اورڠواي
اورڠواي
عندما اتى الاسپان اول مرة الى اورڠواي سنة ١٥١٦، لم يجدوا ذهبا او فضة، ولا الممر الى الشرق الذي كانوا يبحثون عنه. لكنهم ادركوا مع الوقت ان الارض المتموّجة والمناخ المعتدل مثاليان للمواشي، وهنا كانت الفرصة لجني الاموال. وباستخدام الوسائل التي غالبا ما تستخدمها، مع الأسف، القوى الاستعمارية، شنّت اسپانيا حملة عسكرية عدوانية لابادة هنود الشارُووا الاصليين والاستيلاء على الارض. وفي القرنين الـ ١٧ والـ ١٨، حلّ الاسپان فعليا محل السكان الهنود المحليين. ولاحقا، وصل ايضا ألوف المهاجرين من ايطاليا وبلدان اخرى. لذلك يتحدر معظم الناس في اورڠواي من المهاجرين الاوروپيين. والاسپانية هي اللغة الرسمية.
ورغم التأثير الاوروپي السائد لأكثر من ثلاثة ملايين من السكان، فإن حوالي ١٠ في المئة لهم اسلاف من الهنود الاصليين، وأقل من ٣ في المئة يتحدرون من عبيد جُلبوا من افريقيا. ليست للدين اهمية كبرى عند اكثرية سكان اورڠواي. وليست للكنيسة الكاثوليكية القبضة القوية على العامّة التي لها في بلدان اميركا الجنوبية الاخرى. وفي الواقع، منذ بداية القرن الـ ٢٠ كان هنالك فصل واضح بين الكنيسة والدولة. وفيما يوجد كثيرون من ذوي الفكر الحرّ واللاأدريين والملحدين، لا يزال عدد كبير من الناس يؤمنون باللّٰه. وموقفهم تبيِّنه عبارة تُسمع عموما: «أومن باللّٰه لكني لا أومن بالدين».
حجي ٢:٧.
فكيف يتجاوب هؤلاء الناس اذا جرى تعليمهم عن الاله الحقيقي الذي يصف الكتاب المقدس قصده الحبي وتعاملاته الودية مع الجنس البشري بدلا من تعليمهم قوانين ايمان العالم المسيحي؟ هل يبرهنون انهم بين ‹المشتهى› الذي يرحب به اللّٰه في بيته الروحي للعبادة؟ —بداية صغيرة
سنة ١٩٢٤ اتى رجل اسپاني يدعى هوان مونييس بحثا عن المستقيمي القلوب الذين سيصيرون عبّادا ليهوه. وطلب منه ج. ف. رذرفورد، الذي كان آنذاك رئيس جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس، ان ينتقل الى اميركا الجنوبية ليشرف على الكرازة بالبشارة في الارجنتين، اورڠواي، پاراڠواي، وتشيلي. وبعيد وصوله الى الارجنتين، سافر عبر نهر ريو دي لا پلاتا ليكرز للناس في اورڠواي.
اثناء السنوات الـ ٤٣ التي تلت وحتى موته سنة ١٩٦٧، كان هوان مونييس معلما جريئا لكلمة اللّٰه وفعّالا في نشر البشارة في عدة بلدان في اميركا الجنوبية، بما فيها اورڠواي. ويذكر شهود ليهوه كثيرون في تلك الفترة انه كان يستطيع اسر الحضور ساعتين او ثلاثا، مستخدما كتابه المقدس فقط دون الاتكال على اية ملاحظات.
طلب المزيد من الفعلة يُستجاب
بعيد وصول هوان مونييس الى اميركا الجنوبية، ادرك الامكانية الكبيرة للتلمذة والحاجة الماسة الى فعلة. ولا بد انه شعر كيسوع: «ان الحصاد كثير، ولكنَّ العمال قليلون. فتوسلوا الى سيد الحصاد ان يرسل عمالا الى حصاده». (متى ٩:٣٧، ٣٨) وهكذا، انسجاما مع صلواته الى يهوه، «سيد الحصاد»، نقل الاخ مونييس قلقه الى الاخ رذرفورد.
استجابة لطلبه، وأثناء محفلٍ سنة ١٩٢٥ في ماڠدَبورڠ، المانيا، سأل الاخ رذرفورد فاتحا المانيا عما اذا كان يرغب في تقديم العون في اميركا الجنوبية. وكان اسمه كارل أُت. قبِل الاخ أُت التعيين وصار يُعرف باسم كارلوس أُت بين الاخوة الذين يتكلمون الاسپانية. وبعد ان خدم في الارجنتين مدة قصيرة، عُيِّن سنة ١٩٢٨ في مونتيڤيديو، عاصمة اورڠواي. فخدم في اورڠواي طيلة السنوات العشر التي تلت.
انصرف كارلوس الى العمل مباشرة. وبرهن انه مجتهد وبارع. وسرعان ما وجد مكانا في شارع ريو نيڠرو حيث استطاع ان يسكن ويعقد اجتماعات قانونية لدرس الكتاب المقدس مع بعض المهتمين. كما انه رتب لاذاعة محاضرات من الكتاب المقدس عبر الراديو، حتى ان احدى محطات الراديو وافقت على اذاعة المحاضرات مجانا.
احيانا، كان كارلوس يدخل مطعما ويقترب الى الناس عند طاولاتهم وهم يأكلون. وذات يوم، فيما كان منهمكا في هذه الشهادة من طاولة الى طاولة، التقى هوسّيه ڠايِك وهو صاحب متجر الماني اعتنق حق الكتاب المقدس بسرعة. وسرعان ما انضم الى كارلوس كواحد من اوائل معلني البشارة في اورڠواي.
وإذ كان الاخ ڠايِك مصمما على الاشتراك في نشر البشارة عن ملكوت اللّٰه كامل الوقت، باع متجر البقول الذي كان يملكه وتبنَّى عمل الفتح. فغطى هو والاخ أُت جزءا كبيرا من البلد، كارزَين من بيت الى بيت ومقدمَين خطابات من الكتاب المقدس في مدن وبلدات
عديدة. لقد زرع الاخ ڠايِك البذور بوفرة في قلوب كثيرين من سكان اورڠواي حتى مماته سنة ١٩٥٣. وأصبح كثيرون من تلاميذه اعضاء في الجماعة المسيحية ولا يزالون امناء حتى الآن.الروس يقبلون الحق
اثناء الحرب العالمية الاولى، انتقلت عدة عائلات روسية الى اورڠواي واستقرت بالشمال. وهناك اسسوا مستعمرات زراعية ثرية. وحافظوا ايضا على احترامهم التقليدي للكتاب المقدس بقراءته قانونيا. وإذ كانوا في طبيعتهم مجتهدين في العمل ومتحفظين، شكلوا مجتمعا متشدِّدا قليل الاتصال بمجتمع اورڠواي. وهنا ظهر على المسرح شخص آخر من اوائل الناشرين للبشارة في اورڠواي. كان اسمه نيكيفور كاتشنكو.
كان نيكيفور شيوعيا مخلصا في موطنه بسارابيا. ولكن بعد ان هاجر الى البرازيل، حصل على كراس عنوانه اين هم الموتى؟، اصدار جمعية برج المراقبة. فأدرك على الفور رنة الحق وأصبح تلميذا نَهِما للكتاب المقدس. وسرعان ما ابتدأ يكرز بين المتكلِّمين الروسية في منطقة سان پاولو في البرازيل. وإذ دفعته رغبته الى الكرازة بلغته لأبناء بلده في اورڠواي، سافر حوالي ٠٠٠,٢ كيلومتر (٢٥٠,١ ميلا). وهكذا في سنة ١٩٣٨ وصل الاخ كاتشنكو الى مجتمع روسي يدعى كولونيا پالما في شمال اورڠواي وخدم بغيرة كبيرة حتى انه استنفد بسرعة مخزونه لمطبوعات الكتاب المقدس بالروسية.
تجاوب المزارعون بحماس. وبدأت عائلات بكاملها تدرس الحق وتعتنقه. وقد برهنوا انهم بين ‹المشتهى› المدعوين الى بيت يهوه. كاتشنكو، ستانكو، كوتلريَنكو، ڠورديَنكو، سِكِلْيِنوڤ، وسيكالو هم فقط بعض العائلات الذين كان احفادهم وأبناء احفادهم اساسا لجماعات شمالية مثل بييا أونيون، سالتو، وپايساندو. وكان البعض في هذه العائلات فاتحين خصوصيين وشيوخا ونظار دوائر ومرسلين. أما الاخ
كاتشنكو فقد بقي امينا حتى مماته سنة ١٩٧٤.الالمان الستة
بسبب الاضطهاد العنيف على شهود يهوه في المانيا النازية، ترك كثيرون من الفاتحين الالمان موطنهم ليخدموا في اميركا الجنوبية. وفي اوائل سنة ١٩٣٩، وصل ستة من هؤلاء الفاتحين الى مونتيڤيديو مفلسين، ومعهم القليل من الامتعة. لقد سرَّهم ان يلتقوا كارلوس أُت الذي كان هناك للترحيب بهم. وكان الستة ڠوستاڤو وبيتي بِندر، أدولفو وكارلوتا فوس، كورت نيكل، وأوتو هيلي. وبعد وصولهم بثلاثة ايام، بدأوا بالكرازة من بيت الى بيت. وإذ كانوا لا يعرفون الاسپانية، استخدموا بطاقة شهادة مطبوعة بالاسپانية. وكل ما استطاعوا قوله بالاسپانية كان «پور فاڤور لِيا إستو» («من فضلك اقرأ هذه»). ورغم ضعفهم في اللغة، تُرك هذا الفريق الالماني في اورڠواي للاهتمام بعمل الملكوت في البلد عندما أُعيد تعيين الاخ أُت في الارجنتين.
لم تكن الاشهر القليلة الاولى سهلة. فكان تعلُّم اللغة تحدِّيا. ولم
يكن غير عادي ان يدعوا الناس الى الـ رينيونس (الكُلى) عوض الـ رِيونيونس (الاجتماعات)؛ وقد تحدثوا عن أبيخاس (النحل) عوض أوڤيخاس (الخراف)؛ وطلبوا الـ أرِنا (الرمل) عوض الـ أرينا (الطحين). ويتذكر احدهم: «الكرازة من بيت الى بيت وإدارة دروس في الكتاب المقدس والاجتماعات دون معرفة اللغة كانت مهمة صعبة. وفضلا عن ذلك، لم تكن لدينا اية مساعدة مالية. لقد تمكنا من استخدام التبرعات الناتجة عن توزيعنا للمطبوعات في تغطية تكاليف عيشنا والمواصلات. نشكر اللّٰه على اننا عند نهاية سنة ١٩٣٩ كنا قد صنعنا ٥٥ اشتراكا في المجلات، ووزعنا اكثر من ٠٠٠,١ كتاب و ٠٠٠,١٩ كراس».الدراجات والخيام
لم يكن من السهل تثبيط هؤلاء الالمان الستة. وسرعان ما بدأوا يغطون البلد بالبشارة بأرخص طريقة ممكنة، وهي شراء ست دراجات. ركب أوتو هيلي وكورت نيكل دراجتيهما عدة ايام قاطعَين مسافة ٦١٥ كيلومترا (٣٨٤ ميلا) من اجل الوصول الى كولونيا پالما ليمنحا الدعم للاخ كاتشنكو. وتصوروا دهشتهما عندما اكتشفا انه لم يكن يتكلم لا الاسپانية ولا الالمانية، وهما كانا لا يفهمان كلمة روسية! وإذ لمسا تأثير ما حدث عند برج بابل، قرَّرا ان يكرزا بلغتهما الاسپانية الضعيفة في بلدة سالتو المجاورة فيما تابع الاخ كاتشنكو العمل مع الروس. — تكوين ١١:١-٩.
في غضون ذلك، بدأ الزوجان بِندر برحلة من مئات الاميال على طرقات يغطيها الحصى والتراب من اجل نشر رسالة الكتاب المقدس في مدن وبلدات الجنوب. وعلى دراجتيهما حملا خيمة وموقدا صغيرا للطبخ وأدوات مطبخ ومطبوعات وفونوڠرافا مع خطابات من الكتاب المقدس على اسطوانات، بالاضافة الى الملابس الضرورية لمدة عدة
اشهر. وكانت المعدات المحمولة على كل دراجة تزن وزن شخص آخر! وبهذه العدة المحدودة تحدَّيا البرد والحر والمطر. وفي بعض الاحيان عندما كانا يخوضان مياه الفيضانات، كان عليهما حمل كل شيء على اكتافهما لحفظ الكتب والفونوڠراف من البلل.كانت خيمتهما احدى المعدات الضرورية. وقد عالج الزوجان بِندر بأنفسهما قماش الخيمة بالزيت لجعله صامدا للماء وبالثوم لإبعاد العُثّ. وذات صباح لم يصدِّقا ما رأته اعينهما عندما استيقظا ورأيا السماء من خلال عشرات الثقوب في سقف الخيمة. فأثناء الليل تمتع النمل بوجبة شهية من قماش القنب المطلي بالزيت والثوم. فلم يكن الزوجان الالمانيان يدركان مدى ما تستطيع فعله شهية النمل النهمة.
«جواسيس نازيون»؟
ان كون ڠوستاڤو وبيتي بِندر المانيين صار من اكبر المشاكل عندهما اثناء الكرازة داخل البلد. ولماذا؟ لأن الحرب العالمية الثانية كانت في اوجها، وكان الراديو والصحف في اورڠواي تعطي تقارير مثيرة عن تقدم الالمان في اوروپا. ذات مرة، فيما كان الزوجان بِندر يخيِّمان في ضواحي احدى البلدات، اذاع الراديو ان الالمان قد أنزلوا وراء خطوط العدو مظليين مسلحين، ومعهم دراجات. وسرعان ما استنتج سكان البلدة المذعورون ان الزوجين الالمانيين المخيمين خارج البلدة هما جاسوسان نازيان! فتوجَّه رجال الشرطة المحلية فورا الى مخيم الزوجين بِندر للتحقُّق من الامر، يدعمهم فريق كبير من الرجال المسلحين.
جرى استجواب ڠوستاڤو وبيتي. ولاحظ رجال الشرطة ان بعض الامتعة كانت مغطاة بشرشف من قماش القنب. فسألوا بعصبية: «ماذا تغطون بذلك الشرشف؟». اجاب ڠوستاڤو: «دراجتينا ومطبوعات الكتاب المقدس». وبنظرة شك، امره الشرطي بنزع الشرشف. فلم
تظهر اية رشاشات بل دراجتان وبعض الكتب، مما اراح رجال الشرطة. فقدموا للزوجين بِندر دعوة ودية الى المكوث بمكان اكثر ضيافة، مركز الشرطة، اثناء كرازتهما في البلدة!كرز الالمان الستة بأمانة لعقود في اورڠواي. وبعد موت ڠوستاڤو بِندر سنة ١٩٦١، عادت زوجته الى المانيا حيث استمرت في نشاط الفتح، وماتت سنة ١٩٩٥. وخدم أدولفو وكارلوتا فوس كمرسلين في اورڠواي حتى مماتهما في سنة ١٩٩٣ و ١٩٦٠ على التوالي. وبقي كورت نيكل في اورڠواي حتى مماته سنة ١٩٨٤. وعند هذه الكتابة، كان أوتو هيلي لا يزال يخدم في اورڠواي وهو في الـ ٩٢ من عمره.
البزور تنتج ثمرا
بحث هؤلاء المنادون الاوائل بالبشارة في اورڠواي بغيرة عن رعايا محتملين لملكوت اللّٰه. وبحلول سنة ١٩٤٤ كان هنالك ٢٠ ناشرا و ٨ فاتحين يقدمون تقريرا عن نشاطهم في اورڠواي. كان ذلك بداية صغيرة، وكان يجب بعدُ ايجاد آخرين من ‹المشتهى›.
بدأت ماريا دي بيرويتا وأولادها الاربعة — ليرا، سيلڤا، هيرمينال، وليبر — يحضرون الاجتماعات المسيحية في سنة ١٩٤٤. وبعيد ذلك، بدأت ليرا وسيلڤا تكرزان، وبعد بضعة اشهر انخرطتا في خدمة الفتح، ورافقتا أيدا لارييرا، واحدة من اوائل الناشرين الغيورين جدا في البلد. ولكن لم تكن عائلة بيرويتا قد رمزت بعدُ الى انتذارها بمعمودية الماء. فلاحظ هوان مونييس اثناء احدى زياراته من الارجنتين هذه الحالة الشاذة. وهكذا بعد ستة اشهر من خدمتهما كامل الوقت، اعتمدت ليرا وسيلڤا مع اخيهما ليبر وأمهما ماريا.
تقول ليرا: «لأن نعمة يهوه دعمتنا، لم نَخُن قط هذا الانتذار». وفي سنة ١٩٥٠ دُعيت الى مدرسة جلعاد، وكمرسلة عُيِّنت في الارجنتين حيث خدمت ٢٦ سنة. ثم عادت في سنة ١٩٧٦ الى اورڠواي. حضرت سيلڤا ايضا مدرسة جلعاد في سنة ١٩٥٣ مع زوجها، وعُيِّنا في اورڠواي
حيث خدم زوجها كناظر دائرة. بقيت سيلڤا امينة حتى مماتها سنة ١٩٧٣. تزوج ليبر وربَّى عائلة، وتمتع هو ايضا بامتيازات خدمة كثيرة. فحتى مماته سنة ١٩٧٥ كان رئيس المؤسسة الشرعية التي استخدمها شهود يهوه في اورڠواي، وتُدعى سوسْييداد لا تورّي ديل ڤيخييا. وماذا حل بهيرمينال؟ توقف عن معاشرة شعب يهوه. ولكن بعد حوالي ٢٥ سنة، نبتت بزرة الحق ثانية في قلبه، وهو اليوم شيخ في احدى جماعات مونتيڤيديو.مرسلو جلعاد يصلون
في آذار (مارس) ١٩٤٥، قام ناثان ه. نور وفردريك و. فرانز من المركز الرئيسي العالمي للجمعية بأول زيارة لهما لأورڠواي. وكانا مصدر تشجيع للجميع. ووصل ايضا اخ آخر هو رصل كورنيليوس الى اورڠواي في الفترة عينها تقريبا. ولم يكن الاخ كورنيليوس مجرد زائر. فلفرح الاخوة كان اول متخرج من جلعاد يُعيَّن في اورڠواي. وفي ذلك الوقت كان يتكلم كلمات قليلة فقط بالاسپانية، ولكنه كان مصمما على التعلم. وبعد ستة اسابيع، استطاع تقديم اول خطاب عام له بالاسپانية! وأثبت انه عون لا يُقدَّر بثمن لعمل الملكوت في اورڠواي.
في تلك السنة عينها ارسلت الجمعية ١٦ مرسلا آخر. وكانوا كلهم اخوات شابات. وسرعان ما لوحظ وجودهن في مونتيڤيديو، فكتبت احدى الصحف ان «ملائكة شُقْرا يضعون مستحضرات تجميل» قد نزلوا من السماء الى مونتيڤيديو! بدأت الاخوات فورا بالكرازة بغيرة وحماسة. وصارت نتائج خدمتهن واضحة اذ ارتفع عدد الحضور في الذِّكرى من ٣١ في سنة ١٩٤٥ الى ٢٠٤ في السنة التالية. ولاحقا أُرسل عدد من هؤلاء المرسلات الى مدن داخل البلد. وبارك يهوه جهودهن فيما كرزن في مقاطعات لم يسبق ان وصلت اليها البشارة.
على مر السنين، خدم اكثر من ٨٠ مرسلا في اورڠواي. والذين لا
يزالون في تعيينهم هم إثيل فوس، بردين هوفستتر، توڤه هُوَنسن، ڠونتر شونهارت، ليرا بيرويتا، وفلورنس لاتيمر. وجميعهم قضوا اكثر من ٢٠ سنة في تعيينهم. مات وليَم، زوج الاخت لاتيمر وهو في تعيينه بعد ٣٢ سنة من الخدمة الارسالية التي قضى الكثير منها في العمل الجائل.اجتماع تحت حماية مشدَّدة
بدأ جاك پاورز، وهو متخرج من اول صف لجلعاد، يخدم في اورڠواي في ١ ايار (مايو) ١٩٤٥. لقد عمل مع زوجته جاين بشكل متواصل من اجل تقدم مصالح الملكوت هنا حتى سنة ١٩٧٨ عندما اضطرا الى مغادرة البلد للاعتناء بوالديهما العجزة في الولايات المتحدة. ويتذكر جاك حادثة لا تنسى حصلت عندما كان في اورڠواي. ففي سنة ١٩٤٧ وصل جاك الى ريڤيرا، وهي مدينة في شمال البلد قرب الحدود البرازيلية. ورغم عدم وجود ناشرين محليين، قضى بمساعدة اخ من البرازيل شهرا يكرز في كل المدينة، فوزَّع اكثر من ٠٠٠,١ نسخة من كراس عالم واحد، حكومة واحدة، بالاسپانية.
وكخاتمة عظيمة لنشاط هذا الشهر، قرر عقد اجتماع عام في پْلاسا انترناسيونال. وكما يشير الاسم، كانت الساحة العامة تقع مركزيا على الحدود الدولية بين البرازيل وأورڠواي تماما. وبعد عدة ايام من الاعلان عن الاجتماع، جلس الاخَوان في مكانهما في الساحة العامة منتظرَين مجيء حشود كانا يرجوان ان يعج بها المكان من اجل سماع الخطاب. وسرعان ما وصل ٥٠ رجل شرطة مسلحا لحفظ النظام اثناء الاجتماع. وكم كان عدد الحضور؟ ما مجموعه ٥٣ وهم: الاخَوان، شخص اتى بسبب اهتمامه بموضوع الخطاب، ورجال الشرطة الـ ٥٠. فكان الاجتماع منظما تحت حماية مشدَّدة!
في السنة التالية، عينت الجمعية خمسة مرسلين في ريڤيرا. وبعيد وصولهم، عقد ناثان ه. نور ومِلتون ج. هنشل، من المركز الرئيسي للجمعية، اجتماعا في ريڤيرا بحضور ٣٨٠ شخصا. وعلى مر
السنين، كان يُعثر على اناس كثيرين متجاوبين مع رسالة الملكوت في ريڤيرا. واليوم هنالك جماعتان نشيطتان في تلك المقاطعة.جارتان فضوليتان
ان احدى المدن الكبرى في المنطقة الداخلية من اورڠواي هي سالتو الواقعة على الضفة الشرقية لنهر اورڠواي. انها منطقة زراعية خصبة تشتهر بالبرتقال والحمضيات الاخرى. وسالتو خصبة ايضا بمعنى روحي اذ يوجد خمس جماعات في المنطقة. ولكن في سنة ١٩٤٧ كان ان بدأ المرسلون في سالتو بحثهم عن «مشتهى» يهوه.
في تلك السنة، صعدت مايبل جونز، احدى الاخوات المرسلات الـ ١٦ اللواتي وصلن في سنة ١٩٤٥، الى سالتو مع مرسلين آخرين لعدة اسابيع من اجل تنمية الاهتمام بالمحفل الذي كان سيُعقد هناك. وثمة جارتان هما كارولا بِلتراميلِّي وصديقتها كاتالينا پُمپوني راقبتا مايبل بفضول. وبعد ظهر احد ايام السبت فيما كانت مايبل عائدة الى البيت بعد اشتراكها في خدمة الحقل، اقتربت منها الجارتان الفضوليتان وطرحتا اسئلة من الكتاب المقدس. وتتذكر كاتالينا پُمپوني: «كنت دائمة القلق بشأن الامور الدينية، لذلك بدأت اقرأ الكتاب
المقدس على صعيد شخصي. وتعلمت اشياء كثيرة. مثلا، تعلمت ان الصلاة الى اللّٰه يجب ان تُقدَّم على انفراد وليس لكي يرى الآخرون. وبعد ذلك، كنت غالبا اركع وأصلي الى اللّٰه من اجل الفهم. وعندما تحدثت الينا مايبل جونز للمرة الاولى، شعرنا وكأن ستارا أُزيل عن اعيننا. فعدت الى البيت وركعت لاشكر اللّٰه. وفي اليوم التالي حضرتُ وكارولا الاجتماع العام في المحفل».ورغم المقاومة التي واجهتاها من زوجيهما، تقدمت جارتا مايبل بسرعة واعتمدتا. وفي الوقت الملائم عيِّنت كاتالينا پُمپوني فاتحة خصوصية. وفي مهنتها المثمرة التي دامت اكثر من ٤٠ سنة في الخدمة كامل الوقت، ساعدت ١١٠ اشخاص ان يصبحوا شهودا ليهوه معتمدين. وأثبتت كارولا بِلتراميلِّي ايضا انها منادية غيورة بالملكوت، اذ ساعدت اكثر من ٣٠ شخصا حتى المعمودية. وأصبح ابنا كارولا فاتحَين. ونال الولد الاكبر دلفوس امتياز حضور مدرسة جلعاد، وهو يساعد في تزويد الاشراف في مكتب الفرع منذ سنة ١٩٧٠.
بلد المَتّة
فيما غطى المرسلون المناطق الريفية، زاروا عدة قرى كبيرة لتربية الماشية تُدعى استَنْسْياس. والساكنون في الـ استَنْسْياس هم من عامة الناس ومضيافون، ومن المألوف عندهم الترحيب بالشهود بتقديم المشروب التقليدي، اي المَتّة. والمَتّة مشروب ساخن يُرشَف من كوب مصنوع من يقطينة بواسطة بومبييا، اي انبوب معدني له مصفاة في احد طرفيه. عند سكان اورڠواي، يكون تحضير وتقديم المَتّة مثل تقليد. فعندما يصير المشروب الساخن حاضرا، يُمرَّر الكوب من شخص الى شخص بحيث يشترك الجميع في الـ بومبييا عينها.
تخيلوا رد فعل المرسلين عندما دُعوا لأول مرة الى المشاركة في شرب المَتّة الجماعي. وما كان يُضحِك مضيفيهم هو علامات الانزعاج
المختلفة التي بدت على وجوه المرسلين وهم يرشفون المشروب الاخضر المر. وبعد المحاولة الاولى، قرر البعض ان تكون الاخيرة، فكانت تُرفض بلطف الدعوات المقبلة الى رشف المَتّة.‹اذا كانت عندكم صور وتماثيل فلن اعود›
عيِّن فريق من المرسلين في مدينة تاكْوَرمبو في شمال اورڠواي. تحيط بهذه المدينة عدة قرى من الـ استَنْسْياس الكبيرة ومنشآت زراعية اخرى. في سنة ١٩٤٩، تسلَّم خيراردو إسكريبانو، وهو مزارع شاب لديه اسئلة كثيرة عن الحياة، دعوة الى حضور خطاب عام في قاعة الملكوت. فقَبِل الدعوة بشرط واحد: «اذا كانت عندكم صور وتماثيل او اذا طُلب مني تكرار الصلاة فلن اعود».
سُرَّ خيراردو عندما لم يجد اية صور وتماثيل او شعائر في قاعة الملكوت. وبالاحرى، استمتع بخطاب من الاسفار المقدسة انعش اهتمامه بالكتاب المقدس. فاستمر في حضور الاجتماعات، وأصبح في النهاية خادما منتذرا ومعتمدا ليهوه. وعلى مر السنين، تمتع بامتيازات كثيرة للخدمة، كالفتح الخصوصي، العمل الدائري، والعمل الكوري. وقضى الاخ إسكريبانو وزوجته رامونا في الخدمة كامل الوقت سنوات مجموعها اكثر من ٨٣ سنة. ومنذ سنة ١٩٧٦، يخدم الاخ إسكريبانو كعضو في لجنة الفرع مع دلفوس بِلتراميلِّي وڠونتر شونهارت، مرسل من المانيا ساهم لسنوات كثيرة في البناء الروحي للجماعات المجاورة للفرع.
الحصاد يزداد
قال يسوع: «ان الحصاد كثير، ولكن العمال قليلون». (متى ٩:٣٧، ٣٨) اتخذت هذه الكلمات معنى خصوصيا في حياة المرسلين في اورڠواي الذين كانت لديهم مقاطعة شاسعة يجب تغطيتها. وإذ مرت السنون، بات من الواضح ان يهوه يدعم ويبارك جهود عماله.
في سنة ١٩٤٩، عند الزيارة الثانية للاخوين نور وهنشل، اجتمع
٥٩٢ شخصا في مونتيڤيديو للاستماع الى خطاب الاخ نور «الوقت متأخر اكثر مما تظنون!». وفي تلك المناسبة اعتمد ٧٣ شخصا. كانت توجد آنذاك ١١ جماعة في البلد. وبعد عشر سنوات، اثناء زيارة الاخ نور الرابعة، تحدث الى حضور عددهم اكثر من ٠٠٠,٢ في مونتيڤيديو. وفي ذلك الوقت، كان هنالك ٤١٥,١ ناشرا و ٤١ جماعة في اورڠواي.اتسمت خمسينات الـ ١٩٠٠ بالنمو في عدد الجماعات في كل البلد. ولكن كان على الكثير منها ان تجتمع في بيوت خاصة. ففي احدى الحالات، ركَّب صاحب احد البيوت ببراعة دواليب لكامل اثاث غرفة الجلوس. وهكذا عندما كان يحين وقت ترتيب الغرفة لاجتماع الجماعة، كان عليه فقط ان يجرّ الاثاث لإزاحته من الغرفة. وفي حالة اخرى، كانت الجماعة تجتمع في غرفة صغيرة في الجزء الامامي من بيت خاص. وعندما نمت الجماعة، أُزيلت الجدران الفاصلة لتسع الفريق الاكبر. وفي النهاية أُزيلت معظم الجدران، ووافقت العائلة على العيش في مساحة صغيرة في مؤخرة المنزل.
احدى الادوات البارزة التي تَبرهن انها نافعة في إطلاع سكان اورڠواي على عمل شهود يهوه كانت فيلم مجتمع العالم الجديد وهو يعمل. لقد وصل هذا الفيلم الى اورڠواي في سنة ١٩٥٥. وفي تلك السنة جال ليبر بيرويتا في المنطقة الداخلية للبلد وعرض الفيلم لاكثر من ٥٠٠,٤ شخص. فدفع ذلك كثيرين ممن اظهروا في السابق اهتماما قليلا بعملنا الى درس الكتاب المقدس مع شهود يهوه.
مكتب فرع جديد
فيما استمر عدد الناشرين في النمو بسرعة، نشأت الحاجة الى تسهيلات ملائمة تسع مكتب الفرع وبيت المرسلين. وعلى مر السنين، استؤجرت ابنية كثيرة لسد هذه الحاجة. ولكن حان الوقت لشراء ارض من اجل بناء تسهيلات الجمعية. وكانت الارض وسط العاصمة
مونتيڤيديو باهظة الثمن. فبدا انه ما من خيار سوى شراء ارض بعيدة قرب ضواحي المدينة. لذلك اشتُريت قطعة ارض كبيرة سنة ١٩٥٥. وجرت الموافقة على رسوم البناء، وبات الطاقم مستعدا للابتداء بالعمل في الموقع. وبعد ذلك صُدم الاخوة لدى معرفتهم ان الحكومة المحلية قررت توسيع جادة رئيسية عبر الارض التي اشتُريت حديثا!فماذا كان عليهم ان يفعلوا؟ تلت ذلك مفاوضات مع السلطات، وعرض الرسميون شراء ارض الجمعية كحل للمشكلة. لكنَّ المبلغ الذي ارادوا دفعه كان اقل مما دفعه الاخوة في الاصل، ولم يكن كافيا لشراء قطعة ارض مماثلة.
يتذكر جاك پاورز: «في احدى المراحل، استنتجنا انه ربما لم يحن الوقت الذي يريده يهوه للبناء. ولكن سرعان ما توصلنا الى فهم افضل لكلمات بولس في رومية ١١:٣٤: ‹مَن عرف فكر يهوه، او مَن صار له مشيرا؟›. لقد اقترح احد الرسميين انه ربما نستطيع مقايضة ارضنا باحدى اراضي الدولة غير المستعملة. فعرض علينا قطعة ارض مشابهة في المساحة وذات موقع مثالي في وسط مونتيڤيديو تماما، في شارع فرنسيسكو باوسا. ودون تردد قبلنا العرض، وكانت قيمة هذه الارض اضعاف قيمة الارض التي اشتريناها سابقا، ولم يكن علينا دفع سنت واحد آخر! حقا، وجَّهت يد يهوه الامور لصالح شعبه!».
مهندس معماري يتَّخذ قرارا
بُني مكتب الفرع تحت اشراف هوستينو أپولو، مهندس معماري شهير. وكان هوستينو قد ابتدأ قبل وقت قصير بدرس الكتاب المقدس مع احد المرسلين. يتذكر هوستينو: «لطالما اردتُ ان اجد الحقيقة عن اللّٰه. لقد نشأت كاثوليكيا، لكنني صرت خائبا اكثر فأكثر على مرِّ السنين. ما زلت اذكر جيدا يوم زرت الكنيسة لأعدّ الترتيبات من اجل زفافي. فقد سألني الكاهن: ‹كم مصباحا تريد ان تضيء
في الكنيسة خلال مراسم زفافك؟ فكلما اضأت مصابيح اكثر، كلَّفك ذلك اكثر، لكنك ستنال بالتأكيد اعجاب اصدقائك›. طبعا، كنت ارغب في زفاف رائع، لذلك طلبت مصابيح كثيرة. ثم سأل الكاهن: ‹أتريد سجادة حمراء ام بيضاء؟›. وما الفرق؟ اوضح: ‹ان السجادة الحمراء تجعل ثوب العروس يبرز اكثر، لكنها تكلِّفك الضعف›. ثم جاء موضوع ترتيلة ‹السلام المريمي›: ‹أتريد ان يرتّلها شخص واحد ام تريد كَوْرسا؟›. وراح الكاهن يبيعني وجها بعد آخر من اوجه الاحتفال.«تزوجت في الكنيسة؛ لكنني كنت مغتاظا جدا من كل الاساليب التجارية في الدين. وعندما ابتدأت ادرس مع شهود يهوه، صار الفرق واضحا بحيث ادركت بسرعة انني وجدت الحق».
بعد اشهر كثيرة من درس الكتاب المقدس، فيما كان هوستينو يعمل في بناء بيت ايل ويعاشر الشهود، ادرك ان عليه اتخاذ قرار. فبعد اكمال المبنى قُبيل نهاية سنة ١٩٦١، اتخذ المهندس المعماري القرار الصائب واعتمد. والآن، يخدم هوستينو كشيخ، وقد ساعد على بناء اكثر من ٦٠ قاعة ملكوت في اورڠواي.
توسُّع الفرع يستمر
في ٢٨ تشرين الاول (اكتوبر) ١٩٦١، جرى تدشين مبهج للمبنى الجديد الجميل. زوَّد الطابق الاول اماكن واسعة للمكاتب، مخزنا للمطبوعات، وقاعة ملكوت مريحة. وكانت هنالك تسع غرف نوم في الطابق العلوي تتَّسع للمرسلين والعاملين في المكاتب على السواء.
بالنسبة الى الـ ٥٧٠,١ ناشرا نشيطا في البلد آنذاك، بدا بيت ايل الجديد مؤهَّلا للاعتناء بأي نمو محتمل في السنوات المقبلة. ولكنَّ النمو كان اسرع من المتوقَّع، فبُني سنة ١٩٨٥ طابقان اضافيان ضاعَفا حجم الفرع.
حصلت الجمعية مؤخرا على ملكية اخرى رائعة في ضواحي مونتيڤيديو. وبناء تسهيلات جديدة للفرع مع قاعة للمحافل هو الآن في مرحلة متقدمة جدا. وبمساعدة فريق اممي من العمال، يُتوقع ان يتم المشروع سنة ١٩٩٩.
تدريب للنظار
للاعتناء بالزيادة في ‹المشتهى› في اورڠواي، كانت هنالك حاجة ليس فقط الى تسهيلات للفرع بل ايضا الى رعاة يعتنون بالرعية. فبين سنتي ١٩٥٦ و ١٩٦١ تضاعف عدد الناشرين وتشكَّلت ١٣ جماعة جديدة. وكم تبيَّن ان مدرسة خدمة الملكوت كانت تدبيرا حبِّيا وفي حينه! فلما ابتدأت مدرسة خدمة الملكوت في سنة ١٩٦١، قام عدة اخوة في مراكز مسؤولية في الجماعات بصنع الترتيبات لحضور هذه المقرَّرات التي تدوم شهرا. وكان على عدد منهم ان يسافر مسافات طويلة، وجازف البعض بوظائفهم بغية حضور كامل مقرّر المدرسة.
على سبيل المثال، عاش أوراسيو لَڠيسامون في دولورس التي تقع على بعد ٣٠٠ كيلومتر (١٩٠ ميلا) من مونتيڤيديو، حيث كانت تُعقد مدرسة خدمة الملكوت. فعندما طلب من رب عمله اجازة لمدة شهر، قيل له ان ذلك مستحيل. فأوضح الاخ لَڠيسامون عندئذ مدى اهمية هذا التدريب بالنسبة اليه، وأنه مصمِّم ان يحضر المدرسة حتى لو عنى ذلك خسارة عمله. ويا لدهشة أوراسيو لدى سماعه بعد بضعة ايام ان رب عمله قرَّر ان يصنع استثناءً، الامر الذي مكَّنه من حضور المدرسة دون خسارة عمله.
فهل كان المقرّر يستحق كل هذا العناء؟ يذكر احد التلاميذ الاوائل: «لم نختبر قط شيئا كهذا من قبل. فوجودنا برفقة اخوة ناضجين من كل انحاء البلد جعلنا نشعر طوال شهر كما لو اننا
عائشون في العالم الجديد. وقد جهَّزتنا المدرسة على نحو ملائم لمواجهة تحدي رعاية الرعية بفعّالية، بالدعم الحبي من هيئة يهوه المنظورة.لقد ساعدت مدرسة خدمة الملكوت مئات المسيحيين الناضجين على الصيرورة مجهّزين بشكل افضل، ممّا ادّى الى تقوية الجماعات، وخصوصا في وقت تزداد فيه حدّة مشاكل النظام القديم هذا.
فقراء — ولكن اغنياء روحيا
وفقا للمؤرِّخين في اورڠواي، وسم عقد الستينات بداية التدهور الاقتصادي للبلد. فقد تناقص ثمن الصادرات التقليدية كلحم البقر، الجلد، والصوف، في السوق الدولية. وقد أفلس عدد من البنوك والشركات الصناعية الرئيسية، مما ترك الآلاف عاطلين عن العمل. وصار الناس قلقين بشأن التضخم غير المضبوط، التخفيض المفاجئ لقيمة العملة، زيادة الضرائب، والصعوبات في الحصول على الطعام وضرورات الحياة الاساسية الاخرى.
كانت للازمة الاقتصادية تأثيرات اجتماعية وخيمة. فقد انتج إفقار الطبقة الوسطى الكبيرة ازديادا هائلا في الجريمة. وأدَّى الاستياء العام الى مظاهرات متكررة، وعنيفة احيانا، ضد السلطات. وهاجر الآلاف في اورڠواي وخصوصا الشباب الى بلدان اخرى محاولين الهروب من ازمة تتفاقم بسرعة.
اشعياء ٣٥:١، ٢: «تفرح البرية والارض اليابسة ويبتهج القفر ويزهر كالنرجس. يزهر ازهارا ويبتهج ابتهاجا ويرنم». فقد تشكَّلت خمس عشرة جماعة جديدة بين السنتين ١٩٦١ و ١٩٦٩، فبلغت ذروة العدد الاجمالي للناشرين في البلد ٩٤٠,٢ شخصا.
من جهة اخرى، انتج عقد الستينات نموا روحيا داخل هيئة يهوه يذكِّر بكلماتفي ٩ كانون الاول (ديسمبر) ١٩٦٥، صدَّقت الحكومة على النظام الداخلي لمؤسستنا الشرعية المعروفة بـ سوسْييداد لا تورّي ديل ڤيخييا. وقد سمحت لنا هذه المؤسسة بالحصول على رخص خصوصية وإعفاء من الضرائب على الطباعة، الاستيراد، وتوزيع الكتب المقدسة بالاضافة الى المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس. وقد جعل ايضا هذا الوضع القانوني من الممكن شراء ملكيات وبناء قاعات ملكوت.
«المحفل العظيم»
سيجري دائما تذكُّر سنة ١٩٦٧ بصفتها سنة «المحفل العظيم». فقد حضر المحفل وفد من نحو ٤٠٠ شاهد من الولايات المتحدة وأوروپا، بمن فيهم فردريك و. فرانز ومِلتون ج. هنشل. ولأول مرة، تمتع حضور من ٩٥٨,٣ شخصا بعرض مسرحية من الكتاب المقدس بالزي القديم. وللمرة الاولى ايضا، استطاع الاخوة استعمال مدرَّج پَلاسيو پينيارول المغلَق الواسع حيث كانت تجري اهمّ احداث مونتيڤيديو الاجتماعية والفنية والرياضية.
بذل العديد من الاخوة المحليين جهودا فوق العادة لتمويل الرحلة والمأوى. فقد عملت اخت طيلة ستة اشهر في غسل الالبسة باليد من اجل توفير ما يكفي من المال لرحلتها. وجمعت اخت اخرى، كان زوجها معارضا لكونها واحدة من شهود يهوه، الاموال اللازمة بصنع مأكولات مثلَّجة وبيعها للجيران.
وأي انطباع تركه المحفل في مديري المدرَّج؟ قال واحد منهم ان مدرَّج «پَلاسيو پينيارول لم يكن قط من قبل بهذه النظافة وخاليا من الروائح الكريهة!». وتأثر المديرون جدا بالترتيب والتنظيم الجيدَين للشهود بحيث جعلوا مكاتبهم الخاصة تحت تصرُّف الاخوة المعينين لادارة المحفل. وبعد ذلك، استُعمل المدرَّج للعديد من المحافل الكورية حتى سنة ١٩٧٧. ففي تلك السنة، غيَّرت الحكومة موقفها من شهود يهوه، ومُنع الشهود من عقد المحافل لعدة سنوات.
«حذرين كالحيات»
خلال اوائل سبعينات الـ ١٩٠٠، ساء الاقتصاد في اورڠواي. فازدادت اعمال العصيان المدني. وتحوَّلت مظاهرات العمال والطلاب الى اعمال شغب عنيفة ومخرِّبة. وابتدأت تظهر عصابات في المدن الكبيرة؛ وانتشر الرعب اذ انهمكت هذه العصابات في اعمال السرقة، قذف القنابل، الاعتداءات، والخطف. وفي خضم هذا الاضطراب، قوي الجيش واستولى على السلطة في سنة ١٩٧٣.
حكمت القوات العسكرية بقبضة حديدية. فحُظرت كل النشاطات السياسية بالاضافة الى نشاطات اتحاد العمال. وفُرضت رقابة شديدة على الصحافة. ولم يكن ممكنا عقد اجتماعات عامة دون الحصول على اذن مسبق من السلطات. وقُيِّدت الحريات الفردية بشدة. فكيف استطاع الاخوة ان ‹يكرزوا بالكلمة› في هذا الوقت المحفوف بالمتاعب؟ — قارنوايتذكر الاخ إسكريبانو: «في تلك الايام، كان علينا ان نطبق اكثر من اي وقت مضى كلمات يسوع المذكورة في متى ١٠:١٦: ‹ها انا ارسلكم كخراف وسط ذئاب؛ فكونوا حذرين كالحيات، وأبرياء كالحمام›. لذلك سارعت الجمعية الى اعطاء الارشاد لكل الشيوخ، لينال الناشرون التدريب اللازم من اجل الاستمرار في العمل الكرازي بغيرة — ولكن الآن بحذر وحسن تمييز».
كان بعض الاعضاء من رجال الدين والفئات الدينية يدعمون الثوار. فأصبحت الحكومة العسكرية مرتابة جدا من كل الحركات الدينية، بما فيها شهود يهوه. فأدى ذلك الى ايقاف كثيرين في كل انحاء البلد اثناء اشتراكهم في الخدمة من بيت الى بيت. ولكن في اغلب الاحيان، كان يُطلق سراحهم فورا بعد اظهارهم مطبوعات الكتاب المقدس وتوضيحهم طبيعة عملهم. وبعد هذا العدد الكبير الاولي من الايقافات، رأى الاخوة انه من الحكمة الذهاب في الخدمة في فرق اصغر لكي لا يلفتوا الانظار.
اظهرت القوات العسكرية في بعض الاحيان رضى ضمنيا عن عمل الشهود من بيت الى بيت. حتى انها حاولت ذات مرة تقديم المساعدة، انما على طريقتها الخاصة. فقد كانت مجموعة من الجنود تقوم بدورية في منطقة حيث كانت اخت تكرز بالبشارة. وبعد ان قرعت الاخت جرس احد البيوت، خاطبتها صاحبة المنزل من نافذة الطابق الثاني، وبأسلوب فظ جدا طلبت منها ان تغادر في الحال. وإذ رأى احد
الجنود ما حدث انفعل، فصوَّب مسدسه فورا نحو صاحبة المنزل آمرا اياها ان تنزل وترحب بالاخت بلياقة. فأطاعت صاحبة المنزل.مكان للمحافل
في حزيران (يونيو) ١٩٧٤، تسلم مكتب الفرع إعلاما من الحكومة يطلب من الاخوة المسؤولين المثول امام امين سر محكمة العدل العليا. كان الاخ بِلتراميلِّي واحدا منهم. يتذكر قائلا: «كنا قلقين. لقد عرفنا ان الحكومة العسكرية تملك القدرة على حظر عملنا فورا اذا شاءت ذلك. ولكن يا للراحة التي شعرنا بها عندما اوضح لنا الرسمي ان الحكومة مهتمة بشراء مبنى كان يُستعمل كقاعة ملكوت! حتى انهم عرضوا ان يساعدونا في الحصول على مكان آخر مناسب لقاعة ملكوت. ونتيجة لذلك، تمكَّنا من شراء مسرح لوتيسْيا الذي يقع في مكان مثالي في احد الشوارع الرئيسية لمونتيڤيديو. وكان المال الذي تلقَّيناه من الحكومة اكثر من كافٍ لتحويل المسرح الى قاعة ملكوت جديدة».
ويتذكر الاخ بِلتراميلِّي: «كنا مقتنعين بأن يهوه كانت له يد في هذه الامور». فكان يمكن ان تسع الصالة الكبيرة في هذا المسرح ٠٠٠,١ شخص تقريبا. وهذا جعلها تصلح ليس لقاعة ملكوت للمنطقة وحسب، بل ايضا لقاعة محافل كنا في امس الحاجة اليها بسبب القيود الجديدة الموضوعة على المحافل.
ومع ان هذا المسرح السابق كان رسميا قاعة ملكوت للجماعة المحلية، فقد استُعمل فعليا طوال سنوات للمحافل الدائرية التي كانت تُعقد اسبوعيا. وقد تعلم الاخوة ان يكونوا حذرين عند عقد هذه الاجتماعات الكبيرة. فكانوا يدخلون البناء ويخرجون منه دون لفت الانظار قدر المستطاع، وكانوا يوقفون سياراتهم في مواقع متفرقة في كل انحاء الجوار.
وقت للبناء
حتى اثناء فترة الاضطراب هذه، كان النمو المتواصل في عدد ناشري الملكوت، الى جانب الزيادة في الجماعات الجديدة، مصدر جامعة ٣:١-٣.
فرح شديد. وبحلول سنة ١٩٧٦ ازداد عدد الناشرين اكثر من ١٠٠ في المئة في اقل من عشر سنوات. لكنَّ ذلك شكَّل تحديا عظيما: كيف كان يمكن ان نوفِّر امكنة لكثيرين من الجدد في قاعات الملكوت القديمة التي كانت في اغلبها مستأجرة؟ قال الملك سليمان بالوحي: «لكل شيء زمان». فبوجود ٨٥ جماعة و٤٢ قاعة ملكوت فقط، بدا واضحا ان ‹الوقت لبناء› قاعات للملكوت قد حان. —لكنَّ البلد بكامله كان في خضمّ ازمة مالية، ولم يكن لدى الجماعات ما يكفي من الاموال للبناء. فمن أين كان سيأتي المال؟ يذكر منسِّق الفرع دلفوس بِلتراميلِّي: «خلال تلك الفترة، شعرنا بيد يهوه معنا واختبرنا محبة شعبه. فالتبرعات السخية من الاخوة حول العالم مكَّنت الفرع من اقراض الجماعات في اورڠواي المال اللازم».
كانت هنالك حاجة ايضا الى عمال اكفاء، فاستجاب الشهود في اورڠواي لهذه الحاجة. واستمر كثيرون في جعل انفسهم متوفرين للمساعدة في بناء قاعات ملكوت في مكان بعد آخر. كان أبيلينو فيليپوني احد المتطوعين الدؤوبين. وبعد اشتراكه في بناء الفرع سنة ١٩٦١، خدم وزوجته إيلْدا كفاتحين خصوصيين، ومنذ سنة ١٩٦٨ خدم كناظر دائرة. ولعدة سنوات، عُيِّن ايضا ليساهم في بناء قاعات الملكوت بتزويد خدمات مهنية والاشراف على مشاريع البناء.
«إل پلوميتو»
يتذكر الاخ فيليپوني بعض الاختبارات التي تتعلق ببناء قاعات الملكوت: «في كل موقع بنينا فيه قاعة ملكوت، كان الجيران والمارة
يتأثرون جدا بالحماسة والغيرة البارزتين عند العمال الشهود. ففي احد مواقع البناء، كان صبي غير شاهد من الجوار في السادسة من عمره يأتي لزيارتنا كل يوم ويتوسل الينا ان نسمح له بالعمل في المشروع. كان لجوجا لدرجة انه اصبح معروفا بـ إل پلوميتو، وهي عبارة محلية تعني ‹المزعج الصغير›. مرت السنون ولم نسمع اية اخبار عن الصبي ثانية. ولكن في احد المحافل، اقترب مني اخ وسألني: ‹اخ فيليپوني! هل تذكر «إل پلوميتو»؟ هذا انا! لقد اعتمدت منذ سنتين›». من الواضح ان بزرة الحق زُرعت في قلب هذا الصبي خلال عمل بناء قاعة الملكوت.وهنالك الآن قاعة ملكوت لكل ١٢٩ ناشرا — ما مجموعه ٨١ قاعة ملكوت في البلد. لقد بارك يهوه دون شك عمل بناء اماكن عبادة ملائمة من اجل شعبه في اورڠواي.
محافل لمساعدة جيراننا
تأسس ايضا نظام حكم عسكري في الارجنتين، البلد المجاور لأورڠواي من جهة الغرب. وهناك اقفلت الحكومة مكتب فرع الجمعية وقاعات الملكوت. فصار الاخوة في الارجنتين يعقدون اجتماعاتهم في فرق صغيرة. لكنهم تمكنوا خلال تلك الفترة من عقد محافل علنية دون تدخل الحكومة. وكيف أمكنهم ذلك؟ بعبور الحدود وعقد محافلهم في اورڠواي! كان الاخوة في اورڠواي ينظمون هذه التجمعات الكبيرة وكان الاخوة من الارجنتين يهتمون بأجزاء كثيرة من البرنامج. واعتُبر تزويد المأوى لآلاف الاخوة الآتين من الارجنتين امتيازا خصوصيا، فنتج عن ذلك «تبادل التشجيع» المقوِّي للايمان. — روما ١:١٢.
عُقد محفل لا يُنسى في پَلاسيو پينيارول من ١٣ الى ١٦ كانون
الثاني (يناير) ١٩٧٧. وبلغ عدد الحضور ٠٠٠,٧ شخص تقريبا من الاخوة والاخوات في اورڠواي والارجنتين. وفي ختام المحفل انضم الجميع معا في ترنيم التسابيح ليهوه. وكانوا يتناوبون الترنيم: يرنِّم الاخوة من الارجنتين مقطعا شعريا فيما يبقى الاخوة من اورڠواي صامتين، والعكس بالعكس. وأخيرا انضم الجميع في ترنيم المقطع الاخير. وبسبب الموقف الذي اختلطت فيه مشاعر الفرح الشديد الناتج عن وجودهم معا في المحفل بمشاعر الحزن لوجوب توديع اخوتهم الاحباء، انهمرت دموع كثيرين.ولكن في ١٣ كانون الثاني (يناير) ١٩٧٧، اثناء انعقاد هذا المحفل الكبير في پَلاسيو پينيارول، نشرت صحيفة شهيرة تميل الى ارضاء الكنيسة الكاثوليكية مقالة في صفحتها الاولى بعنوان: «شهود يهوه: الترخيص لهم قيد البحث». وشجبت المقالة موقف الشهود من الرموز القومية، وشدَّدت على ان الحكومة في الارجنتين قد حظرت عملنا وأن الشيء نفسه يمكن ان يحصل في اورڠواي. وبعد نشر المقالة بفترة وجيزة، توقفت الحكومة عن منحنا الاذن بعقد محافلنا.
القيود تزداد شدة
في سنة ١٩٧٥، شنت الحكومة العسكرية حملة تهدف الى تعزيز الروح الوطنية والقومية. فسببت هذه النشوة القومية المشاكل لكثيرين من الاخوة الذين يجاهدون للحفاظ على الحياد المسيحي والذين يسعون ان ‹يوفوا ما لقيصر لقيصر، وما للّٰه للّٰه›. (مرقس ١٢:١٧) فطُرد العديد من الاحداث الشهود من المدرسة لأنهم امتنعوا بضمير حي عن تكريم الرموز القومية. واحتمل اخوة آخرون الكثير من السخرية والمعاملة السيئة في اماكن عملهم. حتى ان البعض خسروا عملهم بسبب موقفهم الحيادي.
في المدن والبلدات الداخلية الصغيرة، كانت السلطات المحلية تراقب الشهود عن كثب. وفي بعض الاحيان، كان جواسيس الحكومة يزورون قاعات الملكوت متظاهرين بأنهم اناس مهتمون. لذلك رأى الاخوة الحاجة الى ان يكونوا حذرين اكثر. فتجنبوا مناقشة موضوع الحياد في الاجتماعات، متفادين بالتالي اية مواجهة مع السلطات.
في احدى المناسبات، زار احد هؤلاء الجواسيس قاعة الملكوت قبل ابتداء الاجتماع مباشرة، وسأل احد الاخوة: «في اي وقت ستنشد الجماعة النشيد اليوم؟». ان الكلمة الاسپانية «إيمْنو» يمكن ان تشير إما الى نشيد وطني او الى نشيد ديني. وإذ علم الاخ ان الرجل جاسوس اجاب: «ثلاث مرات — في بداية الاجتماع، في منتصفه، وفي الختام». طبعا، كان الاخ يشير الى ترانيم الملكوت. فغادر الجاسوس فورا، مقتنعا تماما بافتراضه ان الاخوة سينشدون النشيد الوطني ثلاث مرات خلال الاجتماع.
موقوفون — ولكن سعداء
كانت الشرطة احيانا تداهم قاعات الملكوت خلال الاجتماع وتوقف كل الحاضرين. ثم يُخضَع كل اخ وأخت للاستجواب. وقد تبيَّن ان هذه كانت فرصة ممتازة ليقدم الاخوة شهادة لعدد كبير من ضباط الشرطة. وبعد ان يُستجوب كل واحد — وعادة لساعات — كان يُطلَق سراح الجميع. — قارنوا اعمال ٥:٤١.
في جماعة فلوريدا الواقعة في شمال مونتيڤيديو، كانت الاخت سِلي أساندري دي نونْيس مُعيَّنة لتقدِّم موضوعا في مدرسة الخدمة الثيوقراطية. فدعت جارتها مايبل ان تأتي وتستمع الى الموضوع. لم تكن مايبل قد زارت قاعة ملكوت من قبل. وفي تلك الامسية، داهمت الشرطة الاجتماع وأوقفت الجميع، بمن فيهم مايبل. وقد احتُجزت مايبل عدة ساعات قبل ان تمكَّن زوجها من تدبُّر اطلاق سراحها.
الا ان هذا الاختبار المروِّع ايقظ فيها اهتماما حقيقيا بتعاليم شهود يهوه. فابتدأت بعيد ذلك بدرس الكتاب المقدس وحضور الاجتماعات. والآن مايبل شاهدة منتذرة ومعتمدة ليهوه.على الرغم من القيود التي فرضها الحكم العسكري مدة اثنتي عشرة سنة تقريبا، استمر فيض من ذوي القلوب المستقيمة يتدفق على هيئة يهوه. وفي سنة ١٩٧٣ كان هنالك ٧٩١,٣ ناشرا في البلد. وبحلول سنة ١٩٨٥، عندما انتهت هذه الفترة العصيبة، ارتفع هذا الرقم الى ٣٢٩,٥ ناشرا، زيادة اكثر من ٤٠ في المئة! فدون شك، كان يهوه يبارك شعبه خلال وقت الشدة هذا.
محافل دون قيود
في آذار (مارس) ١٩٨٥، تأسست حكومة ديموقراطية فرُفعت كل القيود. ومن ذلك الحين فصاعدا، استطاع شعب يهوه ان ينهمك بحرية في عمل الكرازة بالملكوت والتعليم. وأصبح الاخوة الآن احرارا ليعقدوا محافلهم الدائرية والكورية. وغمر الفرح الاخوة والاخوات لحيازتهم فرصة الالتقاء مرة اخرى برفقائهم العباد من اجزاء بعيدة من البلد. وكم كان مشجِّعا ان يروا ان اخوتهم ايضا بقوا ثابتين وما زالوا يخدمون يهوه بأمانة!
ولكن اين كنا سنجد اماكن محافل تتسع لأكثر من ٠٠٠,١٠ شخص متوقع؟ فلم يعد اي من الاماكن المستعملة سابقا ملائما الآن. ومرة اخرى، استجاب يهوه صلواتنا. فخلال سنوات الحكم العسكري، بُني مدرَّج جديد لكرة القدم — إستاديو شارووا — في باركي ريڤيرا، احد اكبر المتنزهات في مونتيڤيديو. ومع ان استعمال المدرَّج كان يقتصر على المباريات الرياضية، استطعنا استئجاره من اجل محفل اممي في كانون الاول (ديسمبر) ١٩٨٥. ومنذ ذلك الحين، اصبحت السلطات المحلية متعاونة جدا في السماح لنا
باستعمال المدرَّج كل سنة من اجل محافلنا، وغالبا مع حضور يتجاوز الـ ٠٠٠,١٣ شخص.قُدِّمت شهادة مهمة عند انعقاد محفل دائري في مدرَّج مدينة تْرينْتا إي تْريس في كانون الاول (ديسمبر) ١٩٩٠. فمن داخل كنيسة كاثوليكية، كان يُرى بوضوح المدرَّج المكتظ بشهود يهوه. وذات صباح، اشار الكاهن عبر النافذة الى المدرَّج وقال لاعضاء ابرشيته: «هل ترون كم من الناس يجري تجميعهم من قبل شهود يهوه؟ كيف يجلبون هذا العدد الكبير من الاشخاص؟ انهم يملكون شيئا لا تملكونه انتم الكاثوليك — روح التبشير! اننا نتضاءل في العدد كل يوم لاننا لا نكرز كما يفعلون هم. فإما ان نبدأ بالتبشير كما يفعل الشهود او تموت كنيستنا».
العمل في المقاطعات المنعزلة
في ثمانينات الـ ١٩٠٠، بُذل جهد خصوصي لبلوغ المناطق الابعد في البلد بالبشارة. فخلال زيارة سنوية لمنطقة تقع في شمال شرق البلد، وزَّع فريق من الاخوة مجموعة كتب في قرية تدعى كوتشييا دي كاراڠواتا. وفي السنة التالية، زار الشهود رجلا في تلك القرية أبى ان يصغي الى رسالتهم مُدَّعيا انه يملك الحق. صرَّح: «اني واحد من شهود يهوه!». لقد كان خارج القرية حينما اتى الشهود في السنة السابقة. ولكن بعد عودته الى البيت قرأ المطبوعات التي وزِّعت وتوصل الى القرار ان هذا هو الحق. فراح يطوف في القرية مخبرا كل واحد انه الآن واحد من شهود يهوه. واليوم توجد في هذه القرية جماعة صغيرة.
على الرغم من ان بيرتا دي هربيڠ كانت تسكن في بلدة دولورس النائية، ادركت اهمية حضور الاجتماعات قانونيا. فقد كانت تمشي
هي وأولادها الستة ١١ كيلومترا (٧ اميال) الى قاعة الملكوت وتصل في اغلب الاحيان قبل بداية الاجتماع بحوالي ساعة. وقد ترك مثالها الجيد للاحتمال والتصميم كأم اثرا قويا في اولادها. والآن بعد سنوات من خدمتها الامينة، فإن اربعة من اولادها هم نشاطى في الحق. وكان واحد منهم، ميڠيل انخيل الذي اصبح فاتحا في ما بعد، يركب دراجة مسافة ٥٨ كيلومترا (٣٦ ميلا) لكي يصل الى فريق منعزل في قرية لا شاركيادا-سيبوياتي. والابن الآخر دانيال، يخدم الآن كفاتح خصوصي في مدينة تْرينْتا إي تْريس.علاقة افضل
طوال سنوات، نظر العديد من الاختصاصيين بالصحة في اورڠواي بازدراء الى شهود يهوه لانهم لم يفهموا موقفهم في ما يتعلق بالامتناع عن استعمال الدم. (اعمال ١٥:٢٨، ٢٩) وقد رفض عدد كبير من المستشفيات في البلد قبول شهود يهوه. والمستشفيات الاخرى التي كانت تقبلهم لاجراء عملية جراحية كانت تصرفهم قبل العملية مباشرة لانهم كانوا يرفضون نقل الدم. مع ذلك، تحسنت كثيرا العلاقة بين اصحاب المهنة الطبية والشهود خلال السنوات القليلة الماضية.
في سنة ١٩٨٦، نظَّم أوسپيتال سنترال دي لاس فْويرْساس أرمادس اجتماعا كبيرا لمناقشة العلاجات البديلة من اجل شهود يهوه. وجمع فيه عددا من الشخصيات البارزة في حقلَي الادوية والجراحة، بالاضافة الى محامين متخصصين في حقل الطب. وقد زود شهود يهوه من جهتهم معلومات واقتراحات للمسؤولين في المستشفيات. ونتيجة لهذا الاجتماع الخصوصي، غيَّر اطباء كثيرون موقفهم من الشهود وصاروا الآن راغبين في معالجتهم واحترام رأيهم المؤسس على الكتاب المقدس بخصوص الدم.
في ما بعد، عُقد عدد من الاجتماعات غطَّتها وسائل الاعلام على نحو واسع، اولا في مونتيڤيديو ثم في مدن اخرى. وقد اعترف اختصاصيون بارزون انه بمساعدة شهود يهوه، تعلموا اساليب جديدة في العلاجات الطبية غير الدموية. ذكر پروفسور في المداواة بالدم: «تعلمنا الكثير وعدَّلنا تفكيرنا بفضل شهود يهوه. كانت لدينا مواجهات عديدة معهم في الماضي لاننا ببساطة لم نكن نفهمهم. لكننا الآن نرى انهم في نواح كثيرة كانوا دائما على صواب. ومن الواضح انهم تجنبوا مشاكل كثيرة برفضهم نقل الدم».
ليس عملهم عبثا
حقا يمكن القول ان العمل الشاق الذي انجزه المنادون الغيورون بالملكوت في اورڠواي من عشرينات الى اربعينات الـ ١٩٠٠ لم يكن عبثا. فعدد قليل من المنادين الغيورين بالملكوت من الخارج اجتمعوا وعلَّموا الآلاف من ‹المشتهى› في بلد التلال المتموجة الجميل هذا. (حجي ٢:٧) ويوجد الآن في اورڠواي اكثر من ٠٠٠,١٠ ناشر لملكوت اللّٰه، وأكثر من ١٣٥ جماعة، لدى كل واحدة منها كمعدل خمسة شيوخ تقريبا. وقد حضر مدرسة خدمة الملكوت التي عُقدت مؤخرا خلال آذار (مارس) ١٩٩٨، ٦٥٦ شيخا و ٩٤٥ خادما مساعدا. وتملك كل الجماعات تقريبا قاعاتها الخاصة للملكوت، بنى العديد منها اخوة بدعم مادي من الجمعية.
تجاوز عدد الناشرين الضعف خلال السنوات العشرين الماضية، وهنالك توقعات تبشِّر بنمو في المستقبل. وما دام يهوه يمسك برياح الضيق العظيم القادم، سيستمر شهود يهوه في اورڠواي بدعوة الآخرين: «هلم نصعد الى جبل الرب الى بيت اله يعقوب فيعلّمنا من طرقه ونسلك في سبله». — اشعياء ٢:٣؛ كشف ٧:١.
[صورة تغطي كامل الصفحة ٢٢٤]
[الصورة في الصفحة ٢٢٧]
هوان مونييس
[الصورة في الصفحة ٢٢٩]
عاشوا في خيام من صنعهم وجالوا في كل انحاء اورڠواي على الدراجات للشهادة (من اليسار الى اليمين): كورت نيكل، ڠوستاڤو وبيتي بِندر، أوتو هيلي
[الصورتان في الصفحة ٢٣٥]
من اوائل الناشرين في اورڠواي (من اليسار الى اليمين): ماريا دي بيرويتا، كارولا بِلتراميلِّي، كاتالينا پُمپوني
[الصور في الصفحة ٢٣٧]
المرسلون الذين لا يزالون يخدمون في اورڠواي: (١) فلورنس لاتيمر، (٢) إثيل فوس، (٣) بردين هوفستتر، (٤) ليرا بيرويتا، (٥) توڤه هُوَنسن، (٦) ڠونتر شونهارت
[الصورة في الصفحة ٢٤٣]
تسهيلات جديدة للفرع في طور البناء في سنة ١٩٩٨
[الصورة في الصفحة ٢٤٥]
لجنة الفرع (من اليسار الى اليمين): ڠونتر شونهارت، دلفوس بِلتراميلِّي، خيراردو إسكريبانو