الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

مارتينيك

مارتينيك

مارتينيك

يذكِّر الاسم مارتينيك اناسا في اجزاء كثيرة من الارض بشيء ما.‏ فقد يعيد الى الذاكرة صورة الشمس،‏ الشواطئ ذات الرمل الابيض،‏ والبحار الزرقاء.‏ وقد يجعل الشخص يفكر في اشياء جميلة في الحياة كقصب السكر والموز،‏ والرَّم ايضا.‏ وقد تتضمَّن الصورة السكان الاصليين ذوي البشرة السوداء او السمراء وقد ارتسمت على وجوههم ابتسامات عريضة،‏ مقدِّمين صواني من الفواكه الغريبة للزوّار كتعبير عن الترحيب بهم.‏ وبالنسبة الى آخرين،‏ تذكّر مارتينيك بثوران جبل پيليه سنة ١٩٠٢ والدمار التام لمدينة سان پيار،‏ التي كانت آنذاك العاصمة الاقتصادية والثقافية للمنطقة.‏

وهذه الجزيرة صغيرة جدا بالمقارنة مع غيرها.‏ فطولها يبلغ ٨٠ كيلومترا (‏٥٠ ميلا)‏ وعرضها ٣٥ كيلومترا (‏٢٢ ميلا)‏ فقط.‏ وبالرغم من ذلك،‏ لعبت على نحو متفاوت دورا مهما في الشؤون الدولية.‏ وبين القرنين الـ‍ ١٧ والـ‍ ١٩،‏ تحاربت الامبراطوريات الاستعمارية هنا من دون رحمة من اجل السيادة في الاميركتين والكاريبي.‏ وتغيّر مالكو سانت دومينڠ (‏هايتي)‏،‏ ڠوادلوپ،‏ مارتينيك،‏ وجزر اخرى من جزر الهند الغربية وفقا لنتيجة المعارك.‏

كانت مارتينيك لعقود عديدة مركزا مهما لتجارة العبيد في الكاريبي رغم كونها مجرد جزيرة صغيرة.‏ ولا يستطيع المرء التكلم عن شعب مارتينيك دون ذكر اغلال العبودية التي وسمت ماضيه والتي تفسِّر مقدارا كبيرا من احوال الشعب الحاضرة.‏

نحن نتكلم عن شعب استُعبد لفترة طويلة،‏ ويفتخر بأن يكون حرّا.‏ انهم شعبٌ موسوم بتناقضات غريبة.‏ فهم يتسمون بحرصهم على الاحتفاظ بحريتهم ويريدون ان يجعلوا ذلك معروفا.‏ وفي الوقت نفسه،‏ يتكيَّفون مع الثقافة الفرنسية التي فرضها الاستعمار —‏ ثقافة تقدِّر الاغلبية العظمى قيمَها وثروتها من نواحٍ عديدة.‏ يعتنق الشعب المذهب الكاثوليكي الروماني كدين لهم بالرغم من انه فُرِض عليهم من قِبل اسيادهم الظالمين.‏ أضف الى ذلك الواقع انهم تعلموا عبادة اله لا يعرفون الا القليل عنه.‏ وقد صوِّر لهم كإله يؤيِّد عبودية الزنوج بسبب الادعاء انه لعن عرقهم.‏ ويُقال انه يملك صفتي المحبة والعدل،‏ ولكن يبدو ان قناعا وُضع لهاتين الصفتين،‏ مما يدعو الى الغرابة.‏ ودينهم مؤسس بشكل رئيسي على شعائر وتقاليد حيث المعتقدات الدقيقة والتحاليل اللاهوتية هي عديمة الاهمية.‏ (‏على نحو مماثل،‏ من الملاحَظ ان جزيرة باربادوس المجاورة تعتنق الدين الانڠليكاني لأن بريطانيا استعمرتها)‏.‏

وإذ يوشك هذا القرن ان ينتهي،‏ فإن اكثرية الشعب في مارتينيك،‏ بالرغم من انهم يفضِّلون ان يعتبروا انفسهم احرارا،‏ يكدحون تحت اغلال العبودية لسيِّدَين متطلبَين.‏ فمن جهة،‏ هم مثقَلون بنظام ديني من الشعائر والتقاليد التي تفشل في اشباع الجوع الروحي الحقيقي.‏ ومن جهة ثانية،‏ يكدحون دون نجاح لإرضاء رغبات لا نهاية لها نمت بسبب التأثير الكبير لطريقة الحياة المادية التي فرضتها الحضارة الغربية.‏ —‏ جامعة ٥:‏١٠‏.‏

رسالة حرية لا تقدَّر بثمن

في هذه الجزيرة المدارية أُعلنت رسالة الحرية بزخم متزايد خلال الخمسين سنة الماضية.‏ انها الحرية التي اشار اليها يسوع المسيح عندما قال:‏ «تعرفون الحق والحق يحرركم».‏ (‏يوحنا ٨:‏٣٢‏)‏ انها حرية من عبودية الكذب،‏ حرية من الاسر لنظام اقتصادي يستغل الناس بقسوة،‏ وحرية من الخطية والموت.‏

بدأ زرع بذور هذا الحق سنة ١٩٤٦ عندما قضى جورج موستاش،‏ من ڠوادلوپ،‏ اسبوعين وهو يشهد في فور دو فرانس وفي سان پيار.‏ وبعد ثلاث سنوات،‏ في ٩ آب ١٩٤٩،‏ وصل الى الجزيرة اربعة مرسلين (‏زوجان وأختان شابتان)‏،‏ متخرجين من مدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس.‏ لقد كانوا دايڤيد وسيليا هومر،‏ ماري لولو،‏ وفرانسيس بايلي.‏ كانوا من الولايات المتحدة.‏ ويتكلمون الفرنسية ولكن ليس بشكل جيد.‏ رغم ذلك،‏ تمكَّنوا في سنة ونصف من توزيع ٦٣١ كتابا وأكثر من ٢٠٠ كراس توضح الكتاب المقدس،‏ وبدأوا ٣٢ درسا في الكتاب المقدس مع افراد وعائلات.‏ ولكنَّ رجال الدين الكاثوليك،‏ الذين كانوا يتمتعون بسلطة كبيرة في ذلك الوقت وغير مستعدين على الاطلاق ان يُشكَّ في سلطتهم،‏ استعملوا نفوذهم لطرد المرسلين من الجزيرة في كانون الثاني ١٩٥١.‏ فتوقفت كاملا الكرازة بالبشارة في مارتينيك لأكثر من ثلاث سنوات.‏

البدء بالعمل من جديد

في ١٠ تموز ١٩٥٤،‏ وصل ڠْزاڤيِه وسارة نول من مرسيليا،‏ فرنسا.‏ كانا كلاهما خادمين كامل الوقت،‏ وكان ڠْزاڤيِه يخدم كناظر جماعة في مرسيليا.‏

لا يزال بإمكانهما تذكر وصولهما الى هذه الجزيرة التي بدت لهما وكأنها الطرف الآخر من العالم،‏ على بُعد ‎٠٠٠,٧ كلم [‎٤٠٠,٤ ميل] من موطنهما.‏ ولم ينسيا انطباعهما الاول عن الحرارة والرطوبة،‏ ولم ينسيا ايضا روح المرح،‏ الضيافة،‏ وطبع الناس الودِّي.‏

من الايام الاولى،‏ تعلَّما العيش بأقل قدر ممكن من وسائل الراحة.‏ فبعد ان سكنا لبضعة ايام مع رجل كان موقفه من شهود يهوه وديًّا،‏ وجدا بيتا خشبيا جديدا،‏ لكنَّ ذلك كان مجرد بناء مصنوع من جدران خشبية وأرض خشبية.‏ وشكَّلت السطح الواحٌ من الحديد المموَّج،‏ ولم يكن هنالك سقف داخلي ولا تسهيلات للمراحيض.‏ عند الغسق،‏ كانت مهمة الأخ نول ان يفرغ دلو الاقذار في احدى الوهاد.‏ وكانت رحلته الاولى مع الدلو في ١٤ تموز،‏ تاريخ العيد الوطني الفرنسي.‏ وكان عليه ان يجتاز الساحة العامة التي تُدعى ستالينڠراد،‏ والتي كانت تعجُّ بنشاطات مرتبطة بالعيد.‏ وبينما كان يمشي في الساحة،‏ ودلوه ظاهرة لأعين مجموعات من الناس المستمتعين الذين خرجوا للاسترخاء وتنشق الهواء النقي،‏ انفجر الناس ضحكا.‏ لقد كان حدثا فريدا من نوعه!‏ فلم يروا من قبل قط رجلا ابيض يُنجز عملا كهذا!‏

ترحيب مدهش

في وقت ابكر من ذلك اليوم قضى الاخ نول ساعات في ترتيب الكتب والكراريس التي تركها المرسلون عندما طُرِدوا.‏ والعديد من هذه الكتب كان قد تضرر من الحشرات،‏ ولكن كان هنالك مخزون كافٍ في حالة ملائمة لتستخدمه عائلة نول في شهادتها العلنية عندما بدأت في الصباح التالي.‏

اليكم بعضا من ذكريات الاخ نول عن يومه الاول في الخدمة:‏ «عند الذهاب في عمل الكرازة لأول مرة هنا،‏ خشي‍تُ وزوجتي الاتصال بالناس،‏ معرفتهم،‏ ومعرفة ايّ نوع من الترحيب سنلقاه.‏ كانت الحقيقة ابعد من توقعاتنا.‏ بدأنا الخدمة في وسط البلدة،‏ التي كان عدد سكانها في ذلك الوقت يبلغ ‎٠٠٠,٦٠ نسمة.‏ وفي ذلك الصباح،‏ التقيتُ زوجتي مرتين عندما كنا نعود الى البيت لنملأ من جديد حقائبنا التي نحملها للشهادة بكتب مثل ‏‹الحق يحرركم›‏ و‏‹الملكوت قريب›‏‏،‏ بالاضافة الى كراريس مثل ‏‹رئيس السلام›‏‏.‏

وغالبا ما كان اصحاب البيوت يقولون:‏ «سآخذ كتابك كتذكار لمرورك»،‏ او،‏ «اذا كان هذا يتكلم عن اللّٰه،‏ فسآخذه».‏ خلال الاسبوعين الاولين،‏ وزِّع حوالي ٢٠٠ كتاب ومئات الكراريس.‏ كان من السهل البدء بمحادثات لأن الناس كانوا فضوليين ومستعدين للترحيب بالغرباء.‏ فيا له من تشجيع ان نُستقبل بضيافة كبيرة!‏

تساءل الاخ والاخت نول هل يقدران ان يدرسا مع الكثير جدا من الناس!‏ ولكنّهما تعلما بسرعة انه يجب ان يفرِّقا بين الذين يظهرون ضيافة طبيعية فحسب والذين يرغبون حقا في ان يعرفوا ويطبقوا الحق الآتي من اللّٰه.‏ ولقد اراد البعض ان يتعلموا.‏ يتذكر الاخ نول:‏ «عرَّفَنا الشخص الذي قابَلنا عند وصولنا الى مارتينيك ببعض العمال والمتمرنين في منشرته.‏ وبدأنا في الليلة نفسها بدرس وبدرسين آخرين في الاسبوع الاول».‏

كان احد هذه الدروس مع زوجين شابين هما پول ونيكول جاكلان.‏ كانا يدرسان ثلاث مرات في الاسبوع ويحرزان تقدما جيدا.‏ وسرعان ما صارا يشتركان مع عائلة نول في الشهادة من بيت الى بيت.‏ ومع هذين الناشرين الجديدين،‏ بدأ عمل الكرازة يأخذ طابعا محليا.‏

‏«تو-‏تو-‏تو»‏

عند الوصول الى البيت،‏ يجب ان يصرخ المرء:‏ «‏تو-‏تو-‏تو‏،‏  هل من احد في البيت؟‏».‏ ومن الداخل،‏ غالبا ما يجيب صوت:‏ «لماذا؟‏».‏ وبعد ان يصرخ الناشر مرة ثانية ليعرِّف بنفسه،‏ يجيب صاحب البيت:‏ «ادخل واجلس».‏ وكانت تتبع ذلك محادثات مثيرة.‏

في معظم الاحيان،‏ كان الناس مستعدين للتحدث.‏ فضغوط الحياة لم تكن معروفة في مارتينيك في تلك الايام.‏ وقليلون هم الذين كانوا يقولون ما نسمعه اليوم باستمرار:‏ «ليس عندي وقت».‏ ولكن كثيرا ما كانت النتيجة:‏ «أفهم كل ما تقولونه،‏ ولكنني لن اترك دين آبائي وأجدادي».‏ وحتى عندما كان يبدو ان هنالك بعض الاهتمام ليسأل الناشرون:‏ ‏«هل يمكن ان نراكم من جديد قريبا؟‏» غالبا ما كان الجواب:‏ «ان شاء اللّٰه».‏

عبَّر الناس عموما عن احترام كبير للكتاب المقدس.‏ لكنَّ قليلين جدا هم الذين امتلكوه.‏ فقد حاول رجال الدين الكاثوليك جاهدين ان لا يكون للناس اي اطلاع على الكتاب المقدس.‏ وبالرغم من ذلك،‏ استطاع قليلون من الناس ان يحصلوا على الترجمة الفرنسية الپروتستانتية لواضعها لْوِي سيڠوند.‏ وقد حصل عليها البعض من باعة متجوّلين،‏ وآخرون من جيرانٍ مجيئيين سبتيين،‏ وقليلون آخرون من الانجيليين.‏

رجال الدين يطلقون الانذار

بعد خمسة اشهر من ابتداء شهود يهوه نشاطهم الكرازي من جديد في فور دو فرانس،‏ أبرزت صحيفة تُصدرها الكنيسة الكاثوليكية السؤال «من هم شهود يهوه؟‏».‏ وعرضت حوارا بين كاهن وابن ابرشية:‏ «هل تعرف يهوه،‏ يا ابتِ؟‏».‏ يجيب الكاهن باستهزاء:‏ «طبعا!‏ انت تتكلم اللغة العبرانية الآن؟‏».‏ ثم تلا ذلك سلسلة متتابعة من الافتراءات على شهود يهوه وتشويه ماكر لتعاليمهم.‏ حتى انه ظهرت صورة كاريكاتورية للأخت نول في كراسة كنسية.‏

وفي وقت لاحق،‏ رغم انه لم يكن هنالك الا القليل جدا من الشهود في الجزيرة،‏ أعلن كاهن كان منزعجا بشكل واضح من هؤلاء الكارزين بالملكوت:‏ «آلاف الناس الصالحين هم على وشك ان يصيروا شهودا ليهوه لأنهم غير مطلعين جيدا على دينهم الخاص».‏ كان الامر كما اوضح يسوع المسيح في مثله عن الرجل الغني ولعازر.‏ لقد كان عامة الناس يشتهون الفتات الروحي من مائدة الكهنة الاثرياء.‏ —‏ انظروا لوقا ١٦:‏١٩-‏٣١‏.‏

زيارة نوتردام دو ڠران رُتور

قبل سنوات قليلة،‏ في السنة ١٩٤٨،‏ كان قد تزعزع ايمان العديد من الكاثوليك.‏ فقد دبرت الاسقفية مكيدة كبيرة.‏ أُحضر تمثال مريم من فرنسا وسط احتفالات كثيرة.‏ وعبر في كل مكان من مارتينيك،‏ فمجَّده الشعب الى حدٍّ لم يسبق له مثيل حتى الى هذا اليوم.‏ ووُضِع تمثال «العذراء» في قارب صغير تجرُّه دواليب،‏ وجرى التنقّل به في الشوارع.‏ وعلى طول الطريق،‏ ملأ الناس ذلك القارب بالمال والمجوهرات من اجل «السيدة العذراء».‏ في ذلك الوقت كان سكان مارتينيك،‏ فقراء كانوا او اغنياء،‏ يلبسون الحليّ الذهبية فقط.‏ ونتيجة لذلك،‏ كان ما جُمع مبلغا كبيرا من المال.‏

هنالك العديد من الاشخاص الذين لا يزالون يتذكرون بوضوح ما حصل.‏ تتذكر مارت لوران،‏ التي اصبحت الآن واحدة من شهود يهوه،‏ وصول «السيدة العذراء».‏ تقول:‏ «كانت ليلة سبت،‏ في اوائل آذار ١٩٤٨،‏ في الساحة العامة المحيطة بالساڤان،‏ المتنزَّه الذي يقع على شاطئ البحر،‏ في فور دو فرانس.‏ كانت الساحة ملآنة اناسا عندما رأينا فجأة نورا خافتا في البحر،‏ بجانب رأس لا پوانت دي ناڠر.‏ وكان الجمع الهائل مهتاجا من الاثارة؛‏ وصلت ‹العذراء› بالقارب!‏».‏ فذهبت پياريت أنطوني مرة بعد اخرى لوضع التقدمات.‏ وزيّنت هي وزوجها بيتهما بالازهار وعلّقا لافتة نُقش عليها:‏ Chez Nous Soyez Reine (‏كوني ملكة في بيتنا)‏.‏ في جوٍّ كهذا،‏ انجرف الناس عاطفيا،‏ وكانوا كرماء جدا،‏ معتقدين ان «العذراء» ستنجز العجائب.‏ على سبيل المثال،‏ كان هنالك رجل تعاني ابنته اعتلالا عضليا.‏ فتبع جاثيا القاربَ الصغير ذا الدواليب،‏ آملا ان تشفي العذراء ابنته.‏

بمرور الوقت،‏ أُخبر ان التمثال قد أُعيد الى فرنسا،‏ ولكنّ ذلك كان خدعة.‏ فقد اكتُشف لاحقا ان التمثال كان قد أُخفي في مخزن.‏ ووفقا لإشاعة محلية،‏ كانت احدى الطائرات التي وقعت في وقت لاحق في البحر تنقل المال وممتلكات اخرى جُمعت بالاضافة الى مدبِّري المكيدة.‏ وفي اعتقاد الاكثرية،‏ كان ذلك عقابهم من اللّٰه.‏ وحتى اليوم،‏ عندما يتكلم الناس عن هذه الحادثة،‏ ينتهز شهود يهوه الفرصة ليظهروا لهم ما يقوله الكتاب المقدس عن الصنمية.‏ —‏ خروج ٢٠:‏٤،‏ ٥؛‏ مزمور ١١٥:‏٤-‏٨؛‏ ١ يوحنا ٥:‏٢١‏.‏

الزواج وليس مجرد المساكنة

نجت بعض العادات الافريقية من العبودية ولم تعترض الكنيسة الكاثوليكية عليها شريطة ان يقوم المشاركون بالشعائر الكاثوليكية ايضا.‏ في هذا الجو،‏ كانت المساكنة بين اشخاص غير متزوجين سائدة.‏ وبينما كانت الاخت نول تشترك في الخدمة،‏ كان الناس يسألونها:‏ «هل لديك اولاد؟‏».‏ وعندما تجيب:‏ «كلا»،‏ يسألونها:‏ «وزوجك؟‏».‏ فلم يكن غريبا وجود رجال لديهم اولاد من نساء غير زوجتهم الشرعية.‏ وكان يجب على الذين يريدون ان يصيروا مسيحيين حقيقيين التخلي عن هذه الممارسات غير المؤسسة على الاسفار المقدسة.‏ —‏ عبرانيين ١٣:‏٤‏.‏

كان الشخص الاول في مارتينيك الذي واجه هذه الحالة امرأة لديها ستة اولاد من ثلاثة رجال مختلفين،‏ وكانت تعيش مع والد طفلها الاخير عندما بدأت تدرس الكتاب المقدس.‏ ادركت مارڠريت ليلاي بسرعة التغييرات الهائلة التي يجب ان تقوم بها اذا كانت تريد ارضاء يهوه.‏ (‏١ كورنثوس ٦:‏٩-‏١١‏)‏ فطلبت من زوجها الذي اقترنت به بزواج عرفي ان يغادر،‏ وبالرغم من انها كانت تعاني مشاكل صحية،‏ واجهت بشجاعة صعوبات مالية لتعتني بأولادها الستة.‏ اعتمدت سنة ١٩٥٦.‏ ولاحقا،‏ صارت اول شخص من سكان مارتينيك يصبح فاتحا خصوصيا.‏

ارادت ايضا جانّ ماكسيمان التي كانت قد انجبت اولادا لزوجها الذي اقترنت به بزواج عرفي ان تعتمد.‏ وكان قد وعدها مرات عديدة انه قبل المحفل التالي سيسجل زواجهما شرعيا،‏ ولكنّه لم يفِ قط بوعده.‏ وأخيرا،‏ سنة ١٩٥٩،‏ عندما اقترب محفل آخر،‏ انتهزت فرصة غيابه لتترك المنزل.‏ وعند عودته،‏ اندهش كثيرا عندما رأى انها ذهبت وأن الكثير من الاثاث قد اختفى!‏ لم يتردد الجيران في اخباره بمكان وجودها.‏ فأصرَّ على ان تعود الى المنزل،‏ ووعدها بأن يتزوجا في غضون اسبوعين،‏ سيقوم خلالهما بالترتيبات الضرورية.‏ فكان جوابها واضحا:‏ «سأعود في اليوم الذي نتزوج فيه،‏ وليس قبل ذلك».‏ فأُجريت الترتيبات الضرورية وتزوجا شرعيا خلال عشرة ايام.‏ وقد مرَّت العديدات من اخواتنا باختبارات مماثلة.‏

اكتسب شهود يهوه صيتا انهم يمارسون دينا يُنظر فيه الى الزواج كمؤسسة الهية.‏ اندهشت احدى موظفات الخدمات المدنية لقرية لو ڤوكلان عندما رأت انه في فترة قصيرة من الوقت،‏ خدم جاك وپياريت نيلسون،‏ فاتحان خصوصيان محليان،‏ كشاهدين لحفلي زفاف أُجري كل منهما لرفيقين كانا يعيشان معا لعدة سنوات دون زواج.‏ وقد كان لدى تلك الموظفة كتاب جعل حياتكم العائلية سعيدة،‏ ولكنّها وعدت الآن بقراءته مرة ثانية لأن وضعها مماثل لحالة الاشخاص الذين زوَّجَتهم قبل فترة قصيرة.‏ وقبل ان تنتهي محادثتهم،‏ قالت لشاهدَينا بنغمة تنمُّ عن ارتياح:‏ «‏Jamais deux sans trois‏» (‏«اذا كان هنالك اثنان،‏ فسيوجد ايضا ثالث»)‏.‏ وقد تبرهنت صحة ذلك في هذه الحالة،‏ لأنه بعد وقت ليس بطويل،‏ كان الفاتحان امامها مرة ثانية يقومان بدورهما كشاهدين لزواج رفيقين ثالثَين كانا قد درسا معهما.‏

التحرر من اساءة استعمال الكحول

تشتهر مارتينيك بالرَّم.‏ وهذا المشروب الكحولي المصنوع من قصب السكر يمكن ايجاده في كل مكان في الجزيرة.‏ ويتمتع به الكثيرون،‏ ولكن يمكن ان يكون مؤذيا جدا اذا استُعمل بإفراط.‏ في خمسينات الـ‍ ١٩٠٠ كان باستطاعة المرء ان يدخل الى الحانة ويحصل على كأس رَم ملآنة لقاء ٥٠ سنتيما فقط (‏نحو ١٠ سنتات اميركية)‏.‏ فتُوضع امام الزبون زجاجة رَم،‏ زجاجة شراب قصب السكر،‏ وبضع شرحات من الليمون الحامض الاخضر المحلي،‏ ويُسمح له بأن يمزج شرابه الخاص.‏

هل استطاع الكتاب المقدس مساعدة الاشخاص الذين كانوا يفرطون في شرب الرَّم باستمرار؟‏ نعم،‏ بالتأكيد!‏ (‏١ بطرس ٤:‏٣‏)‏ وأول شخص كان امرأة اعتادت الشرب الى حد ان الجلوس قبالتها والتكلم معها كان مزعجا للغاية.‏ اضافة الى ذلك،‏ كانت تعيش مع رجل لم يكن متزوجا بها وكان مستعبدا للكحول بقدر ما كانت هي.‏ وفي غضون اشهر،‏ توقفت عن الشرب نتيجة ما تعلمته من درسها البيتي في الكتاب المقدس،‏ وتركت زوجها الذي اقترنت به بزواج عرفي.‏ وكل من كان يعرفها لاحظ التغييرات.‏ فتحسنت صحتها.‏ وتحسنت حياتها المهنية،‏ وثُبِّت مركزها كموظفة رسمية.‏ وعندما تلقت مبلغا من المال لقاء عمل قامت به،‏ استعملته لحضور محفل «المشيئة الالهية» الاممي لشهود يهوه في نيويورك سنة ١٩٥٨.‏ وإلى هذا اليوم،‏ وبالرغم من ان إليزا لافين تبلغ الـ‍ ٩٠ من العمر،‏ فهي تشترك قانونيا في الكرازة ببشارة الملكوت.‏ وهي ايضا مثال للسلوك المسيحي الحسن.‏ يمكن لكلمة اللّٰه حقا ان تحرر الشخص من عبودية الكحول.‏

الثمر الناتج من قلب الجزيرة

على خريطة مارتينيك،‏ تبدو الجزيرة وكأنها تحيط بخليج فور دو فرانس.‏ ودون ايّ شك،‏ هنا يقع قلب المقاطعة.‏ فعلى طول الجهة الشمالية من الخليج،‏ توجد ثلاث بلدات متجاورة —‏ فور دو فرانس،‏ شولشير،‏ ولو لامنتان.‏ ويعيش نصف سكان مارتينيك تقريبا في هذه المنطقة.‏ وباستثناء الزراعة،‏ تتركز معظم نشاطات الجزيرة هنا.‏ والكرازة بالبشارة بدأت في هذه المنطقة،‏ وباستثناءات قليلة فقط،‏ اتى الناشرون الاوائل من هنا.‏

وفي وقت باكر،‏ سنة ١٩٥٥،‏ بدأ الاخ والاخت نول القيام برحلات خارج العاصمة لنشر رسالة الملكوت.‏ وكانا يقضيان النهار كلّه في البشارة ويعودان الى المنزل في المساء.‏ وفي اسبوع،‏ يذهبان يوم الجمعة الى لو لامنتان،‏ ثم في الاسبوع التالي الى قرية لو فرانسوا قرب الساحل الشرقي.‏ وشيئا فشيئا بدأ الناس بقبول الحق.‏ وكان بين الاشخاص الاوائل في لو لامنتان:‏ جانّ ماري-‏أناييس،‏ سوزان ڠيتو،‏ ليليان نيرال،‏ وپوليت جان-‏لْوِي.‏ وفي لو فرانسوا،‏ كانت هنالك عائلات ڠودار وكاداس وپيار لْوازو.‏ وفي وقت لاحق،‏ أُرسل فاتحون خصوصيون الى لو لامنتان.‏ وبين هؤلاء كان ڤالنتين كارِل ونيكولا رينال.‏ (‏صار الاخ كارِل لاحقا عضوا في لجنة الفرع.‏)‏ وهنالك الآن سبع جماعات في تلك المناطق وفي مناطق اخرى قريبة منها الى الجنوب.‏

بدا ان بعض الاشخاص كانت لهم بداية جيدة،‏ لكنَّهم تركوا لاحقا الطريق الضيق.‏ لقد هزمتهم هموم الحياة،‏ المادية،‏ والفساد الادبي.‏ وقبِل كثيرون آخرون كلمة الملكوت في قلوبٍ برهنت انها كالارض الجيدة التي تنتج ثمرا لسنوات كثيرة.‏ (‏متى ١٣:‏١٨-‏٢٣‏)‏ والاغلبية الساحقة من الذين اعتنقوا العبادة الحقة في تاريخ باكر لا يزالون يخدمون يهوه بولاء.‏ وبين هؤلاء هنالك اخوة اعتمدوا في مارتينيك قبل اكثر من ٣٠ سنة وهم:‏ ليون وكريستيان بِلاي،‏ جول نوبول،‏ جرمان بِرتولو،‏ ڤنسان مولر،‏ روجيه روزامون،‏ ألبير نيلسون،‏ ڤنسان زِبو،‏ وفيليپ دوردون.‏ وقد اظهروا جميعا محبة عظيمة ليهوه وهم يقضون حداثتهم في خدمته.‏ انهم لم يعودوا احداثا،‏ ولكنّهم جميعا مستمرون في الخدمة كشيوخ في الجماعات.‏ وآخرون ماتوا —‏ وبينهم،‏ توسّان لادا،‏ الذي يتذكره القدماء لطبعه الهادئ وابتسامته الدافئة.‏ وهنالك كثيرون آخرون يمكن اضافتهم الى لائحة الاخوة القدماء الذين كانوا او لا يزالون امثلة حسنة للايمان والغيرة.‏ ويتبع الجيل الاحدث خطواتهم،‏ وبالنسبة الى الاكبر سنا،‏ فإنّ هذا هو مصدر فرح عظيم.‏

النساء يبشّرن بولاء

في تلك الايام الباكرة،‏ كان عدد من الاخوات اللواتي كنّ معلمات في وزارة التربية الوطنية يقمن ايضا بعمل رائع كمعلمات لكلمة اللّٰه.‏ وبينهن كانت ستيلا نِلزي.‏ لقد كانت اولى المعتمدات بين هذه المجموعة،‏ واستمرت في الخدمة بغيرة حتى عندما كانت تعتني بأمها المسنَّة،‏ التي ماتت عن عمر ١٠٢ سنة.‏ وهنالك ايضا اندريه زوزور،‏ التي كانت مديرة مدرسة والتي دافعت بفعالية عن حق كلمة اللّٰه،‏ بالاضافة الى الاخت ڤيكتور فووس (‏الآن لازيمان)‏،‏ التي بقيت ثابتة بالرغم من المقاومة العائلية القوية.‏ وقد اثَّر مثال الاخت فووس الحسن تأثيرا جيدا في اولادها.‏ نتيجة لذلك،‏ يخدم احد ابنائها كشيخ لعدة سنوات،‏ وابنتها مارلين،‏ هي مرسلة في مالي.‏

انهت اخريات سباقهن المسيحي بسبب السنّ او المرض.‏ وقد صحَّ ذلك مع ليونيد پوپانكور التي كانت قد تقاعدت في سن مبكرة وخدمت كفاتحة طوال ١٦ سنة.‏ ومع ان الاخت پوپانكور ماتت سنة ١٩٩٠،‏ تخدم ابنتها جاكلين كمرسلة في ڠيانا الفرنسية.‏ ورسمت الاخت إيما اورسوليه ايضا مثالا حسنا في الدفاع عن حقِّ الكتاب المقدس،‏ وحاولت خصوصا مساعدة اولادها على السير في طرق يهوه.‏ فانخرطت ثلاث من بناتها في خدمة الفتح،‏ ويخدم ابنها هنري كعضو في لجنة الفرع في مارتينيك.‏

لا تزال سارة نول،‏ التي اتت الى مارتينيك كفاتحة خصوصية منذ ٤٣ سنة،‏ غيورة في الخدمة كامل الوقت وهي بعمر ٨٢ سنة.‏ وبالرغم من ان المقاطعة تُخدَم تكرارا،‏ تستمر في احراز نجاح بارز في توزيع برج المراقبة واستيقظ!‏‏.‏ وبتطبيق اقتراحات الجمعية في ما يتعلق بالعمل في المقاطعات التجارية،‏ تمكنت من الوصول الى معظم مكاتب الحكومة.‏ وكانت تقوم بجولة مجلات تضمنت مبنى البلدية،‏ مركز الشرطة الرئيسي،‏ وزارة الاشغال العامة،‏ وأماكن اخرى كثيرة.‏ ووزَّعت في بعض الاشهر ٥٠٠ مجلة.‏ وخلال سنواتها في مارتينيك،‏ وزَّعت اكثر من ‎٠٠٠,١١١ مجلة.‏

المياه تتسلق الجبال

في مارتينيك يوجد الكثير من الجبال.‏ ويُقال ان اميرالا انكليزيا اراد ان يعطي الملك جورج الثاني فكرة عن شكل البلد،‏ فأخذ ورقة صغيرة،‏ جعَّدها،‏ ورماها على الطاولة.‏ وقال:‏ «يا سيدي،‏ هذه هي مارتينيك!‏».‏ وهنالك مَثَل كرييولي يقول:‏ «‏دْلو پا كا مونتي مورن»‏ (‏«المياه لا يمكن ان تتسلق الجبال»)‏.‏ ولكن في مارتينيك،‏ هنالك مياه تصعد الجبال.‏ تقع المدينة القديمة،‏ فور دو فرانس،‏ عند سفح العديد من التلال بموازاة سطح البحر.‏ ولقد صعدت مياه حق الكتاب المقدس تلك التلال.‏ —‏ رؤيا ٢٢:‏١٧‏.‏

سنة ١٩٥٦،‏ بالرغم من انه لم يكن في الجزيرة سوى سبعة ناشرين وثلاثة فاتحين،‏ وُزِّع ‎٠٠٠,٥ كتاب،‏ اكثر من ‎٠٠٠,٩ مجلة،‏ والعديد من الكراسات.‏ والكثير من هذه المطبوعات وزِّع في محطات الباص على الركاب الذين كانوا يصلون من او يغادرون الى كل انحاء الجزيرة.‏ وكان الاخ والاخت نول يذهبان ايضا الى اسواق السمك والخضر لتقديم المجلات،‏ وقد بشَّرا في الكثير من الحانات الواقعة بالقرب من الاسواق.‏ وبهذه الطريقة كان القرويون يعودون الى بيوتهم الواقعة في التلال وأبعد منها،‏ ومعهم مطبوعات الكتاب المقدس الثمينة في حقائبهم.‏

غير تاركين اجتماعنا

بعد اسابيع قليلة فقط من وصول الاخ والاخت نول الى مارتينيك،‏ بدأا بتشجيع الذين كانوا يدرسون على حضور الاجتماعات.‏ (‏عبرانيين ١٠:‏٢٣-‏٢٥‏)‏ ونتيجة لذلك،‏ اجتمع قليلون منهم في حجرة الجلوس في بيت خشبي بسيط في مورن پيشوڤان في فور دو فرانس.‏ كانت الغرفة تتسع لنحو عشرة اشخاص فقط.‏ وبينما كانت عائلة نول تشترك في الخدمة،‏ كثيرا ما كان الناس يسألون هل هنالك مكان للاجتماع يمكنهم ان يأتوا اليه.‏ فتاق المرسلون الى مكان ملائم اكثر.‏

بعد ذلك عرض مدير فندق في فور دو فرانس،‏ وهو لا يزال يتذكر المرسلين الشهود الاوائل (‏الذين اقاموا في نُزْله لفترة)‏،‏ استعمال غرفة الطعام في مطعمه بعد ظهر ايام الآحاد،‏ لأن المطعم يكون مقفلا في ذلك اليوم.‏ كان المطعم يقع في شارع شولشير،‏ الذي سمِّي باسم السياسي الفرنسي الذي اصدر مرسوم ٢٧ نيسان ١٨٤٨،‏ وفيه حدَّد الشروط لإبطال الاسترقاق.‏ وكانت الكاتدرائية تقع في الشارع نفسه.‏ أما الآن،‏ وبعد ان اصبح لدى الشهود مكان افضل للاجتماع فيه،‏ فقد فكروا في انّ اعدادا كبيرة من الناس سيحضرون.‏ ولكن لفترة من الوقت،‏ اجتمع هناك من ٥ الى ١٠ اشخاص فقط،‏ في قاعة قادرة على استيعاب اكثر من ١٠٠ شخص.‏ وعندما كانوا يدعون آخرين الى الحضور،‏ كان الجواب عادة:‏ «ان شاء اللّٰه،‏ آتي».‏ ولكن في الواقع نادرا ما كان احد يفكر جديا في ما يقوله الكتاب المقدس عن مشيئة اللّٰه في هذه المسألة.‏

ولكن كانت السيدة مارسو،‏ وهي معلمة متقاعدة،‏ تحضر اولا الخدمات الكنسية في الكاتدرائية ثم تأتي بانتظام لتصغي الى رسالة الكتاب المقدس.‏ وأليس لاسُس،‏ التي كانت تنظف في الكاتدرائية،‏ حضرت ايضا هذه الاجتماعات.‏ وصارتا كلتاهما شاهدتين وليَّتين ليهوه.‏ ولكن كان الشهود في الواقع يحتاجون الى مكان اجتماعٍ يكون ملائما اكثر لحجم الفريق.‏

بعد عدة اشهر،‏ نقلوا اجتماعاتهم الى Villa Ma Fleur de Mai (‏ڤيلّا زهرتي النوّاريّة)‏،‏ في كليريار في فور دو فرانس،‏ التي كانت تُستعمل آنذاك كبيت للمرسلين.‏ اندهشت ستيلا نِلزي،‏ التي كانت قد بدأت بحضور الاجتماعات،‏ من ملاحظة أُبديت في احدى المناسبات.‏ تتذكر لاحقا:‏ «قال العريف:‏ ‹هذا اهم بيت في كل مارتينيك!‏›».‏ ولكنها اضافت:‏ «سرعان ما فهمت لاحقا انه على حق.‏ كان البيت متواضعا وقد زوِّد بمقاعد صُنعت من الواح خشبية كانت قد استعملت قبلا كصناديق،‏ ووُضِعت عليها وسادات رقيقة مصنوعة من اوراق كرتونية.‏ ولكن في ذلك البيت كان المرء يتعلم عن القصد الرائع ليهوه اللّٰه وابنه يسوع المسيح،‏ مشيئتهما،‏ وشخصيتهما التي لا تضاهى.‏ نعم،‏ لقد كان حقا اهم بيت!‏».‏

سنة ١٩٦٠ ارتفع عدد الناشرين الى ٤٧.‏ ومرة ثانية،‏ كان ضروريا ايجاد مكان آخر واسع كفاية للاجتماع فيه.‏ قدَّمت ادريان روديه غرفتين في الطابق السفلي من بيتها في بِلڤو.‏ وبعد سنتين اقترحت ان نزيل الحائط المتبقي لتوسيع مكان اجتماعنا وأن تنتقل هي الى الطابق العلوي.‏ تضاعف عدد الناشرين في مجرد سنتين.‏ وصار هنالك ٩٤ ناشرا،‏ بالاضافة الى ١٧٧ درسا بيتيا في الكتاب المقدس.‏ وبما ان بعض الناشرين كانوا من الجهة الاخرى من فور دو فرانس،‏ بدا من الحكمة تشكيل فريق ثانٍ.‏ وهذا الفريق كان يجتمع في منزل إينُوار پويزي في سانت تيريز،‏ منطقة صغيرة في الجزء الجنوبي من فور دو فرانس.‏

واستمر التوسع.‏ وبحلول سنة ١٩٦٤ بلغ معدل الناشرين ١٥٧ ناشرا.‏ ولاستيعاب الذين كانوا يحضرون الاجتماعات،‏ جرى شراء بيت في منطقة بِلڤو في فور دو فرانس وحُوِّل الى قاعة ملكوت.‏ وبعد خمس سنوات بُنيت قاعة ملكوت جديدة في جزء آخر من المدينة.‏ لقد تكرَّم سيزير وإلڤير كازيما بتقديم سطح بيتهما الاسمنتي،‏ فبُنيت عليه قاعة الملكوت.‏

عندما كانت المحافل صغيرة

عُقد اول محفل سنة ١٩٥٥.‏ وقد جرى عقده في منزل الاخ والاخت نول.‏ ولتشجيع الشهود الـ‍ ٥ في مارتينيك،‏ قام سبعة وعشرون من ڠوادلوپ برحلة.‏ لم يبلغ مجموع عدد الحضور الـ‍ ٤٠.‏ لكنَّ برنامج المحفل زوَّد وفرة من الطعام الروحي.‏ فكم كان مفرحا ان يكونوا معا في جو روحي وأخوي!‏

في تلك الايام،‏ كان من الصعب الابتداء بالاجتماعات في الوقت المحدَّد.‏ وعندما كان الاشخاص يأتون متأخرين،‏ كانت تحصل في بعض الاحيان مواقف مضحكة.‏ فخلال محفل في سنة ١٩٥٦،‏ اظهرت تمثيلية كاهنا،‏ في زيّه التقليدي،‏ ذاهبا الى بيت احد الاشخاص ليثنيه عن قراءة مطبوعات شهود يهوه.‏ فلبس اخ،‏ كانت له لحية آنذاك،‏ لباس كاهن ليلعب هذا الدور.‏ ولم يدرك شخص مهتم وصل متأخرا انها كانت مجرد تمثيلية.‏ بعد الاجتماع،‏ قال بانفعال:‏ ‹لا اوافق على ما فعله ذلك الكاهن.‏ فشهود يهوه لا يذهبون الى الكاتدرائية ليسبِّبوا الاضطراب،‏ ولا ينبغي ان يأتي الكاهن الى هنا ليفعل ذلك!‏›.‏

رسالة حرية الى الساحل الشمالي الشرقي

بمرور الوقت،‏ احتاجت اجزاء الجزيرة البعيدة عن العاصمة الى مزيد من الاهتمام.‏ يمتد ساحل مارتينيك الغربي بمحاذاة البحر الكاريبي،‏ وساحلها الشرقي بمحاذاة المحيط الاطلسي.‏ ونتيجة لذلك،‏ تضرب الرياح التجارية الساحل الشرقي مباشرة،‏ مسببة امطارا غزيرة ورطوبة مرتفعة.‏ وفي التلال والهضاب الريّانة لتلك المنطقة،‏ ينمو كل شيء —‏ قصب السكر،‏ البقول الخضراء،‏ الموز،‏ وفواكه اخرى.‏ والقرى الكبيرة،‏ التي يصطف معظمها على طول الساحل،‏ تعتمد ايضا على صيد السمك.‏

وهذه ايضا منطقة يكشف تاريخها عن تجارة العبيد وعن تحريرهم.‏ ففي قرية لو لوران،‏ تذكِّر اسماء بعض المناطق بذلك العصر،‏ على سبيل المثال،‏ فون جان ليبر (‏وادي الشعب المحرَّر)‏ وفون ماسّاكْر (‏وادي المذبحة)‏.‏ وبالرغم من إبطال الاسترقاق،‏ وجد شهود يهوه عندما اخذوا رسالة ملكوت اللّٰه الى هذه المنطقة،‏ ان الناس لا يزالون بحاجة الى التحرر.‏ فقد احتاج الناس الى التحرر من الدين الباطل والخرافات،‏ الامر الذي يحدث فقط باعتناق حق الكتاب المقدس.‏

تحطيم الصور ورميها في الشارع

في ١ تشرين الثاني ١٩٥٤ قام المرسلون برحلتهم الاولى الى باس پوانت،‏ في الساحل الشمالي،‏ التي تبعد ٥٠ كلم (‏٣٠ ميلا)‏ عن فور دو فرانس.‏ والطريق المؤدي الى هذه القرية،‏ التي تشتهر بصيد السمك والزراعة،‏ شديد الانحدار.‏ وكان الطريق في حالة سيئة،‏ وخصوصا بعد فصل الامطار،‏ فاضطُرَّ المرسلون في بعض الاماكن الى النزول عن دراجاتهم الصغيرة المجهزة بمحركات ودفعها.‏

كانوا يأملون زيارة مديرة المدرسة في القرية.‏ ففي وقت ابكر،‏ كانت على اتصال بشهود يهوه في فرنسا وعندها اشتراك في استيقظ!‏،‏ ولكن كان اشتراكها قد انتهى الآن.‏ وقد تبرهن ان الزيارة نافعة جدا.‏ فقد اوضحت السيدة انها،‏ بالرغم من كونها معلمة دين،‏ توقفت عن حضور الكنيسة بعد ان تكلم الكاهن بعدم احترام عن مؤسسة الزواج.‏ وأظهرت اهتماما بما يقوله الكتاب المقدس عن النفس وعن الحياة الابدية في فردوس ارضي.‏ وبعيد ذلك،‏ رجعت الى فرنسا،‏ وهناك نذرت نفسها ليهوه واعتمدت.‏

في مارتينيك،‏ كانت تُعدُّ شخصا بارزا في المجتمع وكانت تُعرف بأنها كاثوليكية مخلصة.‏ فتخيلوا الفوضى التي حدثت بعد ان عادت الى مارتينيك وحطمت جميع اصنامها،‏ الصغيرة والكبيرة،‏ ورمت القطع المكسورة امام منزلها لتلتقطها مصلحة تجميع النفايات.‏ (‏قارنوا تثنية ٩:‏١٦،‏ ٢١‏.‏)‏ كان الكاهن حانقا،‏ لذلك حضَّر بعض العظات الحماسية وألقاها لينتقد بقسوة سلوك هذه الكاثوليكية السابقة.‏ ونتيجة لذلك،‏ صار الجميع يتكلمون عمّا سمَّوه دين السيدة كريسّان.‏ وطوال ٤٢ سنة،‏ وكواحدة من شهود يهوه،‏ وقفت ڠبريال كريسّان،‏ التي هي بعمر ٨٨ سنة،‏ نفسها لتحقيق اغلى امانيها:‏ «لتكن كل دقة من دقات قلبي لتسبيح يهوه».‏

وقررت امرأة كاثوليكية اخرى،‏ جارةٌ سمعت الكاهن يتكلم جهرا بهذه الطريقة الخبيثة ضد الاخت كريسّان،‏ ان تسألها عن الامر.‏ كانت هذه ليوني دُكْتيل،‏ أمّ لـ‍ ١١ ولدا وزوجة ساعي بريد محلي.‏ وإذ اقتنعت بأن ما تتعلمه من الاخت كريسّان هو فعلا الحق،‏ ابتدأت بدرس الكتاب المقدس مع اولادها.‏ وخلال السنوات التي تلت،‏ صارت هي وتسعة من اولادها شهودا منتذرين ومعتمدين.‏ وبعد عدد من السنوات،‏ تزوجت احدى بناتها،‏ إدڠار،‏ بجِرار تريڤيني،‏ الذي اصبح في ما بعد عضوا في لجنة الفرع.‏

وقبل ان تتعلم ليوني دُكْتيل الحق بعشر سنين بمساعدة الاخت كريسّان،‏ كانت جورجيت جوزيف،‏ احدى جاراتهما،‏ قد سمعت الاسم يهوه في ترتيلة رُتِّلت خلال احتفال في الكنيسة المجيئية.‏ وقد جذب الاسم انتباهها،‏ والآن كانت جارتها،‏ السيدة دُكْتيل،‏ تخبرها ان احدى السيدات قد فسرت لها كلمة يهوه.‏ فأرادت في الحال ان تعرف المزيد.‏ وصار الجميع،‏ هي،‏ اولادها الثمانية،‏ ولاحقا زوجها،‏ شهودا ليهوه.‏

شكَّلت تلك العائلات القليلة نواة العبّاد الحقيقيين على الشاطئ الشمالي للجزيرة من جهة المحيط الاطلسي.‏ وفي السنوات التالية،‏ كانت بذار الحق من باس پوانت تُزرَع في البلدات والقرى على الساحل الاطلسي.‏ ونمت هذه البذار وأزهرت في لو لوران،‏ ماريڠو،‏ سانت ماري،‏ ترينيتيه،‏ ولو روبير،‏ بالاضافة الى أجوپا بوييون،‏ ڤير پريه،‏ وڠرو مورن في داخل الجزيرة.‏

ساهم الفاتحون الغيورون في انتشار الحق على طول الساحل الشرقي.‏ فقد انتقلت أوسمان لياندر،‏ وهي ارملة،‏ الى سانت ماري في سنة ١٩٦٥،‏ وفتحت منزلها لعقد الاجتماعات.‏ وفي كانون الاول ١٩٦٧،‏ وصلت الى لو روبير فاتحتان خصوصيتان من ڠوادلوپ هما أركاد بِلڤو وماريز مانسويلا،‏ وقد ثابرتا بالرغم من مقاومة الكاهن الكاثوليكي المحلي.‏ سنة ١٩٧٠،‏ ابتدأت ألين أدِلايد وجاكلين پوپانكور بتقديم الشهادة في لو لوران،‏ حيث استطاعت ألين استعمال الاسفار المقدسة لمساعدة ممارِسة عيافة سابقة على التحرر من سيطرة الشياطين.‏ وبعد ثلاث سنوات انضمت اليهما ثلاث اخريات،‏ ميشال وجانّ اورسوليه وجوزيت مِرين.‏ وقد تركت هؤلاء الفاتحات في لو لوران عملهن كمعلمات ليشتركن في عمل تعليمي اهم بكثير —‏ تعليم الحق الذي يقود الى الحياة الابدية.‏

لماذا اراد الكاهن كتاب الحق؟‏

تروي جانّ اورسوليه:‏ «في سنة ١٩٧٤،‏ ارسلت الينا الجمعية رسالة من شخص يعيش في لو لوران.‏ لقد ابدى الرجل اهتماما شديدا بالحصول على مطبوعات شهود يهوه وخصوصا كتاب الحق الذي يقود الى الحياة الابدية،‏ الذي كان قد رآه في منزل احد الاشخاص.‏ وفي الصباح التالي،‏ بدأنا البحث عن الرجل.‏ لم يكن اسمه مألوفا لنا،‏ لذلك اضطررنا ان نسأل ساعي البريد عمّن يكون.‏ وكم اندهشنا عندما عرفنا ان تلك الرسالة كانت قد أُرسلت الى الجمعية من كاهن الابرشية!‏

‏«ذهبنا الى بيت الكاهن ونحن نتساءل عن نوع الترحيب الذي سنلقاه.‏ عرَّفنا الرجل بنفسه وأخبرنا ببرودة انه لا يرغب في التكلم معنا وأنه مهتم فقط بالمطبوعات.‏ لقد كنا حائرات.‏ ولكن،‏ بعد تلك الزيارة بفترة من الوقت،‏ غالبا ما اخبرنا الناس في ذلك المجتمع ان الكاهن فسَّر لهم بعض الامور بالطريقة نفسها التي نقوم بها.‏ لذلك استنتجنا انه يستعمل دون شك مطبوعاتنا ليحضِّر عظاته».‏

التماس اللّٰه وإيجاده

سنة ١٩٦٧،‏ شكَّل اربعة فاتحين خصوصيين اضافيين —‏ أوكتاڤ تِليز،‏ زوجته ألڤينا،‏ وإيلي ولوسيت ريڠالاد —‏ ما اصبح جماعة ترينيتيه.‏ وقد خرج إيلي ريڠالاد في اليوم الذي تلا وصوله ليقوم بالبشارة.‏ وأين ابتدأ؟‏ اذ تجاوز البيوت على الشمال وعلى اليمين،‏ ذهب مباشرة الى بيت السيدة موتوسامي وطرق بابها.‏ لم يلتقها من قبل قط،‏ ولم يعطه احد اسمها.‏ ولكن دعوها تروي قصتها:‏

‏«من الطفولة،‏ كنت متعلقة كثيرا بديني الكاثوليكي.‏ وعملت لسنوات عديدة في مركز الرعاية اليومية للأطفال الذي كان الكهنة يديرونه.‏ ولكن خاب املي بسبب الرياء الموجود في الكنيسة.‏ وكان تعلقي بها يضعف تدريجيا.‏ وعندما حان الوقت ليتلقى ابناي الاكبران التعليم الكاثوليكي،‏ كان موقفي منقسما بين اصرار اقرباء زوجي الكاثوليك،‏ مقاومة زوجي الشيوعي،‏ وتأثير اختي المجيئية.‏ لم اعرف ماذا افعل.‏ قضيت جزءا كبيرا من الليل في الصلاة الى اللّٰه من اجل المساعدة على ايجاد الحل.‏ وفي الصباح التالي طرق الاخ ريڠالاد بابي،‏ معرِّفا بنفسه كواحد من شهود يهوه.‏ لقد اتى مباشرة الى منزلي.‏ كنت اول شخص يتكلم معه في ترينيتيه».‏

اعتمدت ليزيت موتوسامي وزوجها الشيوعي سابقا بعد ثمانية اشهر.‏ واليوم،‏ بعد اكثر من ٣٠ سنة،‏ يستمران في خدمة يهوه مع كامل عائلتهما.‏ ويخدم ثلاثة من ابنائهما كشيوخ.‏ فعلا،‏ عندما يلتمس الناس جديا الاله الحقيقي يجدونه،‏ تماما كما يقول الكتاب المقدس.‏ —‏ اعمال ١٧:‏٢٦،‏ ٢٧‏.‏

لقد برهنت المقاطعة انها مثمرة،‏ وتشكَّلت جماعات.‏ واحدة في ترينيتيه،‏ ومنها نشأت ست جماعات اخرى —‏ اثنتان في لو روبير،‏ واحدة في سانت ماري،‏ واحدة في ڠرو مورن،‏ واحدة في ڤير پريه،‏ وأخرى في ترينيتيه.‏ وتستمر جميعها في النمو،‏ مما يجلب الاكرام ليهوه.‏

الكهنة يهاجمون

في كل مكان في مارتينيك كان تناقص سيطرة رجال الدين على الناس الذين ابقوهم في جهل مصدرَ غضب لهم.‏ عبَّر احد كهنة الابرشية عن غضبه عندما صادف شابتين تزوران اقرباء جار ميت في باس پوانت،‏ سنة ١٩٥٦.‏ وإذ عرف ان الشابتين تدرسان الكتاب المقدس مع شهود يهوه،‏ اتَّهمهما بأنهما مرتدَّتان وهدَّدهما بنار الهاوية لأنهما توقفتا عن حضور القداس.‏ وعندما اجابته احدى الشابتين بحزم،‏ صفعها بكل قوته،‏ وإذ حمي غضبه،‏ ركب في سيارته الجيپ وغادر.‏

في لو روبير،‏ بعد وصول اختين فاتحتين سنة ١٩٦٧،‏ منع الكاهن ابناء ابرشيته من فتح ابوابهم لهما.‏ وذات يوم،‏ اذ استشاط غضبا،‏ أوشك ان يصدمهما بسيارته.‏ وفي كراسات الابرشية،‏ ازدادت الانذارات القاسية والغاضبة،‏ ومن على منابر الوعظ،‏ استنزل الكهنة لعنات كنسية رسمية بكلمات لاذعة على الموصوفتين بأنهما ‹عميلتا الشيطان اللتان اتتا لتعكرا سلام الكنيسة الكاثوليكية الرومانية›.‏

اشتركت الطوائف الدينية الاخرى في الهجوم.‏ واتهمتنا باطلا الديانات الانجيلية بشكل خصوصي بأننا لا نؤمن بيسوع المسيح.‏ واتَّهمنا المجيئيون بعدم احترام السبت،‏ في حين ان معظمهم يحفظونه بكلامهم لا بأعمالهم.‏ ولفترة من الوقت سمح الاخوة لأنفسهم بأن يشتركوا في مناقشات لا تنتهي ابدا مع قسوس تلك الاديان.‏ وغالبا ما كانت المناقشات تنتهي في وقت متأخر من الليل ودون فائدة.‏ فتعلمنا تدريجيا،‏ بمساعدة العبد الامين الحكيم،‏ ان نستخدم وقتنا في البحث عن المشبهين بالخراف الذين يتمتعون حقا بالاستماع الى صوت الراعي الصالح،‏ وإيجادهم.‏

مع ذلك،‏ فتحت هذه المناقشات اعين القليلين من المشبهين بالخراف.‏ وهذا ما حدث مع جول نوبول في فور دو فرانس.‏ فقد لاحظ ان القس كان يتظاهر فقط بأنه يقتبس من الكتاب المقدس —‏ ولكنه في الواقع كان يختلق الآيات —‏ في محاولة لدعم التعليم ان المسيحيين يجب ان يحفظوا السبت.‏ (‏قارنوا رومية ١٠:‏٤؛‏ كولوسي ٢:‏١٣-‏١٦‏.‏)‏ والاخ نوبول هو الآن شيخ بين شهود يهوه.‏ ورأت جرترود بوڤال من ترينيتيه،‏ التي كانت مجيئية سبتية،‏ خداع قسّها خلال مناقشة مع أوكتاڤ تِليز،‏ الذي كان يخدم هناك كفاتح خصوصي مع زوجته،‏ ألڤينا.‏ وبعد سنوات،‏ وبالرغم من السن المتقدمة والصحة الرديئة،‏ لا تزال الاخت بوڤال ملتصقة بولاء بهيئة يهوه.‏

عند سفح البركان —‏ هل يصغون؟‏

في الجزء الشمالي الغربي من الجزيرة،‏ تقع مدن سان پيار،‏ لو پريشور،‏ لو كاربيه،‏ ولو مورن روج،‏ جميعها حول جبل پيليه،‏ الذي اشتُهر بشكل محزن بتدميره سان پيار وإهلاك سكانها الـ‍ ‎٠٠٠,٣٠ سنة ١٩٠٢.‏

وفي ما يتعلق بالثوران الذي حدث في ٨ ايار من تلك السنة،‏ يتذكر الناس بشكل رئيسي ان سكان سان پيار تجاهلوا الانذارات ورفضوا الفرار.‏ فطيلة شهر كان البركان يقذف بقوة الدخان،‏ الرماد،‏ وقِطعا من الصخر.‏ وغطَّى الرماد سان پيار.‏ وقتل السيل الطيني خمسة وعشرين شخصا.‏ كان الناس خائفين،‏ ومع ذلك لم يفرُّوا.‏ من جهة،‏ كان سبب ذلك موقفهم المؤيد لمذهب الجبرية؛‏ ومن جهة ثانية،‏ كان السبب ان قادة الشعب،‏ بمن فيهم رجال الدين،‏ قد حرَّضوهم على البقاء.‏ وهذان العاملان نفسهما يؤثران في ردّ فعل كثيرين تجاه الانذار بيوم يهوه المخوف والوشيك.‏ —‏ يوئيل ٢:‏٣١،‏ ٣٢‏.‏

كثيرون من سكان مارتينيك يؤمنون بمذهب الجبرية،‏ وعندما تواجههم المصاعب،‏ يهزون اكتافهم ويقولون:‏ «انها مشيئة اللّٰه».‏ وغالبا ما نحاول مساعدتهم على التفكير في هذه المسألة بمناقشة ما حصل في وقت ثوران جبل پيليه.‏ فنسألهم:‏ «اذا كانت هذه هي ‹مشيئة اللّٰه›،‏ فلماذا كان الناجي الوحيد من هذه الكارثة شخصا كان يُسجن تكرارا وقد وُضِع في حبس انفرادي في زنزانة تحت الارض،‏ في حين هلك كل ‹المسيحيين الصالحين› وكل الكنائس مع ‹قديسيها›؟‏».‏

في اوائل ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ ابتدأ الناشرون يسافرون من فور دو فرانس بانتظام الى حدٍّ ما الى المجتمعات في المنطقة المجاورة للبركان ليوصلوا اليهم رسالة الملكوت.‏ ولكن كان الخوف يسيطر على الناس بقوة.‏ وكانوا يتساءلون،‏ «ماذا سيقول الآخرون؟‏».‏ وبسبب الخوف من ان يرفضهم الجيران،‏ لم يرد احد ان يحدِّد هويته مع شهود يهوه.‏ وفي سنة ١٩٦٢،‏ اتت عائلة شارپانتييه من فرنسا لتعيش في لو مورن روج،‏ مباشرة شمال شرقي سان پيار.‏ كانت الزوجة،‏ مادلين،‏ فاتحة خصوصية.‏ ولسنوات عديدة،‏ زرعت وزوجها،‏ رينِه،‏ بذار حق الملكوت في هذه المنطقة.‏

لكنَّ تأثير الكنيسة لا يزال قويا في الجزء الشمالي من الجزيرة.‏ ومالكو الاراضي الاثرياء،‏ المتحدرون من المستوطنين الاوائل،‏ يديرون بعض المزارع الكبيرة،‏ ويعيشون في تعاون تام مع رجال الدين الكاثوليك.‏ وفي كل مارتينيك يمكن ان يُعدَّ على الاصابع عدد الرجال البيض المحليين الذين قبلوا الحق.‏

التحرر من خوف الانسان

في اواسط ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ بالرغم من ان السكان عموما كانوا مترددين في ان تُحدَّد هويتهم مع شهود يهوه،‏ بدأت المحبة ليهوه وكلمته تؤثر عميقا في رجل وزوجته،‏ هما يولان وبرناديت أورتانس.‏ وأية امتحانات للايمان واجها؟‏ يرويان:‏ «لأننا كنا اول مَن قبل ‹الدين الجديد›،‏ وجدنا انفسنا على هامش المجتمع.‏ ومررنا بفترة واجهنا فيها اوقاتا صعبة.‏ ففي سنة واحدة،‏ خسرنا ولدين في حادث،‏ وذلك دفع الناس الى القول ان اللّٰه كان يعاقبنا لأننا تركنا الدين الكاثوليكي.‏ ولكن ما كنا قد تعلمناه عن يهوه ساعدنا على البقاء ثابتين».‏

وبعد كل ذلك،‏ هدَّد مدير يولان،‏ وهو بيكيه (‏رجل ابيض محلي)‏،‏ تحت تأثير كاهن،‏ بأن يطرده من العمل اذا لم يرجع الى الكنيسة.‏ ولكنَّ يولان بقي ثابتا،‏ ولأنَّ اخانا كان يعمل بضمير حي لم ينفِّذ مديره تهديداته.‏ وبالرغم من ان الاخ والاخت أورتانس مرّا بأوقات صعبة اخرى،‏ فإنهما يستمران في البقاء خادمين وليَّين ليهوه.‏

وفي سنة ١٩٦٨،‏ انتقلت عائلة پالڤير من فور دو فرانس الى لو مورن روج.‏ وتدريجيا،‏ اعتنق آخرون العبادة الحقة.‏ وهنالك اليوم جماعة مؤلفة من ٦٠ ناشرا في لو مورن روج.‏

مساعدة اضافية على مقربة من البركان

ابتداء من سنة ١٩٧٢،‏ عملت اختان فاتحتان خصوصيتان،‏ آن-‏ماري بيربا وأرليت جيروندان،‏ بشجاعة لمساعدة الناس في سان پيار،‏ لو كاربيه،‏ ولو پريشور.‏ وبالرغم من انهما جلبتا رسالة سلام،‏ كان الناس احيانا يرجمونهما بالحجارة ويضربونهما بالمكانس.‏ وفي تلك المنطقة تحملت نساء كثيرات قبلن الحق المقاومة القاسية من ازواجهن،‏ ولكن نتيجة سلوك الزوجات الجيد،‏ صار الرجال عموما شيئا فشيئا،‏ متسامحين اكثر.‏ —‏ ١ بطرس ٣:‏١،‏ ٢‏.‏

كان شاهد مسنّ،‏ جول مارتينون،‏ مثالا للمثابرة،‏ اذ خدم في سان پيار طوال اكثر من ٢٠ سنة.‏ وخلال ستينات وسبعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ كانت الاجتماعات في هذه المنطقة تعقد في تسهيلات لا تكاد تكون جيدة كفاية.‏ ولكن ساعد اخوة مخلصون مثل جون شاڤينييه،‏ ولاحقا،‏ عائلتا لوموان وپاپايا على تشكيل جماعة رائعة في سان پيار.‏ ووجود قاعة ملكوت جميلة قادرة على استيعاب ٢٠٠ شخص هو دليل على ان شهود يهوه مثبَّتون جيدا عند سفح البركان.‏

ليلة في شجرة منڠا

وصلت رسالة الملكوت الى لو لامنتان في وقت مبكر يعود الى سنة ١٩٥٥،‏ الَّا ان امتحانات قاسية استمرت تواجه الذين التمسوا عبادة يهوه اللّٰه هناك.‏ ولم يكن رجال الدين السبب دائما.‏ فرجال مارتينيك عموما فخورون برجولتهم،‏ وكثيرون منهم متسلطون جدا على زوجاتهم.‏ وغالبا ما كان على المرأة ان تواجه العنف من زوجها حين تريد ان تعبد يهوه.‏

تروي احدى اخواتنا في لو لامنتان:‏ «سنة ١٩٧٢،‏ عندما وصلت رسالة الملكوت الى منزلي،‏ كانت الجواب عن كل ما كنت ارغب في معرفته.‏ لكنّ زوجي منعني من الدرس.‏ وبالرغم من ذلك،‏ استمررت في الدرس سرًّا.‏ وعندما عرف،‏ احرق كتابي المقدس وكتابي الدراسي وضربني.‏ وقرر ان ننتقل آملا ان يضع ذلك حدًّا لاهتمامي بالكتاب المقدس.‏

‏«عندما بدأت بحضور الاجتماعات،‏ كان يُقفل الباب ليمنعني من الدخول الى المنزل.‏ وغالبا ما كنت انام تحت الشرفة.‏ ثم دمر كل شيء يمكن ان يخدم كملجإ لي،‏ حتى خمّ الدجاج.‏ وكثيرا ما كان يضربني،‏ ومرات كثيرة كنت اذهب دون طعام.‏ ذات مرة،‏ طاردني في منتصف الليل ومعه منجل!‏ وللهروب منه،‏ ركضت بين الجنيبات وتسلَّقت شجرة منڠا بأسرع ما يمكن.‏ لقد نجوت،‏ لكن فقط لأن مصباحه الكهربائي تعطّل.‏ بحث عني لساعات،‏ مارًّا بالقرب من حيث كنت اختبئ،‏ متقوقعة في الشجرة،‏ اصلّي.‏ لقد قضيت كامل تلك الليلة في شجرة المنڠا».‏ ومع ذلك،‏ اعتمدتْ سنة ١٩٧٧.‏ ولاحقا،‏ اتَّخذت ابنتها ايضا موقفها الى جانب يهوه.‏

التحرر من الخرافة وكيمبوا

عندما يدرس الناس الكتاب المقدس مع شهود يهوه ويطبقون ما يتعلمونه،‏ يختبرون الحرية بطرائق متنوعة.‏ فالكثير من معتقدات وعادات سكان مارتينيك له جذور في الشعائر والخرافات التي جُلبت من افريقيا والتي زُرعت لاحقا في التربة الخصبة للكثلكة الرومانية.‏ والذين صاروا شهودا ليهوه قبل سنوات لا يزالون يتذكرون الخرافات التي تحرروا منها.‏

انهم يتذكرون انه في يوم الجمعة العظيمة،‏ وقبل القيام بأيّ عمل آخر،‏ كان يُتوقَّع من المرء ان يقبِّل الصليب.‏ وفي ذلك اليوم كان استعمال المسامير والمطارق ممنوعا منعا باتّا،‏ تذكارا للمسيح.‏ وكان ممنوعا ايضا حفر الارض بمجرفة او مذراة لأنه بحسب ما تعلموا فإن «الارض ستنزف».‏ وفي اليوم التالي،‏ صباح يوم السبت،‏ كان يُنظر الى دقِّ الاجراس في الكنيسة الكاثوليكية على انه ينتج بركة للجميع.‏ وللاستفادة من ذلك،‏ بعد ان تُدقَّ الاجراس،‏ كان يُتوقع ان يغطس الناس في الماء،‏ ماء النهر او البحر.‏ وكانوا يغسلون اولادهم المرضى بالماء،‏ محركين المصابين بالكُساح،‏ ليتأكدوا انهم هم ايضا سيستفيدون.‏

ويتذكر آخرون «حفلة المأتم الراقصة» حيث كان مألوفا الاشتراك فيها عندما يموت شخص ما.‏ وكان ذلك سهرا عند جثة الميت يسوده الضجيج،‏ مع دقّ للطبول،‏ رقص،‏ وغناء،‏ بالاضافة الى سرد القصص الكرييولية.‏ وقد آمن الناس ان ذلك سيمنع نفس الشخص الميت من ان تبقى وتهيم في المنزل.‏

ورغم ان الناس نادرا ما كانوا يقرأون الكتاب المقدس،‏ اعتبره كثيرون شيئا مقدسا.‏ فكانوا يبقونه مفتوحا في المنزل على مزمور معيّن،‏ ويضعون عليه مقصّا.‏ وهذا،‏ كما كان متوقعا،‏ يحمي المنزل من الارواح الشريرة.‏

ولم ينسوا ايضا الجرعات التي مزجها الاطباء السحرة.‏ وكيمبوا هي كلمة كرييولية تأتي،‏ وفقا لما يقوله البعض،‏ من العبارة الفرنسية ‏”!bois ‏,Tiens“‏ (‏«تفضل،‏ اشرب هذه!‏»)‏.‏ وهي اشارة الى الواقع ان الاطباء السحرة غالبا ما يعطون زبائنهم جرعات سحرية ليشربوها.‏ ورغم ان الجرعات ليست لها اية قدرات سحرية،‏ فإن كثيرين من الاطباء السحرة صاروا اغنياء بسبب توزيعهم هذه الجرعات.‏ واعتناق العبادة الحقة عنى التحرر من جميع هذه الخرافات.‏

الانتباه لجنوب الجزيرة

حول الرأس الجنوبي للجزيرة تقع القرى الساحلية:‏ لو مارين،‏ سانت آن،‏ ولو ڤوكلان.‏ وعلى مسافة قريبة الى الداخل تقع ريڤيير پيلوت.‏ هذه هي الاماكن التي دفعت الزائرين الى النظر الى مارتينيك كجزيرة ذات شواطئ رملية بيضاء وبحار مرجانية زرقاء.‏ وهي ايضا مناطق انتجت مسبِّحين ليهوه.‏

كانت ريڤيير پيلوت اول قرية بين هذه القرى تصل اليها الشهادة.‏ وكيف حصل ذلك؟‏ كانت الطبيبة ماڠي پرودان قد انهت دروسها الطبية في فرنسا.‏ وقبل ان تعود الى مارتينيك،‏ تكلم شهود يهوه معها عن قصد اللّٰه الحبي للجنس البشري.‏ وهكذا،‏ عندما وصلت الى مارتينيك،‏ اتَّصلت بالشهود،‏ وأدارت معها سارة نول درسا في الكتاب المقدس.‏ وفي سنة ١٩٥٩ اعتمدت.‏ ومن خلال عملها الطبي،‏ كانت الاخت پرودان تلتقي عددا كبيرا من الناس،‏ حتى اشخاصا من القرى المجاورة،‏ وكانت تخبرهم بالحقائق التي تعلمتها من كلمة اللّٰه.‏

وكان يأتي ناشرون ايضا من فور دو فرانس الى المنطقة لإعطاء الشهادة.‏ في تلك الايام كان شهود قليلون جدا يملكون سيارات،‏ لذلك كانوا يستأجرون «برميلا» (‏باصا صغيرا)‏،‏ وقد سمِّي كذلك لأن شكله يذكِّر الشخص ببرميل النفط.‏ وكانوا يبدأون رحلاتهم التي تستغرق النهار بكامله بالشهادة للناس في القرية،‏ ثم يذهبون الى الناس الذين يعيشون في الجهات الشديدة الانحدار من التلال.‏ وكان نشاط اليوم ينتهي بدرس برج المراقبة في ظل شجرة منڠا.‏

لاحقا،‏ أُرسل فاتحون خصوصيون الى هذه المقاطعة.‏ وبينهم ماري دِما،‏ التي كانت بعمر ٧٠ سنة،‏ وهي من فرنسا الوطن الام.‏ وقد تركت شجاعتها وروح الفكاهة التي تملكها مثالا حسنا للاشخاص الاصغر سنا لاتِّباعه.‏ في سنة ١٩٦٣،‏ اتت سِفورا مارتينون وجورجيت شارل،‏ فاتحتان خصوصيتان،‏ لمساعدة الناشرين القليلين.‏ ولكن لم يكن حتى سبعينات الـ‍ ١٩٠٠ ان ابتدأ الفاتحون الخصوصيون في قرى لو ڤوكلان،‏ لو مارين،‏ وسانت آن المجاورة،‏ يحصدون بعض ثمار عملهم الشاق،‏ وكان هذا بعد سنوات من زرع البذار والاعتناء بها.‏ وبين هؤلاء الفاتحين:‏ ستيفاني ڤيكتور ومونيك وأوجيني كوتينار في لو ڤوكلان.‏ وجديرة بالملاحظة هي الشجاعة التي اظهرتها اوجيني،‏ التي بقيت معاقة جسديا بعد عملية جراحية كبيرة.‏ فقد كانت تتوكأ على عكازين وتتكلم بصعوبة كبيرة،‏ ومع ذلك استمرَّت في الخدمة كفاتحة قانونية.‏

في سنة ١٩٦٦،‏ أُرسلت فاتحتان خصوصيتان الى ريڤيير پيلوت ‏—‏ آن-‏ماري بيربا وأرليت جيروندان —‏ وتشكَّلت جماعة هناك خلال سنتين.‏ وفي سنة ١٩٧٠،‏ أُرسلت اثنتان اخريان الى لو مارين —‏ ايلين پيرازي وتيريز پادرا.‏ وحتى سنة ١٩٧٥،‏ اضطر عدد صغير من الاخوة والاخوات من المجتمعات في تلك المنطقة ان يذهبوا كل المسافة الى ريڤيير پيلوت ليحضروا الاجتماعات.‏ وببركة يهوه على العمل،‏ تشكَّلت بعد ذلك جماعات في لو مارين سنة ١٩٧٩،‏ لو ڤوكلان سنة ١٩٨٤،‏ سانت لوس سنة ١٩٩٣،‏ سانت آن سنة ١٩٩٧.‏ والاخوة في جميع هذه القرى يجتمعون الآن في قاعات ملكوت جميلة،‏ والجماعات المزدهرة تهتم بالحاجات الروحية للناس في هذه المناطق.‏

تسهيلات لمحافل اكبر

سرعان ما اصبح ضروريا الحصول على مكان ملائم اكثر للمحافل الدائرية والكورية.‏ فالقاعات الكبيرة المتوفرة آنذاك كانت قاعات للرقص تدعى paillotes (‏اكواخ من قش)‏ لأنها محاطة بأغصان جوز الهند المضفورة.‏ ويتذكر القدماء قاعات الرقص في كِرلي وسيرج روش حيث كانت محافلنا الكورية تُعقد لسنين عديدة.‏ ولكن مع مرور الوقت لم يعد هذا النمط من القاعات مناسبا.‏

بنى اخوتنا بناء فولاذيا متحركا،‏ وبواسطته صار من الممكن ان تعقد المحافل في زوايا الجزيرة الاربع.‏ كان لكل قرية ملعب كرة قدم.‏ لذلك كنا لسنوات عديدة،‏ في اوقات المحافل الدائرية،‏ ننصب قاعتنا المتحركة للمحافل على مختلف ملاعب الجزيرة.‏ ويا للشهادة الحسنة التي قُدِّمت!‏ وكم كان ذلك مشجعا للشهود الذين عقدت المحافل في قراهم!‏

وللمحافل الكورية كنا نستخدم المجمَّع الرياضي الداخلي لمدرَّج لْوِي اشيل في فور دو فرانس.‏ ولا يزال بإمكاننا ان نتذكر المحفل الاممي لسنة ١٩٧٨ «الايمان الظافر»،‏ عندما حصلنا على امتياز حضور جون ت.‏ بوث،‏ عضو في الهيئة الحاكمة،‏ كخطيب رئيسي.‏ وفي احد خطاباته،‏ اعلن الاخ بوث:‏ «لا نملك ايّ سبب على الاطلاق لنخسر ايماننا بهيئة يهوه»،‏ وأضاف:‏ «سيُكافأ ايماننا الثابت عندما نحتفل بانتصارنا.‏ ولن يخيِّب يهوه ابدا خدامه الاولياء».‏ وقد تشجَّع جدا الحضور البالغ عدده ‎٨٨٦,٢ بهذا البرنامج.‏

مسرحيات الكتاب المقدس تجذب الانتباه

تركت مسرحية الكتاب المقدس الاولى،‏ التي عُرضت سنة ١٩٦٦،‏ انطباعا دائما.‏ لم تكن هنالك آلات تسجيل للاستماع الى أشرطة المسرحية.‏ فكان على المشاركين حفظ ادوارهم عن ظهر قلب وإلقاؤها.‏ ودامت هذه المسرحية عن ارميا ساعتين تقريبا!‏ وكان علينا ان نجعل تحركات مختلف الشخصيات تتلاءم مع الميكروفونات الموضوعة على قواعدها.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ بسبب عدد الشهود المحدود في مارتينيك في ذلك الوقت،‏ اضطر البعض الى لعب ادوار متعددة،‏ مبدِّلين الملابس بين المشاهد وفقا للشخصية التي ستُمثَّل.‏ يا له من عمل!‏ لكنَّ الحضور أُثيرت حماستهم الى حد بعيد.‏

ثم كانت هنالك المؤثرات الصوتية.‏ فوراء الكواليس،‏ كان اخ يضرب لوحا من الحديد المموَّج لتقليد صوت الرعد.‏ ومن فوق المسرح،‏ فيما تكون الاضواء في القاعة مطفأة،‏ كان اخ آخر يستعمل كاميرا لها جهاز اضاءة وامض ليقلِّد البرق.‏ وفي الجزر،‏ تنتشر الاخبار بسرعة.‏ فعندما عرف الناس بمسرحيات الكتاب المقدس التي نعرضها،‏ ارسلت محطة التلفزيون ممثلين لتصوير تمريناتنا.‏ وعرضهم هذه التمرينات كان بمثابة اعلان جيد عن المحافل.‏

النقض ولكن ايضا البنيان

دون ايّ شك،‏ نقض حق كلمة يهوه الكثير من معاقل الكذب والخرافة في مارتينيك.‏ فمثل النبي ارميا،‏ اوكل اللّٰه الى خدامه الممسوحين ان ‹يقلعوا ويهدموا ويهلكوا وينقضوا›،‏ وأيضا ان ‹يبنوا ويغرسوا›.‏ (‏ارميا ١:‏١٠‏)‏ وهكذا،‏ بالاضافة الى فضح ما تدينه كلمة اللّٰه،‏ يستخدم شهود يهوه هذه الكلمة لمساعدة الاشخاص المتواضعين على ‹لبس الانسان الجديد المخلوق بحسب اللّٰه في البر وقداسة الحق›.‏ —‏ افسس ٤:‏٢٤‏.‏

ولأن عدد الاشخاص الذين تجاوبوا بتقدير مع كلمة اللّٰه نما،‏ تطلَّب ذلك ايضا عمل بناء آخر.‏ فعدد شهود يهوه في مارتينيك كان ينمو —‏ من ‎٠٠٠,١ شاهد سنة ١٩٧٥ الى ‎٥٠٠,١ سنة ١٩٨٤،‏ ثم الى ‎٠٠٠,٢ بحلول سنة ١٩٨٦.‏ وغالبا ما كان عدد الحضور في اجتماعات الجماعة ضعف عدد الناشرين،‏ وأكثر من ذلك في الذِّكرى السنوية.‏ ولتزويد مكان للذين كانوا يحضرون الاجتماعات،‏ كانت هنالك حاجة الى المزيد من قاعات الملكوت.‏ فبُنيت عشرون قاعة،‏ كلٌّ تسع بين ٢٥٠ و ٣٠٠ مقعد.‏ وكانت هنالك حاجة ايضا الى تسهيلات ملائمة لمكتب الفرع.‏

خطوة مهمة

بعد سنوات من البحث الدؤوب،‏ وجد الاخوة قطعة ارض على احدى التلال التي تشرف على وسط مدينة فور دو فرانس والمطلّة على منظر رائع للخليج.‏ وهكذا كان سيبدأ اختبار رائع لمارتينيك.‏

كان عدد العمال المؤهلين بين الاخوة المحليين الذين يمكن ان يكونوا متوفرين كامل الوقت محدودا جدا.‏ لذلك رتَّبت الهيئة الحاكمة ان يقدِّم المساعدة شهود مؤهلون من الخارج.‏ وأول شخص وصل،‏ في شباط سنة ١٩٨٢،‏ كان روبير ڤاينزِپْفلين،‏ مهندس معماري من فرنسا.‏ وبعد ايام قليلة وصل سيلڤان تِبيرج من كندا ليشرف على موقع البناء.‏ وقد أُكمل الفريق بعد بضعة اسابيع بوصول حوالي ٢٠ أخا وأختا اضافيين من كندا وبعض المتطوعين من مارتينيك.‏ ولم يدعم الاخوة المحليون مشروع البناء هذا بعملهم المخلص فحسب بل ايضا بهباتهم السخية،‏ وفقا لقدرة كل واحد،‏ حتى ان البعض قدَّموا حليّهم الذهبية.‏ ويا للشهادة الحسنة التي أُعطيت نتيجة الغيرة،‏ الوحدة،‏ والمحبة التي أُظهرت من خلال هذا المشروع!‏

هل صرفت كل الجهود الموجَّهة الى البناء الانتباه عن الكرازة العلنية بالبشارة في مارتينيك في ذلك الوقت؟‏ على العكس،‏ كانت هنالك زيادة بارزة.‏ ففي آذار ١٩٨٢،‏ كان هنالك ‎٢٦٧,١ ناشرا نشيطا في خدمة الحقل،‏ ١٩ منهم كانوا فاتحين قانونيين،‏ و ١٩٠ آخرون كانوا فاتحين اضافيين.‏ وعندما اشرف المشروع على نهايته،‏ في سنة ١٩٨٤،‏ كان عدد الناشرين قد ارتفع الى ‎٦٣٥,١ مع وجود ٤٩١ فاتحا اضافيا في نيسان.‏ لقد كان واضحا ان يهوه يبارك جهودنا.‏

لكنَّ التقدم لم يتوقف.‏ ففي برنامج التدشين،‏ في ٢٢ آب ١٩٨٤،‏ تكلم جون بار،‏ عضو في الهيئة الحاكمة،‏ عن الموضوع «التقدم مع هيئة يهوه».‏ ووصف المبنى الجديد لمكتب الفرع وبيت ايل المؤلف من اربعة طوابق بأنه «اداة رائعة لمجاراة الزيادة ولخدمة خراف يهوه بطريقة افضل».‏ وبين الحضور الاممي الموجودين من اجل البرنامج كان المرسلون الاربعة الذين طُرِدوا قبل حوالي ٣٤ سنة والذين فرحوا برؤية الدليل على ان يهوه يبارك خدامه في هذه الجزيرة الكاريبية الصغيرة.‏

مساعدة قيِّمة من رجال روحيين

طبعا،‏ ان المساعدة المزوَّدة شملت اكثر من الابنية.‏ فقد مُنح ايضا الاشراف الحبي.‏ ولسنوات عديدة،‏ حتى سنة ١٩٧٧،‏ كان عمل الكرازة في مارتينيك تحت اشراف فرع ڠوادلوپ.‏ خلال ذلك الوقت كان النظار الجائلون،‏ الرعاة الروحيون،‏ يُرسَلون من تلك الجزيرة الشقيقة.‏ والمسنون يتذكرون پيار يانكي ونيكولا بريزار.‏ وابتداء من سنة ١٩٦٣،‏ صار ارمان فوستيني يزور الجماعات بانتظام.‏

ومن بعدهم،‏ ساهم نظار جائلون آخرون بأساليب وشخصيات مختلفة في بناء الجماعات روحيا.‏ وقد اشترك ڠْزاڤيِه نول في هذه الخدمة لسنوات عديدة.‏ وكان هنالك ايضا جان-‏پيار ڤايسِك وزوجته جانين.‏ وكان داڤيد مورو مع زوجته ماريلان يزوران ايضا الجماعات هنا بالاضافة الى ڠيانا الفرنسية،‏ التي كانت في ذلك الوقت تحت اشراف فرع مارتينيك.‏ وعندما تأسس فرع في ڠيانا الفرنسية،‏ عُيِّن الاخ مورو،‏ الذي كان قد تدرَّب في فرع مارتينيك،‏ منسِّقا للجنة الفرع في ڠيانا الفرنسية.‏ وكان كلود لاڤينْي وزوجته روز ماري يخدمان كمرسلَين في كورو،‏ في ڠيانا الفرنسية،‏ عندما تلقى تعيينا ليقوم بالعمل الدائري في مارتينيك،‏ وهما يخدمان الآن كمرسلَين في جمهورية غينيا.‏ وخدم آخرون ايضا لفترات اقصر في العمل الدائري،‏ ولكن يجري تذكُّرهم جميعا بإعزاز بسبب عملهم الشاق وروحهم الوليَّة.‏ والذين كانوا متزوجين،‏ كانت زوجاتهم رفيقات عزيزات لهم،‏ وأمثلة صالحة للاخوات في الجماعات.‏ والآن،‏ يزور ألان كاسْتِلنو ومويز بِلاي،‏ برفقة زوجتيهما،‏ الجماعات في الدائرتين،‏ ولدى هذه الجماعات كمعدل حوالي خمسة شيوخ وسبعة خدام مساعدين.‏

بالرغم من ان مارتينيك هي مجرد جزيرة صغيرة،‏ زوَّد اعضاء الهيئة الحاكمة الاشراف الحبي لخدام يهوه هنا.‏ فقد زارها يووَرت سي.‏ شيتي،‏ دانيال سيدليك،‏ كارل كلاين،‏ وليَم ك.‏ جاكسون،‏ لويد باري،‏ ومِلتون هنشل،‏ بالاضافة الى نظار اقاليم آخرين.‏ والاخوة والاخوات الـ‍ ١٢ الذين يعيشون ويعملون في بيت ايل،‏ بالاضافة الى بقية شهود يهوه في مارتينيك،‏ يقدِّرون تقديرا رفيعا تلك الزيارات.‏

‏‹يهوه يرى المتواضعين›‏

كتب المرنم الملهم داود:‏ «الرب [«يهوه»،‏ ع‌ج‏] عالٍ ويرى المتواضع».‏ (‏مزمور ١٣٨:‏٦‏)‏ وأضاف التلميذ يعقوب ان اللّٰه ‹يعطي المتواضعين نعمة [«لطفا غير مستحق»،‏ ع‌ج‏]›.‏ (‏يعقوب ٤:‏٦‏)‏ وهنالك دليل وافر على ذلك بين الذين اجتذبهم يهوه اليه في مارتينيك.‏

اختبر كريستيان بِلاي وزوجته لوريت،‏ اللذان كانا يعيشان آنذاك في فور دو فرانس،‏ هذا اللطف غير المستحق.‏ لقد كانا مشوَّشَين بسبب وجود عدة اديان في مارتينيك.‏ فأيّ واحد هو مقبول عند اللّٰه؟‏ عندما قرأ كريستيان بِلاي رؤيا ٢٢:‏١٨،‏ ١٩‏،‏ شعر بأنه وجد مفتاحا للاجابة عن ذلك السؤال.‏ فأيّ دين لا يزيد على كلمة اللّٰه ولا يحذف منها؟‏ بعد تفحص الوقائع،‏ اقتنع بأنه دين شهود يهوه.‏ وأدرك ايضا انه يجب ان يطبِّق المبدأ نفسه على حياته الخاصة —‏ عدم الزيادة على كلمة اللّٰه وعدم الحذف منها،‏ نبذ او رفض ايّ شيء منها.‏ وحتى ذلك الوقت،‏ كان يساكن رفيقته بدون زواج شرعي،‏ ولكن في سنة ١٩٥٦،‏ جعل علاقته بلوريت شرعية.‏ وكان خطاب العرس في تلك المناسبة اول خطاب في مارتينيك يلقيه شاهد.‏ وفي السنة التالية اعتمدا كلاهما في نهر مدام في فور دو فرانس.‏ وأخوه ليون،‏ وأبوه،‏ وأمه،‏ وكذلك الكسندر اخو لوريت،‏ جميعهم قبلوا الحق.‏ ويخدم الآن مويز بِلاي،‏ احد ابناء كريستيان ولوريت،‏ كناظر دائرة.‏ فيا لوفرة لطف يهوه غير المستحق الذي لمسته هذه العائلة!‏

ان اعمال اللطف البسيطة تجاه خدام يهوه قد تفتح الطريق الى بركات لذوي القلوب الرقيقة.‏ (‏متى ١٠:‏٤٢‏)‏ وقد صحَّ ذلك في أرنست لاسُس،‏ الذي كان يملك محلا للمجوهرات في فور دو فرانس.‏ لقد قَبِل الحصول على مجلة استيقظ!‏ بانتظام ليس لأنه مهتم شخصيا،‏ ولكن كتعبير عن اللطف ليس إلّا.‏ ذات يوم،‏ شرح الشاهد الذي قدَّم له المجلات ان يسوع المسيح فقط،‏ رئيس السلام،‏ يستطيع جعل العدل يسود الارض.‏ وهذا ما اراده أرنست لاسُس.‏ فوافق على ان يزوره الشاهد في بيته.‏ وجرى الابتداء بدرس في الكتاب المقدس.‏ يقول:‏ «الآن،‏ لديّ كل ما يمكن ان اتمناه.‏ معظم اولادي هم في الحق؛‏ وقد انخرطت احدى بناتي في عمل الفتح،‏ وأحد ابنائي الذي يخدم كفاتح هو ايضا شيخ،‏ وابني الاكبر هو عضو في عائلة بيت ايل في مارتينيك».‏

مصمِّمون على خدمة يهوه

من المشجِّع رؤية الاصغر سنا يلتفتون الى يهوه ويظهرون تقديرهم لإرشاده الحبي.‏ لقد كان كثيرون منهم مضطربين بسبب عدم وجود الارشاد السليم في العالم.‏ ولكنَّ كلمة اللّٰه تساعدهم على معرفة القصد الحقيقي من الحياة.‏ (‏جامعة ١٢:‏١٣‏)‏ وعندما يطَّلعون على ما يحتويه الكتاب المقدس،‏ يبدأون بالادراك ان الفائدة الحقيقية تأتي من الانتباه للمشورة المسجَّلة في اشعياء ٣٠:‏٢١‏:‏ «أذناك تسمعان كلمة خلفك قائلة هذه هي الطريق اسلكوا فيها».‏

احدى هؤلاء الاصغر سنا،‏ فتاة في العاشرة من عمرها تدعى كلوديا،‏ كانت تسأل الشاهدة التي تزور عائلتها الكثير من الاسئلة.‏ وبسبب مرض والدها،‏ صار الدرس مع والدتها غير قانوني،‏ ولكنَّ الفتاة استمرت في الدرس وفي تطبيق مشورة الكتاب المقدس التي تعلمتها.‏ فأحرقت كتابَيها للتعليم الديني والقداس،‏ وأتلفت الصور الدينية التي تملكها.‏ وبعد موت والدها،‏ رفضت ان تلبس ثياب الحداد السوداء وشهدت للذين ارادوا ان يصلُّوا من اجل نفس والدها.‏ وإذ أظهرت روحا مماثلة لروح الفتاة الاسرائيلية التي كانت خادمة لزوجة نعمان،‏ شجعت والدتها على حضور اجتماعات الجماعة.‏ (‏٢ ملوك ٥:‏٢-‏٤‏)‏ وفي قاعة الملكوت،‏ انخرطت الفتاة في مدرسة الخدمة الثيوقراطية.‏ وسرعان ما اشتركت في خدمة الحقل،‏ وفي سنة ١٩٨٥،‏ وبعمر ١٢ سنة،‏ اعتمدت مع والدتها.‏ واعترفت والدتها بصراحة ان ابنتها ساهمت كثيرا في تقدمها الروحي.‏

ويغتنم بعض الصغار السن الفرص بجرأة لإعطاء شهادة في المدرسة.‏ طلبت معلمة فرنسية في لو فرانسوا ان يقوم تلاميذها ببحث عن مختلف الديانات في مارتينيك.‏ فأُتيحت لروزلان،‏ التي كانت آنذاك بعمر ١٨ سنة،‏ ولتلميذة رفيقة لها الفرصة لإعطاء شهادة حسنة،‏ مستخدمتَين كتاب بحث الجنس البشري عن اللّٰه.‏ ووزعتا حوالي ٢٠ كتابا على التلاميذ والمعلمة على حدٍّ سواء.‏

بالرغم من ان المسائل التي تُناقش في المدرسة تُعتبر مثيرة جدا للجدل،‏ يجاهر الشهود الاحداث هنا في مارتينيك ليوضحوا المبادئ السامية لكلمة يهوه.‏ تروي ماري-‏سوزون مونجيني اختبارها:‏ «ذات يوم،‏ وفيما كان المعلم يعالج المشاكل المرتبطة بالكثافة السكانية العالية،‏ اشار المعلم الى الوسائل العصرية لتحديد النسل.‏ فأُثيرت مسألة الاجهاض وسبَّبت فورا مناقشة حادة.‏ فطلبتُ من المعلم ان يسمح لي بتقديم بعض المعلومات في اليوم التالي لإظهار وجهة نظري من الموضوع.‏ فقبِل،‏ ولساعتين تقريبا،‏ جرت مناقشة مع الصف بكامله».‏ لقد أُخذت المعلومات من مجلة استيقظ!‏‏،‏ بما في ذلك مقالة «يوميات طفل غير مولود»،‏ في عدد ٢٢ آب ١٩٨٠ الصادر بالفرنسية.‏ وكانت النتيجة ان موقف الصف تجاه شهود يهوه تحسَّن.‏

ان نسبة الاحداث في مارتينيك كبيرة.‏ ويُستمال الاحداث عموما الى التورُّط بعمق في نظام اقتصادي باطل يشدِّد بشكل مفرط على الممتلكات المادية.‏ ولكنّ الاحداث الشهود يقدِّرون القِيَم الروحية.‏ ومن المبهج للقلب ان نرى قاعات الملكوت في مارتينيك ملآنة بأحداث يريدون ان يعرفوا يهوه وطرقه.‏

التحرر من عبودية المخدِّرات

كما هي الحال في بلدان اخرى حيث تطمس المادية القيم الروحية،‏ دمَّر كثيرون من الاحداث في مارتينيك صحتهم وأهلكوا حياتهم باستعمال الكراك والمخدِّرات الاخرى المسبِّبة للادمان.‏ لكنَّ المسيحية الحقّة حررت البعض من هذه الممارسات الهدَّامة.‏ كان پول-‏هنري ودانيال،‏ من فور دو فرانس،‏ جزءا من مجتمع الرأسَ تافاري،‏ حيث كانت الماريجوانا تُستعمل دون قيود.‏ وكان للرأس تافاريين تفسيرهم الخاص لما تقوله الأپوكاليپس عن ‹الورق لشفاء الامم›.‏ ولكنهم لم يحاولوا حتى ان يشرحوا معظم ما تبقى من ذلك السفر من الكتاب المقدس.‏ لكنّ پول-‏هنري ودانيال ارادا ان يفهماه،‏ وقد قدَّم شهود يهوه المساعدة.‏

يقول پول-‏هنري ودانيال:‏ «كنا نتردَّد في حضور اجتماعات شهود يهوه،‏ خوفا من ترحيب غير ودي بسبب مظهرنا الجسدي،‏ الذي كان نوعا ما مثيرا للاشمئزاز».‏ ولكن عندما ذهبا،‏ ادهشهما اللطف،‏ الدفء،‏ وعدم الرياء بين الذين التقياهم في قاعة الملكوت.‏ وفي الاسبوع التالي،‏ قصَّا شعرهما وبدأا يلبسان بطريقة لائقة اكثر.‏ وفي وقت قصير،‏ توقفا ايضا عن التدخين.‏ وسرعان ما صارا هما ايضا يخبران الآخرين بالبشارة.‏

يضيف پول-‏هنري:‏ «ذات يوم،‏ وبينما كنت اقوم بالشهادة في الشوارع،‏ صرخ بدهشة مفتش شرطة كنت قد واجهت معه سابقا مشاكل بسبب استعمالي المخدِّرات،‏ وقال:‏ ‹لكن هذا ڠرودِزورمو!‏›.‏ فلم أُخرج من حقيبتي مخدِّرات،‏ بل كتابي المقدس ومجلات قبِلها بفرح،‏ مهنئا ومشجِّعا اياي ان استمر.‏ وهذا ما فعلته.‏ اعتمدت سنة ١٩٨٤ وانضممت الى صفوف الفاتحين القانونيين في سنة ١٩٨٥.‏ واليوم،‏ كمتزوج ورأس عائلة،‏ اخدم كشيخ في الجماعة المحلية.‏ وقد احرز صديقي دانيال ايضا تقدما مماثلا في الحق».‏

ليس الاحداث فقط هم الذين يريدون حلولا لمشاكل الحياة.‏ فالراشدون ايضا يريدون ذلك.‏ وبغية مساعدة جميع الذين قلوبهم مستعدة للتعلم،‏ جعل الفرع،‏ خلال نيسان وأيار ١٩٩٥،‏ ‎٠٠٠,٢٥٠ نسخة من اخبار الملكوت بعنوان «لماذا الحياة ملآنة جدا بالمشاكل؟‏» متوفرة للتوزيع.‏ وبما ان عدد سكان الجزيرة كان فقط ‎٠٠٠,٣٣٠،‏ فقد عنى ذلك ان كل راشد والكثير من الصغار السن ايضا يمكنهم الاستفادة من تلك الرسالة المهمة.‏ وقد فتحت الطريق للكثير من المناقشات المثمرة.‏

اخبر ناظر الدائرة ان امرأة من الريف،‏ بعد قراءتها النشرة،‏ حاولت الاتصال هاتفيا بفرع الجمعية.‏ وعلى عجلتها طلبت رقما خاطئا،‏ ومع ذلك تبيَّن ان الرقم كان مناسبا.‏ فقد رنَّ الهاتف في قاعة ملكوت في فور دو فرانس.‏ وفي تلك اللحظة،‏ كان الناشرون يستعدون للانطلاق في الخدمة مع ناظر الدائرة.‏ فطلبت:‏ «من فضلكم،‏ ارسلوا اليّ واحدا من شهود يهوه في اسرع وقت ممكن.‏ اريد ان ادرس الكتاب المقدس».‏ وفي اليوم التالي،‏ كانت تتلقى المساعدة التي ارادتها.‏

قاعة محافلنا اخيرا

كان ايجاد تسهيلات لمحافلنا يصير مشكلة خطيرة.‏ فعدد الذين كانوا يحضرون استمر في النمو.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ لم تعد قاعة الالعاب الرياضية في المدرَّج الذي كنا نستعمله للمحافل ملائمة.‏ فماذا يمكن فعله؟‏

في ذلك الوقت،‏ كان شيخ من جماعة ريڤيير ساليه يبحث عن ارض لتُبنى عليها قاعة ملكوت.‏ والمثير للعجب انه عُرض عليه موقع مساحته حوالي ٦ هكتارات (‏١٥ اكرا)‏ —‏ اكثر بكثير مما كانوا بحاجة اليه لقاعة ملكوت!‏ ولحسن التوفيق،‏ كان ذلك في وسط الجزيرة.‏ وكانت هنالك في قطعة الارض سقيفة فولاذية قديمة يمكن استعمالها،‏ رغم ما بها من تلف،‏ كموقع موقَّت للمحافل.‏ وفي سنة ١٩٨٥ عقدنا اول محفل لنا هناك.‏ وبلغ عدد الحضور ‎٦٥٣,٤،‏ بزيادة ٦٠٠ شخص على السنة السابقة.‏

وبدأ العمل في بناء جديد سنة ١٩٩٢.‏ وأتى عدد من الاخوة والاخوات من ايطاليا،‏ على نفقتهم الخاصة،‏ للمساعدة في البناء.‏ وتبرَّع الاخوة المحليون بسخاء بوقتهم وبمواردهم المالية.‏ والآن أُكمل المشروع.‏ ويمكن ان تسع قاعة المحافل الجميلة هذه ‎٠٠٠,٥ مقعد.‏ وهي في الواقع اكبر قاعة محاضرات في مارتينيك.‏

لم نعد نُضطر الى إرجاء محافلنا،‏ الامر الذي يحدث غالبا في اللحظة الاخيرة،‏ بسبب مباريات كرة قدم كانت قد تأجلت.‏ وعلاوة على ذلك،‏ فإن العمل الشاق لبناء،‏ تفكيك،‏ نقل،‏ وخزن الانشاءات الفولاذية المتحركة قد توقف ايضا.‏ وقاعة محافلنا،‏ الواقعة في محيط من الازهار،‏ النخيل الملكي،‏ وأشجار البوَنسيانة الملكية،‏ تجلب المجد ليهوه.‏

هيئة تسبِّح يهوه

لقد اهتم يهوه بأن يجعل العبادة الحقّة تتأصل وتزدهر في مارتينيك خلال الخمسين سنة الماضية.‏ وبواسطة هيئته،‏ زوَّد التدريب للذين سيؤتَمنون على الاشراف.‏ وقد تلقّى ڠْزاڤيِه نول مع زوجته التدريب الارسالي كجزء من الصف الـ‍ ٣١ لجلعاد.‏ ولاحقا،‏ مُنح الاخ نول سنة ١٩٦٤ المزيد من التدريب ضمن مقرَّر جلعاد الذي دام عشرة اشهر.‏ وقد تبرهن ان هذا التدريب ذو فائدة كبيرة عندما قررت الهيئة الحاكمة تأسيس مكتب فرع لجمعية برج المراقبة في مارتينيك في شباط ١٩٧٧.‏

كان الاعضاء الاولون في لجنة الفرع:‏ ڠْزاڤيِه نول،‏ المنسِّق،‏ ڤالنتين كارِل،‏ وجِرار تريڤيني.‏ وفي وقت لاحق،‏ عُيِّن ارمان فوستيني الذي قضى سنوات كثيرة كناظر جائل.‏ وبعد ان مات الاخ تريڤيني وانتقل الاخ كارِل الى فرنسا،‏ عُيِّن هنري اورسوليه،‏ في ايلول ١٩٨٩،‏ ليكون العضو الثالث في لجنة الفرع.‏ لقد وُلِد سنة ١٩٥٤،‏ السنة التي وصل فيها ڠْزاڤيِه وسارة نول من فرنسا ليقفا انفسهما للخدمة في مارتينيك.‏ ومن الطفولة،‏ استفاد هنري من مثال امه للايمان،‏ تماما كما صحَّ في تيموثاوس،‏ رفيق الرسول بولس.‏ —‏ ٢ تيموثاوس ١:‏٥‏.‏

سنة ١٩٧٥،‏ كان هنالك ‎٠٠٠,١ ناشر وما مجموعه ١٥ جماعة في الجزيرة.‏ وخلال سنة ١٩٩٧ بلغ عدد الناشرين ذروة من اكثر من ‎٠٠٠,٤ ناشر.‏ وكلهم يخدمون مقترنين بـ‍ ٤٦ جماعة.‏ وخلال السنوات الـ‍ ٢٠ الماضية،‏ بلغ معدل الزيادة السنوي ٧ في المئة.‏

والآن هنالك شاهد واحد لكل ٩٠ شخصا من سكان مارتينيك.‏ وتُدار آلاف الدروس في الكتاب المقدس مع المهتمين.‏ ان عمل يهوه معروف في كل انحاء الجزيرة.‏ وشهوده ايضا معروفون.‏ ويصير من الصعب اكثر فأكثر على الآخرين قول اشياء رديئة عن الشهود،‏ ذلك لأنه يوجد دائما شخص قريب ليوبِّخ المفترين.‏ ان القيام بالشهادة في الشوارع،‏ في الساحات العامة،‏ في الاسواق،‏ وفي مواقف المستشفيات ومراكز التسوق التجارية الكبيرة يُبقي رسالة الملكوت ظاهرة امام الناس.‏ وعندما يسمع الناس في بيوتهم شخصا يصرخ:‏ ‏”?il y a du monde ‏,To-to-to“‏ (‏«مرحبا،‏ هل من احد في البيت؟‏»)‏ يعرفون فورا ان شهود يهوه قد اتوا ليتكلموا عن ملكوت اللّٰه.‏

وفي بعض اجزاء الجزيرة،‏ ليس من النادر الآن ان تُغطَّى المقاطعات كل اسبوع.‏ وعندما يذهب الناشرون في خدمة الحقل،‏ تكون المقاطعة المعينة لهم مؤلفة فقط من ١٠ او ١٥ بيتا.‏ وفي مناطق كهذه،‏ يشهدون لأشخاص سمعوا الرسالة تكرارا.‏ ويتطلب ذلك من الناشرين تنويع مقدماتهم والمواضيع التي يناقشونها مع اصحاب البيوت.‏ ويجب ان يستعملوا المراجع والاقتراحات التي يزوِّدها العبد الامين الحكيم بطريقة فعّالة.‏ حتى وقت قريب،‏ قليلا ما كانت تجري الشهادة في الشوارع في المقاطعات الفرنسية،‏ لكنها الآن تصير وجها ممتعا ومثمرا للخدمة.‏

‏«سي بون دييه ليه»‏

يُدخِل سكان مارتينيك قانونيا في جملهم عبارة ”‏Si bon Dié lé“‏ (‏«ان شاء اللّٰه»)‏.‏ ومشيئة اللّٰه هي طبعا مذكورة بوضوح في الكتاب المقدس.‏ يعلن المزمور ٩٧:‏١‏:‏ «الرب قد ملك فلتبتهج الارض ولتفرح الجزائر الكثيرة».‏ ويضيف المزمور ١٤٨:‏١٣‏:‏ «ليسبِّحوا اسم الرب».‏ وبواسطة نبيّه اشعياء،‏ يوجّه يهوه دعوة التماس:‏ «ليتك اصغيت لوصاياي فكان كنهر سلامك».‏ (‏اشعياء ٤٨:‏١٨‏)‏ ولأن يهوه صالح،‏ فمشيئته هي «ان جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون».‏ (‏١ تيموثاوس ٢:‏٤‏)‏ ومشيئة اللّٰه هي ايضا ان يحرر خليقته،‏ يكسر قيودها،‏ ويجعل الارض بكاملها فردوسا يسكنه بشر من كل العروق والالوان متحدين في عبادة خالقهم.‏ (‏رومية ٨:‏١٩-‏٢١‏)‏ ولا تزال فرصة الاستفادة من هذا القصد الحبي متاحة لشعب مارتينيك.‏

لقد تغيَّرت مارتينيك كثيرا في السنوات العشر الماضية،‏ كما هي حال معظم انحاء هذا الكوكب.‏ فالمخدِّرات،‏ المادية،‏ والانحطاط الادبي غيَّرت ما كان فردوسا مثاليا.‏ وقد انبأت كلمة اللّٰه بهذه التغييرات في مواقف الناس التي تُنتج هذه الاحوال.‏ (‏٢ تيموثاوس ٣:‏١-‏٥‏)‏ لكنَّ هذه الاحوال ليست مشيئة اللّٰه.‏ وعوضا عن ذلك،‏ يستمر يهوه في اختياره من بين الامم الذين يصفهم بأنهم ‹المشتهى› وإعدادهم للحياة كجزء من مجتمع عالمي مؤلف من شعبه الذين سيسكنون الفردوس.‏ (‏حجي ٢:‏٧‏)‏ هؤلاء ليسوا اناسا لامبالين لا يتخذون ايّ اجراء لاعتقادهم انه اذا كانت مشيئة اللّٰه ان يحدث امر ما فسيحدث على ايّ حال.‏ وبالاحرى،‏ هم اناس يتفحصون بدقة الاسفار المقدسة ليعرفوا ما هي مشيئة اللّٰه،‏ وبعد ذلك،‏ اذ تدفعهم المحبة،‏ يقومون بغيرة بالامور التي ترضيه.‏ —‏ اعمال ١٧:‏١١؛‏ تيطس ٢:‏١٣،‏ ١٤‏.‏

‏[الخريطة في الصفحة ١٩٢]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسق في المطبوعة)‏

ست وأربعون جماعة موزَّعة في الاماكن المذكورة

سان پيار

كاز پيلوت

شولشير (‏٢)‏

فور دو فرانس (‏١٤)‏

ليه تروا ايليه

أجوپا بوييون

لو مورن روج

ڠرو مورن

ڤير پريه

سان جوزيف (‏٢)‏

لو لامنتان (‏٣)‏

دُكو

سان إِسپري

ريڤيير ساليه

ريڤيير پيلوت

سانت لوس

باس پوانت

ماريڠو

سانت ماري

ترينيتيه (‏٢)‏

لو روبير (‏٢)‏

لو فرانسوا (‏٢)‏

لو ڤوكلان

لو مارين

لو لوران

سانت آن

‏[صورة تغطي كامل الصفحة ١٦٢]‏

‏[الصورة في الصفحة ١٦٧]‏

ڠْزاڤيِه وسارة نول،‏ في السنة التي وصلا فيها الى مارتينيك

‏[الصور في الصفحة ١٧٥]‏

خدام اولياء ليهوه لفترة طويلة:‏ (‏١)‏ ليون بِلاي،‏ (‏٢)‏ جول نوبول،‏ (‏٣)‏ جرمان بِرتولو،‏ (‏٤)‏ فيليپ دوردون،‏ (‏٥)‏ روجيه روزامون،‏ (‏٦)‏ كريستيان بِلاي،‏ (‏٧)‏ ألبير نيلسون،‏ (‏٨)‏ ڤنسان زِبو،‏ (‏٩)‏ ڤنسان مولر

‏[الصور في الصفحة ١٧٧]‏

نساء رسمن امثلة حسنة كمعلمات لكلمة اللّٰه:‏ (‏١)‏ ستيلا نِلزي،‏ (‏٢)‏ ڤيكتور فووس (‏الآن لازيمان)‏،‏ (‏٣)‏ ليونيد پوپانكور،‏ (‏٤)‏ اندريه زوزور،‏ (‏٥)‏ إيما اورسوليه

‏[الصورة في الصفحة ١٨٣]‏

اول قاعة ملكوت كانت خاصتهم (‏في فور دو فرانس)‏

‏[الصورة في الصفحة ١٨٦]‏

عائلة موتوسامي،‏ جميعهم يعاشرون الجماعة المسيحية

‏[الصورة في الصفحة ١٩١]‏

جبل پيليه،‏ وسان پيار بمحاذاة المياه

‏[الصورة في الصفحة ١٩٩]‏

عائلة بيت ايل في مارتينيك

‏[الصورتان في الصفحة ٢٠٧]‏

اخيرا قاعة محافل —‏ في ريڤيير ساليه