الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

المانيا

المانيا

المانيا

المانيا هي مركز نشاط دولي.‏ فكمعدل،‏ يأتي كل سنة من الخارج حوالي ٠٠٠‏,٠٠٠‏,١٥ سائح.‏ يقضي العديد منهم عُطَلهم في جبال الألپ الباڤارية،‏ الغابة السوداء،‏ قرب نهر الراين الخلّاب،‏ او في زيارة المراكز الحضارية في المدن.‏ وقد يقصد آخرون المانيا لأسباب تجارية.‏ فالمانيا هي واحدة من الدول التجارية الرئيسية في العالم التي لها علاقات تجارية حول الكرة الارضية.‏ ولعدد من السنين،‏ جذب ازدهار البلد الاقتصادي عمّالا كثيرين من بلدان اخرى،‏ فكان لذلك تأثير ملحوظ في بنية السكان في المدن الكبرى.‏ وقد اثّر ايضا في خدمة شهود يهوه في المانيا.‏

لكنَّ خدمتهم تأثرت اكثر بالحوادث التي جرت خلال الحرب العالمية الثانية وفي نهايتها.‏ ففي ظل دكتاتورية أدولف هتلر،‏ كان الشهود هدف هجوم ضار ومتواصل.‏ وبمباركة رجال الدين الكاثوليك والپروتستانت على السواء،‏ اقسم هتلر ان يبيد إرنسته بيبلفورشر (‏تلاميذ الكتاب المقدس الجديون)‏،‏ كما كان شهود يهوه معروفين آنذاك في المانيا.‏ لكنَّ شهود يهوه لم يسايروا على ايمانهم.‏ فقد ثبتوا في وجه الاعتداء العديم الرحمة.‏

بعد اثنتي عشرة سنة من الحظر على الشهود في المانيا،‏ لم يعد هتلر وحزبه السياسي موجودَين،‏ أما شهود يهوه فكانوا مشغولين بإخبار الناس عن ملكوت اللّٰه وما يعنيه للجنس البشري.‏ والسجل بما اختبروه خلال العهد النازي وكيف واجهوا ذلك يستمر في تزويد الاساس لتقديم شهادة —‏ لكل العالم الآن.‏

وماذا مكّن الشهود من الخروج منتصرين؟‏ لم يكن السبب مهارتهم.‏ وطبعا،‏ لم تكن أعدادهم.‏ فقد كان هنالك اقل من ٠٠٠‏,٢٠ منهم في كل المانيا عند بداية الحرب العالمية الثانية مقابل عدد النازيين الضخم.‏ ان السبب يكمن في ما قاله منذ زمن بعيد المعلّم الحكيم غماليئيل كما هو مسجل في الكتاب المقدس:‏ «إن كان هذا المخطَّط او هذا العمل من الناس،‏ فسوف يُنقَض؛‏ ولكن إن كان من اللّٰه،‏ فلن تقدروا ان تنقضوه».‏ (‏اعمال ٥:‏٣٤-‏٣٩‏)‏ فقد برهن شهود يهوه في المانيا انهم اولياء للّٰه حتى تحت التهديد بالموت،‏ وبرهن يهوه عن صدق وعده بأنه «لا يتخلى عن اتقيائه».‏ —‏ مزمور ٣٧:‏٢٨‏.‏

انتهاز فرص ما بعد الحرب

ان الذين نجوا من تجارب سنوات الحرب امكنهم ان يدركوا ان هنالك عملا يجب انجازه.‏ فقد اختبروا قبل وقت قصير حوادث هي جزء من اتمام واضح لما سبق وانبأ يسوع المسيح بأنه سيسم علامة حضوره واختتام نظام الاشياء.‏ فوجدوا انفسهم في خضمّ حرب كانت على نطاق لم يسبق له مثيل في التاريخ.‏ واختبروا ما يعنيه ان يُسلَّموا الى ضيق،‏ ان تجري خيانتهم،‏ ان يكونوا مبغضين من الامم،‏ وأن يُقتلوا.‏ وكانوا في غمرة المجاعات المنبإ بها.‏ فكان الناس بحاجة الى إخبارهم عن معنى هذه الحوادث.‏ حتى في معسكرات الاعتقال لم يكفّ شهود يهوه قط عن الكرازة.‏ لكنهم ادركوا ان يسوع سبق وأنبأ:‏ «يُكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الامم».‏ (‏متى ٢٤:‏٣-‏١٤‏)‏ فكان لا يزال هنالك المزيد لانجازه،‏ وكانوا يتوقون الى متابعة العمل.‏

بعد الحرب مباشرة،‏ اعاد الشهود في المانيا تنظيم عمل المناداة بالملكوت.‏ فرتَّب فورا أريك فروست،‏ الذي أُطلق سراحه بعد تسع سنوات،‏ ان يزور اخوة ناضجون الجماعات،‏ يعيدوا تنظيمها،‏ ويقوّوها.‏ كان بعض الشهود ضعفاء جدا من جرّاء الجوع بحيث كان يُغمى عليهم خلال الاجتماعات،‏ لكنهم كانوا مصممين على الحضور لكي يستفيدوا من الطعام الروحي.‏ وفي اليوم الاول من اطلاق سراح ڠيرتْرُوت پويتسنڠر،‏ مشت يوما بكامله نحو ميونيخ على امل ان تجد زوجها هناك.‏ لكن في المساء عندما زوّدها اناس لطفاء بالطعام والمسكن،‏ بقيت حتى بعد منتصف الليل وهي تشهد لهم عن مقاصد يهوه.‏ وبعد تحرر كونْرات فرانكي من السجن،‏ بدأ فورا بخدمة الفتح رغم انه لم يكن لديه في بادىء الامر سوى ملابس السجن المخطَّطة ليرتديها.‏

في سنة ١٩٤٧ كان هنالك ٨٥٦‏,١٥ شاهدا في المانيا يشتركون من جديد في خدمة الحقل علانية،‏ مخبرين بجرأة ان ملكوت اللّٰه هو الرجاء الوحيد للحصول على سلام وأمن دائمَين.‏ وقد بارك يهوه خدمتهم الغيورة.‏ فبحلول ايار (‏مايو)‏ ١٩٧٥،‏ بعد انتهاء الحرب بثلاثين سنة،‏ كان هنالك ٣٥١‏,١٠٠ مناديا بالملكوت نشيطا في المانيا الغربية.‏

خلال هذه السنين لم يكن الحقل الالماني الحقل الوحيد الذي يحصل على شهادة.‏ فقد وجد الشهود الغيورون في المانيا ان خدمتهم تؤثر ايضا في اناس من امم عديدة.‏ فكيف كان ذلك؟‏

حقل ارسالي في بلدهم

لكي تسدّ المانيا حاجات ازدهارها الاقتصادي،‏ بدأت في اواسط خمسينات الـ‍ ١٩٠٠ بتوظيف ڠاستاربايتر،‏ او «عمال اجانب» من بلدان اخرى.‏ فدخلت البلد اعداد كبيرة من اسپانيا،‏ ايطاليا،‏ الپرتغال،‏ تركيا،‏ ما كان آنذاك يوغوسلاڤيا،‏ واليونان.‏ وبحلول سنة ١٩٧٢ بلغت القوة العاملة الاجنبية اكثر من ١‏,٢ مليونا.‏

بعد تدفق عدد كبير من العمال الاجانب من خمسينات حتى سبعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ اجتاحت المانيا في الثمانينات موجة من اللاجئين من افريقيا وآسيا.‏ انضم اليهم في التسعينات لاجئون من اوروپا الشرقية ودول البلقان.‏ ونتيجة لما كان آنذاك قوانين متساهلة تمنح اللجوء السياسي،‏ صارت المانيا صاحبة اكبر عدد من السكان الاجانب في كل دول اوروپا.‏

اعتبر شهود يهوه ذلك مقاطعة ارسالية ممتازة اتت الى بلدهم.‏ وبما ان «اللّٰه ليس محابيا»،‏ وأن الناس الذين هُجِّروا من وطنهم يحتاجون بالتأكيد الى التعزية التي لا يمكن ان تزوّدها الا كلمة اللّٰه،‏ شعر شهود يهوه بأنهم تحت التزام قوي ان يكرزوا بالبشارة لهؤلاء الناس.‏ (‏اعمال ١٠:‏٣٤،‏ ٣٥؛‏ ٢ كورنثوس ١:‏٣،‏ ٤‏)‏ لكنَّ ايصال البشارة الى ٠٠٠‏,٥٠٠‏,٧ اجنبي في المانيا بلغتهم لم يكن مهمة سهلة.‏

ولإخبار حق الكتاب المقدس بأكثر فعَّالية لهؤلاء الناس الآتين من الخارج،‏ تعلَّم العديد من الشهود الالمان لغة جديدة.‏ فيا له من دليل رائع على محبتهم الحقيقية لقريبهم،‏ انسجاما مع ما علَّمه يسوع لأتباعه!‏ (‏متى ٢٢:‏٣٩‏)‏ ورغم ان معظم هؤلاء الشهود لم يستطيعوا ان يكونوا مرسَلين في الخارج،‏ فقد تاقوا الى انتهاز كل فرصة داخل بلدهم.‏ وهكذا بحلول آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩٨،‏ كان هنالك اكثر من ٦٠٠‏,٢٣ ناشر يكرزون بالبشارة في ٣٧١ جماعة تتكلم لغات اجنبية و ٢١٩ فريقا من الناشرين.‏ بالطبع،‏ لم تُشكَّل هذه الجماعات لتفرِّق بل لتسهِّل على الذين لا يعرفون جيدا اللغة الالمانية ان يتعلموا الحق بلغتهم الام.‏ وصار كثيرون من الناشرين يدركون ان اللغة الثانية قد تبلغ العقل ولكن غالبا ما تلزم اللغة الام لبلوغ القلب.‏

رغم ان بعض الفِرَق في المانيا تستاء من الاجانب وتسيء معاملتهم،‏ يُرحَّب بهم بمحبة مسيحية حقيقية بين شعب يهوه.‏ فالالبانية،‏ الامهرية،‏ التاميلية،‏ التِّڠرينيا،‏ الرومانية،‏ الصينية،‏ العربية،‏ الفارسية،‏ الڤيتنامية،‏ الهندية،‏ الهنڠارية،‏ واليابانية هي بين اللغات الـ‍ ٢٤ بالاضافة الى الالمانية التي يعقد بها شهود يهوه الاجتماعات هنا حاليا.‏ ففي محافل «التعليم الالهي» الكورية لسنة ١٩٩٣ التي عُقدت في المانيا،‏ كان ١٠ في المئة تقريبا من الحاضرين الـ‍ ٧٥١‏,١٩٤ في المحافل التي تنعقد بلغات اجنبية.‏ أما عدد المعتمدين فيها فكان ١٤ في المئة تقريبا من المجموع.‏

بين الذين تجاوبوا بتقدير مع رسالة الملكوت عائلة هندوسية تركت سري لانكا سنة ١٩٨٣ بسبب الحرب هناك.‏ وكانت تأمل ان تحصل على معالجة طبية لابنها البالغ من العمر ست سنوات.‏ من المحزن ان الصبي مات.‏ لكنَّ العائلة اتت الى معرفة يهوه الذي سيقيم الاموات ويمنحهم فرصة العيش الى الابد.‏ (‏اعمال ٢٤:‏١٥‏)‏ وهنالك ايضا فتاة نيجيرية اشتركت في حرب بيافرا عندما كانت مراهقة.‏ ولكن بعد انتقالها الى المانيا تغيرت حياتها اذ عرفت ما يعلِّمه يهوه للناس عن العيش معا بسلام.‏ —‏ اشعياء ٢:‏٣،‏ ٤‏.‏

ليس غريبا ان نسمع الايطاليين الذين صاروا شهودا ليهوه خلال وجودهم في المانيا يردِّدون المثل القائل:‏ ‏«نون توته إي ماله ڤينڠونو پير نوتشيريه»‏ (‏ما كل بلية تؤدي الى خسارة)‏.‏ وكم تبرهنت صحة هذا المثل!‏ فكثيرون من هؤلاء الايطاليين،‏ بالاضافة الى اناس من بلدان اخرى،‏ جاءوا الى المانيا هربا من المشاكل الاقتصادية انما ليجدوا شيئا اثمن بكثير من الممتلكات المادية —‏ الحق عن اللّٰه وقصده.‏

ولاحظ الآخرون نشاط الشهود الغيور وسط هؤلاء الناس.‏ فقد تلقّت جماعة هالبرشتات هذه الرسالة:‏ «نحن المخيم الرئيسي لطالبي اللجوء،‏ ونهتم بانتظام بأناس من اكثر من ٤٠ بلدا.‏ .‏ .‏ .‏ اضطر هؤلاء الناس المتفرِّعون من مختلف الحضارات الى ترك اعضاء عائلاتهم،‏ وطنهم،‏ لغتهم،‏ وتقاليدهم.‏ وكثيرا ما عانوا اختبارات مؤلمة،‏ وهم يواجهون مستقبلا غير مضمون.‏ .‏ .‏ .‏ لذلك يتطلع كثيرون منهم الى الدين لنيل الدعم والرجاء.‏ نشكركم على عطيتكم السخية [من الكتب المقدسة بمختلف اللغات] التي تمكِّن هؤلاء الناس من ايجاد التعزية والثقة بقراءة الكتاب المقدس بلغتهم».‏

بعض الفرق التي تتكلم لغات اجنبية

الانكليزية:‏ يستفيد اللاجئون من نيجيريا،‏ غانا،‏ سري لانكا،‏ الهند،‏ وأماكن اخرى،‏ من عمل الجماعات الانكليزية.‏ وستيڤن كواتشي،‏ من غانا،‏ هو احد المستفيدين.‏ ففي المانيا،‏ عندما اخبره شاب من بنڠلادش بأنه يحاول تجنب الشهود،‏ اقترح عليه ستيڤن ان يرسلهم اليه بدلا منه.‏ فعندما كان ستيڤن شابا،‏ تحدث اليه شاهد في غانا.‏ والآن،‏ بعيدا عن ضغط اقربائه،‏ اراد ستيڤن تعلُّم المزيد.‏ وهو اليوم شيخ مسيحي تشاركه عائلته في خدمة يهوه.‏

التركية:‏ مع ان زوجة رازم وأبناءه كانوا شهودا ليهوه لأكثر من عشر سنوات،‏ استمر رازم في اعتناق الدين الاسلامي.‏ لكنه لاحظ ان تفسير القرآن يختلف كثيرا بين جامع وآخر بحيث لم يكن بعض المسلمين يذهبون الى اي جامع آخر غير جامعهم.‏ وفي زيارة لتركيا،‏ ذهب الى الجامع والى اجتماعات شهود يهوه على السواء.‏ فسمع في الجامع تفسيرات للدين الاسلامي تختلف عن تلك التي تُعلَّم في المانيا.‏ لقد كانت الوحدة مفقودة.‏ فقال عند عودته الى المانيا:‏ «يمكن ايجاد المحبة نفسها والبرنامج نفسه في قاعة الملكوت هنا كما في قاعة الملكوت في تركيا.‏ هذا هو الحق».‏

الهندية:‏ في سنة ١٩٨٥ قرعت شاهدتان باب شارْدا أڠَڤال مباشرة بعد ان انهت صلاة طلبت فيها ايجاد اله يمكنها ان تسكب له قلبها.‏ كان زوجها مصابا بسرطان الرئة.‏ وكانت يائسة جدا اذ شعرت بأن الآلهة الهندوسية تتجاهل صلواتها.‏ فسألت الشاهدتين:‏ هل يسوع هو اللّٰه؟‏ اقنعها شرحهما بأن صلاتها قد استُجيبت.‏ وبدا لها ان يهوه هو الاله الذي تريد التعلُّم عنه.‏ وعلى الرغم من تردُّدها في بادىء الامر في التخلي عن آلهة الدين الهندوسي خوفا من عدم ارضائها،‏ سرعان ما رمت صورها وقبلت يهوه بصفته الاله الحقيقي.‏ واعتمدت سنة ١٩٨٧.‏ وهي اليوم تخدم كفاتحة قانونية،‏ شاكرة على انها تخدم الها هو كائن حقيقي يمكنها الوثوق به.‏ وزوجها وابنها كلاهما خادمان مساعدان.‏ —‏ مزمور ٦٢:‏٨‏.‏

الپولندية:‏ سنة ١٩٩٢ تشكَّلت جماعة پولندية في برلين.‏ وخلال السنة نفسها،‏ عُقد يوم المحفل الخصوصي باللغة الپولندية.‏ ورغم ان مكان انعقاده كان في ناحية من المانيا فيها كثيرون من ذوي الخلفية الپولندية،‏ لم يتوقع احد رؤية قاعة المحافل،‏ قاعة الملكوت المجاورة،‏ والكفيتيريا مكتظة.‏ فقد اتى بشكل لا يُصدَّق ما مجموعه ٥٢٣‏,٢ شخصا!‏ كان بعضهم شهودا پولنديين ينتمون الى الجماعات الالمانية،‏ لكنهم سُرّوا برؤية عمل الكرازة بالملكوت يُفتتح في الحقل الپولندي.‏ وكانوا هم انفسهم شاكرين على تمكنهم من سماع حقائق الكتاب المقدس بلغتهم الام.‏

حتى الروسية،‏ الصربية الكرواتية،‏ والصينية!‏

الروسية:‏ بعد نهاية الحرب الباردة،‏ كثيرون ممَّن نشأوا في روسيا وكانوا يتكلمون اللغة الروسية لكنَّ اسلافهم ألمان عادوا الى ارض اجدادهم.‏ كان هنالك ايضا اعضاء من القوات المسلحة السوڤياتية،‏ مع عائلاتهم،‏ يخدمون في ما كان يُدعى آنذاك المانيا الشرقية.‏ كل البشر يولدون بحاجة روحية،‏ لكنَّ حاجة هؤلاء الروحية لم تكن مشبعة.‏

ان عائلة شليڠِل هي من اصل الماني،‏ وقد انتقلت سنة ١٩٩٢ من شبه جزيرة القِرم في اوكرانيا الى ارض اجدادها.‏ وهناك صاروا على اتصال بواحدة من شهود يهوه اتت في الاصل من اوزبكستان وأصبحت شاهدة في المانيا.‏ وبعد درس الكتاب المقدس اعتمدت العائلة بكاملها.‏

كان سيرڠيي وزوجته جينْيا ملحدَين.‏ لكن عندما أُظهرت لهما اجوبة الكتاب المقدس عن اسئلتهما،‏ وخصوصا تلك المتعلقة بالمستقبل،‏ اندهشا.‏ فنمَّيا بتواضع ايمانا بيهوه وصنعا تعديلات في حياتهما،‏ رغم ان ذلك عنى ان يغيِّر سيرڠيي عمله ويتخلى عن معاش التقاعد الذي كان من حقه ان يحصل عليه قريبا.‏

كانت ماريينا،‏ التي تعمل ممرضة في مستشفى عسكري،‏ تبحث عن معنى الحياة.‏ وعندما حصلت على كتاب يمكنكم ان تحيوا الى الابد في الفردوس على الارض،‏ قرأته على الفور وأدركت بسرعة انها وجدت ما كانت تبحث عنه.‏ وبعد عودتها الى روسيا،‏ زارت آخرين كانوا قد درسوا مع شهود يهوه في المانيا لتشجعهم.‏ وسرعان ما بدأت تسعى لتحقيق هدفها في الحياة ان تكون فاتحة.‏

في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩٨،‏ كان هنالك ٣١ جماعة روسية و ٦٣ فريقا اصغر،‏ بمجموع ١١٩‏,٢ ناشرا —‏ زيادة ٢٧ في المئة على السنة الماضية.‏

الصربية الكرواتية:‏ يذكر يوهان شْتريكِر،‏ ناظر جائل في الحقل الصربي الكرواتي،‏ ان ١٦ قومية مختلفة على الاقل كانوا يعيشون في يوغوسلاڤيا السابقة.‏ ويقول:‏ «كم هو رائع ان نرى كيف يوحّدهم الحق الآن!‏».‏ عندما دُعي مونيب،‏ مسلم كان قد خدم في الجيش اليوغوسلاڤي ثماني سنوات،‏ الى حضور اجتماع لشهود يهوه في المانيا،‏ وجد كرواتيين،‏ صِربا،‏ وأناسا من خلفية اسلامية مجتمعين معا بسلام.‏ بالنسبة اليه،‏ كان تخيُّل ذلك شبه مستحيل!‏ فراح لمدة شهر يراقب فقط.‏ وعندما اقتنع بأن السلام والوحدة بين الشهود امر حقيقي،‏ وافق على الابتداء بدرس الكتاب المقدس.‏ واعتمد سنة ١٩٩٤.‏

اتت روزندا،‏ كاثوليكية رومانية من كرواتيا كانت قد قضت عدة سنوات في دير،‏ لتزور اقرباءها الذين اصبحوا شهودا في المانيا.‏ بعد حضورها مدرسة الخدمة الثيوقراطية واجتماع الخدمة معهم،‏ اعترفت:‏ «انتم تملكون الحق.‏ فقد كنت اتساءل دائما كيف كان المسيحيون الاولون يكرزون بالانجيل.‏ وعندما رأيت الأختَين على المنبر والطريقة التي بها كانت احداهما تكرز للاخرى،‏ لمعت في ذهني هذه الفكرة:‏ ‹لا بدّ ان هذه هي الطريقة التي استخدمها المسيحيون الاولون›».‏ واليوم تخدم روزندا كفاتحة على مثال المسيحيين الاولين.‏

ان بعض الشهود الالمان الذين تعلَّموا لغات هذه الفرق بهدف الشهادة لهم،‏ انتقلوا لاحقا الى تلك البلدان ليخدموا هناك عندما صار ذلك ممكنا.‏

الصينية:‏ افتُتح العمل في الحقل الصيني في المانيا في الآونة الاخيرة.‏ يوضح إڠيديوس روله،‏ مرسل سابق في تايوان:‏ «غالبية الناس الذين من الصين لم يسمعوا بنا قط،‏ وبالتأكيد لم يقرأوا الكتاب المقدس».‏ ويضيف:‏ «بما ان معظم الصينيين توّاقون الى التعلّم،‏ فقد تشرّبوا المعرفة كما تمتصّ الاسفنجة الجافة الماء».‏

عند تقديم الصف الـ‍ ١٢ من مدرسة تدريب الخدام لعائلة بيت ايل في زلترس في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٦،‏ كان مسرا جدا مقابلة اول تلميذ صيني يحضر المدرسة في المانيا.‏ فقد تعلّم الحق في المانيا،‏ وشهد بدوره لپروفسورة صينية في الجيولوجيا وأعطاها كتاب الحياة —‏ كيف وصلت الى هنا؟‏ بالتطوُّر ام بالخَلق؟‏.‏ فقرأت الكتاب بكامله في غضون اسبوع.‏ والآن بدل ان تعلِّم التطور،‏ تعقد دروسا بيتية في الكتاب المقدس —‏ عددها ١٦ درسا عند نهاية سنة ١٩٩٦.‏

تواقون الى اخبار الآخرين ما تعلَّموه

تعلَّم المئات حرفيا من السكان الاجانب الحق في المانيا على مر السنين ثم عادوا الى مواطنهم ليواصلوا الكرازة بالبشارة.‏ والآن يخدم كثيرون منهم كشيوخ او خدام مساعدين او هم في مراكز مسؤولية اخرى.‏ پيتروس كاراكاريس هو عضو في عائلة بيت ايل في اليونان؛‏ مامادو كايته يخدم كمرسل في مالي؛‏ پولان كانڠالا —‏ المعروف من قبل كثيرين باسم پِپي —‏ هو مرسل في جمهورية افريقيا الوسطى،‏ ترافقه زوجته أنكي.‏

منذ بداية تسعينات الـ‍ ١٩٠٠ عاد الى اليونان اكثر من ٥٠٠‏,١ ناشر يتكلمون اليونانية،‏ وبعضهم شيوخ ذوو كفاءة.‏ وانتقل آخرون الى السويد،‏ بلجيكا،‏ انكلترا،‏ وكندا لترويج عمل الكرازة بين الناس الذين يتكلمون اليونانية هناك.‏ وليس هنالك على الارجح في اي بلد في العالم،‏ باستثناء اليونان نفسها،‏ عدد ناشرين يتكلمون اليونانية كما في المانيا.‏

ماذا كان يحدث في المانيا الشرقية؟‏

عند نهاية الحرب العالمية الثانية،‏ احتلت المانيا جيوشٌ من بريطانيا،‏ فرنسا،‏ الاتحاد السوڤياتي،‏ والولايات المتحدة.‏ وقُسِّمت الدولة المهزومة الى اربع مناطق احتلال؛‏ وحصل كلٌّ من الدول المنتصرة الاربع على الحق في الحكم والتشريع على منطقة واحدة.‏ (‏قُسِّمت العاصمة برلين ايضا الى اربعة قطاعات احتلال.‏)‏ وبما ان منطقة الاحتلال السوڤياتية كانت الجزء الشرقي من البلد،‏ فسرعان ما اصبحت تُعرف بالمنطقة الشرقية.‏ وفي سنة ١٩٤٩،‏ أُعيدت السيادة الى هذا الجزء من المانيا،‏ فصار جمهورية المانيا الديموقراطية.‏ لكنَّ عبارة «المنطقة الشرقية» استُبدلت في الواقع باسم المانيا الشرقية.‏ وعندما شكّلت مناطق الاحتلال الثلاث الباقية جمهورية المانيا الاتحادية سنة ١٩٥٥،‏ صارت تُعرف باسم المانيا الغربية وفقا للاستعمال الشائع.‏

بعد سقوط الدولة النازية،‏ اغتنم فورا شهود يهوه الساكنون في المنطقة الشرقية الفرصة لعقد الاجتماعات علانية والاشتراك بغيرة في خدمة الحقل.‏ وفي اواسط سنة ١٩٤٩،‏ كان اكثر من ٠٠٠‏,١٧ يقدِّمون تقاريرهم لخدمة الحقل في المانيا الشرقية.‏ لكنَّ الراحة التي شعروا بها بعد سقوط الحكم النازي كانت قصيرة الامد.‏ فقد أوقفت الشرطة مجددا اجتماعات الجماعة.‏ وصودرت المطبوعات،‏ سُدّت الطرقات لمنع الشهود من حضور محفل،‏ واعتُقل الاخوة.‏ وفي ٣١ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٥٠،‏ فُرض حظر رسمي.‏ فاضطر الشهود في المانيا الشرقية ثانية الى العمل سرًّا،‏ وهذه المرة تحت نظام الحكم الشيوعي،‏ ولم يخرجوا من هذا الوضع الا بعد نحو ٤٠ سنة.‏

كان الاضطهاد شديدا جدا في المانيا الشرقية عند بداية الحظر.‏ ذكرت الصحيفة الالمانية بيرلينِر مورڠِنپوست (‏بالالمانية)‏ سنة ١٩٩٠:‏ «بين سنة ١٩٥٠ وسنة ١٩٦١ [عندما بُني الجدار]،‏ اعتقل رسميو المانيا الشرقية ٨٩١‏,٢ شاهدا ليهوه؛‏ أُحيل ٢٠٢‏,٢ منهم،‏ بمن فيهم ٦٧٤ امرأة،‏ الى المحاكمة وحُكم عليهم بالسجن ٠١٣‏,١٢ سنة كمجموع.‏ وخلال فترة السَّجن،‏ مات ٣٧ رجلا و ١٣ امرأة إمّا من سوء المعاملة،‏ المرض،‏ سوء التغذية،‏ او الشيخوخة.‏ وحكمت المحاكم بالسجن المؤبد على ١٢ رجلا،‏ ولكن خُفِّضت العقوبة في ما بعد الى ١٥ سنة».‏

طبعا،‏ كان هذا مجرد البداية.‏ فقد استمر الحظر اربعة عقود.‏ وكانت هنالك فترات بدا فيها ان الضغط على الشهود قد زال.‏ ولكن،‏ كان يحصل بعد ذلك اقتحام للبيوت واعتقال للمزيد.‏ ومع ان الاعداد غير معروفة بالضبط،‏ تُظهر السجلات التاريخية للجمعية ان ٩٤٠‏,٤ شاهدا في المانيا الشرقية سُجنوا خلال سنوات الحظر في ٢٣١ مكانا مختلفا.‏

الاجتماع بحذر

حتى تحت هذه الظروف الصعبة،‏ غالبا ما وجد شهود يهوه طريقة للحصول على مطبوعات الكتاب المقدس للدرس.‏ فقد خاطر مئات الاخوة والاخوات الشجعان بحريتهم وحتى بحياتهم احيانا للاعتناء بالحاجات الروحية.‏ وغالبا ما لعبت الاخوات دورا رئيسيا.‏ فقبل بناء جدار برلين سنة ١٩٦١،‏ كنَّ يسافرن الى القطاع الغربي من برلين،‏ يحصلن على المطبوعات من مكتب الجمعية ويجلبنها معهنَّ.‏ وعندما بدأ جواسيس المانيا الشرقية بمراقبة المكتب لمعرفة مَن يحصل على المطبوعات،‏ اعتُقلت بعض الاخوات السواعي.‏ لذلك استُخدمت وسائل اخرى.‏ فالاخوات العاملات كسواعٍ كنَّ يأخذن المطبوعات من بيوت شهود آخرين في برلين ويعدن.‏ ورغم ان البعض اعتُقلن،‏ جُرِرن الى المحاكم،‏ وحُكم عليهنَّ بالسجن،‏ فإن فيض المؤن الروحية لم يجفّ كليا قط.‏

هل كان بإمكانهم ان يعقدوا الاجتماعات المسيحية في ظروف كهذه؟‏ من غير المستغرب ان يشعر البعض بشيء من القلق في بادئ الامر.‏ لكنهم ادركوا ان الاجتماع مع رفقائهم المسيحيين مهم جدا اذا ارادوا البقاء اقوياء روحيا.‏ (‏عبرانيين ١٠:‏٢٣-‏٢٥‏)‏ فرتبوا ان يعقدوا الاجتماعات بحذر في فِرَق صغيرة.‏ ولأسباب امنية،‏ كانوا يدعون واحدهم الآخر بالاسماء الاولى فقط‍.‏ وكانت الاجتماعات تُعقد عموما بعد حلول الظلام،‏ في اماكن مختلفة،‏ وفي ايام مختلفة.‏ فخلال الصيف لم تكن الاجتماعات تبدأ قبل العاشرة مساء.‏ ورغم كل ذلك،‏ لم يستإ الاخوة اطلاقا.‏

وبما انه لم يكن ممكنا استخدام قاعات الملكوت،‏ فقد عرض مزارع ودّي في سكسونيا استخدام حظيرته.‏ وكان لها باب خلفي يؤدي الى ممر تخفيه الشجيرات.‏ وطوال فصل الشتاء،‏ زوَّدت تلك الحظيرة مكانا لفريق من ٢٠ شخصا كانوا يجتمعون على ضوء الشمعة.‏ وسرعان ما اصبح المزارع ايضا شاهدا.‏

وقبل كل شيء،‏ رتبوا للاحتفال بعشاء الرب.‏ يتذكر مانفرِت تامه مناسبة زوّد فيها بعضَ الاخوة المسجونين برمزَي الذكرى:‏ «ملأتُ قنينة مستحضر سائل للشعر بالخمر وطلبت ان تُعطى لأخ سجين.‏ ففتح الرسمي القنينة،‏ شمّ محتواها،‏ وقال:‏ ‹يُفترض ان تكون هذه لمنع تساقط الشعر؟‏› فأجبت:‏ ‹هذا ما تدّعيه الكتابة عليها›.‏ فأعاد اغلاق القنينة وسلّمها الى الاخ المقصود!‏».‏

تعلُّم الشهادة تحت الحظر

لم يتوقف عمل الكرازة ببشارة ملكوت اللّٰه في المانيا الشرقية.‏ فالكتاب المقدس لم يكن محظورا،‏ لذلك غالبا ما كان الاخوة يبدأون محادثاتهم بمجرد الاشارة اليه.‏ وبما انهم كانوا يملكون القليل او لا شيء من المطبوعات لتقديمها،‏ فقد طوّروا مناقشات من الكتاب المقدس مؤسسة على سلسلة من الآيات عن مواضيع متنوعة سبقوا وأعدّوها.‏ بالطبع كانت الكرازة خطرة.‏ فكل يوم في الخدمة قد يكون اليوم الاخير للحرية.‏ لقد جعل الشهود الصلاة «رفيقهم الدائم»،‏ كما عبَّر احدهم،‏ وأضاف:‏ «كانت الصلاة تريحنا وتمنحنا الهدوء.‏ فلم نشعر قط بأننا وحدنا.‏ ورغم ذلك،‏ كان يلزم توخي الحذر دائما».‏

رغم الجهود للبقاء حذرين،‏ كانت هنالك اوقات التقوا فيها وجها لوجه بالشرطة.‏ ففي احدى المناسبات،‏ عندما كان هرمان ومارڠِت لاوب يزوران المنازل على اساس التوصيات من افراد يعرفانهم من قبل،‏ رأيا بذلة شرطي معلَّقة على العلَّاقة خلف الرجل الذي فتح لهما الباب.‏ فشحب لون مارڠِت؛‏ وخفق قلب هرمان بقوة.‏ ثم صلّيا صلاة صامتة.‏ فذلك يعني السجن بالتأكيد!‏ سأل الرجل بطريقة جافة:‏ «مَن انتما؟‏».‏ فبادرت مارڠِت الى الاجابة قائلة:‏ «انا متأكدة اني اعرفك من مكان ما،‏ لكنني لا اقدر ان اتذكر اين.‏ نعم،‏ انت شرطي.‏ لا بد انني رأيتك وأنت في الخدمة».‏ فأجاب بنغمة ودية اكثر نوعا ما:‏ «هل انتما من شهود يهوه؟‏».‏ اجاب هرمان:‏ «نعم نحن كذلك،‏ ويجب ان تعترف انه يتطلب شجاعة من جهتنا ان نقرع بابك.‏ فنحن مهتمان بك شخصيا».‏ فدُعيا الى داخل المنزل.‏ وبعد عدد من الزيارات،‏ ابتُدئ بدرس في الكتاب المقدس.‏ وفي حينه صار هذا الرجل اخا مسيحيا.‏

وقد أُنجزت بعض الشهادات في السجون.‏ كان ڤولفڠانڠ مايزه في السجن في ڤالتهايم.‏ وذات يوم،‏ تسلَّم رسالة من زوجته تقول فيها انها كانت «في برلين وقد تمتعت بتناول القليل من حساء نور».‏ (‏نور هو الاسم التجاري لحساء شائع في المانيا.‏)‏ فاستغل ڤولفڠانڠ الفرصة ليشرح لرفيق سجين ان ذلك يعني انه عُقد محفل في برلين وأن رئيس جمعية برج المراقبة ن.‏ ه‍.‏ نور ألقى خطابا هناك.‏ لم ينسَ هذا الرجل قط البريق الذي رآه في عينَي ڤولفڠانڠ الذي عكس الفرح الشديد الذي شعر به وهو يشرح رسالة زوجته.‏ وبعد نحو ١٤ سنة،‏ بدأ هذا الرجل بعد انتقاله الى المانيا الغربية بدرس الكتاب المقدس.‏ وبعد سنتين اعتمد في ڤورتسبورڠ.‏

حكمت المحكمة الشيوعية في لَيْپتزيڠ على هيلدِڠَرت زايليڠِر،‏ التي كانت قد قضت سنين كثيرة في معسكرات الاعتقال النازية،‏ بعشر سنوات اضافية.‏ وأخبرتها لاحقا حارسة في سجن هالي بأنها تُعتبر خطرة على نحو خصوصي لأنها ‹تتحدث عن الكتاب المقدس اليوم كله›.‏

رغم الحظر،‏ الازدياد دائم

انتجت الغيرة التي اظهرها الاخوة ثمارا جيدة.‏ يخبر هورست شرام انه في بداية خمسينات الـ‍ ١٩٠٠ كان هنالك ٢٥ ناشرا في جماعة كونيڠس ڤُستِرهاوزن،‏ أما عند سقوط‍ جدار برلين فكان هنالك ١٦١.‏ هذا على الرغم من ان ٤٣ ناشرا انتقلوا الى الغرب،‏ وعديدين آخرين ماتوا.‏ وفي الواقع،‏ في بعض الجماعات هنالك اكثر من ٧٠ في المئة من الشهود النشاطى الآن تعلَّموا الحق تحت الحظر.‏

خذوا على سبيل المثال عائلة كِمنيتس.‏ فخلال الايام الباكرة من الحظر تعلَّم برنت وڤالتراوت الحق واعتمدا وهما لا يزالان حدثَين.‏ وبعد ان تزوجا وبدأا يربيان عائلة،‏ لم يسمحا للحظر بأن يمنعهما من تربية اولادهما ليصيروا خداما ليهوه.‏ وخلال ثمانينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ فيما كان الحظر لا يزال قائما،‏ نذر كلٌّ من أندريا،‏ ڠابرييلا،‏ روبن،‏ وإستِر نفسه ليهوه واعتمدوا حاذين حذو والدَيهم.‏ أما متِّياس،‏ الاصغر بينهم،‏ فهو الوحيد الذي اعتمد بعد رفع الحظر.‏ لقد بارك يهوه بسخاء تصميم هذين الزوجين في وجه المقاومة.‏ ويا لها من مكافأة لهما ان يعرفا ان اولادهما الخمسة جميعهم اليوم اعضاء في عائلة بيت ايل في زلترس!‏

يقول شيخ ساعد في جمع تقارير خدمة الحقل الشهرية للجمعية:‏ «خلال سنوات الحظر الاربعين،‏ لم يمرّ شهر واحد لم يكن فيه معتمد واحد على الاقل».‏ ثم يضيف مفصِّلا:‏ «عموما كانت تجري المعموديات بوجود حضور قليل وفي بيوت خاصة.‏ وبعد إلقاء خطاب،‏ كان المرشَّحون للمعمودية يُغطَّسون في حوض للاستحمام.‏ وغالبا ما كان غمرهم كاملا يشكّل مشكلة.‏ ورغم هذه الصعوبات البسيطة،‏ ما زال كلّ منهم يتذكر بفرح اليوم الذي اعتمد فيه».‏

عندما صار من الممكن مجددا نشر تقارير خدمة الحقل لألمانيا الشرقية،‏ كم كان مفرحا ان نعرف انه خلال ثمانينات الـ‍ ١٩٠٠ كان هنالك ٧٠٤‏,٢٠ ناشرين نشاطى في هذه المنطقة!‏ وبالطبع لم تعد هنالك حاجة الآن الى نشر تقارير منفصلة.‏ فخلال سنة ١٩٩٠،‏ ارتفع عدد الناشرين في المانيا المعاد توحيدها الى ١٠٨‏,١٥٤.‏

اعادة التنظيم لتقوية معشر الاخوة

خلال فترة محاولة الحكام الشيوعيين ابقاء الشهود الذين في ذلك الجزء من العالم منعزلين عن اخوتهم المسيحيين في بلدان اخرى،‏ كانت تجري تغييرات مهمة حول العالم في هيئة شهود يهوه نفسها.‏ وهذه التغييرات،‏ التي صُنعت كمحاولة للعمل بشكل أدّق وفق ما يقوله الكتاب المقدس عن الجماعة المسيحية في القرن الاول،‏ عملت على تقوية معشر الاخوة العالمي كما اعدَّت الهيئة للنمو السريع خلال السنوات اللاحقة.‏ —‏ قارنوا اعمال ٢٠:‏١٧،‏ ٢٨‏.‏

وهكذا ابتداء من تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٧٢،‏ لم يعد يشرف على الجماعات مجرد شخص واحد يُعرف بخادم الجماعة ويهتم بالاعمال الضرورية بمساعدة معاونين.‏ وعوضا عن ذلك،‏ عُيِّنت هيئة شيوخ للاشراف على كل جماعة.‏ وبحلول سنة ١٩٧٥،‏ بدأت تظهر النتائج الجيّدة لهذا التغيير.‏

ولكن،‏ كما يتذكر إرڤين هَرتسيخ،‏ ناظر جائل خدم لفترة طويلة،‏ لم يرحِّب الجميع بهذا التغيير.‏ ويقول انه عمل على كشف «الحالة القلبية لبعض الخدام في الجماعة».‏ ومع ان الاغلبية الساحقة كانت قلوبها وليّة،‏ ساهم هذا التغيير في ازالة القليلين الذين كانوا طموحين وتواقين اكثر ان «يكونوا الاوائل» بدل ان يخدموا اخوتهم.‏

وكانت ستحدث عما قريب تغييرات اضافية.‏ فخلال سبعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ توسَّعت الهيئة الحاكمة لشهود يهوه ثم أُعيد تنظيمها.‏ وقُسِّم عملها على ست لجان بدأت بالعمل في ١ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٧٦.‏ وبعد شهر واحد،‏ في ١ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٧٦،‏ جرى التعديل في الاشراف على مكاتب الفروع حول العالم.‏ فلم يعد الفرع يعمل تحت ادارة خادم فرع واحد.‏ وعوضا عن ذلك،‏ اصبح كل فرع تحت اشراف لجنة فرع تعيِّنها الهيئة الحاكمة.‏

كان كلٌّ من الاخوة فروست،‏ فرانكي،‏ وكِلْسي قد خدم لفترات مختلفة كخادم فرع في المانيا.‏ ولكن وجد الأخ فروست انه من الضروري ان يترك بيت ايل لأسباب صحية.‏ (‏مات سنة ١٩٨٧ عن عمر ٨٦ سنة.‏ ونجد قصة حياته في برج المراقبة عدد ١٥ نيسان [ابريل] ١٩٦١،‏ بالانكليزية.‏)‏ وعندما تأسست لجنة الفرع من خمسة اعضاء في المانيا سنة ١٩٧٦،‏ شملت الأخوين كونْرات فرانكي (‏الذي سُجن مرارا خلال العصر النازي)‏ وريتشارد كِلْسي (‏متخرِّج من مدرسة جلعاد كان قد مضى على خدمته في المانيا حتى ذلك الوقت ٢٥ سنة)‏.‏ وشملت ايضا ڤيلي پول (‏ناجٍ من معسكرات الاعتقال النازية حضر الصف الـ‍ ١٥ لجلعاد)‏،‏ ڠونتر كونْس (‏خريج الصف الـ‍ ٣٧ لجلعاد)‏،‏ وڤرنر روتكي (‏ناظر جائل سابق)‏.‏

وما زال هؤلاء الاعضاء الاولون،‏ باستثناء الأخ فرانكي الذي مات سنة ١٩٨٣،‏ يخدمون في لجنة الفرع.‏ (‏قصة حياة كونْرات فرانكي نجدها في برج المراقبة عدد ١٥ آذار (‏مارس)‏ ١٩٦٣،‏ بالانكليزية.‏)‏ وهنالك اخوان آخران خدما مدة من الوقت قبل موتهما:‏ إيڠون پيتر،‏ من سنة ١٩٧٨ الى سنة ١٩٨٩،‏ وڤولفڠانڠ كْرولوپ من سنة ١٩٨٩ الى سنة ١٩٩٢.‏

في الوقت الحاضر،‏ تتألف لجنة الفرع من ثمانية اعضاء.‏ فبالاضافة الى المذكورين آنفا،‏ هنالك ادمونت آنشتات (‏منذ سنة ١٩٧٨)‏،‏ پيتر ميتريڠه (‏منذ سنة ١٩٨٩)‏،‏ ايضا أيْبرهارت فابيان ورايمون تمْپلتن (‏منذ سنة ١٩٩٢)‏.‏

عندما ابتُدئ العمل بموجب الترتيب المُعدَّل للاشراف على الفرع سنة ١٩٧٦،‏ كان هنالك ١٨٧ شخصا فقط‍ في عائلة بيت ايل في ڤيسبادن،‏ المانيا الغربية.‏ ومنذ ذلك الحين،‏ ارتفع عدد المستخدَمين الى ١٣٤‏,١ شخصا،‏ بمن فيهم اشخاص من ٣٠ دولة.‏ يعكس ذلك الى حدّ ما الاوجه العالمية للعمل الذي يحظى الفرع بامتياز المشاركة فيه.‏

تسهيلات الطباعة لسدّ الحاجات المتزايدة

في اواسط سبعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ كانت تسهيلات الفرع في المانيا تقع في جزء من ڤيسبادن يُعرف بـ‍ كولهِك.‏ كان في ما مضى ضاحية هادئة عند طرف غابة لكنه الآن قسم من المدينة ينمو بسرعة.‏ وكانت الجمعية قد اشترت المزيد من الاملاك في هذه المنطقة ١٣ مرة.‏ لكنَّ عدد ناشري الملكوت في المانيا الغربية ازداد الى حوالي ٠٠٠‏,١٠٠.‏ فكانت هنالك حاجة الى مكتب اكبر للاشراف على الحقل ومكان طباعة اوسع لتزويد مطبوعات الكتاب المقدس.‏ لكنَّ الحصول على ممتلكات اضافية للتوسع كان صعبا جدا.‏ فكيف كانت ستُحلّ هذه المشكلة؟‏ صلَّت لجنة الفرع طلبا لارشاد يهوه.‏

وفي اواخر سنة ١٩٧٧،‏ بدأ اعضاء لجنة الفرع المعيَّنون حديثا بدرس امكانية بناء بيت ايل جديد في مكان آخر.‏ ولكن هل كان ذلك ضروريا فعلا؟‏ كان الشعور العام ان نهاية النظام القديم لا بد ان تكون قريبة جدا.‏ ولكن،‏ كان يلزم ايضا اخذ عامل آخر بعين الاعتبار.‏ فأساليب الطباعة كانت تتغير،‏ وكانت الجمعية تحت ضغط تبنِّيها اذا كان الطبع سيستمر على نطاق واسع مهما تبقَّى لهذا النظام القديم من وقت.‏ ومن المثير للاهتمام ان الخبرة المكتسبة في معالجة الوضع في المانيا الشرقية خلال الحظر على شهود يهوه هناك سهَّلت على الاخوة في ڤيسبادن ان يصنعوا التغييرات عندما صارت ضرورية.‏ فكيف كان ذلك؟‏

قرار تبنِّي طباعة الأوفست

بعد بناء جدار برلين سنة ١٩٦١،‏ ازدادت صعوبة تزويد شهود يهوه في المانيا الشرقية بالمطبوعات.‏ ولتسهيل ذلك،‏ أُعدّت لهم طبعة خصوصية من برج المراقبة بحجم اصغر احتوت على مقالات الدرس فقط.‏ ولكن استلزم انتاج هذه الطبعة تنضيد الحروف المطبعية للمقالات مرة ثانية.‏ وكانت الطباعة على اوراق رقيقة جدا صعبة،‏ كما شكّل طَيّ الاوراق المطبوعة تحدّيا.‏ وعندما وجد الاخوة مكنة طَيّ اوتوماتيكية تنجز هذا العمل،‏ اكتشفوا انها صُنعت في لَيْپتزيڠ،‏ المانيا الشرقية —‏ البلد الذي حُظر فيه شهود يهوه،‏ والذي لأجله صُمِّمت هذه الطبعة من برج المراقبة التي قلَّما تلفت النظر.‏ فيا لها من مفارقة!‏

لتبسيط العمل،‏ اقترح اخ،‏ كان قد تعلّم طباعة الأوفست قبل مجيئه الى بيت ايل،‏ اعادة انتاج المجلات بطريقة الأوفست.‏ فكان يمكن تصوير مقالات الدرس،‏ تصغير حجمها،‏ ثم وضعها على لوح أوفست.‏ وقد وُضعت مطبعة أوفست صغيرة تُغذَّى بصحائف الورق تحت تصرف الفرع كهدية.‏ وبمرور الوقت،‏ صار من الممكن اصدار لا مقالات الدرس فحسب بل كامل المجلة ايضا،‏ اولا بالابيض والاسود وأخيرا بالالوان الطبيعية.‏ وحتى الكتب الصغيرة الحجم أُنتجت بالطريقة نفسها.‏

عندما زار ناثان نور،‏ رئيس جمعية برج المراقبة آنذاك،‏ ڤيسبادن سنة ١٩٧٥،‏ راقب طريقة العمل باهتمام.‏ وبعد تفحصه المواد المطبوعة قال انها مقبولة.‏ وعندما وُضِّح ان هذه طبعة خصوصية لالمانيا الشرقية وأننا مسرورون بالطريقة الجديدة في انتاجها،‏ اجاب الاخ نور:‏ «يستحق الاخوة الذين يعانون الكثير ان نعطيهم افضل ما في وسعنا».‏ وعلى الفور منح الاذن بشراء مكنات اضافية لإنجاز العمل.‏

وهكذا عندما زار ڠرانت سوتر،‏ عضو في الهيئة الحاكمة،‏ المانيا سنة ١٩٧٧ وذكر ان الجمعية لطالما فكرت جديا في التحوُّل الى طباعة الأوفست وأنها قررت الآن استخدامها على نطاق واسع،‏ كان الاخوة في ڤيسبادن يملكون بعض الخبرة فيها.‏ فبشكل غير مباشر،‏ جهّزهم الحظر في المانيا الشرقية لهذا التغيير.‏

ولكنَّ الامر شمل اكثر من مجرد قبول الفكرة ان تغييرا في اساليب الطباعة ضروري.‏ فقد اوضح الاخ سوتر انه ستكون هنالك حاجة الى مطابع اكبر وأثقل.‏ ولكن اين يمكن وضعها؟‏ كانوا يحلمون بمطابع أوفست بشريط ورق،‏ وتطبع بالالوان الطبيعية،‏ لكنّ الحلم امر وتحقيقه امر آخر.‏ فجرى البحث في عدة امكانيات لتوسع اضافي في كولهِك،‏ لكن وُجد انها كلها تنطوي على مشاكل.‏ فماذا يجب فعله؟‏

مجمَّع فرع جديد

بدأ البحث عن ملكية في مكان آخر.‏ وفي ٣٠ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٧٨،‏ أُعلم حوالي ٠٠٠‏,٥٠ شاهد مجتمعين في محفل في دوسَلْدورف وحشد مؤلف من نحو ٠٠٠‏,٦٠ في ميونيخ ان الخطط تُصنع لشراء ملكية حيث يمكن بناء مجمَّع فرع جديد.‏ وكان ذلك مفاجأة لهم.‏

خلال سنة واحدة تقريبا،‏ جرى تفحُّص ١٢٣ موقعا اختير منها اخيرا ملكية تقع على تلة تشرف على قرية زلترس.‏ وهكذا في ٩ آذار (‏مارس)‏ ١٩٧٩،‏ جرى شراؤها بموافقة الهيئة الحاكمة.‏ والمفاوضات الاضافية مع ١٨ من اصحاب الملكيات جعلت من الممكن الحصول على ٦٥ قطعة ارض اخرى من الملكيات المجاورة،‏ مما زوّد ٣٠ هكتارا (‏٧٤ اكرا)‏ للتوسع.‏ وبحكم موقع زلترس على مسافة نحو ٤٠ كيلومترا (‏٢٥ ميلا)‏ شمالي ڤيسبادن،‏ كان الوصول اليها سهلا من اجل عمليات النقل بالشاحنات.‏ وكان مطار راين-‏مَيْن الدولي في فرانكفورت على بُعد اقل من ٦٥ كيلومترا (‏٤٠ ميلا)‏.‏

كان العمل في اكبر مشروع بناء في تاريخ شهود يهوه في المانيا على وشك الابتداء.‏ فهل كنا فعلا على مستوى المهمة؟‏ يتذكر رولف نويفَرت،‏ عضو في لجنة البناء:‏ «لم يسبق لأحد،‏ باستثناء الاخ الذي كان مهندسنا المعماري،‏ ان عمل في مشروع ضخم كهذا.‏ لا يمكنكم ان تتخيلوا مدى صعوبة هذه المهمة.‏ فمشروع بهذا التعقيد والضخامة يتعهده عادة مكتب شركة له سنوات من الخبرة وكل الخبراء اللازمين».‏ لكنَّ الاخوة فكروا انه اذا اراد يهوه ان يقوموا بعمل البناء،‏ فسيبارك النتيجة ايضا.‏

كان يلزم الحصول على اربعين رخصة بناء مختلفة،‏ لكنَّ الرسميين المحليين تعاونوا بشكل جيد وقد قُدِّر ذلك كثيرا.‏ صحيح انه كانت هنالك بعض المقاومة في بادئ الامر،‏ الاّ انها اتت بشكل رئيسي من رجال الدين الذين رتبوا اجتماعات للتحريض على المقاومة،‏ لكن دون جدوى.‏

تطوّع شهود من كل انحاء البلد للمساعدة في العمل.‏ والروح التي اظهروها كانت رائعة.‏ فقد كان هنالك كمعدل ٤٠٠ عامل قانوني في موقع البناء كل يوم،‏ الى جانب حوالي ٢٠٠ عامل ايام «العطلة» في اي وقت كان.‏ فخلال سنوات البناء الاربع،‏ قدَّم ما لا يقل عن ٠٠٠‏,١٥ شاهد خدماتهم طوعا.‏

يتذكر احد الاخوة:‏ «بغض النظر عن الصعوبات،‏ وكيفما كان الطقس،‏ سواء كان حارا او معتدل البرودة او حتى قارس البرودة،‏ كان العمل يستمر.‏ ففي الاوقات التي فيها كان الآخرون يوقفون اعمالهم،‏ كنا نحن نبدأ العمل».‏

اتت ايضا بعض المساعدات من بلدان اخرى.‏ وحتى السفر آلاف الاميال للمساعدة لم يكن بعيدا جدا على جاك ونورا سميث،‏ مع ابنتهما بيكي البالغة من العمر ١٥ سنة،‏ الذين اتوا من أوريڠون في الولايات المتحدة.‏ فقد كانوا في المحفل الاممي في ميونيخ عندما أُعلن ان الجمعية تخطط لبناء تسهيلات فرع جديدة في المانيا.‏ فقالوا:‏ «يا له من امتياز ان نعمل في بناء بيت ايل جديد!‏».‏ وجعلوه معروفا انهم متوفرون.‏ يتذكر جاك:‏ «بينما كنا نقوم بالعمل الاعدادي للمحفل سنة ١٩٧٩،‏ تسلَّمنا طلبا ودعوة للمجيء بأسرع ما يمكن.‏ كنا متحمسين جدا بحيث لم نستطع ان نركِّز على عملنا او على المحفل».‏

لإيواء عمّال البناء،‏ كان يلزم تجديد الابنية الموجودة اصلا في الملكية.‏ فأُكمل اول بيت بحلول شتاء ١٩٧٩/‏١٩٨٠.‏ وفي ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٨٠ وُضع الاساس لبيت ايل جديد.‏ وابتدأ العمل ايضا في معمل الطباعة،‏ لكنه لم يكن باكرا كفاية.‏ فمطبعة أوفست بشريط ورق يبلغ طولها ٢٧ مترا [٨٩ قدما]،‏ والتي قُدِّم طلب الحصول عليها في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٧٨،‏ كانت ستُسلَّم في اوائل سنة ١٩٨٢.‏ وبحلول ذلك الوقت،‏ كان يجب انهاء مكان الطباعة ولو جزئيا.‏

كان ممكنا ان نقوم نحن بمعظم الاعمال.‏ ولا يزال احد الاخوة يقول بدهشة:‏ «لم تكن لأحد منا اية خبرة في العمل في مشروع ضخم كهذا بفريق عمل دائم التغيّر.‏ فغالبا ما كنا نعتقد،‏ في مجال او آخر،‏ اننا بلغنا مرحلة لا نستطيع فيها المتابعة،‏ وذلك لعدم توفر الاختصاصيين اللازمين لبعض الاعمال.‏ ولكن عدة مرات،‏ كنا في اللحظة الاخيرة نتسلَّم فجأة طلبا من اخ مؤهَّل لها.‏ وهكذا كلما كانت تنشأ حاجة الى اخوة يملكون مهارات معينة،‏ كان يظهر متطوعون بهذه المهارات».‏ فشكروا يهوه على توجيهه وبركته.‏

الانتقال الى زلترس

شمل نقل الاثاث والامتعة الشخصية لحوالي ٢٠٠ عضو في بيت ايل الكثير من العمل،‏ هذا إن لم نذكر كل المكنات والمعدات اللازمة لعملهم.‏ كانت مهمة اكبر بكثير من ان تُنجز في وقت واحد.‏ لذلك انتقلت عائلة بيت ايل الى زلترس تدريجيا،‏ قسما تلو الآخر،‏ فيما كان عمل البناء يُتابَع.‏

بين اوائل المنتقلين كان العاملون في مكان الطباعة،‏ لانه القسم الاول الذي اكتمل بناؤه من المجمَّع.‏ ففُكِّكت ونُقلت المكنات شيئا فشيئا الى زلترس.‏ في تلك الاثناء،‏ في ١٩ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٨٢،‏ بدأت الطباعة بالالوان الطبيعية بمطبعة الأوفست الدوَّارة الجديدة في زلترس.‏ ويا له من سبب للاحتفال!‏ وبحلول ايار (‏مايو)‏،‏ عمَّ السكون مكان الطباعة في ڤيسبادن.‏ فبعد ٣٤ سنة،‏ انتهت طباعتنا في ڤيسبادن.‏

كان اول عمل كبير لمطبعة الأوفست الجديدة طباعة كتاب يمكنكم ان تحيوا الى الابد في الفردوس على الارض.‏ وقد خُطِّط لإصدار هذه المطبوعة الجديدة في المحافل الكورية لسنة ١٩٨٢،‏ وطُلب من المانيا ان تنتجها بسبع لغات.‏ لكنّ المشكلة كانت ان مكان تجليد الكتب ما زال في ڤيسبادن.‏ وفي الواقع،‏ لم يُنقل الى زلترس إلا بعد اكثر من سنة.‏ لذلك بعد ان كانت مَلازِم الكتب تُطبع في زلترس كانت تُرسل بسرعة بشاحنة الجمعية الى ڤيسبادن من اجل التجليد.‏ ورغم العمل الاضافي الذي شمله ذلك،‏ استطاع الاخوة انهاء ٣٦٥‏,٤٨٥ نسخة من الـ‍ ٥٨٢‏,٣٤٨‏,١ في الطبعة الاولى،‏ مما جعل حشودا اممية في المحافل في عدة بلدان تبتهج بالإصدار الجديد.‏

من الطبيعي ان يكون الانتقال قد ولّد مشاعر متضاربة.‏ فبالنسبة الى اعضاء عائلة بيت ايل،‏ كانت ڤيسبادن بيتهم لنحو ٣٥ سنة.‏ ولكن سرعان ما قُسّم مجمَّع بيت ايل في ڤيسبادن وبيع لأفراد مختلفين.‏ واحتُفظ بقسم صغير واحد فقط من مكان التجليد السابق وصُنع قاعة ملكوت.‏ وكنموذج لوحدة شعب يهوه الاممية،‏ تجتمع في هذه القاعة اليوم اربع جماعات —‏ اثنتان المانيتان،‏ واحدة انكليزية،‏ وواحدة روسية.‏

يوم التدشين

بعد وضع اللمسات الاخيرة لمجمَّع بيت ايل في زلترس،‏ عُقد برنامج التدشين في ٢١ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٨٤.‏ وكل الذين شاركوا في المشروع شعروا بقوة بأن يد يهوه كانت معهم.‏ فقد تطلعوا اليه من اجل الارشاد،‏ وشكروه عندما أُزيلت العقبات التي بدا انها لا تُذلَّل.‏ ورأوا الدليل الملموس على بركته في هذه التسهيلات المكتملة التي تُستخدم لترويج العبادة الحقة.‏ (‏مزمور ١٢٧:‏١‏)‏ حقا،‏ كان ذلك وقتا لفرح خصوصي.‏

في بداية هذا الاسبوع،‏ فتح المجمَّع ابوابه للزوّار.‏ وقد دُعي مختلف الرسميين الذين تعاملت معهم الجمعية الى القيام بجولة في المباني.‏ ورُحِّب ايضا بالجيران.‏ اخبر احد الزوّار انه اتى بفضل قسِّيس كنيسته.‏ ثم اوضح ان القسِّيس كثيرا ما تشكَّى من الشهود في السنوات الاخيرة حتى ان الرعية بكاملها سئمت سماعه.‏ ويوم الاحد السابق،‏ كان قد هاجم الشهود مجددا وحذَّر الرعية من قبول دعوتهم المفتوحة.‏ شرح الزائر:‏ «كنت على علم بدعوتكم،‏ لكنني نسيت موعدها.‏ فلو لم يذكره القسِّيس يوم الاحد الماضي لسهوت عنه بالتأكيد».‏

بعد الجولات التمهيدية،‏ اتى اخيرا يوم برنامج التدشين.‏ وعندما بدأ البرنامج بالموسيقى عند الساعة ٢٠:‏٩ صباحا،‏ شعرنا بفرح عظيم عندما عرفنا ان ١٣ عضوا من اصل الـ‍ ١٤ في الهيئة الحاكمة آنذاك كانوا قادرين على قبول الدعوة للحضور!‏ وبما انه كان من المستحيل ان يحضر شخصيا كل مَن ساهم بطريقة او بأخرى في نجاح المشروع،‏ فقد صُنعت الترتيبات لوصل ١١ موقعا آخر في البلد بواسطة الهاتف.‏ وبهذه الطريقة تمكّن حشد من ٥٦٢‏,٩٧ شخصا من التمتع بالبرنامج الرائع.‏

بين الحاضرين في زلترس في ذلك اليوم الذي لا يُنسى،‏ كان هنالك كثيرون ممَّن برهنوا عن ايمانهم فيما كانوا مسجونين في معسكرات الاعتقال النازية خلال الحرب العالمية الثانية،‏ مع بعض الذين أُطلق سراحهم مؤخرا من السجن في المانيا الشرقية.‏ وكان بينهم أرنست وهيلدِڠَرت زايليڠِر.‏ بدأ الاخ زايليڠِر عمله في الخدمة كامل الوقت قبل ٦٠ سنة،‏ وقضى هو وزوجته ما مجموعه اكثر من ٤٠ سنة في السجون ومعسكرات الاعتقال في ظل الحكم النازي والشيوعي.‏ وبعد حضورهما برنامج التدشين،‏ كتبا:‏ «هل يمكنكم ان تتخيلوا كيف شعرنا اذ تمكنّا من حضور هذه الوليمة الروحية الرائعة في فردوسنا الروحي؟‏ من البداية الى النهاية،‏ كان الاستماع الى هذا البرنامج الرائع كالاستماع الى سمفونية الهية للوحدة والانسجام الثيوقراطيين».‏ (‏من اجل التفاصيل عن امتحانات الايمان التي اختبراها،‏ انظروا برج المراقبة عدد ١٥ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٧٥،‏ بالانكليزية.‏)‏

‏‹‏بيوت لاسم يهوه‏›‏

غالبا ما يندهش الناس من رؤية شهود يهوه يبنون قاعات الملكوت في اسابيع قليلة —‏ او ربما مجرد ايام —‏ ويشيّدون قاعات محافل كبيرة بواسطة عمّال متطوعين،‏ ويموِّلون مجمَّعات بيوت ايل بملايين الدولارات من التبرعات الطوعية.‏ وقد أُتيحت للمقيمين في المانيا فرص كثيرة لرؤية كل هذه النشاطات بأم عينهم.‏

في اوائل سبعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ دُشنت في برلين الغربية اول قاعة محافل في المانيا الغربية.‏ وتلتها قاعات اخرى،‏ حتى انه بحلول سنة ١٩٨٦ صارت تُعقد كل المحافل الدائرية في المانيا الغربية في قاعات يملكها الشهود.‏

كانت بركة يهوه واضحة فيما كان الاخوة يعملون في هذه المشاريع.‏ ففي ميونيخ،‏ نتيجة تعاون رسميي المدينة،‏ جرى الحصول على ملكية لبناء قاعة محافل بسعر معقول جدا في الجانب الآخر من الطريق الرئيسي مقابل المدرَّج الاولمپي الضخم،‏ عند طرف الحديقة الاولمپية العامة ذات المناظر الطبيعية الرائعة.‏

بُذلت جهود دؤوبة لإبقاء نفقات البناء وكلفة المعدات في الحدّ الادنى.‏ وبسبب تغيير موقع محطة لتوليد الطاقة وعرضها خزائن المفاتيح الكهربائية ولوحة التوزيع الهاتفية للبيع،‏ استطاع الاخوة شراءها بسعر اقل ٥ في المئة من سعرها الاصلي.‏ وهدْم مجمَّع ابنية في الوقت المناسب جعل من الممكن الحصول على ما يلزم من مغاسل،‏ مراحيض،‏ ابواب،‏ شبابيك،‏ ومئات الامتار من انابيب المياه،‏ الغاز،‏ والتهوية بأسعار زهيدة.‏ ووُفِّر المزيد من المال نتيجة صنع الاخوة كراسيهم وطاولاتهم.‏ وانسجاما مع سياسة المدينة في ما يتعلق بالمناظر الطبيعية،‏ كان على الاخوة ان يزرعوا ٢٧ شجرة زيزفون في ملكية قاعة المحافل.‏ والعدد المطلوب كان موجودا في مشتل سيتوقف عن العمل،‏ وكانت كل الاشجار بالعلوّ المطلوب،‏ فجرى شراؤها بعُشر سعرها العادي.‏ وبعد ان انهت مدينة ميونيخ تعبيد معظم شوارعها المرصوفة بالحجارة،‏ كانت اطنان من هذه الحجارة متوفرة بأسعار شبه مجانية،‏ فاستُخدمت لرصف الممرات حول القاعة وموقف السيارات المتاخم لها.‏

ويمكن سرد روايات مماثلة عن قاعات المحافل الاخرى في المانيا التي يتميز كلٌّ منها بتصميم منفرد ورائع.‏ فكل واحدة منها هي حقا،‏ كما وصف الملك سليمان هيكل اورشليم قبل اكثر من ٠٠٠‏,٣ سنة،‏ «بيت لاسم الرب [«يهوه»،‏ ع‌ج‏]».‏ —‏ ١ ملوك ٥:‏٥‏.‏

بالاضافة الى ذلك،‏ يسير عمل بناء قاعات الملكوت بسرعة للاعتناء بحاجات الـ‍ ٠٨٣‏,٢ جماعة في المانيا.‏ وهنالك الآن ١٧ لجنة بناء اقليمية.‏ وقبل ان تُشكَّل اولى هذه اللجان سنة ١٩٨٤،‏ كان الشهود يملكون ٢٣٠ قاعة ملكوت فقط في كل المانيا.‏ ومنذ ذلك الحين حتى آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩٨،‏ بُني كمعدل ٥٨ قاعة جديدة سنويا —‏ اكثر من واحدة في الاسبوع في السنوات الـ‍ ١٢ الماضية!‏

وفي شؤون البناء ايضا،‏ نظر شهود يهوه في المانيا الى ابعد من الحدود القومية.‏ فهم جزء من عائلة عالمية.‏ لذلك يعمل اكثر من ٤٠ شخصا من المانيا كخدام امميين مستعدين للاشتراك في عمل البناء اينما ترسلهم الجمعية،‏ وما دامت هنالك حاجة.‏ وعدد آخر من ٢٤٢ شخصا يخدمون لفترات مختلفة من الوقت في مشاريع كهذه في بلدان اخرى.‏

نظار جائلون يرعون الرعيّة

احد العوامل المهمة في الحالة الروحية للهيئة هو العمل الذي ينجزه النظار الجائلون.‏ فهؤلاء الرجال هم حقا رعاة لرعيّة اللّٰه.‏ (‏١ بطرس ٥:‏١-‏٣‏)‏ وهم،‏ كما وصفهم الرسول بولس،‏ «عطايا في رجال».‏ —‏ افسس ٤:‏٨‏.‏

بعد الحرب العالمية الثانية،‏ زار النظار الجائلون الجماعات،‏ قوّوها،‏ واشتركوا معها في خدمة الحقل.‏ وكان بين هؤلاء اخوة مثل ڠَيرهارت اولتْمانس،‏ يوزيف شارنِر،‏ وپاول ڤروبِل،‏ جميعهم اعتمدوا سنة ١٩٢٥.‏ وكان هنالك ايضا أوتو ڤوليه وماكس زانتْنِر،‏ كلاهما اعتمدا خلال ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠.‏

وإذ نشأت الحاجة،‏ أُضيف اخوة آخرون الى لائحة النظار الجائلين.‏ ومن نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الآن،‏ شارك اكثر من ٢٩٠ أخا في العمل الجائل في المانيا الغربية وأكثر من ٤٠ آخرين في المانيا الشرقية.‏ وبذلوا انفسهم حقا لتقدم مصالح الملكوت.‏ فعنى ذلك للبعض ان لا يروا اولادهم الراشدين او احفادهم في اغلب الاحيان.‏ ورتَّب آخرون ان يقضوا الوقت قانونيا مع والديهم المسنين او المرضى فيما يعتنون بتعييناتهم.‏

قام بعض هؤلاء الخدام الجائلين لعقود بهذا العمل الشاق لكن المكافئ.‏ على سبيل المثال،‏ هورست وڠيرتْرُوت كريتشمِر هما في العمل الجائل في كل انحاء المانيا منذ اواسط خمسينات الـ‍ ١٩٠٠.‏ وما زال الاخ كريتشمِر يتذكر انه عندما كان في بيت ايل في ڤيسبادن في اقامة قصيرة سنة ١٩٥٠،‏ وضع أريك فروست يده بمحبة على كتفه وقال:‏ «لا تقلق ابدا يا هورست.‏ اذا بقيت امينا ليهوه،‏ فسيعتني بك.‏ لقد اختبرتُ ذلك؛‏ وستختبره انت ايضا.‏ ابقَ امينا فقط».‏

وفي سنة ١٩٩٨،‏ كان هنالك ١٢٥ أخا في المانيا يخدمون كنظار دوائر او كور.‏ وهؤلاء هم رجال ناضجون قضوا ما معدله ٣٠ سنة في خدمة يهوه كامل الوقت.‏ وزوجاتهم ايضا غيورات في الخدمة ومصدر تشجيع خصوصي للاخوات في الجماعات التي يزرنها.‏

ناظر جائل يذهب الى بروكلين

كان مارتن وڠيرتْرُوت پويتسنڠر معروفَين جيدا بين شعب يهوه في المانيا.‏ فكلاهما خدما يهوه بأمانة قبل،‏ خلال،‏ وبعد الرايخ الثالث تحت حكم هتلر.‏ وفور اطلاق سراحهما من السجن النازي،‏ استأنفا النشاط كامل الوقت.‏ واستمرا لأكثر من ٣٠ سنة في العمل الجائل،‏ خادمَين الدوائر في كل انحاء المانيا.‏ فصار آلاف الشهود يحبونهما ويحترمونهما.‏

سنة ١٩٥٩،‏ حضر الاخ پويتسنڠر الصف الـ‍ ٣٢ لجلعاد.‏ ورغم ان ڠيرتْرُوت التي كانت تجهل اللغة الانكليزية لم ترافقه،‏ فرحت معه بامتيازه.‏ ولم يكن انفصالها عن زوجها شيئا جديدا.‏ فالاضطهاد النازي فصل احدهما عن الآخر قسرا طوال تسع سنوات،‏ وذلك بعد اشهر قليلة فقط‍ من الزواج.‏ والآن،‏ عندما طلبت منهما هيئة يهوه ان ينفصلا طوعا من اجل النشاط الثيوقراطي،‏ لم يتردَّدا،‏ وطبعا لم يتذمَّرا.‏

لم يخدم ايٌّ منهما يهوه من اجل المنفعة الشخصية.‏ فقد كانا دائما يقبلان طوعا التعيينات الثيوقراطية.‏ ومع ذلك،‏ فوجئا عند دعوتهما،‏ سنة ١٩٧٧،‏ ليكونا عضوين في عائلة بيت ايل في المركز الرئيسي العالمي في بروكلين،‏ نيويورك،‏ الولايات المتحدة الاميركية.‏ فكان الاخ پويتسنڠر سيصير عضوا في الهيئة الحاكمة!‏

وقيل لهما ان يبقيا في بيت ايل في ڤيسبادن الى ان يتمكنا من الحصول على اوراق الاقامة في الولايات المتحدة.‏ وكان انتظارهما اطول مما توقعا،‏ اذ انتظرا اشهرا عديدة.‏ وفيما كان مارتن يحسِّن معرفته للغة الانكليزية،‏ كانت زوجته النشيطة ڠيرتْرُوت تدرسها ايضا.‏ ولم يكن تعلُّم لغة جديدة مهمة سهلة على امرأة في اواسط ستيناتها.‏ لكنهما كانا مستعدَّين لبذل قصارى جهدهما من اجل خدمة يهوه!‏

وجد اعضاء كثيرون ممَّن يتكلمون الانكليزية في عائلة بيت ايل في ڤيسبادن فرحا عظيما في مساعدة مارتن وڠيرتْرُوت في اللغة.‏ وكل مرة كانت تقلق فيها ڠيرتْرُوت وهي تدرس الانكليزية،‏ كان زوجها ينصحها بلطف:‏ «هوِّني الامر على نفسك،‏ ڠيرتْرُوت،‏ هوِّني الامر على نفسك».‏ لكنَّ ڠيرتْرُوت لم تكن قط ميّالة الى ‹تهوين الامر على نفسها›.‏ فكامل حياتها في خدمة يهوه اتسمت بالانهماك والتصميم من كل النفس.‏ وبالروح عينها،‏ انكبّت على تعلّم اللغة،‏ وفي تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٧٨،‏ حالما وصلت تأشيرتا الدخول الدائمتان،‏ رافقت زوجها الى بروكلين.‏

رغم ان مشاعر الاخوة في المانيا كانت متضاربة عند رحيلهما،‏ لكنهم فرحوا معهما بامتيازاتهما الجديدة في الخدمة.‏ وتأثروا بعمق ايضا عندما سمعوا بعد نحو عقد،‏ في ١٦ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٨٨،‏ ان مارتن انهى مسلكه الارضي عن عمر ٨٣ سنة.‏

بعد موت زوجها،‏ عادت ڠيرتْرُوت الى المانيا حيث تخدم كعضو في عائلة بيت ايل.‏ وهي ما زالت لا ‹تهوِّن الامر على نفسها›.‏ ويبدو انها لن تفعل ذلك ابدا.‏ فبالاضافة الى الاعتناء بتعيينها في بيت ايل،‏ غالبا ما تقضي ڠيرتْرُوت عُطَلها في الفتح الاضافي.‏ (‏لمزيد من المعلومات عن الزوجين پويتسنڠر،‏ انظروا برج المراقبة،‏ الاعداد ١ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٦٩،‏ بالانكليزية؛‏ ١ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٨٤،‏ بالانكليزية؛‏ و ١٥ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٨٨.‏)‏

مدارس خصوصية تساعد على سدّ الحاجات العالمية

منذ سنة ١٩٧٨،‏ قُبيل سفر الزوجين پويتسنڠر الى بروكلين،‏ تساعد مدرسة خدمة الفتح،‏ وهي مقرَّر تدريب عملي يدوم عشرة ايام،‏ على تقوية الفاتحين في المانيا.‏ وكل سنة تنعقد المدرسة في دوائر في كل انحاء البلد.‏ ويُدعى اليها كل الفاتحين القانونيين الذين انخرطوا في الفتح لسنة على الاقل والذين لم يحضروها من قبل.‏ وبحلول اوائل سنة ١٩٩٨،‏ كان قد حضر المدرسة ٨١٢‏,١٦ فاتحا.‏ وبالاضافة الى الالمانية،‏ عُقدت الصفوف بالاسپانية،‏ الانكليزية،‏ الايطالية،‏ الپرتغالية،‏ الپولندية،‏ التركية،‏ الروسية،‏ الصربية الكرواتية،‏ الفرنسية،‏ واليونانية.‏

حضر بعض الاخوة مدرسة خدمة الفتح على الرغم من الظروف الصعبة التي واجهوها.‏ فقبل اكثر من اسبوع من حضور كريستين آموس المدرسة،‏ قُتل ابنها في حادث سيارة وهو في طريقه من الاجتماع الى البيت.‏ وفي هذه الظروف،‏ هل كانت ستستفيد من المدرسة؟‏ وكيف كان سيتدبر زوجها امره اذا تُرك وحده في البيت خلال هذه الفترة؟‏ لكنهما قرَّرا ان تذهب الى المدرسة؛‏ فانشغال فكرها بالامور الروحية سيكون بركة.‏ ودُعي زوجها الى العمل في بيت ايل خلال هذه الفترة.‏ وبُعيد ذلك،‏ دُعيا كلاهما الى زلترس للاشتراك في عمل البناء.‏ وعند انتهاء العمل هناك،‏ تمتعا بالاشتراك في مشاريع البناء في اليونان،‏ اسپانيا،‏ وزمبابوي.‏ والآن يخدمان من جديد كفاتحين في المانيا.‏

بين الذين حضروا مدرسة خدمة الفتح كان هنالك بعض الذين استطاعوا ان يجعلوا خدمة الفتح مهنة لهم —‏ مهنة وجدوا انها تتسم دائما بالتحدي وتمنح اكتفاء عميقا.‏ تقول إنڠه كورت،‏ فاتحة منذ سنة ١٩٥٨:‏ «تقدِّم الخدمة كامل الوقت فرصة خصوصية لأظهر محبتي وشكري العميقين ليهوه كل يوم».‏ وتضيف ڤالتراوت ڠان،‏ التي بدأت بخدمة الفتح في سنة ١٩٥٩:‏ «خدمة الفتح حماية في هذا النظام الشرير.‏ والشعور بيد يهوه المساعِدة يجلب السعادة الحقيقية والاكتفاء الداخلي،‏ الامر الذي لا يمكن ان تقارَن به القيم المادية».‏ وتضيف مارتينا شاكس،‏ التي تخدم كفاتحة مع زوجها:‏ «خدمة الفتح ‹مدرسة للحياة›،‏ لأنها تساعدني على تطوير صفات معينة،‏ كضبط النفس والصبر.‏ وكفاتحة اشعر بأني قريبة جدا من يهوه وهيئته».‏ وبالنسبة الى آخرين،‏ تبيَّن ان خدمة الفتح كانت معبرا الى خدمة بيت ايل،‏ العمل الارسالي،‏ او العمل الدائري.‏

وللمساعدة على سدّ الحاجة الملحة الى مزيد من المرسلين،‏ أُسست مدرسة جلعاد الفرعية في المانيا سنة ١٩٨١ لجعل هذا المقرَّر الرائع متوفِّرا للفاتحين الذين يتكلمون الالمانية.‏ وبما ان مجمَّع بيت ايل الجديد في زلترس لم يكن قد أُكمل،‏ أُدير اول صفَّين في ڤيسبادن.‏ وبعد الانتقال الى زلترس،‏ أُديرت ثلاثة صفوف هناك.‏ وقد حضر هذه الصفوف الخمسة تلاميذ يتكلمون الالمانية من لوكسمبورڠ،‏ سويسرا،‏ وهولندا،‏ بالاضافة الى ١٠٠ تلميذ من المانيا.‏ وبعد التخرج،‏ وُزِّع التلاميذ على ٢٤ بلدا آخر،‏ بما فيها اماكن في افريقيا،‏ اميركا اللاتينية،‏ اوروپا الشرقية،‏ والمحيط الهادئ.‏

بحلول اواسط سبعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ كان قد حضر مدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس ١٨٣ خادما كامل الوقت من المانيا.‏ أما بحلول نهاية سنة ١٩٩٦،‏ والى حدّ ما بفضل مدرسة جلعاد الفرعية،‏ فقد ارتفع هذا العدد الى ٣٦٨.‏ وكم هو مسرّ ان نعرف انه في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٧،‏ ما زال نحو نصف هؤلاء التلاميذ يخدمون كمرسلين في تعيينات اجنبية!‏ وبين هؤلاء هنالك پاول أنڠلِر،‏ الذي كان في تايلند منذ سنة ١٩٥٤؛‏ ڠونتر بوشبِك،‏ الذي خدم في اسپانيا منذ سنة ١٩٦٢ الى ان عُيِّن في النمسا سنة ١٩٨٠؛‏ كارل زوميش،‏ الذي خدم في إندونيسيا والشرق الاوسط قبل ان يُنقل الى كينيا؛‏ مانفرِت توناك،‏ الذي طُلب منه بعد ان خدم في كينيا الانتقال الى فرع إثيوپيا لسدّ حاجة هناك؛‏ ومرڠريتا كونيڠر،‏ التي اخذتها سنوات خدمتها الارسالية خلال السنوات الـ‍ ٣٢ الماضية الى مدغشقر،‏ كينيا،‏ بينين،‏ وبوركينا فاسو.‏

تزوِّد مدرسة اخرى ايضا،‏ مدرسة تدريب الخدام،‏ ارشادات للشيوخ والخدام المساعدين غير المتزوجين وتُعقد دوريا في المانيا منذ سنة ١٩٩١.‏ وقد انضم الى الاخوة في المانيا اخوة يتكلمون الالمانية من النمسا،‏ بلجيكا،‏ الجمهورية التشيكية،‏ الدانمارك،‏ هنڠاريا،‏ لوكسمبورڠ،‏ هولندا،‏ وسويسرا للتمتع بالتدريب الرائع الذي تقدمه المدرسة.‏ وبعد التخرج نال بعض التلاميذ مسؤوليات اضافية،‏ اذ أُرسلوا الى افريقيا،‏ اوروپا الشرقية،‏ ومناطق اخرى حيث توجد حاجة خصوصية.‏

وفي الواقع،‏ تبين ايضا ان بيت ايل والمطبعة في زلترس هما بحدّ ذاتهما «مدرسة»،‏ اذ صار الاخوة مجهَّزين لسدّ الحاجات التي نشأت عندما فُتح باب العمل في اوروپا الشرقية.‏ فقد علّمتهم الحياة في بيت ايل ان يعملوا مع كل انواع الناس وأن يدركوا ان يهوه يستخدم اناسا من كل الانواع،‏ رغم النقص البشري،‏ لإنجاز عمله.‏ وصار الاخوة الذين عملوا في دائرة الخدمة يقدِّرون انه يمكن حلّ المشاكل بتطبيق مبادئ الكتاب المقدس دائما واتِّباع توجيهات الهيئة الحاكمة بدقة.‏ وتعلَّموا من الاخوة الذين،‏ حتى تحت اشدّ الضغوط،‏ يستمرون في اظهار ثمار الروح،‏ اظهار موقف متزن،‏ ووضع ثقتهم المطلقة في يهوه.‏ يا لها من دروس قيّمة ليشتركوا فيها مع اخوتهم في فروع اخرى!‏

التغلب على عقبة بالتعليم والمحبة

خلال العقد الماضي،‏ أُنجز برنامج تعليم عالمي لتقوية موقف شهود يهوه في تصميمهم على اطاعة تحريم الكتاب المقدس لاستعمال الدم.‏ (‏اعمال ١٥:‏٢٨،‏ ٢٩‏)‏ وشمل ذلك هدم سدّ من التحامل والمعلومات الخاطئة.‏ وفي ما يتعلق بهذا البرنامج،‏ أُدخل قسم خدمات معلومات المستشفيات الى المانيا سنة ١٩٩٠.‏ وفي تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ من تلك السنة،‏ عُقدت حلقة دراسية في المانيا حضرها ٤٢٧ اخا،‏ كثيرون منهم من المانيا والباقون من تسعة بلدان اخرى.‏ فقوَّى ذلك الروابط الاممية بين الاخوة.‏ وقدّر الشيوخ المساعدة التي تلقوها تقديرا رفيعا.‏ ذكر شيخ من مانهايم:‏ «جُهِّزنا لجعل وجهة نظرنا واضحة بثبات واحترام واجب لكن دون ان نكون مقيّدين بالخوف».‏ وقال شيخ من النمسا كان حاضرا:‏ «لم احضر قط حلقة دراسية عولج فيها حقل واسع من المعلومات بهذا الاسلوب البسيط والسَّلِس».‏

ومنذ ذلك الحين،‏ عُقدت عدة حلقات دراسية اخرى لتعلِّم لجان الاتصال بالمستشفيات الـ‍ ٥٥ التي شُكِّلت في تلك الاثناء في المانيا لخدمة حاجات الشهود في ما يتعلق بالمعالجات الطبية غير الدموية.‏ والعمل الذي انجزته هذه اللجان اتى بثمر جيد.‏ فبحلول آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩٨،‏ عبّر اكثر من ٥٦٠‏,٣ طبيبا في كل المانيا عن استعدادهم للتعاون في معالجة الشهود دون دم.‏ ويشمل هذا الرقم ربع الاطباء الذين دعتهم مجلة فوكَس (‏بالالمانية)‏ قبل عدة سنوات «افضل ٠٠٠‏,١ طبيب في المانيا».‏

في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٦،‏ بدأت لجان الاتصال بالمستشفيات بتوزيع الكتيِّب المصمَّم بشكل خصوصي الذي يحمل عنوان العناية العائلية والتدبير الطبي لشهود يهوه.‏ (‏هذا الكتيِّب الملائم،‏ الذي صُمِّم لاستعمال الهيئة الطبية والرسميين على وجه الحصر،‏ يحتوي على معلومات عن البدائل الطبية غير الدموية المتوفِّرة.‏ وبُذل جهد موحَّد لوضعه بين ايدي القضاة،‏ العمال الاجتماعيين،‏ وأطباء الاطفال.‏)‏ وقد عبّر معظم القضاة عن تقديرهم،‏ معلِّقين تكرارا على مستوى الكتيِّب الرفيع وعلى كونه عمليا.‏ وفوجئ كثيرون عندما عرفوا عن العديد من العلاجات البديلة غير الدموية المتوفِّرة للاشخاص غير الراغبين في قبول نقل الدم.‏ قال قاض في نورتلينڠن:‏ «هذا ما احتاج اليه بالضبط».‏ واستخدم پروفسور في جامعة السّار مواد في الكتيِّب كأساس لمناقشةٍ وامتحان خطي لفريق يأخذ مقرَّرا متقدما في القانون المدني.‏

وبما ان لجان الاتصال بالمستشفيات تعمل الآن في كل انحاء العالم،‏ صار التعاون الاممي ممكنا في الحالات الطارئة.‏ ففي الحالات التي وصف فيها طبيب ادوية معينة غير متوفِّرة في البلد الذي يوجد فيه المريض،‏ سهَّلت شبكتنا الاممية الحصول عليها وإرسالها من المانيا.‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ صُنعت الترتيبات ليكون اخوة وأخوات من اكثر من اثني عشر بلدا على اتصال بالاطباء المتعاونين في المانيا،‏ بغية صنع الترتيبات لإجراء علاج يمكنهم تحمُّل نفقاته.‏

بالطبع،‏ يستفيد ايضا الاخوة العائشون في المانيا من هذا التعاون الاممي.‏ ففي سنة ١٩٩٥،‏ تعرَّضت اخت لحادث وهي في رحلة الى النَّروج،‏ وأُدخلت الى المستشفى.‏ وعند ابلاغ ابنها في المانيا بالحادث،‏ طلب فورا المساعدة من قسم خدمات معلومات المستشفيات.‏ فأبلغوا مكتب الفرع في النَّروج.‏ وفي اليوم التالي،‏ زار الاخت شاهد نروجي كان قد قطع،‏ لاجل تقديم مساعدة افضل،‏ مسافة ١٣٠ كيلومترا (‏٨٠ ميلا)‏ ليجلب معه امرأة مهتمة تتكلم الالمانية.‏ ولاحقا عبّر الابن عن تقديره كاتبا:‏ «يا لها من هيئة!‏ يا لها من محبة!‏ .‏ .‏ .‏ تعجز الكلمات غالبا عن التعبير عما يشعر به المرء.‏ فأمر كهذا فريد حقا!‏».‏

وهكذا،‏ بالتعليم والمحبة أُنجز تقدم كبير في التغلب على عقبة سبق ان كانت هائلة.‏ وقبل ذلك بقليل،‏ أُزيلت عقبة اخرى ايضا.‏

فجأة —‏ سقط جدار برلين!‏

ذهل العالم بفجائية هذا الحدث!‏ فقد شاهده الناس حول العالم على شاشات التلفزيون،‏ وضج الآلاف في برلين احتفالا به.‏ لقد أُزيل الحاجز بين الشرق والغرب!‏ وكان ذلك في ٩ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٨٩.‏

قبل هذا التاريخ بأكثر من ٢٥ سنة،‏ فوجئ سكان برلين في ساعات الصباح الاولى يوم ١٣ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٦١،‏ عندما اكتشفوا ان الرسميين في برلين الشرقية يبنون جدارا يفصل القطاع الذي يسيطر عليه الشيوعيون عن باقي المدينة.‏ فكانت برلين تُقسم فعليا الى شرقية وغربية،‏ عاكسة بالتالي الحالة بين المانيا الشرقية والغربية.‏ وربما كان جدار برلين الرمز الاكثر مأساوية الى الصراع بين القوتين العظميين خلال الحرب الباردة.‏

ثم في ١٢ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٨٧،‏ قبل اكثر من سنتين فقط من الحوادث المدهشة التي حصلت سنة ١٩٨٩،‏ طلب الرئيس الاميركي رونالد ريڠن،‏ وهو يلقي خطابا على مقربة من بوابة براندنبورڠ وجدار برلين خلفه:‏ «يا سيد ڠورباتشوڤ،‏ افتح هذه البوابة.‏ يا سيد ڠورباتشوڤ،‏ اهدم هذا الجدار».‏ ولكن هل كانت هنالك اية اشارة الى ان طلبه هذا سيُستجاب؟‏ وهل كان هذا سيتعدى اللغو الذي شاع خلال الحرب الباردة؟‏ بدا ذلك مستبعدا.‏ ففي اوائل سنة ١٩٨٩،‏ قال إريك هونيكر،‏ رئيس نظام الحكم في المانيا الشرقية،‏ وكأنه يردّ على ما قاله الرئيس الاميركي،‏ ان الجدار «سيبقى بعدُ ٥٠ وأيضا ١٠٠ سنة».‏

لكن فجأة،‏ فُتحت بوابة براندنبورڠ وسقط جدار برلين.‏ يتذكر عضو من عائلة بيت ايل في زلترس انه حضر اجتماعا للجماعة مساء الخميس في ٩ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٨٩،‏ وبعد عودته الى البيت ادار جهاز التلفزيون ليشاهد نشرة الاخبار المسائية.‏ وكم كانت دهشته كبيرة فيما تتبَّع التقارير عن فتح الحدود بين برلين الشرقية والغربية.‏ فقد كان سكان برلين الشرقية يدخلون برلين الغربية بحرية لأول مرة بعد ٢٧ سنة!‏ ولم يصدِّق ما رأته عيناه من سيارات تعبر الحدود مطلقةً ابواقها احتفالا بالحدث فيما اتَّجه المزيد والمزيد من سكان برلين الغربية،‏ الذين استيقظ بعضهم من النوم،‏ الى الحدود ليصطفّوا على طول الطريق ويعانقوا زوَّارهم غير المتوقَّعين.‏ وكم انهمرت دموع الفرح!‏ فقد سقط الجدار —‏ حرفيا بين ليلة وضحاها!‏

خلال الـ‍ ٢٤ ساعة التالية،‏ بقي الناس حول العالم مسمَّرين امام اجهزة التلفزيون.‏ فقد كان التاريخ يُكتب في تلك اللحظات عينها.‏ فماذا كان ذلك سيعني لشهود يهوه في المانيا،‏ وللشهود في كل العالم؟‏

سيارة من طراز ترابي تأتي لزيارتنا

صباح يوم السبت التالي وقبيل الساعة الثامنة،‏ التقى احد الاخوة من عائلة بيت ايل وهو في طريقه الى عمله في زلترس عضوا رفيقا في العائلة،‏ وهو كارلهاينس هارتكوپف،‏ الذي يخدم الآن في هنڠاريا.‏ فقال الاول بحماسة:‏ «انا متأكد انه قبل مضي وقت طويل سنرى هنا في زلترس اول الاخوة الآتين من المانيا الشرقية!‏».‏ فأجاب الاخ هارتكوپف بطريقته الهادئة والواقعية المعهودة:‏ «انهم هنا».‏ ففي الواقع،‏ كان اخوان قد وصلا في الصباح الباكر في سيارتهما التي من طراز ترابي ذات المحرِّك الثنائي الشوط التي تصنِّعها المانيا الشرقية وقد اوقفا السيارة خارج بوابة بيت ايل بانتظار ان يبدأ يوم العمل.‏

وسرعان ما انتشر خبر ذلك في كل بيت ايل.‏ لكن قبل ان يتسنّى للجميع ان يروا ويحيّوا هذين الزائرين غير المتوقَّعين انما المرحَّب بهما،‏ كانا في طريق العودة الى المانيا الشرقية وسيارتهما محمَّلة بالمطبوعات.‏ فمع ان المطبوعات كانت لا تزال محظورة رسميا هناك،‏ كما كان عمل شهود يهوه،‏ فإن اثارة تلك الفترة جدَّدت شجاعتهما.‏ وقد اوضحا:‏ «يجب ان نعود قبل الاجتماع غدا صباحا».‏ وتخيَّلوا فرح الجماعة عندما وصل هذان الاخوان ومعهما صناديق كرتونية ملآنة بالمطبوعات التي كانت لزمن طويل تصل بكميات ضئيلة!‏

خلال الاسابيع القليلة التالية،‏ تدفق آلاف الالمان الشرقيين عبر الحدود على المانيا الغربية،‏ وكثيرون منهم لأول مرة في حياتهم.‏ وبدا واضحا انهم كانوا يتمتعون بحرية التنقل التي حُرموا منها لفترة طويلة.‏ وعند الحدود كان الالمان الغربيون يرحبون بهم ملوِّحين لهم بأيديهم.‏ وشهود يهوه ايضا كانوا بين جماهير المحيِّين،‏ لكنهم كانوا يحملون ما هو اهمّ من مجرد تعابير خارجية عن المشاعر.‏ لقد كانوا يوزِّعون مطبوعات الكتاب المقدس بحرية لهؤلاء الزوار من المانيا الشرقية.‏

وفي بعض المدن الحدودية،‏ بذلت الجماعات جهودا خصوصية للوصول الى الزائرين من المانيا الشرقية.‏ وبما ان مطبوعات شهود يهوه كانت محظرة لعقود،‏ كان كثيرون يعرفون القليل او لا شيء عنها.‏ وبدلا من نشاط الخدمة من باب الى باب،‏ صارت الخدمة «من ترابي الى ترابي» شائعة.‏ وكان الناس توّاقين الى معرفة كل شيء جديد بما في ذلك الدين.‏ وأحيانا كان الناشرون يكتفون بالقول:‏ «انتم على الارجح لم تقرأوا هاتين المجلتين،‏ لأنهما كانتا محظورتَين في بلدكم لحوالي ٤٠ سنة».‏ فكان الجواب في اغلب الاوقات:‏ «اذا كانتا محظورتَين،‏ فلا بد انهما جيدتان.‏ اريد ان احصل عليهما».‏ وثمة ناشران في مدينة هوف الحدودية وزع كل منهما ٠٠٠‏,١ مجلة في الشهر.‏ ولا حاجة الى القول ان الجماعة المحلية والجماعات المجاورة لم يعد لديها مخزون فائض من المجلات.‏

في غضون ذلك،‏ كان الاخوة في المانيا الشرقية يتمتعون بحريتهم الجديدة،‏ مع انهم كانوا يتصرفون بحذر في البداية.‏ يتذكر ڤِلفريت شروتر،‏ الذي تعلَّم الحق تحت الحظر سنة ١٩٧٢:‏ «خلال الايام القليلة الاولى التي تلت سقوط الجدار،‏ كان من الطبيعي ان نشعر ببعض الخوف من ان تنعكس الحالة فجأة».‏ ولكن بعد اقل من شهرين حضر الاخ محفلا في قاعة برلين للمحافل.‏ وقال لاحقا عن هذا المحفل:‏ «لقد غمرني الفرح لتمكُّني من معاشرة اخوة كثيرين.‏ واغرورقت عيناي بالدمع عندما رنَّمنا ترانيم الملكوت،‏ وهذا ما حدث مع كثيرين آخرين.‏ لقد كانت فرحتنا في حضور ‹محفل حي› عارمة».‏

وعبَّر مانفرِت تامه عن تقدير مماثل.‏ فخلال الحظر كان يحضر الاجتماعات عدد قليل ولم يكن لأجهزة الصوت لزوم.‏ أما الآن فيقول:‏ «بعد ان خدمت كفاتح خصوصي لأكثر من ٣٠ سنة،‏ تكلمت لأول مرة في حياتي عبر الميكروفون.‏ ولا ازال اتذكر كم خفت عندما سمعت صوتي عبر مكبِّرات الصوت».‏ ولكنه يتابع:‏ «كان رائعا ان نكون فجأة جالسين مع الجماعة بكاملها في قاعة مستأجَرة».‏

كان من المفرح سماع تعابير اخرى،‏ كالتي سمعها مانفرِت بعد بضعة اشهر.‏ يخبر:‏ «في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٠،‏ قصدت الحمام البخاري من اجل معالجة طبية.‏ والتقيت هناك بعميل رسمي سابق للشرطة الوطنية.‏ فقال خلال حديث ودّي:‏ ‹مانفرِت،‏ انا ادرك الآن اننا كنا نحارب الناس الذين لا يلزم ان نحاربهم›».‏

وفرة من الطعام الروحي!‏

‏«لا يحيَ الانسان بالخبز وحده،‏ بل بكل قول يخرج من فم يهوه».‏ وشهود يهوه اينما كانوا يعرفون جيدا هذه الحقيقة الاساسية التي اقتبسها يسوع المسيح من الاسفار العبرانية الموحى بها.‏ (‏متى ٤:‏٤؛‏ تثنية ٨:‏٣‏)‏ وبالمساعدة الحبية التي قدَّمها معشر الاخوة حول العالم كان الشهود في المانيا الشرقية،‏ حتى خلال سنوات الحظر،‏ يتسلَّمون الطعام الروحي انما بكميات محدودة.‏ وكم كانوا توّاقين ان يتمتعوا بوفرة من الطعام الروحي كإخوتهم في بلدان اخرى!‏

حالما سقط جدار برلين،‏ ابتدأ افراد من الشهود يأخذون معهم كميات من المطبوعات الى الجهة الشرقية.‏ ولكن بعد نحو اربعة اشهر،‏ في ١٤ آذار (‏مارس)‏ ١٩٩٠،‏ نال شهود يهوه في جمهورية المانيا الديموقراطية الاعتراف الرسمي.‏ لذلك صار بإمكان الجمعية ان ترسل شحنات مباشرة.‏ وفي ٣٠ آذار (‏مارس)‏ انطلقت شاحنة محمَّلة ٢٥ طنا من الطعام الروحي من المجمَّع في زلترس وتوجهت شرقا.‏ وفي ما بعد ذكر كتاب دائرة المعارف البريطانية للسنة ١٩٩١ (‏بالانكليزية)‏:‏ ‏«خلال شهرين فقط،‏ شحن مكتب فرع جمعية برج المراقبة في المانيا الغربية ٢٧٥ طنا من المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس،‏ بما فيها ٠٠٠‏,١١٥ كتاب مقدس،‏ الى المانيا الشرقية وحدها».‏

في ذلك الوقت تقريبا،‏ كتب اخ من لَيْپتزيڠ لأحد الرفقاء الشهود في المانيا الغربية:‏ «منذ اسبوع كنا لا نزال نجلب الطعام الروحي سرّا وبكميات قليلة؛‏ لكن قريبا سنفرغ شاحنة تحمل اربعة اطنان من هذا الطعام!‏».‏

يتذكر هاينز ڠورلاخ من كمنتز:‏ «وصلت الشحنة الاولى للمطبوعات بسرعة كبيرة حتى اننا لم نكن مستعدين لها.‏ وبعد وصول هذه الشحنة،‏ كان صعبا عليّ ان اصل الى سريري اذ كانت غرفة نومي ملآنة بالصناديق الكرتونية.‏ شعرت وكأنني انام في مخبإ للكنوز».‏

ذاق الاخوة في زلترس،‏ ولو قليلا،‏ ما عناه الوضع الجديد لمَن حُرموا لفترة طويلة مما كان الشهود في الحرية معتادينه.‏ يذكر ناظر في المطبعة:‏ «ثمة اخ مسنّ يرتدي ثيابا متواضعة وقف يراقب عمل احدى آلات الطباعة.‏ وكان الفريق الذي اتى معه قد مضى متابعا الجولة،‏ لكنه بقي في مكانه مستغرقا في التفكير يراقب المجلات وهي تتدفق من المطبعة بأقصى سرعة.‏ فتقدم من احد الاخوة والدموع تملأ عينيه،‏ وقد بدت عليه امارات التأثر الشديد.‏ ثم حاول قول شيء بلغته الالمانية الضعيفة،‏ لكنَّ الكلمات اختنقت في حلقه.‏ غير اننا فهمنا معنى ابتسامته حين أخرج بضع اوراق من جيب سترته الداخلي،‏ اعطانا اياها،‏ ومضى مسرعا.‏ وماذا اعطانا؟‏ عددا من برج المراقبة بالروسية يكاد لا يكون مقروءا،‏ منسوخا على اوراق دفتر مدرسي.‏ وكم استغرق نسخ هذا العدد من المجلة؟‏ لا يمكننا ان نعرف.‏ ولكن لا شك انه استغرق اكثر بكثير من اللحظة التي يستغرقها انتاج مجلة بواسطة المطبعة».‏

لم يعد الشهود مضطرين في كل فريق درس ان يتدبروا امرهم بنسخ قليلة من المجلات المطبوعة بأحرف صغيرة او المنسوخة بخط اليد،‏ والتي كانوا يحتفظون بها لبضعة ايام فقط.‏ فكل شخص الآن صارت لديه نسخته بالصور والالوان،‏ اضافة الى نسخ اضافية لاستعمالها في خدمة الحقل.‏

القيام بتعديلات للعبادة علنا

كان للمزيد من الحرية تحدياتها.‏ فالكرازة في ظل الحظر الحكومي تطلبت الشجاعة.‏ وقد علَّمت ايضا الذين قاموا بها ان يتَّكلوا كاملا على يهوه.‏ ولكن بعد رفع الحظر،‏ قال رالف شڤارتس،‏ وهو شيخ مسيحي في مدينة ليمباخ-‏اوبرفرونا:‏ «يجب ان نحترز اكثر لئلا نتلهى بالمادية وهموم الحياة».‏ فبعد ان توحَّدت المانيا الشرقية والجمهورية الفدرالية في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٠ ارتفعت الايجارات.‏ ولذلك انتقلت،‏ في بعض الحالات،‏ عائلات للشهود في الجزء الشرقي الى بيوت اكثر تواضعا كي يتمكنوا من دفع ايجارات بيوتهم دون ان يضطروا الى العمل وقتا اضافيا ويفوِّتوا الاجتماعات.‏ —‏ متى ٦:‏٢٢،‏ ٢٤‏.‏

حتى خلال السنوات الصعبة التي قضاها الاخوة تحت الحكم الشيوعي،‏ استمروا في الاشتراك في خدمة الحقل.‏ حتى انهم كانوا يذهبون من بيت الى بيت،‏ ولكن بحذر،‏ اذ كانوا يزورون بيتا واحدا في وحدة سكنية ثم يزورون بيتا آخر في وحدة سكنية اخرى.‏ والبعض كانوا يقومون بذلك حتى عندما كان خطر السجن في ذروته.‏ اوضح مارتن يان،‏ الذي كان بعمر ١١ سنة فقط عندما فُرض الحظر،‏ بعض التغييرات التي صاروا يواجهونها الآن:‏ «كان يجب اعادة تقسيم كل المقاطعات بحيث يتمكن الناشرون من زيارة كل البيوت في الوحدات السكنية.‏ فقد كنا معتادين النمط القديم لزيارة بيوت معينة او طوابق معينة.‏ وكانت هذه الطريقة متبعة لفترة طويلة جدا بحيث كان علينا ان نتعامل بصبر مع الذين استصعبوا التغيير.‏ وتوزيع المطبوعات بدل اعارتها كان امرا جديدا بالنسبة الى الناشرين والمهتمين على السواء.‏ وبما اننا كنا معتادين اعارة المطبوعات،‏ كان الناشرون يعودون من خدمة الحقل بمطبوعات في حقائبهم اكثر مما كان في حوزتهم حين انطلقوا!‏».‏

وتغيرت مواقف الناس ايضا.‏ فخلال سنوات الحظر،‏ كان كثيرون يعتبرون شهود يهوه ابطالا لأنهم يتحلّون بالشجاعة للثبات في اقتناعاتهم،‏ مما جعلهم موضع احترام.‏ وعندما ازدادت الحرية،‏ صار الناس يستقبلون الشهود بحماسة.‏ لكنَّ الاحوال تغيَّرت في غضون عدة سنوات.‏ فصار الناس منهمكين في نمط الحياة السائد في ظل الاقتصاد الحر؛‏ وابتدأ البعض يعتبرون زيارات الشهود معكِّرة لسلامهم وهدوئهم،‏ حتى ان البعض اعتبروها مزعجة.‏

تطلبت الشهادة تحت الحظر شجاعة.‏ والتكيُّف مع الوضع الجديد تطلَّب تصميما مماثلا.‏ وفي الواقع،‏ يوافق شهود كثيرون على ما ذكره ناظر في احد بلدان اوروپا الغربية حيث كان العمل محظورا لفترة طويلة،‏ فقد قال:‏ «العمل تحت الحظر اسهل من العمل في الحرية».‏

المقاومة تفشل في الإبطاء بالعمل

مع ان عمل الكرازة بالبشارة في المانيا الشرقية ابتدأ بحماسة متجدِّدة،‏ لم يكترث رجال دين العالم المسيحي كثيرا لذلك في البداية.‏ ولكن عندما بدا واضحا ان الناس كانوا يستمعون حقا الى شهود يهوه،‏ ازداد قلق رجال الدين.‏ واستنادا الى صحيفة دويتشس ألڠماينس سونتاڠسبلات (‏بالالمانية)‏،‏ ادَّعى خادم ديني من درسدِن اعتبر نفسه خبيرا بالاديان:‏ «شهود يهوه هم كالحزب الشيوعي».‏ فبدل ان يدَّعي رجال الدين ان الشهود جواسيس اميركيون معارضون للشيوعية،‏ كما زعموا خلال خمسينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ كانوا الآن يحاولون الربط بينهم وبين الشيوعيين.‏ طبعا،‏ ان الناس الذين يعرفون ان الحكومة الشيوعية حظرت الشهود مدة ٤٠ سنة ادركوا ان ما كان يُقال هو تشويه جسيم للحقائق.‏

وماذا كان الهدف؟‏ لقد امل رجال الدين ان يُحظر شهود يهوه من جديد،‏ تماما كما حُظروا خلال العهد النازي وأيضا في ظل الحكم الشيوعي.‏ ومع ان العناصر الدينية التي دعمها المرتدون جاهدت لمنع شهود يهوه من التمتع بحرياتهم التي ينص عليها الدستور،‏ انتهز الشهود كل فرصة لتقديم الشهادة،‏ كما امر يسوع المسيح.‏ —‏ مرقس ١٣:‏١٠‏.‏

بعض الذين اعتنقوا الحق

بين الذين تجاوبوا مع رسالة الملكوت،‏ كان اشخاص على علاقة وثيقة بالنظام القديم.‏ فطوال ٣٨ سنة،‏ عمل إيڠون كشرطي في المانيا الشرقية.‏ وحين ابتدأت زوجته بالدرس مع شهود يهوه،‏ لم يعجبه ذلك اطلاقا.‏ لكنه تأثر بسلوكهم الودود،‏ المهذب،‏ والمتسم بالمحبة.‏ وأُعجب ايضا بمقالات استيقظ!‏ التي غالبا ما كانوا يجلبونها الى بيته،‏ والتي وجدها في حينها.‏ وفي يوم من الايام حضر يوم المحفل الخصوصي مع زوجته.‏ وصُدم اذ وجد نفسه وجها لوجه امام اخ كان قد اعتقله ذات مرة.‏ ويمكنكم ان تتصوروا مدى الارتباك،‏ وبالاحرى الذنب،‏ الذي شعر به.‏ لكن بغض النظر عن الماضي،‏ نمت صداقة بين الرجلين.‏ والآن،‏ فإن إيڠون وزوجته هما شاهدان معتمدان.‏

كان ڠونتر،‏ طوال ١٩ سنة،‏ عضوا في جهاز امن الدولة،‏ وقد رُقِّي الى رتبة رائد.‏ ولكن عندما سقط النظام الذي عمل لأجله طوال هذا الوقت شعر بالمرارة وخيبة الامل.‏ ثم التقى الشهود لأول مرة سنة ١٩٩١.‏ وتأثر بسلوكهم وبالتفهم الذي اظهروه له ولمشاكله.‏ فابتُدئ بدرس في الكتاب المقدس؛‏ ومع انه كان ملحدا،‏ اقتنع في النهاية بأن اللّٰه موجود فعلا.‏ وعام ١٩٩٣ كان مستعدا للمعمودية.‏ وهو اليوم سعيد بالعمل لدعم ملكوت اللّٰه.‏

وثمة رجل آخر لم يكن يؤمن باللّٰه،‏ وكان مقتنعا تماما بأن الشيوعية هي امل البشرية الوحيد.‏ ولم يتردد هذا الرجل في الدخول خلسة الى هيئة يهوه ليتمكن من نقل المعلومات عن نشاطها الى جهاز امن الدولة.‏ وبعد ان «اعتمد» سنة ١٩٧٨ عاش حياة خداع مدة عشر سنوات.‏ ولكنه يعترف الآن:‏ «ان سلوك شهود يهوه،‏ الذي لمسته لمس اليد،‏ ودرسي لكتابَي الخلق و الرؤيا اقنعاني بأن الكثير مما كان الاعداء يقولونه عن الشهود عارٍ عن الصحة.‏ فالدلائل على وجود خالق لا يمكن دحضها».‏ وقُبيل سقوط جدار برلين،‏ وجد نفسه امام خيار صعب:‏ فإما ان يجد عذرا لينسحب من بين شعب يهوه ويستمر في دعم نظام لم يعد يؤمن به،‏ او يعترف بكونه خائنا ثم يسعى بجهد ليكون خادما حقيقيا ليهوه.‏ فاختار الخيار الثاني.‏ وقد تبع توبته الاصيلة درس في الكتاب المقدس،‏ ومعمودية مرة ثانية،‏ مؤسسة هذه المرة على المعرفة الدقيقة والانتذار الاصيل.‏

صار الآن بإمكانهم الإخبار

بعد رفع الحظر،‏ تمكَّن الاخوة من المانيا الشرقية ان يتكلموا بأكثر حرية عن اختباراتهم تحت الحكم الشيوعي.‏ فخلال حفل تدشين مبنى اداري لشهود يهوه في برلين،‏ في السابع من كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٩٦،‏ قام عدد من الشيوخ الذين لعبوا دورا حيويا في ابقاء الرعية في المانيا الشرقية في حالة روحية جيدة باستعادة ذكريات الماضي.‏

تذكَّر ڤولفڠانڠ مايزه،‏ وهو شاهد طوال ٥٠ سنة،‏ ما حدث في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٥١ حين كان في العشرين من عمره.‏ ففي محاكمة صورية أُحيطت بضجة اعلامية،‏ حُكم عليه بأربع سنوات سجن.‏ وفيما اقتيد مع عدد من الاخوة الآخرين المحكوم عليهم الى خارج قاعة المحكمة،‏ احاط بهم نحو ١٥٠ شاهدا كانوا حاضرين في المحاكمة،‏ وصافحوهم،‏ وابتدأوا يرنمون احدى ترانيم الملكوت.‏ فظهرت رؤوس من كل نوافذ المحكمة،‏ اذ اراد الناس معرفة ما يجري.‏ ولم تكن السلطات تريد ترك هذا الانطباع في اذهان العامة.‏ فوضع هذا حدًّا لهذه المحاكمات الصورية للشهود.‏

وتذكَّر إيڠون رينك انه في اوائل الحظر،‏ كانت مقالات افرادية من برج المراقبة تُطبع على الآلة الكاتبة ويُنتج منها ست الى تسع نسخ كربونية.‏ يقول:‏ «كان هنالك اخ من برلين الغربية،‏ وهو سائق شاحنة يعمل بين برلين الغربية وألمانيا الشرقية،‏ وقد وضع نفسه تحت تصرفنا لنتمكن من تزويد الطعام الروحي للجماعات.‏ كان ‹الطعام› يُنقل بسرعة —‏ في غضون ثلاث الى اربع ثوانٍ —‏ ومعه كانت تُنقل دُميتان كبيرتان متطابقتا الحجم على شكل دبّ بين شاحنة وأخرى.‏ وفور وصول الاخوة الى بيوتهم،‏ كان يجري ‹افراغ› جوف الدبَّين لاكتشاف الرسائل المهمة والمعلومات بشأن اللقاء التالي».‏ —‏ قارنوا حزقيال ٣:‏٣‏.‏

ورُويت اختبارات عن الشجاعة التي اظهرها سعاة البريد الذين كانوا يهرِّبون المطبوعات من برلين الغربية الى الشرقية قبل تشييد الجدار.‏ وكان الاخوة يعون انهم قد لا يتمكنون في ما بعد من الذهاب الى برلين الغربية.‏ فدُعي عدد من الاخوة الالمان الشرقيين الى اجتماع في ٢٥ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٦٠ لمناقشة احتمال حدوث ذلك.‏ وقال الاخ مايزه:‏ «لا شك ان هذا كان بتوجيه من يهوه،‏ لأنه في ١٣ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٦١،‏ حين شُيِّد الجدار على حين غفلة،‏ كانت هيئتنا مستعدة».‏

وروى هرمان لاوب انه سمع الحق لأول مرة حين كان اسير حرب في اسكتلندا.‏ وبعدما عاد الى موطنه،‏ المانيا الشرقية،‏ ادرك الحاجة الى تزويد الاخوة بالطعام الروحي قدر ما امكن حين فُرض الحظر.‏ فقام الاخوة بالطباعة بأنفسهم مستعملين مطبعة رديئة النوعية لم يتمكنوا من الحصول على افضل منها.‏ وعندما تذكر الاخ لاوب اليوم الذي قيل له ان مخزون الورق لا يكفي لأكثر من ثلاثة اعداد اضافية من المجلات،‏ قال:‏ «حتى افضل المطابع لا تنفع شيئا دون ورق!‏».‏ فماذا كانوا سيفعلون؟‏

تابع الاخ لاوب:‏ «بعد بضعة ايام،‏ سمعنا طرقا على مزاريب البيت.‏ فقد كان اخا من باوتسن،‏ قال:‏ ‹انتم تطبعون.‏ وهنالك عدد من لفائف ورق الجرائد في مرمى النفايات في باوتسن،‏ وهي من مخلَّفات مطبعة الصحف،‏ وهم يخططون لطمرها.‏ فهل تحتاجون اليها؟‏›».‏

لم يضيِّع الاخوة الوقت.‏ «في تلك الليلة نفسها،‏ جمعنا عددا من الاخوة وذهبنا الى باوتسن.‏ لم تكن هذه مجرد لفائف قليلة من الورق،‏ بل نحو طنين من الورق!‏ ويصعب التصديق اننا تمكنَّا من نقل كل الورق في سياراتنا المتداعية في وقت قصير.‏ فصار عندنا مخزون كافٍ من الورق،‏ ساعدنا على الاستمرار في الطباعة الى ان رتَّبت الجمعية لتزويدنا بمطبوعات على ورق رقيق،‏ وبخط صغير».‏

وفي تلك الظروف،‏ كان لا بد من توخي الحذر الشديد لعدم كشف هوية الافراد في الرعية.‏ يتذكر رولف هينترماير:‏ «في احد الايام،‏ بعد ان كنت قد التقيت الاخوة،‏ قُبض عليّ وجرى اقتيادي الى احد الابنية من اجل الاستجواب.‏ كان في حوزتي عدد من الاوراق التي تحتوي على عناوين ومعلومات اخرى.‏ وفور وصولنا الى البناء،‏ لزم ان نصعد سلَّما لولبيا،‏ مما أتاح لي فرصة ابتلاع الاوراق.‏ لكنَّ عددها كان كثيرا جدا،‏ فتطلَّب ابتلاعها وقتا.‏ فتنبَّه الرسميون في اعلى السلَّم لما كنت افعله،‏ وأمسكوني بعنقي.‏ فوضعت انا ايضا يديّ على عنقي وقلت:‏ ‹لقد ابتلعتها›.‏ وعندئذ تركوني،‏ مما سمح لي بأن انتهي حقا من ابتلاعها،‏ اذ قد صغرت وترطَّبت».‏

اتى هورست شلويسنر الى الحق في اواسط الخمسينات حين كان الاضطهاد في اوجه؛‏ ولذلك كان يعرف ماذا يقول حين ذكر:‏ «من المؤكد ان يهوه اللّٰه بمحبة زود خدامه الحماية خلال السنوات الاربعين تقريبا التي دام فيها الحظر».‏

احتفال نصر في برلين

بعد مضي ذلك العهد من القمع الشيوعي،‏ شعر الاخوة بأنهم لا بد ان يحتفلوا.‏ فكانوا يتوقون الى التعبير ليهوه،‏ في اجتماع عام،‏ عن شكرهم على الفرصة التي أُتيحت لهم الآن ليخدموه بمزيد من الحرية.‏

وحالما سقط جدار برلين في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٨٩،‏ اعطت الهيئة الحاكمة ارشادات بشأن اعداد الخطط لعقد محفل اممي في برلين.‏ فأقيمت بسرعة هيئة للاعتناء بشؤون المحفل.‏ وكان مقرَّرا ان تجتمع هذه الهيئة مساء ١٤ آذار (‏مارس)‏ ١٩٩٠ لمناقشة ترتيبات المحفل.‏ ولا يزال هلموت مارتن يذكر حين طلب منه ديتريخ فورستر،‏ ناظر المحفل المعيَّن،‏ ان يعلن للاخوة المجتمعين انه في وقت ابكر من ذلك اليوم مُنح الاعتراف الرسمي لشهود يهوه في المانيا الشرقية.‏ نعم،‏ لقد رُفع الحظر رسميا!‏

بما ان الترتيبات لعقد المحفل كانت تجري في وقت متأخر نسبيا،‏ لم يكن بالامكان الحصول على الملعب الاولمپي في احدى نهايات الاسابيع.‏ ولذلك حُدِّد موعد عقد المحفل من الثلاثاء الى الجمعة،‏ من ٢٤ الى ٢٧ تموز (‏يوليو)‏.‏ وعندما حان الوقت لتسلُّم الملعب،‏ لم يكن لدى الاخوة سوى يوم واحد ليهيِّئوا التسهيلات للمحفل،‏ ومجرد ساعات قليلة ليزيلوا كل التجهيزات بعد المحفل.‏

ولذلك،‏ يوم الاثنين في ٢٣ تموز (‏يوليو)‏،‏ كان مئات المتطوعين حاضرين في الملعب قبل الساعة الخامسة صباحا.‏ ويتذكر ڠريڠور رايخارت،‏ وهو عضو في عائلة بيت ايل في زلترس،‏ ان «الاخوة الذين اتوا من المانيا الشرقية انكبوا على العمل بحماسة،‏ وكأنهم قد اعتادوا القيام بعمل كهذا لسنوات».‏ وذكر لاحقا احد الرسميين في الملعب انه مسرور لأن «الملعب نُظِّف لأول مرة تنظيفا شاملا».‏

سافر نحو ٥٠٠‏,٩ الماني شرقي الى المحفل على متن ١٣ قطارا مستأجرا.‏ وأتى آخرون على متن ٢٠٠ باص مستأجر.‏ ويخبر احد الشيوخ انه حين كان يصنع الترتيبات لاستئجار احد القطارات،‏ قال لموظف في السكك الحديدية انه يجري التخطيط لاستئجار ثلاثة قطارات من منطقة درسدِن وحدها.‏ فجحظت عينا الموظف وسأله:‏ «هل هنالك حقا هذا العدد الكبير من شهود يهوه في المانيا الشرقية؟‏!‏».‏

بالنسبة الى مَن سافروا على متن القطارات المستأجرة،‏ بدأ المحفل قبل بلوغهم برلين.‏ يتذكر هارالت پيسلر،‏ شيخ من ليمباخ-‏اوبرفرونا:‏ «التقينا في محطة القطارات في كمنتز لنستقل القطار المخصص لنا.‏ وكانت الرحلة الى برلين لا تُنسى.‏ فبعد سنوات الحظر الطويلة،‏ التي تابعنا خلالها عملنا سرا في فرق صغيرة،‏ تمكَّنا فجأة من رؤية عدد كبير جدا من الاخوة في وقت واحد.‏ وخلال كامل الرحلة،‏ كنا نعاشر واحدنا الآخر في مختلف عربات القطار،‏ ونتكلم مع الاخوة الذين لم نرَهم لسنوات،‏ لا بل لعقود.‏ لا يمكن للكلمات ان تعبِّر عن فرحة اللقاء!‏ فكل واحد منا كان قد كبر في السن لكننا كلنا قد احتملنا بأمانة.‏ جرى استقبالنا في المحطة في برلين-‏ليختنبرڠ،‏ وأرشدتنا مكبِّرات الصوت الى مختلف نقاط التجمع حيث كان اخوتنا في برلين ينتظروننا ومعهم لافتات كبيرة.‏ فيا له من اختبار جديد كليا —‏ لم نعد متخفين بعد الآن!‏ فقد لمسنا لمس اليد ما كنا نقرأ او نسمع عنه فقط في الماضي:‏ اننا حقا معشر اخوة عالمي كبير!‏».‏

وبالنسبة الى شهود كثيرين،‏ كان هذا اول محفل لهم على الاطلاق.‏ يتذكر ڤِلفريت شروتر:‏ «لقد غمرنا الفرح حين تسلمنا الدعوة الى الحضور».‏ ويمكننا ان نفهم شعوره.‏ فقد انتذر سنة ١٩٧٢،‏ حين كان العمل لا يزال محظورا.‏ ويتابع:‏ «قبل موعد المحفل بأسابيع كنا ننتظر بشوق غامر.‏ فأنا لم أرَ مثل ذلك قبلا،‏ ولا رآه اخوة عديدون آخرون.‏ فلم نكن نصدِّق اننا سنرى معشر اخوة عالميا مجتمعين معا في ملعب كبير».‏

فلَكَم تمنى الاخوة الذين كانوا يعيشون في برلين الشرقية ان يذهبوا مسافة الكيلومترات القليلة لينضموا الى اخوتهم المجتمعين في المحافل في الجهة الاخرى من المدينة!‏ وها قد اتى الوقت الذي يمكنهم فيه القيام بذلك.‏

كان عدد الحضور نحو ٠٠٠‏,٤٥ اتوا من ٦٤ بلدا.‏ وبينهم كان سبعة اعضاء من الهيئة الحاكمة.‏ فقد اتوا ليفرحوا مع اخوتهم المسيحيين الآتين من المانيا الشرقية في تلك المناسبة التاريخية.‏ ففي هذا الملعب نفسه كان ان الرايخ الثالث سعى الى استعمال الالعاب الاولمپية لسنة ١٩٣٦ ليذهل العالم بإنجازاته.‏ لكنَّ التصفيق الحاد الذي تردَّد صداه في هذه المرة في كل ارجاء الملعب عينه،‏ لم يكن احتفاءً بالرياضيين وتعبيرا عن الفخر الوطني.‏ فالجماهير المحتشدة في الملعب كانوا اعضاء في عائلة شعب يهوه الاممية الفرحة حقا،‏ وتصفيقهم كان تعبيرا عن الشكر ليهوه والتقدير لحقائق كلمته الثمينة.‏ وفي تلك المناسبة قدم ٠١٨‏,١ شخصا انفسهم لمعمودية الماء،‏ ومعظمهم كانوا قد تعلَّموا الحق تحت الحظر في المانيا الشرقية.‏

ان الفريق الذي ربما تمكن اعضاؤه من فهم مشاعر الاخوة الالمان الشرقيين على نحو افضل كان الفريق المؤلف من نحو ٥٠٠‏,٤ مندوب حماسي من پولندا،‏ المجاورة لألمانيا الشرقية.‏ فقد عانوا هم ايضا الحظر لسنوات عديدة وحضروا مؤخرا اول محفل كبير لهم منذ سنوات طويلة.‏ كتب احد الشهود الپولنديين لاحقا:‏ «يقدِّر الاخوة الذين اتوا من پولندا كثيرا روح التضحية بالذات التي اعرب عنها جيرانهم في الغرب،‏ الذين زوَّدوهم مجانا بأماكن الاقامة،‏ الطعام،‏ والنقليات الى ومن مكان المحفل؛‏ ودون ذلك لما استطاع كثيرون منا المجيء».‏

وحتى الاخوة من المانيا الغربية الذين كانوا معتادين المحافل في الحرية تأثروا جدا.‏ علَّق كلاوس فايڠه،‏ من عائلة بيت ايل في زلترس قائلا:‏ «لقد ابتهج قلبنا برؤية عدد من اخوتنا الاكبر سنا الامناء —‏ وبعضهم لم يُضطهد فقط خلال السنوات الـ‍ ٤٠ من الحكم الشيوعي،‏ بل ايضا خلال عهد الرايخ الثالث —‏ يجلسون في القسم المخصص لهم،‏ حيث جلس في السابق ادولف هتلر وغيره من الاعيان النازيين».‏ فقد خُصِّص بمحبة هذا الجزء المميَّز من الملعب للمسنين والمقعدين.‏ فيا له من رمز رائع الى ملكوت اللّٰه المنتصر الآن على القوى السياسية التي تآمرت لوقف مسيرته نحو النصر النهائي!‏

ايجاد اماكن للاجتماع معا

بعد رفع الحظر في المانيا الشرقية،‏ صُنعت الترتيبات بسرعة ليستفيد الاخوة هنالك من البرنامج القانوني للمحافل الذي يتمتع به خدام يهوه في كل انحاء الارض.‏ حتى قبل ان يُعاد تنظيم الدوائر كاملا،‏ جرت دعوة الجماعات الى حضور ايام المحافل الخصوصية والمحافل الدائرية في المانيا الغربية.‏ وفي بادئ الامر كان الحضور يتألف من المان غربيين وألمان شرقيين بالتساوي.‏ وهذا وطَّد اواصر الاخوَّة وأعطى ايضا الاخوة الالمان الشرقيين فرصة ليتعلموا ترتيبات المحافل بالعمل مع نظرائهم من المانيا الغربية.‏

وحين تشكلت الدوائر،‏ دُعي الاخوة في المانيا الشرقية الى استعمال قاعات المحافل الموجودة في المانيا الغربية.‏ وكان خمس منها —‏ في برلين،‏ ميونيخ،‏ بوخنباخ،‏ مولبيرڠن،‏ وتراپنكامپ —‏ قريبا كفاية من الحدود السابقة ليتمكن الاخوة من استعمالها.‏ لكن حالما سنحت الفرصة،‏ ابتدأ العمل ببناء قاعة محافل في المانيا الشرقية.‏ وهذه القاعة الواقعة في ڠلاوْخاوْ،‏ قرب درسدِن،‏ دُشِّنت في ١٣ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩٤،‏ وهي الآن اكبر قاعة محافل لشهود يهوه في المانيا،‏ وتتسع لـ‍ ٠٠٠‏,٤ شخص.‏

وقد اولي الانتباه ايضا لبناء قاعات الملكوت.‏ فذلك لم يكن مسموحا به في جمهورية المانيا الديموقراطية،‏ ولكنَّ القاعات صارت لازمة الآن من اجل الاعتناء بالشهود الاكثر من ٠٠٠‏,٢٠ في تلك الناحية من العالم.‏ وقد دُهش الآخرون من طريقة القيام بعمل البناء.‏

كتبت احدى الصحف بشأن بناء قاعة ملكوت في ستاڤنهاڠن:‏ «لقد اخذت الدهشة المشاهدين الفضوليين بسبب طريقة تشييد البناء وسرعة تشييده.‏ .‏ .‏ .‏ فقد قام بالبناء نحو ٢٤٠ بنَّاء متمرِّسا يعملون بـ‍ ٣٥ مهنة،‏ وكلهم متطوعون وكلهم شهود ليهوه.‏ كل ذلك جرى في غضون نهاية اسبوع واحدة ودون ان يتقاضوا اجرا».‏

وكتبت صحيفة اخرى بشأن قاعة ملكوت بُنيت في زاڠارت على جزيرة روڠن في بحر البلطيق:‏ «يقوم نحو ٥٠ رجلا وامرأة،‏ كقفير نحل،‏ بتحضير اساسات البناء.‏ لكنَّ الفوضى لا تعمّ موقع البناء.‏ فالغريب في الامر هو ان الجو مريح وودي.‏ ورغم السرعة الواضحة التي يجري بها العمل،‏ لا تبدو علامات التوتر على احد،‏ فلا احد يجرح رفقاءه العمال بكلامه كما يحدث في معظم مواقع البناء».‏

وبحلول نهاية سنة ١٩٩٢،‏ كانت سبع قاعات ملكوت قد بُنيت،‏ وكانت ١٦ جماعة تستعملها.‏ كان يجري التخطيط لبناء نحو ٣٠ قاعة اخرى.‏ وبحلول سنة ١٩٩٨،‏ كانت اكثر من ٧٠ في المئة من الجماعات في ما كان سابقا المانيا الشرقية تجتمع في قاعاتها الخاصة للملكوت.‏

المحافل الاممية المثيرة

عندما رُفعت القيود الحكومية في بلد بعد آخر في اوروپا الشرقية،‏ رتَّبت الهيئة الحاكمة لعقد محافل في تلك البلدان.‏ وقد كانت هذه مناسبات للبنيان الروحي،‏ مناسبات يُشجَّع فيها الاخوة على البقاء مركِّزين بشكل واضح على العمل الذي فوَّض اللّٰه الى خدامه ان يقوموا به.‏ (‏متى ٦:‏١٩-‏٢٤،‏ ٣١-‏٣٣؛‏ ٢٤:‏١٤‏)‏ وبما ان شهودا كثيرين في هذه البلدان لم يكونوا قادرين لسنوات على الاجتماع إلا في فرق صغيرة،‏ مكَّنتهم هذه المحافل من التعرُّف برفقائهم الشهود والتشجُّع بالدليل على بركة يهوه على احتمالهم الامين.‏ وقد دُعي ايضا مندوبون من بلدان اخرى ليتمتع الاخوة بشكل اكمل بمعشر الاخوة العالمي الذي هم جزء منه.‏ وبين هؤلاء المندوبين اتى كثيرون من المانيا.‏ وقد حضروا بأعداد كبيرة في المحافل الاممية التي عُقدت بين سنتي ١٩٨٩ و ١٩٩٣ في پولندا،‏ هنڠاريا،‏ تشيكوسلوڤاكيا،‏ والاتحاد السوڤياتي السابق.‏

في اليوم الذي سبق ابتداء المحفل الاممي «محبُّو الحرية الالهية» لسنة ١٩٩١ في پراڠ،‏ في ما هو الآن الجمهورية التشيكية،‏ اخبرت الصحيفة ليدوڤي نوڤيني (‏بالتشيكية)‏ عن العمل الرائع الذي قام به فريق من ٤٠ شاهدا في تركيب «اجهزة الصوت التي اعارهم اياها ‹اخوتهم من المانيا›».‏ ولم يعِر الاخوة الالمان اجهزة الصوت فحسب،‏ بل كانوا ايضا جزءا من الفريق الذي ركَّبها.‏ لقد كانوا سعداء لأنهم استطاعوا بهذه الطريقة ان يمنحوا اخوتهم التشيكيين فوائد الخبرة التي اكتسبوها من عقود في تنظيم المحافل.‏ وفيما كان عدد المندوبين الالمان في المحافل الاممية يقتصر بمعظمه على مئات عديدة،‏ دُعي ٠٠٠‏,٣٠ مندوب الى هذا المحفل في پراڠ.‏ وكم كان محفلا رائعا!‏

كتب ديتِر كابوس،‏ الذي خدم كناظر كورة في تشيكوسلوڤاكيا سنة ١٩٥٥ والذي حضر هذا المحفل كمندوب من المانيا:‏ «عندما صدرت ترجمة العالم الجديد [التي تُطبع الآن على مطابع الجمعية]،‏ وقف الجميع،‏ ودوَّى في المدرَّج تصفيق عفوي بدا انه سيدوم ابدا.‏ عانقنا جميعا واحدنا الآخر؛‏ وذرف الآلاف دون خجل دموع الفرح.‏ وتذكرنا الوقت الذي كنا فيه في معسكر السجناء عندما كنا نحن الـ‍ ١٦ أخا نملك كتابا مقدسا واحدا فقط.‏ وبقي كثيرون ساعة او اكثر بعدما انتهى البرنامج يرنمون ويتمتعون بالمعاشرة الرائعة».‏

في السنة التالية،‏ ١٩٩٢،‏ كان المندوبون الالمان حاضرين ايضا في المحفل الاممي الذي عقد في سانت پيترسبرڠ،‏ روسيا.‏ وقد يتذكر بعض المندوبين ان الوضع لم يكن خاليا من المشاكل،‏ على الاقل في ما يتعلق بإيواء المندوبين الالمان.‏ لكنَّ ذلك تبين انه شهادة ايضا.‏ فعندما اضطر فريق من المندوبين الى الانتقال من فندق الى آخر في مهلة قصيرة،‏ تأثرت جدا مترجمة الفريق الروسية البالغة من العمر ٥٠ سنة بسلوك الشهود حتى انها قالت:‏ «انتم لستم اشخاصا عاديين؛‏ فأنتم لا تصرخون وتغضبون!‏».‏ ولكن ما كان يهم هؤلاء المندوبين اكثر هو الروح التي اظهرها اخوتهم وأخواتهم الروس.‏ فبعد المحفل،‏ كتب احد المندوبين الالمان:‏ «تعجز الكلمات عن وصف مدى تقدير الاخوة للبرنامج.‏ فدون كتب مقدسة وكتب ترانيم [وهي متوفرة بكمية محدودة في ذلك الوقت في روسيا]،‏ أصغَوا بترقب وانتباه الى ما كان يهوه يقوله لهم».‏

في السنة التالية،‏ حضر اكثر من ٢٠٠‏,١ شاهد الماني المحافل الاممية في موسكو،‏ روسيا،‏ وفي كييڤ،‏ اوكرانيا.‏ ويا للقصص المثيرة التي حملوها معهم لدى عودتهم الى ديارهم!‏ وبين هؤلاء المندوبين كان تيطس تُويْبنر،‏ ناظر جائل منذ سنة ١٩٥٠،‏ الذي قال:‏ «كنت قد وعدت زوجتي انه اذا رُفع الحظر عن العمل يوما ما في الشرق،‏ فسأكون بين الذين سيحضرون اول محفل في موسكو».‏ وبعد القيام بذلك فعليا في سنة ١٩٩٣،‏ قال:‏ «انها لعجيبة ان اتمكَّن من توزيع مجلات عن الحكومة الالهية في الساحة الحمراء»!‏ وكتب مندوب آخر:‏ «حضرنا هذا المحفل لنشجِّع اخوتنا الروس،‏ وقد فعلنا ذلك دون شك.‏ ولكنَّ العكس صحيح ايضا.‏ لقد شجَّعَنا اخوتنا الروس بطريقة رائعة بمثالهم في اظهار المحبة،‏ الشكر،‏ الامانة،‏ والتقدير».‏

لم يسَع اعضاء عائلة بيت ايل في زلترس إلا ان يكونوا شاكرين على امتياز خدمة اخوة وأخوات امناء كهؤلاء.‏ وقد عَمُق تقديرهم لهذا الامتياز اكثر عندما سمعوا تقارير سائقي شاحنات بيت ايل العائدين من تسليم مؤن الاغاثة والمطبوعات في بلدان اخرى والذين أخبروا عن حرارة ترحيب الاخوة بهم،‏ وعن فرحهم بالمشاركة في تفريغ الشاحنات حتى في وقت متأخر من الليل،‏ والصلوات الموحَّدة التي قدَّموها قبل ان يودِّعوا الذين اجروا عمليات التسليم.‏

المزيد من البناء —‏ لسد الحاجات الملحَّة

رُفع الحظر في بلد بعد آخر في اوروپا الشرقية.‏ وعقدت محافل كبيرة.‏ وجرى الاسراع في عمل الكرازة بالبشارة.‏ فصار الطلب على مطبوعات الكتاب المقدس لسد حاجات ذلك الجزء من الحقل يزداد بسرعة.‏ فكيف يمكن سدّ هذه الحاجات؟‏ دُعي فرع المانيا الى القيام بدور اضافي.‏

قبلا،‏ في سنة ١٩٨٨،‏ وقبل ان ينهار جدار برلين،‏ سمحت الهيئة الحاكمة بتوسيع بمقدار ٥٠ في المئة لتسهيلات الفرع في المانيا.‏ في البداية،‏ صعُب على لجنة الفرع ان تفهم لماذا هذا التوسيع ضروري.‏ فقد دُشِّن قبل اربع سنوات فقط مجمَّع كبير وجديد تماما.‏ رغم ذلك قدَّم الاخوة طلبا خطيا الى رسميي الحكومة المحليين.‏ يتذكر الاخ روتكي:‏ «عندما قدَّمنا خرائطنا،‏ همس إليَّ مدير مصلحة البناء في زلترس:‏ ‹انصحكم بالتوسيع قدر المستطاع لأن السلطات لن تمنحكم ابدا رخصة للتوسيع ثانية›.‏ وهذا ما جعلنا نفكر في الامر».‏ والجدير بالملاحظة انه خلال عدة اشهر حصلنا على الرخصة من جميع المكاتب الحكومية المختلفة،‏ وازداد التوسيع المقترح في الاساس ان يكون ٥٠ في المئة الى ١٢٠ في المئة!‏

بدأ البناء الفعلي في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩١.‏ وكما يظهر،‏ لم يكن كل الاخوة والاخوات مقتنعين بالحاجة،‏ كما دلَّ على ذلك التجاوب البطيء مع الاعلانات عن الحاجة الى عمال متمرِّسين للمشاركة في هذا المشروع،‏ وأيضا الدعم المادي المحدود.‏ فماذا يمكن فعله؟‏

من الواضح انه لزم ان يعرف الاخوة المزيد عن الموضوع،‏ لذلك عُقدت اجتماعات خصوصية مع شيوخ مختارين في جميع قاعات المحافل في المانيا في ٣ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩١.‏ وشُرح انه في العقد السابق،‏ ازداد انتاج الكتب في فرع المانيا ثلاثة اضعاف تقريبا.‏ ورُفع الحظر في پولندا،‏ هنڠاريا،‏ المانيا الشرقية،‏ رومانيا،‏ بلغاريا،‏ اوكرانيا،‏ والاتحاد السوڤياتي.‏ فكانت تُمدّ بلدان خارج الحدود الالمانية بالمطبوعات.‏ وكان الناشرون في هذه البلدان يتوسلون للحصول على مطبوعات.‏ فطُلب من فرع زلترس القيام بدور رئيسي في تزويدها.‏ عندما رأى الاخوة بوضوح هذه الحاجة،‏ صار دعمهم سخيا جدا.‏

في الواقع،‏ ان النقص في التجاوب الذي حصل في البداية تبيَّن انه بركة.‏ وكيف ذلك؟‏ بدلا من الاعتماد فقط على متطوعين من المانيا،‏ قرر الفرع استخدام التدبير الذي صنعته الهيئة الحاكمة سنة ١٩٨٥.‏ ففي ذلك الوقت ابتُدئ ببرنامج المتطوعين الامميين للبناء.‏ وقبل انهاء العمل في فرع المانيا،‏ كان قد عمل ٣٣١ متطوعا من ١٩ بلدا مختلفا مع عائلة بيت ايل.‏

وقد ساعد ايضا في العمل شهود كثيرون من المانيا؛‏ ومعظمهم قاموا بذلك خلال عطلهم.‏ وشملوا حوالي ٠٠٠‏,٢ ناشر من المانيا الشرقية سابقا،‏ الذين على الارجح لم يحلم معظمهم خلال الحظر بإمكانية العمل يوما ما في بيت ايل.‏

نهاية اسبوع مخصصة للتدشين

سواء بالدعم المادي او الجسدي او بالصلوات،‏ ساهم جميع شهود يهوه في المانيا في مشروع البناء هذا.‏ فقد كان زلترس بيتَ ايل الخاص بهم،‏ مجمَّع بناء موسَّع جدا ارادوا هم الآن ان يخصصوه ليهوه.‏ وهكذا،‏ قبل ان يشرف عمل البناء على النهاية بوقت طويل،‏ صُنعت الترتيبات لكامل معشر الاخوة في المانيا بالاضافة الى ضيوف كثيرين من الخارج ليجتمعوا معا من اجل الاحتفال.‏

بدأ البرنامج صباح يوم السبت في ١٤ ايار (‏مايو)‏ ١٩٩٤،‏ مع التشديد على انه قد انفتح «باب كبير يؤدي الى النشاط» في اوروپا الشرقية.‏ (‏١ كورنثوس ١٦:‏٩‏)‏ لقد كان مقوِّيا للايمان سماع الاخوة من هذه البلدان يخبرون شخصيا عن الزيادات الرائعة التي يتمتعون بها وتوقعات النمو الاضافي.‏ واستمر حماس ذلك اليوم الذي تمتع به ٦٥٨‏,٣ شخصا في زلترس الى يوم الاحد.‏ ودُعي جميع شهود يهوه في المانيا الى الاجتماع في ستة مدرَّجات استؤجرت لهذه المناسبة —‏ في بريمن،‏ كولون،‏ ڠَلْزنكِرْخِن،‏ لَيْپتزيڠ،‏ نورمبورڠ،‏ وشتوتڠارت.‏

فيما صمت عشرات الآلاف بترقب،‏ بدأ البرنامج في وقت واحد في المواقع الستة جميعها.‏ وبعد مراجعة مختصرة لبرنامج التدشين ليوم السبت في زلترس،‏ كانت هنالك تقارير اضافية مبهجة للقلب من المندوبين الاجانب.‏ والبارز كان المحاضرات التي أُلقيت في ڠَلْزنكِرْخِن،‏ لَيْپتزيڠ،‏ وشتوتڠارت،‏ وكل منها ألقاها عضو من الهيئة الحاكمة كان حاضرا.‏ ولإفادة المستمعين في المواقع الثلاثة الاخرى،‏ نُقلت هذه المحاضرات بواسطة خطوط اتصالات هاتفية.‏ وجرى تشجيع جميع الـ‍ ٩٠٢‏,١٧٧ الحاضرين على البقاء اقوياء في الايمان ومقاومة اية محاولة لجعلهم متباطئين.‏ فالآن هو الوقت للعمل!‏ لقد فتح يهوه فجأة الباب للتوسع في اوروپا الشرقية،‏ ولا يجب ان يسمحوا لأيّ شيء بأن يمنع انجاز هذا العمل.‏ وقبل ان يحنوا رؤوسهم ليشكروا يهوه،‏ اشتركوا في ترنيم:‏ «اَلْإِخْوَةُ بِٱلْأُلُوفِ/‏ حَوْلِي قَدِ ٱلْتَفُّوا/‏ كَيْ يَشْهَدُوا بِٱلْحَقِّ/‏ عَنْ يَهْوَهَ ٱصْطَفُّوا».‏ ونادرا ما كان هنالك اظهار اعظم للوحدة والتصميم المميِّزَين لشعب يهوه.‏

ورغم قرب انتهاء عطلة نهاية الاسبوع الرائعة هذه المخصصة للتدشين،‏ استمر التوسع.‏ وباكرا في صباح اليوم التالي،‏ كان عمَّال البناء مشغولين بالعمل مرة اخرى.‏ فالترتيب الجديد لبناء مخزن،‏ الذي صنعته مؤخرا الجمعية لتجنُّب تضاعف العمل والنفقات غير الضروريَّين،‏ استلزم مكانا اضافيا للشحن في زلترس.‏

في سنة ١٩٧٥،‏ انتج فرع المانيا ٠٩٥‏,٨٣٨‏,٥ كتابا و ١٢٠‏,٢٨٩‏,٢٥ مجلة.‏ وبعد عقدين،‏ خلال سنة الخدمة ١٩٩٨،‏ ازداد الانتاج الى ٩٩٨‏,٣٣٠‏,١٢ كتابا،‏ ٦٣٠‏,٦٦٨‏,١٩٩ مجلة،‏ و ١٨٤‏,٦٥٦‏,٢ كاسيتا سمعيا.‏ لقد كان مرد هذا النمو الهائل في الاساس الى الطلب من بلدان اوروپا الشرقية.‏

فيما رُفع الحظر في بلد بعد آخر،‏ ابتدأ زلترس بشحن المطبوعات الى بلدان اضافية في اوروپا الشرقية.‏ وفي الواقع،‏ أُرسل ٦٨ في المئة من انتاج المطبوعات في زلترس بين ايار (‏مايو)‏ ١٩٨٩ وآب (‏اغسطس)‏ ١٩٩٨،‏ اي ٧٩٣‏,٥٨ طنا،‏ الى ٢١ بلدا في اوروپا الشرقية وآسيا.‏ وهذا يساوي صفا من ٥٢٩‏,٢ شاحنة،‏ كل واحدة منها محملة بـ‍ ٢٣ طنا من المطبوعات.‏

البناء،‏ ولكن الكرازة ايضا

منذ سنة ١٩٧٥،‏ قطع شهود يهوه شوطا كبيرا في ما يختص بعمل البناء.‏ وكنوح،‏ الذي كان ‹كارزا بالبرِّ› بالاضافة الى كونه بانيا،‏ يسعى الشهود الى الموازنة بين مسؤولياتهم.‏ (‏٢ بطرس ٢:‏٥‏)‏ فهم يدركون ان عمل البناء هو عامل مهم في العبادة الحقة اليوم.‏ وفي الوقت نفسه،‏ يبقون اعينهم مركَّزة بوضوح على اهمية وإلحاح عمل الكرازة بالبشارة.‏

وفي الواقع،‏ تلاحظ دائرة الخدمة ان النشاط الاضافي المتعلق بعمل البناء في زلترس أدى فعليا الى زيادة الوقت المصروف في خدمة الحقل.‏ وطبعا،‏ كان تشييد مبان ثيوقراطية شهادة بحد ذاته.‏ فقاعات الملكوت بالاضافة الى قاعات المحافل التي بُنيت بسرعة كانت سببا مستمرا لدهشة المراقبين.‏ وهكذا فإن عمل البناء الذي يقوم به شهود يهوه بحماسة وتفانٍ يساعد على توجيه الانتباه الى البشارة التي يكرزون بها.‏ والاشخاص المستقيمون فضوليون بشأن معرفة القوة الدافعة لشهود يهوه،‏ التي لا تُرى في ايّ فريق ديني آخر.‏

ماذا حصل لماڠدَبورڠ؟‏

ان احدى قاعات الملكوت التي دُشِّنت في هذه الفترة كانت في ماڠدَبورڠ.‏ وقديما في سنة ١٩٢٣،‏ نقلت الجمعية مكتبها في المانيا من بارمن الى ماڠدَبورڠ.‏ وبين سنتي ١٩٢٧ و ١٩٢٨،‏ بُنيت هناك قاعة محافل رائعة تتسع لـ‍ ٨٠٠ شخص،‏ دعاها الاخوة «قاعة القيثارة» تقديرا لكتاب جمعية برج المراقبة قيثارة اللّٰه (‏بالانكليزية)‏.‏ وقد زيِّن حائطها الخلفي بنقش ناتئ للملك داود يعزف على قيثارة.‏

في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٣٣،‏ صادر النازيون ممتلكات الجمعية في ماڠدَبورڠ،‏ أقفلوا المصنع،‏ ورفعوا الصليب المعقوف فوق المباني.‏ بعد الحرب العالمية الثانية،‏ أُعيدت الممتلكات الى الشهود،‏ ولكن ليس لوقت طويل.‏ ففي آب (‏اغسطس)‏ ١٩٥٠،‏ جرَّد الرسميون الشيوعيون الشهود من ملكيتهم.‏

سنة ١٩٩٣،‏ بعد اعادة توحيد الالمانيتين،‏ أُعيد قسم مهم من الممتلكات الى الجمعية،‏ وجرى التعويض عن جزء كبير مما تبقَّى.‏ وبين الاشياء التي أُعيدت كانت «قاعة القيثارة» السابقة.‏ بعد عدة اشهر من تجديد الممتلكات،‏ صار لدى ماڠدَبورڠ قاعة ملكوت مناسبة وضرورية.‏

‏«انها المرة الثالثة التي تُدشَّن فيها هذه المباني —‏ اولا في عشرينات الـ‍ ٩٠٠‏,١،‏ ثم في سنة ١٩٤٨،‏ والآن ايضا في سنة ١٩٩٥»،‏ هذا ما اوضحه پيتر كونشاك اثناء الاحتفال بالتدشين.‏ وألقى ڤيلي پول،‏ ممثِّلا لجنة الفرع في المانيا،‏ خطاب التدشين.‏ وقد خدم هذا الاخ في بيت ايل في ماڠدَبورڠ عندما كان شابا.‏ وفي الواقع،‏ في سنة ١٩٤٧،‏ عندما زار هايدن كوڤنڠتن من المركز الرئيسي العالمي وتكلم مع الاخوة في هذه القاعة عينها،‏ كان الاخ پول مترجما له.‏ فأفضى هذا بما في داخله الى الـ‍ ٤٥٠ ضيفا مدعوا قائلا:‏ «يمكنكم ان تتخيلوا كيف اشعر وأنا ألقي هذا الخطاب».‏

ان جماعات ماڠدَبورڠ العديدة التي تجتمع اليوم بانتظام في «قاعة القيثارة» السابقة تلمس حقيقة كلمات يهوه لخدامه كما دوَّنها اشعياء منذ ٧٠٠‏,٢ سنة:‏ «كل آلة صُوِّرت ضدكِ لا تنجح».‏ او كما ذكَّر الملك حزقيا رجاله مرة:‏ «معنا الرب الهنا ليساعدنا ويحارب حروبنا».‏ —‏ اشعياء ٥٤:‏١٧؛‏ ٢ أخبار الايام ٣٢:‏٨‏.‏

مكتب ترجمة

ان احد الاوجه المهمة للعمل الذي يجري في فرع المانيا يشمل الترجمة.‏ فقد نُقل قسم الترجمة الالماني من برن،‏ سويسرا،‏ الى ڤيسبادن سنة ١٩٥٦.‏ وكان مؤلفا في ذلك الوقت من اربعة اشخاص فقط.‏ خدمت أليس برنر وإيريكا سوربر،‏ اللتان كانتا في ذلك الفريق،‏ بأمانة حتى مماتهما.‏ ولا تزال آني سوربر،‏ واحدة من الاشخاص الاربعة الاوائل،‏ تخدم في هذا القسم.‏ وقد نما على مرِّ السنين،‏ بحيث صار الشهود الالمان الآن يتسلَّمون غالبا ليس فقط برج المراقبة واستيقظ!‏ بل ايضا الكتب المجلدة بلغتهم في الوقت نفسه الذي تصدر فيه بالانكليزية.‏

قديما في ستينات الـ‍ ٩٠٠‏,١،‏ كان يجري ايضا مقدار معين من عمل الترجمة بالروسية والپولندية في المانيا،‏ بالاضافة الى الترجمة بالالمانية.‏ وقد اهتمت بذلك دائرة خدمة الحقل الاجنبي،‏ التي اعتنت بالعمل في مختلف البلدان التي تحت الحظر،‏ من بينها الاتحاد السوڤياتي،‏ المانيا الشرقية،‏ وپولندا.‏

عندما اصبح ممكنا،‏ دُعي بعض المترجمين ذوي الخبرة من پولندا وعدد من المترجمين المحتملين من الاتحاد السوڤياتي الى زلترس.‏ وهناك،‏ كانت لديهم الاجهزة الضرورية بالاضافة الى المحيط المريح لينالوا تدريبا اضافيا بغية القيام بعملهم.‏ وكان باستطاعتهم ايضا الاستفادة من خبرة المترجمين الالمان،‏ الذين قدَّموا اقتراحات مساعِدة حول كيفية معالجة المشاكل الشائعة التي يواجهها جميع المترجمين،‏ بغض النظر عن اللغة.‏ وسرعان ما أحب اعضاء عائلة بيت ايل في زلترس هؤلاء الاخوة.‏

طبعا،‏ كان التدريب وقتيا.‏ ففي النهاية،‏ كان على هؤلاء المترجمين العودة الى بلدهم الام.‏ لذلك،‏ بعد ان دُشِّن مجمَّع بيت ايل الجديد قرب وارسو،‏ في پولندا،‏ سنة ١٩٩٢،‏ وبعد ان اكمل المترجمون الپولنديون في المانيا مشروعا مهما،‏ انضموا الى باقي فريق الترجمة في پولندا.‏

ولكن،‏ قبل ان يغادروا بدأ المزيد من المترجمين المحتملين —‏ روس وأوكرانيون —‏ بالمجيء للتدريب.‏ وقد اتى اول خمسة في ٢٧ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٩١،‏ وأتى آخرون لاحقا.‏ وككل،‏ اتى اكثر من ٣٠ مترجما.‏

في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٤،‏ غادر المترجمون الروس ليقيموا في بيت ايل الذي كان آنذاك قيد الانشاء في سولْنتشْنويي،‏ قرب سانت پيترسبرڠ.‏ أما المترجمون الاوكرانيون،‏ فهم في وقت هذه الكتابة يتوقعون الانتقال قريبا الى بيت ايل جديد مخطط لأوكرانيا.‏ ومن وقت الى آخر،‏ كانت فرق ترجمة اخرى تعمل ايضا في زلترس وقد استفادت من المساعدة التي حصلت عليها.‏ خدم كل ذلك كمذكِّر دائم بأن قصد يهوه هو جمعُ شعب «من كل الامم والقبائل والشعوب والالسنة» ليشكلوا «ارضا جديدة»،‏ اساسا لمجتمع بشري يقف نفسه لخدمة الاله الحقيقي الوحيد،‏ يهوه.‏ —‏ كشف ٧:‏٩،‏ ١٠؛‏ ٢ بطرس ٣:‏١٣‏.‏

مكان لعقد حلقات دراسية اممية

جذب الموقع المناسب لفرع المانيا العديد من الزوار.‏ وتدَّعي فرانكفورت امتلاك اكبر بوابة يمر عبرها المسافرون في اوروپا القارية وهي مطار راين-‏مَيْن.‏ وبما ان زلترس تبعد اقل من ٦٠ كيلومترا (‏٤٠ ميلا)‏ عن مطار فرانكفورت،‏ يجد العديد من الشهود انه من المنعش القيام بزيارة قصيرة للتجول في التسهيلات والتمتع لوقت قصير بضيافة عائلة الفرع بالرغم من توجههم الى مكان آخر.‏

وقد تبين ايضا ان موقع زلترس جيد لعقد حلقات دراسية اممية واجتماعات يلتقي فيها ممثلون من مختلف الفروع للتشاور.‏ وهكذا،‏ في سنة ١٩٩٢،‏ رتبت لجنة النشر للهيئة الحاكمة ان يجتمع ممثلون من ١٦ فرعا اوروپيا بإخوة من بروكلين مدة اربعة ايام.‏ وكان هدفهم تنسيق عملهم للتأكد من انه سيكون هنالك مخزون وافر من الطعام الروحي لكل فروع اوروپا،‏ بما فيها الفروع في البلدان الضعيفة اقتصاديا.‏

حتى قبل ذلك،‏ كان شهود يهوه في المانيا يقدّمون مطبوعات الكتاب المقدس مجانا لجميع الناس المهتمين بقراءتها.‏ وهذا يدحض بالتأكيد تهمة المقاومين بأن جمعية برج المراقبة تبيع المطبوعات بهدف كسب المال.‏

بعد الحلقات الدراسية في زلترس،‏ توسّع هذا الترتيب ليشمل كامل اوروپا.‏ وقد تبيَّن ان له فائدة خصوصية في اوروپا الشرقية،‏ حيث يُظهر عدد كبير من الناس جوعا للامور الروحية ولكنهم غالبا ما يرزحون تحت ضغوط اقتصادية.‏ ولكن كيف تُغطَّى نفقات عمل الملكوت العالمي؟‏ بالتبرعات الطوعية التي يقدمها شهود يهوه وذوو التقدير الآخرون.‏ ولماذا يقدمون هذه التبرعات؟‏ يقوم البعض بذلك لأنهم يدركون قيمة اعطاء كل شخص ممكن الفرصة للتعلم كيف يمكن ان يحسِّن تطبيق مبادئ الكتاب المقدس حياته الآن.‏ (‏اشعياء ٤٨:‏١٧؛‏ ١ تيموثاوس ٤:‏٨‏)‏ وما يدفع الآخرين ايضا هو الرغبة في المساهمة بهذه الطريقة في ايصال بشارة ملكوت اللّٰه الى الناس في جميع البلدان قبل ان ينهي اللّٰه نظام الاشياء الشرير الحاضر.‏ —‏ متى ٢٤:‏١٤‏.‏

عُقدت حلقة دراسية ثانية لاحقا في سنة ١٩٩٢ تمحورت حول اقتراح ان يشحن فرع المانيا المطبوعات مباشرة الى الجماعات في البلدان الاوروپية بدلا من ارسالها الى مكاتب الفروع لإعادة شحنها،‏ كما كان يجري حتى ذلك الوقت.‏ وفي حلقة دراسية ثالثة عُقدت في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٩٣،‏ اتُّخذت تدابير لضم ست دول من اوروپا الوسطى الى هذا الترتيب.‏ وفي شباط (‏فبراير)‏ ١٩٩٤،‏ عُقدت في ڤيينا،‏ النمسا،‏ حلقة دراسية من اجل دول اوروپا الشرقية،‏ وصُنعت تدابير لإفادة الجماعات في ١٩ بلدا اضافيا.‏

ان فوائد هذا الترتيب واضحة.‏ فالنفقات تنخفض لأنه ليست هنالك حاجة الى خزن المطبوعات في كل فرع؛‏ وهكذا لا تعود هنالك حاجة الى استخدام اقسام شحن افرادية كبيرة في كل بلد.‏ وفي بعض البلدان،‏ يلغي هذا الترتيب الحاجة الى توسيع تسهيلات بيوت ايل الموجودة.‏ وحين تُبنى بيوت ايل جديدة،‏ لا يكون ضروريا بناؤها كبيرة جدا،‏ لأن فرع المانيا يعتني بخزن،‏ حزم،‏ وشحن المطبوعات.‏

في حين ان فرع المانيا زوَّد سنة ١٩٨٩ حوالي ٠٠٠‏,٢ مادَّة بـ‍ ٥٩ لغة،‏ زوَّد سنة ١٩٩٨،‏ ٩٠٠‏,٨ مادَّة بـ‍ ٢٢٦ لغة.‏ وابتداء من نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٩٨،‏ يزوِّد الفرع في زلترس،‏ المانيا،‏ ١٤٤‏,٧٤٢ ناشرا في ٨٥٧‏,٨ جماعة في ٣٢ بلدا بحاجاتهم من المطبوعات.‏

بغض المسيحيين الحقيقيين —‏ ليس شيئا من الماضي

في الليلة الاخيرة التي سبقت موت يسوع،‏ اخبر رسله:‏ «لأنكم لستم جزءا من العالم،‏ بل انا اخترتكم من العالم،‏ لذلك يبغضكم العالم.‏ .‏ .‏ .‏ إن كانوا قد اضطهدوني،‏ فسيضطهدونكم ايضا».‏ (‏يوحنا ١٥:‏١٩،‏ ٢٠‏)‏ لذلك كان متوقعا ان اضطهاد شهود يهوه في المانيا لن يتوقف كليا بعد سقوط رايخ هتلر الثالث.‏ وعلى نحو مماثل،‏ استمر اضطهاد شهود يهوه في البلدان حيث رُفع الحظر الذي فرضته انظمة الحكم الشيوعية،‏ بالرغم من حيازة الناس بشكل عام حرية شخصية اكبر.‏ لقد اتخذ ببساطة اشكالا اخرى.‏ —‏ ٢ تيموثاوس ٣:‏١٢‏.‏

واليوم،‏ اذ حلَّ المرتدون محل مضطهدي شعب يهوه السابقين،‏ شهروا سلاحهم لضرب رفقائهم المسيحيين السابقين.‏ (‏متى ٢٤:‏٤٨-‏٥١‏)‏ ففي اواخر ثمانينات وأوائل تسعينات الـ‍ ٩٠٠‏,١،‏ صار هؤلاء المرتدون يجاهرون بآرائهم اكثر،‏ وازدادت اتهاماتهم الباطلة وأصبحت اكثر خبثا.‏ وقدم بعض منتجي برامج المقابلات التلفزيونية المرتدين بأنهم «خبراء» بشهود يهوه.‏ ولكنَّ بعض الاشخاص المستقيمين شكّوا في حكمة الاستناد الى اقاويل من اعضاء سابقين ساخطين ليحكموا على الشهود.‏ فبعد ان عُرض احد هذه البرامج على التلفزيون،‏ اتصل شاب بمكتب الجمعية في زلترس موضحا انه قبل بضع سنوات درس معه هذا الشاهد السابق الذي أُجريت المقابلة معه.‏ ولأسباب شخصية اوقف الدرس.‏ لكن لدى مشاهدته هذا البرنامج التلفزيوني والتعرُّف بمعلِّمه السابق،‏ اغتاظ جدا.‏ وسأل:‏ «كيف يمكنه ان يقول اشياء كهذه؟‏ فهو يعرف ان ما يقوله عن الشهود غير صحيح».‏ وكانت النتيجة ان استأنف هذا الشاب درسه للكتاب المقدس،‏ لكن هذه المرة مع شيخ في الجماعة المحلية.‏

طبعا،‏ هنالك اناس كثيرون يقبلون دون ايّ شك ما يسمعونه على التلفزيون او ما يقرأونه في الصحف.‏ وبسبب تكرر هجمات وسائل الاعلام على شهود يهوه،‏ أعدَّت الجمعية كراسة مؤلفة من ٣٢ صفحة مخصصة لإبطال هذا الفيض من الدعاية المضلِّلة.‏ وهي بعنوان:‏ جيرانكم،‏ شهود يهوه —‏ مَن هم؟‏،‏ (‏بالالمانية)‏.‏

تحتوي الكراسة على معلومات واقعية أُخذت من استطلاع جرى سنة ١٩٩٤ شارك فيه حوالي ٠٠٠‏,١٤٦ شاهد في المانيا.‏ دحضت نتائج هذا الاستطلاع بسهولة الكثير من الآراء الخاطئة التي كوَّنها الناس عن الشهود.‏ دين عجائز؟‏ اربعة من كل عشرة شهود في المانيا هم ذكور ومعدل عمر الشهود هو ٤٤ سنة.‏ دين يتألف من اشخاص غُسلت أدمغتهم منذ الطفولية؟‏ اثنان وخمسون في المئة من مجموع الشهود صاروا شهودا وهم راشدون.‏ دين يحطم العائلات؟‏ تسعة عشر في المئة من الشهود هم عزّاب،‏ ٦٨ في المئة متزوجون،‏ ٩ في المئة ارامل،‏ و ٤ في المئة فقط مطلَّقون،‏ وعدد كبير منهم هم مطلَّقون قبل صيرورتهم شهودا.‏ دين يمنع انجاب الاولاد؟‏ نحو اربعة اخماس الشهود المتزوجين هم والدون.‏ دين مؤلف من اشخاص ذوي مقدرة عقلية دون المستوى؟‏ يتكلم ثلث الشهود لغة اجنبية واحدة على الاقل،‏ و ٦٩ في المئة منهم يبقون بصورة منتظمة على اطلاع على الحوادث الجارية.‏ دين يمنع اعضاءه من التمتع بالحياة؟‏ على اساس اسبوعي،‏ يقضي كل شاهد ٢‏,١٤ ساعة في مختلف انواع التسلية.‏ وفي الوقت نفسه،‏ يعطي الاولوية للمساعي الروحية،‏ اذ يقضي كمعدل ٥‏,١٧ ساعة كل اسبوع في النشاطات الدينية.‏

ان القضية التي حظيت بانتباه خصوصي في الكراسة تناولت «اوليڤر الصغير».‏ فبعد ولادته بوقت قصير في سنة ١٩٩١،‏ اكتشف الاطباء ثقبا صغيرا في قلبه.‏ وفي الوقت المحدد،‏ قامت ام اوليڤر بالاستعدادات لإجراء عملية له؛‏ وانسجاما مع معتقداتها الدينية،‏ وجدت الاطباء المستعدين لإجرائها دون دم.‏ لكنَّ المقاومين حوَّروا القصة في محاولة لتشويه سمعة شهود يهوه.‏ حتى بعد اجراء العملية بنجاح دون نقل ايّ دم،‏ جعلت احدى الصحف من القضية عنوانها الرئيسي،‏ قائلة ان اوليڤر أُنقذ بإعطائه ‹الدم المنقذ للحياة›،‏ بالرغم من مقاومة ام «متعصبة».‏ وقد دُحض هذا الكذب الواضح في الكراسة.‏

في البداية،‏ أُعدَّت هذه الكراسة فقط للذين كانوا يطرحون اسئلة عن التهم الباطلة التي حيكت ضد الشهود.‏ ولكن،‏ في سنة ١٩٩٦ أُعيد تصميم الغلاف،‏ وفي الصفحة الاخيرة من الكراسة،‏ عُرض درس بيتي مجاني في الكتاب المقدس،‏ وقد وزِّعت ٠٠٠‏,٨٠٠‏,١ نسخة منها في كل انحاء المانيا.‏

تزويد وسائل الاعلام بمعلومات صحيحة

في تلك السنة عينها،‏ اتُّخذت ايضا خطوة اضافية لمواجهة جهود المقاومين المستمرة في استعمال وسائل الاعلام لإعطاء صورة مشوّهة عن شهود يهوه.‏ وعيِّن ڤالتِر كوبي رئيس لجنة مسؤولة عن الخدمات الاعلامية.‏ يوضح قائلا:‏ «أجبرتنا الحملة الواسعة التي شنَّها المقاومون على اعطاء اجوبة مدروسة،‏ وذلك بجعل المعلومات متوفرة اكثر».‏ فعيِّن افراد ذوو مقدرة على القيام بعلاقات عامة فعّالة.‏ وعُقدت حلقات دراسية لتدريبهم.‏ وقسِّم البلد الى ٢٢ منطقة مناسبة،‏ وبحلول سنة ١٩٩٨ كان هنالك المئات من عمال الخدمات الاعلامية المدرَّبين الذين يعتنون بحاجات تلك المناطق.‏ فهم يهتمون اهتماما خصوصيا بالاتصال شخصيا بالمحررين والصحافيين.‏

وفي ما يتعلق بالعمل في هذا القسم،‏ صُنعت الترتيبات ايضا لإجراء عروض عامة لكاسيت الڤيديو شهود يهوه يثبتون في وجه الاعتداء النازي‏،‏ (‏بالانكليزية)‏.‏ وفي ٦ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٩٦،‏ جرى العرض الاول في العالم لنسخة كاسيت الڤيديو الالمانية يثبتون في متحف معسكر اعتقال رَڤنْسْبروك التذكاري،‏ حيث سُجن العديد من شهود يهوه.‏ وحضر صحافيون ومؤرخون بارزون.‏

بحلول ١ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٩٨،‏ بلغ مجموع الحشود التي اجتمعت لحضور هذا الڤيديو اكثر من ٠٠٠‏,٢٦٩ شخص في ٣٣١ عرضا عاما.‏ ولم يشمل هؤلاء الحاضرون الشهود فقط بل ايضا ممثلين عن الصحافة،‏ رسميين حكوميين،‏ وأناسا من العامة.‏ وعلقت مئات الصحف جميعها بطريقة ايجابية على هذه العروض.‏ وكان ١٧٦ عرضا من هذه العروض الڤيديوية يشمل معرضا عن اضطهاد النازيين لشهود يهوه.‏

وبأعداد اكبر ايضا،‏ يشارك ممثلون عن وسائل الاعلام مشاعر الصحافي الذي كتب في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٩٣ في مايسنر تسايتونڠ (‏بالالمانية)‏:‏ «الذين يظنون ان شهود يهوه يتبعون بطريقة عمياء وبسذاجة تعاليم غير واقعية للكتاب المقدس سيندهشون لدى اكتشافهم كيف يحددون بدقة هوية مثالهم،‏ يسوع المسيح،‏ وكيف يحوِّلون هذه المعرفة الى حياة ذات قصد».‏

بعد نصف قرن،‏ لا يزالون ثابتين

لقد مرَّ اكثر من نصف قرن على اطلاق سراح شهود يهوه في المانيا من معسكرات الاعتقال.‏ لكنَّ سجل استقامتهم لم يضمحل صائرا تاريخا منسيا.‏ فهو لا يزال يقدِّم شهادة قوية للعالم.‏ وبعض الذين كانوا في معسكرات الاعتقال بسبب عدم المسايرة على ايمانهم لا يزالون احياء في وقت هذه الكتابة،‏ ولا يزالون غيورين في خدمة يهوه الآن كما كانوا آنذاك.‏ ويشهد موقفهم الشجاع على ان يهوه قادر على حماية شعبه.‏ أصغوا الى ما يقوله بعض الناجين من معسكرات الاعتقال،‏ بالنيابة عن مئات مثلهم،‏ ولاحظوا اعمارهم (‏في اوائل سنة ١٩٩٨)‏،‏ كما هي ظاهرة بين هلالين:‏

هاينريخ ديكمان (‏٩٥)‏:‏ «أُجبرت في زاكسنهاوزن على مشاهدة اخي اوڠست يُعدم امام المعسكر بكامله.‏ وكانت لدي الفرصة ليُطلق سراحي فورا بإنكار ايماني.‏ ولأنني رفضت المسايرة،‏ قال قائد المعسكر:‏ ‹فكِّر مرة اخرى وسترى كم ستعيش طويلا›.‏ ولكن بعد خمسة اشهر،‏ كان هو مَن لقي حتفه وليس انا.‏ لقد كان شعاري ولا يزال:‏ ‹ثق بيهوه بكل قلبك›».‏

آن ديكمان (‏٨٩)‏:‏ «اعتبره [اختبار معسكر الاعتقال] تدريبا لمساعدتي على المحافظة على الاستقامة امام الخالق العظيم ومعطي الحياة،‏ يهوه.‏ لقد اغنت كل اختباراتي حياتي وقرَّبتني اكثر الى اللّٰه.‏ ان الايمان باللّٰه واظهار المحبة له كانا حافزا لي كل هذه السنين.‏ ولم يرغمني احد قط على ذلك».‏

يوزِف رايڤالد (‏٨٦)‏:‏ «اتطلع برضا الى وقت الامتحان الصعب،‏ لأنني حافظت على ايماني وحيادي المسيحيين رغم الضغط والمعاناة.‏ انا مقتنع اني نجوت فقط بمساعدة الاله الكلي القدرة،‏ يهوه!‏ ان اقتناعي المسيحي الآن هو اقوى مما كان آنذاك،‏ وأمنيتي هي الاستمرار في الوقوف دون مسايرة الى جانب اللّٰه».‏

إلفريدا لور (‏٨٧)‏:‏ «عندما اتذكر الامور التي اختبرتها خلال ثماني سنوات من السجن اثناء حكم هتلر،‏ يجب ان اقول انه لم يكن هنالك شيء غير متوقع.‏ لقد كان واضحا ان طريق الحق يعني،‏ من ناحية،‏ الصراع والاضطهاد،‏ ولكن من ناحية اخرى،‏ الفرح والانتصار.‏ ولا اعتبر ذلك الوقت ضائعا او دون فائدة».‏

ماريا هومباخ (‏٩٧)‏:‏ «تملأني فرحا المعرفة انني نلت هذا الامتياز الفريد ان ابرهن عن محبتي وشكري ليهوه تحت اقسى الظروف.‏ لم يجبرني احد على ذلك!‏ على العكس،‏ فالذين حاولوا اجبارنا كانوا اعداءنا الذين حاولوا بالتهديدات ان يجعلونا نطيع هتلر اكثر من اللّٰه.‏ ولكن بلا جدوى!‏ وبضمير صالح،‏ كنت سعيدة حتى عندما كنت خلف جدران السجن».‏

ڠيرتْرُوت پويتسنڠر (‏٨٦)‏:‏ «حُكم علي بثلاث سنين ونصف في سجن انفرادي.‏ وفيما كان الشرطي يعيدني الى زنزانتي بعد اصدار الحكم عليّ،‏ قال لي:‏ ‹شكرا لك.‏ لقد شجعتني ان أومن باللّٰه مرة اخرى.‏ ابقَي شجاعة كما انت،‏ ولن تواجهي مشكلة في قضاء هذه السنوات الثلاث والنصف›.‏ كم كان كلامه صحيحا!‏ ففيما كنت في السجن الانفرادي اختبرت بشكل خصوصي محبة يهوه والقوة التي يعطيها».‏

نعم،‏ يبقى الناجون من معسكرات الاعتقال ثابتين.‏ والآن بعد اكثر من نصف قرن من اطلاق سراحهم،‏ لا يزال مسلك استقامة هؤلاء الشهود يخدم شهادة للعالم وتسبيحا ليهوه.‏ فيا له من تشجيع لخدام اللّٰه جميعا!‏

لم تنته الكرازة بالبشارة بعد في المانيا.‏ فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية،‏ خُصصت اكثر من ٠٠٠‏,٠٠٠‏,٨٠٠ ساعة لإخبار الناس هنا عن ملكوت اللّٰه.‏ وفي الوقت نفسه،‏ اثَّرت خدمة شهود يهوه في المانيا في حياة الناس في بلدان اخرى.‏ فهم ينظرون الى انفسهم،‏ لا كفريق قومي منفصل،‏ بل كجزء من عائلة عالمية مؤلفة من عبَّاد ليهوه.‏

جرت رؤية هذا الدليل اللافت للنظر على هذه الوحدة العالمية في سنة ١٩٩٨ عندما حضر ٤٧٢‏,٢١٧ شخصا محافل «طريق اللّٰه للحياة» الاممية الخمسة التي عُقدت في المانيا.‏ حضر المندوبون من بلدان كثيرة؛‏ وقدِّم البرنامج كله بـ‍ ١٣ لغة.‏ شدَّدت المحافل على الحاجة الى الامانة المستمرة والمثابرة على الكرازة بالبشارة.‏ وبمساعدة يهوه،‏ يصمم شهود يهوه في المانيا على الاستمرار بولاء في طريق اللّٰه للحياة.‏

‏[الخريطة في الصفحة ٧٩]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسق في المطبوعة)‏

المانيا الغربية

هامبورڠ

مكنهايم

زلترس

فرانكفورت

ڤيسبادن

رُويْتْلنڠن

ميونيخ

المانيا الشرقية

برلين

ماڠدَبورڠ

ڠلاوْخاوْ

‏[صورة تغطي كامل الصفحة ٦٦]‏

‏[الصورة في الصفحة ٦٩]‏

محفل «الملكوت الظافر» الاممي،‏ نورمبورڠ،‏ ١٩٥٥

‏[الصور في الصفحة ٧٣]‏

ساعد الشهود الالمان كثيرين من المهاجرين على الاستفادة من حق الكتاب المقدس

‏[الصورة في الصفحة ٨٨]‏

مجمَّع بيت ايل في ڤيسبادن سنة ١٩٨٠

‏[الصورة في الصفحة ٩٠]‏

لجنة الفرع (‏من اليسار الى اليمين)‏.‏ الصف الامامي:‏ ڠونتر كونْس،‏ ادمونت آنشتات،‏ رايمون تمْپلتن،‏ ڤيلي پول.‏ في الخلف:‏ أيْبرهارت فابيان،‏ ريتشارد كِلْسي،‏ ڤرنر روتكي،‏ پيتر ميتريڠه

‏[الصور في الصفحة ٩٥]‏

بعض قاعات المحافل العشر التي تُستخدم في المانيا

١-‏ ڠلاوْخاوْ

٢-‏ رُويْتْلنڠن

٣-‏ ميونيخ

٤-‏ مكنهايم

٥-‏ برلين

‏[الصورة في الصفحة ٩٩]‏

مارتن وڠيرتْرُوت پويتسنڠر

‏[الصور في الصفحتين ١٠٠ و ١٠١]‏

تسهيلات الفرع في زلترس

‏[الصور في الصفحة ١٠٢]‏

بعض الذين من المانيا في الخدمة الارسالية الاجنبية:‏ (‏١)‏ مانفرِت توناك،‏ (‏٢)‏ مرڠريتا كونيڠر،‏ (‏٣)‏ پاول أنڠلِر،‏ (‏٤)‏ كارل زوميش،‏ (‏٥)‏ ڠونتر بوشبِك

‏[الصور في الصفحة ١١٠]‏

عندما رُفع الحظر في بلدان اوروپا الشرقية،‏ أُرسلت اليها شحنات كبيرة من المطبوعات

‏[الصور في الصفحة ١١٨]‏

محفل برلين،‏ ١٩٩٠

‏[الصور في الصفحة ١٢٤]‏

اول قاعة ملكوت بُنيت في المانيا الشرقية السابقة

‏[الصور في الصفحتين ١٣٢ و ١٣٣]‏

برنامج التدشين —‏ في زلترس (‏كما هو ظاهر اعلاه)‏،‏ ثم في ستة مدرَّجات في كل انحاء المانيا

‏[الصورة في الصفحة ١٣٩]‏

وسائل لمواجهة فيض من المعلومات الخاطئة

‏[الصور في الصفحتين ١٤٠ و ١٤١]‏

على الرغم من سَجن هؤلاء المسيحيين الاولياء في معسكرات الاعتقال (‏حيث كانت تحدَّد هوية شهود يهوه بمثلَّث ارجواني)‏،‏ بقوا ثابتين في الايمان (‏يظهرون هنا في براندنبورڠ سنة ١٩٩٥)‏

‏[الصور في الصفحة ١٤٧]‏

في الصفحة المقابلة،‏ بحسب دوران عقارب الساعة:‏ هاينريخ ديكمان،‏ آن ديكمان،‏ ڠيرتْرُوت پويتسنڠر،‏ ماريا هومباخ،‏ يوزِف رايڤالد،‏ إلفريدا لور