الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

الجمهورية التشيكية

الجمهورية التشيكية

الجمهورية التشيكية

اكتسبت روابط الاخوَّة العالمية سنة ١٩٩٨ معنى اكبر في نظر شهود يهوه الذين يعيشون في الجمهورية التشيكية.‏ فقد كانت محافل «طريق اللّٰه للحياة» الاممية تُعقد في كل انحاء الكرة الارضية.‏

كان هنالك ٣٤٥ مندوبا من الجمهورية التشيكية بين المندوبين الـ‍ ٧٦٣‏,٤٢ الذين اجتمعوا لحضور المحفل في مدينة پونتياك في ولاية ميشيڠان الاميركية.‏ لقد اتى الحاضرون من ٤٤ بلدا على الاقل:‏ من الاميركتين،‏ اوروپا،‏ افريقيا،‏ وآسيا.‏ وإلى المحفل الذي عُقد في مدينة نورمبورڠ،‏ المانيا،‏ اتى ٧٠٠ مندوب آخر من الجمهورية التشيكية،‏ مع ٧٠٠ آخرين من سلوڤاكيا؛‏ وكان هذا واحدا من المحافل الالمانية الخمسة التي عُقدت في الوقت نفسه وبلغ مجموع حضورها الآتين من مختلف البلدان ٤٧٢‏,٢١٧ شخصا.‏

عندما رُحِّب بالمندوبين التشيكيين بحرارة لدى وصولهم الى اماكن المحافل،‏ وعندما استُقبلوا بمحبة في بيوت اخوة مسيحيين لم يلتقوهم قبلا،‏ وعندما سمعوا التصفيق الحاد المؤهِّل بالمندوبين الامميين في اليوم الافتتاحي من المحفل،‏ فرحوا فرحا شديدا.‏ وفي نورمبورڠ،‏ سلّم الشهود من الجمهورية التشيكية ومن سلوڤاكيا بعضهم على بعض بتأثر كبير،‏ وتعانقوا وكثيرا ما بكوا من فرط فرحهم بوجودهم معا من جديد.‏ لقد كانت مناسبات لا تُنسى ابدا.‏

وفي تلك السنة عينها،‏ حضر الآلاف ايضا محافل مماثلة في الجمهورية التشيكية.‏ وهناك،‏ بالاضافة الى البرنامج الذي قُدِّم في المحافل الكبرى،‏ ابتهج المندوبون بحصولهم على الترجمة التشيكية الجديدة الكاملة لدائرة معارف الكتاب المقدس،‏ بصيرة في الاسفار المقدسة،‏ بجزءَيها.‏

مما لا شك فيه هو ان تاريخ شهود يهوه في الجمهورية التشيكية عرف احداثا مفرحة.‏ لكنَّ هذه الاحداث سبقها طريق طويل وصعب.‏ كانت البداية منذ اكثر من ١٠٠ سنة،‏ ولولا المساعدة الحبية من يهوه اللّٰه،‏ لَما حصل ايٌّ من الاحداث الاخيرة.‏

في سنة ١٨٩١ قام ت.‏ ت.‏ رصل،‏ الذي كان آنذاك رئيس جمعية برج المراقبة،‏ بزيارة پراڠ زيارة قصيرة جدا خلال رحلة قام بها في اوروپا.‏ وخلال السنوات التي اعقبت ذلك،‏ شهد شهود يهوه فترات من النمو السريع،‏ وكذلك فترات من المشقّة والاضطهاد والتمحيص.‏ وحُظر عملهم كليا طوال ٤٦ سنة.‏ حتى عندما لم يكن الشهود تحت الحظر،‏ لم يُمنحوا دائما الاعتراف الشرعي.‏

ان اختبار شهود يهوه في الاراضي التشيكية مشابه لاختبار النبي ارميا،‏ الذي قال له يهوه:‏ «يحاربونك ولا يقدرون عليك لأني انا معك يقول الرب لأنقذك».‏ —‏ ارميا ١:‏١٩‏.‏

تُعرف باسم تشيكيا

في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩١٨،‏ وبعد المفاوضات السياسية في المراكز الدبلوماسية في العالم،‏ تشكّلت جمهورية تشيكوسلوڤاكيا في اوروپا الوسطى.‏ ثم حُلَّت وقتيا خلال الحرب العالمية الثانية،‏ لكنها عادت وظهرت بعد اكثر من ست سنوات من القمع النازي.‏ واحتمل البلد ايضا اكثر من اربعة عقود من الحكم الشيوعي.‏ وبعد ٧٤ سنة،‏ لم يعد لهذا الكيان السياسي وجود.‏ ففي سنة ١٩٩٣،‏ صار الجزء الشرقي من البلد يُعرف بالجمهورية السلوڤاكية.‏ أما الجزء الغربي،‏ الذي يشمل منطقتَي بوهيميا وموراڤيا وجزءًا من سيليزيا،‏ فصار يُعرف بالجمهورية التشيكية،‏ واختصارا تشيكيا.‏

تمتد الجمهورية التشيكية نحو ٥٠٠ كيلومتر من الشرق الى الغرب ونحو ٢٥٠ كيلومترا من الشمال الى الجنوب.‏ وتقع في شمالها وغربها جبال جميلة مكسوَّة بالغابات،‏ وهنالك ايضا الكثير من الاراضي الزراعية الخصبة التي تشقّها الانهر.‏ ولكن كما هي الحال في انحاء كثيرة من اوروپا الوسطى،‏ يشكّل التلوُّث البيئي مشكلة خطيرة.‏ ومعظم الناس يعيشون في المدن او البلدات.‏

ان تقريرا موجزا لتطوُّر نشاط شهود يهوه في كل انحاء تشيكوسلوڤاكيا السابقة بين سنتَي ١٩١٢ و١٩٧٠ نُشر في الكتاب السنوي لعام ١٩٧٢ (‏بالانكليزية)‏.‏ وإليكم هنا بعض التفاصيل الاضافية،‏ لكنَّ هذا التقرير يركّز الانتباه بشكل رئيسي على ما يُعرف اليوم بالجمهورية التشيكية.‏

الميراث الديني

تدعى العاصمة پراڠ احيانا مدينة ابراج الكنائس الالف.‏ ولكن حتى ابراج الكنائس الكثيرة لم تحُل دون صيرورة الجمهورية التشيكية ما هي عليه اليوم:‏ امة ملحدة من حيث الجوهر.‏ لكنها لم تكن كذلك دائما.‏

فبطلب من الامير رَستِسلاف،‏ احد حكام موراڤيا،‏ بعث الامبراطور البيزنطي ميخائيل الثالث الى موراڤيا ارسالية دينية سنة ٨٦٣ ب‌م.‏ وكان قسطنطين (‏الذي عُرف لاحقا باسم سيريل)‏ وميثوديوس،‏ اللذان تألفت منهما الارسالية،‏ رجلَي دين من تسالونيكي في اليونان.‏ وبالاضافة الى تأديتهما الخدمات الدينية باللغة المحلية،‏ اخترع قسطنطين ابجدية تلائم اللغة السلاڤونية التي كان الموراڤيون ينطقون بها.‏ وباستخدام هذه الابجدية شرع يترجم اجزاء من الكتاب المقدس.‏ لكنَّ احراز فهم واضح لكلمة اللّٰه حدث بعد وقت طويل جدا.‏

اعلان رسالة ملحّة

في سنة ١٩٠٧،‏ بعد ١٦ سنة تقريبا من زيارة ت.‏ ت.‏ رصل القصيرة لمدينة پراڠ،‏ بدأ شخص متقدم في السن من تلاميذ الكتاب المقدس (‏كما كان شهود يهوه يُعرفون آنذاك)‏ بزيارة شمالي بوهيميا مرة في الشهر لتوزيع مطبوعات الكتاب المقدس.‏ هذا الشخص هو الاخ ايرلر الذي اتى من مدينة درسدِن في المانيا.‏ وكان يشهد بغيرة في مدينة ليبيريتس وغيرها طوال يومَين او ثلاثة كل مرة.‏ وقام بتوزيع كتاب معركة هرمجدون‏،‏ بقلم ت.‏ ت.‏ رصل،‏ وأعلن باقتناع ان كارثة عالمية ستحل سنة ١٩١٤.‏

وبحلول سنة ١٩١٢،‏ كان عدد من الافراد الغيورين يزرعون بذار حق الكتاب المقدس ويشكّلون فرقا صغيرة ويعمِّدون.‏ واندلاع الحرب العالمية سنة ١٩١٤ لم يفاجئ تلاميذ الكتاب المقدس،‏ مع ان توقعاتهم لم تتحقق كلها في تلك السنة.‏

في تلك السنوات الباكرة،‏ كانت المطبوعات التي يوزِّعها تلاميذ الكتاب المقدس هنا باللغة الالمانية.‏ وبعض الاشخاص الذين يتكلمون الالمانية تسلّموها بتقدير.‏ تتذكر خارلوتا يانكوڤْتسوڤا،‏ من مدينة پَلزِن،‏ ان امها حصلت على بعض كتب الاخ رصل من تلميذ للكتاب المقدس اتى من درسدِن وزار بيتهما سنة ١٩٢٥.‏ وسرعان ما بدأتا تحضران الاجتماعات.‏ تقول:‏ «كان هنالك الكثير من الدرس الشخصي والتحضير للاجتماعات.‏ وكنا نقضي يوم الاحد بكامله من كل اسبوع في خدمة الحقل.‏ فكنا حقا ‹تلاميذ الكتاب المقدس›،‏ اذ كنا ندرس مجلة برج المراقبة،‏ ونقرأ الكتب،‏ ونحصل ايضا على النشرة [التي تدعى الآن خدمتنا للملكوت‏]».‏

وتُرجمت المطبوعات تدريجيا بالتشيكية.‏ ففي سنة ١٩٢٢،‏ صارت المطبوعة الشيِّقة ملايين من الاحياء الآن لن يموتوا ابدا متوفرة،‏ وانخرط ثلاثة اشخاص في الخدمة كامل الوقت كموزِّعي مطبوعات جائلين ليوزِّعوها على السكان التشيكيين.‏ وبحلول سنة ١٩٢٣ على اقل تقدير،‏ صارت طبعة شهرية من ١٦ صفحة لمجلة برج المراقبة متوفرة هنا باللغة التشيكية.‏

وللمساعدة على تقدُّم الكرازة بالبشارة في الاراضي التشيكية،‏ أُرسل انطونْيين ڠلايسنر وزوجته سنة ١٩٢٣ الى بوهيميا من مكتب فرع جمعية برج المراقبة في ماڠدَبورڠ،‏ المانيا.‏ وبإشراف الاخ ڠلايسنر،‏ الذي سبق ان ادار اجتماعات في بلدة موست سنة ١٩١٦،‏ فتحت الجمعية مستودعا للمطبوعات هناك.‏

وفي سنة ١٩٢٨،‏ بدأ مكتب الفرع في ماڠدَبورڠ يشرف عن كثب على العمل في تشيكوسلوڤاكيا.‏ وأدى ذلك الى تحسُّن في تنظيم الفرق،‏ وفعّالية اكبر في خدمة الحقل،‏ وتنسيق افضل في عمل موزِّعي المطبوعات الجائلين.‏ وهكذا عُيِّن لكل فريق،‏ وكذلك لموزِّعي المطبوعات الجائلين (‏الذين يُعرفون اليوم باسم الفاتحين)‏،‏ مقاطعة محددة للكرازة فيها.‏ ويشير التقرير من تشيكوسلوڤاكيا في تلك السنة الى وجود ٢٥ فريقا صغيرا مؤلفا من ١٠٦ منادين،‏ بالاضافة الى ٦ موزِّعي مطبوعات جائلين ايضا.‏ وقد وزَّعوا جميعهم ٤٨٤‏,٦٤ كتابا وكراسا ونحو ٠٠٠‏,٢٥ مجلة،‏ موجِّهين بالتالي انتباه المهتمين الى ملكوت اللّٰه على انه الحل لمشاكل الجنس البشري.‏

وفي السنة التالية،‏ وصل اوتو استلمان من المانيا حاملا معه «رواية الخلق المصوَّرة» الشيِّقة التي انتجتها جمعية برج المراقبة.‏ وعُرضت على جمهور من اقصاء البلد الى اقصائه.‏ وبلغ الحضور ذروته في اواخر سنة ١٩٣٣ عندما استأجر الاخوة سينما كاپيتول،‏ وهي اكبر سينما في پراڠ،‏ لأربعة عروض متتالية لهذه ‹الرواية المصوَّرة›.‏ وقد اتى اناس كثيرون لمشاهدتها حتى ان السينما حُجزت لعرضَين مسائيَّين اضافيَّين.‏ وكثيرون ممَّن ارادوا ان يُدعَوا الى خطابات اخرى حول الكتاب المقدس اعطوا اسماءهم وعناوينهم.‏ ولا شك ان نمو الهيئة الملحوظ جلب معه المقاومة.‏ وهذا ما قال يسوع لأتباعه ان يتوقَّعوه.‏ —‏ يوحنا ١٥:‏١٨-‏٢٠‏.‏

بعض الذين اعتنقوا البشارة

خلال هذه الفترة،‏ بلغت البشارة رجلا لعب لاحقا دورا هاما في نشاط شهود يهوه في هذا البلد.‏ واسم هذا الرجل بوهوميل مولر.‏ وعند نهاية مسلكه الارضي سنة ١٩٨٧،‏ كان قد قضى اكثر من ٥٥ سنة في الخدمة الامينة،‏ بما فيها نحو ١٤ سنة في معسكرات الاعتقال والسجون لأنه لم يساير قط على حساب ايمانه.‏

في سنة ١٩٣١،‏ وبعمر ١٦ سنة،‏ كان بوهوميل يتعلم تنضيد الحروف المطبعية.‏ وكان اخوه كارِل يتعلم تجليد الكتب.‏ أما ابوهما توماش مولر،‏ فقد كان عضوا بارزا في فرقة «وحدة الاخوان» الدينية التي كانت تفتخر كثيرا بتقليدها وتاريخها القديمَين.‏ وحدث ان رب عمل كارِل اعطاه بطاقات لحضور «رواية الخلق المصوَّرة».‏ وبعد العرض الاول،‏ عاد كارِل الى البيت متحمِّسا.‏ وروى كل ما رآه وسمعه،‏ وأعطى اباه كتابَين بالالمانية كان قد حصل عليهما.‏ وفي المساء التالي عاد الى البيت اكثر حماسة،‏ وجلب معه كتاب الخليقة بالتشيكية.‏ وفيما كان يسرد انطباعاته،‏ ذكر انه اعطى عنوانه في نهاية البرنامج لكي يُدعى الى محاضرات اضافية حول الكتاب المقدس.‏

وبعد شهر تقريبا،‏ حين كانت العائلة قد انهت لتوِّها غداء الاحد،‏ رنّ جرس الباب.‏ كتب بوهوميل مولر لاحقا:‏ «ذهب ابي ليرى مَن هناك.‏ ثم اخذ يتحدث لبعض الوقت الى الزائر عند المدخل،‏ لكنه عاد بعد ذلك الى المطبخ والدهشة مرتسمة على وجهه.‏ وكانت كلماته الاولى:‏ ‹لم يسبق قط ان حدث لي شيء كهذا.‏ تخيَّلوا رجلا يكلّف نفسه عناء زيارتنا يوم الاحد ليدعونا الى خطاب!‏ انه خطاب يلقيه تلاميذ الكتاب المقدس.‏ أما نحن «الاخوان» فما كنا لنفعل ذلك قط.‏ فنحن كسالى جدا!‏›».‏ وبعد ذلك بدأت عائلة مولر تجتمع بانتظام مع فريق شهود يهوه الصغير.‏

وبمرور الوقت نذر بوهوميل نفسه ليهوه،‏ لكنه لم يعتمد الا بعد مرور سنتين تقريبا.‏ وقبل معموديته كان يخدم كمساعد لناظر الجماعة (‏كان يدعى آنذاك مدير الخدمة)‏،‏ يدير الاجتماعات،‏ ويعمل في بيت ايل لدى مكتب الجمعية في پراڠ.‏ فلم يكن جميع الشهود آنذاك يدركون كاملا اهمية المعمودية المسيحية.‏

ونحو ذلك الوقت،‏ تعلمت الحق ابنة عم بوهوميل،‏ وتدعى ليبوشي شتيخيروڤا.‏ واعتمدت بشكل اسرع.‏ قالت الاخت شتيخيروڤا لاحقا:‏ «كان عمي توماش مولر رجلا متديِّنا جدا.‏ وبعد ظهر احد ايام الصيف في سنة ١٩٣٢،‏ اخبرني عن اسم اللّٰه،‏ يهوه،‏ وعن مستقبل العالم،‏ وعن الاجتماعات الرائعة التي يعقدها فريق صغير يدعى شهود يهوه حول الكتاب المقدس.‏ وفي النهاية ترك معي كتاب الانقاذ بقلم ج.‏ ف.‏ رذرفورد.‏ فصرت ادرك ان هنالك شيئا يريد خالقي ان افهمه.‏ وفي اول اجتماع خدمة حضرته،‏ سمعتُ عن معمودية ستُجرى في پراڠ للمرة الثانية.‏ فبقيت جالسة هناك وأنا استمع،‏ ولكن لم يخطر على بالي قط ما كان يوشك ان يحدث.‏ ففي طريق العودة الى البيت،‏ سألني عمي مولر:‏ ‹ألا تريدين انتِ ايضا ان تعتمدي؟‏›.‏ فاعترضتُ قائلة:‏ ‹لكني لا اعرف شيئا بعد›.‏ فأجاب عمي:‏ ‹انتِ كالمتهوِّدين قديما.‏ فأنتِ تعرفين الكتاب المقدس.‏ ولكن لا يلزم إلا ان تدركي ما الاوقات التي نعيشها وما هي مشيئة اللّٰه من اجلك›.‏ فطلبتُ منه ان يسجّل اسمي في لائحة المعتمدين،‏ وهكذا اعتمدت في ٦ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٣٣».‏ وقد علمَت ما هي مشيئة يهوه من اجلها،‏ وخدمته بأمانة حتى وفاتها سنة ١٩٩٥.‏

في تلك الايام لم تكن تُعقد دروس بيتية في الكتاب المقدس مع المهتمين الجدد.‏ وغالبا ما كان تدريب الشخص على خدمة الحقل يقوم على الذهاب الى احد الابواب مع شاهد آخر لمراقبته،‏ وبعد ذلك يُرسَل هذا الشخص وحده.‏

وتعلمت نساء كثيرات الحق في تلك السنوات.‏ وأصبحت الخدمة اهم شيء في حياة عدد كبير منهن،‏ وقد انجزن الكثير.‏ وغالبا ما كن يأخذن اولادهن معهن،‏ وبسبب ذلك ذاق الاولاد بركة يهوه بطريقة مباشرة.‏ بدأت بلانكا پيخوڤا تذهب في خدمة الحقل مع امها عندما كانت في العاشرة من عمرها.‏ وعن احدى الحوادث تتذكر:‏ «عُيِّن لنا انا وأمي العمل في احدى القرى.‏ فقالت لي امي ان اخدم قرب ساحة القرية فيما تخدم هي في البيوت المحيطة.‏ وعندما بلغت الساحة،‏ ارتعبت لما رأيت انها مليئة بالوزّ.‏ وأنا لم اكن اخاف من ايّ حيوان إلا الوزّ.‏ فأخذت الوزّات تطلق اصواتا في وجهي،‏ وعندما حاولَت ان تعضَّني،‏ استعملتُ حقيبة كتبي كحماية.‏ لكنَّ الامر لم يكن سهلا،‏ فصلَّيتُ من يأسي:‏ ‹ايها الرب يهوه،‏ من فضلك ساعدني!‏›.‏ وفجأة هربت الوزّات،‏ وظهر الى جانبي كلب ضخم من نوع سان برنار.‏ فربَّتُّ عليه،‏ وصار يلاحقني من بيت الى بيت.‏ ولم تجرؤ الوزّات بعد ذلك على الاقتراب مني».‏ وقد حرصت الام في وقت لاحق ان تجعل بلانكا ترى عناية يهوه الحبية في ما حدث.‏

بلوغ الناس بطرائق عديدة

في سنة ١٩٣٢،‏ توفَّرت اداة اخرى لاستعمالها في الخدمة في هذه الناحية من اوروپا.‏ فمجلة العصر الذهبي (‏التي تُعرف اليوم باسم استيقظ!‏‏)‏ ظهرت باللغة التشيكية.‏ وفي تلك السنة وُزِّع ٢٠٠‏,٧١ نسخة على الناس.‏ وبعد قراءة العصر الذهبي،‏ صار كثيرون راغبين في الحصول على مطبوعات اخرى تناقش مواضيع من الكتاب المقدس بشكل اوسع.‏

ولكي تُتاح لكل شخص،‏ إن امكن،‏ الفرصة ليستفيد من البشارة بملكوت اللّٰه،‏ أُرسل فاتحون من المانيا.‏ وكان هؤلاء يعيشون حياة متواضعة لكي يكرّسوا انفسهم لهذا العمل.‏ ومن الفاتحين الـ‍ ٨٤ الذين قدّموا تقاريرهم خلال سنة ١٩٣٢،‏ كان ٣٤ فاتحا من المانيا.‏ وبالنسبة الى كثيرين منهم،‏ عنى ذلك تعلّم لغة جديدة.‏ ولكن ماذا يمكنهم ان ينجزوا خلال الفترة اللازمة لإتقان اللغة؟‏ قال اوسكار هوفمان،‏ اخ الماني خدم في پراڠ:‏ «رغم عدم معرفتي لغة البلد،‏ كنت ازور الناس في بيوتهم كل يوم.‏ ولمساعدتهم على فهم سبب زيارتي،‏ كنت اطلب منهم قراءة بطاقة شهادة تحتوي على موعظة قصيرة مطبوعة بلغتهم.‏ وبهذه الطريقة وُزِّعت الآلاف من مطبوعات الكتاب المقدس على الشعب التشيكي».‏

وبسبب قرار حكومي خاص ضد تدفق الاجانب،‏ لزم ان يغادر البلد سنة ١٩٣٤ معظم الفاتحين الآتين من الخارج.‏ ولكن كان قد أُنجز الكثير من العمل الجيد.‏ وخلال تلك السنة كان الفاتحون قد شهدوا في معظم المناطق التي لم تُعيَّن لفريق عادي.‏

وفي تلك السنة التي لزم ان يغادر فيها الفاتحون الاجانب البلد،‏ زوَّدت الجمعية الشهود المحليين بخطابات مؤسسة على الكتاب المقدس ومسجَّلة على اسطوانات فونوڠرافية.‏ وأعرب الاخوة المحليون عن روح مبادرة يُمدحون عليها.‏ فقد اشترت جماعة پراڠ درّاجة نارية،‏ من طراز «إنديان ٧٥٠»،‏ ذات عربة جانبية وُضع عليها مضخِّم صوت.‏ وعند الوصول الى ساحة بلدة او الى مكان مكشوف في قرية،‏ كانوا يضعون مضخِّم الصوت على حاملة ثلاثية القوائم ويشغّلون اسطوانة موسيقية فيما يقومون بزيارة الناس من بيت الى بيت.‏ وعندما ينجذب عدد من الناس الى الموسيقى،‏ كان الاخوة يضعون اسطوانة لموعظة قصيرة حول الكتاب المقدس.‏ وبهذه الطريقة كانوا يتمكنون من الشهادة لمئات الاشخاص في عدة قرى قبل ظهر يوم احد واحد.‏

التسجيل الشرعي

في سنة ١٩٣٠،‏ اتُّخذت اجراءات لإعطاء نشاط شهود يهوه في تشيكوسلوڤاكيا اساسا قانونيا.‏ وشمل ذلك تأسيس شركات يُسمح لها بتسجيل املاك باسمها،‏ الحصول على مطبوعات،‏ والقيام بخدمات اخرى ضرورية.‏

وعُقد اجتماع خاص في پراڠ رحَّب فيه المشاركون بفكرة انشاء شركتَين ووافقوا على ميثاقَيهما.‏ ودُعيت الشركة الاولى جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس (‏الفرع التشيكوسلوڤاكي)‏.‏ وكانت مهمتها الحصول على المطبوعات وتوزيعها والاهتمام بالاجتماعات.‏ ودُعيت الشركة الثانية جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم (‏الفرع التشيكوسلوڤاكي)‏،‏ ومقرها پراڠ.‏ وكانت هذه وكالة شرعية للاشراف على نشاط شهود يهوه في تشيكوسلوڤاكيا.‏ وأُنشئت ثلاثة مكاتب للفرع التشيكوسلوڤاكي لجمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم،‏ وكانت مهمة كل مكتب معالجة المسائل في ناحية مختلفة من الجمهورية.‏ وكان العمل في الاراضي التشيكية تحت اشراف مكتب في مدينة بيرنو يرأسه انطونْيين ڠلايسنر.‏ وقد ساعدت هاتان الشركتان على تسهيل العمل التبشيري في تشيكوسلوڤاكيا.‏

بعد ثلاث سنوات،‏ اي في سنة ١٩٣٣،‏ فتحت جمعية برج المراقبة مكتب فرع في پراڠ لعمليات الطباعة.‏ وكان ذلك لازما نظرا الى صعوبة الوضع في المانيا بعد تولي هتلر السلطة.‏ فكان الحظر قد فُرض هناك،‏ وصودر فرع الجمعية في ماڠدَبورڠ.‏ وعُيِّن ادڠار ميرك،‏ من ماڠدَبورڠ،‏ خادم فرع في پراڠ.‏ أما كارِل كوپتسكي،‏ من پراڠ،‏ فقد عُيِّن مشرفا على بيت ايل والمكتب.‏

ولكن لم يجرِ كل شيء بسلاسة في پراڠ.‏ فنتيجة الاعتداد المفرط بالنفس وعوامل اخرى،‏ حدثت نزاعات بين هذين الاخَوَين.‏ فصار الفرع في پراڠ سنة ١٩٣٦ تحت اشراف مكتب اوروپا الوسطى للجمعية،‏ الذي كان يقع في سويسرا.‏ وبُعيد ذلك استقال كارِل كوپتسكي ويوسِف ڠوتلر،‏ اللذان كانا يشغلان مراكز مسؤولية في شركتَي الجمعية الشرعيتَين في تشيكوسلوڤاكيا.‏ وحل محلهما يوسِف بانر وبوهوميل مولر.‏ أما خادم الفرع الجديد فكان هنريخ دڤِنڠر،‏ وهو رجل وديع وخادم ولي ليهوه سبق ان قام بعدد من التعيينات الثيوقراطية.‏ وبالاشراف الحبي،‏ استمرت الجماعات تشارك بفرح في نشر بشارة ملكوت اللّٰه،‏ بشارة عزَّت الناس في عالم يزداد اضطرابا.‏

التجمعات الاممية مصدر قوة

كان شهود يهوه في تشيكوسلوڤاكيا يعرفون ان الشهود في بلدان اخرى يعقدون المحافل،‏ لذلك كانت امنيتهم ان يُعقد محفل في تشيكوسلوڤاكيا.‏

فرُتِّب لعقد اجتماع اممي كبير،‏ كما كان يُدعى آنذاك،‏ في پراڠ من ١٤ الى ١٦ ايار (‏مايو)‏ ١٩٣٢،‏ وذلك في مسرح ڤارييتيه.‏ وكان هذا اول محفل اممي يُعقد في هذا البلد.‏ وكانت المحاضرة العامة في حينها،‏ لأن محورها كان:‏ «اوروپا قبل الدمار».‏ وتُرجم البرنامج بالالمانية والتشيكية والروسية والسلوڤاكية والهنڠارية.‏ وبلغ عدد الحضور ٥٠٠‏,١ شخص.‏ وقُدِّمت شهادة قوية ايضا.‏ فخلال ايام المحفل،‏ وُزِّع اكثر من ٠٠٠‏,٢١ مطبوعة من مطبوعات الكتاب المقدس حين شارك المندوبون في الخدمة من بيت الى بيت.‏

وفي سنة ١٩٣٧،‏ عُقد تجمع اممي آخر في پراڠ.‏ وأتى مئات الزوار من اماكن مثل النمسا وهنڠاريا وپولندا وألمانيا.‏ يذكر الاخ مولر لاحقا:‏ «لقد كان محفلا رائعا!‏».‏

واستمرت الكرازة بالبشارة في التقدم في كل انحاء تشيكوسلوڤاكيا.‏ وخلال سنة ١٩٣٧،‏ استخدم الشهود ٧ مضخِّمات للصوت و٥٠ فونوڠرافا لإسماع الناس محاضرات مسجَّلة حول الكتاب المقدس.‏ وفي تلك السنة،‏ استخدموا هذه التجهيزات في ٩٤٦‏,٢ عرضا عاما لجماهير بلغ مجموعها ٢٧٩‏,٣١ شخصا.‏ ذكر تقرير عن العمل في تشيكوسلوڤاكيا لتلك السنة:‏ «كان عمل الكرازة بالبشارة يتقدم في كل انحاء البلد.‏ وقد سمعها اناس في البلدات الكبيرة كما في القرى،‏ حتى انها بلغت القصور والمزارع الجبلية».‏

الخطر النازي يلوح في الافق

كانت الحرب العالمية الثانية على وشك الاندلاع،‏ والتوتر يزداد في اوروپا.‏ فكيف كان شهود يهوه سيواجهون هذا الوضع؟‏ لم يكن الاعتراض على الخدمة العسكرية بسبب الضمير معروفا آنذاك على نطاق واسع في تشيكوسلوڤاكيا.‏ فلم يكن ايّ دين تقليدي رئيسي يؤيد مقاييس الكتاب المقدس الى حد الحفاظ على الحياد المسيحي.‏ وكان بوهوميل مولر أول شخص سُجن بسبب حياده المسيحي في هذا البلد.‏ كتب:‏ «كان عليّ ان انضم الى القوات العسكرية في ١ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٣٧.‏ لكنني كنت اعرف في داخلي ان اللّٰه لا يريد ان ‹يتعلم خدامه الحرب›.‏ (‏اشعياء ٢:‏٤‏)‏ فاتكلت على يهوه ليمنحني القوة والاحتمال الكافيَين لمواجهة المحن الآتية.‏ وبسبب موقفي،‏ استُدعيت بحلول نهاية شهر آذار (‏مارس)‏ ١٩٣٩ للمثول امام محكمة عسكرية اربع مرات،‏ وكان يُحكَم عليّ في كل مرة بالسجن عدة اشهر.‏ واليوم،‏ عندما اتذكر تلك الايام،‏ يمكنني القول اني شاكر على هذه المحن لأنها اعدَّتني لمواجهة فترات اسوأ بكثير في المستقبل».‏

ومع تزايد الخطر النازي،‏ تضاعفت الضغوط على خدام يهوه.‏ واشتدت المقاومة في المنطقة المجاورة للحدود الالمانية.‏ ففي آب (‏اغسطس)‏ ١٩٣٨،‏ مُنعت اجتماعات شهود يهوه،‏ لذلك اخذوا يجتمعون في فرق صغيرة.‏ كتبت ليبوشي شتيخيروڤا:‏ «خلال سنة ١٩٣٨،‏ بدأ التوتر السياسي يتفاقم،‏ وكان علينا ان ندرِّب انفسنا على الشهادة في ظروف جديدة.‏ ولاحقا،‏ ابّان الحرب،‏ صرنا نتعرَّف جيدا بالشخص قبل التحدث اليه عن ايماننا».‏

خلال سنة ١٩٣٨،‏ تحرَّكت المانيا لتسيطر على منطقة السّوديت التي كانت آنذاك ضمن حدود تشيكوسلوڤاكيا.‏ ولتفادي نشوب حرب،‏ اذعنت بريطانيا وفرنسا لطلب هتلر ان تصير السّوديت جزءا من المانيا،‏ وهكذا صار الناس العائشون هناك تحت الحكم النازي.‏

الاحتلال الالماني يبدأ

في ١٥ آذار (‏مارس)‏ ١٩٣٩،‏ احتلت القوات الالمانية بوهيميا وموراڤيا بكاملهما.‏ وشكّل هتلر دولة سياسية جديدة دعاها محمية بوهيميا وموراڤيا،‏ وكان لها رئيس خاص وحكومة خاصة يحرّكها كما يريد.‏

وسرعان ما تحرك الڠستاپو ضد شهود يهوه.‏ فأتوا الى مكتب جمعية برج المراقبة في پراڠ في ٣٠ آذار (‏مارس)‏.‏ وفي ١ نيسان (‏ابريل)‏،‏ أُطلق سراح بوهوميل مولر بعدما انهى عقوبته في السجن بسبب حياده المسيحي.‏ وفي طريقه من السجن الى محطة القطار،‏ اتصل بمكتب الفرع.‏ قال لاحقا:‏ «قلتُ لهم اني سآتي في اليوم التالي لأفعل كل ما يمكنني فعله.‏ وكنا ثلاثة في بيت ايل في ذلك اليوم،‏ وبانتظارنا الكثير لفعله.‏ وكانت قد أُخذت بعض التجهيزات الطباعية الى احد المرافئ بانتظار شحنها الى هولندا.‏ أما الباقي فلزم وضعه في صناديق على الفور.‏ فقمت مع الاخ ماتَيكا بهذا العمل،‏ فيما كان الاخ كاپينوس يُخلي المكاتب ومبنى بيت ايل.‏ وفي هذا الوقت كنا نترجم ايضا المجلتَين،‏ برج المراقبة والتعزية (‏الآن استيقظ!‏‏)‏.‏ وتمكنّا ايضا من نقل كمية كبيرة من الكتب والكراريس التشيكية التي لم يهتم الڠستاپو بأمرها عندما هاجم المكان في آذار (‏مارس)‏.‏ لكنَّ الڠستاپو اتى الى الفرع عدة مرات خلال اخلاء المكان».‏

بعدما بدأ الاحتلال،‏ صار من الواضح ان الظروف ستصعِّب كثيرا عمل الكرازة.‏ فغادر اخوة كثيرون تشيكوسلوڤاكيا.‏ وذهب الاخ دڤِنڠر الى سويسرا في الليلة التي سبقت مجيء الڠستاپو لاعتقاله.‏ وكان الاخ مولر مستعدا ايضا لمغادرة البلاد.‏ وكان قد حصل على الاذن الضروري من سلطات الدولة عندما وصلت رسالة من الفرع في برن ذُكر فيها انه من الافضل ان يستمر في تعيينه،‏ فيمنح الاشراف والتشجيع الضروريَّين للاخوة في تشيكوسلوڤاكيا.‏ فوافق الاخ مولر على الفور،‏ ولكي لا يغيِّر رأيه،‏ أتلف جواز سفره.‏

وبعد ٤٨ سنة قال:‏ «اذا سألني احد الآن هل ندمت يوما لأني لم اغادر پراڠ في ربيع سنة ١٩٣٩،‏ اجيبه بشكل قاطع:‏ ‹كلا!‏›.‏ فأنا لم اندم قط على بقائي.‏ وعلى مر الوقت ادركت ان مكاني هو هنا.‏ فهنا وضعني يهوه وهيئته.‏ وكل الالم والضرب الوحشي الذي كثيرا ما تعرضت له لم يكن شيئا بالمقارنة مع الفرح الذي كنت اشعر به حين ارى نمو العمل من سنة الى سنة والزيادة من حولي في عدد الاشخاص الذين يعبدون القادر على كل شيء بفرح!‏».‏

ومن سنة ١٩٣٩ فصاعدا،‏ صار الڠستاپو يعتقل الاخوة.‏ وكان اوتو بوختا،‏ احد الاعمدة الروحية في جماعة بيرنو،‏ بين الذين اعتُقلوا،‏ ومات لاحقا في معسكر الاعتقال في ماوتهاوزن.‏ وفي خريف سنة ١٩٤٠،‏ اعتُقل الاخ كاپينوس الذي سبق ان خدم في مكتب الفرع في پراڠ،‏ واعتُقل ايضا اخوة وأخوات آخرون في موراڤيا.‏ ومع ذلك،‏ استمر شهود يهوه الامناء يكرزون بالكلمة حيثما استطاعوا.‏

لكنَّ بعض الذين خدموا يهوه في ظروف مؤاتية هجروا عبادته وانضموا الى صفوف اعداء شعبه.‏ كان كارِل كوپتسكي اخا قديرا وغيورا جدا.‏ ولكن سنة ١٩٤٠،‏ عندما التقاه الاخ مولر،‏ الذي كان سابقا زميله في العمل،‏ كان كوپتسكي رجلا مختلفا.‏ وهذا ما حدث:‏ كان الاخوة قد نسخوا احدى مطبوعات الكتاب المقدس ووضعوها في ظروف لإرسالها في البريد.‏ فوضعها الاخ مولر في حقيبة وركب دراجته وانطلق من مكتب بريد الى آخر في پراڠ.‏ وكان يضع في كل صندوق بريد بعض الظروف.‏ قال:‏ «عندما دخلت احد مكاتب البريد،‏ رأيت رجلا ينتظر عند طاولة الموظف ويرتدي بدلة وحدات الحماية.‏ فتوقفت في مكاني،‏ ولكن قبل ان اقرر ماذا افعل،‏ استدار الرجل وصرنا وجها لوجه.‏ ولبرهة استمر الواحد يحدّق في الآخر.‏ وكم دُهشت عندما وجدت نفسي انظر الى وجه اخ سابق،‏ كارِل كوپتسكي!‏ فتمالكتُ نفسي بسرعة وسرت نحو احدى الطاولات وأخذت نموذجا،‏ ثم خرجت من مكتب البريد وابتعدت بدراجتي».‏

في السنة التالية اعتُقل الاخ مولر،‏ الذي كان آنذاك يشرف على العمل في هذا البلد،‏ وأُخذ الى معسكر الاعتقال في ماوتهاوزن.‏

الكرازة في ‹اتون النار›‏

على مر السنين كُتب الكثير عن معسكرات الاعتقال وما عاناه اخوتنا هناك.‏ وكان شهود يهوه من تشيكيا بين الموجودين في تلك المعسكرات.‏ لن نركّز هنا على تفاصيل معاناتهم بل سنرى كيف تقوّوا روحيا وكيف قوّوا الآخرين حتى في ‹اتون النار› ذاك.‏ —‏ قارنوا دانيال ٣:‏٢٠،‏ ٢١‏.‏

في تلك الايام سمع الناس حول العالم باسم القرية التشيكية ليديتْسه.‏ ففي ٩/‏١٠ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٤٢،‏ وبأمر مباشر من هتلر،‏ سُوِّيت القرية كلها بالارض ردًّا على مقتل ضابط الماني.‏ وكان اسمها سيُمحى من خريطة اوروپا.‏ وعن ذلك روت لاحقا بوجينا ڤودْراجْكوڤا،‏ التي نجت من تلك الحادثة المريعة:‏ «احاط الڠستاپو بكامل قريتنا.‏ وقُتل جميع الرجال بالرصاص،‏ وأُخذ الاولاد الى اماكن مجهولة،‏ ونُقلت النساء الى معسكر الاعتقال في رَڤنسْبروك.‏ وهناك التقيتُ شهود ربنا يهوه .‏ .‏ .‏ فقد قالت لي صديقة:‏ ‹يا بوجينا،‏ لقد تكلمتُ الى تلاميذ الكتاب المقدس.‏ انهم يتحدثون عن امور رائعة.‏ ومع ان ما يقولونه يبدو خياليا،‏ فهم يدّعون ان ما يقوله الكتاب المقدس صحيح،‏ وأن ملكوت اللّٰه سيأتي ويُنهي الشر›.‏ وبعد ذلك التقيتُهم شخصيا.‏ فشهدوا لي عن ملكوت اللّٰه،‏ وانجذبت كثيرا الى رسالتهم».‏ وصارت واحدة من شهود يهوه.‏

كثيرون من السجناء تأثروا جدا بسلوك شهود يهوه في المعسكرات.‏ يتذكر ألويس ميتْشك:‏ «خلال الحرب سُجنتُ بسبب نشاطاتي الشيوعية ووُضعت في معسكر الاعتقال في ماوتهاوزن.‏ كان باستطاعة الشهود هناك ان يحصلوا بطريقة ما على برج المراقبة ومطبوعات اخرى،‏ وقد استخدموها لتعليم بعض السجناء معهم،‏ ولم يكن بإمكان وحدات الحماية ايقاف ذلك.‏ لذلك قررت وحدات الحماية،‏ كتحذير،‏ قتل شاهد واحد من كل عشرة في المعسكر.‏ فأوقفوا الشهود في صف،‏ واقتادوا كل شاهد عاشر جانبا تحت حراسة مسلحة.‏ ولكن فجأة،‏ وكما لو ان ذلك مرتَّب من قبل،‏ استدار الاخوة الـ‍ ٩٠ في المئة الباقون وتوجَّهوا نحو المجموعة التي فُرزت لتنفيذ الاعدام.‏ ‹اذا اردتم ان تقتلوا واحدا من كل عشرة منا،‏ فاقتلونا جميعا!‏›.‏ فصُعق المعسكر بأسره عندما رأى ذلك،‏ وتأثرت وحدات الحماية جدا حتى ان الامر أُلغي.‏ وكنت شاهد عيان لذلك».‏ (‏يوحنا ١٥:‏١٣‏)‏ وكيف اثر ذلك في حياته؟‏

توضح ابنته ماري ڠوڠولْكوڤا:‏ «ان رؤية شهود يهوه في ماوتهاوزن جعلت ابي يعتنق الحق.‏ فاعتمد بعد الحرب على الفور،‏ وكرز بغيرة بملكوت اللّٰه وساعد اناسا كثيرين على تعلم الحق».‏

وكان اولدريخ نسْروڤْنال،‏ من بيرنو،‏ موجودا في احد معسكرات الاعتقال.‏ ولماذا؟‏ كان هذا الشخص يكره الحرب،‏ لذلك حاول ان يهرب عبر الحدود الى سويسرا.‏ ولكن أُلقي القبض عليه وهو يهرب،‏ واتُّهم بالجاسوسية وأُرسل الى داخاو.‏ يتذكر قائلا:‏ «في قطار السجناء الذي كان يأخذنا الى المعسكر،‏ رأيتُ صبيًّا هادئا في الـ‍ ١٣ من عمره جالسا قرب النافذة يقرأ شيئا.‏ وبدا لي انه يحاول تخبئة ما يقرأه.‏ فسألتُه عمّا معه،‏ فأجاب:‏ ‹الكتاب المقدس›.‏ وقال لي انه لن يتخلى عن ايمانه باللّٰه.‏ لم افهم ماذا يقصد،‏ لكني بقيت معه.‏ كان اسمه ڠريڠور ڤيتْسينسْكي،‏ وكان من پولندا.‏ وفي اليوم التالي علمتُ انه من شهود يهوه.‏ وكان قد رفض ان يوقّع لائحة مكتوبة بالالمانية بأشياء لزم ان يسلّمها.‏ فكان يخشى ان يوقّع هذه اللائحة لئلا تكون تصريحا بالمسايرة.‏ ومع انه ضُرب،‏ لم يثنِه ذلك عن عزمه .‏ .‏ .‏

‏«فكتبتُ رسالة الى امي وطلبت منها كتابا مقدسا،‏ والمدهش انه وصلني.‏ ثم بدأت اقرأه بانتظام.‏ فرآني رجل من اوستراڤا [في موراڤيا].‏ وسألني هل افهم ما اقرأه،‏ فقلت له اني افهم النصف تقريبا.‏ عندئذ سألني:‏ ‹هل ترغب في فهم المزيد؟‏›.‏ فأجبت:‏ ‹نعم›.‏ فقال:‏ ‹لاقِني غدا بعد الساعة السادسة مساء في المكان الفلاني›.‏ وكانت هذه اول مرة أجتمع فيها بشهود يهوه.‏ كانت الاجتماعات تُعقد يوميا بعد الساعة السادسة مساء،‏ وثلاث مرات يوم الاحد.‏ أما المدير والموضوع فكانا يعيَّنان مسبقا.‏ كان ‹استاذي› خادم المطبوعات،‏ وهو سكّاف المعسكر.‏ وكانت جميع المطبوعات المنسوخة باليد تُخبَّأ تحت الجزء الذي يُقعَد عليه من كرسي عمله.‏ مضت سنة ونصف دون ان اسمع اية اخبار عن ڠريڠور.‏ ولكن في اواخر سنة ١٩٤٤،‏ رأيت حشدا من السجناء القادمين من مختلف المعسكرات الفرعية،‏ وعرفت عزيزي ڠريڠور بينهم.‏ كان طوله قد ازداد نحو نصف متر،‏ لكنه بدا نحيلا جدا.‏ وبعد الحجر الصحي انضم الينا في الاجتماع.‏ فرحَّب واحدنا بالآخر بحرارة،‏ ثم قال:‏ ‹صليتُ الى الرب يهوه ألا يتركك وحدك هنا›.‏ وقد استجاب يهوه صلاته».‏

الذِّكرى في احد معسكرات الاعتقال

هل كان ممكنا،‏ في ظل هذه الظروف،‏ الاحتفال بذِكرى موت المسيح؟‏ نعم،‏ بالتأكيد!‏ ولكن في بعض الاحيان تساءل البعض كيف يمكن الاحتفال بها.‏ اوضحت بوجينا نوڤاكوڤا:‏ «كان موعد الذِّكرى يقترب.‏ وكنت منزعجة جدا لأني ظننت اني لن اتمكن من التناول من الرمزَين.‏ لكنَّ يهوه اهتم بالامر،‏ فكان يعرف سُؤل قلبي.‏ وهكذا استُدعيت يوم الذِّكرى الى احدى الثكنات حيث وجدت مجموعة من الاخوات من مختلف الجنسيات.‏ وهناك احتفلنا بالذِّكرى،‏ بما في ذلك التناول من الرمزَين،‏ دون ايّ ازعاج.‏ الحمد والمجد والاكرام لإلهنا يهوه ولحَمَله!‏».‏

ولكن كيف حصلن على الخبز الفطير والخمر؟‏ اضافت نوڤاكوڤا:‏ «اتفق ان بعضا من شهود يهوه يعملون في مزرعة حكومية في الجوار،‏ في بلدة فورسْتنبرڠ،‏ فتمكنوا من تزويدنا بالرمزَين».‏

بعد هذه البركة،‏ حصل اختبار آخر مع الاخت نوڤاكوڤا،‏ اختبار صعب ولكن مقوٍّ للايمان.‏ قالت متذكرة:‏ «استُدعيت في احد الايام الى حجرة الاستحمام.‏ وكانت الحجرة مجهَّزة بعدة ادوات دُشّ،‏ ولكن عندما فُتح كل دُشّ،‏ خرج الغاز بدلا من الماء.‏ ثم أُلقيت النساء المتسمِّمات،‏ فيما البعض منهن على قيد الحياة،‏ في الافران.‏ ولم أعِ ما يحصل حتى قالت احدى الحارسات:‏ ‹هيا يا بيبلفورشر [كما كان يدعى شهود يهوه]،‏ الى الغاز!‏ ولنرَ هل ينقذك الهك يهوه ام لا!‏›».‏ وعندما ابتعدت الاخت نوڤاكوڤا،‏ امتلأت عيناها بالدموع،‏ وصلّت قائلة:‏ «ايها الآب يهوه،‏ من فضلك،‏ اذا كنتُ سأموت،‏ فلتكن مشيئتك.‏ لكني اصلّي من اجل اولادي.‏ انا اتركهم في عهدتك».‏ وبشأن ما حدث بعد ذلك،‏ قالت:‏ «فيما كنت اصلّي،‏ انفتح الباب ودخل رئيس الاطباء،‏ وعندما رأى مثلَّثي الارجواني قال:‏ ‹يا بيبلفورشر،‏ ماذا تفعلين هنا؟‏ مَن ارسلك الى هنا؟‏›.‏ فأجبته ان الحارسة ارسلتني.‏ فقال:‏ ‹اخرجي من هنا!‏ فمكانك هناك!‏› ودل في اتجاه الباب.‏ وفيما كنت اخرج،‏ سمعت الحارسة تقول:‏ ‹الآن صرت اصدّق ان الههنّ يهوه يحميهنّ›».‏

الشهادة خلال فترة الاحتلال النازي

مع ان تقارير خدمة الحقل لم تُجمع في تلك الفترة،‏ استمرت الكرازة بالبشارة في تشيكوسلوڤاكيا.‏ كتبت روجينا ليڤانتْسوڤا،‏ من بلدة كلادنو:‏ «علّمتنا امّنا ان نؤمن باللّٰه،‏ لا كما علّمَنا الكهنة،‏ بل بحيث نُظهر احترامنا لآراء الناس.‏ وفي سنة ١٩٤٠،‏ شهدت لنا اخت من پراڠ.‏ فبدأت اتعلم عن الهنا الرائع وأبينا المحب يهوه.‏ وفي سنة ١٩٤٣،‏ اعتمدنا انا وأمي وأختي».‏

حتى في ذلك الوقت ورغم الحرب،‏ كان يهوه يجذب ‹الميالين بالصواب الى الحياة الابدية›.‏ (‏اعمال ١٣:‏٤٨‏)‏ قال فرانْتيشك شنايدر،‏ من پراڠ:‏ «كنا عائلة كاثوليكية،‏ لكننا لم نذهب قط الى الكنيسة.‏ وكنت اعمل ميكانيكيا وأعيش حياة عادية وأتردد الى الحانات لألعب الورق.‏ وكان رجل يأتي ويشرب كوبا من البيرة ويشهد للحاضرين،‏ فيضحكون عليه.‏ لكني كنت استمع بعض الشيء الى ما يقوله وأنا ألعب.‏ وذات مرة،‏ تحدَّث عن الاصحاح ٢٤ من انجيل متى‏.‏ وإذ عبرت له عن اعجابي بما يقوله،‏ دعاني الى بيته.‏ عندما وصلت الى هناك،‏ كان اجتماع جاريا وفي البيت سبعة اشخاص.‏ فسألت:‏ ‹قولوا لي من فضلكم،‏ متى يأتي الكاهن؟‏›».‏ ولكن لم يكن ايّ كاهن آتيا.‏ وكان يوسِف ڤالنتا،‏ الجالس الى جانب فرانْتيشك،‏ هو المشرف على الاجتماع.‏

استمر فرانْتيشك يدرس الكتاب المقدس،‏ واعتمد في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٤٢.‏ وفي السنة التالية اعتقله الڠستاپو.‏ لكنَّ يهوه ظل يزوّده بالمساعدة الضرورية لكي ينمو روحيا.‏ اوضح فرانْتيشك:‏ «التقيتُ في ماوتهاوزن الاخ مارتن پويتسنڠر.‏ لقد كان اخًا شجاعا وحكيما.‏ وصنع لي خُفًّا،‏ وكان يزوّدني دائما بالمطبوعات.‏ كما اننا عقدنا الاجتماعات بانتظام كل يوم احد —‏ بالسر طبعا —‏ في الـ‍ ‏‹پلاتس›»‏ —‏ وهو كما يَظهر المكان الذي تُقرأ فيه لائحة اسماء المساجين للتحقق من وجودهم.‏

وصار يان ماتوشْني يدرك هو ايضا انه بحاجة الى مساعدة روحية.‏ كتب لاحقا:‏ «عملتُ خلال الحرب في منجم.‏ وصرت اعزف مع اخويَّ في فرقة موسيقية تضمّ عمّالا في المنجم.‏ كنت ادخن وأشرب الكحول.‏ وكانت حالتي بائسة جدا حتى ان يديَّ كانتا ترتجفان كَيدَي عجوز.‏ وفي احد الايام،‏ فيما كنت سكرانا وأشعر بالتعاسة،‏ بدأت اصلّي الى اللّٰه بصوت عالٍ،‏ طالبا منه ان يساعدني بطريقة ما على ايجاد حل لمشاكلي».‏

وبُعيد ذلك،‏ فيما كانت شاهدة تزور اخت هذا الرجل في الجسد،‏ تحدَّثت اليه مطوَّلا وأعطته كتابا مقدسا وثلاثة كراريس.‏ وعندما قرأها،‏ اقتنع بأنه يتعلم الحق.‏ فأقلع عن التدخين،‏ وتوقف عن اساءة استعمال الكحول والعزف في الفرقة،‏ وبدأ يحضر الاجتماعات.‏ واعتمد سنة ١٩٤٣ في بركة سمك.‏ اضاف:‏ «عقدنا الاجتماعات طوال فترة الحرب.‏ وتعلّمنا معنى كلمة ‹مسايرة› وأن الموت افضل من خيانة اخ لنا.‏ وكان هذا اساسا جيدا لمواجهة الاضطهاد الكامن امامنا» —‏ نعم،‏ الاضطهاد الذي حصل حتى بعد نهاية الحرب.‏

الاستفادة من فترة سلام نسبي

بعد ان انتهت الحرب،‏ حلت فترة تميَّزت بحرية نسبية وبمقدار من السلام تمتع به شعب يهوه من سنة ١٩٤٥ الى سنة ١٩٤٩.‏ لقد كانت فترة اعادة بناء روحي،‏ وقد انخرط اخوتنا خلالها في عملهم الكرازي الالهي بغيرة متجددة.‏ —‏ متى ٢٤:‏١٤‏.‏

وأول ما لزم فعله هو البحث عن كل الجماعات والناشرين.‏ فكان البعض قد ماتوا،‏ وآخرون انتقلوا للعيش في مكان آخر.‏ أما آلاف الاخوة الحاملون الجنسية الالمانية والعائشون قرب الحدود،‏ فكانوا يُرحَّلون.‏ وبذل الاخ مولر،‏ الذي ربما كان احد اول الاخوة الذين يصلون الى موطنهم،‏ جهدا كبيرا لإعادة تأسيس الاتصال بين الجماعات.‏ وحاول ايضا الاتصال بمكاتب فروع الجمعية في بلدان اخرى،‏ لكنه لم ينجح في البداية.‏ وبعد ذلك،‏ في اوائل حزيران (‏يونيو)‏،‏ وصلت برقية الى برن في سويسرا.‏ فبدأت الرسائل تأتي من برن،‏ وكانت كل رسالة تحتوي على عدة صفحات من برج المراقبة بالالمانية.‏ فابتدأ عمل الترجمة على الفور.‏ وفي آب (‏اغسطس)‏ ١٩٤٥،‏ اصدر الاخوة في پراڠ اول عدد لما بعد الحرب من برج المراقبة بالتشيكية،‏ وكان مطبوعا على آلة ناسخة.‏

تذكّر اناس كثيرون ما كان الشهود يكرزون به قبل الحرب،‏ وصار البعض مستعدين الآن للاستماع.‏ وبدأ خطباء اكفاء يلقون خطابات الكتاب المقدس العامة بدلا من استخدام المحاضرات المسجّلة.‏ وبلغ عدد الحضور المئات.‏ وأول خطاب،‏ بمحور «الحرية في العالم الجديد»،‏ أُلقي في ١١ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٤٥ في قاعة البورصة الزراعية في پراڠ.‏ وظهرت الحماسة عند الحضور الذين بلغ عددهم نحو ٦٠٠ شخص.‏ وخلال فترة ثلاث سنوات،‏ أُلقي ٨٨٥‏,١ خطابا عاما في تشيكوسلوڤاكيا.‏ وكثيرون ممَّن هم الآن شهود ليهوه يقولون انهم انجذبوا الى الحق بسبب هذه الخطابات.‏

وكان تيبور توماشوڤسْكي احد هؤلاء،‏ وهو يعيش اليوم في بوهيميا.‏ فقد التقاه شاهد فيما كان الاخير منهمكا في عمله الدنيوي،‏ وفي مجرى حديثهما اتى الشاهد على ذكر الكتاب المقدس.‏ تأثر تيبور بتواضع الشاهد،‏ فدعاه الى بيته.‏ وهذا ما ادى الى دعوته الى اجتماع.‏ قال تيبور لاحقا:‏ «لا يمكننا،‏ انا وزوجتي،‏ ان نصف ما شعرنا به في ذلك الاجتماع.‏ فلم يسبق لي ان سمعت خطابا رائعا الى هذا الحد.‏ وقد تناوب ثلاثة خطباء على إلقاء الخطاب.‏ وقلت للشخص الجالس بقربي:‏ ‹لا بد ان لديهم ثقافة عالية›.‏ فأجاب:‏ ‹لا،‏ انهم مجرد مزارعين›.‏ كان ما سمعته رائعا جدا حتى اني لم ارغب في العودة الى البيت.‏ وفي الاسبوع التالي،‏ لم استطع ان اركز على عملي في المكتب،‏ وكنت انتظر يوم الاحد بفارغ الصبر.‏ ولم أفوِّت اجتماعا واحدا».‏

كانت معسكرات العمل بين الاماكن التي استمر الشهود يخدمون فيها؛‏ فبعد الحرب،‏ كان سجناء الحرب والالمان المنتظرون ترحيلهم يعتقَلون هناك.‏ يقول تقرير عن النشاط في ذلك الوقت:‏ «نجح الاخوة كثيرا في زياراتهم للالمان في معسكرات العمل،‏ الذين كان معظمهم نازيين».‏ فهل كان تغيُّر الظروف سيجعلهم اكثر تقبُّلا لحق الكتاب المقدس؟‏ لقد اراد شهود يهوه ان يمنحوهم تلك الفرصة.‏

في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٤٥،‏ عُيِّن الاخ مولر رسميا ناظرا للفرع.‏ وفي الصيف التالي تمكن الاخوة من شراء مبنى جديد تقريبا،‏ من اربعة طوابق،‏ في سوخْدول قرب پراڠ.‏ وهكذا صار عند عائلة بيت ايل مكان هادئ للعمل وجيد للسكن.‏ وقُسم البلد الى دوائر،‏ بحيث ضمت كل دائرة نحو ٢٠ جماعة،‏ وصارت المحافل الدائرية تُعقد بانتظام.‏ فكانت بركة كبيرة.‏ ورافقت هذه المحافل دائما خدمة من بيت الى بيت،‏ وكانت المحاضرة العامة يوم الاحد بعد الظهر تعطي شهادة جيدة.‏ وعندما أُدخل ترتيب مدرسة الخدمة الثيوقراطية الى الجماعات،‏ صار المزيد من الاخوة،‏ بمساعدة روح يهوه،‏ مؤهلين اكثر لإلقاء الخطابات والناشرون معلمين افضل.‏

ورُتِّب ايضا لعقد محافل كورية.‏ وقُدِّمت المحاضرتان «تهللوا» و«رئيس السلام» في محفل عُقد سنة ١٩٤٦ حضره ٧٠٠‏,١ شخص في نادٍ في بيرنو يُدعى بيسيدْني دوم.‏ وكان فرانز تسورخر،‏ من برن،‏ سويسرا،‏ حاضرا في تلك المناسبة.‏ وفي السنة التالية،‏ عندما عُقد محفل آخر في بيرنو،‏ اشترك في البرنامج ثلاثة من هيئة مستخدَمي المركز الرئيسي العالمي:‏ ن.‏ ه‍.‏ نور،‏ م.‏ ج.‏ هنشل،‏ وه‍.‏ ك.‏ كوڤنڠتن.‏ وجرى الاعلان عن الخطاب العام «فرح كل الشعب» في جميع انحاء المدينة بواسطة الملصقات والكراسات،‏ فأتى ٣٠٠‏,٢ شخص لسماعه.‏ وأعطى كثيرون عناوينهم وعبَّروا عن رغبتهم في ان يُدعَوا الى اجتماعات مقبلة.‏

شهدت اوائل سنة ١٩٤٨ ازمة حكومية.‏ فقد تولى الشيوعيون السلطة.‏ لكنَّ شهود يهوه استمروا يكرزون بالبشارة بغيرة.‏ وفي تلك السنة زاد عدد المنادين بالملكوت ٢٥ في المئة.‏ وفي ايلول (‏سبتمبر)‏ عُقد محفل آخر في پراڠ.‏ وكان الخطاب العام بمحور اتى في حينه:‏ «ملكوت اللّٰه —‏ رجاء كل الجنس البشري».‏ ونظرا الى ما كان يلوح في الافق،‏ كان الخطاب «المحافظة على الاستقامة تحت التجربة» ملائما جدا ايضا.‏ ولكن حتى فيما كان المحفل جاريا،‏ كان اعداء شعب يهوه يستعدون للهجوم.‏

السُّحُب القاتمة تتلبَّد من جديد

كان قد مر اقل من اربع سنوات منذ أُطلق الاخوة من السجن،‏ لكنَّ الوضع تغيَّر فجأة.‏ ففي محفل دائري عُقد في كارلوڤي ڤاري،‏ في غربي بوهيميا،‏ خلال شهر تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٤٨،‏ ظهرت السُّحُب المنذرة بهبوب العاصفة.‏ صحيح انه لم يجرِ ايقاف المحفل،‏ ولكن عندما كان الاخ مولر يلقي الخطاب العام يوم الاحد بعد الظهر في ٢٨ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏،‏ كان عملاء جهاز امن الدولة جالسين على بعض المقاعد الخلفية بلباس مدني.‏ وفي اليوم نفسه،‏ عندما كان الاخ مولر يتناول عشاءه،‏ اتى اليه اولدريخ سكوپينا،‏ ناظر جماعة كارلوڤي ڤاري،‏ وقال له بتوتر ان امن الدولة فتش بيوت عدة اخوة وصادر مطبوعاتهم.‏

حاول الاخ مولر ان يتصل ببيت ايل في پراڠ،‏ ولكن لم يُجِب احد.‏ فمن الواضح ان شيئا خطيرا حدث هناك ايضا.‏ فعاد الى پراڠ على الفور.‏ ولكن عندما كان يقترب من مبنى بيت ايل،‏ رأى رجلَين يتظاهران انهما عاملان ولكنهما كانا يراقبان المبنى.‏ وفي بيت ايل،‏ التقى اخا قال له ان عملاء جهاز امن الدولة فتشوا البناء بكامله وختموا المكتب بالشمع الاحمر.‏ وبعد ٤٥ دقيقة من وصوله،‏ اتى موظفان من وزارة الداخلية الى بيت ايل لإبلاغهم ان المبنى قد صودر.‏ فاعترض الاخ مولر قائلا ان المصادرة لا تتم الا بأمر من المحكمة.‏ وبعدما غادرا،‏ تمكن من نقل بعض الملفات،‏ التي لم يجدها امن الدولة قبلا،‏ الى بيت والدَيه.‏ ولكن عندما عاد الى بيت ايل،‏ كان احد عملاء امن الدولة بانتظاره ومعه اوامر باعتقاله هو والاختَين اللتين كانتا معه.‏ أما باقي اعضاء عائلة بيت ايل فكانوا قد اعتُقلوا قبلا.‏

وهل صدر الامر من المحكمة بهذه السرعة؟‏ كلا.‏ فبعد مرور اشهر،‏ حين كان الاخوة مسجونين،‏ وصلت رسالة الى الاخ كاپينوس الذي كان بين المسجونين.‏ وتضمَّنت الرسالة قرار وزارة الداخلية الذي يقضي بوقف نشاط الجمعية ومصادرة املاكها.‏ وكان القرار بتاريخ ٤ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٤٩،‏ اي بعد مرور اكثر من اربعة اشهر على المصادرة الفعلية.‏

ورغم ذلك،‏ اوقفت محكمة الدولة في تموز (‏يوليو)‏ الدعوى الجنائية الموجهة ضد الاخوة بسبب عدم توفر الادلة.‏ فأُخلي سبيلهم من الحبس التمهيدي.‏ لكنهم لم يغادروا مبنى محكمة الدولة احرارا.‏ فقد اوقفهم موظفان من وزارة الداخلية وأخبراهم انه سيجري ارسالهم،‏ بقرار من اللجنة السياسية الشيوعية،‏ الى معسكر عمل مدة سنتين.‏ فما عجزوا عن تحقيقه بواسطة القانون فعلوه عبر قرارات اعتباطية.‏ وهكذا نُقل الاخ مولر الى كلادنو حيث عمل في منجم فحم.‏

عانى شهود يهوه مشقات شديدة بسبب موجة الاعتقالات التي اجتاحت البلد.‏ لكنَّ ما توقعه الرسميون الشيوعيون لم يصح.‏ فعندما كان الاخ مولر في السجن قالوا له:‏ «اقطع الرأس،‏ فيموت الجسد».‏ فقد حسبوا ان الاخ مولر والاخوة المسؤولين الآخرين هم «الرأس»،‏ لكنهم لم يدركوا ان الرأس الحقيقي للجماعة المسيحية هو الرب يسوع المسيح في السماء.‏ —‏ افسس ٤:‏١٥،‏ ١٦‏.‏

العبادة الحقة تبقى

رغم الضغوط في تلك الايام القاتمة،‏ لم تتوقف العبادة الحقة.‏ فلم يمضِ وقت طويل حتى بدأ الاخوة يصنعون الترتيبات للمُضيّ قُدما في الشهادة بأن يسوع هو الملك المسيّاني.‏ يوضح يوسِف سكوهوتيل،‏ من پراڠ:‏ «بعد ابتداء الاضطهاد بأيام قليلة،‏ زارني الاخ ڠروس،‏ وهو شيخ محلي.‏ وأعطاني اسم عشرة ناشرين،‏ وطلب مني ان اهتم بهم».‏ لقد حاولوا الاستمرار في الشهادة من بيت الى بيت فترة من الوقت،‏ لكنهم تعلموا تدريجيا اساليب اخرى للقيام بالعمل.‏

مع ان اخوة كثيرين كانوا في السجن،‏ بقي الاخوة خارج السجن يعقدون الاجتماعات.‏ لم يكن ممكنا استخدام قاعات عامة،‏ ولكن عُقدت محافل ببرنامج مختصر في شقق سكنية كبيرة.‏ وفي بعض الاحيان عُقدت محافل كبيرة في الغابة.‏ وكان اولها في اولدريخوڤ قرب بلدة نَيدك سنة ١٩٤٩.‏ فعلى منحدر فيه صخور ناتئة،‏ جلس الحضور الذين بلغ عددهم ٢٠٠ شخص.‏ وعلى مقربة من المكان،‏ كان هنالك بيت مهجور وحظيرة وبركة.‏ فوضعوا من اجل المعمودية جدارا فاصلا في الحظيرة لتأمين غرفتَين لتغيير الملابس،‏ واحدة للرجال وأخرى للنساء.‏ ونظفوا البركة ووضعوا سلالم خشبية في الماء.‏ وغُطِّس ٣٧ شخصا في تلك المناسبة.‏

وماذا عن الحصول على مطبوعات الكتاب المقدس للدرس؟‏ يأتي الجواب من رواية سردها الاخ ڤيكوريل من تپليس.‏ يخبر:‏ «في سنة ١٩٥٠،‏ لم يبقَ منا في تپليس سوى ثلاثة اشخاص.‏ وكنا نحصل عبر البريد على نسخة فرنسية من برج المراقبة من اخت في سويسرا.‏ ثم فُقد الاتصال،‏ ولكن لفترة من الوقت فقط.‏ وبدأت اتلقى رسائل مكتوبة بالشفرة طُلب مني فيها ان اجد شخصا يعرف شخصا آخر،‏ وهذا الشخص بدوره يعرف شخصا آخر ايضا،‏ وهكذا يُكرر الاتصال من جديد.‏ كان الاخوة المسؤولون في السجن،‏ لذا لزم ان اعيد الاتصالات التنظيمية.‏ فعملْنا دون اية تعيينات رسمية،‏ والكل فعل ما كان لازما.‏ أما برج المراقبة فبقينا نتسلمها دون انقطاع».‏

كانت هذه بداية احدى اصعب المراحل في تاريخ شهود يهوه في هذا البلد.‏ ولولا يد يهوه،‏ لَتوقف العمل.‏ لكنَّ العمل ظل يتوسع رغم المحن.‏

فترة وجيزة من الراحة

فجأة،‏ وبشكل غير متوقع،‏ أُطلق سراح جميع شهود يهوه،‏ الاخوة والاخوات،‏ من معسكرات العمل في اوائل سنة ١٩٥٠.‏ فماذا كان ينتظرهم؟‏ قال الاخ مولر متذكرا:‏ «فوجئت وفرحت بالتنظيم الجيد الذي جرى في غيابنا».‏ فقد دفع روح يهوه اخوة اصغر سنا،‏ بمن فيهم يان سيبين وياروسلاڤ هالا،‏ ليأخذوا القيادة بغيرة.‏ كان والد ياروسلاڤ قد اعتُقل سنة ١٩٤٨ (‏ومات لاحقا في السجن)‏،‏ لكنَّ ياروسلاڤ صار مثالا ومصدر تشجيع كبيرا لإخوة وأخوات كثيرين.‏ ووجد ايضا الذين أُطلق سراحهم ان عدد الشهود النشاطى في كل انحاء البلد (‏تشيكوسلوڤاكيا السابقة)‏ ارتفع بنسبة ٥٢ في المئة في غضون سنتين،‏ من ٥٨١‏,١ الى ٤٠٣‏,٢.‏ وشهدت السنة التالية زيادة اضافية بلغت ٣٨ في المئة.‏

عندما صدر كتاب ‏«ليكن اللّٰه صادقا»‏ بالتشيكية سنة ١٩٥١ في ستة اجزاء،‏ زوّد اساسا للمزيد من النمو.‏ فكان الهدف من المطبوعة ان تُستخدم كأساس في دروس الكتاب المقدس البيتية.‏ وقد احتوت على ما يحتاج اليه التلاميذ ليبدأوا حياة مرضية في خدمة يهوه.‏

لكنَّ الرسميين الشيوعيين لم ينظروا الى نشاط شهود يهوه بعين الرضا.‏ وكانت سنة ١٩٥٢ بداية فترة اضطهاد طويل وقاسٍ لشعب يهوه.‏

العودة الى ‹اتون النار›‏

في الساعات الباكرة من صباح ٤ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٥٢،‏ اعتقل امن الدولة الاخ مولر من جديد.‏ وهذه المرة عُصبت عيناه عندما اقتيد الى السجن.‏ كتب لاحقا:‏ «طوال الاشهر الـ‍ ١٤ التالية،‏ لم يُسمح لي بالخروج من السجن الانفرادي الا معصوب العينَين.‏ وكان الضابط المستجوِب يأخذني الى مكتبه كل يومين تقريبا.‏ لقد خضعتُ هناك لاستجوابات طويلة حاولوا فيها ان يقنعوني بالاعتراف اني متورط في عملية جاسوسية وأني ارتكبت الخيانة العظمى ايضا.‏ وكُتبَت محاضر شرطة عديدة،‏ ثم أُتلفت،‏ ثم كُتبت محاضر جديدة.‏ وكان المستجوِبون يجربون دائما اساليب جديدة ماكرة ليجعلوا المحضر يتضمن اشارة صغيرة واحدة على الاقل توحي اني مذنب بشيء.‏ لكني رفضت تكرارا توقيع محاضر كهذه.‏ وبعد ١٦ سنة،‏ عندما صرت حرا،‏ اخبرني موظف في وزارة الداخلية ان اسمي كان مدرجا في قائمة الاشخاص المزمَع تصفيتهم.‏ في ٢٧ آذار (‏مارس)‏ ١٩٥٣ أُخذت،‏ وأنا معصوب العينَين،‏ لحضور جلسة محكمة في پانكراتس.‏ وقد تعرَّضنا انا ورفيقاي الاثنان لضغط نفسي هائل.‏ فقد استمرت الجلسة يومين وعُقدت بسرية تامة.‏ أما المقاعد المخصصة للجمهور فلم يشغلها سوى المستجوِبين من وزارة الداخلية».‏

وكان ٤ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٥٢ يوم الاعتقالات في كل انحاء تشيكوسلوڤاكيا.‏ ففي ذلك اليوم،‏ اوقف امن الدولة ١٠٩ اشخاص من شهود يهوه (‏١٠٤ أخوة و ٥ اخوات)‏.‏

كانت اميلي ماتْسيتشْكوڤا واحدة من الذين أُخذوا الى السجن في ذلك اليوم.‏ تروي:‏ «في ٤ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٥٢،‏ عندما كان زوجي في المستشفى،‏ اتى الى بيتنا ثلاثة رجال وامرأة من امن الدولة في الساعة ٣٠:‏٣ صباحا.‏ وأُوقفتُ على الفور.‏ وبعد ان فتشوا البيت تفتيشا دقيقا،‏ صادروا ما وجدوه.‏ ثم اخذوني الى قسم الشرطة الاقليمي في اوستراڤا.‏ كان كثيرون من الشهود هناك،‏ فقد اعتُقلنا بالجملة.‏ ووضعونا في زنزانات مطلية حديثا بالكلس،‏ لكنها كانت باردة ورائحتها تثير الاشمئزاز.‏ وأعطونا ماء باردا للاغتسال،‏ ثم اقفلوا الابواب الحديدية.‏ وكلما اخذونا الى مكان ما كانوا يضعون نظارات سوداء على عيوننا.‏ ودسوا اشخاصا بيننا في الزنزانات،‏ لكننا لم نكلّمهم الا بملكوت اللّٰه.‏ حتى ان هؤلاء الجواسيس رنموا معنا ترانيم الملكوت وتظاهروا بأنهم يصلّون.‏ لقد وصل اعداؤنا الى هذا الحد ليجعلونا نستسلم،‏ لكنَّ يهوه قوّانا!‏».‏

محاكمة فظيعة في پراڠ

في تلك الفترة كانت تجري محاكمات سياسية كثيرة في تشيكوسلوڤاكيا.‏ وكانت الاحكام الصادرة عن هذه المحاكمات قاسية جدا،‏ إما السَّجن سنوات طويلة او الاعدام.‏ وحصلت محاكمة شهود يهوه،‏ في ٢٧ و ٢٨ آذار (‏مارس)‏ ١٩٥٣،‏ خلال هذه الفترة عينها.‏ فقد أُجريت سرًّا محاكمتان صوريّتان للنظار البارزين بين شهود يهوه.‏ وعُقدت الثانية بعد الاولى بشهر واحد.‏ وكانت الاحكام كما يلي:‏ «مولر وفوڠل:‏ السجن ١٨ سنة.‏ المتَّهَمون سيبين وڠروس وهالا:‏ ١٥ سنة؛‏ ناهالكا:‏ ١٢ سنة؛‏ نوڤاك:‏ ٨ سنوات؛‏ وپوروبسكي:‏ ٥ سنوات.‏ وأملاك جميع المتَّهَمين معرَّضة للمصادرة،‏ وهم انفسهم معرَّضون لتجريدهم من حقوق المواطنة».‏

كانت الصحف مصدر الناس الوحيد للمعلومات عن هذه المحاكم.‏ فماذا قالت؟‏ اليكم كمثال هذا التقرير المحرّف الذي ظهر في عدد ٣٠ آذار (‏مارس)‏ من الصحيفة الشيوعية روديه پراڤو (‏القانون الاحمر)‏:‏ «ان الامبرياليين الاميركيين،‏ المبغِضين لتشيكوسلوڤاكيا الديموقراطية الشعبية،‏ لا يعدمون وسيلة لإبعاد جماهيرنا الكادحة عن طريق الاشتراكية.‏.‏ .‏ .‏ لقد سددت المحكمة الدورية في پراڠ ضربة لأحد اشكال النشاطات الهدّامة التي يقوم بها الامبرياليون الاميركيون.‏ .‏ .‏ فقد جرت محاكمة الاعضاء البارزين في بدعة دينية يدعو انصارها انفسهم شهود يهوه.‏ وهذه الهيئة،‏ التي تنال توجيهاتها من بروكلين،‏ الولايات المتحدة الاميركية،‏ والتي هي محظورة في بلدنا منذ سنة ١٩٤٩ بسبب ميولها الهدّامة،‏ ادخلت الى تشيكوسلوڤاكيا ايديولوجيات لا تعترف بانتماء المرء الوطني،‏ وذلك تحت قناع المسيحية النقية.‏ وهذه الافكار مصمَّمة لتقويض معنويات جماهيرنا الكادحة وللتشجيع على بغض الدولة وقوانينها،‏ وقد بدأت تُعِدّ انصارها لحرب حاسمة يؤدون فيها دور الطابور الخامس».‏

وهذا التشويه للحقائق،‏ بهدف تبرير قرارات المحكمة،‏ شكّل سابقة اتُّبعت في كل انحاء البلد.‏

العثور على المشبَّهين بالخراف في السجون

رغم هذا الوضع،‏ نشأت فرص للشهادة،‏ حتى داخل السجن.‏ وكانت سعة الحيلة ضرورية،‏ لكنَّ الاخوة تمكّنوا من تدبر امرهم.‏ فقد وُجد في السجن اشخاص تجاوبوا مع حق الكتاب المقدس.‏ وأحدهم هو فرانْتيشك يانيتشيك،‏ من مدينة تشاسْلاف.‏ يقول متذكرا:‏ «كنت قد اشتركت خلال الحرب في حركة المقاومة.‏ لكن في سنة ١٩٤٨،‏ اعترضت على الشكل الجديد للعنف الدائر،‏ وبسبب اعتراضي العلني على الظلم،‏ حُكم عليّ بالسجن ١١ سنة.‏ سُمح لي في السجن بامتلاك كتاب مقدس،‏ حتى اني علّمتُه للآخرين خلال فترات الفراغ من العمل.‏ لذلك حسبني الاخوة كاهنا.‏ وكنا نقيم في ابنية مختلفة من السجن،‏ لكننا كنا نقوم احيانا بحراسات ليلية،‏ ندعوها حراسات النيران،‏ خارج هذه الابنية.‏ وخلال نوبتي في الحراسة في احدى الليالي،‏ كان الطقس باردا جدا والسماء مرصعة بالنجوم.‏ وخرج سجين آخر من البناء المجاور وبدأ حراسته ايضا.‏ فقلت له:‏ ‹اذًا انت هنا ايضا تخدم فرعون؟‏›.‏ ‹وهل تعلم مَن كان فرعون؟‏›.‏ ‹نعم،‏ حاكم مصر›.‏ ‹أوَتعرف الى مَن كان يرمز؟‏›.‏ ‹لا!‏›.‏ ‹تعال اذًا فأخبرك›.‏ سرنا معا طوال ساعتين،‏ فشرح لي المسألة بشكل وافٍ.‏ وأحرزت تقدُّما سريعا.‏ لقد احبني اللّٰه ورأى رغبتي في تعلم الحق».‏ واشترك فرانْتيشك مع شهود يهوه في درس الكتاب المقدس،‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى صار يقدّم كل شهر ما بين ٧٠ و ٨٠ ساعة في خدمة يهوه.‏

وكثيرون ممَّن تعلموا الحق في السجن اعتمدوا هناك.‏ فكيف حصل ذلك؟‏ يوضح لاديسْلاف شمَيْكال،‏ الذي تعلّم الحق عندما كان سجينا سياسيا:‏ «في المنجم حيث كنا نعمل،‏ كان بإمكاننا الوصول الى ابراج التبريد لمضخّات الهواء الكبيرة في المنجم.‏ وفي حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٥٦،‏ اعتمدتُ مع عدد من الاشخاص في حوض احد هذه الابراج.‏ لم يكن ذلك سهلا لأنه كان علينا اتمام ذلك خلال فترة الاستراحة القصيرة قبل بدء نوبة بعد الظهر.‏ فأخذنا ثيابنا الداخلية،‏ ذهبنا الى البرج،‏ اعتمدنا،‏ غيَّرنا ثيابنا بسرعة،‏ ثم عدنا الى العمل».‏ لقد كانوا شاكرين لأن يهوه ساعد خدامه على ايجاد وسيلة يرمزون بها الى انتذارهم له اطاعةً لوصية يسوع المسيح.‏ —‏ متى ٢٨:‏١٩،‏ ٢٠‏.‏

‏«قديسون» في مناجم الفحم

كان الحظر على شهود يهوه يطبَّق بأساليب متنوعة وبدرجات متفاوتة.‏ فلم يُفرض بالدرجة نفسها في كل مكان او في كل الاوقات.‏ لكنَّ الاخوة جاهدوا في كل الظروف ليحافظوا على استقامتهم المسيحية كما يمليه عليهم ضميرهم.‏ وبسبب ذلك سُجن كثيرون.‏

وفي سنة ١٩٥٨،‏ صدر قرار حكومي يعفي عمال مناجم الفحم،‏ الذين هم دون الـ‍ ٣٠ من العمر،‏ من الخدمة العسكرية.‏ وبدلا من ان ينتظر الاخوة اعتقالهم والحكم عليهم بالسجن —‏ وربما بالعمل في المناجم —‏ حافظ بعضهم على مقدار من حريته بالعمل في المناجم.‏ (‏امثال ٢٢:‏٣‏)‏ وهكذا صار «قديسون» او «كهنة»،‏ كما كان الناس يدعون هؤلاء الشهود،‏ مستخدَمين في مناجم عديدة.‏ وبما انه وُجد كثيرون من شهود يهوه في بعض المناجم،‏ فقد بدأوا بتشكيل جماعات قوية نما فيها الاخوة الى النضج الروحي،‏ صائرين خداما مؤهلين.‏

عمل ادوارت سوبيتشْكا طوال عشر سنوات في منجم في قرية كامينيه جهْروڤيتْسيه،‏ قرب بلدة كلادنو.‏ يقول:‏ «على ما اذكر،‏ بلغ اكبر عدد من الاخوة الذين عملوا معي في المنجم نحو ٣٠ شخصا.‏ وكنا نعمل في نوبات مختلفة،‏ إذ قررنا ان نتجنب البقاء معا دائما كي لا يبدو اننا نعزل انفسنا عن العمال الآخرين.‏ لكنَّ ‹القديسين›،‏ كما كان يشار الينا عموما،‏ كانوا يلفتون انتباه الآخرين كثيرا.‏ فاستهزأوا بنا وأهانونا،‏ لكنهم في قرارة نفسهم كانوا يحترموننا».‏ وانتهز الشهود الفرص في المناجم للشهادة.‏ وكانوا يعيرون ايضا مطبوعات الكتاب المقدس القيّمة عندما يُظهر احد الاهتمام.‏

مع الشهود الآخرين في عطلة

رغم تلك الاوقات الصعبة،‏ كانت للعطل حصة في حياة شعب يهوه.‏ فهذه العطل اذا خطِّط لها جيدا،‏ لا تمنح انتعاشا جسديا فحسب بل تبني روحيا ايضا.‏ تخيلوا شعوركم عندما يقضي مثلا ٣٠ شاهدا ليهوه وقتهم معا طوال اسبوع او اسبوعين،‏ حين لم يكن عدد الحضور في الاجتماعات يتعدى الـ‍ ١٠ اشخاص!‏

وكان مهمّا ايضا اتخاذ قرارات حكيمة بشأن مَن يُدعى الى العطلة.‏ فسعى المخطِّطون الا يفضّلوا الشباب على المسنين او الاخوة على الاخوات.‏ وبُذلت الجهود لشمل عدة اخوة مسيحيين ناضجين روحيا،‏ بحيث يزوّدون الاشراف اللازم.‏

وجرى التركيز كثيرا على وجود برنامج روحي متزن.‏ وكان البرنامج اليومي بهذا الشكل:‏ صلاة صباحية،‏ آية يومية،‏ وقراءة من الكتاب المقدس.‏ وفي بعض الايام،‏ كانت تُعقد في فترة بعد الظهر اجتماعات لساعة من الوقت.‏ وغالبا ما كانت تُعقد في المساء سهرة روحية مع برنامج معَدّ مسبقا.‏ أما باقي اليوم فكانت للاخوة حرية التصرف في ما يفعلونه.‏ فكان بإمكان هؤلاء الاصدقاء ان يدرسوا،‏ يتنزهوا سيرا على الاقدام،‏ يسبحوا،‏ او ما شابه.‏ وكانوا يقومون بالخدمة عادةً خلال النزهات الطويلة سيرا على الاقدام،‏ علما بأنه كانت هنالك ايضا بعض القواعد غير المكتوبة التي لزم التقيّد بها.‏ حاولوا ان تتخيلوا ٢٠ شخصا يقومون بنزهة كهذه!‏ فكانوا سيلتقون اناسا من السكان المحليين في القرى والغابات والحقول.‏ وعندئذ كان يترك اخ او اخت المجموعة ويحاول البدء بمحادثة.‏ أما باقي المجموعة فتتابع طريقها.‏

ان هذه العطل،‏ التي كانت تشارك فيها مجموعات من الاخوة،‏ ادت الى نتائج حسنة جدا.‏ فقد قوَّت الايمان،‏ وساهمت في نشر البشارة.‏ وكانت هذه العطل ضمن مجموعات جزءا لا يتجزأ من تاريخ شهود يهوه الحديث في هذا البلد.‏ لكنَّ خدام يهوه لم يكونوا ليسمحوا لأيّ شيء بأن يُضعف سهرهم الروحي.‏

هجوم ماكر

يسعى الشيطان ابليس،‏ «ابو الكذب»،‏ الى زعزعة الثقة بخدام اللّٰه الامناء عن طريق تشويه صورتهم وتحريف الحقائق.‏ (‏يوحنا ٨:‏٤٤‏)‏ فقد استعمل هذا الاسلوب ليُضعف اسرائيل القديمة،‏ ليجعل اليهود في القرن الاول ينقلبون على المسيح،‏ وليحاول تعكير السلام في الجماعة المسيحية الباكرة.‏ (‏عدد ١٣:‏٢٦–‏١٤:‏٤؛‏ يوحنا ٥:‏١٠-‏١٨؛‏ ٣ يوحنا ٩،‏ ١٠‏)‏ وبعض الاشخاص الذين يخدمون غاياته يسعون وراء الشهرة والبروز.‏ وقد يقول آخرون امورا يشعرون انها صحيحة،‏ لكنهم يعبِّرون عن آراء قاسية حين لا يعرفون كل الوقائع.‏ ويمكن ان يستغل الشيطان هاتين الفئتين،‏ الامر الذي حدث في هذا البلد.‏

كان الوضع في اواخر خمسينات الـ‍ ١٩٠٠ صعبا على الاخوة في تشيكوسلوڤاكيا.‏ فكثيرون كانوا في السجن.‏ وانقطع الاتصال بالمركز الرئيسي العالمي لشهود يهوه.‏ وبعض اصحاب روح المبادرة اعطوا توجيهات عكست رأيهم الشخصي بدلا من ان يكون لها اساس راسخ في الاسفار المقدسة.‏ (‏تيطس ١:‏٩؛‏ يعقوب ٣:‏١‏)‏ وكردّ فعل للضغط في تلك الاوقات،‏ اتخذ افراد مواقف صارمة في بعض المسائل دون ان يحيطوا بكل الوقائع.‏ (‏قارنوا امثال ١٨:‏١٣،‏ ١٧‏.‏)‏ وبدأ البعض ‹يجتذبون التلاميذ وراءهم›.‏ —‏ اعمال ٢٠:‏٣٠‏.‏

وعن الاحداث التي وقعت في تلك الفترة،‏ كتب الاخ مولر لاحقا:‏ «في احد الايام من شهر كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٥٦ في سجن ڤالْديتْسه،‏ أُخذت الى مكتب حيث كان رجلان بانتظاري.‏ وادّعى هذان انهما من وزارة الداخلية.‏ وأخذا يحاولان اقناعي بأن ‹لا نصرّ كثيرا› على بعض تعاليمنا الدينية.‏ كان الاتفاق معهما امرا مستحيلا،‏ لذلك انتهت المقابلة بسرعة.‏ وفي سنة ١٩٥٧،‏ قام موظفان آخران من وزارة الداخلية بزيارتي.‏ وكان الجو في هذه المناقشة،‏ التي دامت ثلاث ساعات،‏ مختلفا جدا.‏ فقد كان بإمكاني ان اشرح بصراحة آراء الشهود ومواقفهم من مسائل متنوعة.‏ وكان يهمّهم موقفنا من الخدمة العسكرية ونقل الدم والاتحادات العمالية،‏ وغيرها من الامور.‏ وفي النهاية سألني احدهما:‏ ‹هل تعتقد يا سيد مولر انه يمكن ان نصير اصدقاء؟‏›.‏ فأجبت:‏ ‹الاصدقاء اشخاص متقاربون جدا وتجمعهم اهتمامات مشتركة كثيرة.‏ نحن شهود يهوه نؤمن باللّٰه،‏ أما انتم الشيوعيين فملحدون.‏ لذلك لا يمكن ان توجد مصلحة مشتركة بيننا.‏ لكني اعتقد انه يمكن ان نتعايش ونتفاهم›.‏ فقال الموظف:‏ ‹لقد سررتُ بجوابك،‏ فلو أجبت بطريقة مختلفة لَما وثقتُ بك›.‏ فشعرت ان هذا السؤال الاخير طُرح لمعرفة هل هنالك مجال لأيّ حوار جدي بيننا في المستقبل.‏ وفي هذه الحال،‏ نكون قد تقدَّمنا خطوة نحو حل قضيتنا».‏

ونتيجة لهذه المحادثة،‏ صارت خطوط الاتصال الى حد ما مفتوحة اكثر بين بعض الاخوة والسلطات الحكومية.‏ ولكن بسبب الجو السائد آنذاك،‏ شعر بعض الشهود،‏ الذين علموا بأمر هذه المقابلات،‏ بأن هؤلاء الاخوة المسؤولين قد سايروا.‏ ولا شك في ان ما دفع البعض الى إظهار رد الفعل هذا كان الرغبة الشديدة في تجنب اية مسايرة على حساب المبادئ المسيحية.‏ لكنَّ بعض الاشخاص،‏ الذين كانوا من النوع الصارم الذي لا يقبل المناقشة،‏ عبّروا صراحةً عن عدم ثقتهم بالاخوة الذين تحدَّثوا الى الرسميين الحكوميين.‏ ولكن هل كان لعدم ثقتهم اساس متين؟‏

كانت عوامل اخرى مشمولة ايضا.‏ يوضح يوراي كامينسكي،‏ الذي يخدم يهوه بولاء منذ اكثر من ٥٠ سنة:‏ «بعد ان أُوقف الاخوة المسؤولون وشيوخ عديدون،‏ بدأ بعض الذين يأخذون القيادة في الجماعات والدوائر يضعون قواعد سلوك للناشرين،‏ محدّدين ما يجب وما لا يجب فعله».‏ فكم كان افضل لو جرى «تعزيز الطاعة بالايمان»،‏ كما فعل الرسول بولس!‏ (‏روما ١٦:‏٢٦‏)‏ ولأن القانون يأمر الناس بالاقتراع،‏ كان بعض الشهود يذهبون الى مركز الاقتراع،‏ ولأسباب تتعلق بالضمير لا يصوِّتون لأيّ مرشح سياسي.‏ فشعر البعض ان هؤلاء يسايرون.‏ وقد انتابت بعض الاخوة،‏ وربما بشكل مبرَّر،‏ مشاعر الاستياء الشديد من السلطات بسبب سوء معاملتها لإخوتهم المسيحيين.‏ يعلّق الاخ مولر قائلا:‏ «انزعجتُ كثيرا من الوضع،‏ لذلك كتبتُ في خريف سنة ١٩٥٧ رسالة [من السجن]،‏ عسى ان تساعد الاخوة على رد الامور الى نصابها».‏ وجاء في احدى الفقرات:‏

‏«يحزّ في قلبي امر آخر.‏.‏ .‏ .‏ اود ان اذكّر الاخوة ان اجتماعاتنا مخصصة لدرس الاسفار المقدسة وتدريب شهود يهوه ليكونوا خداما افضل ومؤهلين اكثر.‏ ومن الواضح ان مناقشة السياسة او التعبير عن آراء معادية للدولة غير مقبول في الاجتماعات،‏ اينما عُقدت ومهما كان عدد الحضور،‏ سواء كان هنالك اثنان فقط او اكثر بكثير.‏ فيا ايها الاخوة تذكروا هذا،‏ ولا تسمحوا بأية مناقشات كهذه.‏ هل احدكم حاقد على النظام لأني وغيري من الاخوة في السجن؟‏ في هذه الحال،‏ اتوسل اليكم باسمي وباسم سائر الاخوة،‏ ان تطردوا هذه المشاعر.‏ لا تستسلموا للغضب والعداء،‏ لأننا سلّمنا امرنا الى اللّٰه،‏ فافعلوا انتم ذلك ايضا».‏ —‏ روما ١٢:‏١٧–‏١٣:‏١‏.‏

تشجّع الاخوة والاخوات الامناء كثيرا بهذه الرسالة.‏ قال يان تيسارج:‏ «وصلتنا رسالته،‏ التي كتبها في السجن سنة ١٩٥٧.‏ ولم تكن تحمل اية اشارة الى المسايرة،‏ بل الى التعقل المسيحي!‏».‏ ولكن لم يتبنَّ الجميع هذه النظرة.‏ فصارت رسالة الاخ مولر محور جدال وتخمينات.‏

الابتعاد عن الجماعة

بعد ان أُعلن في ايار (‏مايو)‏ ١٩٦٠ عن عفو عام عن السجناء السياسيين،‏ أُطلق سراح معظم شهود يهوه الذين كانوا في السجن.‏ فعمَّت فرحة كبيرة جدا!‏ ورغم التهديدات،‏ استأنفوا فورا الكرازة بالبشارة.‏ وكان كثيرون منهم يفكرون في المثال الذي رسمه رسل يسوع المسيح،‏ الذين صلّوا،‏ بعدما أُطلق سراحهم من المعتقل،‏ طلبا للجرأة لكي يواظبوا على الكرازة بالكلمة.‏ (‏اعمال ٤:‏٢٣-‏٣١‏)‏ لكنَّ محنا جديدة كانت بانتظارهم.‏

فقد زادت الشكوك وعدم الثقة بين الاخوة.‏ وعندما بعث الاخ مولر برسالة الى الاخوة من اجل توضيح الامور،‏ لم يسمح بعض الذين كانت لديهم آراء انتقادية وقاسية بأن تُقرأ الرسالة على الجماعات.‏ وفي سنة ١٩٥٩،‏ كان عدد الشهود النشاطى في تشيكوسلوڤاكيا ١٠٥‏,٢،‏ لكنَّ اكثر من ٠٠٠‏,١ —‏ رغم ادعائهم انهم يخدمون يهوه —‏ توقفوا عن خدمته باتحاد مع عشرائهم المسيحيين السابقين‎. حتى ان الذين كانوا يأخذون القيادة بين هؤلاء المبتعدين ادّعوا انهم يحوزون موافقة المركز الرئيسي في بروكلين،‏ نيويورك،‏ وموافقة ن.‏ ه‍.‏ نور،‏ الذي كان رئيس جمعية برج المراقبة آنذاك.‏

وثمة تطورات اضافية زادت شكوك هؤلاء المبتعدين بشأن عشرائهم المسيحيين السابقين.‏ فبحلول ذلك الوقت،‏ كان الرسميون الحكوميون في تشيكوسلوڤاكيا قد ادركوا عموما ان شهود يهوه ليسوا جواسيس امبرياليين اميركيين،‏ كما اتُّهموا سابقا.‏ وعرفوا ايضا انه لم يكن ممكنا ايقاف نشاط شهود يهوه او اقناعهم بالمسايرة على حساب ايمانهم.‏ لذلك قامت الحكومة،‏ ذات النظام الشيوعي الكلياني،‏ باتخاذ خطوات لفتح حوار مع الشهود.‏ وكان ذلك حوارا قسريا.‏ فكان هدف جهاز امن الدولة التأكد من عدم استخدام المشاعر الدينية ضد النظام بل لتأييده،‏ إن امكن.‏ وفي بعض الاحيان كانت الاتصالات تتم بشكل استدعاءات للاخ مولر او احد النظار الجائلين الى مركز الشرطة للاستجواب.‏ وكانت احيانا تتخذ شكل محادثة ودية في مقهى.‏

فاعتقد بعض المراقبين،‏ غير العالمين بكل الوقائع،‏ ان الاخوة المشتركين في هذه المحادثات يتعاونون مع امن الدولة.‏ حتى ان اسماء بعض هؤلاء الاخوة أُدرجت في قائمة المتعاملين مع العدو،‏ واتُّهموا بأنهم يُجرون تعديلات في المقالات المنشورة لتتلاءم مع رغبات امن الدولة.‏

تشجيع حبي على ‹طلب يهوه›‏

كان الاخ نور قلقا جدا بشأن عمل الرب وبشأن الذين يجاهدون ليخدموه بأمانة مع هيئة يهوه.‏ فبعث في ٧ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٦١ رسالة الى الاخوة في تشيكوسلوڤاكيا،‏ وفيها لفت انتباههم الى آيات مثل ميخا ٢:‏١٢ ومزمور ١٣٣:‏١‏.‏ وشرح موقف الجمعية من مسائل مختلفة وعبَّر عن دعمه للاخوة الذين اؤتمنوا على المسؤوليات.‏ وكان ذلك فعلا تشجيعا حبيا للاخوة على ‹طلب يهوه› —‏ على فهم كيفية عمل روح يهوه لإتمام كلمته ثم العمل بانسجام مع من يوكل اليهم يهوه انجاز العمل.‏ (‏زكريا ٨:‏٢١‏)‏ وإليكم مقطعا من تلك الرسالة:‏

‏«اخواني الاعزاء:‏.‏ .‏ .‏ بلغتني اخبار تشير الى ان اغلبية الاخوة في تشيكوسلوڤاكيا يحافظون على وحدتهم المسيحية بطريقة ثيوقراطية،‏ ولكن بسبب صعوبة الاتصال سمح قليلون للاشاعات والثرثرات بأن تخلق في عقولهم تساؤلات جعلت البعض لا يتعاونون او لا يقدمون تقارير الخدمة.‏ لكنَّ ذلك لن يجلب لهؤلاء القليلين سوى التعاسة والمشاكل،‏ وقد بدأ ذلك يحدث.‏ لذلك اكتب اليكم لأُعلِمكم ان الجمعية تعترف بالاخ آدام يانوشكا والاخ بوهوميل مولر والاخوة العاملين معهما نظارا مسيحيين مسؤولين في تشيكوسلوڤاكيا،‏ وأنا اتوسل اليكم ان تتذكروا دائما كلمات بولس في عبرانيين ١٣:‏١،‏ ٧،‏ ١٧‏.‏ فهؤلاء الاخوة يهتمون بأمركم ويحاولون مساعدة الجميع على البقاء امناء ليهوه اللّٰه.‏ لذلك اعملوا بتواضع معهم،‏ وهم سيعملون معكم،‏ وسيؤول كل ذلك الى تمجيد يهوه».‏ ولكن من المؤسف انه،‏ بعد وقت غير طويل من تسلّم هذه الرسالة،‏ لزم فصل آدام يانوشكا بسبب سلوك لا يليق بمسيحي.‏

كانت رسالة الاخ نور موضع تقدير عند البعض،‏ ولكن لم يتقبّل الجميع المشورة في الرسالة.‏ وفي الواقع،‏ تفاقمت المشاكل في سنة ١٩٦٢.‏ فقد ظهرت في برج المراقبة سلسلة من المقالات تشرح المسؤوليات المسيحية اولا امام اللّٰه ثم امام السلطات الدنيوية الحاكمة،‏ او ‹السلطات الفائقة› المشار اليها في روما ١٣:‏١‏.‏ وكان ما نُشر تصحيحا لفهمنا حول هذا الموضوع.‏ لكنَّ الاشخاص العديمي الثقة والانتقاديين نشروا اشاعات تقول ان الاخ مولر هو مَن لفّق هذه المقالات بتوجيه من وزارة الداخلية.‏ فما العمل؟‏ بدلا من ان يصرف الاخوة كل وقتهم في محاولة اقناع مَن كانوا آنذاك لا يريدون ان يقتنعوا،‏ وجّهوا اهتمامهم الى عمل الكرازة بالبشارة للجياع والعطاش الى البر.‏

وفي السنوات اللاحقة رأى بعض مَن تركوا الهيئة ان بركة يهوه عليها،‏ فطلبوا ان يرجعوا.‏ لكنَّ آخرين بقوا تاركين المعاشرة حتى سنة ١٩٨٩،‏ حين بعثت الهيئة الحاكمة برسالة لطيفة موجَّهة «الى الذين يرغبون في عبادة يهوه وخدمته باتحاد».‏ لفتت هذه الرسالة الانتباه الى نبوات مثل زكريا ٨:‏٢٠،‏ ٢١ وإشعياء ٦٠:‏٢٢‏،‏ التي هي في طور الاتمام اليوم.‏ وشددت على المشورة والمبادئ المؤسسة على الكتاب المقدس،‏ الموجودة في متى ٢٤:‏٤٥-‏٤٧،‏ ١ كورنثوس ١٠:‏٢١،‏ ٢٢،‏ وأفسس ٤:‏١٦‏.‏ ثم جاء في جزء من الرسالة:‏

‏«يؤسفنا ان نسمع انكم حتى الآن لا تشاركون بشكل فعّال في الترتيب والاجراءات الثيوقراطية التي يتّبعها شعب اللّٰه في كل الانحاء الاخرى من الارض.‏ نكتب اليكم لنشجعكم على اظهار رغبتكم في العمل بانسجام مع هيئة يهوه المنظورة كما هي قائمة حول العالم وكما توجد في بلدكم.‏ ويمكنكم ان تعربوا عن رغبتكم البارة هذه باستقبال الاخوة الذين انتقيناهم.‏ فهؤلاء مستعدون ليرتّبوا لزيارتكم وليقرأوا عليكم هذه الرسالة.‏ وليكن عندكم ملء الثقة بالاخوة الذين يأتون اليكم ويقولون انهم مرسَلون من قِبلنا كما تشهد هذه الرسالة.‏ وهو امتياز لهم ان يدعوكم الى العودة الى الرعية الواحدة وعدم البقاء مبتعدين عنها.‏ —‏ يوحنا ١٠:‏١٦‏».‏

ان هذه الخطوة التي اتخذتها الهيئة الحاكمة ساهمت كثيرا في اصلاح ما تبقى من الخلل الذي نتج من هجوم الشيطان الماكر على الجماعات،‏ حين لم يكن من الممكن الاتصال بحرية بالباقين من هيئة يهوه المنظورة.‏

التنظيم والتدريب على المزيد من الخدمة

بعد اطلاق سراح الشهود من السجن سنة ١٩٦٠،‏ كان هنالك الكثير لفعله في عمل الكرازة بالملكوت في الاراضي التشيكية.‏ ولهذا السبب كان من المهم التركيز على التنظيم المناسب والتدريب الجيد.‏ وتحقُّق هذين الهدفين في ظل الظروف الصعبة التي وُجدت آنذاك اعطى دليلا قاطعا على منح يهوه حمايته الحبية وبركته.‏

خُطيت خطوة واسعة في مجال التنظيم الثيوقراطي بإنشاء مدرسة خدمة الملكوت سنة ١٩٦١ لمنح التدريب المتخصص من الكتاب المقدس للنظار الجائلين وخدام الجماعات (‏الذين يُعرفون اليوم بالنظار المشرفين)‏.‏ ولا يزال كارِل پلزاك،‏ من پراڠ،‏ الذي كان يخدم آنذاك كناظر دائرة،‏ يذكر الصف الاول.‏ فقد كان مقرَّرا ان يُعقد قرب كارلوڤي ڤاري.‏ لكنَّ جهاز امن الدولة علم بموقعه ايضا.‏ لذلك صُنع في اللحظة الاخيرة ترتيب ليجتمع الاخوة في بيت خاص صغير.‏

كان كثيرون من الاخوة الشبان آنذاك يقدّرون اهمية خدمة يهوه.‏ فنضج البعض بسرعة،‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى دُعوا الى الاستفادة من مدرسة خدمة الملكوت.‏ وأحد هؤلاء،‏ ويدعى يارومير لينيتْشيك،‏ كان يدير درس الكتاب الجماعي وهو في الـ‍ ١٤ من عمره.‏ وفي الـ‍ ١٦ عُيِّن مساعد ناظر الجماعة،‏ ثم دُعي وهو في الـ‍ ٢٠ من العمر الى حضور مدرسة خدمة الملكوت.‏ وهو الآن عضو في لجنة الفرع.‏

وفي سنة ١٩٦١،‏ أُنشئ برنامج تدريب آخر ساهم كثيرا في تحسين نوعية خدمة الحقل.‏ فكان يعيَّن لناشر ذي خبرة مهمة تدريب ناشر اقل خبرة.‏ وكانا يستعدان معا ويعملان معا في خدمة الحقل.‏ والهدف هو منح المتدرب المساعدة الكافية لكي يتمكن بدوره من مساعدة الآخرين.‏ وفي ذلك الوقت لم يكن ممكنا تقديم الشهادة الا بطريقة غير رسمية،‏ لكنَّ التدريب مكّن كثيرين من تسبيح يهوه بفعالية.‏

في ظل النظام الكلياني،‏ غالبا ما يخضع البريد لمراقبة الحكومة الدقيقة.‏ لذلك صار النظار الجائلون في تشيكوسلوڤاكيا وسيلة اتصال ثيوقراطية مهمة.‏ وكانت كل زيارة لناظر الدائرة تُنتظر بفارغ الصبر.‏ يتذكر ادوارت سوبيتشْكا:‏ «كان على الناظر الجائل ان يعمل عملا دنيويا،‏ لذلك كان بإمكانه زيارة الجماعات في نهاية كل اسبوعين:‏ من الجمعة الى الاحد مساء،‏ ما مجموعه ٥ ايام تقريبا في الشهر.‏ وهذا يعادل الوقت الذي يصرفه نظار الدوائر خلال اسبوع واحد مع احدى الجماعات في البلدان حيث لا قيود شرعية على العمل.‏ لهذا السبب كانت الدائرة تتألف عادةً من ست جماعات فقط».‏ ومن خلال هؤلاء الاخوة،‏ بقيت خطوط الاتصال مفتوحة بين الجماعات،‏ التي جرى إطلاعها على آخر الاخبار.‏

حين يُنسى اخذ الحذر

عندما كان العمل يزدهر،‏ كان من السهل النسيان ان شهود يهوه لا يزالون تحت الحظر.‏ ففي حين ان الاخوة الموكل اليهم عمل الاشراف شجَّعوا على اظهار الرزانة في كل النشاطات،‏ لم يقتنع البعض بالاساليب المعتمدة.‏ فقد ارادوا نتائج اسرع.‏

فذات يوم في سنة ١٩٦٣،‏ في احد منتزهات پراڠ،‏ جمع اخَوان حشدا من الناس.‏ ووقف احدهما على مقعد وبدأ يلقي خطابا.‏ وعندما اعترض رجل بين الناس المحتشدين،‏ نعته الاخ بعميل ابليس.‏ فوصلت الشرطة وأمرت الاخوَين بأن يعرِّفا بأنفسهما،‏ لكنَّ الامر لم ينتهِ عند هذا الحد.‏ فقد دفع الحادث الشرطة الى القيام بعملية كبيرة.‏ ففي غضون ايام قليلة،‏ اعتُقل اكثر من ١٠٠ اخ وأخت من پراڠ.‏ وأدى ذلك الى امرَين:‏ محاكمات وتلقين درس للاخوة.‏ فقد حوكم ستة من الذين اعتُقلوا وصدرت قرارات في حقهم.‏

لم تتأثر الخدمة بسبب هذه الحادثة،‏ لكنها ذكّرت الاخوة بأهمية الحكمة العملية.‏ (‏امثال ٣:‏٢١،‏ ٢٢‏،‏ ع‌ج‏)‏ وكان ذلك مهمّا خصوصا في اواخر ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ عندما كثرت الآمال برفع الحظر.‏

حرية العبادة قريبة؟‏

شهدت سنة ١٩٦٨ تغييرات غير متوقعة.‏ فقد تسلم مقاليد الحكم مَن كانوا يدعون بالاشتراكيين الاصلاحيين،‏ وبدأوا يعملون على إحلال الديموقراطية.‏ فرحّب الشعب بهذه التغييرات،‏ وجرى الحديث عن «اشتراكية ذات وجه انساني».‏

وكيف تجاوب شهود يهوه مع هذه التغييرات؟‏ بتحفظ.‏ فمع انهم كانوا يرحّبون بفكرة جعل النظام ليبراليا،‏ راجين رفع الحظر عنهم،‏ تجنبوا اتخاذ خطوات متسرعة قد يندمون عليها لاحقا.‏ وكان ذلك تصرفا حكيما من جهتهم.‏ (‏امثال ٢:‏١٠،‏ ١١؛‏ ٩:‏١٠‏)‏ فبعد ثمانية اشهر من الحرية النسبية،‏ دخلت الاراضي التشيكوسلوڤاكية جيوشُ خمس دول من حلف وارسو.‏ ووضع نحو ٠٠٠‏,٧٥٠ جندي و ٠٠٠‏,٦ دبابة حدًّا ‹للاشتراكية ذات الوجه الانساني›.‏ فخابت آمال الشعب.‏ لكنَّ حياد شهود يهوه خلال «ربيع پراڠ» ساعدهم كثيرا في السنوات اللاحقة لأن السلطات اضطرت الى الاعتراف ان شهود يهوه لا يشكلون خطرا على الحكومة.‏

والمدهش انه بعد هذه الاحداث،‏ سنحت للمواطنين التشيكوسلوڤاكيين الفرصة،‏ وإن لفترة قصيرة،‏ ان يسافروا بحرية الى اوروپا الغربية.‏ وقد استفاد كثيرون من شهود يهوه من هذا الوضع،‏ وخصوصا بسبب محافل «السلام على الارض» الاممية المقررة لتلك السنة.‏ فسافر نحو ٣٠٠ اخ وأخت من كل انحاء تشيكوسلوڤاكيا الى نورمبورڠ،‏ المانيا الغربية،‏ اذ كانت موقع اقرب محفل.‏ فأعطاهم المحفل زخما روحيا شديدا.‏ ولكن لم يمضِ وقت طويل حتى أُغلقت الحدود من جديد.‏

وشهدت اوائل سبعينات الـ‍ ١٩٠٠ بداية فترة دعيت التطبيع السياسي.‏ فالمتعاطفون مع حركة الاصلاح لسنة ١٩٦٨ أُبعدوا بشكل منظَّم عن الحياة السياسية والثقافية.‏ وشمل الامر حوالي ٠٠٠‏,٣٠ شخص.‏ ونحو ربع الضباط في جهاز امن الدولة الذين كانوا مؤيدين للاصلاح خسروا وظائفهم.‏ وصار بعض الناس يقولون ان العصور المظلمة قد عادت.‏

مع ان هذه الفترة كانت مختلفة عن خمسينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ فقد عاد جهاز امن الدولة خلالها الى مراقبة نشاط شهود يهوه عن كثب.‏ وقد سُجن الاخوة في بعض انحاء البلد.‏ لكنّ الشهود لم يكفوا عن الكرازة،‏ انما صاروا يأخذون حذرهم اكثر.‏

‏«ستة آلاف سنة من وجود الانسان»‏

في سنة ١٩٦٩،‏ بدأت مجلة برج المراقبة بالتشيكية تصدر سلسلة من المقالات مؤسسة على كتاب الحياة الابدية —‏ في حرية ابناء اللّٰه.‏ وتضمن الفصل الاول،‏ تحت العنوان الفرعي «ستة آلاف سنة من وجود الانسان هي على وشك الانتهاء»،‏ شرحا لليوبيل بالاضافة الى جدول تواريخ الكتاب المقدس.‏ وأثرت هذه المواد في البعض بشكل ايجابي،‏ ولكنها قادت ايضا الى الكثير من التساؤلات والتخمينات.‏

فبعث المكتب في تشيكوسلوڤاكيا برسالة مؤرخة في ٢٢ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٧٢ الى كل الجماعات.‏ وشرحت الرسالة بالتفصيل لماذا لا ينبغي ان نجزم بأيّ شيء في ما يتعلق بتاريخ ضربة هرمجدون.‏ وأشارت الى ان اية مطبوعة من مطبوعات الجمعية لم تأتِ على ذكر سنة معينة لمجيء هرمجدون.‏ واختُتمت الرسالة بالقول:‏ «شهود يهوه حول العالم يعرفون هذه الحقائق،‏ وينبغي الا يضيف احد اية آراء شخصية بشأن ما سيحدث قبل او خلال سنة ١٩٧٥.‏ فلا اساس في الاسفار المقدسة لأية من هذه الادعاءات التي قد يكون لها تأثير سلبي في عمل الكرازة.‏ لذلك جاهدوا ان ‹تتكلموا جميعا باتفاق،‏ وألا يكون بينكم انقسامات،‏ بل أن تكونوا متحدين في الفكر نفسه والرأي عينه›.‏ (‏١ كورنثوس ١:‏١٠‏)‏ أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعرفهما أحد».‏ —‏ متى ٢٤:‏٣٦‏.‏

احداث حصلت

في شباط (‏فبراير)‏ ١٩٧٥،‏ اعتُقل العديد من الاخوة في عملية قامت بها الشرطة.‏ وحصلت اعتقالات اخرى خلال تلك السنة في انحاء مختلفة من البلد.‏ يقول ستانيسلاف شيمَك،‏ من بيرنو،‏ الذي سبق ان سُجن عدة مرات:‏ «في ٣٠ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٧٥،‏ اعتُقلتُ وفُتِّشَت شقتي ومقر عملي.‏ وصادرت الشرطة خمسة اكياس من المطبوعات.‏ وعلمت لاحقا ان نحو ٢٠٠ عميل في جهاز امن الدولة شاركوا في العملية.‏ ففتشوا ٤٠ بيتا وصادروا نصف طن من المطبوعات.‏ وقد حُكم علينا بالسجن ١٣ او ١٤ شهرا».‏

ولم يكن تفتيش البيوت امرا مطمئنا البتة.‏ فغالبا ما كان النظار يضعون تقارير الجماعة في بيوتهم،‏ وكان من الصعب الابقاء عليها في مكان مخفي جدا.‏ لكنَّ يهوه،‏ اكثر من مرة،‏ اعمى اعين الذين كانوا يريدون إلحاق الاذى بخدامه.‏ يتذكر الاخ مارْجاك،‏ من پَلزِن:‏ «كنت آنذاك ناظر الحقل.‏ وكنت اضع في خزانة،‏ بدرفات زجاجية،‏ ظرفا كبيرا يحتوي على تقارير الخدمة،‏ التبرعات،‏ وقائمة بأسماء جميع الشيوخ والخدام المساعدين.‏ وعندما اقترب الرجال الذين يقومون بالتفتيش من الخزانة،‏ نظرَت اليّ زوجتي وبدأت تتوسل الى يهوه بصمت لكي يساعدنا.‏ فحدّق الرجال عبر الزجاج الى الظرف الرمادي الكبير،‏ ولكنهم لم يروه،‏ كما لو ان اعينهم أُعميت.‏ فشكرنا يهوه من صميم قلبنا على حمايته».‏

في بعض الاحيان كانت تعاملات السلطات مع اخوتنا طريفة بعض الشيء.‏ حصل هذا الاختبار مع ميخال فازيكاش،‏ الذي اعتمد سنة ١٩٣٦ وسُجن عدة مرات:‏ «في سنة ١٩٧٥،‏ صدر حكم آخر في حقي.‏ وهذه المرة بقيت خارج السجن ولكني وُضعت تحت المراقبة.‏ والغريب انه في تلك السنة عينها،‏ الموافقة للذكرى الـ‍ ٣٠ لنهاية الحرب العالمية الثانية،‏ زاد معاش تقاعدي كمكافأة على ‹مساهمتي في إضعاف القوى المسلحة في الرايخ الالماني› لأني أُرسلت الى معسكر اعتقال بسبب حيادي المسيحي».‏

رسم خرائط لمقاطعات الجماعات

في ١ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٧٦،‏ تألفت لجنة بلد من خمسة اعضاء للاهتمام بنشاط شهود يهوه في تشيكوسلوڤاكيا.‏ وشملت ادوارت سوبيتشْكا،‏ أوندرَي كادلِتس،‏ أنطون مورين،‏ ميخال موسْكال،‏ وبوهوميل مولر (‏منسّق)‏.‏

وفي وقت لاحق من تلك السنة،‏ قام اوندرَي كادلِتس سرًّا بزيارة مكتب فرع شهود يهوه في فنلندا.‏ وفي دائرة الخدمة،‏ لاحظ وجود خريطة لفنلندا مقسّمة الى مقاطعات للكوَر والدوائر والجماعات.‏ وفي اجتماع للجنة البلد بعد عودته الى وطنه،‏ اقترح فعل الامر عينه لتشيكوسلوڤاكيا.‏ فأشار الاخ مولر بحزم الى ان خريطة كهذه ستثير الشبهات عند الرسميين الحكوميين وتسبِّب مشاكل لا تُعد ولا تُحصى.‏ يتذكر الاخ كادلِتس:‏ «لم اكن ارغب في اثارة الموضوع من جديد.‏ ولكن بعد شهرين فقط،‏ اثاره الاخ مولر بنفسه».‏ فقد تبيّن بشكل جلي ان هذا الترتيب ضروري.‏ وسرعان ما اشتركت كل الجماعات فيه.‏

ولكن كيف ينبغي ان تُقسَم مقاطعة تشيكوسلوڤاكيا التي تضم ٢٢٠ جماعة موزّعة على ٨ كوَر و ٣٥ دائرة؟‏ عُيِّنت هذه المهمة لِياروسلاڤ بودْني،‏ من پراڠ.‏ يروي:‏ «كان باب المبادرة الشخصية مفتوحا على مصراعيه.‏ وكان رائعا ايضا العمل مع الاخ مولر الدقيق جدا في عمله.‏ وبحماس شديد مع الكثير من الصلوات،‏ استغرقت بكل حواسي في تعييني.‏ وقد تطلب تسجيل آلاف النقاط الحدودية لمقاطعات الجماعات والكثير من الرسم».‏

العمل على تغطية مقاطعات اخرى

بعد التعيين الاول لمقاطعات الجماعات،‏ طُلب من الجماعات ان تهتم بالمناطق غير المعينة اذا كان الامر في مقدورها.‏ وكان من المؤثر رؤية جماعات كثيرة تقبل تعيينات اضافية،‏ وخصوصا الجماعات الواقعة حول اوستراڤا في موراڤيا.‏ فكان على البعض ان يقطعوا مسافة ٢٠٠ كيلومتر ليصلوا الى المقاطعة.‏

وكيف نُظِّم العمل؟‏ كان الاخوة يقضون نهاية اسبوع كاملة في الخدمة،‏ فيغادرون صباح السبت ويعودون مساء الاحد.‏ وكانت السيارات مليئة دائما بالركّاب،‏ وكل ذلك على نفقة الاخوة الخاصة.‏ وكان بإمكان الناشرين ان يقوموا بهذه الرحلة مرة كل اسبوعين.‏

شُجِّع الناشرون ان يتصرفوا كالسيّاح،‏ يتركوا سيارتهم خارج القرية،‏ يسيروا في اتجاه واحد فقط،‏ ثم يبدأوا بمحادثة ودية مع احد الاشخاص،‏ وينتقلوا تدريجيا الى اعطاء شهادة.‏ وفي حال عبّر الشخص عن اعتراضه،‏ يعودون الى الموضوع الاصلي ويختتمونه بطريقة ودية.‏ وطوال عشر سنوات،‏ نادرا ما كانت تنشأ المشاكل.‏

ولبلوغ مقاطعات اخرى،‏ اوصى الشيوخ بفاتحين عُيِّنت لهم هذه المقاطعات لفترة محدودة.‏ وقد طُبِّق الاسلوب المتبع في السنين السابقة،‏ فكانوا يرسَلون عادةً لأسبوع او اكثر.‏ وبين اول الذاهبين من پراڠ اختان:‏ ماري بامباسوڤا وكارلا پاڤْليتشْكوڤا،‏ اللتان خدمتا معا نحو ٣٠ سنة.‏ تتذكر كارلا:‏ «تقاعدت ماري سنة ١٩٧٥.‏ وفي اليوم الثاني من تقاعدها،‏ انطلقنا لنخدم كفاتحتَين في موراڤيا.‏ كانت فترة اضطهاد،‏ لذلك كانت الخدمة خطرة،‏ وخصوصا حيث كنا نخدم،‏ قرب الحدود النمساوية.‏ وقد نبهتنا اخت محلية:‏ ‹لا تأخذا مطبوعات معكما.‏ وإذا ألقى احد القبض عليكما،‏ فقولا انكما تقومان برحلة،‏ ثم غادرا المنطقة ولا تعودا اليّ.‏ وسأرسل لكما متاعكما لاحقا›.‏ لكنَّ يهوه باركنا.‏ وكانت تجربتنا الاولى مع هذا النوع من الخدمة رائعة.‏ فكنا نخدم كفاتحتَين على هذا المنوال كل سنة،‏ وكنا نرسَل دائما الى اماكن مختلفة».‏

في بعض الاحيان كانت رحلات الفاتحين تتعدى حدود البلاد.‏ «يا اخي،‏ هنالك حاجة في بلغاريا!‏ وأنت تجيد الروسية،‏ لذلك انت مؤهل للعمل».‏ هذا ما قيل لأخ من پراڠ في اواخر سبعينات الـ‍ ١٩٠٠.‏ فتطوّع هو وزوجته للسفر الى بلغاريا بانتظام،‏ وأحيانا مرتين في السنة،‏ واستمرا يفعلان ذلك طوال ١٣ سنة.‏

ألم يكن هنالك عمل كافٍ في البلد حتى يضطر الناشرون التشيكوسلوڤاكيون الى السفر الى بلغاريا،‏ حيث الظروف اصعب بكثير؟‏ كان هنالك عمل كثير في تشيكوسلوڤاكيا،‏ ولكن وُجدت ايضا رغبة قوية في تقديم المساعدة حيثما دعت الحاجة.‏

يقول الاخ من پراڠ،‏ الذي شارك في هذا العمل،‏ عن الحقل البلغاري في تلك الايام:‏ «البلغاريون شعب مضياف بطبيعته.‏ وهذا ما قرَّبنا اليهم.‏ وصرنا مع الوقت نفهم موقفهم.‏ فكانوا عموما لا يخبرون احدا بالحق الا اعضاء العائلة.‏ ولم يخطر على بال كثيرين قط ان يتحدثوا الى الناس في الشوارع.‏ وفي احدى المناسبات،‏ عندما عُيِّنتُ لعقد الذِّكرى في صوفيا،‏ استفدت من وجود عدد من الناشرين.‏ وباستخدام الاختبارات والتمثيليات،‏ اظهرنا للناشرين كيف نشهد بطريقة ‹آمنة› اكثر.‏ فكان مهمّا عدم القول:‏ ‹انا ادرس الكتاب المقدس›،‏ بل البدء بمحادثة حول موضوع عام ثم الانتقال تدريجيا الى الكتاب المقدس.‏ فيمكن ان نقول:‏ ‹لقد سمعت ان الكتاب المقدس يقول.‏ .‏ .‏›.‏ وتقبَّل الناشرون هذه الطريقة الجديدة في الخدمة بسرور،‏ وصارت الرسالة عن اللّٰه تتعدى دائرة معارفهم الاحماء».‏

الخدمة الغيورة تزعج الرسميين

لم يغب عن اعين مضطهِدينا تزايد الجهود للكرازة بالبشارة،‏ مع ان اخوتنا كانوا حذرين دائما.‏ وكانت الجماعة في نَيدك،‏ قرب كارلوڤي ڤاري،‏ محط انتباه الرسميين السياسيين والشرطة.‏ يقول يوراي كامينسكي،‏ الذي خدم كناظر جائل طوال سنوات عديدة:‏ «كانوا في احدى الفترات مقتنعين تماما ان العمل في كل البلد يوجَّه من نَيدك.‏ وكثيرا ما تشاور المسؤولون الشيوعيون البارزون ليوقفوا نشاطنا.‏ ففي احدى المرات،‏ جاء خبراء من پراڠ وعُقد مؤتمر في فندق في كارلوڤي ڤاري.‏ وكان بين الحضور مسؤولان حكوميان وممثّلون للوزارات ورجال شرطة.‏ وبلغ مجموع الحاضرين مئتي شخص تقريبا.‏

‏«كان كتاب الحق مع الخطيب على المنصة.‏ وأخذ يصف بإسهاب هيئة شهود يهوه،‏ مشيرا الى دقتهم ومهارتهم في التنظيم.‏ وعندما بلغ ذروة مدحه لشهود يهوه،‏ قال:‏ ‹يجب ان نكون منظمين اكثر لكي لا يفلت زمام الامور من ايدينا!‏›».‏

الاضطهاد بسبب اكرام يسوع المسيح

كان من المستحيل إخفاء تاريخ ذِكرى موت المسيح عن الشرطة الشيوعية.‏ تذكّرنا بوجينا پيتْنيكوڤا،‏ التي كانت تعيش في پراڠ،‏ بإحدى هذه المناسبات:‏ «في تلك الايام،‏ كان الاخوة قليلين في الجماعات،‏ لذلك عقدت الاخوات الاجتماعات في بيوت خاصة.‏ وكان عدد الحضور يبلغ عشرة اشخاص كحد اقصى.‏ وفي سنة ١٩٧٥،‏ كان فريقنا يحتفل بالذِّكرى في مكان لم نعقد فيه اجتماعا من قبل.‏ وبعد نحو ٤٠ دقيقة،‏ قاطعَنا رنين الجرس مع ركل الباب بقوة.‏ واستمرت الضجة،‏ فقامت صاحبة البيت وفتحت الباب.‏ فدخل الغرفة ثلاثة رجال،‏ اثنان في لباس الشرطة وواحد في لباس عادي.‏ وسألني المدنيُّ:‏ ‹ما هذا يا سيدة پيتْنيكوڤا؟‏ لم نكن نتوقع ان نجدك هنا!‏ ماذا تفعلين في هذا المكان؟‏›.‏ فأجبت بهدوء:‏ ‹نحن نحتفل بذِكرى موت يسوع المسيح.‏ تفضّلوا بالجلوس،‏ ودعونا نُنهي الاحتفال›.‏ لكنهم رفضوا طبعا.‏ ثم طلبوا منا بطاقات هويتنا،‏ وأخذوا يستجوبون كل شخص ليعرفوا سبب وجوده هناك.‏ ثم اتى دور اخت مسنة لتُستجوب.‏ فخشيت بعض الشيء مما قد تقوله.‏ لكنَّ جوابها شجَّعنا جميعا.‏ فقد قالت:‏ ‹انا من شهود يهوه،‏ وأنا أُكرم يهوه›.‏ فأجاب الشرطي الذي ادهشته شجاعتها:‏ ‹افرحي لأنك متقدمة جدا في السن›.‏ ثم اجبرونا على مغادرة المكان،‏ وفي مركز الشرطة المحلي،‏ كان عليَّ ان اوقّع اني كنت ادير الذِّكرى».‏

وبعد اثنتي عشرة سنة،‏ اي في سنة ١٩٨٧،‏ اوقف جهاز امن الدولة اخوة كثيرين في بعض انحاء بوهيميا لأسباب تتعلق بالذِّكرى.‏ وكان يهمّهم بشكل خصوصي ان يعرفوا اين تُعقد الذِّكرى ومَن يديرها.‏ وفي احد الاماكن،‏ عند ختام الاحتفال بالذِّكرى،‏ تحققت الشرطة من هوية جميع الحاضرين واعتقلت اخًا واستجوبته.‏ وفي مكان آخر،‏ وُجِّهت الى ثلاث اخوات تهم جنائية،‏ والسبب هو انهن كن يزرن امرأة و«يدرسن مطبوعات تنشرها بدعة دينية محظورة تدعى شهود يهوه».‏

وثمة اخت اخرى،‏ وتدعى ميلوشي پاڤلوڤا،‏ حُكم عليها بالسجن في مدينة پارْدوبيتْسه،‏ لا لأنه أُلقي عليها القبض وهي متلبِّسة بجرم ما،‏ بل بسبب الاشتباه.‏ والسبب الرسمي للحكم هو التالي:‏ «يشير رأي اصحاب الخبرة الى ان المتهَمة كانت تنشر وتنسخ مطبوعات محظورة.‏ وتقر محكمة الاستئناف من جديد القرار الاصلي وتضيف:‏ ‹لقد صدر الحكم في حقها لتكون رادعا لنفسها ولغيرها ايضا›».‏

تزويد الطعام الروحي

خلال حِقبة الحكم الشيوعي،‏ كان تزويد مطبوعات الكتاب المقدس للدرس يجري بحذر كبير.‏ ولم يكن الشاهد العادي يعرف كيف تُترجَم المطبوعات وتُطبَع وتُوزَّع.‏ والمترجمون والمصحِّحون،‏ بالاضافة الى العاملين في الطباعة والتجليد،‏ لم يكونوا معروفين بشكل علني.‏

كان المترجم يطبع بالتشيكية مقالة من برج المراقبة على الآلة الكاتبة،‏ ثم يسلّمها الى المصحِّح،‏ ولا يعود يراها الى ان تُدرس في اجتماعات الجماعة.‏ وكان كل شيء،‏ بما في ذلك الكتب والكراسات،‏ يُترجَم بهذه الطريقة.‏ لكنَّ نوعية الترجمة كانت جيدة نسبيا.‏ أما مجلة استيقظ!‏ فلم تكن تترجَم في ذلك الوقت.‏

حتى هيئات الشيوخ لم تكن تعلم مَن في جماعاتها يشترك في عمل الترجمة.‏ وفي بعض الاحيان،‏ وبسبب وجود عمل اضافي في الترجمة،‏ كانت ساعات هؤلاء الاخوة في خدمة الحقل تنخفض،‏ فيحاول الشيوخ مساعدتهم ظانين انهم ربما يبردون روحيا.‏ لكنَّ المترجمين والمصحِّحين ما كانوا ليكشفوا ما يفعلونه.‏

وفي ظل هذه الظروف الصعبة للغاية،‏ بوشر أهم مشروع.‏ فقد نُقل الكتاب المقدس —‏ ترجمة العالم الجديد بكامله الى التشيكية.‏ وبين سنتَي ١٩٨٢ و ١٩٨٦ طُبع وجُلِّد ايضا في خمسة اجزاء داخل تشيكوسلوڤاكيا،‏ وأُعطيت نسخة واحدة لكل عائلة من الشهود.‏ وكان العمل جاريا ايضا لإنتاج ترجمة العالم الجديد بالسلوڤاكية،‏ لكنها لم تكتمل الا في وقت لاحق.‏

كيف كانت المطبوعات تُطبع

في خمسينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ بذل الاخوة الذين لم يكونوا في السجن جهدا كبيرا ليتأكدوا ان اخوتهم وأخواتهم المسيحيين يحصلون على الطعام الروحي.‏ وبعد فرض الحظر واعتقال الاخوة المسؤولين،‏ مرَّت فترة كانت فيها عدة جماعات تشترك في نسخة واحدة من برج المراقبة.‏ لكنَّ الوضع تحسَّن تدريجيا.‏ فعلى مر الوقت،‏ صارت كل جماعة تحصل على نسخة واحدة،‏ وبعد ذلك كل عائلة.‏ وكان الناشرون يدوّنون ملاحظات باليد.‏ فلم تكن عندهم آلات كاتبة.‏

يروي يوراي كامينسكي،‏ من جماعة نَيدك،‏ حالة نموذوجية واجهت الاخوة.‏ يقول:‏ «تمكن الاخوة اخيرا من الحصول على آلة كاتبة،‏ لكنها كانت قديمة.‏ فقد رأوا الرجل الذي اشتروها منه يحفر حفرة في الارض ليُخرجها.‏ وتمكنوا لاحقا من شراء آلات جديدة وتجهيزات لتكبير الصور».‏

كان عدد من الاشخاص يشتركون في انتاج المطبوعات.‏ وتعلّمت اخوات كثيرات،‏ بعضهن تجاوزن سن الـ‍ ٧٠،‏ الطبع على الآلة الكاتبة.‏ حتى ان الاخوة تمكنوا من تهريب المطبوعات الى السجون.‏ فقد بدأوا في سنة ١٩٥٨ ينتجون نسخا مصوَّرة ومصغَّرة من برج المراقبة.‏ وكان يمكن اخفاء ثلاث من هذه النسخ في صابونة او في معجون اسنان وإرسالها الى الاخوة في السجن.‏ ثم كانوا يصنعون نسخا مكتوبة باليد ويتلفون النسخ الاصلية.‏

في سنة ١٩٧٢،‏ دُعي هربرت ادامي الى المساعدة على انتاج المطبوعات.‏ وعُيِّن منسّقا لإنتاج المطبوعات في كل تشيكوسلوڤاكيا.‏ يتذكر قائلا:‏ «في البداية كان مئات الناشرين في الجماعات ينتجون المطبوعات يدويا.‏ وفي النهاية،‏ قبيل سقوط النظام الشيوعي،‏ صار عندنا مجمَّع من المطابع السرية العصرية والحسنة التجهيزات،‏ والتي كان بإمكانها انتاج مطبوعات اكثر بكثير من حاجتنا في ذلك الوقت».‏

ويقول الاخ ادامي عن الوقت الذي فيه استعملوا اول آلة ناسخة:‏ «كانت المطبعة بكاملها تُنقل نحو اربع مرات في السنة الى مكان محدَّد مسبقا يصعب اكتشافه.‏ وخلال احدى ‹العمليات›،‏ طبع الفريق وجمع وجلّد وشحن نحو ٠٠٠‏,١٢ كتاب.‏ ودامت عملية اخرى اسبوعا تقريبا.‏ وكان على العاملين ان يستيقظوا في الساعة الرابعة صباحا وغالبا ما كانوا يأوون الى فراشهم بعد منتصف الليل.‏ وعند انتهاء احدى العمليات،‏ كنت آخذ رزم المطبوعات الى اقرب محطة قطار،‏ وأسلّمها هناك الى ساعٍ ينقلها في بعض الاحيان مسافة ٦٠٠ كيلومتر».‏

على مر الوقت،‏ وفي مراكز الانتاج التي بناها الاخوة بأنفسهم،‏ بدأوا يصنعون سرًّا آلات نسخ خاصة.‏ وصنعوا ما مجموعه ١٦٠ آلة مُنح بعضها للاخوة في رومانيا.‏

وفي ثمانينات الـ‍١٩٠٠،‏ بدأ الاخوة في تشيكوسلوڤاكيا باستعمال طباعة الأوفست التي حسَّنت كثيرا نوعية عملهم.‏ ولبلوغ هذا الهدف،‏ صنعوا آلاتهم الخاصة لطباعة الأوفست.‏ وفي غضون سنة ونصف،‏ كانوا قد صنعوا ١١ آلة منها،‏ وكانت لها ملقِّمات ورق دوّارة يُتحكم فيها الكترونيا.‏ وكان بإمكان طابعة واحدة ان تنتج ٠٠٠‏,١١ ورقة مطبوعة جيدة النوعية كل ساعة.‏

مداهمة مطبعتَين في پراڠ

في اواخر سنة ١٩٨٦،‏ تمكن جهاز امن الدولة من تحديد مكان اثنتين من مطابعنا وإغلاقهما.‏ وبعد مداهمة احداهما،‏ ظهر تقرير في نشرة داخلية تصدرها وزارة الداخلية.‏ وحصل الشهود على نسخة من شرطي صديق.‏ وقد احتوى التقرير اولا على الدعاية المألوفة التي تسعى الى ربط الشهود بحركات سياسية اجنبية.‏ ثم تحدث عن تفاصيل العملية التي قامت بها الشرطة وأتى على ذكر الاحكام القضائية في حق الشهود.‏ واختُتم بهذا الاعتراف المدهش:‏ «يتصرف اليهوَهيّون بشكل لبق جدا نحو الذين ليسوا منهم.‏ وهم مستعدون لتقديم يد العون،‏ ويعملون باجتهاد،‏ ولكنهم لا يتجاوزون هذا الحد.‏ فهم لا يرغبون في الانضمام الى ‹ألوية العمل الاشتراكية› وما شابه.‏ ولم يحصل ان وُجد احد اليهوَهيّين يسرق او يدخن او يسيء استعمال الكحول او المخدِّرات.‏.‏ .‏ .‏ ولم يسبق ان حوكم ايٌّ منهم بسبب ارتكابه جنحة اخلاقية او جريمة تمس حقوق الملكية.‏ ويجاهد اعضاء هذه البدعة ليتكلموا بالصدق.‏ وهم لا يفشون ابدا اسماء الآخرين،‏ بل يشيرون اليهم بكلمة ‹اخ› و‹اخت›.‏ ويتحدثون دائما عن انفسهم فقط،‏ وإذا جرى استدعاؤهم ليعطوا معلومات محددة،‏ يلزمون الصمت،‏ ليس فقط عندما يكونون متَّهَمين بل ايضا عندما يُستدعون للشهادة».‏

طبعا،‏ لم يوقف اغلاق مطبعة او اثنتين عمل المناداة بملكوت اللّٰه.‏ وقد شهدت سنة ١٩٨٧ زيادة اضافية اذ بلغ عدد الناشرين في الاراضي التشيكية ذروة جديدة من ٨٧٠‏,٩ ناشرا.‏ وكمعدل،‏ شارك ٦٩٩ شخصا في خدمة الفتح الاضافي او القانوني.‏

هل كان التسجيل الشرعي ممكنا؟‏

في سنة ١٩٧٢،‏ عندما صُنع تدبير عالمي يقضي بأن تشرف هيئة شيوخ على نشاطات كل جماعة لشهود يهوه،‏ طُبق الترتيب نفسه في تشيكوسلوڤاكيا.‏ وفي سنة ١٩٧٦،‏ عُيِّنت لجنة بلد من خمسة اعضاء للاهتمام بنشاط شهود يهوه في البلد.‏

ولكن لم يكن شهود يهوه مسجّلين شرعيا،‏ ولا توجد اية جمعية مسجَّلة تهتم بالمعاملات الضرورية،‏ ولم يكن لديهم مكتب في تشيكوسلوڤاكيا يشرف على عملهم.‏ لذلك اشتُري في آذار (‏مارس)‏ ١٩٧٩ بناء غير مكتمل من ثلاثة طوابق في پراڠ باسم اثنين من الشهود.‏ وتشكلت مجموعات من ١٠ الى ١٢ متطوعا للعمل في البيت في نوبات يبلغ طول كل منها اسبوعا واحدا.‏ حتى ان البعض اتوا الى پراڠ من اقصاء سلوڤاكيا.‏ وفي غضون ستة اشهر،‏ صار من الممكن شغل المسكن،‏ وبعد سنة أصبح الجزء الذي سيكون المكتب جاهزا.‏ وبقي البناء مناسبا ليكون مكتبا حتى ربيع سنة ١٩٩٤.‏

في اواخر سبعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ بدا انه يمكن البدء بالمفاوضات من اجل اجراء تسجيل شرعي.‏ وهكذا سُلِّمت في ١ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٧٩ رسالة الى امانة سر الشؤون الدينية لدى اللجنة التنفيذية الدائمة لجمهورية تشيكوسلوڤاكيا الاشتراكية.‏ جاء في الرسالة:‏ «اسمحوا لنا من فضلكم بإجراء مقابلة تتعلق بفريق ديني يُعرف باسم شهود يهوه.‏ ونود ان نُعلِمكم برغبة بعض الافراد،‏ الذين يشغلون مراكز مسؤولية ضمن هيئة شهود يهوه،‏ في مناقشتكم حول معالجة مسألة العلاقات المتبادلة بين هذا الفريق الديني ونظام القوانين الحالي في جمهورية تشيكوسلوڤاكيا الاشتراكية».‏

وجاء الجواب بعد سنة تقريبا،‏ وجرت المناقشات في ٢٢ نيسان ‏(‏ابريل)‏ ١٩٨٠.‏ وبعد ذلك،‏ قُدِّم طلب الى وزارة الداخلية من اجل تسجيل جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس.‏ وتضمن الطلب،‏ بالاضافة الى ميثاق الجمعية،‏ تصريحا من ١٣ نقطة مدروسة.‏ وجاء في النقطة الخامسة:‏

‏«اذا اعترفت الدولة بشهود يهوه،‏ فإن جماعات بكاملها ستعقد اجتماعاتها في اماكن مخصصة لهذا القصد.‏ ولن تُقسم الجماعات الى فرق صغيرة.‏ وسيدير الاجتماعات اشخاص اكفاء،‏ وسيمنح ذلك جمعية برج المراقبة اشرافا افضل على جماعاتها.‏ وستطّلع سلطات الدولة بشكل افضل على نشاطات جماعات شهود يهوه.‏ وبإمكان ممثِّلي الدولة،‏ إن رغبوا،‏ ان يزوروا الاجتماعات العامة ليتأكدوا ان هذه التجمعات مفيدة وغير مؤذية».‏

ولكن لم يُتلقَّ ايّ جواب.‏

امن الدولة يشن حملة استجوابات

في سنة ١٩٨٥،‏ كان هنالك اضطراب في اجواء النظام السياسي.‏ فقد كان هنالك حذر من ايّ شيء يمكن ان يهدِّد استقراره.‏ وبسبب ذلك كثر استجواب الاخوة.‏ وحصل الكثير من هذه الاستجوابات في پراڠ.‏ ووُجِّه الى اخوة عديدين ما دعي تحذير رئيس الشرطة.‏ وعنى ذلك وضعهم تحت المراقبة المستمرة.‏

خلال تلك السنة،‏ تلقت الجماعات خمس رسائل من مكتب شهود يهوه في پراڠ،‏ وتضمنت تشجيعا لطيفا،‏ وانما ثابتا،‏ على اتِّباع المبدإ في فيلبي ٤:‏٥‏:‏ «ليُعرف تعقلكم عند جميع الناس».‏

اقتراح مثير للاهتمام من امن الدولة

بعد ذلك،‏ في اوائل سنة ١٩٨٨،‏ اقترح جهاز امن الدولة ان يرتب الاخوة المسؤولون المحليون لزيارة يقوم بها ممثّل من مركز الجمعية العالمي،‏ وذلك من اجل اجراء محادثات غير رسمية مع بعض الرسميين من وزارة الداخلية الاتحادية.‏ وكانت على جدول الاعمال مناقشة «بعض اوجه علاقاتنا.‏ .‏ .‏،‏ تمهيدا لحوار مستقبلي ممكن مع رسميي الدولة المخوَّلين».‏ وكانت هذه نقطة تحول مهمة!‏

قبل انتهاء الترتيبات لعقد هذا الاجتماع،‏ عُقد محفل «العدل الالهي» الكوري في ڤيينا،‏ النمسا.‏ وبعِلم من السلطات،‏ حضرته مجموعة كبيرة نسبيا من الشهود الذين اتوا من تشيكوسلوڤاكيا.‏

وفي هذا الوقت،‏ تقدَّمت التحضيرات تدريجيا لعقد المناقشات بين اعضاء من مستخدَمي مركز الجمعية الرئيسي وبين مسؤولين بارزين من وزارة الداخلية.‏ وأخيرا عُقد اجتماع بين الطرفَين في صباح ٢٠ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٨٨ في قاعة المؤتمرات في فوروم اوتيل في پراڠ.‏ ومثَّل الجمعية مِلتون هنشل وثيودور جارس من الهيئة الحاكمة وڤيلي پول من الفرع في المانيا.‏ لكنَّ الاخوَين من الهيئة الحاكمة لم يعلّقا آمالا كبيرة على الامر.‏ وكانا يعرفان ان الصبر والوقت ضروريان.‏ على اية حال،‏ كانت هذه خطوة كبيرة نحو الامام.‏ ولا شك ان هذا الاجتماع كان عاملا بارزا في ما حصل بعد سنة.‏

كان قد رُتِّب لعقد محافل اممية كبيرة في ثلاث مدن في پولندا.‏ وأراد شهود يهوه في تشيكوسلوڤاكيا ان يحضروها.‏ فنوقشت المسألة مع رسميي امن الدولة.‏ وكم فرح الاخوة عندما مُنحت الموافقة على ذهاب ٠٠٠‏,١٠ شخص منهم الى پولندا!‏ وكان العدد يمثّل اكثر من نصف شهود يهوه في تشيكوسلوڤاكيا آنذاك.‏ وخاف البعض عندما طلبت وزارة الداخلية قائمة بأسماء جميع الذين سيذهبون.‏ لكنَّ الذين ذهبوا تقوّوا كثيرا جدا ببرنامج المحفل الذي ركز على محور «التعبد التقوي»،‏ بالروح الحماسية عند المحتفلين،‏ وبالضيافة الرائعة التي اعرب عنها الشهود الپولنديون.‏

الاستمرار في التركيز على عملنا المعيَّن من اللّٰه

في وقت لاحق من تلك السنة،‏ حدثت في ١٧ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٨٩ انتفاضة طلابية في پراڠ.‏ فتحرك النظام الشيوعي بطريقة عنيفة،‏ وأرسل وحدات خاصة من الشرطة لتفريق المتظاهرين في نارودني تريدا (‏الجادّة الوطنية)‏ في پراڠ.‏ وأدى ذلك الى حركة احتجاج سلمية تلقائية ضد الحكومة الشيوعية.‏ ودعي ذلك لاحقا «الثورة المخملية».‏ أما بالنسبة الى شهود يهوه فقد تطلب هذا الوضع التزام حذر خصوصي لأن الناس حسّاسون حيال هذا الموضوع وليس سهلا المحافظة على الحياد المسيحي.‏

وفي ٢٢ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٨٩،‏ بعث مكتبنا في پراڠ رسالة الى كل الجماعات في تشيكوسلوڤاكيا.‏ وهذا بعض ما جاء فيها:‏ «كم هو جميل ان نجد الاخوة يركزون على عملهم التبشيري،‏ غير سامحين لأيّ شيء ان يلهيهم.‏ .‏ .‏ .‏ ونحن نقدّر كثيرا النشاط الجيد والفطنة عند اخوتنا وأخواتنا الاعزاء.‏ فخدمتهم ونتائجها تشهد على ان يهوه هو مع شهوده في هذا البلد ايضا.‏ ونحن نعتز بذلك ونصلّي الى يهوه اللّٰه كي نبقى حائزين رضاه.‏ تأكدوا من محبتنا واقبلوا تحياتنا الاخوية».‏ وفي سنة الخدمة التي كانت قد انتهت قبيل ذلك،‏ بلغت ذروة عدد الناشرين في الاراضي التشيكية ٣٩٤‏,١١ شخصا —‏ زيادة جيدة اخرى.‏

بحلول نهاية سنة ١٩٨٩،‏ تشكلت في تشيكوسلوڤاكيا حكومة جديدة.‏ فسعت لجنة البلد على الفور الى ايجاد طرائق لجعل وضع شهود يهوه شرعيا.‏ فقام بعض اعضائها بزيارة اللجنة التنفيذية الدائمة،‏ وصدرت عن الزيارة وثيقة كانت بالغة الاهمية في ذلك الوقت.‏ تذكر هذه الوثيقة،‏ التي وقّعها احد الرسميين المسؤولين:‏

‏«على اساس البلاغ الذي اعدّته اللجنة التمهيدية لكنيسة شهود يهوه،‏ نقر انه ابتداء من ١ كانون الثاني [يناير] ١٩٩٠،‏ ستجّدد هذه الكنيسة نشاطها الذي أوقفه النظام الفاشي سنة ١٩٣٩ وحُظر ثانيةً في ٤ نيسان [ابريل] ١٩٤٩».‏ وكانت هذه الوثيقة احدى الخطوات الاولى نحو التسجيل الشرعي.‏

طريق التسجيل الطويلة

مع ان الحكومة اعترفت بتجديد نشاطات «كنيسة شهود يهوه»،‏ استغرق تسجيل الجمعية شرعيا في الجمهورية التشيكية نحو اربع سنوات من الجهود الدؤوبة.‏

في ١٢ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٠،‏ جرى التقدُّم بطلب رسمي لتسجيل الجمعية الدينية لشهود يهوه الى وزارة الثقافة في الجمهورية التشيكية.‏ وكانت جميع الاجراءات تتم بالتعاون اللصيق مع الهيئة الحاكمة وقسم القضايا القانونية في المركز الرئيسي ومحامين محليين.‏ وفي ١ و ٢ آذار (‏مارس)‏،‏ زار الاخ هنشل پراڠ.‏ وقام بزيارة مكتب رئيس الوزراء ووزارة الثقافة برفقة الاخوَين مورين وسوبيتشْكا.‏ وكان القصد من الزيارتين إقامة وزن لطلبنا التسجيل العاجل.‏ ولكن لم يؤدِّ الامر الى اية نتائج ملموسة لأن قوانين التسجيل الجديدة لم تكن قد صدرت بعد.‏ وبعد ذلك جرّبنا امورا كثيرة،‏ بما فيها العرائض والتحدث الى رئيس الوزراء.‏

وفي ١٩ آذار (‏مارس)‏ ١٩٩٢،‏ أُقر قانون يتعلق بتسجيل الكنائس الجديدة والجمعيات الدينية.‏ وجاء فيه ان اجراءات التسجيل لا تبدأ الا اذا رافق طلب الجمعية الدينية توقيع ٠٠٠‏,١٠ شخص من مناصريها الراشدين.‏ (‏ان ما يُعرف بالاديان التقليدية التي كانت تعمل بشكل شرعي طوال قرون تحت النظام الشيوعي تسجَّلت تلقائيا.‏)‏ لذلك أُعلم شهود يهوه انه يجب التقدم بطلب من جديد،‏ مع تزويد جميع المعطيات اللازمة.‏ وبعد ذلك،‏ في ١ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٣،‏ وخلال الاجراءات التمهيدية للتسجيل،‏ حدث تغيّر آخر عندما انقسمت تشيكوسلوڤاكيا الى بلدَين:‏ الجمهورية التشيكية والجمهورية السلوڤاكية.‏ ولكن اخيرا،‏ يوم الاربعاء في ١ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٩٣،‏ تلقّت وكالة الانباء التشيكية هذا الخبر:‏

‏«اليوم،‏ في ١ ايلول [سبتمبر] ١٩٩٣،‏ في الساعة العاشرة قبل الظهر،‏ سُلِّم ممثلو الجمعية الدينية لشهود يهوه وثائق التسجيل في وزارة الثقافة في الجمهورية التشيكية.‏ فشكر ممثلو شهود يهوه رسميي الوزارة وأعلموهم انهم لن يطلبوا ايّ دعم مالي للمنفعة الشخصية ولا اية مساعدة مالية مباشرة من الدولة.‏ ويسري مفعول التسجيل ابتداء من اليوم».‏

وقد اوردت الصحف هذا الخبر المهم.‏ وفيما مرّ بعضها عليه مرور الكرام،‏ ذكرت صحف اخرى في عناوينها الرئيسية:‏ «اليهوَهيون حصلوا على ما كانوا بانتظاره» و «شهود يهوه دين معترف به».‏ وهل وسم ذلك نهاية اضطهاد شهود يهوه في الجمهورية التشيكية؟‏ كلا على الاطلاق!‏

ففي غضون ايام قليلة،‏ بدأت حملة تهجُّمات قاسية عبر وسائل الاعلام.‏ وكان المميز فيها ان اكبر حرية هجوم على شهود يهوه اتت من الصحافة الدينية.‏ فقد احتوت مقالات منحازة على اسئلة طُرحت على الشهود خلال عملية التسجيل،‏ وأُضيفت اليها تخمينات الكتّاب حول الاجوبة المقدَّمة.‏ ومن ناحية،‏ قيل ان الناطقين باسم الجمعية يخدعون الناس حين يقولون ان الشهود ليسوا مجبَرين على الايمان بأمور معينة او ممارستها.‏ ومن ناحية اخرى،‏ ادُّعي ان اجوبتهم هي خيانة لمبادئ الهيئة.‏

وسمت هذه الحملة المعادية بداية حقبة جديدة،‏ ليس حقبة السجن الوحشي،‏ بل حقبة السخرية من شهود يهوه.‏ لقد كانت مرحلة ترتب فيها على كل شاهد ليهوه ان يقف في وجه نوع آخر من التهجُّمات على ايمانه وولائه ليهوه اللّٰه وهيئته.‏

العمل بإيمان

لم ينتظر شهود يهوه التسجيل الشرعي ليبدأوا بعقد اجتماعات عامة —‏ حتى محافل كبيرة —‏ داخل تشيكوسلوڤاكيا.‏ فكانوا قد اشعروا رسميي الحكومة بأنهم سيجددون نشاطهم العلني في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٠.‏ وفي ذلك الشهر أُعدّ برنامج خصوصي لكل الجماعات.‏ فقد تناول المحور المتناسب مع تلك الفترة:‏ «استفيدوا بإطاعة الوصايا الالهية».‏ وكان ذلك من حيث الاساس محفلا دائريا لمدة ساعتين.‏ وكانت الاجتماعات متوسطة الحجم،‏ ولكن اسُتخدمت قاعات مستأجرة.‏ والتقت جماعة او اثنتان في كل موقع.‏ وتبع ذلك محافل دائرية اكبر في الربيع.‏

سارت الامور على ما يرام في هذه المحافل،‏ لذلك صُنعت الترتيبات لعقد محفل كوري —‏ محفل محلي يدوم اربعة ايام —‏ في پراڠ خلال صيف تلك السنة.‏ واستؤجر مدرّج أڤْجن روشيتسْكي في پراڠ لهذه المناسبة،‏ وشارك في البرنامج عضوان من الهيئة الحاكمة،‏ الاخَوان هنشل وجارس.‏ وكانت ذروة الحضور ٨٧٦‏,٢٣،‏ واعتمد ٨٢٤‏,١.‏ لقد كان المحفل انتصارا ساحقا للعبادة الحقة.‏ وكانت الاجواء مشابهة جدا للمحافل الپولندية التي عُقدت في السنة السابقة،‏ انما هذه المرة في الموطن وبالتشيكية والسلوڤاكية!‏ وظهرت علامات التأثر الشديد خلال هذه المناسبة في ابتسامات الفرح ودموع التقدير القلبي.‏

طوال ٤٠ سنة كان يُهمس بكلمتي «شهود يهوه» همسا فقط بين الناس في تشيكوسلوڤاكيا.‏ وقد سرت اشاعات لا تصدَّق عن هذا الفريق الذي غالبا ما أُشير اليه بعبارة «بدعة غير شرعية».‏ أما اليوم فقد صار بإمكان الجميع،‏ بمن فيهم الصحافيون،‏ ان يلقوا نظرة عن كثب على الشهود.‏ فتقارير الصحافة حول المحفل كانت عموما مؤاتية.‏ وقد عبَّرت عن دهشتها حيال ما فعله الشهود بالمدرَّج قبل محفلهم.‏ فقد عملوا طوال شهرين،‏ وتطوع نحو ٥٠٠‏,٩ شخص قضوا ٠٠٠‏,٥٨ ساعة ينظفونه جيدا ويصلحون المقاعد ويدخلون التحسينات على شبكة المجارير ويكلِّسون المدرَّج بكامله.‏ وثمة مراسل من الصحيفة اليومية ڤتْشرني پراها (‏صحيفة پراڠ المسائية)‏ تعجب عندما رأى الوجوه المبتسمة،‏ الخليط المنسجم من الناس الآتين من كل انحاء تشيكوسلوڤاكيا وبلدان اخرى،‏ وكلامهم المهذب.‏

وفي تلك السنة حدث امر مهم آخر.‏ ففي ٣٠ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩٠،‏ دُشِّنت قاعة ملكوت جماعة بيخينْيِه،‏ الاولى في البلد.‏

كل ذلك مهّد الطريق لحدث آخر،‏ حدث مدهش فعلا.‏

محفل لا يُنسى

صُنعت الترتيبات لعقد محفل اممي لشهود يهوه في پراڠ من ٩ الى ١١ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩١.‏ وكانت الخطوة الاولى استئجار المدرَّج.‏ ايّ واحد؟‏ مدرَّج سپارتاكياد في پراڠ،‏ احد اكبر المدرَّجات في العالم.‏ وبما ان شهود يهوه لم يكونوا مسجَّلين شرعيا بعدُ في تشيكوسلوڤاكيا،‏ قام أنطون مورين،‏ الذي كان آنذاك منسق لجنة البلد،‏ باستئجار المدرَّج كله بصورة شخصية.‏ وكان ذلك عملا شجاعا.‏ وهو دليل على ثقة كبيرة بيهوه،‏ وقد بارك يهوه هذه الخطوة.‏

أُلقيت على عاتق قسم المنامة مهمة ضخمة،‏ وعُيِّنت للوبومير مولر مسؤولية الاشراف.‏ وكان الاخوة من الهيئة الحاكمة يعون جيدا اهمية تأمين اماكن جيدة للنوم.‏ لهذا السبب قام الاخَوان هنشل وجارس شخصيا بجولة تفقُّد للفنادق المقترحة في كل انحاء پراڠ.‏ ودخلا غرف الفنادق،‏ حتى انهما جرّبا الاسرّة.‏ وقالا انه يستحيل القبول بالفنادق التي لها حمّامات ومراحيض مشتركة في رواقها.‏ ولماذا؟‏ اوضح الاخ هنشل:‏ «انها كافية في الاحوال العادية لأن الضيوف يأتون ويذهبون في اوقات مختلفة.‏ لكنَّ مندوبي المحفل يغادرون ويعودون عموما في الوقت نفسه.‏ فهل يمكنكم تخيُّل ما سيحدث امام الحمّامات؟‏ لا يمكن ان نفعل هذا بإخوتنا».‏ وكان المنظِّمون المحليون يتلقون تدريبا جيدا عندما يرون اعضاء الهيئة الحاكمة يهتمون اهتماما شخصيا براحة كل مندوب.‏

بلغت ذروة الحضور في هذا المحفل الاممي،‏ «محبو الحرية الالهية»،‏ ٥٨٧‏,٧٤ شخصا.‏ ومن هؤلاء كان ١١٩‏,٢٩ من تشيكوسلوڤاكيا و ٧١٦‏,٢٦ من المانيا و ٨٩٥‏,١٢ من پولندا.‏ وأتى المندوبون الباقون الـ‍ ٨٥٧‏,٥ من ٣٦ بلدا آخر.‏ وكان من الرائع مشاهدة معمودية ٣٣٧‏,٢ شخصا جديدا شملوا ٧٦٠‏,١ من تشيكوسلوڤاكيا و ٤٨٠ من المانيا و ٩٧ من پولندا.‏

ولا شك ان ذروة المحفل بكامله كانت يوم السبت في ١٠ آب (‏اغسطس)‏.‏ فبطريقة عفوية،‏ دوّت عاصفة من التصفيق في الجزء التشيكوسلوڤاكي بأسره،‏ وقد استمرت دون توقف طوال عشر دقائق!‏ وكانت الوجوه تشعّ فرحا.‏ فما سبب كل ذلك؟‏ في ختام احدى المحاضرات التي ألقاها ألبرت شرودر،‏ عضو في الهيئة الحاكمة،‏ قدّم في البداية للحضور كتابا جديدا بالانكليزية —‏ الامر الذي خيَّب الآمال بعض الشيء.‏ لكنه عاد وفاجأهم بإعلانه اصدار الطبعتَين الجديدتَين من الكتاب المقدس —‏ ترجمة العالم الجديد باللغتين التشيكية والسلوڤاكية (‏مجلد واحد من كل لغة)‏!‏ فانهمرت دموع الفرح على وجوه كثيرين في المحفل.‏

ترك المحفل اثرا عميقا في قلوب المندوبين.‏ وماذا عن الصحافة؟‏ كالعادة،‏ كان بعض التقارير منحازا والبعض الآخر ايجابيا.‏ فيوم الاثنين،‏ في ١٢ آب (‏اغسطس)‏،‏ وتحت العنوان «مدرَّج ستراهوف كان مكتظًّا»،‏ ذكرت صحيفة الريف،‏ يومية الريف التشيكي والموراڤي-‏السيليزي:‏

‏«من الجمعة الى الاحد،‏ عقد شهود يهوه محفلا امميا في پراڠ،‏ وحضره ٠٠٠‏,٧٥ مندوب من كل انحاء اوروپا وأميركا واليابان.‏ ان شهود يهوه موجودون في تشيكوسلوڤاكيا منذ سنة ١٩١٢.‏ ومندوبو شهود يهوه مميَّزون بمراعاتهم لمشاعر الغير وانضباطهم.‏ وكان المحفل نفسه منظما ومعدًّا جيدا.‏ ورغم انهمار الامطار خلال المعمودية يوم السبت،‏ فقد بقي الحضور في اماكنهم ورحّبوا بالاعضاء الجدد بتصفيق مطول».‏

كل ذلك حدث رغم ان سنتين مرّتا قبل ان يتحقق التسجيل الشرعي.‏

الوقت للتوسع

مع ان الاجراءات القانونية كانت تسير ببطء،‏ كانت حاجات الهيئة الثيوقراطية تزيد مع تزايد نشاطها في هذا البلد.‏ وكان الاخوة،‏ منذ سنة ١٩٨٠،‏ يستعملون بناء من ثلاثة طوابق في پراڠ كمكتب مركزي،‏ بمساحة محدودة للسكن.‏ وعندما صار العمل يجري بشكل علني اكثر في سنة ١٩٩٠،‏ قاموا بتجديد هذا البناء.‏ فأُلغيت الشقق،‏ وتحوَّل البناء بكامله الى مكاتب.‏ ولكن ايّ نوع من المكاتب؟‏ كانت الغرف الكبيرة تُقسم بواسطة جدران خشبية الى مساحات عمل اصغر.‏ ولم تكن لتُستعمل فقط كمكاتب بل ايضا كغرف نوم للعاملين،‏ وهكذا كانت اسرّتهم بالقرب من مكاتب عملهم.‏ ولكن لزمت مساحة اكبر.‏

في ربيع سنة ١٩٩٣،‏ وُهبت الجمعية بناءً جديدا من عشرة طوابق في پراڠ لتستعمله في ترويج تعليم الكتاب المقدس.‏ وشارك متطوعون من كل انحاء البلد في عملية تجديده.‏ وفي ٢٨ و ٢٩ ايار (‏مايو)‏ ١٩٩٤،‏ أُجري برنامج التدشين.‏ ودعي اليه عشرات الاشخاص من شهود يهوه الذين حافظوا لسنوات طويلة على ولائهم ليهوه تحت النظام الشيوعي.‏ وشارك في البرنامج الاخ ألبرت شرودر من الهيئة الحاكمة،‏ وأتى ايضا اشخاص من المانيا،‏ اوكرانيا،‏ ايطاليا،‏ بريطانيا،‏ پولندا،‏ الدانمارك،‏ سلوڤاكيا،‏ سويسرا،‏ النمسا،‏ هولندا،‏ والولايات المتحدة.‏

عندما انقسمت تشيكوسلوڤاكيا الى بلدَين مختلفَين سنة ١٩٩٣،‏ كانت لا تزال لجنة بلد واحدة تخدم البلدَين،‏ وذلك تحت اشراف فرع النمسا.‏ لكنَّ الاوضاع في كلا البلدَين تغيرت.‏ فعُيِّنت في السنة التالية لجنة بلد لكل من هذين البلدَين.‏ وبعد ذلك،‏ في ١ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٩٥،‏ أُنشئ مكتب فرع في الجمهورية التشيكية.‏ وعيّنت الهيئة الحاكمة يان ڠلوكْسَيْليڠ،‏ ادوارت سوبيتشْكا،‏ أوندرَي كادلِتس،‏ يارومير لينيتْشيك،‏ ولوبومير مولر ليخدموا في لجنة الفرع.‏ وعُيِّن لوبومير مولر لاحقا في خدمة خصوصية في روسيا،‏ فعُيِّن پيتر جيتْنيك عضوا جديدا في مكتب الفرع في الجمهورية التشيكية.‏

قاعات ملكوت على طريقة «البناء السريع»‏

كانت جماعات شهود يهوه بحاجة الى مكان تجتمع فيه.‏ وليس من السهل ايجاد اماكن ملائمة لاجتماعات كهذه في الجمهورية التشيكية.‏ فكثيرون من اصحاب القاعات يرفضون تأجير شهود يهوه.‏ والسبب يعود جزئيا الى الدعاية المضلِّلة،‏ القديمة والحديثة،‏ ضد الشهود.‏ لذلك تبحث جماعات كثيرة عن فرص لبناء قاعة خاصة او اصلاح بناء قديم.‏ وبين كل الوسائل التي اعتُمدت لتشييد ابنية جديدة،‏ تبيَّن ان طريقة البناء السريع عملية اكثر من غيرها.‏ وفي ٢٠ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٩٣،‏ دُشِّنت اول قاعة ملكوت في الجمهورية التشيكية بُنيت بهذه الطريقة.‏ وبُنيت القاعة في بلدة سيزيموڤو اوسْتي وتستعملها جماعتان محليتان.‏

واستمر عدد قاعات الملكوت في الازدياد.‏ ففي شهر ايار (‏مايو)‏ ١٩٩٩،‏ كانت ٢٤٢ جماعة في كل انحاء البلد تستعمل ٨٤ قاعة ملكوت يملكها الشهود انفسهم.‏ ويدرك الاخوة والاخوات في الجمهورية التشيكية انه لولا الدعم المالي من الرفقاء الذين يخدمون يهوه في بلدان اخرى،‏ لَما تمكنوا من بناء هذا العدد من قاعات الملكوت الجميلة.‏ وقد تأثرت قلوب الاخوة التشيكيين كثيرا بسخاء معشر اخوتنا العالمي.‏ وهم يرغبون بشدة في شكر اخوتهم في البلدان الاخرى وكذلك شكر يهوه،‏ الذي يبث روحا كهذه في قلوب خدامه والذي اوجد هذه الهيئة الرائعة.‏ —‏ ٢ كورنثوس ٨:‏١٣-‏١٥‏.‏

الفخاخ الخفية للحرية

لقد مرّ وقت طويل على الفرحة التي عمّت بسقوط الشيوعية سنة ١٩٨٩،‏ وظهرت مشاكل جديدة كثيرة.‏ فمن ناحية،‏ صار العمل الشاق يتيح الفرصة لاكتساب ثروة،‏ الامر الذي لم يكن معروفا من قبل.‏ ومن ناحية اخرى،‏ نشأ عدم الاستقرار الاجتماعي،‏ الزيادة السريعة في معدل الجرائم،‏ التضخم،‏ وغيرها من العوامل السلبية التي تؤثر في العلاقات البشرية.‏ وارتفاع مستوى المعيشة يشجع على المادية والمنافسة والحسد.‏ فكثيرون من سكان المدن يملكون بيتا صغيرا في الريف،‏ ويحبون قضاء وقتهم هناك.‏ ويزداد عدد الاشخاص الذين يسافرون الى الخارج في عطل مكلفة.‏ كذلك جلبت الديموقراطية الجديدة معها حرية انتقاد ايّ شيء في ايّ وقت.‏ ومهّدت السبيل لترويج انماط الحياة الفاسدة ادبيا.‏ ففي ظل الحكم الشيوعي،‏ لم يكن هنالك مجال للتفكير في هذه الامور.‏ وقد فوجئ الناس بهذا الوضع الجديد الذي لم يكونوا مستعدين له،‏ حتى ان البعض سُحقوا.‏

وكان لهذه الروح تأثيرها ايضا في بعض شهود يهوه.‏ فقد كفّ عدد منهم عن خدمة يهوه لأنهم غرقوا في نمط حياة مادي،‏ علّقوا اهمية مفرطة على النشاطات الاجتماعية،‏ ابتعدوا عن مقياس الكتاب المقدس السامي للزواج،‏ او صاروا انتقاديين لكل شيء،‏ بما في ذلك ترتيبات يهوه الثيوقراطية.‏ واختار البعض البقاء مع الهيئة،‏ ولكنهم حاولوا اعادة تكييف الجماعات لتتلاءم مع تفكيرهم الخاص.‏ وقد سبَّب ذلك طبعا بعض التوتر الى ان عالج النظار الاولياء الوضع.‏

ان الذين يجاهدون ليخدموا اللّٰه في الجمهورية التشيكية اليوم يجدون انفسهم محاطين بمجتمع ملحد متأثر بالتطور،‏ مجتمع يعتبر الدين تقليدا سخيفا او فلسفة غريبة.‏ وهنالك وسائل اعلامية عدائية تهاجم شهود يهوه باستمرار.‏ ويشكّل ذلك امتحانا للايمان،‏ كالامتحانات القاسية التي جرت مواجهتها اثناء المحن في السجون النازية والشيوعية وعند اعتماد الاساليب الخدّاعة.‏ والغالبية العظمى من شهود يهوه يثبتون بالايمان في وجه هذه الامتحانات.‏

رغم الموقف السائد من المسائل الدينية،‏ صدر قرار قضائي بارز في المحكمة الدستورية التشيكية في ربيع سنة ١٩٩٩.‏ ذكرت مقالة في الصحيفة التشيكية ليدوڤي نوڤيني (‏يومية الشعب)‏،‏ عدد ١١ آذار (‏مارس)‏ ١٩٩٩:‏ «المنطق السليم يمتد من بيرنو»،‏ وهي موقع المحكمة الدستورية.‏ فقد حكمت المحكمة ان المعترض على الخدمة العسكرية بسبب الضمير لا يحاكَم مرتين بسبب رفضه الخدمة.‏ وكان ذلك سببا لراحة عدد كبير من شهود يهوه.‏ وقد اعتُبرت نتيجة هذه القضية على نطاق واسع خدمة جُلّى يقدمها شهود يهوه للنظام القضائي التشيكي.‏

مدفوعون بالمحبة

يستمر شهود يهوه في الجمهورية التشيكية في إخبار قريبهم ببشارة الملكوت.‏ ويريدون ان يساعدوا اشخاصا اكثر على معرفة الهنا المحب،‏ يهوه،‏ وتقدير التدابير الرائعة التي هيَّأها لكل من يمارسون الايمان.‏ ولكن ليتمكن الشهود من بلوغهم،‏ غالبا ما يضطرون الى مواجهة شعور سائد بين الناس —‏ شعور متأثر بالافتراءات المتكررة —‏ بأن شهود يهوه «بدعة خطرة».‏ وقد يضطرون ايضا الى مواجهة شعور الاشمئزاز من الدين ككل،‏ الناتج عن عقود من العيش في ظل حكم إلحادي.‏ فهل ينجحون في مسعاهم؟‏

من الجدير بالملاحظة انه عندما اجتمع شهود يهوه الـ‍ ٠٥٤‏,١٦ آنذاك في جماعاتهم الـ‍ ٢٤٢ للاحتفال بذكرى موت يسوع المسيح سنة ١٩٩٩،‏ انضم اليهم آلاف آخرون.‏ فقد كان مجموع الحضور ٤٣٥‏,٣١.‏

يريد شهود يهوه ان يساعدوا كل واحد من هؤلاء على النجاح في الركض باحتمال في السباق المسيحي.‏ وفيما يكرزون للناس،‏ يحاولون ايضا ان يساعدوا واحدهم الآخر على البقاء ثابتين في الايمان.‏ ويعرفون جيدا ان يسوع قال في معرض وصفه للأحداث التي تجري في ايامنا:‏ «باحتمالكم تقتنون نفوسكم».‏ (‏لوقا ٢١:‏١٩‏)‏ وقد اوحي الى الرسول بطرس ان يكتب:‏ «نهاية كل شيء قد اقتربت.‏ فكونوا ذوي رزانة،‏ وتيقظوا للصلوات.‏ وقبل كل شيء،‏ لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة».‏ (‏١ بطرس ٤:‏٧،‏ ٨‏)‏ وتستمر هذه المحبة في دفعهم الى إخبار الآخرين بحقائق الكتاب المقدس الثمينة وإلى البقاء معا في وحدة مسيحية لا تنثلم.‏

‏[النبذة في الصفحة ١٦٥]‏

‏«لم اندم قط على بقائي.‏ وعلى مر الوقت ادركت ان مكاني هو هنا»‏

‏[النبذة في الصفحة ١٦٨]‏

‏«‹اذا اردتم ان تقتلوا واحدا من كل عشرة منا،‏ فاقتلونا جميعا!‏›.‏ فصُعق المعسكر بأسره»‏

‏[النبذة في الصفحة ١٨٤]‏

‏«استهزأوا بنا وأهانونا،‏ لكنهم في قرارة نفسهم كانوا يحترموننا»‏

‏[النبذة في الصفحة ١٨٧]‏

‏«لم تكن تحمل اية اشارة الى المسايرة،‏ بل الى التعقل المسيحي!‏»‏

‏[الخريطة في الصفحة ١٥٠]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسق في المطبوعة)‏

المانيا

پولندا

سلوڤاكيا

النمسا

الجمهورية التشيكية

بوهيميا

پراڠ

ليديتْسه

كلادنو

كارلوڤي ڤاري

موست

تپليس

ليبيريتس

موراڤيا

بيرنو

سيليزيا

‏[صورة تغطي كامل الصفحة ١٤٨]‏

‏[الصورة في الصفحة ١٥٣]‏

الاخ ايرلر،‏ من درسدِن

‏[الصور في الصفحة ١٥٥]‏

عرضَ اوتو استلمان «رواية الخلق المصوَّرة» في كل انحاء البلد

‏[الصورة في الصفحة ١٥٧]‏

بوهوميل مولر

‏[الصورة في الصفحة ١٦٧]‏

تعلمت بوجينا ڤودْراجْكوڤا الحق في معسكر اعتقال

‏[الصور في الصفحة ١٦٩]‏

فرانْتيشك شنايدر وألويس ميتْشك،‏ كلاهما سُجنا في معسكر الاعتقال في ماوتهاوزن

‏[الصورة في الصفحة ١٧٣]‏

كثيرون اجتمعوا لحضور الخطابات العامة بعد الحرب العالمية الثانية

‏[الصورتان في الصفحة ١٧٥]‏

عائلة بيت ايل ومكتب الفرع بعد الحرب العالمية الثانية

‏[الصورة في الصفحة ١٧٨]‏

الاجتماع في الغابة سنة ١٩٤٩

‏[الصورة في الصفحة ١٨٥]‏

العطل ضمن مجموعات اتاحت فرصا للبناء الروحي

‏[الصورة في الصفحة ١٩٤]‏

يارومير لينيتْشيك،‏ عضو في لجنة الفرع،‏ غيور في الخدمة منذ حداثته

‏[الصورتان في الصفحة ٢٠٧]‏

مِلتون هنشل وثيودور جارس عملا مع غيرهما على انجاز التسجيل الشرعي

‏[الصورة في الصفحة ٢١٠]‏

مندوبون تشيكيون في محفل پولندا سنة ١٩٨٩

‏[الصور في الصفحة ٢١٦]‏

المحفل الاممي في پراڠ سنة ١٩٩١ كان حدثا رائعا

‏[الصورة في الصفحة ٢١٨]‏

فريق الترجمة التشيكي

‏[الصورة في الصفحة ٢٢٣]‏

مكتب الفرع في پراڠ

‏[الصورة في الصفحة ٢٢٣]‏

الى الاسفل:‏ لجنة الفرع (‏من اليسار الى اليمين)‏:‏ يان ڠلوكْسَيْليڠ،‏ يارومير لينيتْشيك،‏ اوندرَي كادلِتس،‏ پيتر جيتْنيك،‏ وادوارت سوبيتشْكا