پاراڠواي
پاراڠواي
في قلب اميركا الجنوبية تقع دولة پاراڠواي المحاطة بالبَر. فماذا يعني هذا الاسم؟ تختلف الآراء، لكنَّ رأيا محليا شائعا يقول انه يعني «النهر الذي ينبع من البحر». فالهنود في المنطقة كانوا يعتقدون ان بعض البُرك في المستنقعات البرازيلية، حيث ينبع نهر پاراڠواي، كان كبيرا كالبحر. ونهر پاراڠواي، الذي يجري عبر البلاد من الشمال الى الجنوب، يشطر البلد. فإلى شرق النهر تقع التلال المتموِّجة، الحقول الخصبة بتربتها الحمراء، والغابات الكثيفة. والى الغرب منه تقع تشاكو، بسكانها القليلين المتفرقين في منطقة من الساڤانا، الغابات الخفيضة، والمستنقعات الواسعة التي تحوي اعدادا كبيرة من الحشرات وتشكيلة واسعة من الطيور المدارية الزاهية الالوان.
پاراڠواي هي بلد تتباين فيه التكنولوجيا العصرية مع طريقة الحياة الابسط التي يعيشها المزارعون. فالطائرات النفّاثة والاقمار الاصطناعية للاتصالات فتحت الباب على المعرفة في العالم. والابنية الشاهقة تشكِّل افق العاصمة، آسنْسيون. وعلى طول الحدود الشرقية للبلد، على نهر پارانا، تقع ايتايپو، محطة كهرمائية قدرتها على انتاج الطاقة لا تضاهيها اية محطة اخرى مثلها في العالم.
قد تعتقدون ان لغة البلد هي الاسپانية، لكنَّ الامر لم يكن دائما كذلك، ولا هو كذلك اليوم. فالسكان الاولون كانوا هنود الڠْواراني. ونحو سنة ١٥٢٠، كان المستكشفون الپرتغاليون تحت
قيادة أليجو ڠارسيا اول البيض الذين دخلوا البلد. وخلال العقد الذي تلا، بدأ الاسپان بالتمركز في المنطقة المعروفة الآن بـ آسنْسيون. وظل البلد خاضعا لإسپانيا حتى سنة ١٨١١، لكنَّ اللغة الڠْوارانية لم تُستبدل قط بلغة الفاتحين الاسپان. ونتيجة ذلك، فإن الڠْوارانية، لغة جميلة بخصائصها المُسرَّة للسمع، هي اللغة الام التي تتكلمها الغالبية في پاراڠواي العصرية، ويُعترف بأنها، بالاضافة الى اللغة الاسپانية، احدى اللغتَين الرسميتين.بعد عقود قليلة من وصول المستكشفين الاوروپيين، جاء اليسوعيون ليهدوا الڠْوارانيين الى الكثلكة الرومانية. وفي ذلك الوقت لم يكن عند الڠْوارانيين تماثيل او معابد. لكنَّ اليسوعيين جمعوا الهنود في قرى صغيرة مشتركة حيث علَّموهم الطقوس والتراتيل الكاثوليكية، فيما كانوا يعلِّمونهم ايضا حِرفا ومهارات. وقد استعمل اليسوعيون بعض عائدات عمل الهنود ليزوِّدوهم بالضروريات الاساسية للحياة، لكنهم استخدموا ايضا هذا الاجراء ليغتنوا ويتسلطوا. فجعل ذلك كثيرين من اصحاب الاراضي الاسپان يشعرون بالحسد. وتشكّوا الى ملك اسپانيا، شارل الثالث، من ازدياد سلطة اليسوعيين. وهذا التشكّي، الذي لم يصدر من الڠْوارانيين بل من المستعمرين الكاثوليك، كان عاملا رئيسيا ادّى الى ان تطرد اسپانيا اليسوعيين من الامبراطورية سنة ١٧٦٧. لكنَّ الكثلكة التي علَّموها ظلت تؤثر في حياة الشعب. فقد تبنّوا المظاهر الخارجية للكثلكة، في حين تشبَّثوا ايضا، في حالات كثيرة، ببعض المعتقدات الاصلية. فروَّج ذلك جوا يمكن ان تزدهر فيه الخرافة. ومع قبولهم الكثلكة، اتى ايضا التأثير القوي لرجال الدين الكاثوليك في حياتهم.
لم يجلب هذا الارث الديني السلام للبلد. فالحرب اثَّرت عميقا في تاريخ پاراڠواي، تاركة ندوبا عميقة في حياة الشعب. فمن سنة ١٨٦٤ حتى سنة ١٨٧٠، تحت حكم فرانسيسكو سولانو لوپيز، حاربت پاراڠواي البرازيل، الارجنتين، واورڠواي. وكانت النتائج مفجعة. ووفقا للسجلات
المتوفِّرة، ربما كان عدد سكان البلد إبّان الحرب مليونا او اكثر. وقيل انه في نهاية الحرب، صار عددهم نحو ٠٠٠,٢٢٠، بينهم على الاقل ٠٠٠,١٩٠ امرأة وولد. وقد تبعتها حروب اخرى؛ شملت احداها نزاعا مع بوليڤيا على ملكية تشاكو، والحروب الاخرى كانت بسبب الاضطرابات السياسية. لذلك ربما لا يُستغرب ان يلجأ تكرارا الذين ارادوا ان يسيطروا على الآخرين في پاراڠواي الى القوة الجسدية ليبلغوا اهدافهم.لقد وصلت بشارة ملكوت يهوه الى هذا البلد، اولا بواسطة نشرات الكتاب المقدس التي أُرسلت بالبريد قبل سنة ١٩١٤، ثم على صعيد شخصي من سنة ١٩٢٥ فصاعدا. وهكذا ابتدأ ماء من نهر آخر، ليس نهر پاراڠواي او پارانا ولكن ‹نهر من ماء حياة›، يصير متوفِّرا هناك كما هو متوفِّر في كل انحاء الارض. — رؤيا ٢٢:١.
وصول حق الملكوت
طلب ج. ف. رذرفورد، رئيس جمعية برج المراقبة آنذاك، من هوان مونييس، ان ينتقل من اسپانيا الى الارجنتين لتنظيم الكرازة بالبشارة
وتوسيعها في ذلك الجزء من الارض. وقد وصل الى بونس إيريس في ١٢ ايلول ١٩٢٤، وبعد وقت قصير سافر شخصيا الى اورڠواي وأيضا الى پاراڠواي لينشر رسالة الملكوت. فزُرعت بزور حق الكتاب المقدس، لكنَّ التقدُّم الذي أُحرز كان بطيئا.وفي سنة ١٩٣٢، تورطت پاراڠواي في حرب اخرى، هذه المرة مع بوليڤيا. ومرة اخرى دُمِّرت الطاقة البشرية للبلد. وكانت هنالك تأثيرات جانبية على اقتصاد البلد وعلى سلامة الذين قد يأتون من الخارج حاملين بشارة الملكوت. ومع ذلك، وفيما كانت الحرب مستعرة على نطاق واسع، ارسل فرع الارجنتين سنة ١٩٣٤ ثلاثة شهود ليهوه الى پاراڠواي لدعوة المستقيمي القلوب هناك الى الشرب مجانا من ‹ماء الحياة›. وكان هؤلاء الاخوة: مارتونفي، كوروس، ورايباتش. — رؤيا ٢٢:١٧.
مقاومة شديدة من رجال الدين
كتب الاخ رايباتش: «في تشرين الاول من تلك السنة، كنا مستعدَّين للتوجُّه نحو الجزء الداخلي من البلد. كان بحوزتنا صندوقان من المطبوعات، ومع كل منا حقيبة. فسافرنا من آسنْسيون الى پارڠواري على متن قطار ومن هناك سيرا على الاقدام، بسبب عدم وجود نقليات، الى وجهتنا الاولى، كاراپيڠوا، التي تبعد نحو ٣٠ كيلومترا (٢٠ ميلا). وفي تلك الليلة نمنا على الارض والمطبوعات بجانب رأسَينا. وعندما بدأنا بالشهادة في اليوم التالي، زار كاهن القرية الناس قائلا لهم ألَّا يصغوا الينا. ثم ذهب ورفيقا له، ممتطيا حصانا الى القرية المجاورة ليُخبر الناس هناك ألَّا يصغوا الينا وأن يطردونا خارج البلدة، الامر الذي حاول بعضهم ان يفعلوه».
وبسبب هذا الضغط من الكاهن، كانت توزيعات الكتاب المقدس قليلة، حتى ان بعضها أُعيد. ومن كاراپيڠوا سار الشاهدان من بلدة او
من قرية الى اخرى — الى كيندي، كاپوكو، ڤييا فلوريدا، وسان ميڠال. وللوصول الى سان خوان بوتيستا، سارا كل النهار، واستمرا في السير حتى منتصف الليل، ناما في حقل، ثم تابعا طريقهما باكرا في الصباح التالي. وعندما وصلا الى بلدة، زارا اولا الشرطة ليوضحا ما كانا يقومان به. وقد استقبل هؤلاء الرجال الشاهدَين باحترام. ثم قضى الشاهدان يوما كاملا في الخدمة العلنية.ولكن في الصباح التالي عندما خرج الاخ مارتونفي من الكوخ الذي استأجراه، كانت تنتظره مفاجأة. فنادى الاخ رايباتش، الذي كان لا يزال في الداخل: «اليوم عندنا شيء جديد». لقد كانت المطبوعات التي وزَّعاها قبل يوم مُمزَّقة ومنشورة حول كوخهما. وعلى بعض الاوراق، كُتبت تعابير تتضمَّن اهانات وكلاما بذيئا، وكذلك تهديدات بأنهما لن يغادرا البلدة حيَّين.
وفيما كانا يتناولان الفطور، وصلت الشرطة واعتقلتهما. فما الذي تغيَّر؟ ذكر الاخ رايباتش في وقت لاحق: «عندما سألنا عن السبب، أرونا صحيفة تتهمنا بأننا جاسوسان بوليڤيان متنكران بصفة مبشرَين. وكان مدير الصحيفة الكاهن الرئيسي للمنطقة».
العودة الى آسنْسيون
أُرسل الشاهدان الى آسنْسيون كسجينين. وكانت رحلة طويلة سيرا على الاقدام. وفيما كانا ينتقلان من مركز للشرطة الى آخر، كان يرافقهما دائما حارس مسلح. وعلى طول الطريق كان بعض الناس يُطلقون الاهانات ويرمونهما بالحجارة. لكنَّ الشرطة عاملت الاخوين باحترام، حتى انهم قالوا ان تهمة التجسس سخيفة. وأحيانا كان الشرطي الخيَّال يحمل امتعة الاخوين. وقد سمح شرطي للاخ مارتونفي بأن يمتطي حصانه، فيما سار هو وأصغى الى ما كان الاخ رايباتش يُخبره به عن ملكوت اللّٰه.
ولكن في كيندي، عندما سُلِّم الاخوان الى الجيش، صارت المعاملة قاسية. فطوال ١٤ يوما أُبقيا في سجن عسكري، أُمرا بالجلوس على مقعدين خشبيين مستقيمين، مُنعا من الاستلقاء او الوقوف، أُهينا، وضربا بسوط. وفي وقت لاحق، في پاراڠواري، أُخذا الى محطة القطار مكبَّلين تحت حراسة ١٢ جنديا يحملون حِرابا. وهناك سُلِّما ثانية الى الشرطة لمتابعة ما تبقى من الرحلة الى آسنْسيون.
كانت الاحوال حيث سُجنا في العاصمة قاسية ايضا، لكنهما استخدما الكتاب المقدس الذي كان لا يزال بحوزتهما وقدَّما شهادة للسجناء الآخرين. وبعد اسبوع من الاحتجاز في العاصمة، أُخذا اخيرا الى مكتب رئيس الشرطة. وكان حاضرا ايضا وزير الداخلية، الكولونيل ريبارولا. (عُرف لاحقا انه عندما أُعلم الكولونيل ريبارولا بالتُّهم الموجَّهة الى اخوينا في الصحيفة في سان هوان بوتيستا، بعث ببرقيات الى الرؤساء العسكريين ليضمنوا عودة الاخوين الى العاصمة سالمَين.) قال الاخ رايباتش: «عبَّر الرجلان عن اسفهما لما حدث». وأضاف: «ذكرا انه، بالرغم من ان هذا البلد كاثوليكي، إلّا ان هنالك حرية دينية، وأنه مسموح لنا ان نتابع الكرازة من بيت الى بيت كما كنا نفعل، ولكن لسلامتنا ينبغي ألّا نغادر العاصمة».
عندما سمع الاخ مونييس في بونس إيريس ما حصل، ارسل تعليمات الى الاخوين ليعودا الى الارجنتين حتى تنتهي الحرب. وقد اتت هذه النهاية في السنة التالية. لكنَّ الاخ كوروس، الذي لم يكن مع الاخوين اللذين اعتُقلا، بقي في آسنْسيون.
باكورة پاراڠواي
في غضون ذلك الوقت، التقى احد الفاتحين رجلا طلب منه مطبوعات باللغة العربية لحميه، وهو مهاجر من لبنان. وبهذه الطريقة، تسلَّم هوليان
حداد كتابا صار يعزّه. وإذ اقتنع بأنه وجد الحق، ابتدأ يعلِّمه لأولاده. وكتب ايضا الى الجمعية طالبا مطبوعات ليوزِّعها على جيرانه. وبعد سنوات قليلة، وجد فاتح هوليان في سان هوان ناپوموزاينو وقدَّم له مساعدة روحية اضافية. وفي سنة ١٩٤٠، اعتمد آل حداد وصاروا اول ناشرين معتمدين محليين في پاراڠواي. ومنذ ذلك الحين، يتمتع هوليان، وأحد ابنائه، وعدة حفداء له بفرح المساهمة في خدمة الفتح، واستمر هوليان في القيام بذلك الى ما قبل موته بوقت قصير عن عمر ٧٧ سنة.في غضون ذلك، جعلت حرب تشاكو هوان هوسّيه بريسويلا يفكِّر جديَّا في الحياة. فكان البوليڤيون قد جرحوه وأسروه. وكأسير حرب، رأى ارامل يذرفن الدمع على اولادهنَّ اليتامى، ورأى الكهنة الكاثوليك يباركون الجنود البوليڤيين. فتذكَّر انه وآخرين نالوا بركة مماثلة، بصفتهم جنودا من پاراڠواي. ففكَّر: «لا بد ان يكون هنالك خطأ ما. اذا كان اللّٰه موجودا، فلا يمكن ان يحدث ذلك. ولكن اذا كان اللّٰه موجودا فعلا، فسأبحث عنه حتى اجده».
اعمال ١٧:٢٧) وسرعان ما ادرك هوان هوسّيه انه وجد الاله الحقيقي، يهوه. (تثنية ٤:٣٥، عج؛ مزمور ٨٣:١٨) فاعتمد في سنة ١٩٤٥؛ وزوجته هوڤيتا سنة ١٩٤٦.
وبعد الحرب، التقى هوليان حداد هوان هوسّيه في كارمن دل پارانا. ومن الكتاب المقدس، ساعده هوليان على ايجاد اجوبة عن اسئلته تمنح الاكتفاء. وكما قال الرسول بولس منذ زمن بعيد، جعل اللّٰه من الممكن للبشر الذين «يتلمسونه» ان «يجدوه». (في غضون ذلك، كانت حقائق الكتاب المقدس تناقَش ايضا في مكان لبيع الخُضَر في سوق في سان لُرَنزو. لم يكن الكارز هناك واحدا من شهود يهوه بل امرأة كانت قد اظهرت اهتماما بما يكرز به الشهود. فأصغت سيباستيانا ڤاسكيس باهتمام مع انها اميَّة. ولكي تتقدَّم روحيا، تعلَّمت القراءة، وفي سنة ١٩٤٢ اعتمدت كواحدة من شهود يهوه.
امتحانات للايمان يواجهها فريق صغير
تأسست اول جماعة، او فرقة كما كانت تُعرف آنذاك، في پاراڠواي سنة ١٩٣٩. ولم يكن هنالك الا شاهدان فقط، لكنهما كانا مبشرين
غيورين. وقد قدَّما كمجموع تقريرا بـ ٨٤٧ ساعة في خدمة الحقل ووزَّعا ٧٤٠,١ كتابا وكراسة خلال سنة الخدمة تلك. وعقدا اجتماعات في بيت خاص يقع في ما يُدعى الآن جادة ڠسپار رودريڠيس دي فرانسيا (امامباي سابقا) بين شارعَي انتايكيرا وتاكواري في آسنْسيون. وكان يحضر هذه الاجتماعات خمسة او ستة اشخاص فقط في غرفة تبلغ مساحتها نحو ٤ امتار في ٤ امتار (١٢ × ١٢ قدما). وكان هذا الموقع ملائما حتى سنة ١٩٤٤.وفي السنة التالية بدأ الاخَوان في استخدام آلتَي اسطوانات كهربائيتين لإذاعة تسجيلات لخطابات قصيرة حول مواضيع مختلفة من الكتاب المقدس. فاغتاظ رجال الدين جدا حتى انهم قدَّموا عريضة للحكومة لتمنع كل نشاط اضافي يقوم به شهود يهوه. لكنَّ الشاهدَين واصلا عملهما. ومن الجلي ان المحاضرات الواضحة المؤسسة على الاسفار المقدسة المسجَّلة كانت فعَّالة. وخلال السنتين التاليتين، استُخدمت تسجيلات كهذه بفعَّالية بمختلف اللغات للوصول الى مجتمعات من المهاجرين الپولنديين، الروسيين، الالمان، والاوكرانيين الذين كانوا قد استقروا بالجزء الجنوبي من البلد.
كانت عائلة ڠولاسيك، التي كانت تعيش في مستوطنة پولندية وأوكرانية قرب اينكارناسيون، بين اوائل الذين قبلوا الحق في هذه المنطقة. وسرعان ما صار روبرتو ڠولاسيك يمتطي حصانا ويتوجَّه الى مختلف المستوطنات ليقدِّم الشهادة، مزوَّدا بفونوڠراف ومطبوعات. في البداية كانت الاجتماعات هنا تُعقد مرة في الشهر، ثم مرتين في الشهر، وفي وقت لاحق مرة في الاسبوع. وأحيانا كان اناس من خمس فِرق لغوية مختلفة يحضرون، لكنهم كانوا كلهم يتعلَّمون ببطء اللغة النقية لحق الكتاب المقدس. — زكريا ٣:٩.
ومن المؤسف انه لم يستمر جميع الذين ساهموا في اعطاء شهادة في ذلك الوقت في الطريق الضيّق الذي يؤدي الى الحياة. فقد بدأ ناظر مزمور ٣٧:٢٨.
مستودع مطبوعات الجمعية في آسنْسيون بتأييد آراء شخصية. وعندما ارتدَّ عن هيئة يهوه، تخلَّى آخرون ايضا عن خدمة يهوه. فانخفض عدد المنادين بالملكوت من ٣٣ في سنة ١٩٤٣ الى ٨ في سنة ١٩٤٤. وماذا الآن؟ لقد بارك يهوه الذين اظهروا انهم شهود اولياء، وبدأت الهيئة تنمو ثانية. —المرسلون يتعلمون العادات المحلية
باهتمام حبي بخير الرعية في پاراڠواي، ارسل مكتب الفرع في الارجنتين ڠوينيد هيوز ليشرف على العمل. وعندما دُعي الى حضور مدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس في سنة ١٩٤٥، صُنعت ترتيبات لإرسال يووان دايڤيز مع زوجته ديليا. ولكن بسبب تأخير في الحصول على الاوراق اللازمة لسفرهما، سبقهما هوليس سميث، احد خريجي مدرسة جلعاد، وكان موجودا للترحيب بالاخ والاخت دايڤيز عندما وصلا الى آسنْسيون على متن قارب نهري في اواخر سنة ١٩٤٥. وبعد ايام قليلة، وصل ألبرت وأنجلاين لانڠ، متخرجان ايضا من جلعاد، على متن طائرة. وتبعهم آخرون. فاستؤجر منزل يسع المرسلين ويؤمِّن ايضا مكانا لتجتمع فيه الجماعة المحلية. لقد كان كل المرسلين تواقين الى الخدمة، ولكن لزم طبعا ان يتعرَّفوا الى طريقة حياة الناس.
لقد وجدوا ان الناس متديِّنون جدا، رغم انه كانت تنقصهم معرفة الكتاب المقدس. وكان لكل مدينة «قديستها» الشفيعة، التي تُعرف عادة بـ «مريم العذراء».
وإذ صاروا يعرفون عادات الناس، وجدوا ان الكثير منها جذاب. ففي السوق، كانت هنالك كوَم من الفاكهة والخُضَر ونساء يحملن بتوازن احمالا ثقيلة في سلال كبيرة على رؤوسهن. وفي المتاجر، كان هنالك نسيج يدوي مخرَّم يُعرف بـ نياندوتي، وهو رقيق ورفيع جدا حتى انه يشبه بيت العنكبوت. وقد لاحظوا ايضا بسرعة ان الناس يبدأون عملهم باكرا
وعند الظهيرة يُقفل كل شيء من اجل قيلولة خلال ساعات النهار الاحرّ. وعندما كان المرسلون يزورون الناس في بيوتهم ليُخبروهم برسالة الملكوت، تعلَّموا ان يقفوا عند البوابة ويصفِّقوا ولا يدخلوا الى الفناء الخارجي الّا بعد ان تجري دعوتهم. ولم يكن في وسعهم الا ان يشعروا بمودة، بساطة، وحرارة الناس. لكن لزم ايضا ان يتعلَّموا التحدث اليهم بلغتهم — ليس فقط الاسپانية بل ايضا الڠْوارانية.في نيسان ١٩٤٦، بُعيد وصول المرسلين، أُعيد تعيين الاخ والاخت دايڤيز في الارجنتين. وعيِّن پابلو أُوسوريو راييس، الذي كان يحضر الاجتماعات من اشهر قليلة فقط، ليدير درس برج المراقبة رغم انه لم يكن قد اعتمد بعد. ولماذا بهذه السرعة؟ لأنه كان يتكلم اللغة وأحرز تقدُّما روحيا جيدا. لكنه واجه تحديات. ففي وقت لاحق كتب الاخ أُوسوريو: «بُعيد تعييني كمدير لدرس برج المراقبة، كان يجب ان اصحِّح تعليقا خاطئا جرى تقديمه. فثارت ثائرة المعلِّق ودعاني في الحال الى قتال. رفضت طبعا، وقد ساعد احد المرسلين على تهدئة الوضع. فلا شيء افضل من ان يتحمل المرء قليلا من المسؤولية لمساعدته على النضج». وللأسف ترك لاحقا صاحب الطبع السريع الانفعال خدمة يهوه.
بنيان الهيئة
قبل نهاية سنة ١٩٤٦، لزمت تسهيلات اوسع لاستخدامها كمركز للنشاط الثيوقراطي. فوصل ستة مرسلين اضافيين — وليَم وفيرن شيلينڠر، مع اربعة آخرين. واستؤجر منزل له فناء واسع في جادة ماريسكال لوپيز. كان المبنى يقع مباشرة مقابل وزارة الدفاع. ووُضعت اللافتة الكبيرة «قاعة الملكوت» بشكل بارز على البوابة الامامية بحيث انه لا يمكن لأيّ شخص يتعامل مع الشعبة العسكرية للحكومة الا ان يراها.
وفي ١ ايلول من تلك السنة، اسست الجمعية فرعا في پاراڠواي، وزوَّد المبنى المُستأجر مؤخرا مكانا لمكتب الفرع. ومع هذا التنظيم المحسَّن، ازدادت كثافة الشهادة المقدَّمة، وكذلك المقاومة. فيبدو ان رجال الدين كانوا يستخدمون كرسي الاعتراف للحصول على معلومات ولزرع الخوف كي يمنعوا سعاة البريد الكاثوليك من توزيع مطبوعات برج المراقبة.
وفي تشرين الثاني، اتى الاخ هيوز من الارجنتين ليزور ويبني الجماعات الاربع الصغيرة التي كانت تعمل آنذاك. لقد كان في مدرسة جلعاد وحضر محفل «الامم الفرحانة» الثيوقراطي الاممي في كليڤلنْد، أوهايو، الولايات المتحدة الاميركية، حيث عُقدت الفترات بـ ٢٠ لغة وحيث امتلأ المدرَّج في اليوم الختامي بـ ٠٠٠,٨٠ شخص اتوا ليسمعوا الخطابات. وهكذا كانت عنده امور كثيرة ليُخبر الاخوة بها. فكانوا بحاجة الى هذا البنيان ليبقوا في الخدمة في وجه الشدة.
في غمرة الثورة
في اوائل سنة ١٩٤٧، اندلعت الثورة. ونصبت قوات الحكومة مدافع رشاشة على الرصيف امام بيت المرسلين. وبعد يوم من القتال، عاد
شيء من الاستقرار. ثم في ٧ آذار، صار الوضع من جديد خطرا. فكانت هنالك حرب معلَنة في الشوارع. وأُعلنت الاحكام العرفية. واقتحم المتمرِّدون المركز الرئيسي للشرطة في وسط مدينة آسنْسيون.وإذ توقَّع الجنرال المسؤول ان يُهاجَم ايضا المركز الرئيسي للجيش، صادر بيت المرسلين لاستعمال عسكري وأعطى الاخوة ثلاثة ايام للاخلاء. وعند الاستئناف، مُدِّدت هذه الفترة الى عشرة ايام. وفي غمرة الثورة وخلال ازمة سكنية شديدة، وجد الاخوة انفسهم يشرعون هم في حملة: عملية التفتيش عن منزل. ويبدو ان يهوه اراد ان يبقى وجود شهوده معروفا عند السلطات العليا في پاراڠواي. فالمنزل الوحيد الملائم المتوفِّر كان يقع تماما قرب البيت الرئاسي، حيث توجد سفارات كثيرة.
في ما يتعلق بالثورة، وفي رسالة مؤرخة في ٢٦ آذار ١٩٤٧، كتب خادم الفرع: «ان الحالة هنا تزداد سوءا يوميا. وعند كتابة هذه السطور، هنالك طائرة تحلِّق فوقنا على بعد عدة اميال، تقصف المطار كما اظن. وهي تواجَه بأسلحة مضادّة للطائرات. وهنالك مئات الجنود حول البيت الرئاسي، وتصدر من مدافعهم اصوات مرعبة. الهواء ازرق من دخان البارود، ورائحته كريهة. والقوات الثورية تقترب جدا من المدينة؛ يمكننا ان نسمع دويَّ المدافع والقنابل المتواصل . . . والوضع الغذائي يزداد سوءا يوميا».
كانت القوات الثورية على مسافة عشر بنايات من بيت المرسلين عندما بدأت قوات الحكومة بصدّهم. وخلال كل ذلك الوقت، واصل الاخوة شهادتهم باذلين ما في وسعهم. واستمرت الثورة طوال ستة اشهر تقريبا، وقد تبيَّن انها محنة حقيقية، ولا سيما بالنسبة الى الاخوة المحليين. فقد عاملتهم السلطات بقساوة لأنهم كانوا يحافظون على حيادهم المسيحي.
غير تاركين الاجتماع معا
عندما انتهت الثورة، بدأ البلد يعود الى وضعه الطبيعي، وعاد بعض الذين كانوا قد هربوا الى الارجنتين. ووُضعت خطط لعقد محفل، وهو الاول في پاراڠواي، من ٤-٦ حزيران ١٩٤٨. لكنَّ ابليس كان منشغلا بتسبيب الاضطرابات. ففي ٣ حزيران حدث انقلاب عسكري. أُسر على اثره الرئيس ووزراؤه. فعمَّت فوضى عارمة العاصمة. وماذا عن المحفل؟
ان المحاولات لاستئجار قاعة ملائمة باءت بالفشل، لكنَّ يهوه هيَّأ تدبيرا آخر. فقد أُخلي بيت المرسلين السابق قُبالة المركز الرئيسي للجيش. ووافق مالكه على تأجيره للاخوة لعقد محفلهم. لقد كان بعيدا عن وسط المدينة، حيث كانت الاضطرابات. وكان يمكن استخدام الفناء لفترات المحفل، والمبنى لإيواء المندوبين القادمين من خارج البلدة. وقد حيَّا الذين اتوا بعضهم بعضا بمصافحة كل شخص، كما تدرج العادة في پاراڠواي. وحضر اكثر من مئة شخص ليسمعوا المحاضرة «السرور القادم لكل الجنس البشري». وكم كانت هذه المحاضرة في حينها للناس في پاراڠواي!
الشرطة صدّت الرعاع
منذ بدأ شهود يهوه للمرة الاولى بمواصلة عملهم لتعليم الكتاب المقدس في پاراڠواي، واجهوا تكرارا مقاومة رجال الدين. وفي سنة ١٩٤٨، في بلدة يوتي الصغيرة، في الجزء الجنوبي من البلد، خطط ناظر الدائرة لإلقاء خطاب عام في حديقة عامة صغيرة في وسط البلدة. وكانت الحديقة قُبالة الكنيسة الكاثوليكية تماما. فحثّ الكاهن المحلي الناس على إيقاف المحاضرة، معلنا ان الشهود سيقسِّمون الكنيسة ويحرمون الكاثوليك من دينهم. وقبل ان تبدأ المحاضرة، تجمَّع رعاع كثيرون امام الكنيسة. وعند رؤية شهود يهوه — ثمانية منهم — في الحديقة العامة
قُبالة الشارع، بدأوا يصرخون: «ارحلوا يا پروتستانت! ارحلوا يا پروتستانت!». وفي غضون ذلك، كانت مجموعة كبيرة من الناس ينتظرون لسماع الخطاب لكنهم كانوا خائفين من الدخول الى الحديقة العامة بسبب الرعاع.فنصبت الشرطة مدفعا رشاشا امام الرعاع وقالت انه اذا اجتاز ايّ شخص الخط، فسيُطلقون النار. فمنع ذلك الرعاع من الاقتراب حتى تمكَّن الاخوة من الخروج بسلام من المنطقة. لكنهم كانوا طوال الاسبوع يعلنون عن الخطاب، وكانوا مصمِّمين على منح المهتمين فرصة سماعه. فقدَّم شاهد محلي بيته لاستخدامه. وبعد ان أُلقي الخطاب، وصل فريق آخر وقالوا انهم يرغبون هم ايضا في سماعه؛ لذلك ألقاه ناظر الدائرة مرتين في ذلك اليوم. وهناك في يوتي، صارت الثمار المتباينة لشكلين من العبادة ظاهرة بشكل واضح.
المرسلون يواجهون الترحيل
على صعيد رسمي، حافظت پاراڠواي عموما على تاريخ من التسامح الديني، مع انه حتى سنة ١٩٩٢ كانت الكثلكة الرومانية الدين الحائز رضى الحكومة. والصعوبة التي كانوا يلقونها، كانت تحصل عادة في المناطق الريفية وبتحريض من الكهنة المحليين وأتباعهم المتعصبين. لكن في اوائل سنة ١٩٥٠، كانت هنالك محاولة رسمية لطرد مرسلي برج المراقبة من البلد.
فقد تطلَّب قانون جديد ان يتسجل كل المهاجرين في دائرة الاراضي ويجلبوا وثائق تُثبت نوعية عملهم. لكن عندما حاول المرسلون ان يتسجلوا، قيل لهم انهم لا يستطيعون فعل ذلك لأنهم كانوا في الواقع في البلد بطريقة غير شرعية ولذلك هم عرضة للاعتقال. فيبدو ان تقارير باطلة كانت قد أُعطيت للسلطات بشأن طبيعة عملهم.
كان بعض الرسميين متعاطفين، ولكن بدا انه حتى جهودهم وجهود
السفارة الاميركية كانت تعترضها عقبة صعبة. ففي اميركا اللاتينية، لا يهم غالبا مَن تكونون بل مَن تعرفون لتحصلوا على نتائج. وفي هذه القضية كان الاخوة يعرفون شخصا كان متعاطفا معهم وصادف انه يعمل في مكتب الرئيس. وبواسطته، دعوا السكرتير الشخصي للرئيس الى تناول الغداء في بيت المرسلين. فقُبلت الدعوة بلطف.اتاح ذلك الفرصة لمناقشة طبيعة عمل المرسلين الحقيقية وفوائده للبلد. ونوقشت ايضا مشكلة التسجيل، وكان سكرتير الرئيس مهتما للغاية. ونتيجة ذلك، في ١٥ حزيران ١٩٥٠، صار بإمكان اول المرسلين ان يتسجَّل كمهاجر له الحق الشرعي في الاقامة بالبلد للاستمرار في عمل تعليم الكتاب المقدس.
يوم شاق في الارياف
كان عمل ناظر الدائرة في تلك الايام يقدِّم تحديات خصوصية. وشملت هذه السفر ساعات طويلة، وفي بعض الحالات احتمال المقاومة العنيفة. بدأ لويد ڠمِسن، متخرج من مدرسة جلعاد، بالخدمة كامل الوقت كناظر دائرة في سنة ١٩٥٢. وبعد ان قضى وقتا مع جماعة في شمال يوتي، قدَّم تقريرا عمّا حدث. كانت المقاطعة المجاورة قد خُدمت مؤخرا، فوُضعت خطط للشهادة في بلدة نائية. فغادر الفريق المؤلف من ستة اخوة وأربع اخوات عند الساعة الـ ٠٠:٤ صباحا. وانطلقوا كلهم سيرا على الاقدام باستثناء اخت عندها طفل عمره سنة واحدة. وعند الساعة الـ ٠٠:١١ قبل الظهر وصلوا الى مقاطعتهم، انقسموا الى فريقين، وانطلقوا الى العمل.
‹عملنا ساعة واحدة فقط وعند الساعة الـ ٠٠:١٢ ظهرا كنا نجلس في منزل سقفه من العشب نشهد لعائلة مهتمة›، كما قال الاخ ڠمِسن، ‹عندما دخل المأمور وجندي عمره ١٦ سنة حاملَين مسدسين مصوَّبين
نحونا. وأمر العائلة بحزم ان يعيدوا المطبوعات الينا ثم امرنا بالذهاب معهما الى مركز الشرطة. وعندما وصلنا، كان الناشرون الآخرون قد سبقونا الى مركز الشرطة. حاولت ان اتباحث مع المأمور لكنني وجدت انه يتكلم الڠْوارانية فقط لا الاسپانية. وكانت عيناه محمرَّتَين غضبا، وأمرنا جميعا ان نغادر البلدة وألّا نعود ثانية ابدا.‹وبعد ان سرنا نحو كيلومتر، جلسنا تحت شجرة لنتناول الغداء. وفجأة، وقف الفريق وبدأوا يركضون. نظرت حولي ورأيت المأمور وجنديا آتيَين على صهوة حصانَيهما ومعهما سَوطان طويلان. ففكَّرت انه من الافضل ان ابقى مع الفريق، فشرعت في الركض انا ايضا. وفيما كنت اقفز فوق جدول، فقدت نظارتي الشمسية. وعندما انحنيت لألتقطها، ضُربت بسوط على ظهري احدث صوتا مدوِّيا. ثم حاول المأمور ان يدوسني بواسطة حصانه؛ ولكن اذ كنت اعرف بعض المعلومات عن الاحصنة، اخذت الوِّح بحقيبتي التي استخدمها في الشهادة امام الحصان، فلم يعد يقترب مني.
‹في غضون ذلك كان المأمور قد ضرب تكرارا بالسوط ثلاثة اخوة آخرين، ثم حاول ان يدوس بواسطة حصانه اختا فاتحة عمرها ٧٠ سنة. اخيرا، استدار الاثنان وعادا الى البلدة، وتابعنا نحن طريقنا. لم يتأذَّ احد بشكل خطير، مع انه كانت هنالك آثار حمراء غامقة على ظهور البعض من السوط. انما لم يشعر احد بأيّ ألم. وقد وصلنا الى البيت عند الساعة الـ ٠٠:٨ مساء — بعد ١٦ ساعة من السير›.
وعلى الرغم من حوادث كهذه في بعض البلدات والقرى الاصغر، استمر عمل المناداة بالملكوت في الازدهار.
عقب التغيير في الحكومة
تبيَّن ان السنة ١٩٥٤ كانت سنة حرجة في الحياة السياسية للبلد. فقد أُطيح بحكومة دون فِدِريكو شاڤيز. وفي ١١ تموز اختير الجنرال ألفريدو
ستروسنر لسدّة الرئاسة. فاستُهلَّ عصر من الحكم العسكري دام اكثر من ٣٤ سنة. فكيف اثَّر ذلك في نشاط شهود يهوه؟رُتِّب لعقد محفل كوري يدوم اربعة ايام من ٢٥-٢٨ تشرين الثاني من تلك السنة. وكانت پاراڠواي خاضعة للاحكام العرفية، لذلك كان مطلوبا ان نحصل على إذن من الشرطة اذا كنا سنعقد اجتماعا من ايّ نوع كان. فهل كان ذلك سيسبِّب مشكلة؟ كان الاخوة قد رتَّبوا لاستئجار قاعة محاضرات. ولكن عندما ذهبوا للحصول على إذن من الشرطة لعقد المحفل، قيل لهم انه لا يمكنهم عقده. ولمَ لا؟ اعترف شرطي ان الكهنة كانوا يضغطون عليهم. وبعد عدة زيارات ومحاجّات كثيرة قام بها الاخوة، قيل لهم اخيرا انه رغم انهم لن يحصلوا على إذن، فلن تتدخل الشرطة خلال انعقاد المحفل. وقد امتنع الاخوة بحكمة عن الاعلان عن المحفل بواسطة اوراق الدعوة او في الصحف. ووجِّهت كل الدعوات شفهيا. وعُقد المحفل دون ان تشوبه شائبة.
المقاومة الدينية تستمر
لم يتوانَ رجال الدين الكاثوليك في مساعيهم لإيقاف شهود يهوه. فنحو نهاية سنة ١٩٥٥، صُنعت ترتيبات لعقد محفل دائري صغير في پيريببوي، التي تبعد ٧٢ كيلومترا (٤٣ ميلا) شرقي العاصمة. وعند المغيب في اول امسية للمحفل، قاد كاهن الابرشية رعاعا مُزوَّدين بعصيّ وسواطير ليوقفوا الاجتماع. فتدخل معلِّم محلي، وتراجع الرعاع الى الشارع. وقضوا هناك الامسية يصرخون ويرمون الحجارة والمفرقعات النارية.
في ١ آذار ١٩٥٧ ظهرت المقاومة الدينية ثانية في بلدة إيتا، جنوب شرقي العاصمة. وقبل وقت طويل من هذا التاريخ، صنع الاخوة ترتيبات شرعية لعقد محفلهم الدائري في هذه البلدة. فجرى الحصول على إذن شرعي لعقد المحفل من سلطات مدينة إيتا ومن الشرطة في العاصمة
على السواء. ولكن عندما بدأ الاخوة يتوافدون على إيتا من اجل المحفل، استطاعوا ان يروا ان الامور لا تسير على ما يرام. فقد بدت المدينة وكأنها مدينة اشباح. فالشوارع مقفرة؛ النوافذ والابواب مغلقة تماما. ولماذا؟لقد تعهَّد كاهن الابرشية بأن هذا المحفل لن يُعقد وعمل المستحيل ليتمِّم ما تعهَّد به. حتى انه رتَّب ان تنثر طائرة آلاف المنشورات فوق الريف. وقد تضمنت هذه المنشورات الرسالة التالية: «يوم الجمعة في ١ آذار ١٩٥٧، عند الساعة ٣٠:٥ بعد الظهر وأمام الكنيسة سيكون هنالك تجمع كبير لكل المسيحيين الكاثوليك من المدينة والمناطق. . . . وعند الساعة ٣٠:٦، ستنطلق مظاهرة كبيرة من الكاثوليك رفضا لـ ‹شهود يهوه (الزائفين)›. فلا يحق للهراطقة الپروتستانت ان يعقدوا ايّ محفل كان في إيتا».
عندما علِم الاخوة بخطط الكاهن أيالا، اعتُقد انه من المستحسن نقل المحفل من التسهيلات المكشوفة نسبيا التي كانت قد استؤجرت الى بيت احد الاخوة. فالبيت يمنح حماية افضل في حال حصل هجوم.
يمكنكم ان تتخيَّلوا المشهد. تجمَّع في بيت الاخ نحو ٦٠ شخصا من المسيحيين المحبين للسلام ليتأملوا في كلمة اللّٰه. وعلى بعد مبنيَين سكنيَّين كان حشد من اكثر من الف شخص، يتزايدون كل دقيقة، يصغون الى خطبة الكاهن الشديدة اللهجة وتحريضه على العنف.
لم يكن الجميع في الحشد موافقين على تصرفات الكاهن. فقد حاول سولانو ڠامارا، وهو ملازم ثانٍ في القوات الجوية الپاراڠوايية، ان يهدئ روع الكاهن. وتكلم ايضا الى رفقائه الكهنة، ولكن دون جدوى. فكان احد رفقاء أيالا ثائرا الى حد انه لَكَم الملازم وجرح شفته جرحا بليغا. وما ان رأى الحشد ذلك حتى انقضوا كالذئاب على الملازم، ضربوه
وأصابوه بجروح خطيرة في فروة رأسه. ومزَّق الرعاع قميصه وعلَّقوه على عمود ليحرقوه. ففرّ ڠامارا ليُنقذ حياته.وإذ صار الرعاع متعطشين الى الدماء، اتَّجهوا الآن نحو المحفل، صارخين: «فليسقط يهوه!» «فليمت يهوه!». وفيما كانوا يقتربون من البيت حيث المحفل منعقد، ابتدأ افراد شرطة الحماية القليلون بالانسحاب. فأحكم الاخوة اقفال باب البيت من الداخل. وحاول بعض الرعاع ان يدخلوا الفناء الخارجي من خلال ملكية احد الجيران، لكن الجار اعترض طريقهم ومنعهم من المرور. فهو لم ينسَ انه عندما كان مريضا كان الشهود، الذين يتعرض منزلهم الآن لهجوم، لطفاء جدا معه. وفي تلك الاثناء تابع الاخوة، وهم واثقون بيهوه، اجتماعهم بأفضل ما يمكنهم. ومن اجل سلامتهم، بقوا جميعهم في البيت طوال الليل. وفي اليوم التالي، الغى إشعار من المركز الرئيسي للشرطة في آسنْسيون الاذن في عقد محفل من اجل حماية الشهود، ولأن الشرطة المحلية كانت عاجزة عن مواجهة الرعاع. فاستؤجر باص، وغادر الوافدون
السعداء وهم يرنِّمون الى بيت الفرع-المرسلين في آسنْسيون ليُكملوا محفلهم. لقد واجهوا امتحانا للايمان، مما جعلهم اقوى روحيا.اعتراف شرعي
بعد ما قام به الرعاع في إيتا، اتَّخذ مكتب الفرع خطوات تمثُّلا بالمسلك الذي اتَّخذه الرسول بولس ‹لتثبيت البشارة شرعيا› في پاراڠواي. (فيلبي ١:٧، عج؛ اعمال ١٦:٣٥-٣٩) فأدى ذلك الى نتائج جيدة. وبعد استيفاء كل المطالب القانونية المحلية، جرى الاعتراف، في ١٤ تشرين الاول ١٩٥٧، بجمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس كشخصية قانونية مخوَّلة تمثيل شهود يهوه في هذا البلد. ونُشر إشعار بذلك كمرسوم رئاسي في الصحف. وقد تبيَّن ان هذا مفيد جدا عند شراء ملكية لازمة، وجعل من الممكن الحصول على مقرّ دائم للمرسلين.
فيلمهم الاول
منذ سنة ١٩٥٤ وحتى سنة ١٩٦١، كان استخدام الافلام فعَّالا في جعل الناس يتعرَّفون بهيئة يهوه. وصُنعت تدابير لعرض افلام الجمعية في انحاء كثيرة من الجزء الشرقي للبلد. وفي السنوات الخمس التي أُجري خلالها احصاء، حضر اكثر من ٠٠٠,٧٠ شخص العروض.
وقد اتَّضح ان نقل مولِّد مع كل المعدات الاخرى اللازمة لعرض فيلم في منطقة ريفية كان الى حد بعيد مغامرة. فعادة كان يجري اختيار ملعب فارغ لكرة القدم كموقع. وكانت المعدات تُركَّب قبل حلول الظلام. ثم توجَّه دعوة الى الناس عبر مكبِّر الصوت. وأحيانا كان المخرِّبون يرمون الحجارة. وكان عدد الحضور يتفاوت. ففي هنرال ارتيڠاس، حيث كانت هنالك جماعة تضمُّ اقل من ٢٠ ناشرا يجتمعون على بعد ثمانية كيلومترات (٥ اميال) من البلدة، شاهد نحو ٣٠٠,١ شخص الفيلم في ليلة واحدة! ولم يكن مستغربا سماع الناس يضحكون مبتهجين عندما
يتغير المشهد خلال الدقائق الاولى من الفيلم. ففي المناطق الريفية غالبا ما كانت تلك المرة الاولى التي يشاهدون فيها فيلما.اعطت الافلام الشهود المحليين والناس صورة افضل عن اهمية العمل الذي يُنجزه شهود يهوه عالميا.
المرسلون قدَّموا انفسهم طوعا
فيما كان الناشرون ينمون في العدد، كان المرسلون يبذلون جهودا متضافرة لمساعدتهم على التقدُّم نحو النضج. وقد ظهرت النتائج الجيدة عندما تمتع المرسلون بامتياز حضور محفل «مجتمع العالم الجديد» في مدينة نيويورك سنة ١٩٥٣. فبينما كانوا غائبين، كان من الضروري ان يهتم الاخوة المحليون بمسؤوليات الاشراف في جماعة آسنْسيون. وقد جرى بلوغ ذرى جديدة في نشاطات خدمة الحقل. والاخوة المحليون اجادوا العمل بحيث طُلب منهم، عندما عاد المرسلون، ان يواصلوا الاهتمام بتعييناتهم. مما اتاح للمرسلين ان يخدموا في اماكن اخرى.
كان هنالك الكثير ليقوموا به. فبعد ان كان ڤيرنر أپنزلر قد قضى في البلد نحو اربعة اشهر وتمكَّن من تكلم القليل من الاسپانية، عُيِّن للاهتمام بالدائرة حول اينكارناسيون. معظم الطرقات لم تكن مرصوفة بعد. فكان التنقل عادة إما سيرا على الاقدام او على صهوة حصان. وكان هنالك ١٠٠ ناشر فقط في الدائرة كلها، لكنَّ التشجيع والتدريب ساهما في تقدُّمهم الروحي. وبعد سنوات قليلة، عيِّن للعمل الدائري لاديسلاو ڠولاسيك، وهو ابن روبرتو ڠولاسيك وابن هذه المنطقة.
وبحلول نهاية سنة ١٩٦١، كان المرسلون المدرَّبون في مدرسة جلعاد نشاطى في پاراڠواي طوال ١٥ سنة. وكان هنالك آنذاك ٤١١ شاهدا في البلد، منظمين في ٢٢ جماعة. وكان قد خُصِّص اكثر من ٠٠٠,٥٩٤ ساعة للكرازة بالبشارة في هذا البلد. وفي ذلك الوقت كان المرسلون
يخدمون انطلاقا من خمسة بيوت للمرسلين. وكانت هذه البيوت تقع في آسنْسيون، اينكارناسيون، ڤياريكا، كورونيل اوڤييدو، و پيدرو هوان كاباليرو. ومن هذه المدن، انتقل المرسلون ايضا للكرازة في المنطقة المجاورة. وحتى سنة ١٩٦١، اشترك ٥٠ مرسلا في العمل في پاراڠواي. وبسبب المرض او لأسباب اخرى، وجد ٢٩ مرسلا انه من الضروري ان يعودوا الى موطنهم. لكنهم ساهموا كلهم في شتى الطرائق في تقدُّم مصالح الملكوت في پاراڠواي. وفي كانون الاول ١٩٦١، وصل الى پاراڠواي ألمِر وماري پيش، متخرجان من اول مقرَّر لجلعاد دام عشرة اشهر.بناء اماكن اجتماعاتهم الخاصة
نحو ذلك الوقت، بنى الاخوة في آسنْسيون قاعة ملكوت ودشنوها، وهي اول قاعة امتلكوها في پاراڠواي. كانت بناء جميلا من القرميد والاسمنت، وتتسع لأكثر من ٢٠٠ شخص. فيا للشهادة التي قُدِّمت
للمجتمع فيما كان الرجال، النساء، والاولاد يشتركون معا في الحفر، خلط الاسمنت، تلميع القرميد، الطلاء، والتنظيف! لقد كان واضحا للمتفرجين انهم كانوا عمَّالا مجتهدين.كان كثيرون جدا يتوافدون على اجتماعات فريق صغير من الشهود، ليسوا جماعة بعد، في ڤاكاو، منطقة ريفية في جنوب البلد، حتى انهم رأوا انهم هم ايضا بحاجة الى قاعة ملكوت. لكن لم يكن لديهم مال. فماذا يمكنهم فعله؟ عقدوا اتفاقا مع صاحب مؤسسة لتقطيع الاشجار ينص على ان يقطعوا كفريق اشجار قطعة ارض مقابل مواد بناء وبعض المال. وعندما انتهى بناء القاعة، باعت اربع عائلات مهتمة يعيشون بعيدا مزارعهم وانتقلوا الى مكان اقرب الى قاعة الملكوت حتى لا يخسروا الاجتماعات.
وفي وقت لاحق، بُنيت ايضا تسهيلات للمحافل. ففي اوقات مختلفة، كان الاخوة يستخدمون نادي مارتين پسكادور، وأيضا تسهيلات في الجامعة الوطنية وفي المدرسة الاميركية. ثم في اوائل سبعينات الـ ١٩٠٠، جرى التبرع بأرض يمكنهم ان يبنوا فيها مركزا للمحافل خاصا بهم، وقد بُني تدريجيا خلال فترة من السنين.
تزويد تسهيلات ملائمة للفرع
بازدياد النشاط وبركة يهوه التي نتجت عن ذلك، كان من الضروري ايضا تزويد تسهيلات للفرع ملائمة اكثر. فعلى مرّ السنين، كانت قد استؤجرت بيوت مختلفة لهذا القصد. ولكن في سنة ١٩٦٢، اعطى ناثان نور، رئيس جمعية برج المراقبة آنذاك، توجيها لشراء قطعة ارض في احدى افضل المناطق السكنية في المدينة، بهدف بناء بيت الفرع-المرسلين الذي يحتوي ايضا على قاعة ملكوت. كانت قطعة الارض تقع في جادّة رئيسية في العاصمة، على بُعد مبنيين سكنيين من المدرَّج الرئيسي للألعاب الرياضية في پاراڠواي. وبعد ان رُسمت الخرائط
وأُخذت الموافقة من المدينة، بدأ البناء في كانون الثاني ١٩٦٥، وفي غضون عشرة اشهر أُكمل المشروع. وفي اوائل سنة ١٩٦٦، ابتهج الاخوة بحضور الاخ نور، خلال احدى زياراته الاقليمية، من اجل تدشين التسهيلات الجديدة.وبسبب موقع البناء، كانت آلاف كثيرة من الناس في آسنْسيون
يلاحظون يوميا وجود شهود يهوه بينهم. وفيما كان آلاف آخرون في طريقهم لحضور مباريات رياضية، كانوا يتذكرون ان ليهوه شهوده في پاراڠواي.ترتيب اداري جديد
كما صحّ في مكاتب فروع الجمعية حول الارض، بدأت لجنة الفرع في ١ شباط ١٩٧٦ بالعمل، وحلّت محل ترتيب وجود فرد واحد كناظر فرع. فخلال السنوات الـ ٣٠ الماضية، خدم ألبرت لانڠ، وليَم شيلينڠر، ماكس لويد، لويد ڠمِسن، هاري كايس، وألمر پيش لفترات مختلفة من الوقت كنظار للفرع. وقد ساهموا جميعهم مساهمة جيدة في عمل الملكوت. ومن ذلك الوقت فصاعدا، صار ترتيب جديد ساري المفعول بحيث يمكن ان تشارك لجنة من رجال ناضجين في الاشراف على نشاط شهود يهوه في كل انحاء البلد.
عُيِّن ألمر پيش منسِّقا للجنة الفرع، وعُيِّن تشارلز ميلر وإسحاق ڠاڤيلان عضوَين آخرين. كان الاخَوان پيش وميلر كلاهما متخرِّجين من جلعاد. أما الاخ ڠاڤيلان، وهو من پاراڠواي، فكان في الخدمة كامل الوقت طوال ١٣ سنة في پاراڠواي.
موجة اخرى من المقاومة الرسمية
كما هي الحال حول العالم، فإن شهود يهوه هم حياديون في ما يتعلق بالمسائل السياسية. وهم يصغون الى عبارة يسوع لأتباعه: «لستم جزءا من العالم». (يوحنا ١٥:١٩، عج) وإذ يتذكرون مشورة الكتاب المقدس، «احفظوا انفسكم من الاصنام»، يمتنعون ايضا عن الاشتراك في الاحتفالات القومية التي يعتبرونها صنمية. (١ يوحنا ٥:٢١) والرسميون الحكوميون المتورطون جدا في النظام السياسي والذين يعتبرون القومية وسيلة لتوحيد شعبهم، قد يجدون في البداية صعوبة في فهم موقف شهود يهوه. فهم يعرفون ان فِرَقا دينية اخرى، وحتى رجال الدين، لا يترددون في الاشتراك في السياسة والاحتفالات القومية. ويستغل رجال الدين تكرارا هذا الوضع لزرع بذور الشك في المسؤولين الحكوميين بشأن شهود يهوه.
وفي رسالة مؤرخة في ٣١ تشرين الاول ١٩٧٤، طلب المدير العام للشؤون الدينية آنذاك، الدكتور مانفريدو راميرس روسو، معلومات عن معتقدات شهود يهوه وهيئتهم. وفي ٢٥ شباط ١٩٧٦، صدر مرسوم حكومي فرض «الاحتفال يوميا برفع العلم وإنشاد النشيد الوطني» في «كل المؤسسات التعليمية». وفي الصحافة التي تتناول الاحداث المثيرة، تضمَّن عدد ٣-١٧ ايلول من المطبوعة الدينية إل سنديرو (بالاسپانية، اي الطريق)، صفحة كاملة من مقالة افترائية عنوانها «شهود يهوه». وتبعتها صحيفة پاتريا (بالاسپانية)، الصحيفة الرسمية للحزب السياسي الحكومي، بمقالة افترائية ايضا بعنوان «التعصب»، في ١٤ آذار ١٩٧٧.
في هذه الاثناء، استُدعي ممثلون من مكتب فرع شهود يهوه لإجراء
مقابلة مع المدير العام للشؤون الدينية. وقد تلا ذلك الاجتماع تلخيص لتعاليم شهود يهوه. ورُكِّز خصوصا على موقفهم المتعلق بالعَلَم، النشيد الوطني، والخدمة العسكرية. وبعد ايام قليلة، اتى الى مكتب الجمعية في آسنْسيون رسمي من الشرطة، وهو اوبدوليو ارڠوِيو بريتس، وطلب معلومات عن المحفل الذي عقده شهود يهوه من ٦ الى ٩ كانون الثاني. وبُعيد ذلك، قابلت النائبة العامة في المنطقة، الدكتورة كلوتيلدي هيمينيس بينيتيس، ممثلين للجمعية لمناقشة المواضيع نفسها التي كان قد جرى تناولها سابقا في مكتب ادارة الدين.وفي سنة ١٩٧٨، وبعد سلسلة الاحداث هذه، بدأ طرد اولاد شهود يهوه، الذين امتنعوا عن إنشاد النشيد الوطني، من المدرسة دون امكانية تسجيلهم في مدرسة اخرى. لكنَّ المشكلة لم تنتهِ عند هذا الحد.
الحرمان من حماية القانون — ما عناه
في ٣ كانون الاول ١٩٧٩، انفجر الوضع اخيرا. فقد صدر مرسوم يُبطل الوضع الشرعي لجمعية برج المراقبة، التي تمثِّل شهود يهوه.
صدمت عناوين الصحف الرئيسية التي اعلنت المرسوم الشهود وغير الشهود على السواء. وكل وسائل الاعلام تقريبا اهتمت بالقضية. فأيَّد البعض الاجراء؛ واستنكره آخرون. وصرحت الصحيفة ABC ان المرسوم هو «انتهاك لأحد حقوق الانسان الاساسية، الذي تكرِّسه المادة ١٨ من الاعلان العالمي لحقوق الانسان».
وما ان بُلِّغت لجنة الفرع بالحظر، ودون معرفة حدود الحظر بعد، حتى نُظِّمت الامور بحيث يمكن الاهتمام بعمل الفرع في اماكن اخرى. وأعلن الدكتور راوول پينيا، وزير التربية والدين: «لم يُعتبر ذلك على الاطلاق اضطهادا دينيا». ومع ذلك، اضطر شهود يهوه الى عقد اجتماعاتهم في فِرق صغيرة في بيوت خاصة. وقُيِّد نشاطهم الكرازي،
مع ان غيرة وشجاعة معظم الاخوة لم تتأثَّرا. وليستفيدوا من المحافل المسيحية، كان عليهم ان يرتِّبوا لبعض الوقت ان يحضروا محافل كهذه في بلدان اخرى.فكيف بدأت هذه السلسلة من الاحداث؟ وهل تصرف الدكتور مانفريدو راميرس روسو فقط بحكم سلطته الحكومية؟ من المثير للاهتمام انه في ٢٥ آب ١٩٨١، ابرزت اولتيما أُورا (بالاسپانية)، وهي صحيفة في آسنْسيون، صورة لـ مانفريدو راميرس روسو و «المونسينيور» هوسّيه ميس واقفَين في جو ودِّي وجها لوجه. وتحت الصورة ظهر التعليق: «منح المونسينيور هوسّيه ميس، السفير الرسولي لقداسته، مانفريدو راميرس روسو، مدير عام الشؤون الدينية في وزارة التربية، وسام شرف برتبة ‹القديس ڠريڠوريوس الكبير›، اعترافا بالخدمات المقدَّمة للكنيسة الكاثوليكية».
وبعد ان فُرض الحظر، جرت اعتقالات لشهود يهوه في اماكن كثيرة. فكانوا يُسجنون عندما يُلقى القبض عليهم وهم يعقدون اجتماعات صغيرة في بيوت خاصة، وهم ذاهبون الى البيوت لإخبار الآخرين برسالة الرجاء المؤسسة على الكتاب المقدس، وهم يديرون دروسا في الكتاب المقدس مع المهتمين في بيوتهم.
وبين ٨ و ١١ تشرين الاول سنة ١٩٨١، سُجن تسعة اخوة في اينكارناسيون. وعندما طلب انطونيو پيرِييرا، شيخ محلي لم يكن قد اعتُقل، ان يتكلم مع رئيس الشرطة، يوليو انطونيو مارتينيس، ليتحقق من سلامة الاخوة في السجن، امر رئيس الشرطة باعتقاله ثم سجَنه في زنزانة ذات حراسة مشدَّدة. في هذه الاثناء، ذهب جوزف تسيلنر، من جماعة مجاورة، الى بيت والدة اول اخ سُجن ليستطلع ما يحدث. ولا بد ان شخصا ابلغ الشرطة، فصار في غضون عشر دقائق برفقة الشرطة في الطريق الى سجن اينكارناسيون!
إضرام لهيب الاضطهاد
بعد سنوات قليلة من فرض الحظر، توقفت الاعتقالات. وابتدأ الاخوة تدريجيا باستعمال قاعات ملكوتهم وبعقد محافل صغيرة. لكنَّ كل ذلك توقف فجأة سنة ١٩٨٤ عندما اعلنت صحيفة محلية ان اربعة تلاميذ من شهود يهوه طُردوا من المدرسة المهنية التقنية في آسنْسيون لأنهم لم ينشدوا النشيد الوطني. فأشعل ذلك لهيب حملة اكبر ايضا ضد شهود يهوه. وعلى اثر هذا الاعلان، طُرد تقريبا كل اولاد المدارس الذين هم من شهود يهوه. وكثيرون من هؤلاء الاولاد لم يتمكنوا قط من العودة الى المدرسة.
ومن ٢ الى ٥ ايار من تلك السنة، نشرت الصحيفة اوي (اليوم، بالاسپانية) سلسلة من مقالات افترائية كتبها انطونيو كولون، وهو كاهن كاثوليكي. وفي وقت لاحق من تلك السنة، تولّى وزير جديد وزارة التربية والدين، لكنه تابع سياسة سلفه. وبعد ان ادلى بتصريح قومي متأجج، رُفض تسجيل معظم اولاد شهود يهوه في المدرسة للسنة التالية. ولأجل مجموعة من عشرة تلاميذ، ستة منهم كانوا قد طردوا وأربعة رُفض تسجيلهم، رُفع استئناف الى المحاكم من اجل حق شهود يهوه في تعليم اولادهم في النظام المدرسي دون ان يُضطروا الى التخلي عن ايمانهم او عما يمليه عليهم ضميرهم. فكان حكم المحكمة لصالح الشهود. لكنَّ وزارة التربية والدين استأنفت الحكم وأحالت القضية الى المحكمة العليا.
واستمر تسليط الاضواء على هذه القضية طوال سنة ١٩٨٥. فدافع بعض محرِّري الاعمدة في الصحف عن وضع شهود يهوه، فيما استمر المسؤولون في الدوائر الرسمية في مهاجمتهم. وفي ٢٣ تموز ١٩٨٥، فيما كان النزاع لا يزال في اوْجه، بُعثت رسالة من المركز الرئيسي العالمي لشهود يهوه الى رئيس پاراڠواي.
وبصدور حكم مؤاتٍ من المحكمة الدنيا في قضية اولاد المدارس، شجَّع مكتب الفرع الجماعات على الابتداء مجددا باستخدام قاعات ملكوتهم بشكل علني اكثر. فكان ذلك سيُجبر السلطات على اتِّخاذ موقف اكثر تحديدا — إما ضدنا او يمنحنا حرية اكبر.
وفي ٢١ آذار ١٩٨٦، استُدعي منسِّق لجنة الفرع الى مركز الشرطة الرئيسي. «انتم تستخدمون اماكن اجتماعاتكم ثانية وهذا غير مسموح لكم»، هذا كان التحذير المُعطى. فأجاب الاخ ڠاڤيلان: «اسمح لي بأن اذكِّرك ان المرسوم الذي ابطل الاعتراف بنا شرعيا جرى التشكُّك في دستوريته. وهذا الاجراء هو في هذا الوقت قيد البحث من قِبل المحكمة العليا؛ والمحكمة لم تصدر بعد قرارا. وبما ان ايّ اجراء يخالف الدستور يعلِّق المرسوم، فلنا الحق، من وجهة النظر القانونية، في ممارسة نشاطاتنا ما دام قرار المحكمة النهائي لم يصدر بعد». فأجاب الشرطي: «لستُ محاميا، لذلك لا استطيع ان اناقشك في هذا. في هذه الحالة اجلب لي لائحة بأماكن اجتماعاتكم وسنرى ما يحدث». فأنهى ذلك المقابلة. وقُدِّمت المعلومات المطلوبة مع الوثيقة التي تعرض اسباب عودة الجمعية الى استعمال قاعاتها. ولم تُقفل قاعات الملكوت ثانية.
لكن في ٢٦ شباط ١٩٨٧، حكمت المحكمة العليا برئاسة رئيس القضاة الدكتور لويس ماريا ارڠانيا ضد شهود يهوه في قضية اولاد المدارس. وبين كثيرين من اهل الفكر، اعتُبر هذا قرارا سياسيا، واستنكره كثيرون. فكيف اثَّر كل ذلك في عمل شهود يهوه؟
الاستمرار في الكرازة بالبشارة
لم يتوقف عمل المناداة بالملكوت خلال هذه السنوات العصيبة. وفي كانون الثاني ١٩٨٤، بدأ مكتب الفرع بحملة للعمل في المقاطعة المنعزلة بواسطة فاتحين خصوصيين وقتيين. وقد اشترك ثلاثون فاتحا في البرنامج خلال السنة الاولى. وجرت زيارة خمس وسبعين بلدة مختلفة. في ١٤
منها، لم تسمح السلطات المحلية للاخوة بالكرازة. ولكن في اماكن اخرى، عندما كانت توضَّح للسلطات قيمة هذا العمل الروحي، كانوا يزوِّدون الحماية لإخوتنا، وفي بعض الحالات، كانوا يؤمِّنون مكانا للنوم في مركز الشرطة نفسه!ونتيجة هذا النشاط، وُجد مهتمون كثيرون. كتبت امرأة تعيش على بُعد نحو ٢٠٠ كيلومتر (١٢٥ ميلا) من آسنْسيون الى مكتب الفرع تطلب مساعدة اضافية بعد ان اعطاها الفاتحون كتاب يمكنكم ان تحيوا الى الابد في الفردوس على الارض. وعندما وصل زوجان شاهدان استجابة لطلبها، رفعت المرأة عينيها المغرورقتين بالدموع نحو السماء شاكرة يهوه. وعلى الرغم من مقاومة الاقرباء، اصبحت خادمة امينة ليهوه تشهد لجيرانها ومعارفها.
نُظِّمت فِرق جديدة من الناشرين وجماعات جديدة في هذه المقاطعات التي كانت سابقا منعزلة. وصارت حملة الفاتحين الخصوصيين الوقتيين ترتيبا سنويا، وهي مستمرة حتى الآن بنتائج مدهشة.
الضغط يخفّ
يصير شهود يهوه ونشاطاتهم معروفين اكثر في الداوئر الرسمية. وقد استمرت الجهود لمساعدة الرسميين على نيل فهم اوضح لعمل شهود يهوه الى ان مُنحت اخيرا موافقة شفهية على عقد محفل عام في ٢١ و ٢٢ آذار ١٩٨٧ في مركز المحافل الذي يملكه شهود يهوه.
وكم كان يوما مفرحا للاخوة! فقد عانق الاخوة والاخوات بعضهم بعضا والدموع تملأ عيونهم. فبعد تسع سنوات من الضغط، التوتر، الضياع، والاضطهاد المباشر، كانت هذه اول مرة يتمكنون فيها من الاجتماع معا للعبادة بحرية في پاراڠواي. وكان بين الحضور مندوبون من الارجنتين، اورڠواي، و البرازيل، كانوا قد دُعوا الى هذه المناسبة الخصوصية. فكان ذلك الضربة القاضية لتأثير الحظر.
الاعتراف الشرعي ثانية
كانت پاراڠواي تواجه اوقاتا من التغيير. والتوتر السياسي كان يشتد. وأخيرا، في ليلة ٢ شباط ١٩٨٩، سُمع دويّ الاسلحة الثقيلة في آسنْسيون. لقد اندلعت الثورة! وحكومة ألفريدو ستروسنر العسكرية سقطت في اليوم التالي.
بُذلت في الحال جهود للحصول مجددا على اعتراف شرعي. وأخيرا، جرت الموافقة على الطلب في ٨ آب ١٩٩١. وكم كان يوما سعيدا لشعب يهوه في پاراڠواي!
وفي ٢٠ حزيران ١٩٩٢، صار دستور جديد ساري المفعول. وتضمَّن مواد مهمة تُعنى بحقوق الانسان، مثل حرية الاجتماع، حرية الاعتراض
بسبب الضمير، حرية الدين والايديولوجية، وإلغاء دين الدولة. فزوَّدت هذه التحسينات وغيرها راحة مرحَّبا بها.المُضيّ في العمل!
كان لا يزال هنالك الكثير من العمل لإنجازه في الكرازة بالبشارة في پاراڠواي. وفي سنة ١٩٧٩، عندما فُرض الحظر، كان هنالك ٥٤١,١ مناديا بالملكوت في پاراڠواي. وفي السنة التي استُعيد فيها الاعتراف الشرعي، قدَّم ٧٦٠,٣ شخصا تقريرهم. وهنالك الآن اكثر من ٢٠٠,٦ شخص. لكنَّ نسبة الناشرين الى عدد السكان لا تزال ١ الى ٨١٧. فماذا يمكن انجازه بعد للوصول الى الناس؟
كل سنة يُرسَل بانتظام فاتحون خصوصيون للشهادة في بلدات لا توجد فيها جماعات. لكنَّ ٤٩ في المئة من السكان يعيشون في المناطق الريفية. وفي سنة ١٩٨٧، جهَّز الفرع شاحنة بكل الامور الاساسية الضرورية لجعلها ملائمة كمقطورة للفاتحين الخصوصيين. ولعشر سنوات الآن، تُستخدم للوصول الى المقاطعات الريفية التي لم تغطها الجماعات او الفاتحون الخصوصيون الوقتيون. وبهذه الطريقة تنتشر مياه الحياة في مناطق واسعة من البلد.
وبُذل ايضا جهد خصوصي للشهادة للناس الذين يعيشون على
طول الانهر. فغالبا ما يكون المركب اتصالهم المادي الوحيد بباقي العالم. لذلك، بحلول سنة ١٩٩٢ كانت الجمعية قد بنت مركبا يتسع لأربعة اشخاص. فبدأوا بحملة منظَّمة للبحث عن المشبهين بالخراف على طول ضفاف الانهر. وقد سُمِّي المركب على نحو ملائم الفاتح.«بعبور نهر پاراڠواي»، يكتب الاخ المسؤول عن الفريق، «وصلنا الى پورتو فونسييري، التي تبعد عن آسنْسيون ٤٨٣ كيلومترا (٣٠٠ ميل)، وابتدأنا بالكرازة من بيت الى بيت. وأثناء محادثة مع امرأة مسنة، ذكرنا ان اللّٰه قال انه سيُزيل كل الشر، وأننا كشهود ليهوه نُخبر الناس بأن اللّٰه سيفعل ذلك بواسطة ملكوته. وإذ قاطعت المرأة المحادثة، التفتت الى حفيدتها وقالت لها ان تنادي جدها وتخبره بأن ‹جماعته› قد وصلوا. وبعد قليل اتى الجد، وهو رجل في سبعيناته. كان يتصبب عرقا، لأنه كان يعمل في مزرعته. حيّانا تحية حارة، وبعينين تملأهما الدموع، شكر اللّٰه لأننا وصلنا اخيرا. وقال انه كان ينتظر زيارتنا منذ وقت طويل. وبشيء من الحيرة، طلبنا توضيحا. فأجاب ان قائدا عسكريا من جزيرة پينيا ايرموسا اعطاه كتابا مقدسا وكتاب ‹امور لا يمكن ان اللّٰه يكذب فيها›. وقد وضع القائد علامة على عدة آيات من الكتاب المقدس، مثل مزمور ٣٧:١٠، ١١، ومزمور ٨٣:١٨، واخبره انه يوما ما سيصل شهود يهوه الى بيته ليخبروه المزيد عن مقاصد يهوه. فبوشر على الفور درس في الكتاب المقدس».
غطّى المركب حتى الآن، مرتين على الاقل، كل المقاطعة على طول ضفاف نهر پاراڠواي من الحدود البوليڤية في الشمال الى الحدود الارجنتينية في الجنوب، مسافة مجموعها نحو ٢٦٠,١ كيلومترا (٧٨٥ ميلا).
عمَّال غيورون يشتركون في الحصاد
عندما اوصى يسوع تلاميذه في القرن الاول، حثهم: «اطلبوا من رب الحصاد ان يرسل فعلة الى حصاده». (متى ٩:٣٨) وقد عمل شهود يهوه العصريون وفق ذلك، والرب ارسل فعلا عمَّالا غيورين كثيرين الى الحقل ليشتركوا في الحصاد الروحي في پاراڠواي.
ومن سنة ١٩٤٥ حتى الآن، خدم ١٩١ مرسلا في پاراڠواي. و٦٠ منهم يخدمون في البلد منذ عشر سنوات او اكثر (بمن فيهم ٢٢ يخدمون كمرسلين لكنهم ليسوا متخرجين من جلعاد)، وفي الوقت الحاضر، يخدم هنا ٨٤ مرسلا. وفي المناطق حيث ركَّزوا نشاطهم في كل انحاء الجزء الشرقي من پاراڠواي، يوجد الآن ٦١ جماعة متقدِّمة.
وللمساعدة على تقديم شهادة في هذا البلد حيث نسبة عدد السكان الى الشهود لا تزال ٨١٧ الى ١، عيَّنت فروع مجاورة بعض الفاتحين الخصوصيين ليخدموا هنا. وانتقل شهود آخرون ايضا الى پاراڠواي من بلدان كثيرة. فأتوا من اماكن مثل: الارجنتين، اسپانيا، المانيا، انكلترا، اورڠواي، ايطاليا، البرازيل، بوليڤيا، تشيلي، الدانمارك، السويد، سويسرا، فرنسا، فنلندا، كندا، لوكسمبورڠ، النمسا، والولايات المتحدة. وقد استخدموا مواردهم وقدراتهم بطرائق كثيرة لتقدُّم عمل المناداة بالملكوت. وخدم البعض في مقاطعة مدينية؛ وآخرون يواصلون خدمتهم في بلدات وقرى حيث الظروف المعيشية بدائية جدا. ومعظمهم من الفاتحين. وقد ساعد البعض على بناء قاعات الملكوت وتسهيلات الفرع.
على مرّ السنين، استقبلت پاراڠواي مهاجرين من اصول قومية مختلفة. فالمهاجرون الالمان، الپولنديون، الروس، الأوكرانيون، اليابانيون، والكوريون استقروا بأنحاء مختلفة من البلد. وهؤلاء ايضا يتلقون الشهادة من مرسلين ومن شهود آخرين انتقلوا الى پاراڠواي.
ولكن ماذا عن الناس الذين يتكلمون الڠْوارانية؟ انهم يشكِّلون ٩٠ في المئة من السكان. ووفقا لاستطلاع حديث، فإن ٣٧ في المئة من الپاراڠوايين يتكلمون فقط الڠْوارانية. والشهود المحليون يقومون بمعظم العمل بين هؤلاء الناس، ويسعدهم الحصول على كراسات بالڠْوارانية لمساعدتهم على اتمام العمل.
وبين الشهود المحليين يوجد بعض الذين قضوا سنوات كثيرة في الخدمة كامل الوقت. ساعدت إدولفينا دي يندي، خلال سنواتها الـ ٣٦ كفاتحة خصوصية، ٧٨ شخصا على بلوغ مرحلة الانتذار والمعمودية. وتبتهج هي وزوجها بوجود خمس جماعات مزدهرة حيث خدما. وساعدت ايضا ماريا شاڤيز كثيرين خلال سنواتها الـ ٣٩ في الخدمة كفاتحة خصوصية.
وآلاف آخرون ليسوا فاتحين لا يزالون غيورين في خدمة يهوه. وكثيرون منهم يقطعون مسافات طويلة ليحضروا الاجتماعات وأيضا ليقدِّموا شهادة شاملة في مقاطعتهم الريفية. وكثيرا ما يتركون البيت قبل الفجر للذهاب الى مقاطعتهم، وهم يحملون معهم غالبا كمية كافية من «حساء پاراڠواي» (طعام جاف) او ربما كمية من الرُّقاق وجذور اليوكا. ونحو الساعة السابعة، يكونون مستعدين للابتداء بالشهادة، ويستمرون حتى المغيب تقريبا. وعندما يرجعون الى البيت، يكونون متعبين لكن سعداء ببذل انفسهم في اخبار الآخرين عن يهوه وقصده الرائع.
العطاشى ‹يأخذون ماء حياة مجانا›
كما أَنبأت الاسفار المقدسة، تُقدَّم الدعوة الى كل مَن يرغب في ان «يأخذ ماء حياة مجانا». (رؤيا ٢٢:١٧) وآلاف الذين قبلوا هذه الدعوة موجودون في پاراڠواي.
ومن بينهم إرينيا. لقد نشأت كاثوليكية رومانية وكانت مؤمنة غيورة بتقاليد الكنيسة والخرافات الدينية. وكانت تخشى كثيرا الموتى ونار الهاوية. كانت تؤمن بالفؤول ويشتد خوفها عندما ترى او تسمع ما كانت تفسره أنه فأل شرير. وطوال ٢٠ سنة عاشت في خوف كهذا. ثم في سنة ١٩٨٥، بدأت تدرس الكتاب المقدس مع شهود يهوه. وإذ تقدَّم الدرس، انعشتها مياه الحق كثيرا وأثارت في داخلها الرغبة في العيش الى الابد في الفردوس المُنبإ به في كلمة اللّٰه.
في سنة ١٩٩٦، ثمة امرأة تدعى ايسابيل، في بلدة كاراپيڠوا، ذاقت هي ايضا ماء الحياة. غير ان ما رأته في كتاب المعرفة التي تؤدي الى الحياة الابدية لم يتَّفق مع معتقداتها، لذلك طلبت من الشهود ألَّا يعودوا ثانية. لكنها قرأت الكتاب وحدها، تكلمت الى جيرانها عنه، وعندما رأت مجددا شاهدا، كان هنالك اشخاص في اربع عائلات يتوقون الى تعلُّم المزيد. وكان قد فتر اهتمام معظمهم تحت ضغط من الكارز الخمسيني، لكنَّ شهادة حسنة قُدِّمت، وأول امرأة شهدت لها بالاضافة الى احدى الجارات، استمرتا في الاستفادة من الحقائق المانحة الحياة.
عندما أُعطيت مياه الحق اولا الى ديونيسيو وآنا، كانا يعيشان معا دون زواج ككثيرين غيرهم، وكان قد مرّ على ذلك ٢٠ سنة. بدأ ديونيسيو وابنته الكبرى بالدرس مع شهود يهوه سنة ١٩٨٦؛ أما آنا والابنتان الاخريان فقد قاومن. وقد توسلت آنا الى الشاهد ان يتوقف عن التحدث الى ديونيسيو، هدَّدت بقتل الشاهد، قالت انها ستتصل بالشرطة، واستشارت راهبة كاثوليكية. ثم لجأت آنا الى محكمة الاحداث بحجة ان درس الكتاب المقدس يعرِّض ابنتها الكبرى للخطر. وعندما علمت القاضية ان ديونيسيو كان في الواقع يعيل اسرته بشكل ملائم، أوصت آنا بأن تفحص الكتاب المقدس مع ديونيسيو. فاعترضت آنا قائلة ان صديقتها الراهبة حذرتها من ان الشهود يقومون بأمور فاسدة ادبيا في اجتماعاتهم. فطمأنتها القاضية ثم قالت: «نحن الكاثوليك نقول اننا نعرف الكتاب المقدس، لكننا في الواقع لا نعرف شيئا. شهود يهوه يدرسون الكتاب المقدس. وأقترح ان تفحصي انت ايضا الكتاب المقدس». ثم اوصت القاضية بأن تتزوج آنا ديونيسيو.
وإذ ادهشها ذلك، زارت آنا الراهبة ثانية وطلبت منها ان تدرس الكتاب المقدس معهم. فأجابت الراهبة ان ذلك ليس ضروريا. وعلاوة على ذلك، حثَّت آنا ألَّا تتزوج ديونيسيو، مع انها في الماضي عندما كان ديونيسيو يعترض على الزواج بآنا، كانت الراهبة تكرر على مسمع من
آنا انه يجب ان تتزوجه. وبعد ذلك بوقت قصير، مرض والد آنا على نحو خطير. فزوَّد الشهود المحليون الكثير من المساعدة للعائلة. وتبيَّن ان ذلك كان نقطة تحول بالنسبة الى آنا. فبدأت تدرس، وتزوجت ديونيسيو. والآن، بعد مرور عشر سنوات تقريبا، يخدم ديونيسيو كشيخ، وتخدم كامل عائلته يهوه بغيرة.تبلغ المثابرة الحبية قلوب الكثيرين في پاراڠواي. ففي منطقة سان لُرَنزو، مثلا، كانت هنالك جماعة واحدة فقط سنة ١٩٨٢. وعلى الرغم من الحظر، اشترك ناشرون كثيرون في خدمة الفتح؛ ونتيجة لذلك، بدأت مقاطعة الجماعة، التي شملت مدنا مجاورة، تُخدم بانتظام. وقد بارك يهوه غيرتهم. وتوجد الآن تسع جماعات في تلك المنطقة. ويشعر ڤيرنر أپنزلر وزوجته أليس بأن النمو الذي رأياه وهما يخدمان في تلك المنطقة كان سببا لفرحهما الاعظم خلال ٤٠ سنة من الخدمة في پاراڠواي.
ان نموا كهذا يستمر، ليس فقط في منطقة واحدة، بل في كل انحاء البلد. ففي سنة ١٩٩٦، دُشِّنت تسهيلات الفرع الجديدة الرائعة في موقع يبعد نحو عشرة كيلومترات (٦ اميال) عن آسنْسيون. وهنالك قاعات ملكوت في انحاء كثيرة من البلد، وتُعقد فيها بانتظام اجتماعات لتعليم الكتاب المقدس. وشهود يهوه يستمرون في زيارة الناس في بيوتهم والتحدث اليهم في الشوارع. وهم يقدِّمون بغيرة لأُناس من كل الانواع الدعوة ان «يأخذوا ماء حياة مجانا».
[صورة تغطي كامل الصفحة ٢١٠]
[الصورة في الصفحة ٢١٣]
شارك هوان مونييس في ادخال رسالة الملكوت الى پاراڠواي
[الصورة في الصفحة ٢١٧]
هوليان حداد، احد اوائل الذين قبلوا حق الكتاب المقدس في پاراڠواي
[الصورة في الصفحة ٢١٨]
لا تزال هوڤيتا بريسويلا التي اعتمدت سنة ١٩٤٦ فاتحة خصوصية
[الصورة في الصفحة ٢١٨]
تخدم سيباستيانا ڤاسكويس يهوه منذ سنة ١٩٤٢
[الصورة في الصفحة ٢٢٢]
خدم وليَم شيلينڠر في پاراڠواي كمرسل طوال ٤٠ سنة، حتى مماته
[الصورة في الصفحة ٢٣٠]
ڤيرنر أپنزلر وزوجته أليس، مرسلان في پاراڠواي طوال ٤٠ سنة
[الصورة في الصفحة ٢٣٣]
مسرورون بقاعة ملكوتهم (في آسنْسيون) — اول قاعة بناها الشهود وامتلكوها في پاراڠواي
[الصورتان في الصفحة ٢٣٥]
مركز المحافل لشهود يهوه
[الصورة في الصفحة ٢٣٧]
الشهادة لحصّاد قصب سكر في ڤياريكا
[الصورة في الصفحة ٢٤٣]
قاعة ملكوت فرناندو دي لا مورا (نورته)
[الصورة في الصفحة ٢٤٣]
قاعة ملكوت ڤيستا آليڠري (نورته)، آسنْسيون
[الصور في الصفحتين ٢٤٤، ٢٤٥]
عمَّال غيورون من بلدان كثيرة اتوا الى پاراڠواي ليشاركوا في تقديم شهادة: (١) كندا، (٢) النمسا، (٣) فرنسا، (٤) البرازيل، (٥) كوريا، (٦) الولايات المتحدة الاميركية، (٧) بلجيكا، (٨) اليابان، (٩) المانيا
[الصورة في الصفحة ٢٤٦]
المركب «إلـ پِيونيرو» في نهر پاراڠواي
[الصور في الصفحة ٢٥١]
بيت ايل ومكتب الفرع في پاراڠواي، قرب آسنْسيون، والذين يخدمون هناك
[الصور في الصفحة ٢٥٢]
لجنة الفرع (من الاعلى الى الاسفل): تشارلز ميلر، ڤيلْهَلْم كستن، إسحاق ڠاڤيلان