلبا للملجإ. فعبرتُ الجسر، مارًّا بالطريق المؤدي الى بيتنا وانتظرتُ بجانب الطريق . . . مصلِّيا . . . منتظرا . . . آملا ان ارى اخوتي، ربما للمرة الاخيرة.
«بدا وكأن دهورا قد مرَّت، الا ان الدراجة النارية التي تحمل الاخوين توقفت قربي اخيرا. كان وقتا مثاليا للتكلُّم، لأنه لم يكن احد في الجوار بسبب انهمار المطر. اخبرتُ الاخوين عن الحاجة الى نقل سجلات الجمعية الى مكان آخر، نظرا الى ما قالته الشرطة اثناء الاستجواب. وناقشنا ايضا قضايا تتعلق بالفاتحين الخصوصيين، الترتيبات ليزور ناظر الدائرة سريعا كل الجماعات ليعلِمهم بما يحدث، والتخطيط لمتابعة الاجتماعات في فرق صغيرة في بيوت خاصة. وبدا اكيدا جدا انه سيكون هنالك حظر عما قريب.»
تفتيش البتل⁄ بيت المرسلين
بعد ظهر يوم الثلاثاء، في ٢٧ نيسان، احاطت القوات المسلَّحة بالبتل/ بيت المرسلين. وكانوا يحملون اسلحة اتوماتيكية. كان احد الجنود متمركزا في المدخل، وآخر في الباب الخلفي، وآخرون في الحديقة. وأُمر جميع المرسلين بالنزول الى غرفة الطعام وهُدِّدوا بالسلاح. ثم أُخذوا الواحد تلو الآخر الى غرفهم حيث قام الجنود بالتفتيش، معتقدين انهم سيجدون بالتأكيد معلومات تبرهن ان المرسلين هم جواسيس اميركيون او ثوّار اجانب. ودخل الجنود غرفة مارڠريتا كونيڠر وبدأوا يفتشون. وها هم يملكون بين ايديهم بعض الوثائق التي تُثبت التهمة — او هكذا اعتقدوا. فأخذوا نسخة وصية والد الاخت كونيڠر باللغة الالمانية! وكانوا واثقين بأنها رسالة شفرة. ووجدوا في غرفة پيتر پومپل ما اعتقدوا انه معلومات سرية، ولكنَّ ذلك كان في الحقيقة مجرد وصفة طبية لمعالجة الفطر في اظافر اصابع الارجل.
وآخر غرفة فُتِّشت كانت غرفة كارلوس وماري پروسر. وقد وجد الجنود في احدى الحقائب مبلغا كبيرا من المال. وكان هذا المبلغ قد سُحب من حساب الجمعية المصرفي قبل يومين خوفا من ان يُجمَّد الحساب. وبما ان جميع المرسلين كانوا تحت الاقامة الجبرية فترة من الوقت لم يستطيعوا اخراج المال من البيت. ولسبب ما، عندما وجده الجنود كانوا شبه خائفين من لمسه فأعادوه بسرعة الى الحقيبة. ولاحقا نُقل المبلغ بكامله دون ان يُمسَّ الى الفرع في لاڠوس، نيجيريا.
تصف الاخت پروسر المشهد: «قال لي احد الجنود، ‹انتِ هنا منذ وقت طويل، ومن المؤكد انك تعرفين اسماء بعض المسؤولين في جماعتكِ.› فأجبتُ، ‹انتم تعرفون كيف هي الحال هنا، فلا احد يُدعى باسمه الكامل. نعرف الجميع باسم بابا ايمانويل او ماما اوجيني، وهلم جرا. لا اعرف حقا كيف يوقِّع الجميع اسماءهم.› فما كان من الجندي الذي طرح السؤال الا ان ضحك وقال، ‹انتِ حقا هنا منذ وقت طويل!›»
وتتابع الاخت پروسر: «لاحظنا ان احد الرجال توقف عن تفتيش غرفتنا وجلس. ولاحظ الضابط المسؤول عنه هذا وأمره بأن يتابع عمله. فكان جوابه مؤثرا اذ نظر الى اعلى وقال: ‹اعرف السيد والسيدة پروسر منذ سنوات كثيرة، وغالبا ما ناقشا معي الكتاب المقدس في منزلي. فكيف استطيع الآن ان آتي الى هنا وأفتش غرفتهما؟›»
انتهى الجنود من تفتيش غرفة كارلوس وماري پروسر ونزلا الى الطابق السفلي. ولم يجدا ايَّ شيء يثبت التهمة. وكان معظم المرسلين قد قضوا جزءا كبيرا من الليل يقتطعون الاسماء من كل الملفات التي ما زالت في الفرع. وقد رُميت هذه القصاصات في المرحاض وصُبَّ عليها الماء او حُرقت. وخلال التفتيش، لاحظ احد الحرّاس ركام نار خامدة في الحديقة فسأل عنه. فأجاب الاخ پروسر «نعم، هنا نحرق نفايتنا.» ولكنَّ الحارس والاخ پروسر كليهما كانا يعلمان ان وثائق مهمة قد حُرقت.
«انظر الى هذا!» صرخ احد الجنود الذين يفتشون منطقة الشحن. فقد وجد الجنود اشرطة ملفوفة على بكرات مع نص لمسرحية الكتاب المقدس من المحفل الكوري. وكانوا واثقين ان اسماء شخصيات المسرحية يجب ان تكون لمسؤولين في الهيئة. فجمعوا الاشرطة والنصوص فرحين معتبرينها دليلا.
الى الـ سورتيه ناسيونال
امر الجنود المرسلين بإحضار جوازات سفرهم، وأُخذوا الى الـ سورتيه ناسيونال، فرع من وزارة الداخلية. قُرئت وثائق ترحيلهم — كان المرسلون سيُقادون الى الحدود ويُطردون فورا، حتى دون ان يُسمح لهم بالعودة الى المنزل لأخذ امتعتهم! ولحسن التوفيق، كان
الوقت قد تأخر الآن، ومعظم رجال الشرطة كانوا قد ذهبوا الى منازلهم. وبما انه لم يكن هنالك احد ليرافقهم الى الحدود، أُمر المرسلون بأن يعودوا الى المنزل ويكونوا جاهزين للمغادرة عند الساعة ٠٠:٧ صباحا.يروي الاخ پروسر: «عدنا الى المنزل بعد الساعة الثامنة مساء. وعرفنا انها ستكون ليلة صعبة. فقد احاط آلاف الثوّار بمنزلنا وكانوا ينشدون الشعارات السياسية، متبوّلين على الحيطان، مطلقين على المرسلين اسماء ازدرائية. واستمر مثل هذا التصرف طوال الليل. لم ينم الجميع فترة طويلة، هذا اذا ناموا، لأننا لم نكن نعلم ماذا قد يفعل الحشد الغضبان في الخارج. وتساءل البعض بصمت هل يُؤذَون هذه الليلة ام يعيشون ليروا اليوم التالي. ولم تفقد الاخوات السيطرة على انفعالاتهن ولم يبكين بل شغلن انفسهن بحزم الامتعة وتشجيع بعضهن البعض. ونحمد يهوه ان الثوّار لم يقتحموا المنزل، وأنه لم يتأذَّ احد جسديا. ولكنَّ الاجهاد العاطفي والارهاق النفسي كانا محنة لم يستطع المرسلون احتمالها دون دعم يهوه بواسطة الصلاة وتشجيع واحدهم الآخر.» وكم كان مهمًّا ان يساعدوا بعضهم البعض ويتَّكلوا على يهوه في الساعات القادمة!
اليوم الاخير في بينين
اختلست طلائع اشعة شمس الصباح النظر عبر الغمام نحو الساعة السادسة، معلنةً بداية يوم جديد. انه يوم ٢٨ نيسان — يوم لن يُنسى بسهولة. وكعادتهم، اجتمع المرسلون حول طاولة الفطور في الساعة ٠٠:٧ صباحا لمناقشة آية الكتاب المقدس الصباحية. ولم يكن هذا اليوم بالتأكيد يوما يُهمل فيه درس كلمة اللّٰه! وعلم كل المرسلين انهم سيحتاجون الى قوة اضافية ليجتازوا هذا اليوم.
كان ثيوفيلوس ايدوو، نيجيري تعلَّم اللغة الڠونية قبل سنوات، يخدم كمترجم في الفرع، إلا انه لم يكن يعيش في البتل. وكان يراقب عن متى ٦:١١) نعم، رأى المرسلون يد يهوه تتدخل في الامور واستمدُّوا القوة منها.
كَثَب الوضع بكامله من الخارج. وبما انه لم يكن بإمكان احد ان يدخل او يخرج، لم يكن هنالك خبز من اجل فطور المرسلين. وقد علم الاخ ايدوو بذلك، فذهب الى الفرن، اشترى بعض الخبز وقدَّم نفسه الى الجندي عند بوابة البتل انه الرجل الذي يوزِّع الخبز. وكان يلبس ثيابا رثّة قديمة ويضع قبعة انزلها على وجهه لكي لا يتعرف به احد من الحشد الذي ما زال يمكث في الخارج. فسمح له الحارس بالدخول. وكم كان مشجعا للمرسلين ان يروا وجه الاخ ايدوو العزيز المبتسم مرة اخرى! وقد اعطت هذه الالتفاتة البسيطة معنى جديدا للصلاة، «خبزنا كفافنا اعطِنا اليوم.» («طق! طق! طق!» احدهم كان يقرع بقوة على البوابة الرئيسية. وعندما بدأت مناقشة الآية اليومية، سُمع الكثير من الجلبة في الخارج. وكان قائد المنطقة وثوّار آخرون قد نصبوا سارية العلم خارج مبنى الفرع، اشارة الى ان المبنى اصبح الآن ملكا «للشعب.» وأُمر المرسلون بالخروج ليشاركوا في احتفال رفع العلم. ولم يكونوا واثقين هل كانوا سيؤخذون بالقوة، لكنَّ الجميع كانوا مصمِّمين على عدم المشاركة فيه. وأعلن احد المرسلين، پول بايرون: «سيكون عليهم ان يجرّوني الى الخارج بالقوة.» وساعد تعليقه هذا على تقوية تصميم المرسلين الآخرين. ولسبب ما — ربما بتدخل يهوه — لم يُخرِج الجنود المرسلين. وقد منحهم هذا دقائق اضافية قليلة لإنهاء الآية اليومية.
بعد احتفال رفع العلم، امر الضباط العسكريون المرسلين بإنزال امتعتهم الشخصية الى الطابق السفلي. ففُتِّشت تفتيشا شاملا. وسُمح لهم بأن يأخذوا فقط ما هو موجود في حقائبهم. وكل الممتلكات الاخرى تُركت وراءهم. اخذ الجنود الاخ پروسر الى غرف البتل لإقفال
الابواب وطلبوا منه تسليم المفاتيح. لقد صودر البتل! وكان بعض الاخوة المحليين يراقبون بقلب حزين من مسافة خارج اسوار البتل المشهد بكامله فيما كان اخوتهم المرسلون الاعزاء يؤخذون من بيتهم، ويُرافقهم كالمجرمين حارس مسلَّح.الترحيل
أُخذ المرسلون ثانية الى الـ سورتيه ناسيونال، ووُزِّعت وثائق الترحيل على كلٍّ منهم. وأُعيد الجميع ما عدا مارڠريتا كونيڠر وجيزيلا هوفمان الى ڤان الجمعية ليؤخذوا الى الحدود النيجيرية. والأختان كونيڠر وهوفمان أُخذتا لاحقا الى حدود توڠو.
كان الحارس المسلَّح الذي يركب في السيارة مع غالبية المرسلين متوترا جدا. فقد كان متأكدا انه يرافق مجرمين خطرين الى الحدود. وسمح بأن تتوقف السيارة من اجل الوَقود. فسأل عامل محطة البنزين، الذي عرف ڤان الجمعية، لِمَ كل هذه الجلبة. فأجاب المرسل بحزن: «نحن مرسلون نُرحَّل بسبب الكرازة بالكتاب المقدس.» فأجاب: «لا تقلقوا، سوف تعودون يوما ما.» وقد صحَّت كلمات الشاب، ولكن ليس على الفور.
تحت الحظر
حملت الصحيفة البنينية ايوزو، عدد ٣٠ نيسان ١٩٧٦، العنوان الرئيسي «بدعة ‹شهود يهوه› تُحظَر في جمهورية بينين الشعبية.» لم يكن الاضطهاد اختبارا جديدا بالنسبة الى شعب يهوه في هذا البلد. فمنذ القديم، عمل الشيطان جاهدا ليمنع مياه الحق من الجريان في معقل الدين الباطل هذا.
وفي الايام، الاسابيع، والاشهر التي تلت طَرْد المرسلين، هجر اخوة كثيرون البلد — اكثر من ٦٠٠ — ومعهم القليل ماديا ولكن الكثير
روحيا. والكثيرون الذين بقوا، احداث وشيوخ على السواء، ضُربوا بقسوة. وفقد آخرون ايضا كل ممتلكاتهم ووظائفهم.والاخوة الذين شغلوا مراكز مهمة بين العمال، تلقوا الضربة الاقوى، اذ كان يُتوقع منهم ان يختتموا كل رسالة، يجيبوا على الهاتف، ويحيوا الناس بشعارات سياسية مثل «مستعد للثورة؟» و«النضال مستمر!» كان أپولّينير اموسو-ڠينو يهتم بعيادة طبية في منطقة كوتونو. ورفض الاشتراك في مثل هذه النشاطات لأنه ايَّد ملكوت اللّٰه تأييدا كاملا. فتوسَّل اليه اعضاء عائلته ان يردد الشعارات، حتى إن لم يكن يعني ما يقوله حقا. وذكَّره احد انسبائه، «فكِّر في اولادك.» وإذ كان الاضطهاد يزداد على شعب يهوه، قرَّر ان يغادر بينين الى نيجيريا.
كتب من نيجيريا: «في فترة قصيرة من الوقت نسبيا، خسرتُ كل شيء ماديا — البيت، السيارة، والعمل. وأنا اعيش الآن في منزل قيد البناء هنا في نيجيريا. ليس هنالك نوافذ او ابواب ولا اسمنت على الارض. وأولادي التسعة معي، ولحسن التوفيق وجد الولدان الكبيران وظيفة. نحن نكافح ضد الديدان، البعوض، المطر، والبرد. وقد اعطانا احد الاخوة سريرا صغيرا استخدمناه كمهد لطفلنا البالغ من العمر ثلاثة اشهر. اننا نكتفي بما نملكه فيما لا نزال نلقي رجاءنا على الهنا المحب، يهوه، الذي سيمسح قريبا كل دمعة من عيوننا.» وبعد ان فُرض الحظر، كانت حالة اخوة كثيرين مشابهة لهذه الحالة.
«حكماء كالحيات»
لم تستطِع ظروف كهذه ان تحول دون استمرار الدين الحقيقي. فكان لا يزال هنالك اناس يقدِّرون كثيرا الحرية من عبودية الدين. واستمر نظار الدوائر في زيارة الجماعات ولكن غالبا ليومين او ثلاثة فقط كل مرة. والآن صار على الاخوة ان يستعملوا الحكمة والبصيرة
ليتجنبوا الاعتقال. فكان معظم نظار الدوائر يلبسون ثيابا عتيقة متسخة عندما يدخلون البلدة، عادة قبل الفجر او بعد المغيب، كي لا يلاحظ احد وصولهم. وإذا اشتبه احد في هويتهم، كانوا مستعدين دائما لتبديل ملابسهم بسرعة. ويتذكَّر زاكاري إليڠبي، عضو في لجنة فرع بينين الآن، زياراته للجماعات كناظر دائرة في ذلك الوقت. قال: «اتذكَّر مرة انني قضيتُ يوما كاملا في صومعة ذُرة مبنية من الطين فيما كانت السلطات تبحث عني. كنت اسمع اصواتهم، ولكنهم لم يفكروا قط في البحث عني في الصومعة. وتمكنتُ من المضي في سبيلي في نهاية النهار.»ولعقد ايِّ اجتماع كبير في ذلك الوقت، كان يلزم ان يصدر اذن عن مبنى البلدية المحلي. ولكنَّ خدام يهوه برهنوا انهم «حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام.» (متى ١٠:١٦) فحين يُعلم ان اثنين يريدان التزوج، كان يُطلب اذن من السلطات المحلية بإقامة حفلة استقبال. وعادة كان يجري الحصول على ذلك دون اية مشكلة. وكان العريف يبدأ البرنامج بالتوضيح كيف ستُجرى «حفلة الاستقبال ليومين.» حفلة استقبال ليومين؟ اجل. في الواقع كانت حفلة الاستقبال محفلا كوريا مصغَّرا! وكان العروسان يجلسان في الصف الامامي قدَّام الخطباء، وكانت تُلقى خطابات مؤسسة على الكتاب المقدس ليستفيد منها العروسان والحضور السعيد. وفي مناسبة كهذه في قرية ايتان، حضر «حفلة الاستقبال» اكثر من ٦٠٠ شخص، واعتمد ١٣. وكان كثيرون من اهل البلدة يلاحظون ان شهود يهوه لديهم حفلات استقبال عرس غريبة كهذه — وخصوصا عندما يسمعون بأمر المعمودية! وزوَّدت المآتم ايضا فرصا لعقد المحافل.
وكانت مطبوعات الكتاب المقدس تُحضر الى البلد بوسائل مختلفة — في الزوارق الشجرية، على الدراجات، في حقائب الظهر، في طرقات متى ٢٤:٤٥.
الدغل او بأية طريقة اخرى كانت تبدو ملائمة في ذلك الوقت. ولم يعارض جميع مَن في السلطة عملنا بشدة. وهكذا، سنة ١٩٨٤، عندما كان اخوان شابان يعبران نهرا بواسطة زورق شجري محمَّل بالمطبوعات من نيجيريا، فوجئا بمأمورَي جمارك على الضفة البينينية. فهل كانت المطبوعات ستُصادر، او كان الاخوان سيُضربان ويُسجنان؟ سأل احد مأمورَي الجمارك: «ماذا يوجد في الاكياس؟» اجاب الاخ: «مطبوعات الكتاب المقدس.» «دعنا ننظر.» فقدَّم الاخ نسخة لكل منهما من كراسة تمتعوا بالحياة على الارض الى الابد!، فقبلاها بسرور. «هل ما زلتم تحضرون المطبوعات لشهود يهوه؟» فجمد الاخوان غير واثقَين مما سيقولانه بعد ذلك. «تابعا طريقكما،» قال مأمور الجمارك. فشكر الاخوان يهوه بصمت. ان امثلة كهذه قوَّت ثقة الاخوة بأن يهوه يبارك الجهود لإيصال الطعام الروحي الى الاخوة «في حينه.» —«كلمة اللّٰه لا تُقيَّد»
لم يستطِع الشهود الذين بقوا في بينين ان يمتنعوا عن التكلُّم عن الحقائق الثمينة التي كانت في قلوبهم. وهكذا طرأ تغيير على حياة موريس كودو. لقد كان استاذ مدرسة في كالاڤي، قرية تبعد حوالي ٢٠ كيلومترا (١٢ ميلا) عن كوتونو. واعتقد انه اذا كان انسانا صالحا، فسوف يذهب الى السماء. ولكنَّه عندما اتَّصل بشهود يهوه، تعلَّم من الكتاب المقدس ان رضى اللّٰه يتطلب المزيد. وأحد انسباء موريس عرَّفه بجاره الشاهد، والشاهد، اذ لاحظ الاهتمام الذي اظهره موريس بالكتاب المقدس، عرض عليه فورا درسا بيتيا مجانيا في الكتاب المقدس. فبدأ موريس وزوجته بدرس الكتاب المقدس وتقدما بسرعة. وسرعان ما اراد الاشتراك في عمل الكرازة، اذ اقتنع انه وجد الحق. طبعا، كان على الاخوة ان يتأكدوا من اخلاصه. فآخرون
تظاهروا بالاهتمام، انما ليشوا بهم. ولكن لم تكن هذه هي الحال مع موريس كودو. لقد انتهز كل فرصة للتحدث عن الحق الى اقربائه، اصدقائه وزملائه في العمل.ثم في ١١ شباط ١٩٨٢، اعتُقل الاخ والاخت كودو. وكانا مسجونَين مع الاخ الذي درس معهما اولا الكتاب المقدس وشخص مهتم حديثا كان الاخ كودو يدرس معه. ولماذا؟ لقد كانوا جميعا شهودا ليهوه وكانوا يتحدثون الى جيرانهم عن ملكوت اللّٰه او كانوا يظهرون الاهتمام بما كان الشهود يعلِّمونه. وبحسب التقرير الذي كتبته السلطات، اصبحت قرية كالاڤي «خلية نشاط» لشهود يهوه. وهذا اغضب السلطات جدا.
ان الاربعة الذين اعتُقلوا، بمن فيهم زوجة الاخ كودو، وُضعوا في زنزانة مع اسوإ المجرمين وفي الظروف الاكثر وحشية. وأُخبروا انه يمكن اطلاق سراحهم اذا فعلوا امرا بسيطا واحدا — ان يوقعوا رسالة يقولون فيها انهم لم يعودوا شهودا ليهوه. وهذا ما رفضه اخوتنا رفضا باتا. فلم يستطيعوا انكار الههم، يهوه. وانتذارهم له كان غير مشروط ونهائيا. وقد اغاظ هذا الموقف الرسميين، فصودرت كل مطبوعات الكتاب المقدس التي كانت في حوزة الاخوة في زنزانتهم.
مرض ولدا الاخ والاخت كودو، نادين (ست سنوات) وجيمي (ثلاث سنوات). فسألت الاخت كودو هل كانت تستطيع العودة الى المنزل للاعتناء بولديها المريضَين. فرُفض ذلك، ولكن سُمح لها بالاعتناء بهما في السجن. فأصبحوا الآن ستة في السجن بمن فيهم الاولاد!
وكيف كانوا سيحتفلون بالذِّكرى الوشيكة؟ استطاع الاخوة المحليون ان يهرِّبوا لهم خبزا فطيرا وخمرا للاحتفال. يتذكر الاخ كودو: «كان ذلك غريبا. فبينما كنا نحتفل بالذِّكرى، خيَّم سكون على السجن، فلم تجرِ مقاطعة احتفالنا بالذِّكرى.»
اخيرا، عُيِّن الرسمي المحلي الذي كان مسؤولا عن سَجنهم في جزء آخر من البلد. والرجل الذي حلَّ محله كان اكثر ايجابية؛ وهكذا أُطلق سراحهم في ٢٦ ايار، اي بعد ثلاثة اشهر ونصف من سجنهم.
وبعد اربع سنوات وجد الاخ كودو نفسه ثانية خلف قضبان السجن — وهذه المرة لرفضه ترديد الشعارات السياسية. وأخبر لاحقا كيف استخدم هذا الوقت بحكمة: «فيما كنت في السجن خدمتُ كفاتح اضافي. وهذه المرة استطعتُ ان احتفظ بمخزون جيد من المطبوعات لاستعماله في ‹مقاطعتي الشخصية.› كرزتُ للسجناء الآخرين، للحرّاس، وللشرطة، وأدرتُ عدة دروس في الكتاب المقدس.» ورغم انه كان في السجن، ‹لم تُقيَّد كلمة اللّٰه.› — ٢ تيموثاوس ٢:٩.
بالنظر الى الوراء، يوافق الاخوة على ان قرية كالاڤي اصبحت في الواقع «خلية نشاط» لشعب يهوه. فمن ٤ ناشرين سنة ١٩٨٢، نما عددهم، بحيث تزدهر جماعتان هناك الآن، بأكثر من ١٦٠ ناشرا. وكان لدى الاخ كودو، منذ اعتمد، امتياز مساعدة اكثر من ٣٠ شخصا على كسب الحرية، لا من سلاسل السجن، بل من بابل العظيمة، الامبراطورية العالمية للدين الباطل.
وفي اواخر ثمانينات الـ ٩٠٠,١، بدأت تحدث تغييرات في الحكومة. لم يكن احد على يقين من النتيجة. ولكنَّ رياح الاضطهاد العنيفة ضد شعب يهوه بدأت تهدأ. حتى انهم كانوا قادرين على عقد الاجتماعات علانية في بعض المناطق، ولكن ليس في كل مكان.
«لست سوى ممهِّد للطريق»
في غضون ذلك الوقت حدث اختبار اشار الى انه لا يزال هنالك كثيرون في بينين يقبلون بشكر الحقائق المحرِّرة لكلمة اللّٰه. فقد تثبَّط پيار اڤانتو بسبب رؤية الرياء الديني، محبة المال، والفساد الادبي في
الـ اڠليز دو كريستيانيسم سيليست (كنيسة المسيحية السماوية)، التي كان عضوا فيها. ورغم ان الكنيسة كانت تمارس شفاء الايمان، لم يستطع ذلك ان يخلِّص ولده من الموت. فقال له القسّ، ‹لقد دعا اللّٰه ابنك الى السماء.› وإذ لم يقتنع بهذا التفسير وكان منزعجا من الممارسات التي يُسمح بها في الكنيسة، تركها سنة ١٩٧٣، بنِيَّة تأسيس دينه الخاص. لقد اراد دينا خاليا من الرياء والممارسات الشريرة التي رآها في كنائس اخرى.ثم نادى بنفسه بعد ذلك مؤسِّسا وقسًّا لكنيسة ايي ڤيڤِه (القلب المقدس.) وعام ١٩٦٤، اتَّصل به شهود يهوه. فأُعجب بهم. وكان على يقين من انه اذا اسَّس كنيسته الخاصة، يمكن ان يكون لديه هو ايضا دين خالٍ من الجشع والفساد الادبي كدين شهود يهوه. وخلال فترة قصيرة، زاد عدد أتباع كنيسته الى اكثر من ٧٠٠,٢ شخص في ٢١ جماعة. وكان يتمتع بالنفوذ والغنى.
وفي احد الايام اتاه رجل ليُشفى. وكان يعاني اضطرابا جلديا مزمنا. فشفاه پيار اڤانتو. فسُرَّ الرجل جدا بحيث قدَّم له منزلا كمكافأة!
ولكنَّ الفساد الادبي والجشع، الممارستين نفسهما اللتين دفعتا پيار اڤانتو الى تأسيس دينه الخاص، صارا يتغلغلان الآن في كنيسته. فبدأ يدرك انه اذا اراد عبادة نقية، فإنه لا يستطيع ان يقتدي بشعب يهوه — بل عليه ان يصبح واحدا منهم. فباشر درس الكتاب المقدس مع شهود يهوه. وتدريجيا، علَّم من على منبر الوعظ ما كان يتعلَّمه من درسه للكتاب المقدس مع الشهود. وغالبا ما كان يُنهي عظاته بتعبير غريب: «لست سوى ممهِّد للطريق. ان حمَلة الحق الحقيقيين سيأتون لاحقا.» وكثيرون من الذين سمعوه تساءلوا عما عناه ذلك.
وبعد ان جعل درسه مع الشهود يُعقد مرتين في الاسبوع، ادرك ان عليه ان يتخذ قرارا. فدعا قسوسه اجمعين الى اجتماع. وكان هنالك ٢٨ قسًّا. وأوضح الفرق بين الدين الحقيقي والباطل، مستخدما الاسفار المقدسة. وفي ذلك الاجتماع اتُّخذ القرار بالتخلُّص من كل الصور في كنيستهم وبعدم ارتداء رجال الدين اثوابا خصوصية بعد الآن. وأُعطيت ارشادات بعد ذلك للقسوس ليتصلوا بالشهود في منطقتهم من اجل درس بيتي في الكتاب المقدس. وبدأ قسوس في كنائس كثيرة يقتدون بپيار اڤانتو. ففي ايام الاربعاء كان قادة الكنيسة يدْرسون الكتاب المقدس، وفي ايام الآحاد كانوا يؤسِّسون عظاتهم على ما تعلَّموه. ولاحقا، تحوَّل ترتيب يوم الاربعاء الى درس الكتاب الجماعي، وعظة يوم الاحد الى خطاب عام.
في سنة ١٩٨٩، دعا پيار اڤانتو كل أتباعه الى اجتماع. فحضر ذلك الاجتماع في پورتو نوڤو اكثر من ٠٠٠,١ شخص. وأخبرهم في تلك المناسبة: «أتذكرون عندما كنت اختتم عظاتي بالقول، ‹لست سوى ممهِّد للطريق. ان حمَلة الحق الحقيقيين سيأتون لاحقا›؟ ها قد وصلوا اخيرا — انهم شهود يهوه!» وقد ادَّى هذا الاعلان الى جلسة من الاسئلة والاجوبة دامت سبع ساعات تقريبا! ولم يعتبر الجميع ذلك خبرا جيدا. فقد فضَّل البعض طريقة حياتهم الخاصة، التي شملت تعدد الزوجات. ولكن، حتى الآن في بينين وحدها، اعتمد اكثر من ٧٥ عضوا سابقا في كنيسة ايي ڤيڤِه وحوالي ٢٠٠ غيرهم يدرسون ويتقدمون نحو ذلك الهدف عينه. وكثيرون من الفريق يتعلمون ايضا القراءة والكتابة.
أما في ما يتعلق بپيار اڤانتو، فقد اعتمد في حزيران ١٩٩١. وقطع شرعيا كلَّ صلاته بدينه السابق. وحُوِّلت ثمانٍ من كنائسه السابقة الى قاعات للملكوت. وماذا عن المنزل الذي تلقاه هدية من الرجل
الذي شفاه؟ لقد اعاده الاخ اڤانتو اليه. ومن الطبيعي ان يصاب الرجل بدهشة كبيرة. ولكنَّ اخانا اوضح انه بعدما وجد الحق الآن، علم انه مهما كان الشفاء الذي كان قادرا على القيام به فهو بقوة الابالسة، لا اللّٰه.كم هو مشجِّع ان نرى الناس — نعم، حتى اعدادا كبيرة منهم — يتحرَّرون من الخطإ الديني ويقبِلون الى «معرفة الحق»! (١ تيموثاوس ٢:٤) وقد حان الوقت ليتمكَّنوا من الاجتماع بحرية لتعلُّم كلمة اللّٰه.
يوم لن يُنسى ابدا
في ٢٤ كانون الثاني ١٩٩٠، سافر اخوان من بينين الى لاڠوس، نيجيريا، وفي ايديهما وثيقة مهمة. لقد ارادا ان يُعلما فرع نيجيريا، الذي كان يُعنى بالعمل في بينين خلال تلك السنوات الصعبة، ان المرسوم رقم ٠٠٤، المؤرَّخ في ٢٣ كانون الثاني ١٩٩٠، اعلن ان المرسوم السابق (رقم ١١١، في ٢٧ نيسان ١٩٧٦) الذي حظر عمل شهود يهوه في جمهورية بينين اصبح من الآن فصاعدا باطلا! لقد اصبح شهود يهوه اخيرا احرارا رسميا ليكرزوا علنا وليعقدوا الاجتماعات المسيحية! وكيف كان سيجري تبليغ الشهود المحليين؟
جرى التخطيط لاجتماع في كوتونو. ولكنَّ الاخوة الذين نظَّموه لم يكشفوا سبب هذا الاجتماع مسبقا. فتساءل الشهود المحليون لماذا جرت دعوتهم الى الاجتماع في قاعة عامة في وسط كوتونو. وكم دُهشوا، عند وصولهم، برؤية لافتة كبيرة ترحِّب بشهود يهوه! ‹كيف يمكن ان يُفعل ذلك؟ نحن تحت الحظر،› فكَّر اخوة كثيرون. وتساءل البعض، ‹أَهذا فخ؟›
الرؤيا ٤:١١: «انت مستحق ايها الرب [«يهوه،» عج] ان تأخذ المجد والكرامة.» وأبرزت الاخرى المزمور ١٤٤:١٥: «طوبى للشعب الذي الرب [«يهوه،» عج] الهه.»
كان الاجتماع سيبدأ عند الساعة العاشرة صباحا، ولكن عند الساعة التاسعة صباحا كانت جميع المقاعد قد شُغلت. وداخل القاعة كانت هنالك لافتتان كبيرتان. واحدة عرضت كلماتعندما ابتدأ الاجتماع، اعلن العريف انه بحسب الوثيقة التي يحملها في يده، «رفعت الحكومة الحظر عن عملنا!» يخبر الاخ اوليه، عضو في لجنة فرع نيجيريا كان حاضرا: «كان الهتاف والتصفيق الذي قوبل بهما هذا الاعلان حادّين بحيث انه لو لم يكن البناء متينا، لكان من الممكن ان ينهار تحت السيل المتزايد من الهتاف المدوِّي. ثم توقف التصفيق كله دفعة واحدة، كما لو ان الحاضرين ارادوا ان يتذكروا ما قد قيل. ثم ابتدأوا من جديد، واستمر ذلك عدة دقائق. ذكر العريف المزمور ١٢٦ ولكنه لم يستطع ان يقرأه بسبب التصفيق. وسالت الدموع من اعين البعض منا، بمن فينا العريف. كان الامر وكأننا نشهد مشهد قيامة، اذ استدار الاخوة لينظروا واحدهم الى الآخر ويصافحوا بعضهم بعضا بشكر وابتهاج.»
وفي الخطابات التي تلت، مُدح الاخوة على احتمالهم خلال سنوات الحظر الـ ١٤. ولم يكن هذا وقتا للدموع المُرَّة بل وقتا للبناء، لاستخدام حريتهم المكتسبة حديثا بحكمة بتبنّي خدمة الفتح اذا سمح وضعهم بذلك، او ابتغاء امتيازات خدمة اخرى في الجماعات. وكان من المهم الاستمرار في الاتكال على يهوه، الذي منح شعبه الانتصار الآن! دام الاجتماع اربع ساعات متواصلة، ولكن بالنسبة الى الحاضرين بدت وكأنها مجرد دقائق قليلة.
وذكر الخطيب الاخير انه قبل بضعة ايام فقط، عندما كان الاخوة يلتقون في الشارع، كانوا حذرين كي لا يُفتضح امرهم. ولكن في تلك المناسبة أُخبروا انه بإمكانهم البدء بالتعويض عن الوقت الضائع
بأن يحيوا اخوتهم بحرية. وبعد الصلاة الختامية القلبية بساعتين تقريبا، كان شهود كثيرون لا يزالون امام المبنى يعانقون ويقبلون واحدهم الآخر ويجدِّدون تعارفهم. كان للحرية الدينية طعم حلو. ولكن كيف كان الاخوة سيستخدمون هذه الحرية الآن؟مبتهجون لتمكُّنهم من الاجتماع للعبادة
كانت قاعات الملكوت بحاجة الى تنظيف، طلاء، وترميم لإعادتها الى حالة صالحة للاستعمال. فأعطى الاخوة بسخاء من وقتهم ومواردهم للقيام بالعمل. وصنعت الجمعية ايضا الترتيبات ليزور نظار الدوائر سريعا كل الجماعات، قاضين يومين او ثلاثة مع كل جماعة. وكانت اعادة التنظيم تمضي قُدُما.
ويا لفرح رؤية العائلات تتقاطر من جديد على قاعاتها للملكوت! وغالبا ما يبلغ عدد الحضور في الاجتماع ضعفي او ثلاثة اضعاف عدد الناشرين. ويصل كثيرون على الدرّاجات؛ والبعض على الدرّاجات النارية او في الزوارق الشجرية. ويأتي آخرون سيرا على الاقدام، واضطرارهم الى قطع عدة كيلومترات لم يثنهم عن عزمهم. فالام تعلِّق ولدها الاصغر على ظهرها وتربطه بقطعة من القماش ملفوفة حول جذعها. والاولاد الاكبر يساعدون الاولاد الاصغر. ويحمل الأب عادة الكتب القيِّمة التي يحتاجون اليها للاجتماع — انها قيِّمة لأن يهوه يزوِّد الارشاد بواسطتها، وقيِّمة ايضا لأن تبرع كلٍّ من الكتب الكبيرة قد يعادل اجرة يوم كامل.
وجميع قاعات الملكوت في كلِّ انحاء البلاد، بيت المرسلين في پورتو نوڤو، وتسهيلات الفرع في كوتونو، التي صودرت خلال الحظر، أُعيدت الى مالكيها الشرعيين في الوقت المحدَّد. وأُجري على الفور تجديد اساسي للفرع ولبيت پورتو نوڤو، وفي آب ١٩٩٠، بعد اعادة ملكية الفرع بأقل من شهر، عُقد محفل هناك في ملكية الجمعية، حضره ٠٠٠,٢ شخص تقريبا. وأصبح الجميع يعلمون ان شهود يهوه يستعملون ثانية هذه الملكية في عمل تعليمهم الكتاب المقدس.
وفي ايلول ١٩٩١ بدأ فرع بينين بالعمل مرة اخرى، متيحا بالتالي الاتصال بالإخوة ومساعدتهم بشكل اعظم على سدِّ حاجاتهم الروحية.
توّاقون الى الشهادة للحق
اراد شهود يهوه في بينين ان يكرزوا بالبشارة كما يكرز اخوتهم في بلدان اخرى. فخلال سنوات الحظر الـ ١٤، كان يجري القيام بالجزء الاكبر من الشهادة بطريقة غير رسمية. حتى ان بعض الشيوخ لم يشهدوا قط من بيت الى بيت. ولكن بقليل من التشجيع والإرشاد، ابتدأوا.
والشهادة في بينين ليست صعبة. فالناس عموما يحبون الكتاب المقدس. وغالبا ما يستقبلون الشاهد الزائر ويصغون بانتباه. وفيما يذهب الشهود من بيت الى آخر، لا يُستغرب ان يناديهم شخص على دراجة، طالبا الاعداد الاخيرة من برج المراقبة واستيقظ!
من المألوف ان يعيش كثيرون من العائلة نفسها في بيوت بفناء مشترك. وبدافع الاحترام، يطلب الشاهد ان يتحدث الى رأس العائلة
اولا. وبعد ذلك، يزور ابناءه الراشدين وعائلاتهم الذين منازلهم مفتوحة على الفناء نفسه.ولكي يُظهروا تقديرهم من اجل كل ما فعله يهوه لهم، انخرط المئات في خدمة الفتح بعد ان رُفع الحظر. فبلغ عدد الفاتحين الخصوصيين، القانونيين، والإضافيين ١٦٢ سنة ١٩٨٩؛ وبحلول سنة ١٩٩٦، كان هنالك ٦١٠ فاتحين.
وأيُّ تجاوب لاقوا؟ عُيِّن زوجان فاتحان خصوصيان في بلدة لم يكن فيها شهود. وبعد اشهر قليلة فقط، حلَّ موعد الاحتفال بذِكرى موت المسيح. علِم المهتمون في هذه البلدة اننا نحتفل عادة بالذِّكرى في قاعة ملكوت، ولكن لم تكن هنالك قاعة. فاقترب احد اولئك المهتمين من رجل كان يملك قطعة ارض كبيرة وسأله هل يستطيعون ان ينظِّفوا جزءا منها ليبنوا عليه قاعة للملكوت. وكان الرجل مؤيدا لعمل الشهود فوافق. وخلال عدة ايام، نظَّف الفاتحان الخصوصيان والمهتمون الارض وبنوا قاعة ملكوت جميلة لها جدران من سعف النخل المتشابكة وسقف مصنوع من القش. وكان امامها قوسان من سعف النخل مزيَّنان بالأزهار. وعندما حاولت كاهنة ڤودو محلية ان تثير المعارضة، قال لها شيوخ القرية: «الارض في هذه القرية ليست ملكك. ونحن نريد ان يبقى شهود يهوه. وإذا رحلوا، فسترحلين انتِ ايضا!» فتوقفت عن تسبيب اية متاعب اضافية. أما في ما يتعلق بالذِّكرى، فقد حضر ١١٠ اشخاص، ومن بينهم كان الفاتحان الخصوصيان فقط شاهدَين معتمدَين.
تسهيلات المحفل
بُعيد رفع الحظر، جرى الحصول على قطعة ارض مساحتها ٥ هكتارات (١٢ اكرا) في كالاڤي، قرية قريبة من كوتونو، ولاحقا جرى شراء قطعة ارض محاذية لها مساحتها ٤ هكتارات (١٠ اكرات). وهذه
القرية هي حيث سُجن بعض اخوتنا لأن السلطات قالت ان المنطقة كانت «خلية نشاط» لشهود يهوه. وما اصحّ هذه الكلمات! ففي سنة ١٩٩٠، استطاع شعب يهوه ان يعقدوا محفلا هنا بحرية وعلى ارضهم الخاصة!ولكن كيف كان يمكن ان تُبنى تسهيلات محفل تكفي ٠٠٠,٤ شخص بكلفة تكون ضمن امكانيات اخوتنا؟ بطريقة هي نموذجية عند شهود يهوه في افريقيا الغربية. فقد توغَّل الاخوة في الدغل وقطعوا اوراق اشجار الخيزران وجوز الهند. واستُخدمت قضبان الخيزران للجلوس. وثُبِّتت اوتاد في الارض يبلغ ارتفاعها حوالي ٥٠ سنتيمترا (٢٠ انشا) يبعد احدها عن الآخر ٢,١ مترا (٤ اقدام). فخدمت هذه كقوائم للمقاعد. ووُضع قضيبَا خيزران اطول منها على الاوتاد التي ترتفع ٥٠ سنتيمترا (٢٠ انشا) ورُبطا. وها هي المقاعد لـ ١٥ شخصا. واستُخدمت قضبان خيزران اكبر لدعم بناء السقف، وشُبكت الاوراق واستُخدمت للتسقيف. ورغم ان مثل هذا البناء ليس ضد الماء، فهو يحجب الشمس الافريقية الحارة عن الجميع، والذين يجلسون تحته يكونون مرتاحين تماما.
وفي الوقت المحدَّد ستُبنى هنا تسهيلات فرع جديد، بالإضافة الى قاعة محافل بلا جدران مبنية بشكل امتن.
عودة المرسلين
بعد حوالي ثلاثة اشهر من رفع الحظر، صدر مرسوم حكومي آخر. وقد ابطل المرسوم الذي ادى الى ترحيل المرسلين عام ١٩٧٦، وأعلن ان شهود يهوه احرار لمواصلة العمل الارسالي في بينين.
وتجاوبا مع هذا الاجراء الرسمي، عُيِّن المرسلون ثانية في بينين، في تشرين الثاني ١٩٩٠. فتاب وجانيس هانسبرڠر، اللذان كانا يخدمان
في دكار، السنڠال، أُعيد تعيينهما في بينين. ووصل ميشال مولر وزوجته، بابيت، وكذلك كلود وماري كلير بوكيه، الى بينين بعد ذلك بعدة ايام. وكانوا قد خدموا مؤخرا في تاهيتي.يتذكر الاخ هانسبرڠر: «لقد ادهشنا وفرَّحنا رد فعل الناس الذين قابلناهم عندما بدأنا اولا بالكرازة من باب الى باب في تعييننا الجديد. لقد كانوا في الواقع يرحِّبون بعودتنا الى بينين! وقال احد الرجال انه عندما غادر مرسلو شهود يهوه منذ سنوات، بدأ البلد بالانحطاط.» تذكَّروا كلمات عامل محطة البنزين، وهو يتحدث الى المرسلين المرحَّلين قبل ١٤ سنة — «لا تقلقوا، سوف تعودون يوما ما.» لقد تحققت كلماته وعاد المرسلون!
يدعو الاخ بوكيه بينين جنة المرسلين لأن كثيرين من الشعب البينيني يكنُّون محبة عميقة للّٰه وللكتاب المقدس. وكثيرون من المرسلين الذين يخدمون الآن في بينين والذين يفوق عددهم الـ ٥٠ اوقفهم شخص ما في الشارع يريد درسا في الكتاب المقدس او جوابا عن سؤال عميق من الكتاب المقدس!
استخدام الحرية بحكمة
منذ سنوات، بيع شعب بينين كعبيد ونُقلوا في السفن الى الخارج. وحتى الآن، يستمر نوع مريع آخر من العبودية، يسبِّبه الدين الباطل. وهو يكبِّل قلوب وأذهان الناس الذين قد يعتقدون انهم احرار. وأحيانا، يسبِّب خوفا اعظم من خوف سوط سيد العبد.
وقد تحرَّر الآلاف في بينين من عبودية كهذه وأصبحوا شهودا فرحين ليهوه. وهم يعلمون ايضا ما يعنيه كونهم ‹ليسوا من العالم› تمثلا بالمسيح. وهم نتيجة ذلك قادرون على التمتع بالحرية من العبودية لـ «رئيس هذا العالم،» الذي قال عنه يسوع ان ليس له فيه شيء. (يوحنا ١٢:٣١؛ ١٤:٣٠؛ ١٥:١٩) وسنوات الاضطهاد الشديد الذي عاناه شهود يهوه في بينين لم تُعِدهم ثانية الى العبودية. لقد ادركوا جيدا كلمات يسوع المسيح: «ان كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم.» (يوحنا ١٥:٢٠) وعلموا ان الرسول بولس كتب: «جميع الذين يريدون ان يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يُضطهدون.» (٢ تيموثاوس ٣:١٢) ورغم انهم حُرموا لبعض الوقت من حرية الاجتماع علانية للعبادة والشهادة للآخرين علنا — حتى ان البعض رُموا في السجن — ظلُّوا يتمتعون بحريات لا يستطيع ايُّ انسان ان يسلبهم اياها.
والآن مرَّت حوالي سبع سنوات مذ رُفع الحظر ومُنح شهود يهوه ثانية اعترافا شرعيا. فهل استخدم اخوتنا البينينيون تلك الحرية بحكمة؟ قبل فرض الحظر بوقت قصير، كان هنالك حوالي ٣٠٠,٢ منادٍ نشيط بالملكوت في البلد. والآن هنالك اكثر من ضعفي ذلك العدد. أما في ما يتعلق بالذين يشاركون في الخدمة كامل الوقت، فقد تضاعف عدد هؤلاء اكثر من ثلاث مرات. وكثيرون يتجاوبون مع الدعوة الى ‹اخذ ماء حياة مجانا.› (رؤيا ٢٢:١٧) وعندما تجتمع الجماعات من اجل ذِكرى موت المسيح، ينضم اليها عدد كبير من المهتمين، بحيث يكون عدد الحضور اكبر من عدد الشهود بأكثر من اربعة اضعاف. ومن الواضح انه لا تزال هنالك حاجة الى فعل الكثير من اجل مساعدة اولئك المهتمين على ادراك وتطبيق كل الامور التي امر بها يسوع نفسه. — متى ٢٨:١٩، ٢٠.
وهنالك ايضا ظروف صعبة كثيرة يجب ان يواجهها الناس ما دام نظام الاشياء القديم مستمرا. ومع ذلك فإن زيارة جماعات شعب يهوه في بينين وملاحظة الحرية التي منحتها كلمة اللّٰه للناس هنا مباشرة هي مبهجة للقلب. فهنالك متعدد الزوجات السابق في قرية لوڠو الذي، بسبب رغبته في نيل رضى يهوه، حرَّر نفسه من التقاليد المحلية غير المؤسسة على الاسفار المقدسة وهو يعيش الآن مع زوجة واحدة. وهنالك الشاب في جماعة توڠودو ڠودوماي الذي اتاح له والده فرصا ٢ كورنثوس ٣:١٧.
للتعلُّم كان كثيرون سيقبلونها بتوق، ووعد بأن الابن سيصبح في الوقت المعيَّن كاهن ڤودو وسيرث منزل والده وزوجاته؛ لكنَّ الابن اختار بدلا من ذلك ان يخدم يهوه. وهنالك اخت في توري كادا زونمي قضت سابقا سنوات عديدة في دير ڤودو ولكنها الآن فاتحة قانونية. وشاب كان يكسب عيشه بالسرقة لبس الشخصية الجديدة وهو يخدم الآن كفاتح خصوصي في كوتان. وعسكري سابق اضطهد في ما مضى شعب يهوه هو الآن فاتح قانوني وخادم مساعد. ان هؤلاء وكثيرين مثلهم ينهمكون في مساعدة ذوي القلوب المستقيمة على تعلُّم كيفية نيل الحرية من عبودية الدين، تماما كما جرت مساعدتهم هم انفسهم. انهم يعلمون بالاختبار انه «حيث روح الرب هناك حرية.» —[صورة تغطي كامل الصفحة ٦٦]
[الصورة في الصفحة ٧٢]
عاد نورو اكيتونْدي الى بينين كفاتح وساعد كثيرين على الشروع في خدمة يهوه
[الصورة في الصفحة ٨٠]
صف القراءة والكتابة في سيكاندجي (١٩٩٦)
[الصورة في الصفحة ٨٦]
جرمان ادوماهو هجر مسلك تعدد الزوجات ليعيش مع زوجته الاولى، ڤيڠ
[الصورة في الصفحة ٨٩]
امازا اينلا وعائلته عندما كان ناظر دائرة في بينين
[الصورة في الصفحة ٩٠]
كارلوس وماري پروسر، مرسلان مستعدان لخدمة الحقل
[الصورة في الصفحة ٩٥]
مدرسة خدمة الملكوت سنة ١٩٧٥، خلال فترة من التوتر السياسي في بينين
[الصورة في الصفحة ١٠٢]
پيتر پومپل مع ماري وكارلوس پروسر — رُحِّلوا جميعا من بينين، وهم يخدمون الآن في نيجيريا والكاميرون
[الصورة في الصفحة ١١٥]
پيار اڤانتو، الذي دعا نفسه سابقا خادما، هو الآن خادم معيَّن للإله الحقيقي
[الصورتان في الصفحة ١١٦]
الاجتماع الذي أُعلن فيه رفع الحظر
[الصورة في الصفحة ١١٨]
ارض المحفل في كالاڤي
[الصورة في الصفحة ١٢٣]
مكتب فرع بينين، مع لجنة الفرع اعتبارا من سنة الخدمة الماضية (من اليسار الى اليمين): زاكاري إليڠبي، تاب هانسبرڠر، سورو هونييه