الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

أنڠولا

أنڠولا

أنڠولا

استخدم الكتاب المقدس فرسان سفر الرؤيا كرموز لينبئ بكل ما يحدث في ايامنا —‏ حرب ومجاعة،‏ امراض مميتة،‏ عذاب وموت على ايدي اشخاص يتصرفون كالوحوش.‏ (‏كشف ٦:‏٣-‏٨‏)‏ تأثرت الارض بأسرها،‏ ولم تكن أنڠولا مستثناة.‏

لقد هزَّ الركوب الجامح لفرسان سفر الرؤيا هؤلاء البلدَ من اوله الى آخره.‏ وماذا كان وضع شهود يهوه في خضم تلك الظروف؟‏

شهود كثيرون كانوا هدفا لاضطهادات مريرة.‏ فالبعض قُتلوا وهم ابرياء لا دخل لهم في حرب اهلية وحشية لا تنتهي.‏ وكثيرون تضوّروا جوعا نتيجة الاضطراب السياسي والاقتصادي.‏ لكن ايمانهم بيهوه اللّٰه وثقتهم بكلمته لم يخمدا.‏ وظلت رغبتهم القلبية ان يبقوا اولياء للّٰه وأن يقدموا للآخرين شهادة شاملة عن مقاصده.‏ والمحبة التي يظهرونها واحدهم للآخر تعطي دليلا مقنعا انهم تلاميذ حقيقيون ليسوع المسيح.‏ —‏ يوحنا ١٣:‏٣٥‏.‏

تأملوا في مثالين يُظهران قوة ايمانهم.‏ منذ اكثر من ٤٠ سنة،‏ قال مفتش في الشرطة بلهجة صارمة لأحد شهود يهوه:‏ «في أنڠولا .‏ .‏ .‏ قُضي على هيئة برج المراقبة،‏ قُضي عليها نهائيا!‏».‏ ثم هدّد شاهدا آخر وُلد في أنڠولا قائلا:‏ «أتعلم ماذا سيحلّ بك؟‏».‏ اجابه الاخ بهدوء:‏ «اعرف ما بإمكانك ان تفعل بي.‏ وفي اسوإ الاحوال بوسعك قتلي.‏ أيمكنك ان تفعل اكثر من ذلك؟‏ لكنني لن انكر ايماني».‏ وظل هذا الشاهد،‏ جْواوْن مَنْكوكا،‏ ملتصقا بقراره على الرغم من معاملته بوحشية طوال سنوات في السجون والمعسكرات الجزائية.‏

لاحقا،‏ كتب شيخ من مقاطعة هوامبو:‏ «حالتنا مأساوية.‏ تعاني الجماعات مجاعة شديدة ونقصا في الادوية.‏ تعجز الكلمات عن وصف الوضع الراهن وحالة الاخوة الجسدية».‏ ولكنه قال ايضا:‏ «رغم اننا لسنا ابدا بصحة جسدية جيدة،‏ فنحن اصحاء روحيا.‏ فما يحصل هو تماما ما أُنبئ به في متى الاصحاح ٢٤ و ٢ تيموثاوس ٣:‏١-‏٥‏».‏

ما سبب ردود الفعل الايجابية هذه في وجه المحن القاسية؟‏ الايمان والشجاعة الناجمان عن ثقتهم بملكوت اللّٰه برئاسة يسوع المسيح،‏ لا الثقة بأنفسهم او بغيرهم من البشر.‏ فهم يعرفون ان قصد اللّٰه سيُفلح بصرف النظر عمَّن يبدو انه المهيمن الآن،‏ ومهما كانت الاحوال صعبة.‏ وهم مقتنعون كاملا ان ابن اللّٰه الذي يحكم من السماء سينتصر،‏ وفي ظل حكمه ستصبح الارض فردوسا.‏ (‏دانيال ٧:‏١٣،‏ ١٤؛‏ كشف ٦:‏١،‏ ٢؛‏ ١٩:‏١١-‏١٦‏)‏ وشهود يهوه في أنڠولا يعرفون من اختباراتهم الخاصة ان اللّٰه،‏ حتى في ايامنا هذه،‏ يعطي البشر الضعفاء قدرة تفوق ما هو عادي لكي يتمكنوا من الثبات.‏ —‏ ٢ كورنثوس ٤:‏٧-‏٩‏.‏

ولكن قبل ان نتعرَّف اكثر بتاريخ شعب يهوه في أنڠولا،‏ لنلقِ نظرة خاطفة على البلد حيث يعيشون.‏

جوهرة غير مصقولة

تقع أنڠولا في الجزء الجنوبي الغربي من افريقيا،‏ تحدها من الشمال جمهورية الكونڠو الديموقراطية،‏ من الجنوب ناميبيا،‏ من الشرق زامبيا،‏ ومن الغرب المحيط الاطلسي.‏ مساحتها ٧٠٠‏,٢٤٦‏,١ كيلومتر مربع،‏ ما يوازي تقريبا مساحة فرنسا وإيطاليا وألمانيا مجتمعة.‏ كما ان مساحتها هي اكبر بـ‍ ١٤ مرة تقريبا من مساحة الپرتغال التي بدأ استعمارها لأنڠولا في القرن السادس عشر.‏ ونتيجة للاستعمار الپرتغالي،‏ يعتنق ٥٠ في المئة تقريبا من سكان البلد الديانة الكاثوليكية.‏

لا تزال الپرتغالية لغة البلد الرسمية،‏ مع ان أنڠولا هي مجتمع متعدد اللغات.‏ فالأنڠوليون يتكلمون اكثر من ٤٠ لغة،‏ لكنَّ الأومبوندو،‏ الكيمبوندو،‏ والكيكونڠو هي الاكثر شيوعا.‏

على مر السنين،‏ شُحنت ثروات أنڠولا الوافرة الى بلدان اخرى.‏ وخلال الاستعمار أُرسل ملايين العبيد الى البرازيل،‏ التي كانت آنذاك هي ايضا مستعمرة پرتغالية.‏ في ما مضى انتجت تربة أنڠولا الخصبة غلالا وافرة من الموز،‏ المنڠا،‏ الاناناس،‏ قصب السكر،‏ والبن.‏ وبعد ان رُفع نير الاستعمار،‏ اعاق النزاع الاهلي النمو الاقتصادي.‏ لكن أنڠولا لا تزال تملك موارد نفطية غنية ومخزونا ضخما من الألماس وخام الحديد.‏ الا ان اثمن ما فيها شعب متواضع وذو عزيمة قوية،‏ وقد اظهر الآلاف منهم محبة عميقة لكلمة اللّٰه ووعده بمستقبل مشرق في ظل ملكوته.‏

‏«ارمِ خبزك على وجه المياه»‏

قام ڠراي سميث وزوجته اولڠا،‏ فاتحان من كَيپ تاون في جنوب افريقيا،‏ بأول نشاط معروف لشهود يهوه في أنڠولا.‏ ففي تموز (‏يوليو)‏ ١٩٣٨،‏ اتيا من جوهانسبورڠ في سيارة مخصَّصة لإذاعة خطابات مسجَّلة مؤسسة على الكتاب المقدس.‏ كانت السيارة محمَّلة بمطبوعات برج المراقبة.‏ وخلال رحلتهما التي دامت ثلاثة اشهر،‏ حصلا على اشتراكات في مجلة برج المراقبة،‏ ووزَّعا ١٥٨‏,٨ مطبوعة من الكتب المقدسة والكتب والكراريس.‏ لقد وزعا مطبوعات الكتاب المقدس بوفرة في منطقة شاسعة،‏ واصلَين الى اناس في بنڠيلا،‏ لواندا،‏ سا دا بانديرا (‏الآن لوبانڠو)‏،‏ ومدن اخرى في غربي أنڠولا.‏ ولكنّ الحرب العالمية الثانية اندلعت في السنة التالية،‏ فكان من الصعب ان يبقيا على اتصال بالاشخاص الذين اظهروا اهتماما.‏

ولبعض الوقت،‏ كانت النتائج الملموسة لحملتهما الكرازية قليلة نسبيا.‏ ولكن صحَّ المبدأ المذكور في جامعة ١:‏١١‏:‏ «ارمِ خبزك على وجه المياه فإنك تجده بعد ايام كثيرة».‏

مرَّت سنوات قبل ان ينمو بعض بذار الحق،‏ كما يوضح تقرير من مقاطعة أُويلا.‏ فبعد سنوات من الحملة الكرازية التي قام بها الزوجان سميث،‏ تذكَّر سيد يُدعى آندراديه انه عندما كان في الـ‍ ٤١ من عمره ويعيش في سا دا بانديرا حصل على بعض مطبوعات برج المراقبة من عابر سبيل مارٍّ في سيارته كان آتيا من جنوب افريقيا.‏ حصل آنذاك على كتاب الغنى وعلى اشتراك في مجلة برج المراقبة.‏ فكتب الى فرع البرازيل،‏ فرتَّب الفرع ان يُعقد معه درس بيتي في الكتاب المقدس بواسطة المراسلة.‏ ولكن لاحقا توقف الدرس في الكتاب المقدس حين ادرك السيد آندراديه ان بريده مراقَب.‏ وانقطع اتصاله بالشهود طيلة سنوات.‏

سنة ١٩٦٧،‏ انتقلت زولايكا فاريلايرو التي كانت قد اعتمدت حديثا الى سا دا بانديرا.‏ كانت معرفتها للحق ضئيلة نسبيا،‏ ونشاط شهود يهوه آنذاك محظورا في البلد.‏ الا انها كانت توّاقة الى مشاركة الآخرين في ما تعرفه.‏ فبدأت درسا في الكتاب المقدس مع امرأة اخبرتها انها تعرف إسكافا يبدو انه ينتمي الى الدين نفسه.‏ اخذت الاخت فاريلايرو بعض الاحذية لإصلاحها،‏ وعندما أرَت الإسكاف كتاب الحق الذي يقود الى الحياة الابدية،‏ اشرقت عيناه.‏ واستطاعت البدء معه بدرس في الكتاب المقدس.‏ كان هذا الرجل السيد آندراديه الذي كان آنذاك يلازم كرسيا ذا دواليب.‏ لقد عانى جرحا نفسيا إذ كان قد شهد مقتل زوجته.‏ فراقه رجاء الملكوت وتمسك به.‏ واعتمد كواحد من شهود يهوه سنة ١٩٧١ وخدم يهوه بأمانة حتى موته سنة ١٩٨١ بعمر ٨٠ سنة.‏ ورغم عجزه وكبر سنه،‏ كان حضوره القانوني والفعَّال لكل اجتماعات الجماعة مصدر تشجيع كبير للآخرين.‏

جهد لتعليم وتثقيف الأنڠوليين

منذ حوالي ٦٠ سنة،‏ كان سيماون توكو مقترنا بإرسالية معمدانية في شمالي أنڠولا.‏ وأثناء انتقاله من مبانزا كونڠو في أنڠولا الى ليوپولدڤيل في الكونڠو البلجيكي (‏الآن كينشاسا في جمهورية الكونڠو الديموقراطية)‏،‏ توقف توكو عند بيت احد اصدقائه.‏ ورأى هناك نسخة من المجلة لوز إ ڤردادي (‏الآن دسپرتاي!‏‏)‏.‏ وقد احتوت على ترجمة لكراس الملكوت،‏ رجاء العالم بالپرتغالية.‏ اهتم توكو بهذا الكراس،‏ ولكن صديقه لم يكن مهتما به فقال لتوكو ان يأخذه.‏ وبهذه الطريقة حصل هو ايضا على احدى مطبوعات الكتاب المقدس التي يصدرها شهود يهوه.‏

بعد ان وصل توكو الى ليوپولدڤيل في سنة ١٩٤٣،‏ انشأ جوقة مرتِّلين كبرت على مر السنين وصارت تضم مئات الاعضاء.‏ ولأنه كان يرغب في تعليم وتثقيف ابناء بلده الأنڠوليين المغتربين،‏ ترجم كراس الملكوت،‏ رجاء العالم بلغة الكيكونڠو.‏ وتدريجيا ادخل في التراتيل التي ألَّفها رجاء الملكوت وحقائق الكتاب المقدس الاخرى التي تعلمها.‏ كما انه استعمل تلك المعلومات في مناقشات الكتاب المقدس مع بعض اعضاء جوقته.‏ وفي سنة ١٩٤٦،‏ ابتدأ جْواوْن مَنْكوكا،‏ أنڠولي آخر يعمل في ليوپولدڤيل،‏ يعاشر توكو وفريقه لدرس الكتاب المقدس.‏ كانت الاجتماعات تعقد في امسيات السبوت والآحاد،‏ وكان مَنْكوكا دائما بين الحضور الذي يناهز الخمسين شخصا.‏

سنة ١٩٤٩،‏ شعر اعضاء الفريق بضرورة اخبار الآخرين بما كانوا يتعلمونه،‏ فبدأ كثيرون منهم يكرزون في ليوپولدڤيل.‏ فأثار ذلك غضب رجال الدين المعمدانيين والسلطات البلجيكية.‏ وسرعان ما أُوقف كثيرون من فريق توكو،‏ ومن بينهم جْواوْن مَنْكوكا.‏ فسُجنوا عدة اشهر،‏ والذين رفضوا ان يتركوا هذه الحركة المقترنة بتوكو ورفضوا التوقف عن قراءة المطبوعات التي تصدرها جمعية برج المراقبة رُحِّلوا الى بلدهم أنڠولا.‏ وكان عددهم في النهاية ٠٠٠‏,١ شخص تقريبا.‏

حارت السلطات الپرتغالية في أنڠولا في ما ستفعل بهم.‏ وأخيرا تشتَّت الذين أُعيدوا الى أنڠولا في مختلف انحاء البلد.‏

في ذلك الوقت تقريبا،‏ في سنة ١٩٥٠،‏ أُدخل حق الكتاب المقدس الى هوامبو،‏ ثاني اكبر مدينة في أنڠولا،‏ المعروفة آنذاك باسم لشبونة الجديدة.‏ مرَّ بعض الوقت قبل ان يتقدم العمل هناك،‏ ولكن اخيرا كان جْواوْن دا سيلڤا ڤيما،‏ لايوناردو سونجامبا،‏ اڠوشتينيو تشيمبيلي،‏ ماريا إتوسي،‏ وفرانسيسكو پورتوڠال إليزاوو بين الذين صاروا خداما اولياء ليهوه في تلك المدينة.‏ وساعدوا عائلاتهم ايضا ان يتعلموا عن يهوه ومقاييسه البارة.‏

أُرسل توكو وآخرون غيره للعمل في مزرعة للبن في الشمال.‏ ولكن للأسف كانت وجهة نظر توكو تتغير.‏ ففيما كان توكو وفريقه لا يزالون في ليوپولدڤيل،‏ كان أتباع سيمون كيمبانڠو الذين يمارسون الارواحية يحضرون اجتماعاتهم.‏ وفي احد الاجتماعات،‏ اختبروا ما اعتبره البعض انسكابا للروح.‏ ولكنهم لم ‹يمتحنوا ليروا هل هذا الروح هو من اللّٰه›.‏ (‏١ يوحنا ٤:‏١‏)‏ فلم يُسرّ جْواوْن مَنْكوكا حين رأى ان الاتكال على ‹الروح› يحل محل درس الكتاب المقدس.‏

عندما أُعيدوا الى أنڠولا،‏ وجد جْواوْن مَنْكوكا نفسه في لواندا.‏ فقام هو وسالا فيلِمون وكارلوس اڠوشتينيو كادي بحثّ الآخرين في فريقهم على الالتصاق بالكتاب المقدس ورفض الممارسات التي لا تنسجم معه.‏ ولاحقا عندما نُقل توكو الى الجنوب،‏ مرَّ في لواندا.‏ وكان واضحا انه صار متأثرا جدا بمعتقدات أتباع كيمبانڠو.‏

سنة ١٩٥٢،‏ بسبب وشاية احد المقترنين بالفريق،‏ أُوقف جْواوْن مَنْكوكا،‏ كارلوس اڠوشتينيو كادي،‏ وسالا فيلِمون ونُفوا الى باييا دوس تيڠرش،‏ مستعمرة جزائية ذات صلة بموقع لصيد السمك.‏ كان الخائن رجلا مُرعبا له زوجتان.‏ ومحاولاته لتنصيب نفسه قائدا للفريق في لواندا كادت تجعل البعض يتركون الفريق.‏ الا ان طرقه الملتوية اوقعته في مشاكل مع السلطات،‏ ونُفي هو ايضا الى المستعمرة الجزائية.‏

زائر بمهمة ثلاثية

خلال سنة ١٩٥٤ تلقى فرع جنوب افريقيا عددا من الرسائل من الفريق في باييا دوس تيڠرش.‏ وكانوا يرغبون في الحصول على مطبوعات للكتاب المقدس.‏ لذلك أُرسل من فرنسا الى أنڠولا في سنة ١٩٥٥ جون كوك،‏ مرسل لجمعية برج المراقبة.‏ كانت مهمته ثلاثية:‏ ان يتحقق من التقارير التي تذكر انه يوجد ٠٠٠‏,١ شاهد في أنڠولا،‏ ان يحاول مساعدتهم إن امكن،‏ وأن يرى ماذا يمكن ان يُفعل لتثبيت نشاط شهود يهوه شرعيا في أنڠولا.‏ بعد ان التقى فرقا عديدة،‏ كشف بحثه الذي دام خمسة اشهر انه يوجد اقل بكثير من ٠٠٠‏,١ شاهد.‏ وكما اظهر تقرير خدمة الحقل في أنڠولا لسنة ١٩٥٥،‏ لم يكن هنالك سوى ٣٠ ناشرا للبشارة في البلد بكامله.‏

مضت عدة اسابيع قبل ان تسمح السلطات الپرتغالية لجون كوك بأن يزور جْواوْن مَنْكوكا والفريق الصغير في باييا دوس تيڠرش في جنوبي أنڠولا.‏ سُمح للأخ كوك بأن يبقى هناك خمسة ايام،‏ وأقنع شرحه للكتاب المقدس مَنْكوكا والآخرين انه يمثل الهيئة التي تخدم حقا يهوه اللّٰه.‏ وفي آخر يوم من زيارته،‏ قدَّم الاخ كوك خطابا عاما بعنوان:‏ «بشارة الملكوت هذه» لفريق مؤلف من ٨٠ شخصا تقريبا،‏ بمن فيهم المسؤول الاعلى عن المستعمرة الجزائية.‏

اثناء الاشهر التي قضاها الاخ كوك في أنڠولا،‏ تمكن من الاتصال بتوكو وبآخرين ايضا في عدة اماكن كانوا يعتبرون توكو رئيسهم.‏ فتبين ان كثيرين منهم اشخاص متعصِّبون يتبعون توكو وغير مهتمين بنشاط شهود يهوه.‏ الا ان الشاب انطونيو بيزي من لواندا كان مختلفا،‏ اذ كان راغبا في التعلم اكثر عن مقاصد يهوه.‏ كان توكو في ذلك الوقت محتجَزا في قرية قرب سا دا بانديرا،‏ ولم يكن يُسمح له بأن يرسل او يتلقى مكاتيب.‏

كانت زيارة الاخ كوك مشجِّعة جدا للفريق الصغير من الاشخاص الامناء في باييا دوس تيڠرش.‏ يتذكر الاخ مَنْكوكا ان هذه الزيارة اكَّدت لهم انهم «ليسوا سائرين في الطريق الخاطئ».‏ وكشفت ايضا ان هنالك إمكانية للنمو،‏ رغم ان عدد الشهود هو اقل مما قيل.‏ وذكر الاخ كوك في تقريره ان بعض الذين التقاهم كانوا «توّاقين الى التعلم» وأنه «يوجد حقل ممتاز هنا كما يبدو».‏

المزيد من التشجيع

بعد سنة من زيارة الاخ كوك،‏ ارسلت الجمعية الى لواندا اخا مقتدرا آخر،‏ مرڤين پاسلو،‏ متخرج من مدرسة جلعاد،‏ مع زوجته اورورا.‏ وكان لديهما لائحة جمعها جون كوك بنحو ٦٥ مشتركا في المجلات وغيرهم من الاشخاص المهتمين.‏ في البداية،‏ كان من الصعب على الزوجين پاسلو ان يصلا الى المشتركين،‏ اذ كانت المجلات تصل الى صناديق مكتب البريد وليس الى عناوين البيوت.‏ ولكن في ذلك الوقت عادت امرأة تُدعى بيرتا تِشيرا الى لواندا من الپرتغال،‏ حيث كانت قد التقت شهود يهوه وأظهرت اهتماما كبيرا بحق الكتاب المقدس.‏ فأعلم المكتب في لشبونة الزوجين پاسلو انها آتية الى لواندا،‏ فبدأا معها على الفور درسا في الكتاب المقدس.‏ وكان احد اقرباء بيرتا يعمل في مكتب البريد،‏ فساعدهما على ايجاد عناوين المشتركين،‏ وصار عدد كبير منهم تلاميذ متحمسين للكتاب المقدس.‏ وسرعان ما صار هؤلاء يتكلمون الى اصدقائهم وجيرانهم.‏ وفي غضون ستة اشهر كان الزوجان پاسلو يدرسان مع اكثر من ٥٠ شخصا.‏

بعد بضعة اشهر من وصول الزوجين پاسلو،‏ اخذا يعقدان دروسا قانونية في الكتاب المقدس في غرفتهما باستعمال مجلة برج المراقبة.‏ وفي نهاية الشهر الاول لم تعد الغرفة تسع.‏ كانت بيرتا تِشيرا تدير مدرسة لتعليم اللغة،‏ فعرضت ان يستعملا احدى غرف الصف للاجتماعات.‏ وبعد ثمانية اشهر اجرى شهود يهوه اول معمودية في أنڠولا في خليج لواندا.‏

بسبب الوضع آنذاك في أنڠولا،‏ كان اتصال الزوجين پاسلو بالاخوة الافريقيين محدودا.‏ الا ان البعض منهم قاموا بزيارتهما.‏ وكان احد الذين أتوا قانونيا للدرس انطونيو بيزي،‏ الذي وصفه جون كوك بالتلميذ الجديّ.‏ كما ان جْواوْن مَنْكوكا،‏ الذي كان لا يزال محتجَزا،‏ ارسل اليهما رسائل تشجيع.‏

ولكن بعد تلك المعمودية الاولى رفضت الحكومة ان تجدد تأشيرتَي الزوجين پاسلو،‏ فكان عليهما ان يغادرا البلد.‏ لقد قاما بعمل ممتاز،‏ عمل غرس «بذور» وسقي بذور غرسها آخرون.‏ (‏١ كو ٣:‏٦‏)‏ كما انهما انشأا علاقة ودّ قوية تربطهما بالاخوة الأنڠوليين.‏ وبسبب العداء الذي اظهرته الشرطة تجاه الزوجين پاسلو،‏ حذّرا الاخوة المحليين،‏ وخصوصا الافريقيين،‏ من ان يحاولوا توديعهما.‏ الا ان رباط المحبة كان قويا جدا.‏ فكان كثيرون حاضرين ليعبّروا عن محبتهم فيما كان الزوجان پاسلو يتوجهان الى السفينة.‏

بينما كان الزوجان پاسلو لا يزالان في لواندا في سنة ١٩٥٨،‏ زارهما ناظر الاقليم،‏ هاري ارنوت.‏ وفي شباط (‏فبراير)‏ سنة ١٩٥٩،‏ عندما حاول ان يزور أنڠولا ثانية كناظر اقليم،‏ كان فريق صغير يشمل الاخ مَنْكوكا والاخت تِشيرا حاضرا ليستقبله في المطار.‏ ولكنّ الشرطة تدخلت فورا وأبعدت الاخ ارنوت عن الفريق وفتشت حقائبه.‏

لاحقا وجد الاخ ارنوت نفسه في الغرفة عينها المحتجَز فيها الاخ مَنْكوكا.‏ وعندما رأى أحدهما الآخر،‏ ضحكا.‏ لكنّ مفتش الشرطة لم يرَ ما يضحك في وضعهما هذا،‏ فقال غاضبا للأخ مَنْكوكا:‏ «أتعلم ما سيحلّ بك؟‏».‏ بهدوء اجابه الاخ مَنْكوكا الذي كان قد قضى ست سنوات في السجن وضُرب تكرارا:‏ «لا استطيع ان ابكي.‏ اعرف ما بإمكانك ان تفعل بي.‏ في اسوإ الاحوال بوسعك قتلي.‏ أيمكنك ان تفعل اكثر من ذلك؟‏».‏ وختم قوله بثبات:‏ «لكنني لن انكر ايماني».‏ ثم نظر الى الاخ ارنوت وابتسم ابتسامة تشجيع.‏ يتذكر الاخ ارنوت:‏ «بدا غير مكترث البتة بمأزقه،‏ وكان همه الوحيد الا يثبطني ما يحدث.‏ كانت لحظة مشجِّعة للغاية ان ارى الموقف الثابت والشجاع الذي اتخذه هذا الاخ الافريقي بعد سنوات من السجن».‏

أُبعد الاخ ارنوت عن البلد وأُرسل في الطائرة نفسها التي اتى بها،‏ ولكن بعد ان كان له هذا اللقاء الوجيز ولكن البنّاء بالاخ مَنْكوكا.‏ وبعد سبع ساعات من التحقيقات،‏ أُخلي سبيل الاخ مَنْكوكا ايضا.‏

بعد هذه الحادثة بأسبوع،‏ اعتمد الاخ مَنْكوكا اخيرا مع صديقَيه كارلوس كادي وسالا فيلِمون.‏ وفي ذلك الوقت تقريبا،‏ استؤجرت غرفة في سامبيزانڠا،‏ احدى ضواحي لواندا،‏ وهناك عُقدت اجتماعات اول جماعة رسمية لشهود يهوه في أنڠولا.‏ آنذاك كان بإمكانهم بدء الاجتماع وإنهاؤه بترنيمة،‏ وقد لفت هذا الترنيم انتباه مَن في الجوار.‏ وما اثر في كثيرين هو ان الذين يحضرون درس مجلة برج المراقبة باستطاعتهم المشاركة في الاجوبة خلال الاجتماع،‏ وأنه يُسمح لهم بطرح الاسئلة بعد الاجتماعات.‏ وقد اعطت هذه المشاركة،‏ التي لم تكن موجودة في كنائس العالم المسيحي،‏ زخما كبيرا للعمل هناك.‏

‏«حذرين كالحيات»‏

سنة ١٩٦٠،‏ نُقل عمل الاشراف على الكرازة بالبشارة في أنڠولا من فرع جنوب افريقيا الى فرع الپرتغال.‏ وقد عمل ذلك على تقوية العلاقات بين شهود يهوه في البلدين بخلاف العلاقة السياسية المتدهورة بين أنڠولا والپرتغال،‏ التي استعمرت أنڠولا فترة طويلة.‏

وباستقلال البلد المجاور،‏ الكونڠو البلجيكي،‏ والحرب الاهلية هناك تأثر كثيرا الوضع السياسي في أنڠولا.‏ فزادت حكومة الاستعمار من تيقظها،‏ ولكنها لم تستطع منع اندلاع حرب عصابات في أنڠولا مطالبة بالاستقلال.‏ وفي كانون الثاني (‏يناير)‏ سنة ١٩٦١،‏ انفجر الوضع في وسط أنڠولا.‏ وقد ادى ذلك الى محاولة انقلاب على الحكومة في لواندا في شباط (‏فبراير)‏.‏ ثم في آذار (‏مارس)‏،‏ بعد منازعات حول الأجور في منطقة الكونڠو الفقيرة في الشمال،‏ قتل الأنڠوليون مئات من المستوطنين الپرتغاليين.‏ وأدى ذلك الى انتقام على نطاق ضخم جدا.‏

خلال ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ نشأت ثلاث حركات رئيسية مناهضة للاستعمار:‏ حركة التحرير الشعبية الشيوعية في أنڠولا،‏ جبهة التحرير القومية في أنڠولا،‏ والاتحاد القومي للاستقلال التام في أنڠولا.‏

على الفور خلقت هذه الحرب الاهلية مشاكل للفريق الصغير من شهود يهوه.‏ ووصفتهم الصحافة بأنهم «بدعة مضادة للمسيحية وهدّامون للمجتمع».‏ كما حرَّف الصحافيون مقالات من استيقظ!‏ وادّعوا ان هدف الشهود «تبرير الاعمال الارهابية التي يشهدها مؤخرا شمالي المنطقة،‏ إن لم يكن التحريض عليها».‏ وتحت صورة لِـ‍ استيقظ!‏ وُضع التعليق:‏ «الدعاية الدينية تسمِّم روح ابناء البلد».‏

وخلال تلك الفترة عينها،‏ روقب جميع شهود يهوه مراقبة دائمة.‏ وكان كل البريد الذي يصلهم مراقَبا بشدة،‏ مما جعل الاتصال بفرع الپرتغال محدودا وصعَّب جدا الحصول على مطبوعات برج المراقبة.‏ وكانت الشرطة تستجوب الذين تصلهم اية مطبوعات بواسطة البريد.‏

كانت حكومة الاستعمار ترتاب من اية اجتماعات تُعقد بين اكثر من شخصين ليسا من العائلة نفسها.‏ لذلك على سبيل الاحتياط،‏ غيَّر الاخوة اماكن الاجتماعات واجتمعوا في فرق صغيرة.‏ ومع ذلك،‏ في سنة ١٩٦١،‏ حضر ذكرى موت المسيح ١٣٠ شخصا.‏ وبعد ذلك قام الاخوان مَنْكوكا وفيلِمون بزيارة الذين حضروا ليتأكدا من وصولهم الى بيوتهم آمنين.‏ وقد قوَّى الاهتمام الحبي الذي اظهراه اخوتَهم المسيحيين.‏

وقت امتحانات قاسية

يعطي اختبار سيلڤيشتره سيماون فكرة عمَّا كان على تلاميذ الكتاب المقدس الجدد ان يواجهوه في ذلك الوقت.‏ سنة ١٩٥٩،‏ وهو لا يزال في المدرسة،‏ اعطاه رفيقه في الصف نشرة «نار الهاوية —‏ من حقائق الكتاب المقدس أم خوف وثني؟‏».‏ قال لاحقا:‏ «كانت قراءة هذه النشرة نقطة التحول في حياتي.‏ فعند معرفة الحقيقة عن الهاوية،‏ التي تعلمت ان اخاف منها،‏ توقفت على الفور عن الذهاب الى الكنيسة وبدأت اقرأ مطبوعات الجمعية».‏

في تلك الاوقات العصيبة،‏ لم يكن الشهود يدعون المهتمين الى اجتماعاتهم على الفور.‏ ولكن بعد سنتين شعر الشهود ان دعوة سيلڤيشتره لن تنطوي على مخاطرة.‏ بعد حضوره الاجتماع الاول،‏ طرح اسئلة عن السبت.‏ وما سمعه اقنعه انه وجد الحق.‏ ولكن هل كان تقديره للحق عميقا كفاية؟‏ في الاسبوع التالي،‏ في ٢٥ حزيران (‏يونيو)‏ سنة ١٩٦١،‏ عندما حضر الاجتماع الثاني وُضع تقديره لما تعلمه تحت الامتحان.‏ فقد اوقفت دورية عسكرية الاجتماع.‏ وأُمر جميع الرجال ان يخرجوا وضُربوا بأنابيب فولاذية.‏ تذكَّر احد الاخوة:‏ «ضُربنا كما يُضرب الحيوان الشرس بغية قتله —‏ نعم،‏ كما يُضرب الخنزير بهراوة كي يموت قبل ان يُباع في السوق».‏ ولا تزال ندوب ذلك الضرب بادية على جسم سيلڤيشتره سيماون وآخرين غيره.‏ ثم ساقوهم في صف،‏ الواحد خلف الآخر،‏ الى ملعب لكرة القدم حيث كانت في انتظارهم مجموعة كبيرة من الاوروپيين المغتاظين الذين فقدوا مؤخرا عائلاتهم في الحرب في شمالي أنڠولا.‏ مرة أخرى ضُرب الاخوة بوحشية على يد الجنود والجمع المحتشد،‏ بمن فيهم بعض الاوروپيين.‏

ثم وُضع سيلڤيشتره والاخوة الآخرون في شاحنات،‏ وأُخذوا الى سجن سان پاولو الذي كان تحت اشراف الشرطة السرية السيئة السمعة.‏ ضُرب الاخوة بوحشية مرة اخرى وأُلقوا في زنزانة الواحد فوق الآخر.‏ وبما ان جروحهم كانت خطرة للغاية وكانوا ينزفون بغزارة،‏ تُركوا هناك واعتُبروا في عداد الاموات.‏

كان جْواوْن مَنْكوكا في نظر السلطات قائد ذلك الفريق لأنه كان يدير درس مجلة برج المراقبة.‏ فأُخذ ليُعدَم بعد ذلك الضرب المبرِّح،‏ إذ كان متَّهما بالتخطيط لمهاجمة البيض،‏ استنادا الى فقرة في مجلة برج المراقبة اساءت السلطات فهمها.‏ فسأل الاخ مَنْكوكا ماذا تكون نظرتهم اذا وجدوا المجلة نفسها مع اشخاص اوروپيين او مع عائلة في البرازيل او في الپرتغال؟‏ وأشار ان هذه المجلة عالمية ويدرسها اناس من كل القوميات.‏ للتأكد من الامر،‏ ساقته السلطات الى بيت عائلة پرتغالية من شهود يهوه.‏ وعندما رأوا المجلة نفسها هناك وعلموا ان هذه العائلة درست المواد نفسها،‏ غيّروا رأيهم بشأن اعدامه.‏ وأُعيد الاخ مَنْكوكا الى سجن سان پاولو حيث الاخوة الآخرون.‏

ولكن لم يكن الجميع راضين.‏ فعندما وصلوا الى سجن سان پاولو،‏ اراد آمر السجن،‏ وهو رجل پرتغالي نحيف،‏ ان يكون الاخ مَنْكوكا «تحت رعايته».‏ وشملت هذه ‹الرعاية› ان يبقى طيلة بعد الظهر تحت الشمس المحرقة دون طعام.‏ ثم في الساعة الخامسة،‏ اخذ آمر السجن سوطا وراح يضرب الاخ مَنْكوكا به.‏ يتذكر الاخ:‏ «لم ارَ قط شخصا يستعمل السوط كما استعمله هو.‏ قال انه لن يتوقف حتى اسقط ميتا».‏ استمر الضرب القاسي ساعة كاملة،‏ ولكن في النهاية لم يعد الاخ مَنْكوكا يشعر بأي الم.‏ ثم،‏ وسط كل هذا الضرب،‏ احس فجأة برغبة شديدة في النوم.‏ فاقتنع آمر السجن المُنهَك ان مَنْكوكا مائت لا محالة،‏ فجرّه احد الجنود بعيدا ووضعه تحت صندوق.‏ وعندما اتت الميليشيا ليلا للتأكد من موته،‏ اراهم الجندي الصندوق الذي وُضع مَنْكوكا تحته وقال لهم انه ميت.‏ ومن المدهش انه تعافى،‏ وقد صُعق الجندي نفسه لرؤية الأخ مَنْكوكا حيا في صالة الطعام بعد ثلاثة اشهر.‏ فأخبر الاخَ مَنْكوكا تفاصيل ما حدث في تلك الليلة.‏ ان الرغبة الشديدة الفجائية في النوم خلّصت الاخ من موت محتَّم.‏

استطاع الاخ مَنْكوكا ان ينضم الى باقي الاخوة،‏ وعقدوا اجتماعات في السجن.‏ وخلال الاعتقال الذي دام خمسة اشهر في سجن سان پاولو،‏ أُلقيت ثلاث مرات خطابات عامة على حضور يبلغ ٣٠٠ شخص تقريبا.‏ وتقوت الجماعات في الخارج نتيجة الشهادة التي أُعطيت في السجن،‏ لأن كثيرين من السجناء الذين اظهروا اهتماما تقدموا الى درجة المعمودية بعد اطلاق سراحهم.‏

خلال الاشهر التي قضاها سيلڤيشتره سيماون في ذلك السجن،‏ تمكّن من الانضمام الى الفريق هناك ودرس الكتاب المقدس بطريقة نظامية،‏ ونال بالتالي القوة الروحية الضرورية.‏ من هناك نُقل اعضاء الفريق الى السجون ومعسكرات العمل الالزامي الاخرى حيث أُخضعوا لمزيد من الضرب الوحشي والاشغال الشاقة.‏ وبعد اربع سنوات من السجن في مواقع مختلفة،‏ أُطلق سراح سيلڤيشتره في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ سنة ١٩٦٥.‏ فعاد الى لواندا حيث انضم الى فريق الشهود الذين يجتمعون في منطقة رانجل.‏ واعتمد اخيرا في سنة ١٩٦٧،‏ بعد ان امتُحن ايمانه.‏ ولكن لم يُطلق سراح الآخرين في السجن،‏ ومن بينهم الاخ مَنْكوكا،‏ حتى سنة ١٩٧٠،‏ ولكنه عاد وسُجن مجددا.‏

‏«لا يتعلمون الحرب في ما بعد»‏

كان البلد منغمسا في الحرب.‏ ولكن الكتاب المقدس يقول انه حين يتعلم الناس طرق يهوه،‏ «يطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل .‏ .‏ .‏ ولا يتعلمون الحرب في ما بعد».‏ (‏اشعياء ٢:‏٣،‏ ٤‏)‏ فماذا كان سيفعل الشبان في أنڠولا؟‏

في آذار (‏مارس)‏ سنة ١٩٦٩ شرعت الحكومة في حملة وحشية ضد كل من يرفض التخلي عن حياده المسيحي.‏ وكان من اوائل الذين أُوقفوا انطونيو ڠوڤايه وجْواوْن پِراييره في لواندا.‏ اعتُقل الاخ ڠوڤايه في مكان عمله وأُلقي في زنزانة قذرة.‏ ولم يُسمح لأمه بزيارته الا بعد ٤٥ يوما.‏

وفي هوامبو كان فِرناندو ڠوڤايه،‏ انطونيو ألبرتو،‏ وأنطونيو ماتِياس بين الذين أُوقفوا.‏ كانوا يُضربون بوحشية ثلاث مرات في اليوم،‏ لدرجة ان امّ فرناندو لم تعرفه بعد الضرب.‏ اخيرا،‏ حين كتب الاخوة رسالة الى قائد القوات المسلحة واصفين المعاملة المؤذية التي يتعرضون لها،‏ خفَّت الاعمال الوحشية.‏

يتذكر انطونيو ڠوڤايه بعض الامور التي ساعدتهم على الاحتمال.‏ من وقت الى آخر كانت امه تخبئ صفحة من مجلة برج المراقبة في الطعام الذي تحضره له.‏ «ساعدنا ذلك على إبقاء ذهننا يقظا.‏ كما ساهم في المحافظة على روحياتنا».‏ ويقول ايضا:‏ «كنا نبشّر الحيطان بأيّ موضوع مؤسس على الكتاب المقدس يخطر على بالنا».‏ وللمحافظة على معنويات عالية،‏ كان بعض الاخوة يلجأون الى الفكاهة.‏ فكما لو كانوا يذيعون خبرا هاما،‏ كانوا يعلنون بصوت عالٍ عدد الذباب الذي قتلوه في زنزاناتهم.‏

وبين المسجونين في أنڠولا ستة شبان پرتغاليين أُرسلوا للانخراط في الخدمة العسكرية،‏ ولكنهم رفضوا وفقا لما يمليه عليهم ضميرهم.‏ دايڤيد موتا،‏ وهو واحد منهم،‏ يتذكر:‏ «شعرنا بحماية يهوه عدة مرات.‏ فقد لجأ الرسميون الى شتى الطرق لجعلنا نكسر استقامتنا،‏ مركزين على غير المعتمدين بعد.‏ وكانت احدى الخطط التي استخدموها مرارا تقضي بإيقاظنا في منتصف الليل،‏ اختيار خمسة من الفريق،‏ ثم انتقاء شخص واحد،‏ تصويب مسدس من المفترض ان يكون محشوا الى رأسه،‏ ثم الضغط على الزناد.‏ وبعد عودتنا الى اسرّتنا بثلاثين دقيقة كانوا يعيدون الكَرَّة.‏ الشكر ليهوه اننا بقينا جميعا احياء.‏ اخيرا كسبنا احترام السلطات وسُمح لنا بعقد اجتماعات في السجن.‏ وكم أسعدتنا رؤية ستة سجناء معنا يعتمدون وهم في السجن!‏».‏

مع انه قيل للاخوة انهم لن يغادروا السجن قبل الـ‍ ٤٥ من العمر،‏ لم يكن عليهم ان ينتظروا ذلك الوقت الطويل.‏ ولكن تلك الاوقات كانت اوقاتا صعبة.‏ الا ان ما مرّوا به محَّص ايمانهم.‏ واليوم معظم اولئك الاخوة يخدمون كشيوخ في الجماعات.‏

انتهاء الحكم الاستعماري فجأة

في ٢٥ نيسان (‏ابريل)‏ سنة ١٩٧٤،‏ حصل انقلاب في الپرتغال وأسقط النظام الديكتاتوري هناك.‏ فانتهت الحرب الاستعمارية التي دامت ١٣ سنة في أنڠولا،‏ وأخذت القوات الپرتغالية في الانسحاب.‏ فأقيمت حكومة انتقالية من المفترض ان تقوم بمهامها مدة عشرة اشهر بدءا من ٣١ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٧٥،‏ ولكنها دامت ستة اشهر فقط.‏

في بادئ الامر استفاد شهود يهوه من هذا التغيير المفاجئ.‏ فالشهود الـ‍ ٢٥ المحبوسون في سجن كابو ليدو بسبب حيادهم نالوا عفوا عاما في ايار (‏مايو)‏.‏ وبينهم الشهود الستة الپرتغاليون الذين رفضوا الاشتراك في اي حرب،‏ بما فيها الحروب ضد المستعمرات الافريقية.‏ فماذا كان سيفعل هؤلاء الاخوة الاوروپيون بحريتهم غير المتوقعة؟‏ يقول دايڤيد موتا:‏ «إذ قوَّتنا علاقتنا الحميمة بيهوه في السجن،‏ قرّرنا نحن الستة جميعا ان نبقى في أنڠولا ونباشر فورا خدمة الفتح».‏

كان جو التسامح الديني امرا جديدا بالنسبة الى الشهود الـ‍ ٥٠٠‏,١ في أنڠولا.‏ فالشرطة السرية رحلت،‏ الاعتقالات توقفت،‏ وبإمكان الشهود ان يجتمعوا بحرية.‏ فتشوا في لواندا للعثور على قاعات محاضرات،‏ مراكز تسلية،‏ او اية امكنة اخرى تسع العدد المتزايد من شهود يهوه.‏ فالجماعات الـ‍ ١٨ في البلد كانت تجتمع،‏ حتى ذلك الحين،‏ في بيوت خاصة.‏

صُنعت الترتيبات لعقد اجتماع خدمة خصوصي في قاعة سكة الحديد.‏ وبين الـ‍ ٤٠٠ اخ المدعوين من جماعات مختلفة كان هوسّيه اوڠوشتو،‏ وهو الآن احد اعضاء عائلة بيت ايل في الپرتغال.‏ يتذكر:‏ «كنت ارى هناك للمرة الاولى هذا العدد الكبير من الاخوة والاخوات مجتمعين معا بحرية!‏ لم نكن نصدق ما يحدث.‏ كان الجو مليئا بالإثارة،‏ إذ كان الاخوة يعاشرون واحدهم الآخر بحرية ويتمتعون برفقة الاخوة من جماعات اخرى».‏

افراح روحية في اوقات مضطربة

كان هنالك تنازع على السلطة بين الحركات القومية المتنافسة الثلاث:‏ حركة التحرير الشعبية الشيوعية في أنڠولا،‏ جبهة التحرير القومية في أنڠولا،‏ والاتحاد القومي للاستقلال التام في أنڠولا.‏ واقتحمت الفرق المسلحة من الاطراف المتنافسة لواندا وأقامت لها مراكز قيادة.‏ يروي لُويش سابينو،‏ احد شهود العيان:‏ «في البداية،‏ كانت تُسمع فقط نيران القنَّاصين».‏ «ثم اذ تزايدت الضغينة،‏ استُعملت اسلحة اقوى.‏ فظهرت الدبابات في الشوارع،‏ وأُطلقت الصواريخ.‏ ودُمّرت مئات المنازل،‏ من ضمنها بيوت اخوتنا».‏

اقتضت الحكمة ان يستمر عقد اجتماعات الجماعة في اماكن عقد دروس الكتاب.‏ يتذكر مانويل كونيا:‏ «كان شائعا ان تقاطع الاجتماعات رشقات الرشاشات الصادرة من مكان قريب».‏ «كنا ننحني جميعا الى ان يتوقف اطلاق النار،‏ ثم نستأنف البرنامج.‏ وفي بعض الاحيان كنا نطفئ الانوار لئلا نلفت الانتباه.‏ وعندما ينتهي الاجتماع كان الاخوة يغادرون باحتراس».‏

رغم المخاطر كان الاخوة مصممين على توسيع خدمتهم.‏ يشرح دِلوسيريو اوليڤايرا:‏ «كان عملنا محظورا في ظل حكومة الاستعمار،‏ لذلك كان الذهاب بحرية من بيت الى بيت امرا جديدا بالنسبة الى معظم الناشرين.‏ فأخذ الفاتحون القيادة وشجعوا الآخرين على مرافقتهم.‏ وكان هنالك دعم جيد لاجتماعات خدمة الحقل».‏ الا انهم كانوا عائشين في جو الحرب.‏ يتابع الاخ اوليڤايرا قائلا:‏ «كان طبيعيا ان نسمع اطلاق نار ونحن في خدمة الحقل.‏ وفي بعض الاحيان كان علينا ان ننزل عن الرصيف لئلا نمشي على الدم المراق حديثا.‏ وفي احيان اخرى كنا نشاهد جثثا في الطريق».‏

كانت اثنتان من اخواتنا،‏ احداهما فاتحة،‏ في خدمة الحقل عندما سمعتا انفجار قنابل في مكان قريب.‏ انحنت احداهما ولصقت قدر المستطاع بحائط،‏ ثم اقترحت ان تعودا الى البيت.‏ لكن الفاتحة شجعتها على متابعة الخدمة لبعض الوقت،‏ وأكدت لها انهما ستوقفان عملهما اذا سمعتا ثانية انفجار القنابل.‏ في وقت لاحق من ذلك الصباح،‏ بدأتا بدرس في الكتاب المقدس مع زوجين طلبا ان يُعقد الدرس ثلاث مرات في الاسبوع.‏

ولم تمنع الاحوال المتقلقلة الاخوة من عقد اول محفل دائري لهم في مبنى عام في آذار (‏مارس)‏ ١٩٧٥.‏ فاستؤجرت اكبر باحة مسقوفة في لواندا لهذه المناسبة.‏ وعلى سبيل الاحتياط لم يُدعَ سوى الذين كانوا يحضرون الاجتماعات قانونيا.‏ ومع ذلك وصل عدد الحضور الى ٨٨٨‏,٢ شخصا.‏

بما ان كل الامور جرت على ما يرام،‏ دعا الاخوة الاشخاص المهتمين والذين يدرسون الكتاب المقدس الى المحفل الثاني.‏ يروي أنيبال ماڠاليِنش:‏ «ما اثَّر فينا لدى دخولنا مكان عقد المحفل هو محور المحفل مكتوبا بأحرف كبيرة فوق المنصة:‏ ‹ايّ اناس يجب ان تكونوا.‏ —‏ ٢ بطرس ٣:‏١١‏›.‏ وقبل ان يبدأ البرنامج،‏ اكتظ المكان بالناس.‏ وغمر السرور قلبنا عندما ذُكر ان عدد الحضور هو ٧١٣‏,٧ شخصا.‏ كثيرون لم يقدروا ان يحبسوا دموع الفرح.‏ فما كنا نراه اشار بوضوح الى عمل تجميع عظيم كامن امامنا،‏ وشكرنا يهوه اننا موجودون هنا في هذا اليوم».‏

بعد الصلاة الختامية،‏ فيما كان الاخوة ينظفون المكان،‏ بدأ اطلاق النار ثانية،‏ وهذه المرة في المنطقة بكاملها.‏ وكان ذلك مذكِّرا آخر انهم ‹ساكنون بين مبغضي السلام›.‏ —‏ مزمور ١٢٠:‏٦‏.‏

الحرب تمزّق البلد

كانت الفرق السياسية المتنافسة الثلاث تمزِّق البلد،‏ وصارت لواندا ساحة القتال الرئيسية.‏ شُكِّلت الميليشيات عن طريق التجنيد الالزامي للرجال والنساء حتى الاولاد.‏ وصار يظهر في الشوارع صبيان بعمر ١٢ سنة لابسون بزات عسكرية وحاملون رشاشات يستعملونها عشوائيا.‏ وقد سبَّبت انفجارات القنابل وأصوات الرشاشات والصواريخ والقذائف ليالي ارق كثيرة.‏ لقد أُقحمت أنڠولا في عصر من الحرب المستمرة.‏ وكانت النتيجة ان جيلا بكامله من الاحداث الأنڠوليين حُبل بهم،‏ وُلدوا،‏ وتربّوا في جو من العنف تسوده اصوات الرشاشات وانفجارات القنابل.‏

كان الرعاة الروحيون الامناء،‏ لتقوية اخوتهم وأخواتهم المسيحيين،‏ يزورونهم قانونيا زيارات قصيرة في طريق ذهابهم الى العمل او عودتهم منه.‏ كانوا يتأكدون ان الجميع بصحة جيدة،‏ ويقرأون في اغلب الاحيان آية او آيتين من الكتاب المقدس مع العائلة.‏

وتطلَّب حضور الاجتماعات والذهاب في الخدمة شجاعة واتكالا على يهوه.‏ الا ان افضل حماية كانت غالبا ان يُعرف المرء انه من شهود يهوه.‏ كان فوستينو دا روشا پينتو في طريقه الى مكتب الجمعية عندما وجَّه اليه فجأة احد الجنود بندقية،‏ وصاح به:‏ «الى اين انت ذاهب؟‏ الى اية حركة تنتمي؟‏ اعطني حقيبتك!‏».‏ عندما فتح الجندي الحقيبة لم يجد سوى كتاب مقدس وبعض مطبوعات برج المراقبة.‏ على الفور لان موقفه،‏ وقال:‏ «انت اذًا واحد من شهود يهوه!‏ انا آسف،‏ اعذرني.‏ بإمكانك متابعة طريقك».‏

في مناسبة اخرى،‏ صاح جندي بأخت مارة:‏ «الى اية حركة تنتمين؟‏».‏ اجابت:‏ «انا لا انتمي الى اية حركة.‏ انا واحدة من شهود يهوه».‏ عندئذ قال الجندي لرفاقه:‏ «انظروا اليها!‏ انظروا اليها جيدا!‏ انظروا الى تنورتها!‏ أترون لبسها المحتشم؟‏ انها مختلفة عن الفتيات الاخريات.‏ انها واحدة من شهود يهوه».‏ وسُمح للأخت بمتابعة طريقها،‏ بعد توصيتها بلطف ان تكون حذرة.‏

مع تزايد شدة القتال ازداد الاتصال بالجماعات صعوبة،‏ وخصوصا تلك الموجودة خارج المدن.‏ كان الجنود يدخلون المدينة،‏ ينهبون المنازل ويحرقون ما يتركونه وراءهم.‏ مما اجبر الآلاف،‏ ومن ضمنهم شهود كثيرون،‏ ان يهربوا الى الاحراج.‏ في بانڠا،‏ أُجبر الـ‍ ١٠٠ ناشر هناك مع الـ‍ ٣٠٠ شخص الذين يحضرون الاجتماعات معهم على ترك منازلهم والاختباء في الاحراج عدة ايام.‏ والجماعات في جامبا وسيلا هربوا هم ايضا وليست لهم سوى ‹نفسهم غنيمة›.‏ (‏ارميا ٣٩:‏١٨‏)‏ ومعظم الشهود الاوروپيين الذين كانوا لا يزالون في لوبانڠو رحلوا الى ونْدْهوك،‏ في ناميبيا المجاورة.‏

كان من المستحيل تقريبا ايصال المطبوعات الى اولئك الاخوة في الاحراج.‏ وبعض الجماعات،‏ كتلك الموجودة في مالانجي،‏ لوبيتو،‏ بنڠيلا،‏ ڠابِلا،‏ هوامبو،‏ ولوبانڠو بقيت معزولة عدة اشهر.‏

وقت كئيب

ما ان رُفع نير الاستعمار حتى بدأ آلاف الپرتغاليين يغادرون البلد.‏ وإذ عمت الفوضى،‏ صار السفر ملحا اكثر.‏ ولم يستطع غالبية الناس ان يأخذوا معهم سوى القليل من ممتلكاتهم.‏ ولإعطاء مثل عن مدى الكره الذي يُضمر للاوروپيين،‏ اعلن احد الاحزاب السياسية انه سيقتل حتى الخِلاسيين،‏ لأنه كان هنالك تزاوج بين اجدادهم والشعب الابيض.‏

بالطبع لم يكن هذا العداء موجودا بين اخوتنا الپرتغاليين والأنڠوليين.‏ فكانت تجمعهم محبة اخوية متينة.‏ وقد عنى رحيل الپرتغاليين رحيل الكثير من الاصدقاء الاحماء.‏ فبحلول حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٧٥،‏ كان على جميع الاخوة الپرتغاليين الذين يأخذون القيادة في العمل ان يرحلوا.‏ وتُرك عمل الاشراف على العمل الكرازي ورعاية رعية اللّٰه بين ايدي الاخوة المحليين الامناء.‏ ومعظم هؤلاء ارباب عائلات لديهم اعمال دنيوية بدوام كامل.‏ ومع ان رحيل اخوتهم الپرتغاليين احزنهم،‏ كانوا مصممين ان يتابعوا العمل بمساعدة يهوه.‏

وما هي الاوضاع التي واجهوها؟‏ سرعان ما تلقى فرع الپرتغال هذه الرسالة المقلقة من المكتب في لواندا:‏ «المدينة تُقصَف الآن.‏ الطرق مسدودة.‏ الاتصالات بالمدن الاخرى مقطوعة.‏ مرفأ لواندا مقفل.‏ الطعام ينفد في المتاجر.‏ وبدأ السلب والنهب.‏ ويُمنَع التجول ابتداء من الساعة ٠٠:‏٩ مساء.‏ وكل من يوجد في الشارع بعد ذلك الوقت يمكن ان يتعرض لإطلاق النار».‏

تقدُّم عمل خدام يهوه

كانت هذه الحقبة من الاضطراب السياسي فترة نمو روحي لم يسبق له مثيل.‏ فقد بلغت ذروة عدد الناشرين ٠٥٥‏,٣،‏ زيادة ٦٨ في المئة على السنة الماضية.‏ وكان عدد الذين حضروا الذِّكرى ٤٩٠‏,١١!‏

وفي ٥ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٧٥،‏ جرى تلقي خبر طال انتظاره.‏ فقد اعلن وزير العدل في الحكومة الانتقالية ان شهود يهوه «طائفة دينية» معترف بها شرعيا.‏ يتذكر جْواوْن مَنْكوكا:‏ «شعر الاخوة بفرح غامر.‏ فهم لم يتمتعوا قط بحرية كاملة ليقدموا عبادتهم علنا.‏ فكأنَّ ابواب السجن فُتحت على مصراعيها.‏ ولأول مرة،‏ كان بالامكان عقد الاجتماعات والمحافل الدائرية على عِلْمٍ من الجميع.‏ والمحافل الدائرية التي نُظمت لتُعقد في ربيع ١٩٧٦ اعطت العمل زخما قويا،‏ وقوَّت التصميم اللازم للسنوات التالية».‏

خُطِّط لعقد خمسة محافل دائرية،‏ ولكن بدافع الحذر كانت ستجتمع معا ثلاث او اربع جماعات فقط.‏ وعُيّن ايضا ثلاثة اخوة كنظار دوائر ليزوروا الجماعات في نهايات الاسابيع.‏

على مر السنين،‏ لم تسمح الظروف في أنڠولا ان يحضر النظار اية من المدارس الخصوصية التي تعدّها الجمعية.‏ فخُطِّط ان تُعقد مدرسة خدمة الملكوت للشيوخ،‏ وهي اول مدرسة تُعقد هناك،‏ من ١٩ الى ٢٤ ايار (‏مايو)‏ سنة ١٩٧٦.‏ فقد حضر أخَوَان أنڠوليان المدرسة في الپرتغال ونالا التدريب هناك.‏ ولدى عودتهما عقدا المدرسة في لواندا،‏ وكان ماريو پ.‏ اوليڤايرا من فرع الپرتغال حاضرا آنذاك ليقدم المساعدة.‏

قدَّر كثيرا الشيوخ الـ‍ ٢٣ التعليم المؤسس على الكتاب المقدس الذي سيساعدهم ‹ان يرعوا رعية اللّٰه›.‏ (‏١ بطرس ٥:‏٢‏)‏ يتذكر كارلوس كادي،‏ الذي كان آنذاك ناظر دائرة،‏ التأثير الذي تركته المدرسة:‏ «كان بإمكان الشيوخ ان يروا هيئة يهوه من وجهة نظر جديدة.‏ فقد كشفت المدرسة للاخوة الوجه التعليمي لهيئة يهوه.‏ وتعلموا كيف يساعدون الاخوة في الجماعات على تطبيق مبادئ الكتاب المقدس في حل المشاكل.‏ وساعدت المدرسة الشيوخ ان يروا كيف يمكنهم تنظيم نشاط الجماعة على نحو افضل،‏ مستعينين كاملا بقدرات الخدام المساعدين الذين يخدمون الى جانبهم».‏

وعنى الاعتراف الشرعي ايضا انه يمكن استيراد الكتب المقدسة والمطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وفي غضون خمسة اشهر،‏ تسلَّمت بعض الجماعات مجلاتها الاولى.‏ كم كانت بركة عظيمة ان يحصلوا اخيرا على اعداد مؤلفة من ٣٢ صفحة من مجلتَي برج المراقبة و استيقظ!‏.‏ وانطلق الاخوة بسرعة من خلال ‹الباب الكبير المؤدي الى النشاط الذي انفتح› لهم.‏ (‏١ كورنثوس ١٦:‏٩‏)‏ الا ان الاوضاع المتقلقلة في البلد ادَّت الى المزيد من المشاكل الخطيرة.‏

فمع ان الاستقلال الرسمي عن الپرتغال جرى كما هو مخطَّط في ١١ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٧٥،‏ سرعان ما تحوَّل النزاع بين الاحزاب السياسية الرئيسية الى حرب أهلية شاملة.‏ وأُسِّست جمهوريتان مستقلتان.‏ اصبحت لواندا عاصمة الحركة الماركسية،‏ حركة التحرير الشعبية الشيوعية في أنڠولا.‏ وصارت هوامبو عاصمة ائتلاف الحزبَين:‏ الاتحاد القومي للاستقلال التام في أنڠولا وجبهة التحرير القومية في أنڠولا.‏

وأدَّت الدعاية السياسية التي شنَّها الفريقان الواحد على الآخر الى إشعال بغض عرقي وقبَلي لم يسبق له مثيل.‏ وصار القتل الوحشي شائعا في العاصمة،‏ وكذلك حرق الناس في الشارع.‏ وغالبا ما كان الذنب الوحيد للضحايا انهم يتكلمون لغة تسِمهم انهم من خارج لواندا.‏ وقد ولَّد هذا البغض للدخلاء توترا سبَّب نزوحا كبيرا،‏ اذ ان الذين من شمالي البلد وجنوبه هربوا وعادوا الى الاماكن التي اتوا منها.‏ الا ان بعض الاخوة بقوا بشجاعة في المناطق التي لم تكن اماكن نشأتهم لكي يعتنوا بحاجات اخوتهم الروحيين.‏

‏«يعيش يهوه!‏»‏

واجه شهود يهوه مرة اخرى اضطهادا وحشيا.‏ واستُدعي الشهود في لواندا امام لجان المنطقة التي حاولت اجبارهم على شراء بطاقات الحزب السياسي.‏ وفي هذا الجو المشحون بالتوتر،‏ قام المكتب السياسي للجنة المركزية في حركة التحرير الشعبية الشيوعية في أنڠولا باتِّهام الشهود بتحريض الشعب على عصيان الدولة،‏ باحتقار العَلَم القومي،‏ وبمقاومة الخدمة في القوات المسلحة.‏ وقد جرى تجاهل الشرح الذي قدمه شهود يهوه.‏

في آذار (‏مارس)‏ ١٩٧٦،‏ أُرسلت شحنة مطبوعات مؤسسة على الكتاب المقدس الى أنڠولا من الپرتغال.‏ وقد احتوت على ٠٠٠‏,٣ كتاب مقدس،‏ ٠٠٠‏,١٧ نسخة من كتاب الحق الذي يقود الى الحياة الابدية،‏ ٠٠٠‏,٣ نسخة من كتاب من الفردوس المفقود الى الفردوس المردود،‏ بالاضافة الى المجلات.‏ فصادرت السلطات كل ذلك وأحرقته.‏

وفي ٢٧ ايار (‏مايو)‏ ١٩٧٦،‏ امرت اذاعات الراديو الحكومية كلَّ لجان المنطقة ومنظمات الدولة بمراقبة نشاطات شهود يهوه عن كثب.‏ كما أذاعت الكنيسة الكاثوليكية اعلانات يومية من محطتها الراديوية ان شهود يهوه يسعون الى قلب النظام.‏

كان الشهود يُخرَجون بالقوة من صف المنتظرين لشراء الطعام.‏ والرعاع يحتشدون خارج اماكن عقد اجتماعات الجماعة.‏ والاولاد يضايَقون باستمرار في المدرسة.‏ وقد وُضع اولاد هوسّيه دوس سانتوس كاردوسو وزوجته بريجيدا تحت ضغط شديد ليتلوا الشعارات السياسية،‏ ينشدوا النشيد الوطني،‏ ويهتفوا «لِيسقط يهوه!‏».‏ وبسبب رفضهم فعل ذلك شُتموا.‏ فجأة تكلم هوسّيه الاصغر البالغ آنذاك التاسعة من عمره،‏ وقال:‏ «حسنا،‏ سأقول ‹يعيش!‏›».‏ فانتظر الجميع بترقب.‏ اخيرا،‏ هتف الصبي:‏ «يعيش يهوه!‏».‏ وقبل ان يدركوا ما قال،‏ هتفوا معا:‏ «يعيش!‏».‏

في «الاتون»‏

كان الحزب الحاكم مصمما ان يجبر الشهود على الانضمام الى الجيش.‏ وقد ادى ذلك الى المزيد من الاضطهاد الوحشي.‏

في ١٧ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٧٧ حاول أرتور ڤانَكامبي،‏ اخ غيور في مقاطعة أُويلا،‏ ان يشرح دون جدوى موقفه الحيادي.‏ فاقتيد هو وثلاثة اخوة آخرون في الشوارع في موكب استعراضي وهم في طريقهم الى السجن.‏ ودُعي المتفرجون،‏ بمن فيهم كنّاسو الطرقات،‏ الى ضربهم.‏ في اليوم التالي ذهبت زوجات هؤلاء الاخوة الثلاثة الى السجن ليعرفن اين هم أزواجهن.‏ بعد ان انتظرن وقتا طويلا،‏ ضُربن بلا رحمة بالسياط،‏ وتُركن مرضوضات ونازفات.‏ وبعد ظهر ذلك اليوم،‏ وجدت الاخوات انفسهن في السجن نفسه مع ازواجهن.‏

يخبر الاخ تِلِش ماذا حدث بعد عشرة ايام لفريق آخر من الاخوة المسجونين:‏ «وُضع خمسة وثلاثون منا في ‹الاتون›.‏ وهو كناية عن غرفة طولها سبعة امتار وعرضها وعلوها ثلاثة امتار.‏ وفي سقفها المصنوع من الاسمنت المسلَّح طاقتان صغيرتان جدا،‏ بحيث لا يمكن ان تمرّ اليد من خلالهما.‏ كنا في احرّ فصل في السنة،‏ وكانت الزنزانة حقا مثل الاتون.‏ وبما انهم كانوا مصممين على القضاء علينا،‏ اغلقوا هاتين الطاقتين.‏

‏«في اليوم الرابع،‏ توسلنا الى يهوه ان يقوّينا لنحتمل الحر الشديد الذي لا يُطاق.‏ فتذكرنا الشبان الامناء الثلاثة في ايام دانيال الذين أُلقوا في اتون النار.‏ في اليوم التالي،‏ نحو الساعة الثالثة صباحا،‏ سمعنا ضربا قويا على الباب وفُتح الباب.‏ كم اراحتنا تلك النسمة المنعشة!‏ كان ذلك الشخص السجَّان،‏ فقد فتح الباب وهو لم يستيقظ بعد كاملا،‏ ثم وقع ارضا.‏ بعد نحو عشر دقائق،‏ نهض السجَّان وأغلق الباب دون ان ينبس بكلمة.‏ فشكرنا يهوه على هذه اللحظات الثمينة التي تنشقنا فيها هواء منعشا.‏

‏«بعد عدة ايام،‏ وُضع معنا سبعة اخوة آخرون.‏ ولم يعد هنالك فسحة للجلوس.‏ ضُربنا في عدة مناسبات.‏ وإذ ازداد الحر،‏ كانت تنبعث رائحة كريهة جدا من البثور التي سببتها الحمى ومن الجروح الناتجة من الضرب.‏

‏«في ٢٣ آذار (‏مارس)‏ احتفلنا بالذِّكرى،‏ مع انها تضمنت خطابا فقط دون وجود الرمزين.‏ بحلول ذلك الوقت كنا ٤٥ شخصا.‏ وقد قضى بعضنا ٥٢ يوما في ‹الاتون› وبقي حيا».‏

بعد ان أُخرجوا من «الاتون»،‏ أُرسلوا الى معسكر العمل الالزامي سايكايسانڠي،‏ الذي يبعد ٣٠٠‏,١ كيلومتر في مقاطعة موشيكو الشرقية.‏

جعل الاضطهاد «شرعيا»‏

في ٨ آذار (‏مارس)‏ ١٩٧٨،‏ قام المكتب السياسي للجنة المركزية في حركة التحرير الشعبية الشيوعية في أنڠولا بإعلان «الكنيسة ‹شهود يهوه›» غير شرعية وحظرها.‏ ولضمان ان يعرف الجميع بذلك،‏ أُذيع الاعلان ثلاث مرات في اليوم من محطة الراديو في لواندا.‏ كان المرسوم الاصلي باللغة الپرتغالية،‏ ولكن للتأكد من وصول الخبر الى كل شخص،‏ أُذيع الاعلان مدة اسبوع باللغات التالية:‏ تشاكوي،‏ كيكونڠو،‏ كيمبوندو،‏ وأومبوندو.‏ وأخيرا نُشر المرسوم في صحيفة الحزب،‏ جورنال دي أنڠولا،‏ في ١٤ آذار (‏مارس)‏ ١٩٧٨.‏ وفي الحقيقة،‏ جعل الحظرُ الوحشيةَ المستعملة «شرعية» ليس إلا.‏

اشتدَّ استنكار «منظمة الدفاع عن الشعب».‏ فكثيرون من شهود يهوه كانوا يُساقون معا ويُسجَنون من دون محاكمة.‏ وكانت تُداهَم المصانع في كل انحاء لواندا.‏ وفي مصنع مالاس أُونيل للحقائب،‏ أُوقف ١٤ شاهدا.‏ كذلك في مدينة لوبانڠو أُوقف ١٣ آخرون.‏ وبعد بضعة ايام،‏ اكدت التقارير ايقاف ٥٠ شخصا في نْدالاتاندو.‏ وبعد الحظر بأسبوع واحد فقط،‏ كان قد سُجن على الاقل ١٥٠ أخا وأختا.‏

تلا ذلك طرد تعسفي للشهود من وظائفهم.‏ ولم تؤخذ بعين الاعتبار سنوات السلوك المثالي،‏ الكفاءة،‏ ولا الانجاز.‏ وفي الواقع،‏ كان بعض الذين طُردوا يشغلون مراكز مسؤولية لها علاقة بالنمو الاقتصادي في البلد.‏

ولم تكن النساء مستثنيات.‏ فقد رأى ضابط عسكري إميليا پِراييره امام بيتها،‏ فسأل لماذا ليست عضوا في الميليشيا.‏ عندما اجابت انها لا تحب اي شيء له علاقة بالقتل او سفك الدم،‏ فَهِم انها من الشهود.‏ وعندما اقرت بذلك،‏ أُمرت بالصعود الى الشاحنة المنتظرة هناك.‏ اتت اختاها لتريا ماذا يجري،‏ فدُفعتا هما ايضا الى الشاحنة.‏ وفي تلك الاثناء،‏ وصل والدها الى البيت.‏ فأمره الضابط بالصعود الى الشاحنة.‏ وفيما كانوا يهمّون بالانصراف،‏ سأل اخ يعيش في الجوار ماذا يحدث.‏ فأُمسك هو ايضا وأُجبر على الصعود الى الشاحنة.‏

أُخذوا الى مجمَّع السجن،‏ حيث وُضعت الاخوات في جناح النساء.‏ وكان الضباط يحاولون ليلة بعد اخرى الاعتداء جنسيا على هؤلاء الاخوات الشابات.‏ لكنَّ الاخوات كن يتشبثن احداهن بالاخرى،‏ يصرخن،‏ ويصلين بصوت عالٍ.‏ فكان رد فعلهن يحول دون تحقيق ما ينويه الرجال من شر،‏ ولم يُعتدَ عليهن.‏

والاخوة في مقاطعة مالانجي قاسوا هم ايضا المحن.‏ فالمعاملة القاسية لهوسّيه انطونيو بارتولوميو البالغ من العمر ٧٤ سنة ادت الى موته.‏ وكانت دومينڠاش انطونيو ضعيفة جدا بعد ايقافها وضربها المتكرر بحيث ماتت عند اصابتها بالملاريا.‏ وسُمِّم مانويل ريبايرو ومات لأنه كتب رسالة الى عائلته من السجن.‏

في الاسبوع الذي تلا الحظر،‏ عُقد اجتماع مع الشيوخ من كل جماعات لواندا.‏ ومُنحوا تشجيعا وإرشادا مؤسسَين على الكتاب المقدس في ما يتعلق بنشاطهم المستقبلي،‏ ثم نُقلت تلك المعلومات الى الجماعات.‏ وقوي تصميمهم اذ تأملوا في الآية السنوية لسنة ١٩٧٨:‏ «لا يقدرون عليك لأني انا [يهوه] معك .‏ .‏ .‏ لأنقذك».‏ —‏ ارميا ١:‏١٩‏.‏

تقديم استئناف الى السلطات الحكومية

في ٢١ آذار (‏مارس)‏ ١٩٧٨،‏ قدَّم الاخوة الثلاثة الذين كانوا يخدمون كمديرين لجمعية شهود يهوه في أنڠولا استئنافا الى المكتب السياسي لحركة التحرير الشعبية الشيوعية في أنڠولا،‏ طالبين بإلحاح ان تحدِّد المحاكم اية انتهاكات للقانون تحصل وأن يتوقف سَجن الشهود غير الشرعي.‏ وأُرسلت نسخ من هذه الرسالة الى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء،‏ وأيضا الى وزير الدفاع،‏ وزير العدل،‏ ووزير التعليم والثقافة.‏ ولكنهم لم يتلقوا ايّ جواب.‏

قُدِّم استئناف ثانٍ الى اعلى سلطة في البلد،‏ متَّبعين مثال الرسول بولس.‏ (‏اعمال ٢٥:‏١١‏)‏ وبكل احترام طلبت هذه الرسالة،‏ التي ارسلها فرع الپرتغال،‏ من رئيس جمهورية أنڠولا الشعبية ان يراجع سجل شهود يهوه ويمنحهم الحق في جلسة استماع.‏ وكان الطلب ان تحقق المحاكم في الوقائع المتعلقة بكل واحد من الشهود المحتجَزين.‏ هذه المرة،‏ تلقى الفرع في الپرتغال ردًّا يذكر انه سيُبحث في القضية.‏

أثَّر فيه التصميم الثابت

استمرت الحرب الاهلية تحتدم في أنڠولا،‏ ولم يكن يأتي زوار كثيرون من الخارج.‏ ولكن في سنة ١٩٧٩،‏ أُعلمت لجنة البلد في أنڠولا ان ألبرت اوليه،‏ ناظر من فرع نيجيريا،‏ سيصل في شهر آب (‏اغسطس)‏.‏ فكم فرح الاخوة بهذا الخبر!‏

ذكر الاخ اوليه:‏ «طوال اسبوع كامل شعرت كأنني أعيش في ثكنة للجيش.‏ فحيثما نظرتم رأيتم جنودا مسلَّحين».‏ وكان اطلاق النار في الشارع يبقيه مستيقظا في الليل.‏

كان الشهود الأنڠوليون قد شهدوا تغييرات سريعة خلال السنين السابقة.‏ فمن سنة ١٩٧٣،‏ حين كان البلد لا يزال خاضعا للحكم الاستعماري،‏ حتى سنة ١٩٧٦،‏ بلغت الزيادة في عدد الناشرين ٢٦٦ في المئة.‏ ولكن عندما اشتدّ الاضطهاد في سنة ١٩٧٧ وتلاه حظر في سنة ١٩٧٨،‏ توقفت الزيادة.‏ وكثيرون من الشهود في البلد كانوا قد اعتمدوا مؤخرا —‏ ٠٠٠‏,١ شخص في سنة ١٩٧٥ وحدها.‏ ومع انه كانت توجد ٣١ جماعة،‏ لم يكن يوجد شيوخ في العديد منها.‏ وبدون العناية الحبية للرعاة الروحيين،‏ بقيت بعض المشاكل الخطيرة بلا حلّ كما وُجدت بعض حالات النجاسة الادبية.‏ كما ان جماعات بكاملها في اماكن مثل مالانجي،‏ واكو كونڠو،‏ ونْدالاتاندو،‏ كانت آنذاك في معسكرات السجناء.‏

عند وصول الاخ اوليه أُعطي جدولا شاملا يدرج النقاط التي يلزم ان تناقَش.‏ ووُجه الانتباه الى كيفية متابعة الشهود المحليين خدمتهم المعينة من اللّٰه في الظروف الراهنة.‏ كما أُعطيت توجيهات حول كيفية تزويد المطبوعات رغم صعوبة الحصول على الورق.‏ ونوقشت ايضا الحاجة الى المزيد من المطبوعات باللغات المحلية،‏ مع العلم ان ايجاد مترجمين اكفاء وتدريبهم سيتطلبان بعض الوقت.‏

جرى الاهتمام ايضا بالمشاكل في الجماعات.‏ فشدَّد الاخ اوليه ان الجميع،‏ بمن فيهم الشيوخ،‏ يجب ان يعيشوا وفق مقاييس الكتاب المقدس.‏ ولا يجب ان يشعر احد انه ليس بحاجة الى المشورة.‏ كما عولجت الاسئلة المتعلقة بالمؤهلات للمعمودية،‏ تسجيل الزواج،‏ وزيارات نظار الدوائر للجماعات.‏ فقدَّر الاخوة الأنڠوليون ترتيب الجمعية ان ينالوا توجيها مؤسسا على الاسفار المقدسة عن طريق هذا الاخ ذي الخبرة.‏

خلال زيارة الاخ اوليه عُقد اجتماع مع الشيوخ في لواندا والشيوخ الذين يستطيعون الوصول من مناطق اخرى.‏ عند الساعة العاشرة صباحا ابتدأوا يصلون،‏ الواحد تلو الآخر،‏ لكي لا يلفتوا النظر الى مكان الاجتماع.‏ ولكن تبيَّن ان الموقع مراقَب لذلك تغير مكان الاجتماع مرتين قبل ان يبدأ عند الساعة السابعة مساء.‏ لدى وصول الاخ اوليه الى الموقع الثالث،‏ وجد ٤٧ شيخا جالسين في الفناء بانتظاره.‏ وعندما نقل اليهم تحيات عائلة بيت ايل في نيجيريا،‏ لوَّحوا بأيديهم بصمت معبرين عن شكرهم.‏ كان خطابه الذي دام ساعة مناقشةً من الكتاب المقدس حول ترتيب تعيين الشيوخ،‏ وقد شدَّد على الحاجة الى المزيد من الشيوخ في الجماعة المسيحية وذكر الواجبات ذات العلاقة.‏ بعد الخطاب،‏ طرح الاخوة اسئلة طوال ساعتين الى ان حان وقت الانصراف لكي يصلوا الى بيوتهم بسلام قبل موعد حظر التجول.‏

وكيف شعر الاخ اوليه بعد قضاء اسبوع مع الاخوة الأنڠوليين؟‏ ذكر:‏ «لا بد لي ان اقول انني استفدت كثيرا.‏ لقد شجعني جدا تصميم الاخوة والاخوات الثابت ان يخدموا يهوه على الرغم من المصاعب التي يمرون بها.‏ تركت أنڠولا وأنا اصلي والدموع في عينيّ لأن هؤلاء الاخوة،‏ رغم العذاب الذي يقاسونه،‏ يبتسمون بسبب الرجاء الرائع الذي لديهم».‏

زيارة ثانية

بعد سنة من زيارة الاخ اوليه،‏ أرسلت الهيئة الحاكمة ألبرت أُولوبايبي من فرع نيجيريا ايضا،‏ ليساعد الاخوة في أنڠولا.‏ فأوصى ان يعقدوا صفوفا لمدرسة خدمة الفتح يحضرها الفاتحون القانونيون الـ‍ ٥٠.‏ وشجعهم ايضا ان يحاولوا عقد محافل دائرية كل ستة اشهر يكون الحضور فيها محدودا.‏

خلال زيارة الاخ أُولوبايبي،‏ عُقدت ثلاثة اجتماعات مع فرق من الشيوخ والاخوة الذين يهتمون بالمسؤوليات في الجماعات التي لا يوجد فيها شيوخ.‏ كان عدد الحضور ١٠٢.‏ وقُدِّمت مشورة مؤسسة على الاسفار المقدسة تتعلق بالحاجة ان يؤيد الشيوخ مبادئ الكتاب المقدس ويصيروا امثلة للرعية،‏ لا سائدين عليها.‏ (‏١ بطرس ٥:‏٣‏)‏ وعولجت الاسئلة المتعلقة بالطريقة التي يجب ان تُتَّبع عند التوصية بتعيين شيوخ في الجماعات التي لا يوجد فيها شيوخ بعد.‏

كان سيلڤيشتره سيماون،‏ الذي كان قد امتُحن ايمانه خلال اربع سنوات تقريبا في السجن ومعسكرات العمل الالزامي،‏ بين الحاضرين في ذلك الاجتماع.‏ وبعد ان كان قد خدم كشيخ عددا من السنين،‏ اؤتمن على مسؤوليات اعظم كناظر دائرة عندما أُجبر الاخوة الاوروپيون ان يغادروا أنڠولا في منتصف سبعينات الـ‍ ١٩٠٠.‏ والآن مع ترتيب عقد محافل دائرية كل ستة اشهر،‏ صارت هنالك حاجة الى ناظر كورة.‏ ومع ان للأخ سيماون ستة اولاد ومسؤوليات دنيوية للاعتناء بعائلته،‏ قبِل هذا التعيين الجديد.‏ واهتم به بطريقة مثالية طوال السنوات الـ‍ ٢٠ الماضية.‏ وهو يخدم ايضا في لجنة الفرع.‏

وفي ختام زيارة الاخ أُولوبايبي،‏ اخبر عن تطور مشجِّع:‏ في حين كان لا يزال على الشهود ان يجتمعوا ويكرزوا بحذر،‏ بدأ يخفّ كما يبدو الاضطهاد الشديد على الاخوة الذين في سن التجنيد الاجباري.‏ وفي الواقع،‏ مع انه كان لا يزال آنذاك بين ١٥٠ و ٢٠٠ اخ في السجن او معسكرات العمل الالزامي،‏ انخفض هذا العدد الى ٣٠ اخا بحلول آذار (‏مارس)‏ سنة ١٩٨٢.‏

تحدي توزيع الطعام الروحي

في فترة الحظر بكاملها كان تزويد الطعام الروحي قانونيا امرا بالغ الاهمية.‏ وقد انطوى ذلك في اغلب الاحيان على مخاطرة كبيرة.‏

اولا،‏ كان من الصعب جدا الحصول على الورق لاستعماله في نسخ مجلة برج المراقبة.‏ فكان يجب الحصول على ترخيص من الحكومة لشراء الورق.‏ ومع انه كان يوجد اكثر من ٠٠٠‏,٣ ناشر،‏ لم يكن ممكنا،‏ في فترة من الوقت،‏ انتاج اكثر من ٨٠٠ الى ٠٠٠‏,١ نسخة فقط من مقالات الدرس بسبب كمية الورق المحدودة.‏ ومع ذلك،‏ باستعمال مطابع صغيرة،‏ كان بإمكان الاخوة انتاج نسخ من كتب صغيرة لينة الغلاف مثل كتاب الحق الذي يقود الى الحياة الابدية.‏

بمجازفة كبيرة قبِل الأخَوان فِرناندو فيڠايرايدو وفرنسيسكو جْواوْن مانويل تعيين انتاج المطبوعات.‏ فوجد هذان الأخَوان النشيطان مواقع جديدة يتمكَّنان فيها من انتاج المزيد من النسخ.‏ وأحيانا كان يجب الانتقال الى مواقع اخرى لدواعٍ امنية.‏ في بعض الاماكن كانت توضع آلة النسخ في غرفة عازلة للصوت،‏ دون شبابيك او تهوية،‏ مما يجعل العمل هناك صعبا جدا.‏ وفي غرفة مجاورة،‏ كان متطوِّعون آخرون يجمعون اوراق المجلات ويثبتونها معا.‏ وكان عليهم ان ينهوا عمل التجميع والتثبيت،‏ فضلا عن وضع المجلات في رزم لكي تُوزَّع في الليلة نفسها.‏ فكان يجب التخلص من اي دليل يشير الى وجود طباعة هناك،‏ لكي لا يلفت اي شيء الانتباه.‏ إذ ازداد الانتاج،‏ كانت آلتا نسخ تعملان معا في «المطبخ»،‏ حيث تُعدّ المطبوعات المحتوية على الطعام الروحي.‏ وكان فريق من الاخوة يعمل يوميا في طبع الستانسِل،‏ تصحيح اخطاء الطباعة،‏ استخراج نسخ طبق الاصل،‏ جمع المجلات،‏ تثبيتها معا،‏ وتوزيعها على الجماعات.‏

كان على الاخوة الذين يخدمون كسعاة بريد ايصال المطبوعات الى الجماعات المنتشرة خارج لواندا.‏ وكان ذلك تعيينا خطرا.‏ يروي احد هؤلاء الاخوة:‏ «بعد بضعة اشهر من اعلان الحظر رسميا،‏ سافرت الى مقاطعة بنڠيلا بحكم عملي الدنيوي.‏ وكان مكتب الجمعية المحلي قد اعطاني بعض المواد لتسليمها الى الجماعات في لوبيتو وبنڠيلا.‏ لم اكن اعرف ايا من الاخوة في هاتين المدينتين.‏ وكانت الوسيلة الوحيدة للاتصال بهم رقم هاتف احد الشيوخ في بنڠيلا.‏ ولداوعٍ امنية،‏ كانت طريقة التعرّف الوحيدة استخدام الشفرة:‏ ‹عائلة اشعيا›.‏

‏«لدى وصولي الى بنڠيلا،‏ بدا ان كل الامور تسير على ما يرام.‏ ففي المطار لم أُفتَّش كالعادة بسبب طبيعة عملي.‏ ووصل الطرد الذي كنت احمله دون ان يُمَسّ.‏ ما ان وصلت الى المدينة حتى اتصلت بالاخوة هاتفيا لكي يأتوا ويأخذوا الطرد.‏ قال الاخ الذي تكلمت معه انه متوعك،‏ الا انه وعد بإرسال شخص الى الفندق لأخذ الطرد.‏ ولكن لسبب مجهول،‏ خلال الايام الاربعة التي قضيتها في الفندق،‏ لم يأتِ احد للمطالبة بالطرد،‏ رغم اتصالاتي اليومية بالاخ.‏

‏«يوم رحيلي،‏ لم يكن لديّ خيار سوى إرجاع الطرد معي الى لواندا.‏ عندما وصلنا الى المطار،‏ اصر رئيس الوفد ان يُفتَّش جميع اعضاء وفده مع حقائبهم لرسم مثال للمسافرين الآخرين.‏ فلم يكن امامي سوى خيارين:‏ (‏١)‏ رمي الطرد في حاوية النفايات،‏ او (‏٢)‏ ابقاؤه معي مما يسبِّب اعتقالي.‏

‏«بعد ان صلَّيت الى يهوه،‏ خطرت على بالي الامثال ٢٩:‏٢٥‏:‏ ‹خشية الانسان تضع شركا والمتكل على الرب يُرفع›.‏ فقررت مواجهة الوضع،‏ اذ ان رمي هذه الكمية من الطعام الروحي هو خسارة كبيرة.‏

‏«وقفت في آخر الصف لتفادي احداث ضجة كبيرة عندما تكتشف الشرطة المطبوعات والمجلات.‏ ولمّا بقي شخصان فقط ليُفتَّشا،‏ سمعت احدا يقول:‏ ‹من فضلك،‏ يوجد رجل هنا يريد التكلم مع احد اعضاء الوفد من لواندا بخصوص طرد ما›.‏ حين سمعت ذلك،‏ قلت في نفسي:‏ ‹لقد سمع يهوه صلاتي.‏ وها أنا اختبر اتمام اشعياء ٥٩:‏١‏:‏ «يد الرب لم تقصر عن ان تخلّص»›،‏ وأسرعت خارجا.‏ عندما التقيت الاخ،‏ لم يكن لدي وقت سوى ان اقول:‏ ‹عائلة اشعيا›.‏ فأجابني وأخذ الطرد.‏ كان عليّ ان اعود بسرعة لأن الطائرة كانت على وشك الاقلاع،‏ فلم يتسنَّ لي ان اكلّم الاخ.‏ نعم،‏ ان يهوه هو ‹خلاصنا .‏ .‏ .‏ في وقت الشدة›».‏ —‏ اشعياء ٣٣:‏٢‏.‏

الاعتناء بالرعية رغم الخطر

استمرت الحرب —‏ راكب الفرس الناري اللون في الرؤيا —‏ تدمِّر حياة الناس في أنڠولا.‏ (‏كشف ٦:‏٤‏)‏ فكانت المدن والمصانع تُقصف بالقنابل،‏ الطرقات تُلغَّم،‏ الجسور تُنسَف بالديناميت،‏ امدادات المياه تُدمَّر،‏ والقرى تُهاجَم.‏ وصار قتل المدنيين الوحشي من الحوادث اليومية.‏ كما أُتلفت الغلال مسبِّبة هروب المزارعين الى المدن.‏ وتقاطر لاجئو الحرب الى لواندا.‏ وقد ساهم تزويد الطعام بالحصص والشراء والبيع في السوق السوداء في جعل العيش تحديا كبيرا يوما فيوما.‏ اما التعاون الحبي بين شهود يهوه فقد ساعد كثيرين على البقاء احياء،‏ ولولا ذلك لكانت ظروفهم ميئوسا منها.‏

في هذه الاوقات المحفوفة بالمخاطر،‏ خاطر رُوِي ڠونسالڤيش،‏ إلدِر سيلڤا،‏ وغيرهما بحياتهم لزيارة الجماعات المنتشرة في انحاء البلد.‏ كتب الاخ ڠونسالڤيش واصفا كيف كان يجب تنظيم تلك الزيارات:‏ «شهد شهر ايار (‏مايو)‏ ١٩٨٢ اول زيارة يقوم بها ناظر دائرة لمدينة تومبُوا.‏ بدأ الاخوة الـ‍ ٣٥ يصلون الى مكان الاجتماع في اوقات محددة جيدا بدءا من الساعة العاشرة صباحا في ذلك اليوم.‏ وانتظروا بصمت.‏ فقد كانت ‹منظمة الدفاع عن الشعب› تراقب كل التحركات في المدينة.‏ بعد ١١ ساعة وصلتُ تحت جنح الظلام،‏ عند الساعة التاسعة مساء.‏ وبعد ثلاثين دقيقة،‏ ابتدأ الاجتماع واستمر حتى الساعة ٤٠:‏٤ بعد منتصف الليل».‏

كان معظم الذين يقومون بالعمل الدائري متزوجين ولهم اولاد.‏ ولكنهم كانوا يبذلون اقصى جهدهم للاعتناء بمصالح الجماعات الروحية.‏ شرح احد الاخوة،‏ وهو الآن عضو في لجنة الفرع،‏ ماذا كانت تشمله الزيارة الدائرية العادية:‏ «كان يُعيَّن لكل جماعة اسبوع للزيارة.‏ الا ان الزيارات كانت تبدأ يوم الاثنين بدل يوم الثلاثاء.‏ لأنه لم يكن ممكنا ان تجتمع كامل الجماعة معا.‏ فكان كلُّ فريق لدرس الكتاب في الجماعة يُزار على حدة.‏ وفي الجماعات الكبيرة كانت تُزار عدة فرق في الامسية نفسها.‏ كانت ساعات الاجتماعات متباعدة لكي يتمكن ناظر الدائرة من الذهاب من فريق الى آخر.‏ وكان يعيد البرنامج لفائدة كل فريق.‏ فكان يقدِّم كلًّا من خطاباته خلال الاسبوع من ٧ الى ٢١ مرة.‏ فكان النشاط الاسبوعي حافلا ومتعبا،‏ لكنَّ الاخوة واظبوا على تشجيع الجماعات».‏

يتذكر رُوِي ڠونسالڤيش بوضوح رحلة شاقة قام بها الى مدينة كوبال في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٨٣.‏ كادت تكون رحلة مميتة.‏ قال:‏ «كانت الطريقة الوحيدة لزيارة هذه الجماعة هي السفر مع قافلة عسكرية من اجل الحماية.‏ بعد التحقق جيدا من الوضع،‏ اجاز الجيش للمركبات الـ‍ ٣٥ ان تبدأ برحلتها.‏ سافرنا في سيارة الاخ ڠودينيو،‏ وكانت سيارتنا الثالثة في قافلة من ست مركبات.‏ بعد ساعتين فقط من الرحلة،‏ اطلقت العصابات قذيفة فدمَّرت الشاحنة العسكرية الاولى.‏ ثم تلتها على الفور قذيفة اخرى فدمَّرت المركبة الثانية.‏ وأصابت سيارتنا قنبلتان ولكنهما لم تنفجرا.‏ فصرخ الاخ ڠودينيو آمرا الجميع ان يقفزوا من السيارة فيما كانت لا تزال تتحرك.‏ وبينما كنت أهرع مذعورا الى الدغل طلبا للحماية،‏ مزَّقت رصاصة جزءا كبيرا من اذني اليسرى،‏ ثم أُغمي علي».‏

قبل ان يُغمى عليه،‏ رأى ثلاثة جنود من العصابات يسعون وراء الاخوة الآخرين،‏ ولكن الاخوة تمكنوا من الفرار الى الدغل.‏ يتابع الاخ ڠونسالڤيش:‏ «عندما استعدت وعيي،‏ كان رأسي مغطى بالدم.‏ فزحفت حتى وصلت الى الطريق بعد عدة ساعات.‏ فوجدتني وحدة عسكرية،‏ قدَّمت لي اسعافات اولية،‏ وأخذتني الى مستشفى بنڠيلا».‏ وعلم لاحقا ان كل السيارات في القافلة أُحرقت او دُمِّرت.‏ وقُتل اثنا عشر شخصا في تلك السيارات،‏ و ١١ آخرون أُصيبوا بجروح خطرة من الرصاص.‏ وكان الاخوة المسافرون مع الاخ ڠونسالڤيش الوحيدين الذين لم يُصابوا بالرصاص.‏ ومع ان الاخ ڠونسالڤيش خسر الجزء الاكبر من اذنه وبعض الممتلكات الشخصية،‏ ختم قائلا:‏ «شكرنا يهوه من اعماق قلوبنا».‏

المشاركة في المياه المانحة الحياة

في حين كان معظم الأنڠوليين يفكرون فقط في البقاء احياء،‏ كان شهود يهوه توَّاقين الى نشر ‹بشائر الخير› في كل انحاء هذه المقاطعة الكبيرة.‏ (‏اشعياء ٥٢:‏٧‏)‏ فكيف قاموا بهذا العمل؟‏

يشرح فاتح في لواندا انه كان يذهب في الخدمة مع زوجته وابنتهما الصغيرة.‏ وبعد تحية صاحب البيت،‏ كانا يطلبان شربة ماء لابنتهما.‏ فإذا قدَّم لهم صاحب البيت ماء،‏ كانا يخبرانه انهما يعرفان نوعا من الماء سيجلب فوائد اعظم مما يجلبه الماء البارد الذي تفضَّل بتقديمه لابنتهما.‏ والذين يريدون معرفة المزيد كانوا يسألون:‏ ‹اي نوع من الماء هو هذا؟‏›.‏ فكانت العائلة تصف بركات ملكوت اللّٰه ورجاء الحياة الابدية.‏ —‏ يوحنا ٤:‏٧-‏١٥‏.‏

لم يكونوا يحملون حقائب كتب ولا كتبا مقدسة ولا مطبوعات اثناء الخدمة.‏ ولكن اذا كان لدى صاحب البيت كتاب مقدس ويريد ان يقرأ عن تلك الامور،‏ كانوا يستعملون كتابه المقدس لمتابعة المناقشة.‏ والشخص الذي يُظهر اهتماما يزورونه ثانية.‏ وباستخدام اساليب حكيمة كهذه،‏ كان بإمكان الشهود ايجاد اشخاص مهتمين،‏ وكانت الجماعات تتبارك بزيادة قانونية.‏

رجل اللّٰه

وصلت البشارة ايضا الى مناطق نائية.‏ وقد تغلغلت الى منطقة ڠامبوس قرب الحدود الناميبية بواسطة جهود تشاندي كويتونا.‏ لقد سمع رسالة الملكوت لأول مرة في ما كان يُعرف آنذاك بروديسيا.‏ وبعد ان عمل فترة من الوقت في مناجم جنوب افريقيا،‏ عاد الى موطنه واهتم بتربية الماشية.‏ كان يعود قانونيا الى جنوب افريقيا للحصول على مطبوعات برج المراقبة،‏ واعتمد في سنة ١٩٦١ في إحدى رحلاته هذه.‏ ومن ذلك الحين فصاعدا،‏ نشر بغيرة البشارة بين قومه.‏

كان يحمِّل عربته التي يجرّها ثور ماءً وطعاما ومطبوعات مؤسسة على الكتاب المقدس،‏ ويذهب ليبشّر من كِمبو الى كِمبو (‏من قرية صغيرة الى اخرى)‏ مدة شهرين الى ثلاثة اشهر.‏ وعندما تخرَب عربته،‏ كان يتابع الرحلة راكبا على ثوره.‏ حتى بعمر ٧٠ سنة،‏ سافر سيرا على الاقدام مع ناشرين آخرين مسافات تبلغ اكثر من ٢٠٠ كيلومتر.‏

كان تشاندي كويتونا يملك قطعانا كبيرة من الماشية تطوف في السهول.‏ وكان يُعتبَر الزعيم في مجتمع يرأسه شيوخ اجلاء.‏ فكان يبدأ اليوم بقرع جرس لكي يجتمع الجميع بغية سماعه يبحث آية من الكتاب المقدس باللغة المحلية.‏ وفي ايام الاجتماعات،‏ كان صوت الجرس المألوف يجمع نحو ١٠٠ شخص من اجل التعليم الروحي.‏

وصار تشاندي كويتونا معروفا في كل منطقة ڠامبوس بأنه رجل اللّٰه.‏ وبتطبيقه ما تعلَّمه من درسه الشخصي للكتاب المقدس الى جانب المطبوعات القيّمة التي يصدرها «العبد الامين الفطين»،‏ زوَّد الاخ كويتونا مثالا ممتازا ليتبعه الآخرون.‏ ولكي يصل الى اكبر عدد ممكن من الناس،‏ ترجم الكراس ‏«بشارة الملكوت هذه»‏ باللغتين نيانِكا والكوانياميَّة.‏

عرف المكتب في لواندا عن نشاط الاخ كويتونا من تقارير خدمة الحقل التي كان يقدمها من وقت الى آخر بواسطة الاخوة في ونْدْهوك بناميبيا.‏ وفي محاولة لجعل الاخ كويتونا على اتصال اوثق بالشهود الآخرين،‏ ارسل اليه مكتب لواندا في سنة ١٩٧٩ ناظر الدائرة إلدِر سيلڤا الذي يتذكر جيدا تلك الرحلة.‏

يكتب الاخ سيلڤا:‏ «سافرنا بالسيارة مسافة ١٦٠ كيلومترا الى شيآنڠي.‏ ومن هناك قطعنا مسافة الـ‍ ٧٠ كيلومترا المتبقية سيرا على الاقدام.‏ لكن أعاقت تقدمنا عاصفة حملت معها امطارا غزيرة دامت ست ساعات تقريبا.‏ احيانا كنا نغوص في الماء حتى رُكَبنا،‏ ولكن لم يكن باستطاعتنا التوقف اذ ان المنطقة تعج بالحيوانات البرية الضارية.‏ وبسبب الوحل،‏ كان اسهل علينا ان نمشي حفاة حاملين امتعتنا معلقة بعصا فوق كتفنا.‏ وأخيرا وصلنا الى منطقة ليوكافِلا،‏ وإلى مكاننا المقصود:‏ كِمبو (‏قرية)‏ كويتونا.‏ كنا جائعين ومنهكين،‏ فقدمت لنا النساء لبنا،‏ شراب الذرة المحلي الذي يُدعى بولونڠا،‏ الكاكاو،‏ ودقيق الذرة الذي يُدعى إيهيتا.‏ وبعد ان استرحنا بجانب نار مدفِّئة،‏ كنا مستعدين للنشاطات المنتظَرة».‏ وقد وسمت هذه الزيارة تقدما في الكرازة المنظمة بالبشارة في منطقة ڠامبوس.‏

لن ينسى احد من الذين كانوا موجودين معمودية ١٨ أخا وأختا جددا في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٨٦ في نهر كاسولوڤار.‏ وكانت هذه المعموديات هي الاولى التي تُجرى في منطقة ڠامبوس خلال ٤٠ سنة منذ ادخال رسالة الملكوت الى هناك.‏ كانت وجوه الفاتحين الذين اتوا للاشتراك في العمل في هذه المنطقة تشع فرحا.‏ ولا تسع الكلمات ان تعبِّر عن سعادة الاخ كويتونا عندما حضر المعمودية.‏ قال وهو يقفز فرحا:‏ «اشعر مثل الملك داود عندما رافق تابوت يهوه».‏ (‏٢ صموئيل ٦:‏١١-‏١٥‏)‏ ويستمر الاخ كويتونا في الخدمة كفاتح قانوني.‏

العمل في جنوبي أنڠولا

سنة ١٩٧٥،‏ بفضل جهود فاتح اسمه هوسّيه تياكاتاندِلا،‏ تعرّفت الى الحق تِمولي البالغة من العمر ١٨ سنة،‏ وهي شابة طويلة من منطقة أُويلا جنوبي أنڠولا.‏ قدَّرت تِمولي رسالة الكتاب المقدس،‏ لكنَّ والدَيها قاوماها بشدة.‏ فحُرمت من الطعام عدة ايام،‏ ضُربت،‏ وأخيرا رُجمت بالحجارة.‏ وإذ كانت حياتها في خطر،‏ سارت مسافة ٦٠ كيلومترا لتصل الى لوبانڠو.‏ وهناك كان باستطاعتها حضور اجتماعات الجماعة.‏ وبمساعدة الصف الذي اعدّته الجماعة لتعليم القراءة والكتابة،‏ تقدمت لدرجة تمكنها من الانخراط في مدرسة الخدمة الثيوقراطية.‏ واعتمدت في سنة ١٩٨١.‏ تعلمت تِمولي ايضا الخياطة لتكسب معيشتها،‏ وهي تخيط ثيابها المحتشمة بنفسها.‏ وفي سنة ١٩٨٠ اعتمد ايضا ثلاثة رجال وأربع نساء من مجموعتها العرقية سمعوا رسالة الملكوت سنة ١٩٧٨.‏

في سنة ١٩٨٣،‏ انخرط هوسّيه ماريّا موڤيندي من لوبانڠو في عمل الفتح الاضافي مدة ثلاثة اشهر.‏ واتَّجه جنوبا ليبشر في المناطق الريفية حول مدينتَي جاوُ وڠامبوس.‏ وسافر الى مقاطعة ناميبه،‏ ناشرا البشارة بين الموكوباييس،‏ وهي القبيلة المسيطرة.‏ وإذ لمس وجود حاجة ماسة في هذه المقاطعات،‏ انخرط في عمل الفتح القانوني.‏ وتبعه فاتحون آخرون.‏

عندما بشَّر الاخ موڤيندي في المنطقة،‏ مسَّت حقائق الكتاب المقدس قلوب اشخاص كثيرين.‏ وبدأوا يصنعون التغييرات اللازمة في حياتهم.‏ ولكي يخدموا يهوه على نحو مقبول،‏ كان عليهم ان يتخلوا عن الممارسات التي لا تنسجم مع الاسفار المقدسة مثل تعدُّد الزوجات،‏ الفساد الادبي،‏ السكر،‏ والمعتقدات الخرافية.‏ وبدأوا يلبسون اكثر من المئزر،‏ التشِنكواني التقليدي.‏ وأخذ يتقاطر رفقاء الزواج الى لوبانڠو ليسجلوا زواجهم قانونيا.‏ وقد عنى ذلك بالنسبة الى البعض مغادرة القرية للمرة الاولى في حياتهم!‏ فأُعيد فتح مكتب التسجيل المدني في شيآنڠي الذي كان مغلقا مدة عشر سنوات،‏ لتلبية طلبات الناس المتدفقين فجأة من منطقة ڠامبوس الذين يريدون شهادات ميلاد وبطاقات هوية لكي يسجلوا زواجهم.‏

من المؤسف ان الاخ موڤيندي مات من التهاب الكبد في سنة ١٩٨٦،‏ ولكن خدمته الغيورة انتجت ثمرا جيدا.‏ وبواسطة جهوده وجهود آخرين غيره خدموا في هذه المنطقة،‏ وصلت الشهادة الى كثيرين.‏ واليوم،‏ يوجد في هذه المنطقة تسع جماعات بالاضافة الى عشر فرق لم تنظَّم بعد كجماعات،‏ وكلها تعزز العبادة الحقة في هذه المنطقة.‏

ازدياد المراقبة

مع تشكيل «فرق الامن الشعبية» في سنة ١٩٨٤،‏ تجدَّد الضغط على اخوتنا.‏ فكانت مهمة «فرق الامن الشعبية» ان تراقب عن كثب جميع الاشخاص غير المنخرطين في العمل الثوري.‏ وكيف تممت «فرق الامن الشعبية» مهمتها؟‏ يتذكر جيدا دومينڠوش ماتايوس الذي كان آنذاك ناظر دائرة:‏ «في كل زاوية من لواندا كنتم ترون شخصا من ‹فرق الامن الشعبية›،‏ وكان يُعرَف من شريط ازرق على ذراعه عليه الاختصار ‹ف أ ش›.‏ وكان مخوَّلا تفتيش أيّ عابر سبيل.‏ فصار صعبا جدا على الاخوة ان يجلبوا معهم مطبوعات الى الاجتماعات.‏ وفي كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٨٥ كان يوجد ٨٠٠ فرقة مجنَّدة من فرق الامن هذه في لواندا،‏ مما جعل من المستحيل حتى عقد اجتماعات الجماعة.‏

‏«في منطقة إش لارڠو سِرپا پينتو،‏ كانت مجموعة من ٤٠ عضوا تقريبا في فرق الامن تطوف في المنطقة بكاملها.‏ وكان يرافقهم اعضاء من ‹القوات المسلّحة الشعبية لتحرير أنڠولا›،‏ وهي فرقة متسلِّحة برشاشات.‏ وكان من الشائع سماعهم يطلقون النار عندما يلاحقون شخصا او عندما يريدون ايقاف شخص لاستجوابه.‏

‏«خطَّطت احدى الجماعات ان تعقد اجتماعا كبيرا في بيت احد الاخوة.‏ وقبيل بدء البرنامج،‏ ادركنا ان عضوا من ‹فرق الامن الشعبية› كان يراقب الاخوة وهم يدخلون ويدوّن اسماءهم في دفتر ملاحظات.‏ رغم الخطر،‏ لم يرتعب رب البيت.‏ وخطرت على باله فكرة.‏ فانسلّ بهدوء وراء الرجل،‏ وعندما صار قريبا جدا منه،‏ بدأ يصرخ:‏ ‹ايها الجيران!‏ يوجد لص،‏ اقبضوا على اللص!‏›.‏

‏«فوجئ الرجل،‏ فهرب موقعا كل ما كان في يده.‏ وبينما كان الجيران ينزلون من المبنى وآخرون يطلّون من الشبابيك ليروا ماذا يحدث،‏ دخل الاخ الى بيته وقال للشيخ:‏ ‹اخي،‏ بإمكانك بدء الاجتماع الآن،‏ فكل شيء على ما يرام›.‏ وجرت كل الاجتماعات المعيَّن عقدها في ذلك البيت كامل اسبوع الزيارة دون اي تشويش او مشاكل اخرى».‏

‏«كُشف السرّ»‏

صار من الصعب جدا ان يتصل شهود يهوه بإخوتهم المسيحيين خارج البلد.‏ ولكنَّ انطونيو ألبرتو كان يعمل في شركة نفط اجنبية.‏ فساعد في ايصال البريد المهم بين الاخوة في أنڠولا وفرع الپرتغال.‏

ولكن في يوم من ايام سنة ١٩٨٧،‏ اوقفت الشرطة في المطار رزمة تحتوي على رسائل متعلقة بزيارات نظار الدوائر ومسائل سرية اخرى.‏ فجزع الاخ ألبرتو.‏ عند الظهر،‏ ذهب الى بيته ليرى عائلته،‏ اذ كان متأكدا انه سيجري ايقافه قريبا.‏ واتصل بالاخ المسؤول عن هذه القضايا وقال ببساطة:‏ «جدّي،‏ لقد كُشف السرّ».‏

بعد ذلك،‏ ذهب الاخ ألبرتو بشجاعة الى منزل المسؤول عن شرطة الامن في المطار.‏ وشرح له الاخ انه كان في السجن اثناء حكم الاستعمار مع بعض الشبان الپرتغاليين،‏ الذين بقوا على اتصال به بواسطة المراسلة،‏ وأن رزمة تحتوي على رسائلهم قد صودرت في المطار.‏ فأعطاه المسؤول عن الامن بطاقة ليقدمها الى الرجل الذي صادر الرزمة،‏ طالبا فيها ان تُسلَّم الرزمة الى مكتبه.‏ عندما قدّم الاخ هذه الرسالة الى الرجل في المطار،‏ اضطرب الشرطي جدا.‏ ولماذا؟‏ لأنه لا يستطيع ارسال الرسائل الى المسؤول عن الامن،‏ فقد أُحرقت!‏ ارتاح الاخ ألبرتو كثيرا،‏ اذ لم يسبب الامر ايّ اذى.‏

مصمِّمون على السلوك في طرق يهوه

سبَّبت الحرب المستمرة ضغطا متجددا على شهود يهوه ليكسروا حيادهم المسيحي.‏ ففي شباط (‏فبراير)‏ ١٩٨٤،‏ أُوقف ١٣ شابا بسبب رفضهم حمل السلاح.‏ ثلاثة منهم فقط كانوا شهودا معتمدين،‏ والآخرون ناشرين غير معتمدين وتلاميذ للكتاب المقدس.‏ وعلى الرغم من التهديدات والاساءة الجسدية،‏ كانوا ثابتين في قرارهم ان يسلكوا في طرق يهوه.‏ (‏اشعياء ٢:‏٣،‏ ٤‏)‏ ولكن للأسف،‏ عندما كانوا يُنقَلون بالطائرة الى لواندا،‏ تحطمت الطائرة عند الاقلاع،‏ وقُتل كل من كان على متنها.‏

في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٨٥،‏ ثمة فريق من تسعة اشخاص يشمل شهودا معتمدين،‏ ناشرين غير معتمدين،‏ وأشخاصا مهتمين،‏ رفض التخلّي عن حياده.‏ (‏يوحنا ١٧:‏١٦‏)‏ فنُقلوا بالقطار،‏ ثم بطائرة مروحية،‏ الى منطقة شديدة المعارك.‏ وعندما حاول الجنود اجبارهم على الانضمام الى المعركة،‏ رفض مانويل موريش دي ليما،‏ فقُتل رميا بالرصاص.‏ وثمة اخ آخر أُصيب بقذيفة سحقت رجله،‏ فأُبعد عن منطقة القتال وأُرسل الى المستشفى.‏ وقيل لاثنين من الاخوة:‏ «ان الطائرات المروحية التي اتت بكما الى هنا ليست ليهوه»،‏ والطريقة الوحيدة للخروج من هنا هي السير على الاقدام —‏ مسافة ٢٠٠ كيلومتر عبر مقاطعة يجوبها جنود العصابات والحيوانات البرية.‏ لدى وصولهم الى لواندا،‏ سُجنوا ثانية!‏ ومع ذلك،‏ كانوا لا يزالون مقتنعين ان محبة يهوه اللّٰه ورفيقهم الانسان هي الطريقة الفضلى للعيش.‏ —‏ لوقا ١٠:‏٢٥-‏٢٨‏.‏

وفي حالة اخرى،‏ أُرسل اربعة شهود الى معسكر ناء في اقصى جنوب أنڠولا.‏ كان الجنود متأكدين ان شدة الحرب ستجبر الشهود على حمل السلاح لحماية انفسهم.‏ ولكن بدلا من ذلك،‏ كما يتذكر ميڠيل كيآمباتا،‏ منحهم بعض الضباط حرية التحرك في المنطقة بعد ان اثّر فيهم ثبات الاخوة وأدركوا انهم لا يسبّبون ايّ اذى.‏ فاستخدموا تلك الحرية ليعلّموا الآخرين عن تدبير يهوه لمنح حياة ابدية بواسطة ابنه،‏ يسوع المسيح.‏ وفي سنة ١٩٨٧،‏ عندما احتفلوا بذكرى موت المسيح،‏ كان عدد الحضور ٤٧ شخصا،‏ وسرعان ما ارتفع عدد الحضور في الاجتماع الى ٥٨ شخصا.‏

في سنة ١٩٩٠ كان لا يزال نحو ٣٠٠ شخص من شهود يهوه مسجونين بسبب حيادهم المسيحي.‏ وكان البعض قد نُفِّذت فيهم عدة احكام قضائية،‏ كل منها مدته اكثر من خمس سنوات.‏ وآخرون قد سُجنوا اربع سنوات دون اية محاكمة.‏ حتى بعد منح عفو عام،‏ لم تُعلِم بعض السلطات في السجن الاخوةَ بالعفو العام وأبقتهم في السجن.‏ وتوانى آخرون في إطلاقهم لأنهم كانوا يعتبرون الشهود افضل العاملين عندهم وبالإمكان ائتمانهم على اعمال خارج السجن دون ان يحاولوا الفرار.‏ كما ان ذلك العفو العام لم يحُل دون ايقاف شاهدَين إضافيين وإعدامهما في سنة ١٩٩٤.‏

وفي وقت لاحق،‏ فيما كانت اخت فاتحة توزّع اخبار الملكوت رقم ٣٥،‏ التقت رجلا كان في السلك العسكري ذكر انه كان حاضرا عند اعدام ثلاثة شهود رفضوا حمل السلاح.‏ وعندما سألته الاخت هل يكون العالم افضل اذا كان الجميع من شهود يهوه،‏ اعترف انهم اذا كانوا قادرين على مواجهة الموت بسبب رفضهم قتل رفيقهم الانسان،‏ يكون العالم بالتأكيد في حالة سلام اذا كان الجميع من شهود يهوه.‏ وقبِل كراسة ماذا يطلب اللّٰه منا؟‏،‏ وافق ان يُعقَد معه درس بيتي في الكتاب المقدس،‏ وبدأ يحضر اجتماعات الجماعة.‏

استمرار مياه الحق في التدفق

اعطى يهوه النبي حزقيال رؤيا عن مياه حياة تتدفق من هيكل اللّٰه الروحي العظيم.‏ لقد تدفقت تحت العقبات وحولها،‏ وعبر ارض وعرة،‏ ومنحت الحياة حيث وُجد سابقا محيط مميت.‏ (‏حزقيال ٤٧:‏١-‏٩‏)‏ واليوم،‏ على الرغم من العقبات،‏ تدفقت مياه الحق المعطية الحياة الى اكثر من ٢٣٠ بلدا،‏ من ضمنها أنڠولا.‏

احيانا بدت العقبات هائلة،‏ لكن مياه الحياة الآتية من اللّٰه وجدت منفذا.‏ فخلال ثمانينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ كانت مراقبة المطبوعات شديدة جدا بحيث لم يكن يصل الى مكتب لواندا من الخارج سوى رسائل نادرة يحملها السعاة.‏ الا ان المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس التي تحتوي حقائق منعشة كانت تمرّ عبر الحدود بين أنڠولا وناميبيا،‏ حيث كان المرور سهلا نسبيا.‏ وبهذه الطريقة كان يجري الحصول على مطبوعات بالپرتغالية وباللغات المحلية.‏ وسار هذا الترتيب في تلك المنطقة سنوات عديدة.‏

كما اتت المساعدة من عدة مصادر.‏ فقد قام عدد من ذوي الاختصاصات بمساعدة الاخوة على الحصول على كتب مقدسة.‏ حتى الذين في الجيش،‏ والبعض منهم لهم اقرباء من الشهود،‏ خاطروا مخاطرة كبيرة لمساعدة الاخوة في أنڠولا.‏ ايضا أُرسلت شحنات عديدة تحتوي على تجهيزات مكتبية،‏ بما فيها آلة نسخ قيّمة،‏ بأسماء اشخاص ذوي نفوذ.‏ وقد اختار احدهم لاحقا الانضمام الى شعب يهوه في الخدمة تحت توجيه «رئيس السلام» الخاضع للّٰه.‏ —‏ اشعياء ٩:‏٦‏.‏

في سنة ١٩٨٤،‏ انتقل تييِري دويِتوا وزوجته مانويلا الى أنڠولا آتيَين من زائير (‏الآن جمهورية الكونڠو الديموقراطية)‏.‏ وصارا محبوبَين جدا من الاخوة المحليين.‏ وبسبب طول الاخ دويِتوا كان يُعتقد خطأ انه روسي.‏ وفي ظل حكومة تلك الفترة،‏ كان للروس العديدين في أنڠولا حرية كاملة للتحرك.‏

فاستُفيد من هذه الهوية المغلوط فيها لإدخال مطبوعات الى هذا البلد الذي تدمّره الحرب،‏ مطبوعات تخبر كيف ان يهوه اللّٰه،‏ بواسطة الملكوت المسياني،‏ سيجلب سلاما حقيقيا للجنس البشري ويجعله يزدهر الى اقاصي الارض.‏ (‏مزمور ٧٢:‏٧،‏ ٨‏)‏ وأقام الاخ دويِتوا علاقات عمل مع عدد من الطيّارين في خطوط الطيران الذين وافقوا على نقل صناديق تحتوي على مطبوعات مؤسسة على الكتاب المقدس الى البلد.‏ وكان الاخ دويِتوا يأخذ هذه الصناديق من المطار ويسلّمها الى الاخوة.‏ كما حصل على ادوية كان الاخوة المرضى بأمسّ الحاجة اليها.‏

وتعرَّف الاخوة المسؤولون،‏ عن طريق الاخ دويِتوا،‏ الى رجل الاعمال السيد إيليديو سيلڤا،‏ الذي تبرَّع بآلتي نسخ.‏ وكان من الصعب جدا على الاخوة ان يحصلوا عليهما،‏ لأن الحكومة كان تحفظ قائمة بكل الآلات المكتبية في البلد.‏ وقد بورك السيد سيلڤا اذ صار اخيرا خادما معتمدا ليهوه.‏

بوجود معدات نسخ إلكترونية،‏ صار ممكنا انتاج نسخ مؤلفة من ٢٠ صفحة من مجلة برج المراقبة.‏ فشملت هذه النسخ مقالات ثانوية مهمة كان الاخوة الأنڠوليون يخسرونها سابقا.‏ وفي وقت قصير كان يُوزَّع كمعدل ٠٠٠‏,١٠ نسخة من كل عدد.‏ ونُسخت ايضا كراريس فاحصين الاسفار المقدسة يوميا التي قُدِّرت جدا.‏ كما أُرسلت من الپرتغال مواد مختارة من ‏«كل الكتاب هو موحى به من اللّٰه ونافع»‏ لكي تُنسَخ ايضا.‏ وفي وقت لاحق،‏ كان بالامكان الحصول على تلك المواد في شكل كراس.‏ وقد ساعد ذلك على إغناء برنامج مدرسة الخدمة الثيوقراطية.‏ وكم كانت منعشة كل تلك التدابير الروحية!‏

كانت الزيادة في عدد الاشخاص الذين يسبّحون يهوه في ذلك البلد دليلا آخر على بركة اللّٰه.‏ فبحلول نهاية سنة الخدمة ١٩٨٧،‏ بلغ عدد الشهود الذين قدّموا تقارير عن خدمتهم ٣٨٨‏,٨ شخصا،‏ زيادة اكثر من ١٥٠ في المئة منذ الحظر سنة ١٩٧٨.‏ كما تضاعف عدد الجماعات ايضا،‏ من ٣٣ الى ٨٩ جماعة.‏ وعلى الرغم من ان الاخوة كانوا يتوخون الحذر قبل دعوة المهتمين الجدد الى الاجتماعات،‏ كان عدد الحضور اكثر من عدد الناشرين بنسبة ١٥٠ في المئة تقريبا.‏ وكان معدل ساعات خدمة الناشرين ١٨ ساعة تقريبا كل شهر،‏ وبلغ عدد الدروس البيتية في الكتاب المقدس ذروة من ٦٦٥‏,٢٣ درسا!‏ صحيح انه كانت توجد مشاكل اقتصادية ونقص في الطعام،‏ الا ان ثقة الاخوة بوعود يهوه مكّنتهم من البقاء شجعانا.‏ وكانوا مصمِّمين على المواظبة على ‹التكلم بكلمة اللّٰه بجرأة›.‏ —‏ اعمال ٤:‏٣١‏.‏

تدريب خصوصي لنظار الدوائر

كان النظار الجائلون الذين يستمرون في بذل انفسهم من اجل الجماعات هم ايضا بحاجة الى التشجيع.‏ فكم فرحوا عندما علموا عن الترتيبات التي صُنعت لكي يحضروا حلقة دراسية خصوصية للنظار الجائلين في لشبونة بالپرتغال في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٨٨!‏

تخيلوا فرحتهم بمعاشرة عائلة بيت ايل في الپرتغال يوميا!‏ لُويش كاردوسو،‏ احد الذين حضروا الحلقة الدراسية،‏ يلخّص شعورهم قائلا:‏ «كان ذلك وقتا مثيرا للغاية بالنسبة اليّ.‏ فقد استقبلتنا عائلة بيت ايل في الپرتغال استقبالا حارا جدا.‏ وبذل الاخوة كل ما في وسعهم وأكثر من اجلنا.‏ كانت تلك الايام الـ‍ ٣٤ بالنسبة الينا اياما مليئة نشاطا مفرحا وعِلْما».‏

اولا،‏ قضوا اسبوعين وهم يعملون مع نظار جائلين في الدوائر في الپرتغال لكي يتعلموا.‏ وخلال الاسبوعين التاليين،‏ حضروا حلقة دراسية بحثت على نحو خصوصي نشاطهم الثيوقراطي في الحقل وأعدَّتهم لصفوف مدرسة خدمة الملكوت التي سيشتركون فيها بصفتهم معلّمين.‏ في الاسبوع التالي،‏ حضروا صفوف مدرسة خدمة الملكوت التي أُعدَّت للشيوخ والخدام المساعدين في الپرتغال.‏ وقد قدَّم ذلك للاخوة الأنڠوليين فرصة ليشاهدوا كيف يعلّم النظارُ الجائلون في الپرتغال الشيوخَ المحليين ما قد تعلَّموه في الحلقة الدراسية.‏

يقول الاخ كاردوسو:‏ «علَّمتني تلك الحلقة الدراسية ماذا يعني ان اكون تلميذا مجتهدا».‏ ويضيف:‏ «تعلَّمت ان ادرس وأقوم ببحث بطريقة لم اقم بها من قبل.‏ وقد علَّمنا الاخوة بمثالهم كيف نظهر الاعتبار لزوجاتنا بحيث نستطيع العمل معا باتّحاد.‏ وبلغت زيارتنا التي لا تُنسى ذروتها عندما ارانا الاخوة ‹رواية الخلق المصوَّرة›.‏ كنت قد سمعت الكثير عنها،‏ والآن كان من الممتع جدا مشاهدتها».‏

كملحق لفترة التعليم تلك،‏ عُيِّن في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٠ ماريو نوبراي،‏ ناظر دائرة من الپرتغال،‏ ليعمل مع نظار الدوائر الأنڠوليين وهم يخدمون في الجماعات في بلدهم.‏ فقضى شهرين وهو يدرِّب الاخوة،‏ وقُدِّر كثيرا اسلوبه اللطيف والصبور.‏

يروي الاخ نوبراي ببهجة كبيرة ما حصل معه بعد بضعة ايام من وصوله الى أنڠولا:‏ «صُنعت الترتيبات لأقدِّم خطابا عاما في جماعة عدد ناشريها ١٩٨ ناشرا.‏ تعجبت عندما رأيت ٤٨٧ شخصا حاضرا.‏ ولدهشتي،‏ طلب مني الناظر المشرف ان اقدِّم الخطاب ثانية.‏ فنصف الجماعة فقط كان حاضرا!‏ بالطبع قدَّمت الخطاب،‏ وحضر الخطاب الثاني ٤٦١ شخصا،‏ وكان المجموع العام ٩٤٨ شخصا!‏».‏

خلال اقامته،‏ تعلَّم الاخ نوبراي الكثير عن الحياة اليومية التي يعيشها الاخوة في أنڠولا.‏ فوجد ان الشوارع في لواندا خطرة بسبب اطلاق النار،‏ ولكنه تعوَّد بسرعة على الوضع وركَّز انتباهه على الاهتمام الرائع الذي يظهره الناس برسالة الملكوت.‏ وفي ما يتعلق بوسائل الراحة التي أُمِّنت له،‏ يقول:‏ «لقد اعطاني الاخوة افضل ما لديهم.‏ ما حصلنا عليه كان مجرد ضرورات الحياة،‏ ولكنه كان كافيا».‏

جفاف شديد

في اوائل سنة ١٩٩٠،‏ ترك راكب الفرس الاسود في الرؤيا —‏ الجوع —‏ آثاره في جنوبي أنڠولا،‏ عندما ضرب ضربته جفافٌ شديد دام ثلاثة اشهر.‏ (‏كشف ٦:‏٥،‏ ٦‏)‏ فأُتلفت المحاصيل،‏ وجلب ذلك الكثير من الشقاء.‏ وبحسب صحيفة لشبونة ديآريو دي نوتيسياس،‏ مات ٠٠٠‏,١٠ شخص على الاقل بسبب الجفاف.‏

عندما وصلت هذه الاخبار الى فرع الپرتغال،‏ ارسل الاخوة على الفور حاويتَي شحنٍ كبيرتين عن طريق بعض الاخوة ورجال الاعمال الذين اظهروا اهتماما بحق الكتاب المقدس.‏ وصلت حاوية الى بنڠيلا،‏ والاخرى الى لواندا.‏

وأرسل فرع جنوب افريقيا بالشاحنة ٢٥ طنا من مؤن الاغاثة عن طريق ناميبيا.‏ عندما وصل الاخوة الى ونْدْهوك،‏ طلبوا اذنا من القنصلية الأنڠولية بدخول أنڠولا وتسليم المؤن الى اخوتهم المسيحيين.‏ ومع ان الرسمي كان يعرف ان الشهود غير معترف بهم في بلده،‏ جهَّز بسرور الاوراق الضرورية بحيث تصل مؤن الاغاثة الى اولئك الاشخاص المتألمين.‏ ورُتِّب ايضا ان ترافق الشاحنة مجموعة من الجنود لضمان وصول المؤن سالمة.‏

عندما وصلت الشاحنة الى الجسر غير المتين المبني مؤقتا عند نهر كونايني،‏ كان على الاخوة ان ينقلوا كل المؤن الى شاحنة اصغر،‏ ثم يعيدوها كلها الى الشاحنة الكبيرة بعد ان يصلوا سالمين الى الجهة الاخرى.‏ وبعد عبورهم ٣٠ حاجزا عسكريا،‏ وصلت الشاحنة الى لوبانڠو.‏ وقد مهَّدت هذه المهمة الناجحة الطريق لثلاث رحلات اضافية،‏ كل منها تحمل اطنانا من مؤن الاغاثة الثمينة.‏

يتذكر فلاڤيو تِشيرا كِنتال الذي كان حاضرا في لوبانڠو عندما وصلت الشاحنة الاولى:‏ «عندما رأينا الشاحنة تصل نحو الساعة الثالثة بعد الظهر،‏ شعرنا بفرح غامر وبراحة كبيرة،‏ كما حلَّت بنا الدهشة وشيء من الخوف.‏ فأين سنخزن ٢٥ طنا من المطبوعات والملابس والطعام؟‏ فقاعتنا للملكوت ليس لها ابواب او نوافذ،‏ وبيتنا اصغر من ان يسع كل تلك الصناديق.‏ بسرعة نظمنا الاخوة ليقوموا بعمل الحراسة نهارا وليلا،‏ ووضعنا كل شيء في قاعة الملكوت».‏

وُزِّعت كل المؤن فورا.‏ ويتابع الاخ كِنتال:‏ «كنا في فترة حرب.‏ .‏ .‏ .‏ وفي ذلك الوقت كان لدينا غالبا مجلة واحدة فقط لكامل الجماعة.‏ فكم كنا شاكرين ليهوه،‏ وهيئته،‏ وإخوتنا الاعزاء الذين خاطروا بحياتهم من اجل إخوة لا يعرفونهم!‏ وقد ذكّرنا ذلك بالمحبة التي اظهرها يسوع للجنس البشري إذ بذل حياته البشرية من اجل الآخرين».‏ —‏ يوحنا ٣:‏١٦‏.‏

وذكرت رسالة تقدير كتبها الشيوخ في بنڠيلا:‏ «كانت نهاية الاسبوع الاخيرة مليئة بالنشاط،‏ اذ قام ٣٢ متطوعا بتوزيع المؤن التي تسلَّمناها.‏ ونحن نشكر الاشخاص الذين حرّكتهم قلوبهم الطيبة لإرسال هذه الهدية الينا».‏ وهكذا على الرغم من المجاعة،‏ لم يمت احد من اخوتنا هناك من الجوع.‏

وعد بضمان حقوق الانسان

في ٣١ ايار (‏مايو)‏ ١٩٩١،‏ وُقِّع اتفاق لوقف اطلاق النار بين الاحزاب المتنافسة في أنڠولا،‏ فحلَّت فترة من السلام النسبي.‏ واتُّفق على دستور جديد يعد بضمان الحقوق الانسانية والسياسية.‏ كانت الحرب الاهلية التي دامت ١٦ سنة قد دمَّرت البلاد.‏ وقُتل نحو ٠٠٠‏,٣٠٠ شخص.‏ وبات العمر المتوقَّع للرجل ٤٣ سنة،‏ وللمرأة ٤٦ سنة.‏ كذلك كانت البطالة والتضخم في ازدياد،‏ والنظام التربوي في حالة فوضى عارمة.‏ لذلك كان الاصلاح الجذري ضروريا.‏ فهل يشمل ذلك تحرُّر شهود يهوه من الحظر الذي سرى مفعوله منذ سنة ١٩٧٨؟‏

في ٢٢ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩١،‏ قُدِّم طلب الى وزير العدل يلتمس تسجيل جمعية شهود يهوه الدينية في أنڠولا.‏ كما صدر بيان اخباري ليعلم الجميع بهذا الطلب.‏

في اليوم التالي اصدرت صحيفة جورنال دي أنڠولا مقالة ذكرت جزئيا:‏ «استنادا الى الناطق باسم الشهود في أنڠولا،‏ يوجد تفاؤل في ما يتعلق بالاعتراف بالجمعية،‏ ورد الفعل الاولي من قِبل وزارة العدل مُرضٍ».‏ واستعرضت المقالة تاريخ شهود يهوه في أنڠولا،‏ بالاضافة الى سجلهم في بلدان مثل الپرتغال وموزمبيق،‏ حيث رُفع الحظر عن نشاط شهود يهوه.‏

لأول مرة في أنڠولا،‏ جرى التكلّم باستحسان عن شهود يهوه اعلاميا!‏ وبعد عدة ايام،‏ قال رئيس تحرير الصحيفة انه تلقى عدة اتصالات هاتفية،‏ حتى من اشخاص ذوي نفوذ،‏ مهنّئينه على طبع المقالة.‏

‏«اختبار لن انساه ابدا»‏

بدأ شهود يهوه يجتمعون معا بحرية اكثر.‏ وأخبرت بعض الجماعات ذات الـ‍ ١٠٠ ناشر ان ٣٠٠ الى ٥٠٠ شخص يحضرون الاجتماعات!‏ فكيف كان الشهود،‏ الذين كانوا حتى ذلك الوقت مجبرين على الاجتماع في فرق صغيرة في البيوت،‏ سيتمكنون من ايجاد مكان لهذه الجموع؟‏ سقَف بعض الاخوة افنيتهم بألواح معدنية وقدّموا المكان لتستعمله الجماعة.‏ اجتمعت عدة جماعات في العراء.‏ وشُجِّع الناشرون ألا يدعوا الى الاجتماعات والمحافل سوى تلاميذ الكتاب المقدس المتقدمين جدا،‏ بسبب عدم توفر امكنة للآخرين جميعا.‏ فكان الاخوة بحاجة ماسة الى اماكن للعبادة.‏

أُرسل دوڠلاس ڠست وماريو پ.‏ اوليڤايرا من الپرتغال لمساعدة الاخوة على تقييم العمل والتفكير في الحاجات المستقبلية.‏ خلال اقامتهما،‏ عُقدت اجتماعات خصوصية مع الشيوخ والفاتحين من الجماعات الـ‍ ١٢٧ في لواندا.‏ وسنحت الفرصة للاجتماع مع شيوخ من ٣٠ جماعة خارج العاصمة.‏ وقد اتى الشيوخ من كل انحاء البلد.‏ فكم كان ذلك وقتا بنّاء!‏

كان ذلك الوقت اختبارا مؤثرا جدا ايضا بالنسبة الى الاخ ڠست.‏ فكان قد عمل عن كثب مع هؤلاء الاخوة بواسطة المراسلة طيلة اكثر من ٣٠ سنة.‏ قال متذكرا تلك الزيارة:‏ «ما كان جديرا بالملاحظة هو عدم تشكّي الاخوة بشأن نصيبهم في الحياة.‏ فكان يشع من وجوههم الباسمة سلام داخلي،‏ مظهرا انهم احياء وأصحاء روحيا.‏ وكل ما كانوا يتكلمون عنه هو إمكانيات توسّع العمل الكرازي في بلدهم.‏ انه اختبار لن انساه ابدا».‏

اعتراف شرعي مرة ثانية

في ١٠ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٩٢،‏ اعلنت الصحيفة الرسمية الحكومية ديآريو دا رِپابليكا،‏ انه قد اعتُرف شرعيا بجمعية شهود يهوه.‏ فعقد شهود يهوه عزمهم على الاستفادة الى اكبر حد ممكن من الفرص التي اتاحها ذلك لهم.‏ بسرعة بلغ عدد الناشرين ذروة جديدة من ٩١١‏,١٨ ناشرا —‏ زيادة ٣٠ في المئة على معدل السنة السابقة.‏ ودلَّت دروس الكتاب المقدس البيتية البالغ عددها ٠٧٥‏,٥٦ —‏ ثلاثة دروس كمعدل للناشر الواحد —‏ الى حصاد وافر مقبل.‏

في ذلك الوقت،‏ أُعلم فرع جنوب افريقيا انه بإمكانهم البدء بشحن مجلتَي برج المراقبة و استيقظ!‏ والمطبوعات الاخرى الى أنڠولا.‏ فجرى شراء شاحنتين لتسهيل توزيع المطبوعات على الجماعات المحلية.‏ وكم فرح الاخوة عندما وصل ٠٠٠‏,٢٤ نسخة من عدد ١ ايار (‏مايو)‏ ١٩٩٢ من برج المراقبة،‏ و ٠٠٠‏,١٢ نسخة من استيقظ!‏ عدد ٨ ايار (‏مايو)‏ ١٩٩٢!‏ وسرعان ما توفَّرت الكتب التي تُعقَد فيها دروس الكتاب المقدس البيتية.‏ فسابقا كان بعض الناشرين،‏ بغية عقد دروس،‏ يستظهرون كل الاسئلة والاجوبة في المطبوعة التي يُدرس فيها.‏

مواجهة اوقات صعبة —‏ ثانية!‏

لم يكن العنف قد انتهى بعد.‏ فبعد الانتخابات في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٩٢،‏ مزَّقت الحرب الاهلية البلد ثانية.‏ واندلع القتال الشديد في ٣٠ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ في خمس مدن رئيسية:‏ لوبانڠو،‏ بنڠيلا،‏ هوامبو،‏ لوبيتو،‏ وخصوصا لواندا،‏ حيث أُخبر انه قُتل ٠٠٠‏,١ شخص في الايام الاولى من القتال.‏

كانت المستشفيات مكتظة ولم تعد تسع.‏ وكانت الجثث ممدّدة في الشوارع.‏ فانتشر الوباء.‏ وطوال عدة اسابيع انقطعت الكهرباء والمياه،‏ ولم يعد ممكنا الحصول على الطعام ايضا.‏ كما سادت السرقة والنهب.‏ وتأذى العديد من المدنيين جسديا ونفسيا.‏

قُتل العديد من شهود يهوه في لواندا،‏ واعتُبر كثيرون في عداد المفقودين.‏ وعندما عرف الاخوة في الپرتغال عن الاحوال الرهيبة التي تواجه اخوتنا،‏ ارسل الفرع على الفور اطعمة وأدوية.‏

خلال فترة القتال هذه بين الاحزاب السياسية،‏ لوحظ الحياد التام الذي يتمسك به شهود يهوه.‏ وسُمعت تعليقات ايجابية عن كونهم الوحيدين الذين لا يتعاطون السياسة ولا ينحازون الى اي طرف في الصراع من اجل السلطة.‏ فبدأ الناس المهتمون يقتربون من الشهود في الشارع ليطلبوا درسا في الكتاب المقدس.‏

ومن نظرة الشهود انفسهم الى وضعهم،‏ كانوا مقتنعين ان ما يمرون به هو اتمام لنبوة الكتاب المقدس،‏ مما زاد في تقوية ثقتهم بملكوت اللّٰه.‏ وقدّروا درس كتاب الرؤيا —‏ ذروتها العظمى قريبة!‏ الذي كان في وقته المناسب،‏ وخصوصا الجزء عن نشاطات الوحش في هذه الايام الاخيرة.‏

رسالة من الهيئة الحاكمة

بُعيد اندلاع العنف من جديد،‏ ارسلت الهيئة الحاكمة الى فرع الپرتغال رسالة متعاطفة تعبِّر عن قلق بشأن الاخوة في أنڠولا.‏ وقد تناولت الرسالة،‏ بين امور اخرى،‏ الحاجات الضرورية للاخوة الأنڠوليين.‏ وفي الختام،‏ طلبت الهيئة الحاكمة ان تُنقل محبتهم القلبية الى الاخوة في أنڠولا.‏

عندما تسلّم الاخوة في لواندا هذه الرسالة،‏ عبَّروا عن شكرهم المخلص ليهوه على هذه الهيئة المحبّة التي تعتني برفق بشعبه في اوقات الشدة.‏ وقد كانت هذه الرسالة الحبية معزية خصوصا لعائلات الاخوة الذين ماتوا خلال هذا الوقت العصيب.‏

محفل كوري بارز

بحلول كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٣،‏ كانت الاوضاع في لواندا اهدأ نوعا ما،‏ وكان بإمكان ناشرين عديدين من شتى انحاء البلد حضور المحفل الكوري «حملة النور» في العاصمة.‏ وقد اتى البعض قاطعين مسافات كبيرة سيرا على الاقدام.‏ وثمة اخت من مقاطعة هوامبو سارت سبعة ايام مع اولادها الصغار الاربعة،‏ اكبرهم عمره ست سنوات فقط.‏ وصلت منهكة ولكن سعيدة بانتظار الوليمة الروحية التي سيتمتعون بها.‏

استؤجر جناح المعارض الصناعية اسبوعين متتاليين.‏ وجرى الحصول على المولِّدات الكهربائية وأجهزة الصوت من الپرتغال.‏ ومع ان الاخوة لم يدعوا سوى الذين يحضرون الاجتماعات قانونيا،‏ فقد غصَّ المكان بالحضور في كلا المحفلين.‏ وبلغ مجموع الحضور ٤٩١‏,٢٤ شخصا.‏ كانت تلك المرة الاولى التي يتمتع فيها الاخوة في أنڠولا بكامل برنامج المحفل الكوري الذي دام ثلاثة ايام،‏ بما فيه المسرحية.‏ اعتمد ٦٢٩ خادما جديدا في ذينك المحفلَين،‏ وفرح المحتفلون بتسلّم كراسة تمتعوا بالحياة على الارض الى الابد!‏ بلغات كيكونڠو،‏ كيمبوندو،‏ وأومبوندو،‏ بالاضافة الى كراسة هل يهتم اللّٰه بنا حقا؟‏ باللغة الپرتغالية.‏

لاحظ الرسميون الحكوميون عن كثب السلوك الحسن الذي اعرب عنه الشهود الذين حضروا المحفل.‏ فكان التباين مع ما يحصل في لواندا شاسعا جدا.‏ ففي اليوم الذي ابتدأ فيه المحفل الاول،‏ اندلع العنف ضد اللاجئين العائدين في اقسام شتى من المدينة.‏ فقُتل كثيرون وجُرح المئات.‏ وساد النهب.‏ كما دُمّرت المنازل،‏ ومنها منازل بعض الاخوة.‏ وقد ادَّت هذه الغيمة السوداء من العنف المتجدد الى ابراز التباين الصارخ مع النور الروحي الذي يتمتع به شعب يهوه.‏ —‏ اشعياء ٦٠:‏٢‏.‏

انقطاع الاتصال بين الجماعات والمكتب

بسبب القتال المتجدد،‏ انقطع الاتصال تدريجيا بين معظم الجماعات خارج العاصمة والمكتب في لواندا.‏ وأقام جيش المقاومة مركزه الرئيسي في هوامبو في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٣،‏ وتلا ذلك قتال عنيف.‏ فهرب الاخوة بأعداد كبيرة الى الدغل فيما كانت هذه المدينة الجميلة تُدمّر.‏ وطوال اربعة اشهر لم يُعرف اي شيء على الاطلاق عن الجماعات الـ‍ ١١ في تلك المدينة.‏ اخيرا،‏ في نيسان (‏ابريل)‏،‏ وصلت رسالة قصيرة:‏ «كان عدد حضور الذِّكرى في ١١ جماعة في هوامبو:‏ ٥٠٥‏,٣ اشخاص.‏ وحتى الآن لم نخسر احدا».‏ يا لها من اخبار مفرحة انه لم يُقتل احد من الاخوة!‏

في الاشهر والسنين التي تلت،‏ وصل المزيد من التقارير التي تكشف سجلا من الامانة والاحتمال.‏ اخبرت احدى الجماعات:‏ «كانت اسوأ فترة مررنا بها الشهرين اللذين كان فيهما القتال عنيفا للغاية بحيث لم يكن احد يجرؤ ان يخرج الى الشارع في النهار.‏ اجتمع الاخوة معا في الطابق السفلي من احد الابنية.‏ وكانوا يخرجون ليلا لايجاد ماء يغلونه ليتوفّر عندهم ما يشربونه في اليوم التالي.‏ وكان القنّاصون في اغلب الاحيان يطلقون النار على الناس الذين يحاولون عبور الشارع من بناء الى آخر.‏ فكيف كان الاخوة يحصلون على الطعام؟‏ جمعوا مواردهم لشراء الارزّ من الجنود بثمن باهظ.‏ وكانوا يوزعون فنجانا واحدا من الارزّ في اليوم لكل شخص.‏ وعندما لم يكن باستطاعتهم الحصول على الطعام،‏ كانوا يحاولون اسكات جوعهم بشرب ماء مغلي.‏ ولم يكن باستطاعتهم الحصول على مطبوعات،‏ ولكن لكي يبقوا اقوياء روحيا،‏ كانوا يعيدون قراءة المجلات والكتب التي لديهم عدة مرات.‏ ونتيجة لذلك،‏ يشعرون الآن بأنهم اقرب الى يهوه».‏

طيلة سنتين انقطع الاتصال بين جماعة في مقاطعة كوانزا نورتِه والمكتب في لواندا.‏ ورغم كونهم منعزلين،‏ حفظ الشهود هناك بأمانةٍ سجلَّ خدمة الحقل بالاضافة الى سجل التبرعات.‏ كان وضعهم صعبا جدا،‏ لكنهم لم يلجأوا الى هذه الاموال من اجل استعمالهم الشخصي.‏ واستمروا يساهمون شخصيا بتبرعات صغيرة للعمل العالمي.‏ ثم ارسلوا هذه الاموال عندما استطاعوا اخيرا ان يتصلوا بالمكتب.‏ فيا له من مثال لتقدير هيئة يهوه المنظورة!‏

توسّع بيت ايل

في نهاية سنة ١٩٩٢،‏ تمكّنت جمعية شهود يهوه من شراء البيت المؤلف من ثلاثة طوابق الذي كان مستأجَرا ليُستخدم كمكتب للجنة البلد.‏ وفي تلك السنة نفسها،‏ تمكنوا ايضا من استئجار مخزن ممتاز لخزن المطبوعات،‏ وقد استُخدم لاحقا للطباعة على نطاق صغير.‏ بعد سنتين،‏ كانت تُعدّ خطط لتجديد البيت ذي الطوابق الثلاثة ولزيادة بناءٍ ملحقٍ من ثلاثة طوابق.‏

كان مستحيلا ان يجري شراء المواد لهذا المشروع محليا،‏ فجُهِّزت في الپرتغال اجزاء البناء المراد انشاؤه وشُحنت في حاويات الى أنڠولا لتُركَّب هناك.‏ وأتى من الپرتغال كارلوس كونيا،‏ جورجاي پِڠادو،‏ ونُويه نونيش لاستخدام مهاراتهم المعمارية في المشروع.‏ يروي المشرف على المشروع،‏ ماريو پ.‏ اوليڤايرا من الپرتغال:‏ «عندما بدأت اعمال البناء في تموز (‏يوليو)‏ ١٩٩٤،‏ كان بيت ايل مثل خلية نحل اذ كانت تصل حاوية بعد اخرى.‏ كل شخص في العائلة تقريبا ساعد بإنزال حمولة الحاويات المحتوية على كل المعدات وأدوات البناء،‏ بما فيها الدهان،‏ الآجر،‏ الابواب،‏ اطارات النوافذ،‏ وهلمّ جرا.‏ كانت عائلة بيت ايل قد قرأت عن الاجراءات الموفّرة للوقت،‏ ولكنهم آنذاك لم يكونوا يصدّقون اعينهم وهم يرون سرعة انشاء هذا البناء ذي الثلاثة طوابق».‏

عند نهاية المشروع،‏ جرى تلقي رسالة تقدير من اخ محلي قال فيها:‏ «اشكر يهوه انه سُمح لي بالاشتراك في بناء بيت ايل الجديد.‏ في البداية بدا ذلك حلما،‏ ولكنه تحقق.‏ كان امتيازا رائعا ان اكون حاضرا لدى التأمل في الآية اليومية،‏ الامر الذي شجعني كثيرا.‏ ايضا تعرفت بالاسم بكل اعضاء عائلة بيت ايل،‏ البعض منهم كنت قد رأيتهم فقط كخطباء في المحافل.‏ اطلب من يهوه،‏ اذا شُرع في بناء بيت ايل جديد او اي بناء آخر في المستقبل،‏ ان أتمكن من نيل امتياز المشاركة في العمل».‏

بعد فترة اشتُريت قطعة ارض مساحتها ٥‏,٤ هكتارات تبعد نحو ١٠ كيلومترات عن لواندا،‏ للاهتمام بالحاجات المتزايدة.‏ ويؤمل ان يصير ذلك المكان موقع مكتب وبيت ايل جديديَن.‏

وصل الى أنڠولا من بلدان اخرى اخوة وأخوات متحمسون للمساعدة.‏ كما وصل ثمانية مرسلين في ايار (‏مايو)‏ وحزيران (‏يونيو)‏ سنة ١٩٩٤.‏ وقام الاخوة بعدة رحلات من جنوب افريقيا للمساعدة على تركيب مطبعة جديدة ولتعليم الاخوة المحليين كيفية استعمالها.‏ كما اتى اخوة من الپرتغال لمساعدة المكتب في ما يتعلق بأجهزة الكمپيوتر،‏ المحاسبة،‏ وغيرها من الامور التنظيمية.‏ واستخدم خدام بيت ايل في البلدان الاجنبية الآتون من كندا والبرازيل مهاراتهم.‏ وكم قدّر الاخوة استعدادهم للمساعدة في العمل وكذلك في تدريب الاخوة المحليين في مهن نافعة!‏

المحافل تقدّم شهادة جيدة

صُنعت ترتيبات في سنة ١٩٩٤ لعقد محافل كورية في عدة مواقع.‏ ولأول مرة،‏ عُقد محفلان خارج العاصمة:‏ واحد في بنڠيلا حيث كان عدد الحضور ٠٤٣‏,٢ شخصا،‏ والآخر في ناميبه حيث كانت ذروة عدد الحضور ٠٨٨‏,٤ شخصا.‏ بلغ مجموع عدد الحضور ٢٧٨‏,٦٧ واعتمد ٩٦٢ شخصا.‏

وقد تأثر جدا مدير احد اماكن عقد المحفل بما رآه بحيث عرض ان يُستخدَم ذلك المكان اسبوعين دون اجر.‏ وقال احد الاشخاص المهتمين:‏ «تأثرت بآداب السلوك اللطيفة التي رأيتها!‏ لم آتِ لأتجسس عليكم،‏ فأنا ارغب في متابعة السير معكم.‏ وأطلب منكم ان تتفضّلوا وترسلوا اليّ معلّما بأسرع وقت ممكن،‏ لكي استطيع ان اتبع مثالكم بثبات».‏

من اجل المحفل الكوري «المسبِّحون الفرحون» الذي عُقد في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩٥،‏ حجز الشهود مدرَّجا كبيرا في وسط لواندا.‏ فغيَّر الاخوة قسما كبيرا من المقاعد الخشبية،‏ طلوا كل ما يُطلى بطبقة جديدة من الدهان،‏ وأصلحوا انابيب المياه.‏ وكيف كان سيتجاوب الناس مع الدعوة الى الحضور؟‏ كان التجاوب عظيما!‏ ففي نهاية الاسبوع الاول،‏ فاض الحضور حتى وصل الى ملعب المدرَّج.‏ وفرح المندوبون عندما علموا ان عدد الحضور هو ٠٣٥‏,٤٠ شخصا.‏ وفي نهاية الاسبوع الثاني،‏ اتى ١١٩‏,٣٣ شخصا آخر.‏ واعتمد ما مجموعه ٠٨٩‏,١ شخصا.‏

من اين اتى كل هؤلاء الاشخاص مع انه يوجد اقل من ٠٠٠‏,٢٦ شاهد ليهوه في البلد بأسره؟‏ انهم اشخاص أنڠوليون يظهرون اهتماما برسالة الكتاب المقدس التي يعلّمها شهود يهوه.‏ ذكر صحفي من وكالة انباء في لواندا:‏ «امرٌ لم يُرَ من قبل يحدث الآن في مدرَّج كوكايروس.‏ فنحو ٠٠٠‏,٦٠ شخص من مختلف الطبقات الاجتماعية مجتمعون هنا لحضور المحفل الكوري لشهود يهوه.‏ انه امر جدير بالملاحظة حقا:‏ رجال،‏ نساء،‏ اولاد،‏ وشيوخ مجتمعون كلهم معا .‏ .‏ .‏ يستمعون الى تشجيع لتسبيح الههم،‏ يهوه».‏

والذين لاحظوا المندوبين يصلون تأثروا بأنهم جميعا مرتبون ونظفاء رغم مواردهم المادية المحدودة.‏ وخلال الفترات،‏ كان الجميع منتبهين،‏ والوحيدون الذين كانوا يتجولون في المكان هم الحجاب الذين يعدّون الحضور.‏ وقد علّقت نائبة وزير في الحكومة حضرت كامل الفترة الصباحية يوم الاحد قائلة:‏ «انني مندهشة!‏ يا للاختلاف بين الناس داخل هذا المدرَّج والناس خارجه.‏ لقد تأثرت بالقيمة العملية لبرنامجكم.‏ تهانيّ القلبية!‏».‏

كان الشهود الأنڠوليون قد قرأوا عن محافل شعب يهوه الكبيرة التي تُعقد في انحاء اخرى من العالم.‏ ولكنهم كانوا آنذاك يحضرون محفلا في بلدهم.‏ يا لها من بركة بعد سنوات من المثابرة في اوقات صعبة جدا!‏ كانوا منذهلين.‏ وكانت قلوبهم تطفح بالشكر ليهوه لسماحه بأن يكونوا جزءا من عائلته المميزة على الارض في هذا الوقت البالغ الاهمية من تاريخ الجنس البشري.‏

فرع في أنڠولا

كانت الكرازة بالبشارة تتوسع بسرعة.‏ فخلال السنوات من ١٩٩٤ الى ١٩٩٦،‏ ازداد عدد الناشرين بمعدل ١٤ في المئة كل سنة.‏ فبلغت ذروة عدد الناشرين ٩٦٩‏,٢٨،‏ وتجاوز عدد دروس الكتاب المقدس البيتية ٠٠٠‏,٦١ درس.‏ وعندما سُجّلت جمعية شهود يهوه في سنة ١٩٩٢،‏ كانت توجد ٢١٣ جماعة؛‏ وفي سنة ١٩٩٦ صار يوجد ٤٠٥ جماعات.‏ كما ان عدد حضور الذِّكرى البالغ ٣٩٤‏,١٠٨ شخصا في تلك السنة اشار الى تجميع اضافي وافر.‏

ان تغيير المكتب في لواندا الى فرع يمكن ان يسهّل الاهتمام بالحاجات المحلية.‏ لذلك في ١ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٩٦،‏ بدأ مكتب فرع عمله في أنڠولا.‏ وعيّنت الهيئة الحاكمة ليخدم في لجنة الفرع ثلاثة اخوة كانوا يخدمون آنذاك بأمانة في لجنة البلد:‏ جْواوْن مَنْكوكا،‏ دومينڠوش ماتايوس،‏ وسيلڤيشتره سيماون.‏ وعُيّن اخوَان آخران،‏ وهما مرسلان،‏ ليخدما معهم:‏ هوسّيه كازيميرو وستيڤ ستاريكي.‏

وللمساعدة على التحضير للانتقال،‏ زار أنڠولا في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٩٦ الاخ دوڠلاس ڠست من فرع الپرتغال.‏ وتحدث الى اعضاء عائلة بيت ايل البالغ عددهم ٥٦ حول الحاجة ان يرسموا مثالا حسنا في كل شيء.‏ وعُقد برنامج خصوصي لـ‍ ٢٦٠‏,٥ شيخا وفاتحا مع زوجاتهم من كل منطقة لواندا جرت فيه مقابلات مع اعضاء لجنة الفرع وإخوة آخرين كبار السن،‏ متذكرين اوقاتا بارزة في تاريخ شعب يهوه في أنڠولا.‏ وتحدّث الاخ ڠست اليهم عن الشجاعة التي تنتج من الثقة بيهوه والتطلع اليه من اجل القوة.‏

توفّر الحق بلغتهم الخاصة

تقول كشف ٧:‏٩ ان ‹جمعا كثيرا› من الناس «من كل الامم والقبائل والشعوب والالسنة»‏ سيشتركون في عبادة يهوه.‏ وأنڠولا هي طبعا مشمولة بهذه النبوة.‏ يوجد هناك ٤٢ لغة والكثير جدا من اللهجات المحكية.‏ ومن هذه اللغات،‏ فإن الاومبوندو،‏ الكيمبوندو،‏ والكيكونڠو هي اللغات القومية المحكية اكثر.‏

طوال سنوات،‏ تضمَّنت اجتماعات الجماعة في احيان كثيرة ترجمة مواد الدرس من الپرتغالية الى احدى اللغات المحلية على الاقل.‏ ولكي يحوز الناس مواد للدرس يفهمونها،‏ كانوا بحاجة الى تعلم الپرتغالية،‏ الا ان فرص التعلّم كانت محدودة جدا.‏ كانت احدى اوائل المطبوعات المتوفرة بالاومبوندو كراس ‏«بشارة الملكوت هذه».‏ وفي سنة ١٩٧٨،‏ عندما نال احد الشيوخ نسخة منه،‏ علّق قائلا:‏ «بتوفّر هذا الكراس بالاومبوندو،‏ سيوجد في موسامِديش [الآن ناميبه] اكثر من ٣٠٠ ناشر.‏ فمعظم الناس في هذه المنطقة يتكلمون هذه اللغة ويقرأونها.‏ انها بركة حقيقية!‏».‏ لقد كانت بركة عظيمة اذ يوجد في ناميبه اليوم ٣٦٢‏,١ ناشرا في ٢١ جماعة.‏

ولكن كان يلزم فعل المزيد لبلوغ قلب الشعب الأنڠولي بتزويد البشارة بلغاتهم الخاصة.‏ فكان يلزم وضع اساس لقسم كامل للترجمة.‏ لذلك بُعيد تسجيل شهود يهوه شرعيا في سنة ١٩٩٢،‏ أُرسل ثلاثة اشخاص يُحتمَل ان يصيروا مترجمين الى فرع جنوب افريقيا لينالوا تدريبا اوليا.‏ وجرى الحصول على اجهزة كمپيوتر.‏ ثم اتى كيث ويڠيل وزوجته إڤلِن من جنوب افريقيا للمساعدة في تنظيم القسم الجديد واستعمال برامج الكمپيوتر التي اعدَّتها الجمعية للمساعدة في عمل الترجمة.‏

ثم اخذت تتوفر مطبوعات باللغات المحلية.‏ فصدرت الكراستان تمتعوا بالحياة على الارض الى الابد!‏ و هل يهتم اللّٰه بنا حقا؟‏ بالاومبوندو.‏ ثم توفرت هاتان الكراستان بالكيكونڠو والكيمبوندو،‏ بالاضافة الى مجموعة من النشرات.‏ وفي سنة ١٩٩٦ صدر كتاب المعرفة التي تؤدي الى الحياة الابدية وكراسة ماذا يطلب اللّٰه منا؟‏ بهذه اللغات الثلاث.‏ اخبر ناظر كورة انه في احدى الجماعات المضيفة التي يزورها،‏ استعمل عرضا بسيطا جدا ومباشرا وتمكّن من البدء بـ‍ ٩٠ درسا في الكتاب المقدس في اسبوع واحد!‏ وشهدت السنة التالية تزايدا في عدد الجماعات من ٤٧٨ الى ٦٠٦.‏

فكم كان بركة بالنسبة الى الاخوة ان يتمكنوا من سماع حقائق الكتاب المقدس وقراءتها بلغتهم الخاصة!‏ في سنة ١٩٩٨ عُقد في هوامبو اول محفل كوري كامل بالاومبوندو.‏ وكان عدد الحضور اكثر من ٦٠٠‏,٣ شخص.‏ وسُمع المندوبون يقولون بقلوب مفعمة بالتقدير:‏ «يهوه لم ينسنا!‏».‏ وقد قوي الدليل على هذا الاهتمام الحبي عندما صارت مجلة برج المراقبة متوفرة بالاومبوندو،‏ بدءا من عدد ١ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٩.‏

حاجة ماسّة الى قاعات ملكوت

طوال سنوات،‏ بسبب الحظر على نشاط شهود يهوه في أنڠولا،‏ لم يكن بإمكانهم الحصول على قاعات ملكوت.‏ ومنذ سنة ١٩٩٢،‏ ازداد عدد الجماعات في لواندا وحدها من ١٤٧ الى ٥١٤ جماعة.‏ وفي البلد بأسره،‏ ازداد عدد الجماعات بنسبة تزيد عن ٢٠٠ في المئة،‏ فبلغ ٦٩٦ جماعة.‏ كما يبلغ معدل حضور الاجتماعات بين ٢٠٠ و ٤٠٠ شخص في العديد من الجماعات.‏ وذُكر ان عدد الحضور في المحافل الدائرية والكورية في سنة ١٩٩٨ كان اربعة اضعاف عدد الناشرين!‏ لذلك توجد حاجة ماسّة الى اماكن ملائمة للاجتماع.‏

مدينة لوبانڠو حصلت على اول قاعة ملكوت لها في سنة ١٩٩٧،‏ لوبيتو في تموز (‏يوليو)‏ ١٩٩٨،‏ وڤِيانا (‏جنوبي لواندا مباشرة)‏ في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٩٩.‏ وبمساعدة البرنامج الاممي لبناء قاعات ملكوت،‏ يجري الحصول الآن على المزيد من القاعات.‏

وقد صُمِّمت قاعة ملكوت ذات هيكل فولاذي،‏ مفتوحة الجوانب،‏ وقابلة للنقل لتُبنى في أنڠولا.‏ ولماذا قابلة للنقل؟‏ على الرغم من الجهود المبذولة للحصول على حق رسمي غير متنازَع فيه في امتلاك قطعة ارض،‏ قد يأتي شخص ما،‏ حتى بعد ان يُشيَّد البناء،‏ ويدّعي انه المالك الشرعي لقطعة الارض.‏ لذلك صُمِّمت قاعة الملكوت بحيث يمكن نقلها اذا لزم الامر.‏ وبالنسبة الى كونها مفتوحة الجوانب،‏ فذلك مريح اكثر في هذا المناخ الحار.‏ في ايار (‏مايو)‏ ٢٠٠٠،‏ وصلت اجزاء البناء الاول الجاهز للتركيب.‏ لا يوجد في البلد الآن سوى ٢٤ قاعة ملكوت من مختلف الاشكال،‏ وستلزم ٣٥٥ قاعة اخرى خلال السنوات الخمس التالية.‏ ويُرجى ان يكون ما يُفعل الآن مساعدا في سدّ الحاجة الماسة.‏

بالاضافة الى العمل في قاعات الملكوت،‏ يُخطَّط لأن يُبنى في المستقبل قاعة محافل ذات هيكل فولاذي ومفتوحة الجوانب تسع ٠٠٠‏,١٢ شخص.‏

احترام قداسة الدم

لسدّ حاجة اخرى،‏ أُسِّست في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٦ لجنة للاتصال بالمستشفيات مؤلفة من عشرة شيوخ محبّين،‏ وبدأت تخدم مئات الجماعات في كامل منطقة لواندا.‏ ففرح الشهود المحليون بأن يكون لديهم اخوة مدرّبون جيدا جاهزون لمساعدتهم على الحصول على علاج طبي يأخذ بعين الاعتبار رغبتهم في ‹الامتناع عن الدم›.‏ —‏ اعمال ١٥:‏٢٨،‏ ٢٩‏.‏

كانت المرافق الطبية المتبقية بعد الحرب بلا صيانة منذ اواسط سبعينات الـ‍ ١٩٠٠.‏ والادوية نادرة.‏ فبوجود هذه الاوضاع الصعبة،‏ هل كان الاطباء راغبين في التعاون مع شهود يهوه في تأسيس برنامج يلجأ الى المعالجة والجراحة دون دم؟‏ في البداية،‏ لم يتجاوب معظم الاطباء ومديري المستشفيات او اجّلوا المواعيد.‏ ثم نشأت حالة طبية طارئة.‏

أُدخل اخ من مقاطعة مالانجي الى مستشفى أمِريكو بوأڤيدا في لواندا لتُجرى له عملية جراحية لورم في معدته.‏ فرافق عضو من لجنة الاتصال بالمستشفيات زوجة الاخ لزيارة الجراح.‏ استقبل الشاهدَين الدكتور جايمي دي أبرو،‏ رئيس قسم الجراحة في المستشفى.‏ ولدهشتهما،‏ كان يعرف شهود يهوه وموقفهم من الدم،‏ وقد سمع عن البرنامج الذي لا يلجأ الى الدم حين كان في عطلة في الپرتغال.‏

كان الدكتور دي أبرو متعاونا،‏ وأُنجزت العملية بنجاح دون دم.‏ لاحقا التقى الاخوة من لجنة الاتصال بالمستشفيات الدكتور دي أبرو وفريقه لإعطائهم المزيد من المعلومات.‏ والآن يتعاون خمسة اطباء مع الشهود ويحترمون موقفهم من الدم.‏

المزيد من العمّال للحصاد

حالما جرى الاهتمام بالحاجات التنظيمية والمتعلقة بالمطبوعات،‏ وُجّه المزيد من الانتباه الى الاهتمام الكبير الذي يظهر في الحقل.‏ وكم صحّ انطباق كلمات يسوع على أنڠولا:‏ «ان الحصاد كثير،‏ ولكنّ العمال قليلون»!‏ (‏متى ٩:‏٣٧‏)‏ وقد اظهرت التقارير ان عشرات المدن بحاجة الى المساعدة للاعتناء بأولئك الذين يظهرون اهتماما بالحق.‏

تلبية لهذه الحاجة،‏ ارسلت الجمعية ١١ مرسلا آخر للمساعدة في «الحصاد».‏ عُيّن البعض في المدينتين الساحليتين بنڠيلا وناميبه.‏ الا ان يهوه حشد غالبية العمّال من بين الشعب الأنڠولي نفسه.‏ فخلال السنوات الخمس الماضية فقط،‏ اعتمد ٨٣٩‏,٢١ شخصا،‏ وانضموا الى حشد المسبّحين المنتذرين ليهوه في هذا البلد.‏

عينا يهوه عليهم

كان من المستحيل ارسال اخوة ذوي خبرة الى كل الامكنة التي يوجد فيها اهتمام بكلمة اللّٰه.‏ فماذا كانت النتيجة؟‏ اشارت ادلة كثيرة الى ان العمل لا يجري بتوجيه انسان،‏ بل بتوجيه روح اللّٰه.‏ (‏زكريا ٤:‏٦‏)‏ وعينا يهوه هما على جميع خدامه،‏ وأيضا على آخرين يريدون بإخلاص معرفة الاله الحقيقي وخدمته.‏ —‏ مزمور ٦٥:‏٢؛‏ امثال ١٥:‏٣‏.‏

سافر بعض القرويين من مقاطعة كوانزا نورتِه الى لواندا،‏ وحصلوا على مجلات من شهود كانوا يوزعون نسخا في الشارع.‏ بعد ان قرأ القرويون البشارة الموجودة في هذه المجلات،‏ قرّروا ان عليهم اتّباع مثال الشهود في لواندا ومشاركة الآخرين في المجلات.‏ وميّزوا ايضا الحاجة الى الاجتماع معا،‏ فبذل رجل منهم جهده لإدارة الاجتماعات.‏ ولكن بما ان قريتهم بعيدة،‏ فلم تعرف السلطات المحلية ان شهود يهوه سُجّلوا شرعيا منذ ثلاث سنوات.‏ وبسبب ذلك،‏ لم يُسمح للقرويين بالاجتماع علنا.‏ لكنّ ذلك لم يثنهم عن عزمهم واجتمعوا في الدغل.‏

اخيرا،‏ وصل خبر الى مكتب لواندا ان اناسا في كيلومبو دوس دِمبوس بحاجة الى المساعدة لتنظيم جماعة.‏ فأُرسل ناظر دائرة الى القرية في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٧،‏ وخلال زيارته حضر الاجتماع ١٤٠ شخصا.‏ كان يحمل معه دائما نسخة من قانون جمعية شهود يهوه،‏ فتمكن من ان يبرز للسلطات المحلية دليلا ان شهود يهوه هم هيئة شرعية.‏ والفريق سعيد الآن بأن يجتمع علنا،‏ ويوجد بينهم فاتحون يساعدون العدد الكبير من المهتمين.‏

في سنة ١٩٩٦،‏ وصلت آنا ماريا فيلومينا الى بلدة صغيرة في مقاطعة بِيِيه.‏ فعلت ما تستطيع لنشر البشارة،‏ وسرعان ما تشكّل فريق من اشخاص مهتمين يجتمعون معا كل اسبوع لدرس الكتاب ودرس برج المراقبة.‏ كانت آنا ماريا تدير الاجتماعات لأنه لم يكن هنالك اخ معتمد.‏ وعلمت في احد الايام ان قائدا عسكريا عالي الرتبة في المنطقة سيحضر اجتماع يوم الاحد ليرى هو بنفسه ماذا يعلَّم هناك.‏ فأتى مع اثنين من الجنود.‏ كان واضحا انه سرّ بما سمع لأنه قبل ان يرحل قال:‏ «تابعوا ما تقومون به دون خوف في هذه المنطقة».‏ وذاك الفريق الصغير هو الآن جماعة اومبوندو كويتو بايِه سول،‏ عدد ناشريها ٤٠ وحضور الاجتماع يوم الاحد ١٥٠.‏

كانت الجماعات في مقاطعة ويجي معزولة مدة سنتين تقريبا،‏ لذلك لم يكونوا يحصلون على الطعام الروحي الضروري.‏ فشرح شاهد هناك المشكلة لأحد الاقارب الذي كانت له علاقة برحلات طيران قانونية تنقل المؤن.‏ فعرض القريب بلطف ان يأتي بناظر الدائرة،‏ فاتح خصوصي،‏ و ٤٠٠ كيلوڠرام من المطبوعات في الرحلة التالية دون اجر.‏ لدى وصول الاخوَين وجدا جماعة تهتم بخمس فرق معزولة.‏ وكان كل فريق يعقد اجتماعات يحضرها من ٥٠ الى ٦٠ شخصا مهتما.‏

في اوائل سنة ١٩٩٦ في المقاطعة نفسها،‏ زار ناظر دائرة جماعة بقيت معزولة عن الهيئة اكثر من اربع سنوات.‏ وماذا وجد؟‏ مع انه كان يوجد ٧٥ ناشرا فقط،‏ كان عدد الذين حضروا خطابه العام ما مجموعه ٧٩٤ شخصا!‏ فمن الواضح ان العيش في منطقة منعزلة لم يخمد غيرة هؤلاء الاخوة بأن يكرزوا بالبشارة للآخرين.‏

ومن منطقة ڠابِلا،‏ الواقعة على مسافة قصيرة جنوبي لواندا،‏ اتت تقارير مماثلة تخبر عن اهتمام كبير بالحق.‏ فثمة فاتح هناك يدير خمسة دروس كتاب جماعية —‏ درس كتاب واحدا مساء كل يوم من ايام الاسبوع.‏ وهو ايضا ‹يتوسل الى سيد الحصاد ان يرسل المزيد من العمال›.‏ —‏ متى ٩:‏٣٧،‏ ٣٨‏.‏

‏«افظع قتال في ازمنتنا»‏

ان نشاط شهود يهوه في إعلان البشارة في كل أنڠولا يدفع الى العجب وخصوصا عندما يُنظر اليه في ضوء الاوضاع داخل البلد.‏ فقد وصف تقرير صادر عن الامم المتحدة الحربَ الاهلية في أنڠولا انها «افظع قتال في ازمنتنا».‏ ونظرا الى ما يعانيه الناس من عذاب هناك،‏ لا يوجد خلاف في ما يتعلق بهذا الوصف.‏ حتى بعد وقف اطلاق النار،‏ ذُكر انه كان يُقتل ٠٠٠‏,١ شخص في اليوم.‏ وفي آذار (‏مارس)‏ ٢٠٠٠،‏ ذكرت ذا نيويورك تايمز‏:‏ «في أنڠولا،‏ امة يبلغ عدد سكانها ١٢ مليون نسمة،‏ كانت حصيلة الحرب مليون جثة،‏ وثلاثة ملايين شخص مشرّد».‏

حتى لو سكتت كل الاسلحة،‏ فآثار الحرب باقية.‏ ففي أنڠولا يوجد اعلى نسب للألغام الارضية في العالم وما يُقدَّر بِـ‍ ٠٠٠‏,٧٠ شخص بُتر احد اعضائه نتيجة انفجارات الالغام —‏ اعلى رقم في العالم.‏ وعلى نحو لا يصدَّق لا تزال الاحزاب المتحاربة تزرع الالغام.‏ وهذا ما يجعل المزارعين يتركون حقولهم ويساهم في النقص الشديد في الطعام.‏

وسط هذا العنف،‏ لم يفلت شهود يهوه دون ان يصابوا بأذى.‏ ففي مقاطعة كوانزا نورتِه،‏ قُتل اربعة شهود وشخص مهتم اثناء تبادل النيران بين قوات الدولة وجيش المقاومة.‏ وقُتل البعض في انفجارت ألغام ارضية وقنابل عشوائية مزروعة في ساحات الاسواق.‏ وفي سنة ١٩٩٩،‏ قُتل اربعة شهود وهم يحاولون ايصال طعام وحاجات اخرى الى اخوتهم المسيحيين في هوامبو.‏ وما يدعو الى الشكر هو ان مثل هذه الحوادث قليلة جدا.‏

عانى شهود يهوه مثل غيرهم نقصا شديدا في الطعام واللباس والمأوى.‏ وعندما تصعّدت الحرب الاهلية في سنة ١٩٩٩،‏ أُجبر ما يُقدّر بِـ‍ ٠٠٠‏,٧٠٠‏,١ شخص،‏ بمن فيهم العديد من شهود يهوه،‏ على الهرب من بيوتهم.‏ وغالبا ما ينتقل الناس الهاربون من الحرب للسكن مع اقربائهم الذين يعيشون في بيوت مكتظة.‏ ومع ان الشيوخ تحت ضغط مادي لإعالة عائلاتهم،‏ فهم يستمرون في الاهتمام بحاجات اخوتهم الروحية.‏ ولا تستطيع الكلمات ان تعبّر عن عمق تقدير هؤلاء الشهود لإخوتهم المسيحيين في ايطاليا،‏ الپرتغال،‏ وجنوب افريقيا الذين استجابوا لورطتهم وأرسلوا عدة حاويات من الطعام واللباس وإمدادات طبية ضرورية جدا.‏

امثلة حية للايمان

كما استُخدمت الحرارة الشديدة في الازمنة القديمة لتمحيص الذهب،‏ كذلك فإن المحن التي يقاسيها خدام اللّٰه تنتج ايمانا ذا نوعية ممتحَنة.‏ (‏امثال ١٧:‏٣؛‏ ١ بطرس ١:‏٦،‏ ٧‏)‏ وايمان الآلاف من شهود يهوه في أنڠولا،‏ احداث وشيوخ على السواء،‏ هو ذو نوعية ممتحَنة.‏

كارلوس كادي،‏ خادم منذ وقت طويل تعلّم هو وجْواوْن مَنْكوكا حقائق الكتاب المقدس الثمينة منذ اكثر من نصف قرن في الكونڠو البلجيكي،‏ يعلّق قائلا:‏ «ان الموقف الشجاع والمتّسم بالعزم الذي اعرب عنه اخوتنا،‏ ومن بينهم كثيرون ماتوا،‏ قدّم شهادة قوية.‏ وقد نتج ذلك ليس فقط من اعمالهم بل ايضا من تكلمهم بجرأة الى كثيرين في السلطة».‏

وأحد الذين ادّوا مثل هذه الشهادة هو آنتونيش تيآڠو پاولو.‏ لقد عومل بوحشية سعيا الى كسر حياده المسيحي.‏ واليوم هو عضو في عائلة بيت ايل في أنڠولا مع آخرين عُذّبوا مثله:‏ جوستينو سِزار،‏ دومينڠوش كامبونڠولو،‏ انطونيو موفوما،‏ دايڤي ميسّي،‏ وميڠيل نِتو.‏ وألفرِدو تشِمبِييا،‏ الذي قضى اكثر من ست سنوات في السجن،‏ يخدم الآن مع زوجته في العمل الدائري.‏

ثمة اخت رأت زوجها يُبعد بالقوة عن عائلته ويُقتل على يد قبيلة منافسة.‏ وحُذّرت انها اذا ارادت ان تبقى حية،‏ يجب ان تهرب الى جمهورية الكونڠو الديموقراطية.‏ للوصول الى هناك كان عليها ان تمشي مع اولادها الاربعة.‏ واقتضى ذلك ان تسير عشرة اشهر.‏ قبل ان تبدأ الرحلة لم تدرك انها حبلى،‏ وقبل ان تصل الى الكونڠو ولدت.‏ ولكن من المحزن ان الولد مات لاحقا.‏ كانت تصلّي باستمرار.‏ قالت انه في مثل هذه الحالة،‏ عندما لا يوجد خيار،‏ يجب ان يلقي المرء همه على يهوه.‏ (‏مزمور ٥٥:‏٢٢‏)‏ وإذا لم يفعل ذلك،‏ تستحوذ عليه مشاعر الشفقة على الذات فيسأل:‏ «لماذا انا يا يهوه؟‏».‏ كانت هذه الاخت شاكرة جدا على كونها حية بحيث انها،‏ لدى وصولها الى كينشاسا،‏ خدمت كفاتحة اضافية خلال اول شهر لها هناك.‏

‏«لا يخجل اللّٰه بهم»‏

ما كتبه الرسول بولس عن رجال ونساء الايمان في الازمنة القديمة يصف تماما خدام يهوه في أنڠولا.‏ ويمكن اعادة صياغة كلماته كما يلي:‏ ‹ماذا نقول بعدُ؟‏ لأن الوقت يعوزنا إن اخذنا نروي عن كل امثلة الايمان الذين أفلتوا من حد السيف،‏ تقووا من حالة ضعف،‏ وعُذّبوا لأنهم كانوا لا يقبلون المسايرة.‏ عانوا امتحان السخرية والجلد،‏ فضلا عن القيود والسجون.‏ امتُحنوا،‏ عانوا العوز،‏ والضيق،‏ والمعاملة السيئة؛‏ ولم يكن العالم يستحقهم›.‏ (‏عبرانيين ١١:‏٣٢-‏٣٨‏)‏ فمع ان مضطهديهم احتقروهم،‏ ومع ان كثيرين يعيشون في عوز بسبب الحرب والفوضى،‏ «لا يخجل اللّٰه بهم،‏ ان يدعوه كإله لهم»،‏ لأنهم يبقون اعينهم مركزة بثبات على اتمام وعوده.‏ —‏ عبرانيين ١١:‏١٦‏.‏

لا يزال شهود يهوه في أنڠولا يعانون وطأة الركوب الجامح لفرسان سفر الرؤيا،‏ ومع ذلك فإنهم مدركون تماما بركة اللّٰه.‏ فخلال السنة الماضية،‏ خصَّص الناشرون البالغ عددهم اكثر من ٠٠٠‏,٤٠ في هذا البلد اكثر من ٠٠٠‏,٠٠٠‏,١٠ ساعة لإخبار الآخرين عن بشارة ملكوت اللّٰه.‏ وكانوا منشغلين بعقد ما معدله اكثر من ٠٠٠‏,٨٣ درس بيتي في الكتاب المقدس كل شهر مع اشخاص مهتمين.‏ فالرغبة المخلصة لناشري الملكوت في أنڠولا هي مساعدة اكبر قدر ممكن من الناس ليحصلوا على فرصة اختيار الحياة الحقيقية التي يتيحها اللّٰه بواسطة يسوع المسيح.‏ وكم فرحوا،‏ رغم الاوضاع غير المستقرة في البلد،‏ عندما اجتمع اكثر من ٠٠٠‏,١٨١ شخص لحضور الذكرى السنوية لعشاء الرب!‏ فهم يرون دليلا وافرا ان الحقول لا تزال بيضاء للحصاد.‏ —‏ يوحنا ٤:‏٣٥‏.‏

ان شهود يهوه في أنڠولا،‏ الى جانب اخوتهم المسيحيين حول العالم،‏ لديهم ملء الثقة بأن ملكهم وقائدهم السماوي،‏ يسوع المسيح،‏ سينتصر اخيرا.‏ (‏مزمور ٤٥:‏١-‏٤؛‏ كشف ٦:‏٢‏)‏ فمهما كانت المحن التي يواجهونها،‏ فإن تصميمهم هو ان يكونوا خداما اولياء له وشهودا امناء لإلههم المحب،‏ يهوه.‏ —‏ مزمور ٤٥:‏١٧‏.‏

‏[النبذة في الصفحة ٦٨]‏

‏‹رغم اننا في حالة صعبة جسديا،‏ فنحن اصحاء روحيا.‏ فما يحصل هو تماما ما انبئ به في الكتاب المقدس›.‏

‏[النبذة في الصفحة ٧٣]‏

درسوا الكتاب المقدس وبدأوا يكرزون.‏ فرُحِّلوا سريعا الى أنڠولا.‏

‏[النبذة في الصفحة ٧٨]‏

‏«في اسوإ الاحوال بوسعك قتلي.‏ أيمكنك ان تفعل اكثر من ذلك؟‏ لكنني لن انكر ايماني».‏

‏[النبذة في الصفحة ٨٢]‏

كان مقتنعا انه وجد الحق.‏ ولكن هل كان تقديره للحق عميقا كفاية؟‏

‏[النبذة في الصفحة ٨٥]‏

في السجن كانوا يبشّرون الحيطان بأيّ موضوع مؤسس على الكتاب المقدس يخطر على بالهم.‏

‏[النبذة في الصفحة ٨٩]‏

كانوا عائشين في جو الحرب،‏ الا انهم ثابروا على خدمتهم.‏

‏[النبذة في الصفحة ٩١]‏

كان الرعاة المسيحيون يقومون قانونيا بزيارات قصيرة في طريق ذهابهم الى العمل او عودتهم منه.‏ وكانوا في اغلب الاحيان يقرأون بضع آيات من الكتاب المقدس مع العائلة.‏

‏[النبذة في الصفحة ٩٦]‏

‏«حسنا،‏ سأقول ‹يعيش!‏›».‏ فانتظر الجميع.‏ اخيرا،‏ هتف الصبي:‏ «يعيش يهوه!‏».‏

‏[النبذة في الصفحة ١٠٣]‏

‏«تركت أنڠولا وأنا اصلي والدموع في عينيّ لأن هؤلاء الاخوة،‏ رغم العذاب الذي يقاسونه،‏ يبتسمون بسبب الرجاء الرائع الذي لديهم».‏

‏[النبذة في الصفحة ١٠٨]‏

‏«كان يقدِّم كلًّا من خطاباته .‏ .‏ .‏ من ٧ الى ٢١ مرة.‏ فكان النشاط الاسبوعي حافلا ومتعبا».‏

‏[النبذة في الصفحة ١١١]‏

كان يُعتبَر الزعيم في مجتمع يرأسه شيوخ اجلاء.‏ وصار معروفا بأنه رجل اللّٰه.‏

‏[النبذة في الصفحة ١١٦]‏

تحت الضغط لكسر حيادهم المسيحي،‏ كانوا ثابتين في قرارهم ان يسلكوا في طرق يهوه.‏

‏[النبذة في الصفحة ١٢٤]‏

‏«كم كنا شاكرين ليهوه،‏ وهيئته،‏ وإخوتنا الاعزاء الذين خاطروا بحياتهم من اجل إخوة لا يعرفونهم!‏».‏

‏[النبذة في الصفحة ١٢٨]‏

لاحظ الجميع الحياد التام الذي يتمسك به شهود يهوه.‏

‏[النبذة في الصفحة ١٣٨]‏

يوجد ٦٩٦ جماعة ولكن لا يوجد سوى ٢٤ قاعة ملكوت.‏

‏[الخريطة/‏الصور في الصفحة ٨١]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسق في المطبوعة)‏

المحيط الاطلسي

جمهورية الكونڠو الديموقراطية

أنڠولا

لواندا

مالانجي

لوبيتو

بنڠيلا

هوامبو

لوبانڠو

ناميبه

باييا دوس تيڠرش

ناميبيا

‏[صورة تغطي كامل الصفحة ٦٦]‏

‏[الصورتان في الصفحة ٧١]‏

ڠراي وأولڠا سميث

‏[الصورة في الصفحة ٧٤]‏

جون كوك (‏في الوسط)‏،‏ مع جْواوْن مَنْكوكا (‏الى اليمين)‏ وسالا فيلِمون (‏الى اليسار)‏،‏ اللذين كانا من اوائل الاشخاص الذين اتخذوا موقفا ثابتا الى جانب العبادة الحقة في أنڠولا

‏[الصورة في الصفحة ٨٧]‏

محفل حماسي خلال فترة الحرية في سنة ١٩٧٥

‏[الصورة في الصفحة ٩٠]‏

بلد دمَّرته الحرب

‏[الصورتان في الصفحة ١٠٢]‏

‏«المطبخ»،‏ حيث أُعدّ الطعام الروحي

‏[الصورة في الصفحة ١٠٤]‏

سيلڤيشتره سيماون

‏[الصورتان في الصفحة ١٢٣]‏

مؤن اغاثة تُحمَّل في جنوب افريقيا لتُرسَل الى أنڠولا

‏[الصورة في الصفحة ١٢٦]‏

الى الاعلى:‏ اجتماع خصوصي مع الشيوخ والفاتحين القانونيين في لواندا

‏[الصورة في الصفحة ١٢٦]‏

دوڠلاس ڠست (‏الى اليسار)‏ في أنڠولا سنة ١٩٩١،‏ مع جْواوْن وماريا مَنْكوكا وماريو اوليڤايرا

‏[الصورة في الصفحة ١٣١]‏

المكتب الاصلي الذي استخدمه شهود يهوه في لواندا

‏[الصورتان في الصفحة ١٣٤]‏

حضر المحفل الكوري «المسبِّحون الفرحون» في لواندا ١٥٤‏,٧٣ شخصا

‏[الصورة في الصفحة ١٣٩]‏

بناء مسقوف بألواح معدنية يُستخدَم كقاعة ملكوت،‏ احدى القاعات الـ‍ ٢٤ في أنڠولا

‏[الصورة في الصفحة ١٤١]‏

لجنة الفرع (‏من اليسار الى اليمين)‏:‏ جْواوْن مَنْكوكا،‏ ستيڤ ستاريكي،‏ سيلڤيشتره سيماون،‏ دومينڠوش ماتايوس،‏ هوسّيه كازيميرو

‏[الصورة في الصفحتين ١٤٠ و ١٤١]‏

عائلة بيت ايل في أنڠولا في سنة ١٩٩٦ عندما تأسس الفرع

‏[الصور في الصفحة ١٤٢]‏

بعض اعضاء عائلة بيت ايل الذين برهنوا عن ايمانهم في ظروف قاسية:‏ (‏١)‏ آنتونيش تيآڠو پاولو،‏ (‏٢)‏ دومينڠوش كامبونڠولو،‏ (‏٣)‏ جوستينو سِزار

‏[الصورة في الصفحة ١٤٧]‏

كارلوس كادي