الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

مدغشقر

مدغشقر

مدغشقر

في بعض الاحيان تدعى مدغشقر،‏ الواقعة قبالة الساحل الشرقي لإفريقيا،‏ «الجزيرة الحمراء الكبيرة».‏ وهي فعلا كبيرة،‏ لأنها رابع اكبر جزيرة على الارض،‏ ولون تربتها احمر.‏

ثمة عالِم فرنسي دعا مدغشقر «ارض الموعد عند علماء الطبيعة» بسبب غنى وتنوُّع الحياة النباتية والحيوانية فيها.‏ فنحو ٨٠ في المئة من الـ‍ ٠٠٠‏,١٠ نوع من النباتات المزهرة في هذه الجزيرة لا يوجد في ايّ مكان آخر على وجه الارض.‏ وهنالك نحو ٠٠٠‏,١ ضرب من السحلبيَّات وحدها،‏ ويُنتَج من احدها مادة رئيسية في صادرات البلد:‏ الڤانيليا.‏ وتعج الجزيرة ايضا بحيوانات مدهشة،‏ منها الليمور الحلقي الذيل والحرباء ذات الذيل الممسِك والاقدام التي تقبض بها على الاشياء كما تفعل الايدي.‏ وجميع انواع البرمائيات والزواحف الـ‍ ٤٠٠ الموجودة في هذه الجزيرة،‏ ما عدا ١٢،‏ ليست موجودة في ايّ موقع آخر.‏

لكنَّ اكثر ما يجذب خدام يهوه هو الشعب.‏ فسكان مدغشقر يزيدون على الـ‍ ٠٠٠‏,٠٠٠‏,١٤ نسمة،‏ وهم يؤلفون نحو ٢٠ مجموعة عرقية.‏ يملك سكان الهضاب في وسط الجزيرة ملامح آسيوية،‏ ببشرة فاتحة اللون وشعر اسود املس.‏ ويُعتقد انهم اتوا اصلا مما يُعرف اليوم بإندونيسيا.‏ أما سكان الساحل فيبدو عليهم اصل افريقي-‏عربي.‏ ويُنتِج خليطٌ من هذه الملامح شعبا يبدو اصغر من عمره؛‏ فكثيرا ما يبدو الوالدون شبانا في سن اولادهم المراهقين.‏

ان معدل الولادات بين المدغشقريين هو بين المعدلات الاعلى في العالم،‏ ويجني ٨٠ في المئة من الشعب رزقهم من الزراعة.‏ ويؤثر ذلك سلبا على «ارض الموعد» هذه.‏ فأكثر من نصف غابات مدغشقر الوافرة النمو في الماضي إما أُزيل كليا او تضرّر بشدة.‏

رغم ذلك،‏ لا تزال مدغشقر «ارض موعد» مزدهرة.‏ بأيّ معنى؟‏ بمعنى انها غنية بأناس مفعمين بالتقدير لهم قلوب ينمو فيها بذار حق الملكوت.‏ وكثيرون هم شاكرون على سماع البشارة التي تنادي بأن يهوه «قد ملك».‏ ويسرّهم ان يعرفوا ان حكمه سينجز للجنس البشري ما تعجز كل حكومة بشرية عن انجازه.‏ —‏ مزمور ٩٧:‏١‏.‏

ومَن هم الاشخاص الذين ساعدوا حقا سكان هذه الجزيرة الكبيرة على ادراك ما يعنيه حكم يهوه؟‏ مع ان نحو ٤٠ في المئة من السكان ينتمون الى كنائس العالم المسيحي،‏ فقد فشل مرسَلوها في غرس طريقة الحياة المسيحية في قلوب المدغشقريين.‏ قال ذات مرة شخص مدغشقري:‏ «اسمح لي بأن اقول لك شيئا يا سيّد.‏ المسيحية عندنا نحن المدغشقريين مجرد طعم لُقِّحنا به.‏ فلا يوجد انسان مدغشقري،‏ ولا ايّ واحد،‏ حتى بين المتطوِّرين [المتأثرين بالثقافة الاوروپية]،‏ يفكر في تشييد بيت الا بعد استشارة العرّاف،‏ وذلك ليخبره ايّ يوم هو الافضل للبدء بالبناء.‏ فالمعتقدات القديمة لم تمت».‏ ولا تزال الذبائح الحيوانية تقدَّم في المرتفعات وعلى رؤوس الجبال.‏ وعبادة الاسلاف شائعة جدا،‏ وللاطباء السحرة سيطرة كبيرة على الشعب.‏ ويبدو ان الحياة اليومية عند الفرد تتأثر بالاموات اكثر منها بالاحياء.‏

اسم اللّٰه الشخصي معروف جدا

مع ان مرسَلي العالم المسيحي لم ينجحوا في مساعدة الناس على عيش حياة مسيحية،‏ فقد عرَّفوهم الى حد ما باسم يهوه من خلال ترجماتهم للكتاب المقدس.‏ ففي سنة ١٨٣٠ صدر «العهد الجديد»،‏ وبحلول سنة ١٨٣٥ كان الكتاب المقدس بكامله متوفرا بالمالغاشية (‏لغة مدغشقر)‏،‏ وهكذا يكون الكتاب المقدس المالغاشي احدى اقدم الترجمات باللغات المحلية في افريقيا.‏ وتستعمل الترجمة الپروتستانتية للكتاب المقدس المالغاشي اسم يهوه حتى في الاسفار اليونانية المسيحية،‏ وتستعمل الترجمة الكاثوليكية الصيغة «إياڤه» في الاسفار العبرانية.‏ (‏مزمور ٨٣:‏١٧،‏ ١٩‏؛‏ متى ٤:‏٧،‏ ١٠‏)‏ ونتيجةً لذلك يُستعمل الاسم يهوه تكرارا في الحياة اليومية.‏ فإذا كنتم تنتقلون بواسطة سيارة اجرة محلية،‏ فقد ترون آيات من الكتاب المقدس،‏ مثل ‹يهوه راعيَّ›،‏ معروضة بالمالغاشية.‏ (‏مزمور ٢٣:‏١‏)‏ وقد ترون ايضا الاسم الالهي ضمن آية من الكتاب المقدس مطبوعة على قطعة قماش كبيرة تدعى «لامْبا» تلبسها النساء.‏

ولكن مَن هم الذين ساعدوا الناس هنا،‏ ليس فقط على معرفة اسم اللّٰه،‏ بل ايضا على الاعتراف بيهوه سيّدا لحياتهم؟‏

البشارة تبلغ «الجزيرة الحمراء الكبيرة»‏

في سنة ١٩٢٥ بدأ تلاميذ الكتاب المقدس،‏ كما كان شهود يهوه يُعرفون آنذاك،‏ يساعدون الناس في مدغشقر على فهم كلمة اللّٰه.‏ وفي ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٣٣،‏ تلقّت الجزيرة شهادة اوسع ايضا.‏ فقد وصل رجلان شجاعان ذوا غيرة ارسالية،‏ وهما روبرت نيزبِت وبيرت مَكْلَكي،‏ الى مدينة تواماسينا الساحلية من جنوب افريقيا عن طريق موريشيوس.‏ وكانا يكرزان ببشارة ملكوت اللّٰه.‏ وبما ان عدد شهود يهوه في افريقيا كان محدودا في تلك الايام،‏ فقد حاولا إخبار اكبر عدد ممكن من الاشخاص ببشارة الملكوت في وقت قصير.‏ يتذكر روبرت نيزبِت:‏ «نفدت منا مطبوعاتنا الفرنسية بسرعة.‏ كنا فقط نقدّم شهادة الملكوت،‏ نوزّع المطبوعات،‏ ثم ننتقل الى مقاطعة اخرى غير مخدومة».‏

وبعد تغطية تواماسينا،‏ توجّه الاخَوان نيزبِت ومَكْلَكي نحو الداخل وقصدا العاصمة تاناناريڤ.‏ تاناناريڤ هو الاسم الفرنسي الذي يُطلق على أنتاناناريڤو التي تعني «مدينة الالف».‏ وقصة هذا الاسم هي ان الملك أندرياندزاكا طوَّق المدينة بمعسكر من الف رجل لحمايتها عندما اعلن هذه المدينة عاصمة مملكته سنة ١٦٠٧.‏ يقول بيرت مَكْلَكي عن انطباعاته عند رؤية العاصمة:‏ «كانت تاناناريڤ على شكل نعل فرس،‏ وكانت محطة السكة الحديدية تقع عند الطرف المفتوح من التل المتقوِّس.‏ أما المركز التجاري الرئيسي فكان يقع داخل ‹نعل الفرس›،‏ محاطا بالمنطقة السكنية.‏ وكانت هنالك دون مبالغة مئات الادراج في منحدر التل تمكّن السكان من الوصول الى بيوتهم».‏

وكيف كان تجاوب الناس في العاصمة؟‏ يذكر روبرت نيزبِت:‏ «كانوا يأخذون المطبوعات الفرنسية على الفور،‏ وقد اشترك البعض في مجلة العصر الذهبي (‏الآن استيقظ!‏‏)‏ بالفرنسية.‏ ولأن كثيرين طرحوا اسئلة،‏ عدنا لرؤية عدد منهم ومتابعة المناقشة».‏ وقال نيزبِت متذكرا اختباراتهما:‏ «أُعجبنا كثيرا بسكان البلد الاذكياء».‏

لكنَّ الاخَوَين واجهتهما مشكلة التحدث الى الناس،‏ لأن قليلين جدا يفهمون الانكليزية.‏ ومع ذلك حاولا بلوغ اكبر عدد ممكن من الناس الى ان نفد مخزون المطبوعات معهما.‏ ورغم انه لم يتأسس فريق او جماعة خلال زيارتهما التي دامت شهرا،‏ فقد صرفا ١٨٥ ساعة يخبران الناس عن يهوه،‏ ووزَّعا ٢١٤ كتابا و٨٢٨ كراسا،‏ وحصلا على ٢١ اشتراكا.‏ لقد زُرع بذار الملكوت،‏ لكنه لم يكن ليلقى الاهتمام الكافي للنمو والازدهار قبل مرور ٢٢ سنة.‏

مدغشقر تعتنق الحق

في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٥٥،‏ وعلى اثر محفل «الملكوت الظافر» في پاريس،‏ وصل من فرنسا الى تاناناريڤ فاتحان خصوصيان عن طريق مدينة تواماسينا الساحلية.‏ وعندما ترجّلا من القطار،‏ وقفا برهة امام المحطة.‏ وأخذا ينظران حواليهما،‏ فرأيا «نعل الفرس» وآلاف البيوت القائمة في منحدر التل كما لو انها رفوف مثبّتة في حائط.‏ فقال آدام ليسياك،‏ وهو عامل سابق في منجم فحم ومن اصل پولندي،‏ لشريكه ادوار مارلو:‏ «انظر يا ادوار،‏ هذه كلها مقاطعتنا!‏».‏ فأجاب ادوار:‏ «ماذا نفعل هنا يا آدام؟‏ فالناس هنا مثقَّفون،‏ ونحن لسنا كذلك.‏ فما العمل يا آدام؟‏».‏ لكنهما انجزا الكثير في هذه الجزيرة.‏

في ذلك الوقت كانت مدغشقر مستعمرة فرنسية.‏ وبما ان مجلة برج المراقبة كانت محظورة في فرنسا وفي المقاطعات الفرنسية،‏ فقد اخذا يعرضان مجلة استيقظ!‏ بالفرنسية،‏ التي لم يكن الحصول عليها ممكنا الا بواسطة اشتراك.‏ وفي الاشهر الستة الاولى،‏ حصلا على ٠٤٧‏,١ اشتراكا.‏ وكان الاخ ليسياك يروي كيف ان نسخة من استيقظ!‏ صارت اوراقها مجعّدة وتستحيل قراءتها من فرط ما استُخدمت كعيِّنة.‏ ومع ذلك،‏ استمرا يحصلان على الاشتراكات بمجرد اظهار هذه الاوراق المجعّدة.‏

لم يضيِّع الاخَوان ليسياك ومارلو الوقت،‏ بل خدما المقاطعة وعقدا دروسا بيتية في الكتاب المقدس.‏ وبعد فترة قصيرة سمحت مدرسة ابتدائية للشاهدَين باستعمال غرفة صفّها دون مقابل لعقد اجتماعاتهما.‏ وكانت المقاعد خشبية،‏ وكل شيء على قياس الاولاد الصغار،‏ الامر الذي لم يكن مريحا للراشدين.‏ ومع ذلك لم يتذمر احد.‏

بعد ستة اشهر قدّم اول ناشر مدغشقري،‏ وهو رابياسي نويل،‏ تقريره لخدمة الحقل.‏ وبعد ذلك انضم ناشرون آخرون الى عمل خدمة الحقل.‏ وفي نهاية سنة الخدمة ١٩٥٦،‏ قدّمت مجموعة من ثمانية اشخاص طلبا لتشكيل جماعة تاناناريڤ لشهود يهوه.‏ (‏ستلاحظون ان الاسم الاول يَظهر آخِرا حسب اللغة المالغاشية.‏)‏

كانت رازانابُوانْڠي نَرسيس،‏ وهي شابة مدغشقرية،‏ بين اوائل الذين اظهروا الاهتمام في مدغشقر.‏ ففي سنة ١٩٥٦،‏ لاحظت نَرسيس ان رجلَين يمرّان دائما امام المتجر حيث تعمل.‏ وفي احد الايام،‏ دخل احدهما المتجر واشترى شرائح من لحم الخنزير.‏ وبعدما غادر،‏ كان جميع العاملين هناك يمسكون نشرة صغيرة بالمالغاشية تحمل العنوان:‏ الحياة في عالم جديد.‏ تقول نَرسيس:‏ «لم اكن مهتمة بالرسالة.‏ لكنَّ امي،‏ التي كانت تعرف انني احب المطالعة،‏ اشتركت في مجلة استيقظ!‏ بالفرنسية ووافقت على عقد درس في الكتاب المقدس معي،‏ حتى دون ان تسألني».‏ فبدأت نَرسيس تدرس مع الشهود،‏ انما على امل ان يدَعوها وشأنها عندما يجدون انها غير مهتمة حقا.‏ لكنها صارت مهتمة اكثر مما ظنت في البداية.‏ وعندما درست ما يقوله الكتاب المقدس عن النفس وفهمت ان عبادة الاسلاف خطأ،‏ ادركت انها كانت تتعلم الحق.‏

وبحلول سنة ١٩٥٩ كانت رازانابُوانْڠي نَرسيس مستعدة لترمز الى انتذارها ليهوه بمعمودية الماء.‏ ثم انخرطت في الخدمة كامل الوقت.‏ وتزوجت لاحقا ادوار مارلو.‏ وكخادمة كامل الوقت،‏ رسمت في خدمتها مثالا حسنا في المواظبة.‏

كانت أنتاناناريڤو مقاطعة الاخ ليسياك حتى نهاية خدمته الخصوصية في مدغشقر،‏ وكان يعقد زيارات ودروسا في كل مكان.‏ وكان اناس كثيرون يعرفونه على انه ذاك الـ‍ ڤازا (‏الابيض)‏ الذي لا شعر له.‏ وغالبا ما كان اصحاب البيوت يضعون يدهم على رأسهم ليقولوا ان آدام كان هنا.‏ يتذكر راساوونا جيرڤيه،‏ اخ في جماعة فرنسية في أنتاناناريڤو:‏ «كان الاخ آدام صبورا جدا ومثابرا.‏ فعندما كنت ادرس،‏ كنت اطلب من الآخرين ان يخبروه بأني لست في البيت،‏ لكنَّ آدام كان يعود.‏ ومن البداية دعاني الى حضور الاجتماعات،‏ وهذا ما فعلتُه.‏ لقد كان امينا لهيئة يهوه وعلّمني تنمية نفس الروح».‏

في سنة ١٩٧٠ أُعيد تعيين الاخَوَين ليسياك ومارلو في جزيرة ريونيون الفرنسية المجاورة.‏ وبعد ذلك عاد الاخ ليسياك الى فرنسا حيث مات في مرسيليا في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٨٨.‏ أما ادوار مارلو فلا يزال في ريونيون مع عائلته.‏

مزيد من الفاتحين يساعدون على تقدّم العمل

لقد أُنجز الكثير لإبقاء رسالة الملكوت في متناول سكان مدغشقر.‏ ففي سنة ١٩٥٧ وصل من فرنسا زوجان هما انطوان وجيلبرت برانكا،‏ وبعد ذلك خدما في أنتاناناريڤو.‏ كانت جيلبرت خريجة الصف الـ‍ ٢٤ لمدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس،‏ وحضر زوجها ايضا مدرسة جلعاد لاحقا.‏ وبعدما وُلدت ابنتهما آنا سنة ١٩٦١،‏ بقيا هناك في تعيينهما.‏ وللمساعدة على تقدّم العمل،‏ انتقلت ايضا الى مدغشقر سيمون بركْلا،‏ التي كانت جيلبرت قد درست معها في سويسرا.‏

وفي سنة ١٩٦٠،‏ اتى الى مدغشقر من فرنسا ايضا فاتحان خصوصيان آخران هما فلوران وهنرييت شابو،‏ وبدأا يخدمان في دييڠو-‏سُوارِز (‏تدعى اليوم أنتسيرانانا)‏ في شمالي مدغشقر.‏ يتذكر الاخ شابو:‏ «في تلك الايام،‏ عندما كان الفاتحون يتركون اوطانهم وعائلاتهم ليذهبوا الى بلدان بعيدة،‏ كان كثيرون منهم يعتقدون انهم لن يعودوا قبل هرمجدون،‏ ولذلك كانوا يودّعون عائلاتهم الوداع الاخير.‏ وهذا تماما ما شعرنا به».‏

ثمة رجل درس معه الاخ شابو كان قد تعرَّف الى الحق عندما كان يشتري السكّر.‏ فإن رجلا صينيا صاحب مؤسسة تجارية اشترك في استيقظ!‏ وصار يستعمل صفحاتها ليلفّ بضائعه.‏ فهل كانت المجلة تذهب سدًى؟‏ حدث ذات مرة ان راتْسيمْبازافي شارل اشترى سكّرا من عند الرجل.‏ وكان السكّر موضوعا في ورقة ملفوفة على شكل مخروط ومأخوذة من الصفحة الاخيرة لإحدى المجلات.‏ فقرأ شارل اعلانا عن كتاب ‏«هذه هي الحياة الابدية»،‏ وكتب الى فرع فرنسا ليحصل عليه.‏ وفي غضون ذلك التقاه الاخ شابو،‏ فأعطاه الكتاب وبدأ معه بدرس في الكتاب المقدس.‏ فأحرز تقدُّما سريعا وبدأ يحضر الاجتماعات.‏

ولكن كان على شارل ان يصحّح وضعه العائلي.‏ فقد كان منفصلا عن زوجته ويعيش مع اخرى،‏ وكان له اولاد من الاخيرة.‏ وليكون مؤهلا للمعمودية المسيحية،‏ لزم ان يتزوج حسب القانون.‏ (‏عبرانيين ١٣:‏٤‏)‏ ومع انه بدأ بالمعاملات القانونية سنة ١٩٦٠،‏ لم تنتهِ اوراقه الا سنة ١٩٦٧.‏ ولكن في ذلك الوقت،‏ التهمت النار دار البلدية في دييڠو-‏سُوارِز وأُتلفت وثائق شارل الشخصية.‏ (‏جامعة ٩:‏١١‏)‏ فاضطر الى اجراء المعاملات من جديد،‏ لكنَّ الامر لم يستغرق هذه المرة سوى فترة سنة.‏ وقد تأثر المسؤولون الحكوميون جدا بتصميمه على العيش وفق المقاييس الالهية.‏ وأخيرا صار مؤهلا ليصبح ناشرا للملكوت ويعتمد!‏ واعتمدت زوجته ايضا.‏ وخدم شارل كشيخ في دييڠو-‏سُوارِز وفي أنتاناناريڤو.‏

صعوبات في اللغة

في سنة ١٩٦١ وصل لاڤال وإيرين كاربونّو الى مدغشقر كمرسَلَين،‏ وقد كانا في العمل الدائري في الجزء الناطق بالفرنسية من كندا.‏ وانتقلا ليعيشا في شقة في الطابق الارضي لبيت على الطراز المدغشقري:‏ غرفة نوم صغيرة،‏ غرفة طعام صغيرة،‏ مطبخ صغير،‏ حمّام صغير فيه ماء بارد،‏ وشرفة صغيرة مغلقة.‏ يتذكر الاخ كاربونّو:‏ «حصلنا،‏ مجانا مع البيت،‏ على الجرذان والفئران والصراصير.‏ حتى ان زوجتي صارت تعرف احد الجرذان من ذنبه المقطوع نصفه.‏ وكانت كلما التقته تناديه:‏ ‹يا سمو الامير›،‏ وتطلب منه بلباقة ان يمر».‏

كان لاڤال يتكلم الفرنسية وزوجته تتعلمها،‏ وهذا ما مكّنهما من التحدث الى الناس.‏ ولكن لم تكن الحال كذلك مع رايمو وڤيرا كوُوكانِن اللذين اتيا من فنلندا في آخر كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٦٢.‏ ولم يكن صعبا معرفتهما من بين المسافرين عندما نزلا من الطائرة.‏ فبما انهما غادرا فنلندا وسط فصل الشتاء البارد،‏ كانا يلبسان قبعة من فرو وثيابا مدفئة سميكة اخرى.‏ فلزم دون شك ان يغيِّرا ما عندهما من ملابس في هذا الحر المداري.‏ كان رايمو يتكلم الانكليزية ولكن لا يعرف الفرنسية.‏ ولم تكن ڤيرا تتكلم اللغتين.‏ فاستخدمت إيرين كاربونّو اللغة الانكليزية لتعلّمهما الفرنسية،‏ وهكذا لزم ان يترجم رايمو لزوجته كل شيء من الانكليزية الى الفنلندية.‏ ولكن بما ان ڤيرا تلقت كل تعليمها الدراسي بالسويدية،‏ لزم ان يُشرح لها بالسويدية بعض الامور المتعلقة بقواعد اللغة.‏ ومن الجيد ان رايمو كان يعرف بعض السويدية.‏ هل تبدو العملية معقدة؟‏ لقد كانت كذلك.‏ ولكن بعد شهرين تقريبا،‏ بدأت الامور تتحسن.‏ وصارا يعرفان بعض الكلمات الفرنسية.‏ ولكن حتى بعدما صارا ماهرين في التكلم بالفرنسية،‏ لزم ان يتعلما المالغاشية.‏

وبعد سنوات قليلة،‏ عندما لم يعد هنالك مَن يعلّم الاخ كوُوكانِن اللغة،‏ وجد نفسه يترجم كلمات مالكوم ڤيڠو،‏ ناظر اقليم جائل،‏ بالفرنسية.‏ ولا يزال الاخ كوُوكانِن يتذكر انه عندما اقتُبست الآية في لوقا ٩:‏٦٢‏،‏ لم يعرف ما هي الكلمة الفرنسية التي تقابل «المحراث».‏ وعندما حاول ان يصفه،‏ اتَّسعت اعين حضورهما دهشةً لأن وصفه لم يكن يتلاءم مع الطريقة التي تُحرث بها الارض في مدغشقر،‏ حيث تُستخدم الثيران الدَّربانية.‏ وفي مناسبة اخرى،‏ عندما كان يحاول القول بالفرنسية ان الاخوة في ملاوي كانوا يعقدون اجتماعاتهم تحت شجرة منڠا،‏ قال ان الجماعة كلها على الشجرة.‏ وكان عليه ان يتعلم ان يضحك مع الذين لم يستطيعوا منع انفسهم من الضحك.‏

وفي نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٦٢ وصل من الولايات المتحدة مرسَلان آخران هما سامويل (‏سام)‏ وثلما ڠيلمان.‏ ويتذكر سام المشاكل التي واجهها عند التحدث الى الناس.‏ «فيما كنا نستقر ببيتنا الجديد،‏ لزمنا انبوب طويل لنستعمله في الخزائن.‏ لذلك ذهبت مع الاخ كوُوكانِن الى محل خردوات لنشتري انبوبا بطول ستة امتار.‏ وكان معنا قاموس صغير،‏ فاستعملنا الكلمة الموجودة فيه.‏ ولكن تخيلوا النظرات على وجوه الموجودين في المحل عندما فهموا منا اننا نريد غليونا طوله ستة امتار!‏».‏

زيارات من المركز الرئيسي

بمساعدة الخدام القادمين من خارج البلاد،‏ زاد في مدغشقر عدد المنادين بأن يهوه «قد ملك».‏ فقد شهدت سنة الخدمة ١٩٥٩ ذروة من ٤١ ناشرا.‏ وفي تلك السنة قام ن.‏ ه‍.‏ نور،‏ رئيس جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس آنذاك،‏ بزيارة شخصية لمدغشقر ليشجع الاخوة.‏

وبعد اربع سنوات،‏ عندما قام مِلتون هنشل،‏ سكرتير الاخ نور،‏ بزيارة دول افريقية،‏ شملت جولته مدغشقر ايضا.‏ فخصَّ المرسَلين والفاتحين الخصوصيين هناك باهتمام مميز.‏ وجميع الحاضرين تشجعوا كثيرا.‏ فقد اخبرهم الاخ هنشل اختبارات حدثت معه عندما كان فاتحا.‏ وقبل نهاية سنة الخدمة تلك،‏ جاوز عدد الناشرين في مدغشقر المئة.‏

بعد زيارة الاخ هنشل،‏ دُعي الاخوة والاخوات المحليون الى الانخراط في الخدمة كفاتحين خصوصيين.‏ فبما انهم من ابناء البلد،‏ يمكنهم ان ينجحوا اكثر في افتتاح العمل في مقاطعات جديدة.‏ وكان اندرياموارا فيليكس واحدا من هذه المجموعة.‏ فقد بدأ خدمته كفاتح خصوصي سنة ١٩٦٥.‏ وخدم منذ ذلك الوقت كناظر جائل ولسنوات عديدة كعضو في عائلة بيت ايل في مدغشقر.‏ وقد استمر في الخدمة كامل الوقت حتى بعدما رُزق هو وزوجته اونورين بولدَين.‏ وتعمل زوجته في قسم الترجمة في الفرع بدوام جزئي.‏

وهل استفادت ذريتهما من غيرتهما في خدمة يهوه؟‏ ان ابنتهما ميورا متزوجة الآن،‏ وهي تخدم مع زوجها كفاتحين خصوصيَّين.‏ اما ابنهما تيموتي،‏ الذي لا يزال في البيت،‏ فيخدم كفاتح اضافي من حين الى آخر.‏

مكتب فرع لمدغشقر

عندما صارت الكرازة بالبشارة في مدغشقر تتقدم بشكل مطّرد سنة ١٩٥٥،‏ اخذ فرع موريشيوس يشرف على العمل.‏ ومن سنة ١٩٥٩ الى سنة ١٩٦٢،‏ تولّى الاشراف فرع فرنسا.‏ ولكن ابتداء من سنة ١٩٦٣،‏ صار لمدغشقر مكتب فرعها الخاص.‏ وعُيِّن رايمو كوُوكانِن خادم فرع.‏ وكان في البداية قادرا على الاهتمام بمعظم العمل الروتيني دون مساعدة احد.‏

كان المكتب في الاصل مجرد بيت مستأجَر استُعمل ايضا ليكون بيت المرسَلين.‏ لكنَّ هذا البيت لم يكن مثاليا.‏ فبعدما انتقل المرسَلون للعيش فيه،‏ سألهم بعض سكان المنطقة هل يجرأون على العيش في بيت مسكون بالاشباح.‏ وبالفعل،‏ كانت امور غريبة تحدث في هذا البيت.‏ مثلا،‏ عندما رأى زوجان من المرسَلين مقبض بابهما يدور،‏ فتحا الباب ليريا مَن هناك،‏ ولكن تبيَّن انه لا احد في الرواق.‏ وعلم المرسَلان ان وسيطا ارواحيا كان يعيش في تلك الغرفة.‏ فأمعنا في البحث عن ايّ شيء تركه الوسيط وتستعمله الارواح كوسيلة اتصال.‏ فوجدا قطعة نقدية مثبَّتة بواسطة مسمار في عتبة مدخل غرفتهما.‏ وبذل الاخ جهدا كبيرا لينزعها.‏ وبعد ذلك لم تعد تحدث امور غريبة.‏

عندما سُئل صاحب البيت عن الامر اعترف:‏ «نعم،‏ انه بيت مسكون،‏ لكني اعتقدت انه بما انكم مرسَلون ومن شعب اللّٰه،‏ فما من سبب لتخافوا».‏

انتاج المطبوعات بالمالغاشية

مع تقدُّم العمل الكرازي،‏ نشأت الحاجة الى المزيد من المطبوعات بالمالغاشية.‏ فحتى سنة ١٩٦٣ لم يكن يوجد سوى نشرات قليلة،‏ مثل الحياة في عالم جديد وأيضا نار الهاوية —‏ من حقائق الكتاب المقدس أم خوف وثني؟‏‏،‏ بالاضافة الى كراس ‏«بشارة الملكوت هذه»،‏ الذي صدر سنة ١٩٥٩.‏ أما الناس المثقَّفون اكثر فكانوا يتكلمون ويقرأون الفرنسية،‏ لذلك استخدم الناشرون المطبوعات الصادرة بهذه اللغة.‏ ومع ذلك كان كثيرون يفضّلون المطالعة بلغتهم الأم.‏

عندما اتت الموافقة على اصدار برج المراقبة بالمالغاشية،‏ طلب الفرع مساعدة اضافية.‏ فقد كانت راسومالالا لويز،‏ وهي اخت مدغشقرية،‏ تترجم النص من الفرنسية.‏ وكانت تقوم بالعمل في بيتها،‏ مدوِّنة كل شيء باليد.‏ وفي الفرع كانت ڤيرا كوُوكانِن تطبع النص المترجَم على شرائح الستانسِل،‏ والاخوة يعملون على الآلة الناسخة.‏

أُنتج من الطبعة الاولى لمجلة برج المراقبة بالمالغاشية نحو ٦٠٠ نسخة،‏ وقد صدرت في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٦٣.‏ وكانت في ذلك الوقت طبعة شهرية تتضمن فقط مقالات الدرس.‏ فسُرَّ الناشرون بها كثيرا.‏ وحصلوا على مئات الاشتراكات خلال حملة الاشتراكات الاولى حين استُخدمت الطبعة المالغاشية.‏ وبعد اشهر قليلة بدأ الفرع يصنع ٠٠٠‏,٣ نسخة كل شهر.‏ وصار ثلاثة اخوة يتناوبون على استعمال الآلة الناسخة ليل نهار تقريبا.‏

يتذكر احد الاخوة:‏ «كنا بحاجة الى ما لا يقل عن ١٦ شريحة ستانسِل بالشمع لكل عدد من برج المراقبة.‏ وللمجلة الواحدة كنا نجمع ثمانية أفرُخ [صحائف ورقية] مطبوعة على الوجهَين.‏ وعنى ذلك طباعة اكثر من ٠٠٠‏,٢٤ فرخ لإنتاج ٠٠٠‏,٣ نسخة من برج المراقبة.‏ وكانت تتجمع على طاولة ثمانية اكداس او اكثر من الاوراق المطبوعة،‏ وكنا ندور حولها ٠٠٠‏,٣ مرة لنجمع الاوراق الواحدة تلو الاخرى.‏ ثم كانت الأفرُخ تُشبك معا بالدبَّاسة.‏ نعم،‏ كان كل شيء يُنجز يدويا».‏

وعلى مرّ الوقت رتبت الجمعية ان يقوم فرع سويسرا بطباعة برج المراقبة بالمالغاشية.‏ أما الآن فتُطبع في بريطانيا كطبعة نصف شهرية بمعدل توزيع يبلغ ٠٠٠‏,٢٦ نسخة.‏ وبواسطتها يتمكن شهود يهوه في مدغشقر من تناول الوجبة الروحية نفسها مع رفقائهم المؤمنين في كل انحاء العالم في نفس الوقت.‏

وأخذ عمل الترجمة يتقدم تدريجيا.‏ فبعد ثلاثة اشهر من اصدار برج المراقبة بالمالغاشية،‏ حصل الشهود المحليون ايضا،‏ وبلغتهم الأم،‏ على كتاب ‏«ليكن اللّٰه صادقا»‏ المساعد على درس الكتاب المقدس.‏ وعندما تسلّم الكتابَ راكوتومارو جوستان،‏ فاتح خصوصي ساهم كثيرا في مساعدة الآخرين على تعلّم الحق،‏ حمله في يده فترة من الوقت دون ان ينبس بكلمة.‏ ثم هتف قائلا:‏ «ما اطيب يهوه!‏ فقد اعطانا هذا الكتاب».‏ وأخذ الفاتحون صناديق منه ليوزّعوا الكتب على الجائعين روحيا.‏

نظار الدوائر في تنقُّلاتهم

في البداية كانت هنالك جماعة واحدة فقط في كل الجزيرة.‏ ولكن عندما فُتحت بيوت مرسَلين اخرى وأُرسل الفاتحون الخصوصيون الى مواقع مختلفة،‏ تشكّلت جماعات اكثر.‏ وخلال سنة الخدمة ١٩٦٤،‏ تأسست جماعتان جديدتان.‏ ولمساعدة الجماعات الثلاث العاملة آنذاك،‏ رتب الفرع ان يزورها ناظر دائرة،‏ لاڤال كاربونّو،‏ مع زوجته إيرين.‏ كان الزوجان يسافران بالقطار.‏ وكان الامر اختبارا ممتعا بالنسبة اليهما.‏ ففي احدى المرات،‏ مثلا،‏ شعرا بأن شيئا ينقر ساقيهما.‏ فقد ارادت وزَّة تحت المقعد لفت انتباههما الى وجودها.‏

عندما اضطرت عائلة كاربونّو الى مغادرة مدغشقر للاهتمام بمسؤوليات عائلية،‏ صار رايمو كوُوكانِن هو ناظر الدائرة.‏ وكان يسافر مع زوجته ڤيرا بالقطار كلما امكن.‏ أما بين المدن الساحلية فكانت تُستخدم المراكب.‏ وكانا احيانا يضطران الى ركوب ‏‹تاكسي-‏بْرُوس›،‏ او ‹تاكسيات الادغال›،‏ التي تسع ١٥ شخصا في حين انها كانت دائما تحمل اكثر من هذا العدد.‏ كانت هذه الرحلات تدوم من الصباح الباكر حتى وقت متأخر في المساء.‏ أما خلال فصل الامطار،‏ حين تعجز ‹تاكسيات الادغال› عن العبور،‏ فكان الاخ كوُوكانِن وزوجته يسافران جوًّا.‏ لكنَّ هذه الرحلات لم تكن مترفة.‏ فقد كانت طائرات شركة الطيران المحلية عتيقة،‏ من طراز دي‌سي-‏٣،‏ والمدارج مجرد حقول تكسوها الاعشاب.‏ لكنّ زيارة مختلف الفرق كانت فرصة لتبادل التشجيع الروحي الحار.‏

خدم الاخ كوُوكانِن فترة من الوقت كناظر دائرة وناظر كورة على السواء.‏ وبسبب الحاجة كان عليه ان يهتم ببريد الدائرة والكورة في الفرع.‏ لكنه عمل جاهدا ليدرِّب الاخوة المحليين.‏ وفي النهاية تأهل فاتح خصوصي محلي يدعى رادْزاوْبِلينا سيليستان ليصير اول ناظر دائرة مدغشقري.‏

هندوس يتحولون الى عبادة يهوه

مع تقدُّم العمل الكرازي،‏ بلغت البشارة شتى الناس.‏ (‏١ تيموثاوس ٢:‏٤‏)‏ فقد وزَّع المرسَلون كتبا ومجلات كثيرة على الآسيويين الذين كانوا يملكون مؤسسات تجارية في العاصمة.‏ وكان بينهم شاب هندوسي يدعى ديراجْلال باڠْڤاندْجي ويعرف باسم ديرو.‏ كان هذا الشاب يقبل بسرور المجلات التي يجلبها احد المرسَلين معه حين يأتي الى متجره.‏ وعندما مات خال ديرو سنة ١٩٦٣،‏ بدأ يتساءل:‏ ‹لماذا يموت الناس،‏ وما هي حالة الموتى؟‏›.‏ وسأل نفسه لماذا سمح اللّٰه بأن يموت هذا الرجل الصالح.‏ حتى انه تساءل هل هنالك ايّ امل في رؤية الموتى من جديد.‏

بُعيد ذلك التقته سيمون بركْلا فيما كانت تشهد من بيت الى بيت.‏ وفي زيارة مكررة استخدمت الكتاب المقدس لتجيب عن اسئلته المتعلقة بحالة الموتى ولتشرح له رجاء القيامة الرائع.‏ (‏جامعة ٩:‏٥؛‏ اعمال ٢٤:‏١٥‏)‏ في البداية تَشوَّش تفكيره لأنه حاول ان يوفِّق بين ما كان يسمعه وبين ايمانه الهندوسي بتناسخ الارواح.‏ فهذا المعتقد لا يعطي رجاء برؤية الاحباء الموتى من جديد.‏ ولكن عندما حلّل ديرو كل النقاط،‏ صار يقدّر مدى روعة رجاء القيامة الذي يعلّمه الكتاب المقدس.‏ —‏ يوحنا ٥:‏٢٨،‏ ٢٩‏.‏

بعد اسابيع قليلة من درس الكتاب المقدس،‏ بدأ ديرو يحضر جميع الاجتماعات.‏ وما لبثت المقاومة ان بدأت،‏ وخصوصا من ابيه وأصدقائه.‏ لكنَّ ديرو توصَّل اخيرا الى الاستنتاج ان «الكتاب المقدس منطقي،‏ وهو فعلا كلمة اللّٰه».‏ وفي السنة التالية نذر نفسه ليهوه واعتمد.‏

لكنَّ ابا ديرو استمر يقاومه،‏ وأرسل قسِّيسَين پروتستانتيَّين ليقنعاه بالعودة الى دين والدَيه.‏ وعندما سألهما ديرو لماذا لم يعلّما اباه الحق عن الخطية والموت والفدية،‏ اجاب القسِّيسان ان الوصية الخامسة تأمر الانسان بإكرام ابيه وأمه.‏ فسألهما ديرو هل من الصواب اطاعة الوصية الخامسة —‏ احترام رغبات ابيه —‏ وبالتالي عدم اطاعة وصية اللّٰه الاولى التي تنهى عن عبادة اية آلهة اخرى.‏ وإذ لم يتمكن القسِّيسان من الاجابة،‏ رحلا.‏ وبعد ذلك ذهبا الى مكتب الفرع وطلبا من الشهود ان يقنعا ديرو بالعودة الى دين ابيه.‏ يقول ديرو:‏ «تقوّى ايماني اكثر عند رؤية هذا الرياء».‏

عندئذ قصد ابوه السحرة ورجال السياسة طلبا للمساعدة،‏ وبعد ذلك نشر في صحيفة محلية مقالة وجَّه فيها الى الشهود تهما باطلة،‏ ولم يعد يكلّم ديرو.‏ كان لوالدَي ديرو خمسة ابناء وثلاث بنات،‏ وكانت العائلة بكاملها تعتقد ان دين ديرو يمزق عائلتهم.‏ لكنَّ ديرو كان مقتنعا بأن التزامه الاول هو اطاعة اللّٰه.‏ —‏ مرقس ١٢:‏٢٨-‏٣١‏.‏

في شباط (‏فبراير)‏ ١٩٦٧،‏ صار ديرو فاتحا خصوصيا،‏ وفي السنة التالية تزوج سيمون.‏ وبعدما أُرغما على مغادرة مدغشقر في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٧٠،‏ خدما في كينيا ثلاث سنوات وبعد ذلك في الهند نحو ٢٠ سنة.‏ وخدم ديرو في الهند في لجنة الفرع.‏

ولكن ماذا حل بعائلة ديرو؟‏ بمرور الوقت،‏ بدأ ابوه يقرأ الكتاب المقدس والمطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس،‏ وصارت امه متقبلة جدا لحق الكتاب المقدس،‏ اما اخوته وأخواته وأبناؤهم وبناتهم فصاروا شهودا معتمدين.‏ لقد اصبح ١٦ فردا من عائلته عبّادا ليهوه.‏ ويخدم البعض في فرع مدغشقر،‏ ويشترك آخرون في مشاريع البناء الاممية.‏ وعائلة باڠْڤاندْجي هي احد امثلة الثمار الجيدة التي نمت في هذه «الجزيرة الحمراء الكبيرة» الخصبة روحيا.‏

المرسَلون يضعون الاساس

استمرت جمعية برج المراقبة في ارسال المرسَلين للمساعدة على الكرازة بالبشارة في مدغشقر.‏ ومن بينهم مارڠريتا كونيڠر وجيزيلا هوفمان،‏ اختان المانيتان وصلتا في آذار (‏مارس)‏ ١٩٦٦.‏ تقول الاخت هوفمان عن انطباعاتها:‏ «تتمتع مدغشقر بجوّ هادئ بعيد كل البعد عن الحياة السريعة والكثيرة المشاغل في اوروپا وأميركا.‏ وأحد اول الامور التي ادهشتني هو نباتات الألوة الضخمة.‏ ففي موطني زرعتُها في وعاء زهور،‏ وشعرت بالفخر عندما بلغ طولها خمسة إنشات [١٥ سم].‏ لكني رأيتها هنا بارتفاع البيوت!‏ وعندما عدت من اول اجتماع لنا في المساء،‏ رأيت النجوم قريبة بشكل لم اشهده من قبل.‏ لقد بدأنا هنا حياة بسيطة».‏

لاحظت الاختان بسرعة ان السكان المحليين ودودون جدا ومضيافون.‏ قالت الاخت كونيڠر:‏ «وجدنا ان الناس مثقَّفون الى حد بعيد.‏ حتى الجدّات في القرى أردْنَ قراءة الكتاب المقدس ومطبوعات الكتاب المقدس.‏ وسرّ الناس ان يقايضوا ليحصلوا على الكتب.‏ فكان الاولاد يلحقون بنا ليقايضوا الارزّ بمجلتي برج المراقبة و استيقظ!‏».‏ وافتتحت هاتان الاختان،‏ مع عائلة برانكا،‏ العمل الكرازي في مدينة فيانارانْتسُوا وقوَّتا فريقا صغيرا في مدينة أمبوسيترا.‏ وكلتا المدينتَين تقعان جنوبي أنتاناناريڤو.‏

وأتى ايضا مرسَلون شجعان آخرون وافتتحوا العمل في مقاطعات جديدة.‏ فقد خدم هيو هايزلي وتوماس باينز في مدينة توليارا الساحلية جنوبي مدغشقر.‏ أما ميري دولنسكي من كندا،‏ فقد خدمت في تولانارو مع ادوار ونَرسيس مارلو.‏

في سنة ١٩٦١،‏ عندما أُرسل المرسَلون لأول مرة الى مدغشقر،‏ كان هنالك اكثر بقليل من ٧٥ ناشرا يقدمون تقريرهم.‏ وبحلول سنة ١٩٧٠،‏ بعد عشر سنوات تقريبا من عمل التلمذة،‏ ابتهج هؤلاء المرسَلون برؤية ذروة من ٤٦٩ ناشرا —‏ زيادة ٥٢٥ في المئة!‏ لكنَّ سحابة سوداء كانت تلوح في الافق،‏ وخصوصا انه منذ سنة ١٩٦٧ لم يعد يُسمح بدخول المزيد من المرسَلين الى مدغشقر.‏

في الساعة الرابعة من بعد ظهر ٥ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٧٠،‏ هبَّت العاصفة.‏ فقد قصدت شرطة الأمن الفرع وأخبرت سامويل ڠيلمان انه يجب على جميع المرسَلين الحضور الى مركز شرطة الأمن في اليوم التالي.‏ فمثَلَ المرسَلون الذين كانوا في العاصمة في ذلك الوقت —‏ الاخوة ڠيلمان وكوُوكانِن وليسياك —‏ امام مدير شرطة الأمن.‏ وقيل لهم بكلمات قليلة انه يجب على جميع مرسَلي شهود يهوه مغادرة البلد على الفور،‏ على متن الطائرة المُقلعة في تلك الليلة!‏ وقيل لهم ايضا:‏ «لا تسألوا عن السبب لأنكم لن تكتشفوه ابدا.‏ فغادروا الآن».‏ كان البعض قد حصلوا على تأشيرات جديدة لثلاث سنوات قبل ايام قليلة.‏ وعندما ذكروا ان تأشيراتهم لا تزال سارية المفعول،‏ طلب منهم المدير ان يقدّموا جوازات سفرهم.‏ ثم ختم على تأشيراتهم بكلمة ملغى بالفرنسية،‏ وقيل للاخوة انهم الآن في البلد بصورة غير شرعية.‏

لم يتمكن المرسَلون من المغادرة في تلك الليلة.‏ وفي صباح الاثنين الباكر قصدوا قنصلية او سفارة البلد الذي اتوا منه وطلبوا المساعدة.‏ ولكن كان على جميع المرسَلين الـ‍ ٢٠ ألّا يبقوا في البلد بعد السبت الواقع فيه ٢٠ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٧٠.‏ فذهب معظمهم الى كينيا،‏ والمواطنون الفرنسيون الى ريونيون التي هي مقاطعة فرنسية.‏ وأتى الاخوة والاخوات من جميع انحاء مدغشقر ليودّعوهم.‏ كان الشهود المحليون يبكون،‏ والمرسَلون كذلك.‏ فبعضهم قضى سنين طويلة في مدغشقر،‏ وقد صارت موطنهم.‏

عندما كان المرسَلون في مدغشقر،‏ سعوا الى تعليم الناس بناء ايمانهم على اساس كلمة اللّٰه،‏ والثقة بيهوه،‏ وتقدير دور يسوع المسيح في قصد اللّٰه.‏ (‏١ كورنثوس ٣:‏٥-‏١٤‏)‏ لذلك قال فلوران شابو في اجتماعه الاخير قبل مغادرة البلد:‏ «اذا كنتم أتباعا للمرسَلين،‏ فلن تتمكنوا من البقاء شهودا ليهوه بعد رحيلهم.‏ أما اذا كنتم شهودا ليهوه،‏ فستبقون شهودا له حتى بعد رحيل المرسَلين».‏

الحظر

أُعلن حظر شهود يهوه في ٨ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٧٠ في الجريدة الرسمية للجمهورية المالغاشية.‏ فماذا كان سيحلّ بالاخوة المدغشقريين؟‏ عندما طُرح هذا السؤال على وزير الداخلية،‏ قال:‏ «لا تقلقوا.‏ فسنهتم بهم بعد مغادرة المرسَلين».‏ وصنع بيديه حركة كما لو انه يحطم شيئا.‏

لكنَّ المفرح ان الشهود المحليين لم يتعرَّضوا لاضطهاد قاسٍ.‏ ومع ذلك،‏ كيف شعر الاخوة والاخوات المحليون عندما رُحِّل المرسَلون؟‏ قالت راڤيلودْزاوْنا رَأنْتامالالا،‏ التي كانت صغيرة عندما تعرَّفت بالمرسَلين:‏ «حين اضطر المرسَلون الى الرحيل،‏ تثبَّط كثيرون من الاخوة المحليين.‏ ولم يعد البعض يريدون ان يقال عنهم انهم من شهود يهوه».‏

اظهر التقرير السنوي لسنة الخدمة ١٩٧١ ان عدد الناشرين انخفض ١٢ في المئة.‏ فكما يَظهر،‏ استسلم البعض لخوف الانسان وتوقفوا عن اعلان البشارة.‏ (‏امثال ٢٩:‏٢٥‏)‏ لكنَّ الاغلبية اثبتت ان ايمانها قوي.‏ وفي السنة الثالثة،‏ بدأت مدغشقر تشهد الزيادات من جديد.‏

في البداية كانت الاجتماعات تُعقد في اماكن مختلفة في بيوت الاخوة،‏ وبحضور ثلاث او اربع عائلات.‏ وقد اخذ عدد الحضور في الاجتماعات يزداد تدريجيا.‏ ففي منطقة ماناكامْبائيني من أنتاناناريڤو،‏ فتحت الاخت راڤيلودْزاوْنا بيتها للاجتماعات.‏ والحمد ليهوه انه لم يقع ايّ حادث خطير حتى خلال فترات الاضطراب المدني.‏ تقول الاخت راڤيلودْزاوْنا:‏ «تشكلت على الاقل عشر جماعات من هذا الفريق الصغير في ماناكامْبائيني.‏ لقد بارك يهوه جهودنا للكرازة والتلمذة طوال سنوات الحظر».‏

التدريب على عمل الاشراف

تشكلت لجنة لمساعدة شهود يهوه المحليين في نشاطهم وللبقاء على اتصال مع الهيئة الحاكمة.‏ وأُلقيت مسؤولية الاهتمام بعمل الكرازة بالملكوت في مدغشقر على عاتق الشهود المحليين.‏ وخلال الحظر،‏ كان الاخوة يستعملون كلمة إينيني،‏ التي تعني «ماما»،‏ للاشارة الى الجمعية.‏ وهكذا،‏ بعد فترة قصيرة جدا من فرض الحظر،‏ قدّمت إينيني المساعدة اللازمة.‏ كيف؟‏

قام مِلتون هنشل،‏ من المركز الرئيسي،‏ بزيارة مدغشقر كناظر اقليم.‏ وصنع ترتيبات محددة للاعتناء بالحاجات الروحية عند الاخوة المدغشقريين.‏ فقد دُعي اخَوان مسؤولان الى السفر الى المركز الرئيسي العالمي لهيئة يهوه المنظورة ليتدرَّبا.‏ وقد استفادا كثيرا رغم المشاكل المتعلقة باللغة،‏ وصارا مؤهلَين اكثر للعمل الذي ينتظرهما.‏

كما اوصى الاخ هنشل بأن يحضر فاتح خصوصي مدغشقري مدرسة جلعاد.‏ وكان ذلك سيجهّزه ليلعب دورا اكبر في اخذ القيادة في النشاط الكرازي بالملكوت.‏ فاختير اندرياماسي تيودور،‏ شاب يتكلم الانكليزية كان قد ساعد في ترجمة الرسائل.‏ وعن التدريب الذي ناله في جلعاد يقول:‏ «لقد كانت خمسة اشهر من التدريب المكثّف والمؤسس على الكتاب المقدس،‏ وقد انمت فيَّ عادات درس جيدة.‏ والعمل نصف يوم في مختلف اقسام بيت ايل منحني فرصا كثيرة لأرى كيف تعمل هيئة يهوه المنظورة.‏ وأحد اجمل الاختبارات التي تمتعت بها في جلعاد هو معاشرتي للاخوة والاخوات الممسوحين.‏ وتعلّمت الكثير من سخائهم وحسن ضيافتهم وتواضعهم».‏

بعد ان عاد الاخ اندرياماسي من جلعاد،‏ عُيِّن في الحقل لكي يستفيد مما تعلّمه.‏ والتدريب الذي تلقّاه قوّى ايمانه،‏ ومكّنه بدوره من تشجيع اخوته المسيحيين خلال تلك السنوات الصعبة.‏ ولا يزال يخدم بدوام جزئي في الفرع ضمن تعيينات مختلفة.‏ وقد كان يعلّم مؤخرا مرسَلين جددا اللغة المالغاشية.‏

الاستمرار في الخدمة رغم الحظر

حرص شهود يهوه الا يلفتوا النظر كثيرا خلال الحظر،‏ لكنهم ظلوا يمارسون عبادتهم الحقة.‏ فتُرجم كل عدد من برج المراقبة.‏ (‏اشعياء ٦٥:‏١٣‏)‏ واجتمعوا في البيوت الخاصة ليشجعوا واحدهم الآخر.‏ (‏عبرانيين ١٠:‏٢٣-‏٢٥‏)‏ وزار نظار الدوائر الجماعات،‏ وعُقدت المحافل الكورية والدائرية،‏ حتى ان الاخوة اجتمعوا بأعداد كبيرة في الغابة.‏ فهناك،‏ بعيدا عن المدينة،‏ كان عدد الحضور يبلغ احيانا ٥٠٠‏,١ شخص.‏ وفي سنة ١٩٧٢ أُنشئ مكتب مع مستودع للمطبوعات في شقة مستأجرة.‏ وكان اخ مسؤول من كلٍّ من الجماعات الـ‍ ١١ آنذاك يأتي ليأخذ المطبوعات من المستودع.‏ ويتذكر الاخ اندرياموارا،‏ الذي كان مسؤولا عن المستودع لفترة من الوقت،‏ ان الاخوة كانوا يحملون صناديق المطبوعات ويأخذونها بشكل علني،‏ وعلى مرأى من الجيران.‏

خلال السنوات القليلة الاولى من الحظر،‏ كان الشهود حذرين جدا.‏ وكانوا يشعرون احيانا بأن الشرطة تراقبهم وبأنهم ملاحَقون.‏ لهذا السبب كانوا ينجزون معظم شهادتهم بطريقة غير رسمية.‏ وعند الذهاب من بيت الى بيت،‏ كانوا يقصدون منزلا واحدا في احد الابنية ثم ينتقلون الى منزل آخر في بناء مختلف.‏ وبدلا من حمل مطبوعاتهم في حقائب،‏ كانوا يستعملون كيسا او سلة لكي يبدو الامر وكأنهم ذاهبون الى السوق.‏ ولكن كان بإمكانهم في معظم الاوقات ان يعقدوا الدروس في الكتاب المقدس بارتياح.‏ يتذكر الاخ راكوتودْزاوْنا،‏ الذي يخدم اليوم في الفرع مع زوجته لِيا،‏ انه عندما ابتدأ يدرس سنة ١٩٧٢،‏ كان درسه يُعقد دون بذل ايّ جهد لإخفاء الامر.‏

حذَر اكثر من اللازم؟‏

ظلت إينيني ترتب لزيارات نظار الاقاليم.‏ وقد شجعت هذه الترتيبات الحبية الاخوة والاخوات وساعدتهم على مواجهة وضعهم بطريقة ايجابية.‏ ففي سنة ١٩٧٣،‏ مثلا،‏ عندما قام اندريه رامْسِيِر بزيارة مدغشقر،‏ لاحظ ان الاخوة يأخذون حذرهم اكثر من اللازم.‏ ويتذكر الاخ اندرياموارا كيف حلل الاخ رامْسِيِر الوضع:‏ «هل دخل احدٌ السجن لأنه من شهود يهوه؟‏ لا.‏ هل واجهتم اية صعوبات اخرى؟‏ لا.‏ اذًا ربما انتم تأخذون حذركم اكثر من اللازم.‏ ألعله حذر مبالغ فيه؟‏ ينبغي لنا ألا نخاف».‏ وكم كانت هذه الزيارة مساعدة!‏ فمنذ ذلك الحين صار الشهود المحليون يكرزون بمجاهرة وجرأة اكبر.‏ وكانت النتيجة ان عدد الناشرين بلغ في سنة الخدمة ١٩٧٤ ذروة جديدة،‏ اذ قدّم ٦١٣ ناشرا تقريرهم،‏ زيادة ٣٠ في المئة عن اعلى ذروة سُجّلت قبل الحظر!‏

استعادة الوضع الشرعي

نحو نهاية سنة ١٩٨٣،‏ قدّم الاخوة طلبا —‏ تحت اسم جمعية ثقافية محلية —‏ من اجل الحصول على اعتراف شرعي بعملهم.‏ وفي ٢٤ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٨٤ مُنح هذا الاعتراف،‏ لكنه لم يعنِ ان الحظر على شهود يهوه قد رُفع.‏ ومع ذلك،‏ فرح الاخوة كثيرا بهذا التطوّر الجديد.‏ فازداد نشاط خدمة الحقل،‏ وجرى بلوغ ذروتَين بارزتَين في نيسان (‏ابريل)‏،‏ اذ قدّم ٧٠٨‏,١ ناشرين تقارير خدمة الحقل وحضر الذكرى ٩٧٧‏,٨ شخصا.‏ وهكذا يكون عدد الناشرين قد ارتفع ٢٦٤ في المئة وحضور الذكرى ٦٠٦ في المئة.‏

ومع ان الاخوة حصلوا على اعتراف شرعي كهيئة ثقافية،‏ فقد قدّموا سنة ١٩٩٣ طلبا من اجل حصول شهود يهوه على اعتراف شرعي كجمعية دينية.‏ وبعد اشهر قليلة،‏ في ٤ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٤،‏ حصلوا على الاعتراف الشرعي بوضعهم.‏ وكم كانت فرحتهم كبيرة!‏ فقد صار ممكنا من جديد ان يُعرفوا علنا كشهود ليهوه.‏

مساعدة اضافية من حول العالم

ولكن حتى قبل استعادة الوضع الشرعي،‏ كان بإمكان المرسَلين من سنة ١٩٨٧ ان يعودوا الى مدغشقر.‏ وفي ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٩١ عادت الى مدغشقر عائلة كوُوكانِن بعد الخدمة في الفتح الخصوصي في هَلْسِنكي،‏ فنلندا؛‏ وعُيِّن الاخ كوُوكانِن منسِّقا للجنة الفرع.‏ يقول الاخ كوُوكانِن:‏ «لقد تغيَّرت مدغشقر.‏ وبعض الاخوة والاخوات الذين كنا نعرفهم قبلا كانوا لا يزالون احياء،‏ لكنَّ كثيرين ماتوا.‏ ومعظم الناشرين جدد في الحق».‏ وكان هنالك الكثير من العمل الاداري للقيام به.‏ ولكن كم كانت مفرحة رؤية الذروة الجديدة في عدد الناشرين،‏ اذ بلغت ٠٠٥‏,٤ في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩١!‏

كذلك دُعي الى العودة الى مدغشقر ديراجْلال باڠْڤاندْجي وزوجته سيمون،‏ اللذان طُردا مع غيرهما سنة ١٩٧٠.‏ وبما ان الاخ باڠْڤاندْجي بارع جدا في حلّ الامور العالقة،‏ فهو يساعد الفرع على الحصول على التراخيص والاوراق الجمركية وغيرها من الوثائق الرسمية.‏ وهو يخدم منذ سنة ١٩٩٢ كعضو في لجنة فرع مدغشقر.‏ وغالبا ما يندهش الرسميون عندما يرون هنديا،‏ هندوسيا سابقا،‏ يتحدث عن يهوه ويسوع المسيح وملكوت اللّٰه.‏

مجمَّع الفرع الجديد

منذ تأسيس الفرع في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٦٣،‏ استُخدمت التسهيلات في عدد من المواقع.‏ ومن سنة ١٩٧٢ حتى سنة ١٩٨٧،‏ كانت شقة سكنية كافية لتكون مكتبا ومستودع مطبوعات.‏ وبعد ذلك استؤجر بيت اكبر.‏ وفي تلك الايام كان اعضاء لجنة الفرع،‏ الذين عندهم عائلات ليهتموا بها،‏ ينجزون معظم اعمالهم في بيوتهم.‏

ولكن مع توسُّع تعليم الكتاب المقدس في مدغشقر،‏ لزمت تسهيلات افضل تلائم تقدُّم العمل.‏ فاشتُريت قطعة ارض على مسافة ٥ كيلومترات تقريبا من مطار ايڤاتو الدولي.‏ وبعد ثلاث سنوات،‏ في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٩٣،‏ استُهل عمل البناء بمساعدة اخوة اتوا من الخارج.‏ وأتى وولتر إلكو،‏ وهو كندي له خبرة واسعة جدا في هذا العمل،‏ ليشرف على المشروع الذي يستغرق ٣٠ شهرا.‏ وأتى ايضا خدام امميون آخرون،‏ وكثيرون من المتطوعين الامميين سافروا على نفقتهم الخاصة ليساعدوا في البناء لفترة ثلاثة اشهر او اكثر.‏ وأكبر عدد ضمَّه هذا الفريق هو ١١٠ عاملين امميين ومحليين.‏ وفي نهايات الاسابيع،‏ كان عدد المتطوعين يرتفع لأن الاخوة والاخوات المحليين كانوا يأتون للمساعدة.‏

كان التشجيع متبادلا.‏ ومع ان كثيرين من العاملين الاممين لم يتقنوا اللغة المحلية،‏ فقد رسم هؤلاء الاخوة والاخوات الناضجون المثال الحسن في خدمة الحقل.‏ مثلا،‏ مع ان دايڤيد سميث،‏ الذي ساعد طوال سنتين تقريبا كميكانيكي تجهيزات ثقيلة،‏ عجز عن تكلم المالغاشية،‏ كان يعلَم ان مجلتَي برج المراقبة و استيقظ!‏ بالمالغاشية تزوّدان شهادة حسنة.‏ لذلك كان يقف في الشارع،‏ وابتسامة ودية ترتسم على وجهه،‏ حاملا المجلتَين في يد ومُظهرا التبرُّع المقترح في اليد الاخرى.‏ وكان يوزّع ٨٠ مجلة في يوم واحد.‏

ان تسهيلات الفرع الجديد الجميلة هي فعلا هبة من يهوه!‏ وعندما دُشِّن الفرع في ٧ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٩٦،‏ دعي ٦٦٨ اخًا وأختًا قدماء في الحق الى الحضور.‏ وكم كان هذا الحدث مبهجا!‏ وفي اليوم التالي،‏ حضر ٧٨٥‏,٧ شخصا خطابا خصوصيا قُدِّم في حقل مكشوف دُعي «جلعاد».‏ ولماذا هناك؟‏ اشتُريت هذه الارض،‏ التي تبعد نحو ٦ كيلومترات عن الفرع،‏ لبناء قاعة محافل.‏ وما كان اروع هذا المنظر:‏ منحدر تلة يعج بإخوة وأخوات في ابهى حللهم،‏ حاملين مظلات ملونة تقيهم حر الشمس!‏

الزيادة في صفوف الخدام كامل الوقت

منذ ابتدأ الفاتحون المدغشقريون الاولون بالخدمة كامل الوقت في ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ استمر عدد المنضمين الى صفوف هؤلاء العاملين المجتهدين يزداد بشكل مطّرد سنة بعد سنة.‏ ونحو ١ من كل ٦ منادين بالملكوت في مدغشقر يخدم اليوم كفاتح.‏ وكثيرون من الشبان والشابات جعلوا الفتح مهنة لهم.‏ ولتقوية الفاتحين،‏ افتُتحت مدرسة خدمة الفتح سنة ١٩٧٩ في مدغشقر،‏ كما حصل قبلا في بلدان اخرى.‏ والاستاذان كانا اندرياماسي تيودور واندرياموارا فيليكس اللذين خدما كامل الوقت سنين عديدة.‏ ومنذ ذلك الوقت يستفيد مئات الفاتحين من هذا المقرَّر التعليمي.‏

احد المواضيع التي تناقَش مطوَّلا في هذه المدرسة يتعلق بإظهار الاهتمام الشخصي بالآخرين.‏ وقد حرص فاتحون كثيرون على فعل ذلك.‏ مثلا،‏ عندما عُيِّن رانْدريمامْپيانا نِياين وزوجته ڤيرونِياين سنة ١٩٩٨ في بلدة صغيرة تدعى سونيراني-‏ڤونْڠو على الساحل الشرقي،‏ وجدا ان هنالك حاجة الى إظهار هذا الاهتمام الشخصي.‏ كان ابن صاحبة البيت الذي يقطنان فيه معوَّقا بسبب اصابته بشلل الاطفال.‏ لذلك صرف الفاتحان الخصوصيان الوقت في إخبار الابن بوعود الكتاب المقدس الجميلة بشأن الحياة في عالم اللّٰه الجديد.‏ وسرّ الشاب بدرس الكتاب المقدس مع نِياين وڤيرونِياين.‏ لكنَّ عائلته لم تكن موافقة.‏ حتى ان الأم طلبت من الفاتحَين ان يقولا لابنها ان لا وقت لديهما للدرس معه.‏ لكنهما طبعا لم يفعلا ذلك.‏ ونمت بسرعة محبة الشاب ليهوه ولطرقه،‏ وفي الشهر الثامن اعتمد.‏ عندئذ أُمر الفاتحان بالرحيل عن المنزل.‏

وهل انقطع بعد ذلك الاهتمام الذي أُظهر نحو هذا الشاب؟‏ كلا!‏ فكرسيّه المتحرك تحطم كليا بعد ان كان في حالة رديئة جدا.‏ وعلى الرغم من وصول كرسيّ جديد له،‏ رفضت كنيسته السابقة تسليمه اياه لأنه غيَّر دينه.‏ لذلك يساعد الاخوة في الجماعة الاخ المعوَّق على حضور الاجتماعات.‏

ترسل الجمعية منذ سنوات قليلة فاتحين خصوصيين وقتيين الى مقاطعات غير معيَّنة لمنح عدد اكبر من الناس الفرصة للاستفادة من رسالة الملكوت.‏ وفي تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٩٧،‏ أُرسل اخَوان الى مآديترا،‏ وهي بلدة صغيرة فيها ناشر واحد فقط.‏ والمدهش ان جماعة من ١٤ ناشرا تشكلت في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ من السنة التالية.‏ ولم يعد الفاتحان الخصوصيان الوقتيان وقتيَّين،‏ بل صارا فاتحَين خصوصيَّين دائمَين في تلك البلدة.‏

وفي حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٩٦ ذهب فاتحان آخران الى مآسوبي،‏ بلدة صغيرة غير مخدومة من قبل.‏ وكان مقرَّرا ان يغادرا البلدة بعد ثلاثة اشهر،‏ لكنهما لم يتمكنا من المغادرة بسبب توسّل الناس اليهما ان يبقيا.‏ وبعد ستة اشهر أُنشئ فريق منعزل،‏ صار بعد ثلاثة اشهر جماعة من خمسة ناشرين وفاتحَين قانونيَّين.‏ ولا يزال الفاتحان الخصوصيان،‏ اللذان اتيا على اساس «وقتي»،‏ يخدمان مع الجماعة ويهتمان بها اهتماما جيدا.‏ وكانت النتائج مماثلة في الكثير من المقاطعات غير المعيَّنة.‏

دفعة جديدة من المرسَلين

مدغشقر هي حقل مثمر.‏ فأكثر من ٠٠٠‏,٢٠ درس بيتي في الكتاب المقدس يُدار هناك،‏ بمعدل اكثر من درسَين للناشر.‏ ومن مدرسة جلعاد الفرعية في المانيا،‏ أُرسل ستة مرسَلين الى مدغشقر سنة ١٩٩٣ للمساعدة في تقدُّم العمل.‏ ففتحوا بيتا للمرسَلين في تواماسينا،‏ ثانية اكبر المدن في مدغشقر والواقعة على الساحل الشرقي.‏ وأُعيد تعيين دانيال وإيلين كميتا في هذه «الجزيرة الحمراء الكبيرة» بعدما خبرا الحياة الارسالية في جزر سايشل.‏ وتطوَّع ايضا خمسة ازواج يخدمون كفاتحين قانونيين،‏ من الجزء الناطق بالفرنسية في كندا،‏ للخدمة هنا.‏ وأتى ايضا ايڤان تيسييه،‏ وهو مرسَل فرنسي خدم في پاراڠواي سنين طويلة،‏ للمساعدة على العمل في الفرع.‏ ودُعي دانتي وكريستينا بونيتي،‏ اللذان كانا في مدغشقر بصفة خادمَين امميَّين خلال بناء الفرع،‏ الى العودة كمرسَلَين.‏ وقد ساهم هؤلاء الوافدون الجدد كثيرا في تعزيز روح الفتح بين الاخوة المحليين.‏ وتعلّم البعض المالغاشية جيدا،‏ حتى انهم تأهلوا ليخدموا كنظار دوائر في الجماعات الناطقة بالمالغاشية.‏

التنقُّل لتشجيع الجماعات

عندما ابتدأ العمل الدائري في مدغشقر سنة ١٩٦٣،‏ كان على ناظر الدائرة ان يزور ثلاث جماعات فقط في كل البلد.‏ أما اليوم فيخدم ١٧ ناظرا جائلا ٢٥٣ جماعة وفريقا.‏ ولا يزال التنقُّل في المناطق الريفية صعبا.‏ فخلال فصل الامطار،‏ تُغلق الطرقات غير المعبدة في اماكن عديدة،‏ فيضطر نظار الدوائر الى السير مسافات طويلة.‏ ولزيارة بعض الجماعات،‏ قد يضطرون الى السير في طرقات موحلة طوال ايام،‏ دون ان نذكر طريق العودة!‏ (‏قارنوا ٢ كورنثوس ١١:‏٢٣-‏٢٧‏.‏)‏ وفي بعض الاحيان يرافق الاخوة من احدى الجماعات ناظر الدائرة ويساعدونه على حمل حقائب سفره حتى الجماعة التالية.‏ وعند عبور الانهر —‏ التي غالبا ما تخلو من الجسور —‏ يلفّون كل شيء في كيس پلاستيكي ليبقى جافا،‏ ثم يجتازون حاملينه على رأسهم.‏ وقد تصل المياه في فصل الامطار الى مستوى الابطَين.‏

ومع ان موارد الاخوة المحليين محدودة،‏ فهم مضيافون كرماء يبذلون كل ما في وسعهم للترحيب بالنظار الجائلين وزوجاتهم.‏ وهكذا يكون التشجيع متبادلا.‏ فكم هو جميل ان يكون المرء مع اخوة وأخوات يبذلون قصارى جهدهم لإرضاء يهوه!‏ (‏روما ١:‏١١،‏ ١٢‏)‏ ويا له من امتياز ان يقوّي المرء ايمان هؤلاء الاشخاص الاحباء،‏ الذين هم اعزاء في نظر يهوه!‏

حين يضرب اعصار

تفرض الحياة في هذه الناحية من العالم التأقلم مع الاعاصير.‏ فكل سنة تشهد موسما تضرب فيه الاعاصير جزر المحيط الهندي.‏ ويتابع الفرع باهتمام اخبار الطقس،‏ وهو متأهب لمساعدة الاخوة في المناطق المنكوبة.‏ ففي سنة ١٩٩٧ ضرب مدغشقر عدد من الاعاصير،‏ ومنها اعصار ڠريتل الشهير الذي اجتاح الساحل الجنوبي الشرقي.‏ فدُمِّرت بلدتان كبيرتان وقرى عديدة.‏ وكان ١٠٠ شاهد ليهوه تقريبا يعيشون في المنطقة المنكوبة.‏

فسارع الفرع الى ارسال شاحنة صغيرة وسيارة ذات دفع رباعي محمَّلتَين بمؤن الاغاثة والعدّة وبعض مواد البناء.‏ ورافق طبيب فريق الاغاثة.‏ كما استخدم الفريق قوارب صغيرة لبلوغ بعض الاماكن التي لا تصلها المركبات الآلية.‏

استغرق وصولهم الى وجهتهم الاخيرة،‏ ڤانڠايِنْدرانو،‏ يومين اثنين.‏ وابتُدئ على الفور بتقديم المساعدات.‏ فزوِّد الطعام والمأوى،‏ وفحص الطبيب كل عائلات الشهود وأعطاهم الادوية اللازمة.‏ واستفادت عائلات غير الشهود ايضا.‏ وعندما عاد معظم اعضاء الفريق،‏ بقي اثنان هناك طوال شهر تقريبا لإعادة بناء بيوت الاخوة.‏ وقد تلقّى مكتب الفرع رسائل كثيرة تعبّر عن التقدير للمساعدة التي زوّدتها الجمعية،‏ حتى ان بعض الذين ليسوا شهودا قالوا:‏ «دينكم هو فعلا دين مسيحي!‏».‏

يهوه يستمر في الانماء

ان المرسَلين،‏ والذين صاروا تلاميذ بواسطتهم،‏ غرسوا وسقوا بذار حق الملكوت في مدغشقر.‏ وكان روبرت نيزبِت وبيرت مَكْلَكي مَن ارسل اول تقرير من مدغشقر سنة ١٩٣٣.‏ وبعد اثنتين وعشرين سنة تجدَّد العمل،‏ وشهدت سنة الخدمة ١٩٥٦ ذروة من ثمانية ناشرين.‏ وبحلول وقت ترحيل المرسَلين سنة ١٩٧٠،‏ كان عدد المنادين بالملكوت في البلد ٤٦٩ شخصا.‏ وعندئذ لم يعد باستطاعة المرسَلين ان يساعدوا كالسابق.‏ لكنَّ «اللّٰه استمر ينمي».‏ —‏ ١ كورنثوس ٣:‏٦‏.‏

والذين خدموا سابقا في مدغشقر،‏ وسنحت لهم لاحقا فرصة العودة الى هناك،‏ رأوا ان الذين درسوا معهم الكتاب المقدس في الماضي صاروا ينتجون هم انفسهم اثمارا.‏ مثلا،‏ كانت رامانيترا ايلين،‏ التي درست معها إيرين كاربونّو حين كانت في الـ‍ ١٥ من العمر،‏ قد اصيبت بشلل الاطفال ولم يعد باستطاعتها المشي بشكل طبيعي.‏ ورغم هذا الضعف والمقاومة من عائلتها،‏ اصرت ايلين على الصيرورة ناشرة للبشارة.‏ واستمرت تحرز تقدُّما حتى بعدما عادت عائلة كاربونّو الى كندا.‏ وعندما رجعت إيرين سنة ١٩٩٥ في زيارة قصيرة،‏ هتفت ايلين:‏ «جميع افراد عائلتي قبلوا الحق ما عدا ابي!‏».‏

وبمساعدة يهوه،‏ صار الصغير في مدغشقر ألفا بحلول عام ١٩٨٠،‏ اذ بلغت ذروة المنادين بملكوت اللّٰه ٠٢١‏,١ شخصا.‏ (‏اشعياء ٦٠:‏٢٢‏)‏ وفي سنة ١٩٩٣ تجاوزت ذروة الناشرين الـ‍ ٠٠٠‏,٥؛‏ وأعلى ذروة على الاطلاق سُجِّلت سنة ١٩٩٩،‏ اذ بلغت اكثر من ٣٠٠‏,١٠.‏

ماذا عن المستقبل؟‏

امام عمل الكرازة بالملكوت في مدغشقر مستقبل ساطع.‏ ففي سنة ١٩٥٦ حضر سبعة اشخاص اول ذكرى يُحتفل بها في هذه الجزيرة.‏ وظل عدد الحضور يزداد الى ان بلغ اعلى ذروة له سنة ١٩٩٩،‏ اذ حضر ٣٩٢‏,٤٦ شخصا.‏ وفي نفس الشهر كان هنالك ٣٤٦‏,١٠ ناشرا في كل انحاء الجزيرة.‏ وهكذا يكون كل ناشر قد جلب معه ثلاثة اشخاص مهتمين،‏ كمعدل،‏ الى هذا الحدث الفائق الاهمية!‏

لا تزال «الجزيرة الحمراء الكبيرة» فردوسا روحيا في نظر جميع الذين يودون إخبار الآخرين بحق الكتاب المقدس بدافع محبتهم ليهوه ولرفقائهم البشر.‏ فهنالك عشرات الآلاف من الاشخاص المتواضعين الذين يريدون ان يعرفوا المزيد عن يهوه.‏ هؤلاء الافراد لا يتبوأون مراكز رفيعة في العالم،‏ وليسوا اغنياء ماديا.‏ فطعامهم عادة يتألف فقط من الارزّ وبعض اللحم والاعشاب.‏ وفي بلدات وقرى كثيرة لا تصل الإمدادات المائية والكهربائية الى البيوت.‏ والخبز في القرى لا يتوفر دائما،‏ وكذلك الزبدة والجبن.‏ ومع ذلك،‏ يحمد اخوتنا وأخواتنا الاحباء يهوه على قوتهم اليومي ويتمتعون بحياتهم البسيطة.‏ وبدلا من ان ‹يحملوا همّ ماذا يأكلون او ماذا يشربون او ماذا يلبسون›،‏ يجاهدون ليداوموا اولا على طلب الملكوت وبر اللّٰه.‏ (‏متى ٦:‏٣١-‏٣٣‏)‏ وهم شاكرون على امتياز خدمة يهوه،‏ المتسلط الكوني،‏ ويضمون صوتهم الى صوت صاحب المزمور الذي قال:‏ «الرب قد ملك فلتبتهج الارض ولتفرح الجزائر الكثيرة».‏ —‏ مزمور ٩٧:‏١‏.‏

ينصح مَثل مدغشقري:‏ «كن كالحرباء —‏ أبقِ عينًا على الماضي وعينًا على المستقبل».‏ فمن الحكمة ان يُبقي المرء عينه على الماضي لكي يتعلم من التجارب السابقة.‏ ولكن لا فائدة من محاولة اعادة إحياء الماضي.‏ فالمستقبل امامنا،‏ وهو يخبئ لنا اجمل الاوقات.‏ فيهوه يعدنا بحياة ابدية في فردوس عالمي يسكنه اناس يحبون فعلا بعضهم بعضا.‏ وشهود يهوه في مدغشقر مصمِّمون على ابقاء اعينهم مركزة على هذا الهدف.‏

‏[صورة تغطي كامل الصفحة ٢٢٤]‏

‏[الصور في الصفحة ٢٣٠]‏

‏(‏١)‏ رابياسي نويل،‏ (‏٢)‏ روبرت نيزبِت،‏ (‏٣)‏ بيرت مَكْلَكي،‏ (‏٤)‏ آدام ليسياك،‏ (‏٥)‏ ادوار مارلو،‏ (‏٦)‏ نَرسيس مارلو

‏[الصورة في الصفحة ٢٣٣]‏

رايمو وڤيرا كوُوكانِن

‏[الصورة في الصفحة ٢٣٥]‏

اندرياموارا فيليكس،‏ احد اوائل الفاتحين الخصوصيين المحليين

‏[الصورة في الصفحة ٢٣٦]‏

كل شيء كان يُنجَز يدويا

‏[الصورة في الصفحة ٢٣٧]‏

راسومالالا لويز،‏ مترجمة منذ وقت طويل

‏[الصورة في الصفحة ٢٤٥]‏

اندرياماسي تيودور يعلّم المرسَلين الجدد المالغاشية

‏[الصورتان في الصفحة ٢٥١]‏

مجمَّع الفرع بعد انتهاء العمل فيه ولجنة الفرع (‏من اليسار الى اليمين)‏:‏ إلِيا،‏ رايمو كوُوكانِن،‏ ديراجْلال باڠْڤاندْجي