الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

اورڠواي

اورڠواي

اورڠواي

عندما اتى الاسپان اول مرة الى اورڠواي سنة ١٥١٦،‏ لم يجدوا ذهبا او فضة،‏ ولا الممر الى الشرق الذي كانوا يبحثون عنه.‏ لكنهم ادركوا مع الوقت ان الارض المتموّجة والمناخ المعتدل مثاليان للمواشي،‏ وهنا كانت الفرصة لجني الاموال.‏ وباستخدام الوسائل التي غالبا ما تستخدمها،‏ مع الأسف،‏ القوى الاستعمارية،‏ شنّت اسپانيا حملة عسكرية عدوانية لابادة هنود الشارُووا الاصليين والاستيلاء على الارض.‏ وفي القرنين الـ‍ ١٧ والـ‍ ١٨،‏ حلّ الاسپان فعليا محل السكان الهنود المحليين.‏ ولاحقا،‏ وصل ايضا ألوف المهاجرين من ايطاليا وبلدان اخرى.‏ لذلك يتحدر معظم الناس في اورڠواي من المهاجرين الاوروپيين.‏ والاسپانية هي اللغة الرسمية.‏

ورغم التأثير الاوروپي السائد لأكثر من ثلاثة ملايين من السكان،‏ فإن حوالي ١٠ في المئة لهم اسلاف من الهنود الاصليين،‏ وأقل من ٣ في المئة يتحدرون من عبيد جُلبوا من افريقيا.‏ ليست للدين اهمية كبرى عند اكثرية سكان اورڠواي.‏ وليست للكنيسة الكاثوليكية القبضة القوية على العامّة التي لها في بلدان اميركا الجنوبية الاخرى.‏ وفي الواقع،‏ منذ بداية القرن الـ‍ ٢٠ كان هنالك فصل واضح بين الكنيسة والدولة.‏ وفيما يوجد كثيرون من ذوي الفكر الحرّ واللاأدريين والملحدين،‏ لا يزال عدد كبير من الناس يؤمنون باللّٰه.‏ وموقفهم تبيِّنه عبارة تُسمع عموما:‏ «أومن باللّٰه لكني لا أومن بالدين».‏

فكيف يتجاوب هؤلاء الناس اذا جرى تعليمهم عن الاله الحقيقي الذي يصف الكتاب المقدس قصده الحبي وتعاملاته الودية مع الجنس البشري بدلا من تعليمهم قوانين ايمان العالم المسيحي؟‏ هل يبرهنون انهم بين ‹المشتهى› الذي يرحب به اللّٰه في بيته الروحي للعبادة؟‏ —‏ حجي ٢:‏٧‏.‏

بداية صغيرة

سنة ١٩٢٤ اتى رجل اسپاني يدعى هوان مونييس بحثا عن المستقيمي القلوب الذين سيصيرون عبّادا ليهوه.‏ وطلب منه ج.‏ ف.‏ رذرفورد،‏ الذي كان آنذاك رئيس جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس،‏ ان ينتقل الى اميركا الجنوبية ليشرف على الكرازة بالبشارة في الارجنتين،‏ اورڠواي،‏ پاراڠواي،‏ وتشيلي.‏ وبعيد وصوله الى الارجنتين،‏ سافر عبر نهر ريو دي لا پلاتا ليكرز للناس في اورڠواي.‏

اثناء السنوات الـ‍ ٤٣ التي تلت وحتى موته سنة ١٩٦٧،‏ كان هوان مونييس معلما جريئا لكلمة اللّٰه وفعّالا في نشر البشارة في عدة بلدان في اميركا الجنوبية،‏ بما فيها اورڠواي.‏ ويذكر شهود ليهوه كثيرون في تلك الفترة انه كان يستطيع اسر الحضور ساعتين او ثلاثا،‏ مستخدما كتابه المقدس فقط دون الاتكال على اية ملاحظات.‏

طلب المزيد من الفعلة يُستجاب

بعيد وصول هوان مونييس الى اميركا الجنوبية،‏ ادرك الامكانية الكبيرة للتلمذة والحاجة الماسة الى فعلة.‏ ولا بد انه شعر كيسوع:‏ «ان الحصاد كثير،‏ ولكنَّ العمال قليلون.‏ فتوسلوا الى سيد الحصاد ان يرسل عمالا الى حصاده».‏ (‏متى ٩:‏٣٧،‏ ٣٨‏)‏ وهكذا،‏ انسجاما مع صلواته الى يهوه،‏ «سيد الحصاد»،‏ نقل الاخ مونييس قلقه الى الاخ رذرفورد.‏

استجابة لطلبه،‏ وأثناء محفلٍ سنة ١٩٢٥ في ماڠدَبورڠ،‏ المانيا،‏ سأل الاخ رذرفورد فاتحا المانيا عما اذا كان يرغب في تقديم العون في اميركا الجنوبية.‏ وكان اسمه كارل أُت.‏ قبِل الاخ أُت التعيين وصار يُعرف باسم كارلوس أُت بين الاخوة الذين يتكلمون الاسپانية.‏ وبعد ان خدم في الارجنتين مدة قصيرة،‏ عُيِّن سنة ١٩٢٨ في مونتيڤيديو،‏ عاصمة اورڠواي.‏ فخدم في اورڠواي طيلة السنوات العشر التي تلت.‏

انصرف كارلوس الى العمل مباشرة.‏ وبرهن انه مجتهد وبارع.‏ وسرعان ما وجد مكانا في شارع ريو نيڠرو حيث استطاع ان يسكن ويعقد اجتماعات قانونية لدرس الكتاب المقدس مع بعض المهتمين.‏ كما انه رتب لاذاعة محاضرات من الكتاب المقدس عبر الراديو،‏ حتى ان احدى محطات الراديو وافقت على اذاعة المحاضرات مجانا.‏

احيانا،‏ كان كارلوس يدخل مطعما ويقترب الى الناس عند طاولاتهم وهم يأكلون.‏ وذات يوم،‏ فيما كان منهمكا في هذه الشهادة من طاولة الى طاولة،‏ التقى هوسّيه ڠايِك وهو صاحب متجر الماني اعتنق حق الكتاب المقدس بسرعة.‏ وسرعان ما انضم الى كارلوس كواحد من اوائل معلني البشارة في اورڠواي.‏

وإذ كان الاخ ڠايِك مصمما على الاشتراك في نشر البشارة عن ملكوت اللّٰه كامل الوقت،‏ باع متجر البقول الذي كان يملكه وتبنَّى عمل الفتح.‏ فغطى هو والاخ أُت جزءا كبيرا من البلد،‏ كارزَين من بيت الى بيت ومقدمَين خطابات من الكتاب المقدس في مدن وبلدات عديدة.‏ لقد زرع الاخ ڠايِك البذور بوفرة في قلوب كثيرين من سكان اورڠواي حتى مماته سنة ١٩٥٣.‏ وأصبح كثيرون من تلاميذه اعضاء في الجماعة المسيحية ولا يزالون امناء حتى الآن.‏

الروس يقبلون الحق

اثناء الحرب العالمية الاولى،‏ انتقلت عدة عائلات روسية الى اورڠواي واستقرت بالشمال.‏ وهناك اسسوا مستعمرات زراعية ثرية.‏ وحافظوا ايضا على احترامهم التقليدي للكتاب المقدس بقراءته قانونيا.‏ وإذ كانوا في طبيعتهم مجتهدين في العمل ومتحفظين،‏ شكلوا مجتمعا متشدِّدا قليل الاتصال بمجتمع اورڠواي.‏ وهنا ظهر على المسرح شخص آخر من اوائل الناشرين للبشارة في اورڠواي.‏ كان اسمه نيكيفور كاتشنكو.‏

كان نيكيفور شيوعيا مخلصا في موطنه بسارابيا.‏ ولكن بعد ان هاجر الى البرازيل،‏ حصل على كراس عنوانه اين هم الموتى؟‏،‏ اصدار جمعية برج المراقبة.‏ فأدرك على الفور رنة الحق وأصبح تلميذا نَهِما للكتاب المقدس.‏ وسرعان ما ابتدأ يكرز بين المتكلِّمين الروسية في منطقة سان پاولو في البرازيل.‏ وإذ دفعته رغبته الى الكرازة بلغته لأبناء بلده في اورڠواي،‏ سافر حوالي ٠٠٠‏,٢ كيلومتر (‏٢٥٠‏,١ ميلا)‏.‏ وهكذا في سنة ١٩٣٨ وصل الاخ كاتشنكو الى مجتمع روسي يدعى كولونيا پالما في شمال اورڠواي وخدم بغيرة كبيرة حتى انه استنفد بسرعة مخزونه لمطبوعات الكتاب المقدس بالروسية.‏

تجاوب المزارعون بحماس.‏ وبدأت عائلات بكاملها تدرس الحق وتعتنقه.‏ وقد برهنوا انهم بين ‹المشتهى› المدعوين الى بيت يهوه.‏ كاتشنكو،‏ ستانكو،‏ كوتلريَنكو،‏ ڠورديَنكو،‏ سِكِلْيِنوڤ،‏ وسيكالو هم فقط بعض العائلات الذين كان احفادهم وأبناء احفادهم اساسا لجماعات شمالية مثل بييا أونيون،‏ سالتو،‏ وپايساندو.‏ وكان البعض في هذه العائلات فاتحين خصوصيين وشيوخا ونظار دوائر ومرسلين.‏ أما الاخ كاتشنكو فقد بقي امينا حتى مماته سنة ١٩٧٤.‏

الالمان الستة

بسبب الاضطهاد العنيف على شهود يهوه في المانيا النازية،‏ ترك كثيرون من الفاتحين الالمان موطنهم ليخدموا في اميركا الجنوبية.‏ وفي اوائل سنة ١٩٣٩،‏ وصل ستة من هؤلاء الفاتحين الى مونتيڤيديو مفلسين،‏ ومعهم القليل من الامتعة.‏ لقد سرَّهم ان يلتقوا كارلوس أُت الذي كان هناك للترحيب بهم.‏ وكان الستة ڠوستاڤو وبيتي بِندر،‏ أدولفو وكارلوتا فوس،‏ كورت نيكل،‏ وأوتو هيلي.‏ وبعد وصولهم بثلاثة ايام،‏ بدأوا بالكرازة من بيت الى بيت.‏ وإذ كانوا لا يعرفون الاسپانية،‏ استخدموا بطاقة شهادة مطبوعة بالاسپانية.‏ وكل ما استطاعوا قوله بالاسپانية كان ‏«پور فاڤور لِيا إستو»‏ (‏«من فضلك اقرأ هذه»)‏.‏ ورغم ضعفهم في اللغة،‏ تُرك هذا الفريق الالماني في اورڠواي للاهتمام بعمل الملكوت في البلد عندما أُعيد تعيين الاخ أُت في الارجنتين.‏

لم تكن الاشهر القليلة الاولى سهلة.‏ فكان تعلُّم اللغة تحدِّيا.‏ ولم يكن غير عادي ان يدعوا الناس الى الـ‍ رينيونس (‏الكُلى)‏ عوض الـ‍ رِيونيونس (‏الاجتماعات)‏؛‏ وقد تحدثوا عن أبيخاس (‏النحل)‏ عوض أوڤيخاس (‏الخراف)‏؛‏ وطلبوا الـ‍ أرِنا (‏الرمل)‏ عوض الـ‍ أرينا (‏الطحين)‏.‏ ويتذكر احدهم:‏ «الكرازة من بيت الى بيت وإدارة دروس في الكتاب المقدس والاجتماعات دون معرفة اللغة كانت مهمة صعبة.‏ وفضلا عن ذلك،‏ لم تكن لدينا اية مساعدة مالية.‏ لقد تمكنا من استخدام التبرعات الناتجة عن توزيعنا للمطبوعات في تغطية تكاليف عيشنا والمواصلات.‏ نشكر اللّٰه على اننا عند نهاية سنة ١٩٣٩ كنا قد صنعنا ٥٥ اشتراكا في المجلات،‏ ووزعنا اكثر من ٠٠٠‏,١ كتاب و ٠٠٠‏,١٩ كراس».‏

الدراجات والخيام

لم يكن من السهل تثبيط هؤلاء الالمان الستة.‏ وسرعان ما بدأوا يغطون البلد بالبشارة بأرخص طريقة ممكنة،‏ وهي شراء ست دراجات.‏ ركب أوتو هيلي وكورت نيكل دراجتيهما عدة ايام قاطعَين مسافة ٦١٥ كيلومترا (‏٣٨٤ ميلا)‏ من اجل الوصول الى كولونيا پالما ليمنحا الدعم للاخ كاتشنكو.‏ وتصوروا دهشتهما عندما اكتشفا انه لم يكن يتكلم لا الاسپانية ولا الالمانية،‏ وهما كانا لا يفهمان كلمة روسية!‏ وإذ لمسا تأثير ما حدث عند برج بابل،‏ قرَّرا ان يكرزا بلغتهما الاسپانية الضعيفة في بلدة سالتو المجاورة فيما تابع الاخ كاتشنكو العمل مع الروس.‏ —‏ تكوين ١١:‏١-‏٩‏.‏

في غضون ذلك،‏ بدأ الزوجان بِندر برحلة من مئات الاميال على طرقات يغطيها الحصى والتراب من اجل نشر رسالة الكتاب المقدس في مدن وبلدات الجنوب.‏ وعلى دراجتيهما حملا خيمة وموقدا صغيرا للطبخ وأدوات مطبخ ومطبوعات وفونوڠرافا مع خطابات من الكتاب المقدس على اسطوانات،‏ بالاضافة الى الملابس الضرورية لمدة عدة اشهر.‏ وكانت المعدات المحمولة على كل دراجة تزن وزن شخص آخر!‏ وبهذه العدة المحدودة تحدَّيا البرد والحر والمطر.‏ وفي بعض الاحيان عندما كانا يخوضان مياه الفيضانات،‏ كان عليهما حمل كل شيء على اكتافهما لحفظ الكتب والفونوڠراف من البلل.‏

كانت خيمتهما احدى المعدات الضرورية.‏ وقد عالج الزوجان بِندر بأنفسهما قماش الخيمة بالزيت لجعله صامدا للماء وبالثوم لإبعاد العُثّ.‏ وذات صباح لم يصدِّقا ما رأته اعينهما عندما استيقظا ورأيا السماء من خلال عشرات الثقوب في سقف الخيمة.‏ فأثناء الليل تمتع النمل بوجبة شهية من قماش القنب المطلي بالزيت والثوم.‏ فلم يكن الزوجان الالمانيان يدركان مدى ما تستطيع فعله شهية النمل النهمة.‏

‏«جواسيس نازيون»؟‏

ان كون ڠوستاڤو وبيتي بِندر المانيين صار من اكبر المشاكل عندهما اثناء الكرازة داخل البلد.‏ ولماذا؟‏ لأن الحرب العالمية الثانية كانت في اوجها،‏ وكان الراديو والصحف في اورڠواي تعطي تقارير مثيرة عن تقدم الالمان في اوروپا.‏ ذات مرة،‏ فيما كان الزوجان بِندر يخيِّمان في ضواحي احدى البلدات،‏ اذاع الراديو ان الالمان قد أنزلوا وراء خطوط العدو مظليين مسلحين،‏ ومعهم دراجات.‏ وسرعان ما استنتج سكان البلدة المذعورون ان الزوجين الالمانيين المخيمين خارج البلدة هما جاسوسان نازيان!‏ فتوجَّه رجال الشرطة المحلية فورا الى مخيم الزوجين بِندر للتحقُّق من الامر،‏ يدعمهم فريق كبير من الرجال المسلحين.‏

جرى استجواب ڠوستاڤو وبيتي.‏ ولاحظ رجال الشرطة ان بعض الامتعة كانت مغطاة بشرشف من قماش القنب.‏ فسألوا بعصبية:‏ «ماذا تغطون بذلك الشرشف؟‏».‏ اجاب ڠوستاڤو:‏ «دراجتينا ومطبوعات الكتاب المقدس».‏ وبنظرة شك،‏ امره الشرطي بنزع الشرشف.‏ فلم تظهر اية رشاشات بل دراجتان وبعض الكتب،‏ مما اراح رجال الشرطة.‏ فقدموا للزوجين بِندر دعوة ودية الى المكوث بمكان اكثر ضيافة،‏ مركز الشرطة،‏ اثناء كرازتهما في البلدة!‏

كرز الالمان الستة بأمانة لعقود في اورڠواي.‏ وبعد موت ڠوستاڤو بِندر سنة ١٩٦١،‏ عادت زوجته الى المانيا حيث استمرت في نشاط الفتح،‏ وماتت سنة ١٩٩٥.‏ وخدم أدولفو وكارلوتا فوس كمرسلين في اورڠواي حتى مماتهما في سنة ١٩٩٣ و ١٩٦٠ على التوالي.‏ وبقي كورت نيكل في اورڠواي حتى مماته سنة ١٩٨٤.‏ وعند هذه الكتابة،‏ كان أوتو هيلي لا يزال يخدم في اورڠواي وهو في الـ‍ ٩٢ من عمره.‏

البزور تنتج ثمرا

بحث هؤلاء المنادون الاوائل بالبشارة في اورڠواي بغيرة عن رعايا محتملين لملكوت اللّٰه.‏ وبحلول سنة ١٩٤٤ كان هنالك ٢٠ ناشرا و ٨ فاتحين يقدمون تقريرا عن نشاطهم في اورڠواي.‏ كان ذلك بداية صغيرة،‏ وكان يجب بعدُ ايجاد آخرين من ‹المشتهى›.‏

بدأت ماريا دي بيرويتا وأولادها الاربعة —‏ ليرا،‏ سيلڤا،‏ هيرمينال،‏ وليبر —‏ يحضرون الاجتماعات المسيحية في سنة ١٩٤٤.‏ وبعيد ذلك،‏ بدأت ليرا وسيلڤا تكرزان،‏ وبعد بضعة اشهر انخرطتا في خدمة الفتح،‏ ورافقتا أيدا لارييرا،‏ واحدة من اوائل الناشرين الغيورين جدا في البلد.‏ ولكن لم تكن عائلة بيرويتا قد رمزت بعدُ الى انتذارها بمعمودية الماء.‏ فلاحظ هوان مونييس اثناء احدى زياراته من الارجنتين هذه الحالة الشاذة.‏ وهكذا بعد ستة اشهر من خدمتهما كامل الوقت،‏ اعتمدت ليرا وسيلڤا مع اخيهما ليبر وأمهما ماريا.‏

تقول ليرا:‏ «لأن نعمة يهوه دعمتنا،‏ لم نَخُن قط هذا الانتذار».‏ وفي سنة ١٩٥٠ دُعيت الى مدرسة جلعاد،‏ وكمرسلة عُيِّنت في الارجنتين حيث خدمت ٢٦ سنة.‏ ثم عادت في سنة ١٩٧٦ الى اورڠواي.‏ حضرت سيلڤا ايضا مدرسة جلعاد في سنة ١٩٥٣ مع زوجها،‏ وعُيِّنا في اورڠواي حيث خدم زوجها كناظر دائرة.‏ بقيت سيلڤا امينة حتى مماتها سنة ١٩٧٣.‏ تزوج ليبر وربَّى عائلة،‏ وتمتع هو ايضا بامتيازات خدمة كثيرة.‏ فحتى مماته سنة ١٩٧٥ كان رئيس المؤسسة الشرعية التي استخدمها شهود يهوه في اورڠواي،‏ وتُدعى سوسْييداد لا تورّي ديل ڤيخييا.‏ وماذا حل بهيرمينال؟‏ توقف عن معاشرة شعب يهوه.‏ ولكن بعد حوالي ٢٥ سنة،‏ نبتت بزرة الحق ثانية في قلبه،‏ وهو اليوم شيخ في احدى جماعات مونتيڤيديو.‏

مرسلو جلعاد يصلون

في آذار (‏مارس)‏ ١٩٤٥،‏ قام ناثان ه‍.‏ نور وفردريك و.‏ فرانز من المركز الرئيسي العالمي للجمعية بأول زيارة لهما لأورڠواي.‏ وكانا مصدر تشجيع للجميع.‏ ووصل ايضا اخ آخر هو رصل كورنيليوس الى اورڠواي في الفترة عينها تقريبا.‏ ولم يكن الاخ كورنيليوس مجرد زائر.‏ فلفرح الاخوة كان اول متخرج من جلعاد يُعيَّن في اورڠواي.‏ وفي ذلك الوقت كان يتكلم كلمات قليلة فقط بالاسپانية،‏ ولكنه كان مصمما على التعلم.‏ وبعد ستة اسابيع،‏ استطاع تقديم اول خطاب عام له بالاسپانية!‏ وأثبت انه عون لا يُقدَّر بثمن لعمل الملكوت في اورڠواي.‏

في تلك السنة عينها ارسلت الجمعية ١٦ مرسلا آخر.‏ وكانوا كلهم اخوات شابات.‏ وسرعان ما لوحظ وجودهن في مونتيڤيديو،‏ فكتبت احدى الصحف ان «ملائكة شُقْرا يضعون مستحضرات تجميل» قد نزلوا من السماء الى مونتيڤيديو!‏ بدأت الاخوات فورا بالكرازة بغيرة وحماسة.‏ وصارت نتائج خدمتهن واضحة اذ ارتفع عدد الحضور في الذِّكرى من ٣١ في سنة ١٩٤٥ الى ٢٠٤ في السنة التالية.‏ ولاحقا أُرسل عدد من هؤلاء المرسلات الى مدن داخل البلد.‏ وبارك يهوه جهودهن فيما كرزن في مقاطعات لم يسبق ان وصلت اليها البشارة.‏

على مر السنين،‏ خدم اكثر من ٨٠ مرسلا في اورڠواي.‏ والذين لا يزالون في تعيينهم هم إثيل فوس،‏ بردين هوفستتر،‏ توڤه هُوَنسن،‏ ڠونتر شونهارت،‏ ليرا بيرويتا،‏ وفلورنس لاتيمر.‏ وجميعهم قضوا اكثر من ٢٠ سنة في تعيينهم.‏ مات وليَم،‏ زوج الاخت لاتيمر وهو في تعيينه بعد ٣٢ سنة من الخدمة الارسالية التي قضى الكثير منها في العمل الجائل.‏

اجتماع تحت حماية مشدَّدة

بدأ جاك پاورز،‏ وهو متخرج من اول صف لجلعاد،‏ يخدم في اورڠواي في ١ ايار (‏مايو)‏ ١٩٤٥.‏ لقد عمل مع زوجته جاين بشكل متواصل من اجل تقدم مصالح الملكوت هنا حتى سنة ١٩٧٨ عندما اضطرا الى مغادرة البلد للاعتناء بوالديهما العجزة في الولايات المتحدة.‏ ويتذكر جاك حادثة لا تنسى حصلت عندما كان في اورڠواي.‏ ففي سنة ١٩٤٧ وصل جاك الى ريڤيرا،‏ وهي مدينة في شمال البلد قرب الحدود البرازيلية.‏ ورغم عدم وجود ناشرين محليين،‏ قضى بمساعدة اخ من البرازيل شهرا يكرز في كل المدينة،‏ فوزَّع اكثر من ٠٠٠‏,١ نسخة من كراس عالم واحد،‏ حكومة واحدة‏،‏ بالاسپانية.‏

وكخاتمة عظيمة لنشاط هذا الشهر،‏ قرر عقد اجتماع عام في پْلاسا انترناسيونال.‏ وكما يشير الاسم،‏ كانت الساحة العامة تقع مركزيا على الحدود الدولية بين البرازيل وأورڠواي تماما.‏ وبعد عدة ايام من الاعلان عن الاجتماع،‏ جلس الاخَوان في مكانهما في الساحة العامة منتظرَين مجيء حشود كانا يرجوان ان يعج بها المكان من اجل سماع الخطاب.‏ وسرعان ما وصل ٥٠ رجل شرطة مسلحا لحفظ النظام اثناء الاجتماع.‏ وكم كان عدد الحضور؟‏ ما مجموعه ٥٣ وهم:‏ الاخَوان،‏ شخص اتى بسبب اهتمامه بموضوع الخطاب،‏ ورجال الشرطة الـ‍ ٥٠.‏ فكان الاجتماع منظما تحت حماية مشدَّدة!‏

في السنة التالية،‏ عينت الجمعية خمسة مرسلين في ريڤيرا.‏ وبعيد وصولهم،‏ عقد ناثان ه‍.‏ نور ومِلتون ج.‏ هنشل،‏ من المركز الرئيسي للجمعية،‏ اجتماعا في ريڤيرا بحضور ٣٨٠ شخصا.‏ وعلى مر السنين،‏ كان يُعثر على اناس كثيرين متجاوبين مع رسالة الملكوت في ريڤيرا.‏ واليوم هنالك جماعتان نشيطتان في تلك المقاطعة.‏

جارتان فضوليتان

ان احدى المدن الكبرى في المنطقة الداخلية من اورڠواي هي سالتو الواقعة على الضفة الشرقية لنهر اورڠواي.‏ انها منطقة زراعية خصبة تشتهر بالبرتقال والحمضيات الاخرى.‏ وسالتو خصبة ايضا بمعنى روحي اذ يوجد خمس جماعات في المنطقة.‏ ولكن في سنة ١٩٤٧ كان ان بدأ المرسلون في سالتو بحثهم عن «مشتهى» يهوه.‏

في تلك السنة،‏ صعدت مايبل جونز،‏ احدى الاخوات المرسلات الـ‍ ١٦ اللواتي وصلن في سنة ١٩٤٥،‏ الى سالتو مع مرسلين آخرين لعدة اسابيع من اجل تنمية الاهتمام بالمحفل الذي كان سيُعقد هناك.‏ وثمة جارتان هما كارولا بِلتراميلِّي وصديقتها كاتالينا پُمپوني راقبتا مايبل بفضول.‏ وبعد ظهر احد ايام السبت فيما كانت مايبل عائدة الى البيت بعد اشتراكها في خدمة الحقل،‏ اقتربت منها الجارتان الفضوليتان وطرحتا اسئلة من الكتاب المقدس.‏ وتتذكر كاتالينا پُمپوني:‏ «كنت دائمة القلق بشأن الامور الدينية،‏ لذلك بدأت اقرأ الكتاب المقدس على صعيد شخصي.‏ وتعلمت اشياء كثيرة.‏ مثلا،‏ تعلمت ان الصلاة الى اللّٰه يجب ان تُقدَّم على انفراد وليس لكي يرى الآخرون.‏ وبعد ذلك،‏ كنت غالبا اركع وأصلي الى اللّٰه من اجل الفهم.‏ وعندما تحدثت الينا مايبل جونز للمرة الاولى،‏ شعرنا وكأن ستارا أُزيل عن اعيننا.‏ فعدت الى البيت وركعت لاشكر اللّٰه.‏ وفي اليوم التالي حضرتُ وكارولا الاجتماع العام في المحفل».‏

ورغم المقاومة التي واجهتاها من زوجيهما،‏ تقدمت جارتا مايبل بسرعة واعتمدتا.‏ وفي الوقت الملائم عيِّنت كاتالينا پُمپوني فاتحة خصوصية.‏ وفي مهنتها المثمرة التي دامت اكثر من ٤٠ سنة في الخدمة كامل الوقت،‏ ساعدت ١١٠ اشخاص ان يصبحوا شهودا ليهوه معتمدين.‏ وأثبتت كارولا بِلتراميلِّي ايضا انها منادية غيورة بالملكوت،‏ اذ ساعدت اكثر من ٣٠ شخصا حتى المعمودية.‏ وأصبح ابنا كارولا فاتحَين.‏ ونال الولد الاكبر دلفوس امتياز حضور مدرسة جلعاد،‏ وهو يساعد في تزويد الاشراف في مكتب الفرع منذ سنة ١٩٧٠.‏

بلد المَتّة

فيما غطى المرسلون المناطق الريفية،‏ زاروا عدة قرى كبيرة لتربية الماشية تُدعى استَنْسْياس.‏ والساكنون في الـ‍ استَنْسْياس هم من عامة الناس ومضيافون،‏ ومن المألوف عندهم الترحيب بالشهود بتقديم المشروب التقليدي،‏ اي المَتّة.‏ والمَتّة مشروب ساخن يُرشَف من كوب مصنوع من يقطينة بواسطة بومبييا،‏ اي انبوب معدني له مصفاة في احد طرفيه.‏ عند سكان اورڠواي،‏ يكون تحضير وتقديم المَتّة مثل تقليد.‏ فعندما يصير المشروب الساخن حاضرا،‏ يُمرَّر الكوب من شخص الى شخص بحيث يشترك الجميع في الـ‍ بومبييا عينها.‏

تخيلوا رد فعل المرسلين عندما دُعوا لأول مرة الى المشاركة في شرب المَتّة الجماعي.‏ وما كان يُضحِك مضيفيهم هو علامات الانزعاج المختلفة التي بدت على وجوه المرسلين وهم يرشفون المشروب الاخضر المر.‏ وبعد المحاولة الاولى،‏ قرر البعض ان تكون الاخيرة،‏ فكانت تُرفض بلطف الدعوات المقبلة الى رشف المَتّة.‏

‏‹اذا كانت عندكم صور وتماثيل فلن اعود›‏

عيِّن فريق من المرسلين في مدينة تاكْوَرمبو في شمال اورڠواي.‏ تحيط بهذه المدينة عدة قرى من الـ‍ استَنْسْياس الكبيرة ومنشآت زراعية اخرى.‏ في سنة ١٩٤٩،‏ تسلَّم خيراردو إسكريبانو،‏ وهو مزارع شاب لديه اسئلة كثيرة عن الحياة،‏ دعوة الى حضور خطاب عام في قاعة الملكوت.‏ فقَبِل الدعوة بشرط واحد:‏ «اذا كانت عندكم صور وتماثيل او اذا طُلب مني تكرار الصلاة فلن اعود».‏

سُرَّ خيراردو عندما لم يجد اية صور وتماثيل او شعائر في قاعة الملكوت.‏ وبالاحرى،‏ استمتع بخطاب من الاسفار المقدسة انعش اهتمامه بالكتاب المقدس.‏ فاستمر في حضور الاجتماعات،‏ وأصبح في النهاية خادما منتذرا ومعتمدا ليهوه.‏ وعلى مر السنين،‏ تمتع بامتيازات كثيرة للخدمة،‏ كالفتح الخصوصي،‏ العمل الدائري،‏ والعمل الكوري.‏ وقضى الاخ إسكريبانو وزوجته رامونا في الخدمة كامل الوقت سنوات مجموعها اكثر من ٨٣ سنة.‏ ومنذ سنة ١٩٧٦،‏ يخدم الاخ إسكريبانو كعضو في لجنة الفرع مع دلفوس بِلتراميلِّي وڠونتر شونهارت،‏ مرسل من المانيا ساهم لسنوات كثيرة في البناء الروحي للجماعات المجاورة للفرع.‏

الحصاد يزداد

قال يسوع:‏ «ان الحصاد كثير،‏ ولكن العمال قليلون».‏ (‏متى ٩:‏٣٧،‏ ٣٨‏)‏ اتخذت هذه الكلمات معنى خصوصيا في حياة المرسلين في اورڠواي الذين كانت لديهم مقاطعة شاسعة يجب تغطيتها.‏ وإذ مرت السنون،‏ بات من الواضح ان يهوه يدعم ويبارك جهود عماله.‏

في سنة ١٩٤٩،‏ عند الزيارة الثانية للاخوين نور وهنشل،‏ اجتمع ٥٩٢ شخصا في مونتيڤيديو للاستماع الى خطاب الاخ نور «الوقت متأخر اكثر مما تظنون!‏».‏ وفي تلك المناسبة اعتمد ٧٣ شخصا.‏ كانت توجد آنذاك ١١ جماعة في البلد.‏ وبعد عشر سنوات،‏ اثناء زيارة الاخ نور الرابعة،‏ تحدث الى حضور عددهم اكثر من ٠٠٠‏,٢ في مونتيڤيديو.‏ وفي ذلك الوقت،‏ كان هنالك ٤١٥‏,١ ناشرا و ٤١ جماعة في اورڠواي.‏

اتسمت خمسينات الـ‍ ١٩٠٠ بالنمو في عدد الجماعات في كل البلد.‏ ولكن كان على الكثير منها ان تجتمع في بيوت خاصة.‏ ففي احدى الحالات،‏ ركَّب صاحب احد البيوت ببراعة دواليب لكامل اثاث غرفة الجلوس.‏ وهكذا عندما كان يحين وقت ترتيب الغرفة لاجتماع الجماعة،‏ كان عليه فقط ان يجرّ الاثاث لإزاحته من الغرفة.‏ وفي حالة اخرى،‏ كانت الجماعة تجتمع في غرفة صغيرة في الجزء الامامي من بيت خاص.‏ وعندما نمت الجماعة،‏ أُزيلت الجدران الفاصلة لتسع الفريق الاكبر.‏ وفي النهاية أُزيلت معظم الجدران،‏ ووافقت العائلة على العيش في مساحة صغيرة في مؤخرة المنزل.‏

احدى الادوات البارزة التي تَبرهن انها نافعة في إطلاع سكان اورڠواي على عمل شهود يهوه كانت فيلم مجتمع العالم الجديد وهو يعمل.‏ لقد وصل هذا الفيلم الى اورڠواي في سنة ١٩٥٥.‏ وفي تلك السنة جال ليبر بيرويتا في المنطقة الداخلية للبلد وعرض الفيلم لاكثر من ٥٠٠‏,٤ شخص.‏ فدفع ذلك كثيرين ممن اظهروا في السابق اهتماما قليلا بعملنا الى درس الكتاب المقدس مع شهود يهوه.‏

مكتب فرع جديد

فيما استمر عدد الناشرين في النمو بسرعة،‏ نشأت الحاجة الى تسهيلات ملائمة تسع مكتب الفرع وبيت المرسلين.‏ وعلى مر السنين،‏ استؤجرت ابنية كثيرة لسد هذه الحاجة.‏ ولكن حان الوقت لشراء ارض من اجل بناء تسهيلات الجمعية.‏ وكانت الارض وسط العاصمة مونتيڤيديو باهظة الثمن.‏ فبدا انه ما من خيار سوى شراء ارض بعيدة قرب ضواحي المدينة.‏ لذلك اشتُريت قطعة ارض كبيرة سنة ١٩٥٥.‏ وجرت الموافقة على رسوم البناء،‏ وبات الطاقم مستعدا للابتداء بالعمل في الموقع.‏ وبعد ذلك صُدم الاخوة لدى معرفتهم ان الحكومة المحلية قررت توسيع جادة رئيسية عبر الارض التي اشتُريت حديثا!‏

فماذا كان عليهم ان يفعلوا؟‏ تلت ذلك مفاوضات مع السلطات،‏ وعرض الرسميون شراء ارض الجمعية كحل للمشكلة.‏ لكنَّ المبلغ الذي ارادوا دفعه كان اقل مما دفعه الاخوة في الاصل،‏ ولم يكن كافيا لشراء قطعة ارض مماثلة.‏

يتذكر جاك پاورز:‏ «في احدى المراحل،‏ استنتجنا انه ربما لم يحن الوقت الذي يريده يهوه للبناء.‏ ولكن سرعان ما توصلنا الى فهم افضل لكلمات بولس في رومية ١١:‏٣٤‏:‏ ‹مَن عرف فكر يهوه،‏ او مَن صار له مشيرا؟‏›.‏ لقد اقترح احد الرسميين انه ربما نستطيع مقايضة ارضنا باحدى اراضي الدولة غير المستعملة.‏ فعرض علينا قطعة ارض مشابهة في المساحة وذات موقع مثالي في وسط مونتيڤيديو تماما،‏ في شارع فرنسيسكو باوسا.‏ ودون تردد قبلنا العرض،‏ وكانت قيمة هذه الارض اضعاف قيمة الارض التي اشتريناها سابقا،‏ ولم يكن علينا دفع سنت واحد آخر!‏ حقا،‏ وجَّهت يد يهوه الامور لصالح شعبه!‏».‏

مهندس معماري يتَّخذ قرارا

بُني مكتب الفرع تحت اشراف هوستينو أپولو،‏ مهندس معماري شهير.‏ وكان هوستينو قد ابتدأ قبل وقت قصير بدرس الكتاب المقدس مع احد المرسلين.‏ يتذكر هوستينو:‏ «لطالما اردتُ ان اجد الحقيقة عن اللّٰه.‏ لقد نشأت كاثوليكيا،‏ لكنني صرت خائبا اكثر فأكثر على مرِّ السنين.‏ ما زلت اذكر جيدا يوم زرت الكنيسة لأعدّ الترتيبات من اجل زفافي.‏ فقد سألني الكاهن:‏ ‹كم مصباحا تريد ان تضيء في الكنيسة خلال مراسم زفافك؟‏ فكلما اضأت مصابيح اكثر،‏ كلَّفك ذلك اكثر،‏ لكنك ستنال بالتأكيد اعجاب اصدقائك›.‏ طبعا،‏ كنت ارغب في زفاف رائع،‏ لذلك طلبت مصابيح كثيرة.‏ ثم سأل الكاهن:‏ ‹أتريد سجادة حمراء ام بيضاء؟‏›.‏ وما الفرق؟‏ اوضح:‏ ‹ان السجادة الحمراء تجعل ثوب العروس يبرز اكثر،‏ لكنها تكلِّفك الضعف›.‏ ثم جاء موضوع ترتيلة ‹السلام المريمي›:‏ ‹أتريد ان يرتّلها شخص واحد ام تريد كَوْرسا؟‏›.‏ وراح الكاهن يبيعني وجها بعد آخر من اوجه الاحتفال.‏

‏«تزوجت في الكنيسة؛‏ لكنني كنت مغتاظا جدا من كل الاساليب التجارية في الدين.‏ وعندما ابتدأت ادرس مع شهود يهوه،‏ صار الفرق واضحا بحيث ادركت بسرعة انني وجدت الحق».‏

بعد اشهر كثيرة من درس الكتاب المقدس،‏ فيما كان هوستينو يعمل في بناء بيت ايل ويعاشر الشهود،‏ ادرك ان عليه اتخاذ قرار.‏ فبعد اكمال المبنى قُبيل نهاية سنة ١٩٦١،‏ اتخذ المهندس المعماري القرار الصائب واعتمد.‏ والآن،‏ يخدم هوستينو كشيخ،‏ وقد ساعد على بناء اكثر من ٦٠ قاعة ملكوت في اورڠواي.‏

توسُّع الفرع يستمر

في ٢٨ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٦١،‏ جرى تدشين مبهج للمبنى الجديد الجميل.‏ زوَّد الطابق الاول اماكن واسعة للمكاتب،‏ مخزنا للمطبوعات،‏ وقاعة ملكوت مريحة.‏ وكانت هنالك تسع غرف نوم في الطابق العلوي تتَّسع للمرسلين والعاملين في المكاتب على السواء.‏

بالنسبة الى الـ‍ ٥٧٠‏,١ ناشرا نشيطا في البلد آنذاك،‏ بدا بيت ايل الجديد مؤهَّلا للاعتناء بأي نمو محتمل في السنوات المقبلة.‏ ولكنَّ النمو كان اسرع من المتوقَّع،‏ فبُني سنة ١٩٨٥ طابقان اضافيان ضاعَفا حجم الفرع.‏

حصلت الجمعية مؤخرا على ملكية اخرى رائعة في ضواحي مونتيڤيديو.‏ وبناء تسهيلات جديدة للفرع مع قاعة للمحافل هو الآن في مرحلة متقدمة جدا.‏ وبمساعدة فريق اممي من العمال،‏ يُتوقع ان يتم المشروع سنة ١٩٩٩.‏

تدريب للنظار

للاعتناء بالزيادة في ‹المشتهى› في اورڠواي،‏ كانت هنالك حاجة ليس فقط الى تسهيلات للفرع بل ايضا الى رعاة يعتنون بالرعية.‏ فبين سنتي ١٩٥٦ و ١٩٦١ تضاعف عدد الناشرين وتشكَّلت ١٣ جماعة جديدة.‏ وكم تبيَّن ان مدرسة خدمة الملكوت كانت تدبيرا حبِّيا وفي حينه!‏ فلما ابتدأت مدرسة خدمة الملكوت في سنة ١٩٦١،‏ قام عدة اخوة في مراكز مسؤولية في الجماعات بصنع الترتيبات لحضور هذه المقرَّرات التي تدوم شهرا.‏ وكان على عدد منهم ان يسافر مسافات طويلة،‏ وجازف البعض بوظائفهم بغية حضور كامل مقرّر المدرسة.‏

على سبيل المثال،‏ عاش أوراسيو لَڠيسامون في دولورس التي تقع على بعد ٣٠٠ كيلومتر (‏١٩٠ ميلا)‏ من مونتيڤيديو،‏ حيث كانت تُعقد مدرسة خدمة الملكوت.‏ فعندما طلب من رب عمله اجازة لمدة شهر،‏ قيل له ان ذلك مستحيل.‏ فأوضح الاخ لَڠيسامون عندئذ مدى اهمية هذا التدريب بالنسبة اليه،‏ وأنه مصمِّم ان يحضر المدرسة حتى لو عنى ذلك خسارة عمله.‏ ويا لدهشة أوراسيو لدى سماعه بعد بضعة ايام ان رب عمله قرَّر ان يصنع استثناءً،‏ الامر الذي مكَّنه من حضور المدرسة دون خسارة عمله.‏

فهل كان المقرّر يستحق كل هذا العناء؟‏ يذكر احد التلاميذ الاوائل:‏ «لم نختبر قط شيئا كهذا من قبل.‏ ف‍وجودنا برفقة اخوة ناضجين من كل انحاء البلد جعلنا نشعر طوال شهر كما لو اننا عائشون في العالم الجديد.‏ وقد جهَّزتنا المدرسة على نحو ملائم لمواجهة تحدي رعاية الرعية بفعّالية،‏ بالدعم الحبي من هيئة يهوه المنظورة.‏

لقد ساعدت مدرسة خدمة الملكوت مئات المسيحيين الناضجين على الصيرورة مجهّزين بشكل افضل،‏ ممّا ادّى الى تقوية الجماعات،‏ وخصوصا في وقت تزداد فيه حدّة مشاكل النظام القديم هذا.‏

فقراء —‏ ولكن اغنياء روحيا

وفقا للمؤرِّخين في اورڠواي،‏ وسم عقد الستينات بداية التدهور الاقتصادي للبلد.‏ فقد تناقص ثمن الصادرات التقليدية كلحم البقر،‏ الجلد،‏ والصوف،‏ في السوق الدولية.‏ وقد أفلس عدد من البنوك والشركات الصناعية الرئيسية،‏ مما ترك الآلاف عاطلين عن العمل.‏ وصار الناس قلقين بشأن التضخم غير المضبوط،‏ التخفيض المفاجئ لقيمة العملة،‏ زيادة الضرائب،‏ والصعوبات في الحصول على الطعام وضرورات الحياة الاساسية الاخرى.‏

كانت للازمة الاقتصادية تأثيرات اجتماعية وخيمة.‏ فقد انتج إفقار الطبقة الوسطى الكبيرة ازديادا هائلا في الجريمة.‏ وأدَّى الاستياء العام الى مظاهرات متكررة،‏ وعنيفة احيانا،‏ ضد السلطات.‏ وهاجر الآلاف في اورڠواي وخصوصا الشباب الى بلدان اخرى محاولين الهروب من ازمة تتفاقم بسرعة.‏

من جهة اخرى،‏ انتج عقد الستينات نموا روحيا داخل هيئة يهوه يذكِّر بكلمات اشعياء ٣٥:‏١،‏ ٢‏:‏ «تفرح البرية والارض اليابسة ويبتهج القفر ويزهر كالنرجس.‏ يزهر ازهارا ويبتهج ابتهاجا ويرنم».‏ فقد تشكَّلت خمس عشرة جماعة جديدة بين السنتين ١٩٦١ و ١٩٦٩،‏ فبلغت ذروة العدد الاجمالي للناشرين في البلد ٩٤٠‏,٢ شخصا.‏

في ٩ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٦٥،‏ صدَّقت الحكومة على النظام الداخلي لمؤسستنا الشرعية المعروفة بـ‍ سوسْييداد لا تورّي ديل ڤيخييا.‏ وقد سمحت لنا هذه المؤسسة بالحصول على رخص خصوصية وإعفاء من الضرائب على الطباعة،‏ الاستيراد،‏ وتوزيع الكتب المقدسة بالاضافة الى المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وقد جعل ايضا هذا الوضع القانوني من الممكن شراء ملكيات وبناء قاعات ملكوت.‏

‏«المحفل العظيم»‏

سيجري دائما تذكُّر سنة ١٩٦٧ بصفتها سنة «المحفل العظيم».‏ فقد حضر المحفل وفد من نحو ٤٠٠ شاهد من الولايات المتحدة وأوروپا،‏ بمن فيهم فردريك و.‏ فرانز ومِلتون ج.‏ هنشل.‏ ولأول مرة،‏ تمتع حضور من ٩٥٨‏,٣ شخصا بعرض مسرحية من الكتاب المقدس بالزي القديم.‏ وللمرة الاولى ايضا،‏ استطاع الاخوة استعمال مدرَّج پَلاسيو پينيارول المغلَق الواسع حيث كانت تجري اهمّ احداث مونتيڤيديو الاجتماعية والفنية والرياضية.‏

بذل العديد من الاخوة المحليين جهودا فوق العادة لتمويل الرحلة والمأوى.‏ فقد عملت اخت طيلة ستة اشهر في غسل الالبسة باليد من اجل توفير ما يكفي من المال لرحلتها.‏ وجمعت اخت اخرى،‏ كان زوجها معارضا لكونها واحدة من شهود يهوه،‏ الاموال اللازمة بصنع مأكولات مثلَّجة وبيعها للجيران.‏

وأي انطباع تركه المحفل في مديري المدرَّج؟‏ قال واحد منهم ان مدرَّج «پَلاسيو پينيارول لم يكن قط من قبل بهذه النظافة وخاليا من الروائح الكريهة!‏».‏ وتأثر المديرون جدا بالترتيب والتنظيم الجيدَين للشهود بحيث جعلوا مكاتبهم الخاصة تحت تصرُّف الاخوة المعينين لادارة المحفل.‏ وبعد ذلك،‏ استُعمل المدرَّج للعديد من المحافل الكورية حتى سنة ١٩٧٧.‏ ففي تلك السنة،‏ غيَّرت الحكومة موقفها من شهود يهوه،‏ ومُنع الشهود من عقد المحافل لعدة سنوات.‏

‏«حذرين كالحيات»‏

خلال اوائل سبعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ ساء الاقتصاد في اورڠواي.‏ فازدادت اعمال العصيان المدني.‏ وتحوَّلت مظاهرات العمال والطلاب الى اعمال شغب عنيفة ومخرِّبة.‏ وابتدأت تظهر عصابات في المدن الكبيرة؛‏ وانتشر الرعب اذ انهمكت هذه العصابات في اعمال السرقة،‏ قذف القنابل،‏ الاعتداءات،‏ والخطف.‏ وفي خضم هذا الاضطراب،‏ قوي الجيش واستولى على السلطة في سنة ١٩٧٣.‏

حكمت القوات العسكرية بقبضة حديدية.‏ فحُظرت كل النشاطات السياسية بالاضافة الى نشاطات اتحاد العمال.‏ وفُرضت رقابة شديدة على الصحافة.‏ ولم يكن ممكنا عقد اجتماعات عامة دون الحصول على اذن مسبق من السلطات.‏ وقُيِّدت الحريات الفردية بشدة.‏ فكيف استطاع الاخوة ان ‹يكرزوا بالكلمة› في هذا الوقت المحفوف بالمتاعب؟‏ —‏ قارنوا ٢ تيموثاوس ٤:‏٢‏.‏

يتذكر الاخ إسكريبانو:‏ «في تلك الايام،‏ كان علينا ان نطبق اكثر من اي وقت مضى كلمات يسوع المذكورة في متى ١٠:‏١٦‏:‏ ‹ها انا ارسلكم كخراف وسط ذئاب؛‏ فكونوا حذرين كالحيات،‏ وأبرياء كالحمام›.‏ لذلك سارعت الجمعية الى اعطاء الارشاد لكل الشيوخ،‏ لينال الناشرون التدريب اللازم من اجل الاستمرار في العمل الكرازي بغيرة —‏ ولكن الآن بحذر وحسن تمييز».‏

كان بعض الاعضاء من رجال الدين والفئات الدينية يدعمون الثوار.‏ فأصبحت الحكومة العسكرية مرتابة جدا من كل الحركات الدينية،‏ بما فيها شهود يهوه.‏ فأدى ذلك الى ايقاف كثيرين في كل انحاء البلد اثناء اشتراكهم في الخدمة من بيت الى بيت.‏ ولكن في اغلب الاحيان،‏ كان يُطلق سراحهم فورا بعد اظهارهم مطبوعات الكتاب المقدس وتوضيحهم طبيعة عملهم.‏ وبعد هذا العدد الكبير الاولي من الايقافات،‏ رأى الاخوة انه من الحكمة الذهاب في الخدمة في فرق اصغر لكي لا يلفتوا الانظار.‏

اظهرت القوات العسكرية في بعض الاحيان رضى ضمنيا عن عمل الشهود من بيت الى بيت.‏ حتى انها حاولت ذات مرة تقديم المساعدة،‏ انما على طريقتها الخاصة.‏ فقد كانت مجموعة من الجنود تقوم بدورية في منطقة حيث كانت اخت تكرز بالبشارة.‏ وبعد ان قرعت الاخت جرس احد البيوت،‏ خاطبتها صاحبة المنزل من نافذة الطابق الثاني،‏ وبأسلوب فظ جدا طلبت منها ان تغادر في الحال.‏ وإذ رأى احد الجنود ما حدث انفعل،‏ فصوَّب مسدسه فورا نحو صاحبة المنزل آمرا اياها ان تنزل وترحب بالاخت بلياقة.‏ فأطاعت صاحبة المنزل.‏

مكان للمحافل

في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٧٤،‏ تسلم مكتب الفرع إعلاما من الحكومة يطلب من الاخوة المسؤولين المثول امام امين سر محكمة العدل العليا.‏ كان الاخ بِلتراميلِّي واحدا منهم.‏ يتذكر قائلا:‏ «كنا قلقين.‏ لقد عرفنا ان الحكومة العسكرية تملك القدرة على حظر عملنا فورا اذا شاءت ذلك.‏ ولكن يا للراحة التي شعرنا بها عندما اوضح لنا الرسمي ان الحكومة مهتمة بشراء مبنى كان يُستعمل كقاعة ملكوت!‏ حتى انهم عرضوا ان يساعدونا في الحصول على مكان آخر مناسب لقاعة ملكوت.‏ ونتيجة لذلك،‏ تمكَّنا من شراء مسرح لوتيسْيا الذي يقع في مكان مثالي في احد الشوارع الرئيسية لمونتيڤيديو.‏ وكان المال الذي تلقَّيناه من الحكومة اكثر من كافٍ لتحويل المسرح الى قاعة ملكوت جديدة».‏

ويتذكر الاخ بِلتراميلِّي:‏ «كنا مقتنعين بأن يهوه كانت له يد في هذه الامور».‏ فكان يمكن ان تسع الصالة الكبيرة في هذا المسرح ٠٠٠‏,١ شخص تقريبا.‏ وهذا جعلها تصلح ليس لقاعة ملكوت للمنطقة وحسب،‏ بل ايضا لقاعة محافل كنا في امس الحاجة اليها بسبب القيود الجديدة الموضوعة على المحافل.‏

ومع ان هذا المسرح السابق كان رسميا قاعة ملكوت للجماعة المحلية،‏ فقد استُعمل فعليا طوال سنوات للمحافل الدائرية التي كانت تُعقد اسبوعيا.‏ وقد تعلم الاخوة ان يكونوا حذرين عند عقد هذه الاجتماعات الكبيرة.‏ فكانوا يدخلون البناء ويخرجون منه دون لفت الانظار قدر المستطاع،‏ وكانوا يوقفون سياراتهم في مواقع متفرقة في كل انحاء الجوار.‏

وقت للبناء

حتى اثناء فترة الاضطراب هذه،‏ كان النمو المتواصل في عدد ناشري الملكوت،‏ الى جانب الزيادة في الجماعات الجديدة،‏ مصدر فرح شديد.‏ وبحلول سنة ١٩٧٦ ازداد عدد الناشرين اكثر من ١٠٠ في المئة في اقل من عشر سنوات.‏ لكنَّ ذلك شكَّل تحديا عظيما:‏ كيف كان يمكن ان نوفِّر امكنة لكثيرين من الجدد في قاعات الملكوت القديمة التي كانت في اغلبها مستأجرة؟‏ قال الملك سليمان بالوحي:‏ «لكل شيء زمان».‏ فبوجود ٨٥ جماعة و٤٢ قاعة ملكوت فقط،‏ بدا واضحا ان ‹الوقت لبناء› قاعات للملكوت قد حان.‏ —‏ جامعة ٣:‏١-‏٣‏.‏

لكنَّ البلد بكامله كان في خضمّ ازمة مالية،‏ ولم يكن لدى الجماعات ما يكفي من الاموال للبناء.‏ فمن أين كان سيأتي المال؟‏ يذكر منسِّق الفرع دلفوس بِلتراميلِّي:‏ «خلال تلك الفترة،‏ شعرنا بيد يهوه معنا واختبرنا محبة شعبه.‏ فالتبرعات السخية من الاخوة حول العالم مكَّنت الفرع من اقراض الجماعات في اورڠواي المال اللازم».‏

كانت هنالك حاجة ايضا الى عمال اكفاء،‏ فاستجاب الشهود في اورڠواي لهذه الحاجة.‏ واستمر كثيرون في جعل انفسهم متوفرين للمساعدة في بناء قاعات ملكوت في مكان بعد آخر.‏ كان أبيلينو فيليپوني احد المتطوعين الدؤوبين.‏ وبعد اشتراكه في بناء الفرع سنة ١٩٦١،‏ خدم وزوجته إيلْدا كفاتحين خصوصيين،‏ ومنذ سنة ١٩٦٨ خدم كناظر دائرة.‏ ولعدة سنوات،‏ عُيِّن ايضا ليساهم في بناء قاعات الملكوت بتزويد خدمات مهنية والاشراف على مشاريع البناء.‏

‏«إل پلوميتو»‏

يتذكر الاخ فيليپوني بعض الاختبارات التي تتعلق ببناء قاعات الملكوت:‏ «في كل موقع بنينا فيه قاعة ملكوت،‏ كان الجيران والمارة يتأثرون جدا بالحماسة والغيرة البارزتين عند العمال الشهود.‏ ففي احد مواقع البناء،‏ كان صبي غير شاهد من الجوار في السادسة من عمره يأتي لزيارتنا كل يوم ويتوسل الينا ان نسمح له بالعمل في المشروع.‏ كان لجوجا لدرجة انه اصبح معروفا بـ‍ إل پلوميتو،‏ وهي عبارة محلية تعني ‹المزعج الصغير›.‏ مرت السنون ولم نسمع اية اخبار عن الصبي ثانية.‏ ولكن في احد المحافل،‏ اقترب مني اخ وسألني:‏ ‹اخ فيليپوني!‏ هل تذكر ‏«إل پلوميتو»؟‏ هذا انا!‏ لقد اعتمدت منذ سنتين›».‏ من الواضح ان بزرة الحق زُرعت في قلب هذا الصبي خلال عمل بناء قاعة الملكوت.‏

وهنالك الآن قاعة ملكوت لكل ١٢٩ ناشرا —‏ ما مجموعه ٨١ قاعة ملكوت في البلد.‏ لقد بارك يهوه دون شك عمل بناء اماكن عبادة ملائمة من اجل شعبه في اورڠواي.‏

محافل لمساعدة جيراننا

تأسس ايضا نظام حكم عسكري في الارجنتين،‏ البلد المجاور لأورڠواي من جهة الغرب.‏ وهناك اقفلت الحكومة مكتب فرع الجمعية وقاعات الملكوت.‏ فصار الاخوة في الارجنتين يعقدون اجتماعاتهم في فرق صغيرة.‏ لكنهم تمكنوا خلال تلك الفترة من عقد محافل علنية دون تدخل الحكومة.‏ وكيف أمكنهم ذلك؟‏ بعبور الحدود وعقد محافلهم في اورڠواي!‏ كان الاخوة في اورڠواي ينظمون هذه التجمعات الكبيرة وكان الاخوة من الارجنتين يهتمون بأجزاء كثيرة من البرنامج.‏ واعتُبر تزويد المأوى لآلاف الاخوة الآتين من الارجنتين امتيازا خصوصيا،‏ فنتج عن ذلك «تبادل التشجيع» المقوِّي للايمان.‏ —‏ روما ١:‏١٢‏.‏

عُقد محفل لا يُنسى في پَلاسيو پينيارول من ١٣ الى ١٦ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٧٧.‏ وبلغ عدد الحضور ٠٠٠‏,٧ شخص تقريبا من الاخوة والاخوات في اورڠواي والارجنتين.‏ وفي ختام المحفل انضم الجميع معا في ترنيم التسابيح ليهوه.‏ وكانوا يتناوبون الترنيم:‏ يرنِّم الاخوة من الارجنتين مقطعا شعريا فيما يبقى الاخوة من اورڠواي صامتين،‏ والعكس بالعكس.‏ وأخيرا انضم الجميع في ترنيم المقطع الاخير.‏ وبسبب الموقف الذي اختلطت فيه مشاعر الفرح الشديد الناتج عن وجودهم معا في المحفل بمشاعر الحزن لوجوب توديع اخوتهم الاحباء،‏ انهمرت دموع كثيرين.‏

ولكن في ١٣ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٧٧،‏ اثناء انعقاد هذا المحفل الكبير في پَلاسيو پينيارول،‏ نشرت صحيفة شهيرة تميل الى ارضاء الكنيسة الكاثوليكية مقالة في صفحتها الاولى بعنوان:‏ «شهود يهوه:‏ الترخيص لهم قيد البحث».‏ وشجبت المقالة موقف الشهود من الرموز القومية،‏ وشدَّدت على ان الحكومة في الارجنتين قد حظرت عملنا وأن الشيء نفسه يمكن ان يحصل في اورڠواي.‏ وبعد نشر المقالة بفترة وجيزة،‏ توقفت الحكومة عن منحنا الاذن بعقد محافلنا.‏

القيود تزداد شدة

في سنة ١٩٧٥،‏ شنت الحكومة العسكرية حملة تهدف الى تعزيز الروح الوطنية والقومية.‏ فسببت هذه النشوة القومية المشاكل لكثيرين من الاخوة الذين يجاهدون للحفاظ على الحياد المسيحي والذين يسعون ان ‹يوفوا ما لقيصر لقيصر،‏ وما للّٰه للّٰه›.‏ (‏مرقس ١٢:‏١٧‏)‏ فطُرد العديد من الاحداث الشهود من المدرسة لأنهم امتنعوا بضمير حي عن تكريم الرموز القومية.‏ واحتمل اخوة آخرون الكثير من السخرية والمعاملة السيئة في اماكن عملهم.‏ حتى ان البعض خسروا عملهم بسبب موقفهم الحيادي.‏

في المدن والبلدات الداخلية الصغيرة،‏ كانت السلطات المحلية تراقب الشهود عن كثب.‏ وفي بعض الاحيان،‏ كان جواسيس الحكومة يزورون قاعات الملكوت متظاهرين بأنهم اناس مهتمون.‏ لذلك رأى الاخوة الحاجة الى ان يكونوا حذرين اكثر.‏ فتجنبوا مناقشة موضوع الحياد في الاجتماعات،‏ متفادين بالتالي اية مواجهة مع السلطات.‏

في احدى المناسبات،‏ زار احد هؤلاء الجواسيس قاعة الملكوت قبل ابتداء الاجتماع مباشرة،‏ وسأل احد الاخوة:‏ «في اي وقت ستنشد الجماعة النشيد اليوم؟‏».‏ ان الكلمة الاسپانية «إيمْنو» يمكن ان تشير إما الى نشيد وطني او الى نشيد ديني.‏ وإذ علم الاخ ان الرجل جاسوس اجاب:‏ «ثلاث مرات —‏ في بداية الاجتماع،‏ في منتصفه،‏ وفي الختام».‏ طبعا،‏ كان الاخ يشير الى ترانيم الملكوت.‏ فغادر الجاسوس فورا،‏ مقتنعا تماما بافتراضه ان الاخوة سينشدون النشيد الوطني ثلاث مرات خلال الاجتماع.‏

موقوفون —‏ ولكن سعداء

كانت الشرطة احيانا تداهم قاعات الملكوت خلال الاجتماع وتوقف كل الحاضرين.‏ ثم يُخضَع كل اخ وأخت للاستجواب.‏ وقد تبيَّن ان هذه كانت فرصة ممتازة ليقدم الاخوة شهادة لعدد كبير من ضباط الشرطة.‏ وبعد ان يُستجوب كل واحد —‏ وعادة لساعات —‏ كان يُطلَق سراح الجميع.‏ —‏ قارنوا اعمال ٥:‏٤١‏.‏

في جماعة فلوريدا الواقعة في شمال مونتيڤيديو،‏ كانت الاخت سِلي أساندري دي نونْيس مُعيَّنة لتقدِّم موضوعا في مدرسة الخدمة الثيوقراطية.‏ فدعت جارتها مايبل ان تأتي وتستمع الى الموضوع.‏ لم تكن مايبل قد زارت قاعة ملكوت من قبل.‏ وفي تلك الامسية،‏ داهمت الشرطة الاجتماع وأوقفت الجميع،‏ بمن فيهم مايبل.‏ وقد احتُجزت مايبل عدة ساعات قبل ان تمكَّن زوجها من تدبُّر اطلاق سراحها.‏ الا ان هذا الاختبار المروِّع ايقظ فيها اهتماما حقيقيا بتعاليم شهود يهوه.‏ فابتدأت بعيد ذلك بدرس الكتاب المقدس وحضور الاجتماعات.‏ والآن مايبل شاهدة منتذرة ومعتمدة ليهوه.‏

على الرغم من القيود التي فرضها الحكم العسكري مدة اثنتي عشرة سنة تقريبا،‏ استمر فيض من ذوي القلوب المستقيمة يتدفق على هيئة يهوه.‏ وفي سنة ١٩٧٣ كان هنالك ٧٩١‏,٣ ناشرا في البلد.‏ وبحلول سنة ١٩٨٥،‏ عندما انتهت هذه الفترة العصيبة،‏ ارتفع هذا الرقم الى ٣٢٩‏,٥ ناشرا،‏ زيادة اكثر من ٤٠ في المئة!‏ فدون شك،‏ كان يهوه يبارك شعبه خلال وقت الشدة هذا.‏

محافل دون قيود

في آذار (‏مارس)‏ ١٩٨٥،‏ تأسست حكومة ديموقراطية فرُفعت كل القيود.‏ ومن ذلك الحين فصاعدا،‏ استطاع شعب يهوه ان ينهمك بحرية في عمل الكرازة بالملكوت والتعليم.‏ وأصبح الاخوة الآن احرارا ليعقدوا محافلهم الدائرية والكورية.‏ وغمر الفرح الاخوة والاخوات لحيازتهم فرصة الالتقاء مرة اخرى برفقائهم العباد من اجزاء بعيدة من البلد.‏ وكم كان مشجِّعا ان يروا ان اخوتهم ايضا بقوا ثابتين وما زالوا يخدمون يهوه بأمانة!‏

ولكن اين كنا سنجد اماكن محافل تتسع لأكثر من ‎٠٠٠,١٠ شخص متوقع؟‏ فلم يعد اي من الاماكن المستعملة سابقا ملائما الآن.‏ ومرة اخرى،‏ استجاب يهوه صلواتنا.‏ فخلال سنوات الحكم العسكري،‏ بُني مدرَّج جديد لكرة القدم —‏ إستاديو شارووا —‏ في باركي ريڤيرا،‏ احد اكبر المتنزهات في مونتيڤيديو.‏ ومع ان استعمال المدرَّج كان يقتصر على المباريات الرياضية،‏ استطعنا استئجاره من اجل محفل اممي في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٨٥.‏ ومنذ ذلك الحين،‏ اصبحت السلطات المحلية متعاونة جدا في السماح لنا باستعمال المدرَّج كل سنة من اجل محافلنا،‏ وغالبا مع حضور يتجاوز الـ‍ ٠٠٠‏,١٣ شخص.‏

قُدِّمت شهادة مهمة عند انعقاد محفل دائري في مدرَّج مدينة تْرينْتا إي تْريس في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٩٠.‏ فمن داخل كنيسة كاثوليكية،‏ كان يُرى بوضوح المدرَّج المكتظ بشهود يهوه.‏ وذات صباح،‏ اشار الكاهن عبر النافذة الى المدرَّج وقال لاعضاء ابرشيته:‏ «هل ترون كم من الناس يجري تجميعهم من قبل شهود يهوه؟‏ كيف يجلبون هذا العدد الكبير من الاشخاص؟‏ انهم يملكون شيئا لا تملكونه انتم الكاثوليك —‏ روح التبشير!‏ اننا نتضاءل في العدد كل يوم لاننا لا نكرز كما يفعلون هم.‏ فإما ان نبدأ بالتبشير كما يفعل الشهود او تموت كنيستنا».‏

العمل في المقاطعات المنعزلة

في ثمانينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ بُذل جهد خصوصي لبلوغ المناطق الابعد في البلد بالبشارة.‏ فخلال زيارة سنوية لمنطقة تقع في شمال شرق البلد،‏ وزَّع فريق من الاخوة مجموعة كتب في قرية تدعى كوتشييا دي كاراڠواتا.‏ وفي السنة التالية،‏ زار الشهود رجلا في تلك القرية أبى ان يصغي الى رسالتهم مُدَّعيا انه يملك الحق.‏ صرَّح:‏ «اني واحد من شهود يهوه!‏».‏ لقد كان خارج القرية حينما اتى الشهود في السنة السابقة.‏ ولكن بعد عودته الى البيت قرأ المطبوعات التي وزِّعت وتوصل الى القرار ان هذا هو الحق.‏ فراح يطوف في القرية مخبرا كل واحد انه الآن واحد من شهود يهوه.‏ واليوم توجد في هذه القرية جماعة صغيرة.‏

على الرغم من ان بيرتا دي هربيڠ كانت تسكن في بلدة دولورس النائية،‏ ادركت اهمية حضور الاجتماعات قانونيا.‏ فقد كانت تمشي هي وأولادها الستة ١١ كيلومترا (‏٧ اميال)‏ الى قاعة الملكوت وتصل في اغلب الاحيان قبل بداية الاجتماع بحوالي ساعة.‏ وقد ترك مثالها الجيد للاحتمال والتصميم كأم اثرا قويا في اولادها.‏ والآن بعد سنوات من خدمتها الامينة،‏ فإن اربعة من اولادها هم نشاطى في الحق.‏ وكان واحد منهم،‏ ميڠيل انخيل الذي اصبح فاتحا في ما بعد،‏ يركب دراجة مسافة ٥٨ كيلومترا (‏٣٦ ميلا)‏ لكي يصل الى فريق منعزل في قرية لا شاركيادا-‏سيبوياتي.‏ والابن الآخر دانيال،‏ يخدم الآن كفاتح خصوصي في مدينة تْرينْتا إي تْريس.‏

علاقة افضل

طوال سنوات،‏ نظر العديد من الاختصاصيين بالصحة في اورڠواي بازدراء الى شهود يهوه لانهم لم يفهموا موقفهم في ما يتعلق بالامتناع عن استعمال الدم.‏ (‏اعمال ١٥:‏٢٨،‏ ٢٩‏)‏ وقد رفض عدد كبير من المستشفيات في البلد قبول شهود يهوه.‏ والمستشفيات الاخرى التي كانت تقبلهم لاجراء عملية جراحية كانت تصرفهم قبل العملية مباشرة لانهم كانوا يرفضون نقل الدم.‏ مع ذلك،‏ تحسنت كثيرا العلاقة بين اصحاب المهنة الطبية والشهود خلال السنوات القليلة الماضية.‏

في سنة ١٩٨٦،‏ نظَّم أوسپيتال سنترال دي لاس فْويرْساس أرمادس اجتماعا كبيرا لمناقشة العلاجات البديلة من اجل شهود يهوه.‏ وجمع فيه عددا من الشخصيات البارزة في حقلَي الادوية والجراحة،‏ بالاضافة الى محامين متخصصين في حقل الطب.‏ وقد زود شهود يهوه من جهتهم معلومات واقتراحات للمسؤولين في المستشفيات.‏ ونتيجة لهذا الاجتماع الخصوصي،‏ غيَّر اطباء كثيرون موقفهم من الشهود وصاروا الآن راغبين في معالجتهم واحترام رأيهم المؤسس على الكتاب المقدس بخصوص الدم.‏

في ما بعد،‏ عُقد عدد من الاجتماعات غطَّتها وسائل الاعلام على نحو واسع،‏ اولا في مونتيڤيديو ثم في مدن اخرى.‏ وقد اعترف اختصاصيون بارزون انه بمساعدة شهود يهوه،‏ تعلموا اساليب جديدة في العلاجات الطبية غير الدموية.‏ ذكر پروفسور في المداواة بالدم:‏ «تعلمنا الكثير وعدَّلنا تفكيرنا بفضل شهود يهوه.‏ كانت لدينا مواجهات عديدة معهم في الماضي لاننا ببساطة لم نكن نفهمهم.‏ لكننا الآن نرى انهم في نواح كثيرة كانوا دائما على صواب.‏ ومن الواضح انهم تجنبوا مشاكل كثيرة برفضهم نقل الدم».‏

ليس عملهم عبثا

حقا يمكن القول ان العمل الشاق الذي انجزه المنادون الغيورون بالملكوت في اورڠواي من عشرينات الى اربعينات الـ‍ ١٩٠٠ لم يكن عبثا.‏ فعدد قليل من المنادين الغيورين بالملكوت من الخارج اجتمعوا وعلَّموا الآلاف من ‹المشتهى› في بلد التلال المتموجة الجميل هذا.‏ (‏حجي ٢:‏٧‏)‏ ويوجد الآن في اورڠواي اكثر من ٠٠٠‏,١٠ ناشر لملكوت اللّٰه،‏ وأكثر من ١٣٥ جماعة،‏ لدى كل واحدة منها كمعدل خمسة شيوخ تقريبا.‏ وقد حضر مدرسة خدمة الملكوت التي عُقدت مؤخرا خلال آذار (‏مارس)‏ ١٩٩٨،‏ ٦٥٦ شيخا و ٩٤٥ خادما مساعدا.‏ وتملك كل الجماعات تقريبا قاعاتها الخاصة للملكوت،‏ بنى العديد منها اخوة بدعم مادي من الجمعية.‏

تجاوز عدد الناشرين الضعف خلال السنوات العشرين الماضية،‏ وهنالك توقعات تبشِّر بنمو في المستقبل.‏ وما دام يهوه يمسك برياح الضيق العظيم القادم،‏ سيستمر شهود يهوه في اورڠواي بدعوة الآخرين:‏ «هلم نصعد الى جبل الرب الى بيت اله يعقوب فيعلّمنا من طرقه ونسلك في سبله».‏ —‏ اشعياء ٢:‏٣؛‏ كشف ٧:‏١‏.‏

‏[صورة تغطي كامل الصفحة ٢٢٤]‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٢٧]‏

هوان مونييس

‏[الصورة في الصفحة ٢٢٩]‏

عاشوا في خيام من صنعهم وجالوا في كل انحاء اورڠواي على الدراجات للشهادة (‏من اليسار الى اليمين)‏:‏ كورت نيكل،‏ ڠوستاڤو وبيتي بِندر،‏ أوتو هيلي

‏[الصورتان في الصفحة ٢٣٥]‏

من اوائل الناشرين في اورڠواي (‏من اليسار الى اليمين)‏:‏ ماريا دي بيرويتا،‏ كارولا بِلتراميلِّي،‏ كاتالينا پُمپوني

‏[الصور في الصفحة ٢٣٧]‏

المرسلون الذين لا يزالون يخدمون في اورڠواي:‏ (‏١)‏ فلورنس لاتيمر،‏ (‏٢)‏ إثيل فوس،‏ (‏٣)‏ بردين هوفستتر،‏ (‏٤)‏ ليرا بيرويتا،‏ (‏٥)‏ توڤه هُوَنسن،‏ (‏٦)‏ ڠونتر شونهارت

‏[الصورة في الصفحة ٢٤٣]‏

تسهيلات جديدة للفرع في طور البناء في سنة ١٩٩٨

‏[الصورة في الصفحة ٢٤٥]‏

لجنة الفرع (‏من اليسار الى اليمين)‏:‏ ڠونتر شونهارت،‏ دلفوس بِلتراميلِّي،‏ خيراردو إسكريبانو