الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

الارجنتين

الارجنتين

الارجنتين

ان الارجنتين،‏ التي تمتد نحو ٠٠٠‏,٤ كيلومتر على الطرف الجنوبي الشرقي لاميركا الجنوبية،‏ هي ارض تنوع لافت للنظر.‏ فداخل حدودها تقع جبال الأنديز الوعرة،‏ بقممها الشامخة التي ترتفع اكثر من ٠٠٠‏,٦ متر.‏ وشمالها منبِتٌ للغابات المدارية،‏ موطن الجكوار والسِّناد.‏ وفي الجنوب،‏ تلعب الحيتان والبطاريق في مياه تييرا دَلْ فوويڠو الشديدة البرودة،‏ حيث يصل ارتفاع الامواج الى ٣٠ مترا.‏ اما في السهول،‏ فيقوم الڠوتشو (‏رعاة البقر الارجنتينيون)‏ بدورياتهم،‏ ممتطين جيادهم بين مزارع المواشي الشاسعة.‏

اينما ذهبتم في هذا البلد،‏ في كل مدينة رئيسية وبلدة كبيرة،‏ يمكنكم ايجاد شهود يهوه.‏ وبعددهم البالغ اكثر من ٠٠٠‏,١٢٠،‏ يكرزون في الجبال،‏ الغابات،‏ السهول،‏ وعلى طول الساحل.‏ وقد تلتقونهم بين ناطحات السحاب في العاصمة او في احدى القرى الريفية الاكثر انعزالا.‏ فالتنوع الجغرافي في البلد لم يشكِّل عائقا امام الكرازة بالبشارة —‏ ولا حتى الحواجز اللغوية والثقافية او الصعوبات الاقتصادية.‏ فالبشارة يُكرز بها،‏ تماما كما انبأ يسوع.‏ —‏ مرقس ١٣:‏١٠‏.‏

ولكن لم يحدث ذلك بمحض الصدفة.‏ فقد اظهر رجال ونساء منتذرون وممتلئون ايمانا وغيرة تصميمهم على اعلان رسالة الكتاب المقدس في مختلف الظروف التي واجهوها.‏ لقد اصغوا الى نصيحة الرسول بولس الموجهة الى تيموثاوس:‏ «اكرز بالكلمة،‏ ألح في ذلك في وقت مؤات وفي وقت محفوف بالمتاعب».‏ (‏٢ تيموثاوس ٤:‏٢‏)‏ ومع ذلك،‏ لم ينسبوا الفضل في ذلك الى انفسهم.‏ فهم يدركون ان العمل يُنجز فقط بواسطة روح يهوه.‏ —‏ زكريا ٤:‏٦‏.‏

اساس يوضع

وُضع اساس العمل الجاري هنا منذ سنوات طويلة.‏ والسجل عن كيفية وصول الحق الى المناطق الاكثر انعزالا في البلد يقوّي الايمان فعلا.‏ سنة ١٩٢٣،‏ وصل جورج يونڠ،‏ اخ كندي،‏ الى اميركا الجنوبية.‏ وبعد ان شهد على نحو واسع في البرازيل،‏ وجَّه انتباهه الى الارجنتين.‏ وفي خلال اشهر،‏ كان قد وزِّع ٤٨٠‏,١ كتابا و ٠٠٠‏,٣٠٠ نسخة من مطبوعات الكتاب المقدس الاخرى في ٢٥ بلدة ومدينة رئيسية في الارجنتين.‏ وقبل اكمال جولته التبشيرية في بلدان اخرى من اميركا الجنوبية،‏ علَّق جورج يونڠ قائلا:‏ «كانت ابتسامة رضى اللّٰه على الجهود لنشر رسالة الملكوت ظاهرة بوضوح».‏

سنة ١٩٢٤،‏ عيَّن ج.‏ ف.‏ رذرفورد،‏ رئيس جمعية برج المراقبة آنذاك،‏ الاسپاني هوان مونييس ليخدم في الارجنتين.‏ وبعد سنتين،‏ أسَّس الاخ مونييس مكتب فرع لجمعية برج المراقبة في بونس إيريس للاهتمام بعمل الكرازة بالملكوت في الارجنتين،‏ الاورڠواي،‏ پاراڠواي،‏ وتشيلي.‏

رأى الاخ مونييس ان هنالك الكثير من الاشخاص المتكلمين الألمانية في الارجنتين،‏ فأرسل طالبا المساعدة على ايصال البشارة اليهم ايضا.‏ واستجابة لطلبه،‏ ارسل الاخ رذرفورد كارلوس أُت،‏ خادم كامل الوقت الماني،‏ لمساعدة الفريق الناطق بلغته.‏

كان هنالك ايضا العديد من اليونانيين في البلد.‏ وفي السنة ١٩٣٠،‏ تعلَّم نيكولاس أرخيروس،‏ اليوناني الاصل،‏ رسالة الكتاب المقدس وابتدأ يكرز للمئات من المتكلمين اليونانية في منطقة بونس إيريس.‏ ولاحقا،‏ اذ تحسَّنت لغته الاسپانية،‏ نشر بذار كلمة اللّٰه في ١٤ مقاطعة من مقاطعات الارجنتين الـ‍ ٢٢،‏ مركِّزا جهوده على النصف الشمالي من البلاد.‏

في الوقت نفسه تقريبا اصبح هوان رايباتش،‏ رجل پولندي،‏ واحدا من شهود يهوه.‏ وتبنّى مع رجل پولندي آخر الخدمة كامل الوقت.‏ وبرفقة اثنين آخرَين من الخدام كامل الوقت،‏ غطّوا المقاطعة في الجزء الجنوبي من الارجنتين.‏

يظهر تقرير السنة ١٩٣٠ ان مئات الآلاف من المطبوعات قد وُزِّعت،‏ ليس فقط بالاسپانية،‏ الالمانية،‏ واليونانية بل ايضا بالارمنية،‏ الانكليزية،‏ الاوكرانية،‏ الايطالية،‏ الپرتغالية،‏ الپولندية،‏ الروسية،‏ العربية،‏ الفرنسية،‏ الكرواتية،‏ اللاتڤية،‏ الليتوانية،‏ الهنڠارية،‏ والييدية.‏

وهكذا في مجرد سبع سنوات ترسخ عمل الكرازة بالملكوت والتلمذة بين السكان الناطقين بالاسپانية والفرق اللغوية الاخرى.‏ لقد كان الوقت مؤاتيا حقا للنمو المستمر.‏

اتساع المقاطعة ليس عائقا

كان حجم المقاطعة التي تلزم تغطيتها هائلا،‏ ما يقارب ثلث مساحة الولايات المتحدة الاميركية.‏ ولكن بالنسبة الى الشهود،‏ لم يشكِّل اتساعها عائقا امام نشر رسالة الملكوت.‏ فقد تنقَّل البعض سيرا على الاقدام،‏ والبعض الآخر بواسطة الدراجة،‏ القطار،‏ او عربة تجرّها الأحصنة.‏

في اوائل ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ اقتنع أرماندو مِنَتْسي،‏ من مقاطعة قُرطبة في وسط البلاد،‏ بأنه وجد الحق.‏ فباع محل اصلاح السيارات الذي يملكه ليقف نفسه للخدمة كامل الوقت.‏ ولاحقا،‏ اشترى باصا قديما وحوَّله الى مسكن متنقل استخدمه عشرة ناشرين او اكثر أحيانا للسفر معا من اجل نشر البشارة.‏ وقد قاموا برحلات الى عشر مقاطعات على الاقل في شمال الارجنتين.‏

في ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ كان لدى الارجنتين افضل شبكة متكاملة من السكك الحديدية في اميركا اللاتينية،‏ بطول يبلغ ٠٠٠‏,٤٠ كيلومتر تقريبا.‏ وقد تبرهن ان ذلك كان مصدر دعم رائع لتوسّع عمل الكرازة.‏ فقد عُيِّن بعض الفاتحين ليكرزوا في قرى صغيرة على طول جزء من خط السكة الحديدية.‏ مثلا،‏ كانت مقاطعة هوسيه رايندل تشمل خط السكة الحديدية الغربي بكامله،‏ من مقاطعة بونس إيريس على ساحل الاطلسي الى مقاطعة مَنْدوزا على الحدود التشيلية،‏ منطقة تمتد اكثر من ٠٠٠‏,١ كيلومتر!‏

وبعض شهود يهوه استفادوا من فرصة كونهم عمالا في السكة الحديدية ليحملوا رسالة الكتاب المقدس الى اماكن بعيدة في الارجنتين.‏ هذا ما حدث مع إپيفانيو أڠِيار،‏ الذي تعلَّم الحق في مقاطعة سانتا فاي الشمالية الشرقية.‏ فقد نقلته شركة السكك الحديدية الى تشاكو في اقاصي الشمال،‏ فابتدأ فورا بالكرازة هناك.‏ وعندما تطلَّب عمله السفر ٠٠٠‏,٢ كيلومتر جنوبا الى تشوبوت والعودة لاحقا الى سانتياڠو دل استيرو في الشمال،‏ نشر رسالة الملكوت في هاتين المقاطعتين ايضا.‏

كرزت الاخت رينا دي ميدوليني،‏ فاتحة غيورة،‏ في بلدة مِدانوس التي تبعد حوالي ٥٠ كيلومترا عن مدينة باهييا بلانكا.‏ وكان الناس يدعونها سيدة الكتاب المقدس الراكبة على دراجة لانها كانت تأخذ دراجتها معها في القطار وتحسن استعمالها في تنقلاتها عندما تصل الى المكان المقصود.‏ وقد كانت معروفة جدا الى حد انه عندما حان موعد عودة القطار في احد الايام،‏ اخَّر السائق انطلاقه اذ لاحظ انها لم تصل بعد!‏

وصول مرسلين مدرَّبين في جلعاد

سافر الشهود الاولون كثيرا ووزعوا اعدادا كبيرة من المطبوعات موجهين الناس الى الرجاء بملكوت اللّٰه.‏ ولكن مع مرور الوقت،‏ اصبح واضحا ان هنالك حاجة الى عمل تعليم للكتاب المقدس يكون قانونيا وفعالا وإلى تحسينات في التنظيم.‏ وهكذا في السنة ١٩٤٥،‏ زار الارجنتين ناثان ه‍.‏ نور،‏ رئيس جمعية برج المراقبة آنذاك،‏ وأعطى الارشادات للجماعات ليبدأوا الـ‍ «منهج في الخدمة الثيوقراطية» (‏مدرسة الخدمة الثيوقراطية)‏ بالاسپانية.‏ كما شجَّع الاخوة الارجنتينيين على تبنّي عمل الفتح وعلى وضع حضور مدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس هدفا لهم.‏

بعد وقت قصير،‏ حضر اثنان من الارجنتين مدرسة جلعاد،‏ وعادا الى البلد في السنة ١٩٤٦.‏ ثم تبعهما سنة ١٩٤٨ مرسلون معيَّنون من بلدان اخرى.‏ كان من بينهم تشارلز ولورِن آيزنهاور،‏ ڤيولا آيزنهاور،‏ هيلِن نيكولز،‏ وهيلِن ويلسون من اول صف متخرِّج من جلعاد،‏ ومعهم روبرتا ميلر من الصف الرابع.‏ كما وصلت لاحقا سوفي سوڤياك،‏ ايدث مورڠان،‏ إثِل تِشهاوزر،‏ ماري هلمبرِكت،‏ وكثيرون آخرون.‏ على مر السنين،‏ أُرسل ٧٨ مرسلا الى الارجنتين.‏ وقد شجَّعت روحهم التبشيرية الشهود المحليين على التمثل بهم.‏ ففي حين ان عدد الفاتحين في البلد بكامله لم يتجاوز الـ‍ ٢٠ في سنة ١٩٤٠،‏ فقد وصل بحلول السنة ١٩٦٠ الى ٣٨٢.‏ اما اليوم،‏ فهنالك اكثر من ٠٠٠‏,١٥ فاتح في الارجنتين.‏

مواجهة اوقات محفوفة بالمتاعب

لسنوات عديدة تبرهن ان الوقت هو الوقت المؤاتي للقيام بعمل الكرازة في الارجنتين.‏ ولكن،‏ كما انبأ يسوع،‏ لم يكن نشاط اتباعه ليلقى القبول من الجميع.‏ (‏يوحنا ١٥:‏٢٠‏)‏ وهكذا،‏ عندما زار الاخ نور الارجنتين سنة ١٩٤٩،‏ ألغت الشرطة فجأة رخصة عقد محفل في قاعة فخمة في بونس إيريس.‏ فعُقد المحفل في قاعة ملكوت،‏ ولكن ليس دون عوائق.‏ فيوم الاحد في الساعة ٤٠:‏٤ ب.‏ ظ.‏ قاطعت الشرطة خطاب الاخ نور واعتقلته هو والذين كانوا حاضرين.‏ لم تعطِ الشرطة سببا للاعتقالات.‏ وقد جعلت السلطات الاخوة يقفون طوال ساعات في فناء واسع الى ان أُطلق سراحهم في الصباح الباكر من اليوم التالي.‏

لقد بدا واضحا ان رياح المقاومة بدأت تهبّ على عباد يهوه في الارجنتين.‏ وقد صدر في تلك السنة،‏ بسبب تأثير الكنيسة الكاثوليكية الرومانية،‏ قانون يفرض تسجيل جميع الفرق الدينية لدى قسم المذاهب في وزارة الخارجية.‏ وفي السنة التالية حظر رئيس الجمهورية خوان دومينڠو پيرون عمل شهود يهوه رسميا في الارجنتين.‏ وقد منع المرسوم الاجتماعات العامة لشهود يهوه كما منع نشاطهم الكرازي.‏ ولكن لم يُغلق مكتب فرع جمعية برج المراقبة.‏

سمحت السلطات عموما للشهود بمتابعة نشاطهم بدون اية صعوبات كبيرة.‏ ومع ذلك،‏ غالبا ما كان الرسميون الحكوميون ينفِّذون مرسوم الحظر بإلغاء محفل او اقفال قاعة ملكوت.‏ وأحيانا كان الشهود يواجهون الاعتقالات والمضايقة اثناء اجتماعهم في البيوت الخاصة او اشتراكهم في الخدمة العلنية.‏

سعى الشهود بسبب ذلك ان ‹يكونوا حذرين كالحيات›.‏ (‏متى ١٠:‏١٦‏)‏ فاستعملوا الكتاب المقدس فقط عند الشهادة للآخرين.‏ ونُظِّمت الجماعات في فرق صغيرة مؤلفة من ٨ الى ١٢ ناشرا.‏ وفي السنوات الاولى للحظر،‏ كانت اماكن الاجتماعات تتغير قانونيا.‏ وقد وجد الاخوة اماكن للاجتماع لا تلفت الانظار —‏ مخزنا للعلف،‏ بناء مسقوفا بالقش،‏ مطبخا في مزرعة،‏ حتى تحت شجرة.‏ فالامر المهم كان ان يجتمعوا معا.‏ —‏ عبرانيين ١٠:‏٢٤،‏ ٢٥‏.‏

لتشجيع الاخوة،‏ زار الاخ نور الارجنتين مجددا سنة ١٩٥٣ يرافقه مِلتون هنشل.‏ وبسبب الحظر،‏ لم يستطيعا عقد محفل كبير لكي لا يلفتا الانظار.‏ ومع ذلك،‏ رتّبا لما كان يدعى محفلا قومي النطاق.‏ جاء الاخ نور الى مَنْدوزا جوّا من تشيلي،‏ ودخل الاخ هنشل البلاد من پاراڠواي.‏ وإذ سافر كل منهما على حدة،‏ ألقيا خطابات في «محافل» محلية عقدت في ٥٦ موقعا مختلفا.‏ بعض هذه التجمعات كانت في العراء في مزارع يملكها شهود محليون.‏ اما في بونس إيريس فقد زارا كلاهما الشهود المجتمعين،‏ وأدارا اجتماعا لمدة ساعتين مع كل فريق.‏ وفي احد الايام،‏ عقدا تسعة اجتماعات من هذا النوع.‏ وقد بلغ مجموع عدد الحاضرين في هذا المحفل الفريد من نوعه ٥٠٥‏,٢ اشخاص.‏

الحظر يخفّ

عندما سقطت حكومة خوان پيرون العسكرية سنة ١٩٥٥،‏ شُكِّلت فرق بعدد ناشرين اكبر.‏ وشُجِّعت الجماعات التي تملك قاعة ملكوت على الاجتماع فيها،‏ ولكن دون وضع لافتة عليها.‏ وببركة يهوه،‏ ازداد عدد وحجم الجماعات باطِّراد رغم المقاومة احيانا من قبل السلطات.‏

في السنة ١٩٥٦ قرر الفرع عقد محافل صغيرة في مناطق مختلفة من البلد،‏ كان اولها في مدينة لا پلاتا التي تبعد ٦٠ كيلومترا تقريبا عن بونس إيريس.‏ وكم كان صعبا على الحضور الـ‍ ٣٠٠ ترنيم الترنيمة الاولى —‏ «تهللوا ايها الامم مع شعبه»!‏ فقد اختنقت اصواتهم من شدة الانفعال.‏ فطوال ست سنوات لم يكن بامكانهم الاجتماع والترنيم مع مثل هذا العدد من الرفقاء المؤمنين.‏

ومع ذلك،‏ كان الحظر لا يزال مفروضا.‏ فعندما صُنعت محاولة لعقد محفل قومي في قاعة السفراء في بونس إيريس في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٥٧،‏ اغلقت الشرطة القاعة عند وصول المندوبين واعتقلت اربعة اخوة بتهمة عقد اجتماع بدون اذن الشرطة.‏

بما ان دستور الارجنتين يضمن حرية الدين والاجتماع،‏ فقد رفع الاخوة دعوى الى المحكمة.‏ وفي ١٤ آذار (‏مارس)‏ ١٩٥٨ صدر حكم لمصلحة الشهود!‏ الانتصار القانوني الاول لشهود يهوه في الارجنتين.‏

حدث تغيير آخر في الحكومة سنة ١٩٥٨.‏ وبدا ممكنا الحصول على اعتراف شرعي بعمل شهود يهوه في الارجنتين.‏ فأُرسلت رسالة خصوصية تشرح نشاطات شهود يهوه ووضعهم في الارجنتين الى جميع أعضاء السلطة التشريعية،‏ الكتّاب،‏ النوّاب،‏ والقضاة.‏ وعلى الرغم من الشهادة الرائعة التي أُعطيت،‏ لم يُمنح اي اعتراف شرعي.‏

لم يستسلم الشهود.‏ ففي السنة التالية حُضِّرت عريضة تلتمس الحرية الدينية وأُرسلت الى الحكومة.‏ كانت تحمل ٦٣٦‏,٣٢٢ توقيعا.‏ وقد زار تشارلز آيزنهاور السلطات الحكومية كممثل للفرع.‏ ووصلت من الخارج اكثر من ٠٠٠‏,٧ رسالة تناشد الحكومة الاعتراف الشرعي.‏ ومع ذلك،‏ لم يوافَق على اي وضع شرعي.‏ لكنّ موقف الحكومة من الشهود اصبح ليِّنا الى حد بعيد.‏ فاستفاد الاخوة من الوقت الذي اصبح مؤاتيا اكثر فأكثر لتقوية الجماعات روحيا.‏

في السنة ١٩٦١ نُظِّمت مدرسة خدمة الملكوت لتدريب النظار الجائلين ونظار الجماعات.‏ في البداية،‏ كان المقرَّر،‏ الذي يدوم شهرا واحدا،‏ يُعطى في احدى قاعات الملكوت في وسط بونس إيريس.‏ لكن المدرسة نُقلت في ما بعد الى مكتب الفرع.‏ وبوجود عدد اكبر من النظار الأكفاء للاهتمام برعية اللّٰه،‏ ازداد عدد الناشرين والفاتحين سنويا خلال ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ بالغا ذروة من ٧٦٣‏,١٨ ناشرا و ٢٩٩‏,١ فاتحا سنة ١٩٧٠.‏

توسيع الفرع

تطلَّب العدد المتزايد من المنادين بالملكوت في الارجنتين تكبير مكتب الفرع.‏ منذ السنة ١٩٤٠،‏ كان مكتب فرع جمعية برج المراقبة يشغل المبنى ٥٦٤٦ شارع هندوراس في بونس إيريس.‏ وقد هُدم هذا المبنى،‏ وبحلول تشرين الأول (‏اكتوبر)‏ ١٩٦٢ كان قد بُني مكانه آخر أكبر حجما.‏

في نهاية ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ اصبح الفرع من جديد اصغر من ان يجاري الازدياد.‏ فاشتُريت قطعة ارض وراء مبنى الفرع شيّد فيها الشهود المحليون مبنى جديدا للمكاتب والسكن.‏ كما اشتُري مبنى في شارع فيتز روي،‏ مجاور للمبنيَين الآخرَين.‏ وفي تشرين الأول (‏اكتوبر)‏ ١٩٧٠ ابتدأ هدم مبنى الفرع القديم،‏ وكان الشهود المحليون ذوو المهارات في البناء يشكِّلون معظم القوة العاملة.‏ كما تطوع عمال الفرع للمساعدة بعد دوام عملهم.‏ وفي نهايات الاسابيع،‏ كان ينضم اليهم شهود من الجماعات المجاورة.‏

رُبطت اخيرا الابنية الثلاثة معا،‏ مشكِّلة مجمَّعا واحدا.‏ وألقى ف.‏ و.‏ فرانز،‏ نائب رئيس جمعية برج المراقبة آنذاك،‏ محاضرة التدشين في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٧٤.‏ وكان الاخوة في الارجنتين متأكدين ان مجمَّع الفرع الذي أُكمل سوف يسد حاجات الحقل حتى هرمجدون،‏ ولم يدركوا ان هذه كانت مجرد البداية.‏

في السنة نفسها التي دُشِّن فيها الفرع،‏ قررت الهيئة الحاكمة لشهود يهوه طبع برج المراقبة و استيقظ!‏ محليا.‏ وبما انه لم يكن معترفا بشهود يهوه شرعيا كدين في ذلك الوقت،‏ شُكِّلت في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٧٤ جمعية ريو دي لا پلاتا الثقافية لتخدم كوكالة شرعية تستطيع استيراد الآلات اللازمة للطباعة.‏ وقد اتت المطبعة من فرنسا،‏ قطاعة الورق من المانيا،‏ وآلة الدرز من الولايات المتحدة.‏ وكل هذه كانت هبات.‏

وسرعان ما تعلَّم عمال غرفة الطباعة ان حيازة الآلات شيء وتشغيلها شيء آخر.‏ ولكن،‏ على الرغم من الصعوبات الكثيرة التي وجب التغلب عليها،‏ كم فرحوا عندما طُبع عدد ١٥ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٧٥ من برج المراقبة على اول مطبعة أوفست بشريط ورق استعملتها جمعية برج المراقبة في كل العالم!‏ لقد كان هذا حدثا بارزا في تاريخ الطباعة لدى شهود يهوه.‏

محفلَا «الانتصار الالهي» الامميان

في بداية السنة ١٩٧٤،‏ تمتع شهود يهوه في الارجنتين بمحفلين امميَّين عُقدا في ريو سِبايوس وبونس إيريس بمحور «الانتصار الالهي».‏ وقد حضرهما حوالي ٠٠٠‏,١٥ مندوب.‏

ابتدأت التحضيرات لتأمين تسهيلات منامة ملائمة لهذا العدد الكبير من الزائرين قبل اشهر من تاريخ المحفلين.‏ وقد أوى العديد من غير الشهود المندوبين الزائرين،‏ الذين اعطوا دليلا رائعا على المحبة،‏ ليس فقط «بالكلام» بل ايضا «بالعمل».‏ (‏١ يوحنا ٣:‏١٨‏)‏ وسمحت السلطات باستعمال حقل شاسع أُقيمت فيه مدينة خيام بصفوف من الخيم والمقطورات المرتبة جيدا،‏ وأُعطيت شوارعها اسماء من الكتاب المقدس.‏ وقد كان لكل هذا تأثير جيد في المجتمع.‏

غيوم سوداء تلوح في الافق

مع ان الاخوة تمتعوا بقدر متزايد من حرية العبادة،‏ كان في انتظارهم اوقات محفوفة بالمتاعب.‏ ففي حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٧٣،‏ وبعد ابتعاد عن البلاد دام اكثر من ١٧ سنة،‏ عاد خوان پيرون وتولى منصب الرئاسة.‏ فاندلعت حرب عصابات بين المؤيدين لپيرون والمناهضين له مما جعل البلاد بأسرها تضطرب.‏ اشتدَّ العنف السياسي جدا،‏ وفي ٢٤ آذار (‏مارس)‏ ١٩٧٦،‏ سيطرت قوات الجيش على الحكومة.‏

حلَّت الحكومة العسكرية الكونڠرس وبدأت حملة لابادة اليساريين.‏ تشرح دائرة معارف الكتاب العالمي (‏بالانكليزية)‏:‏ «خلال العملية،‏ انتهكوا الحقوق المدنية للكثيرين.‏ فالآلاف سُجنوا دون محاكمة،‏ عذِّبوا،‏ وقُتلوا.‏ والعديد من هؤلاء الضحايا لم يُعثر عليهم قط.‏ وقد دُعوا ‹المختفون›».‏ وازدادت مراقبة الشرطة لنشاطات المواطنين.‏ ومع ان شهود يهوه حافظوا على حيادهم في خضم الفوضى السياسية،‏ فقد نشرت مجلة خينْتِه،‏ في تموز (‏يوليو)‏ ١٩٧٦،‏ مقالة تحتوي صور اولاد يديرون ظهرهم لراية البلاد،‏ زُعم انهم شهود ليهوه.‏ ويا له من تشويه للحقيقة!‏ فالاولاد الشهود الاربعة في المنطقة لم يكونوا حتى في المدرسة في اليوم الذي زُعم ان الصورة التُقطت فيه.‏ وعلاوة على ذلك،‏ لا يُظهر شهود يهوه قلة احترام كهذه للرموز الوطنية.‏ ومع ذلك،‏ بسبب هذا النوع من الدعايات،‏ بدأ كثيرون ينظرون الى الشهود نظرة عداء.‏

كان واضحا ان الاضطراب الاجتماعي جعل الحكومة تقلق بشأن اي شيء قد يشعل نزاعا،‏ مهما كان صغيرا.‏ وفي تلك الفترة،‏ كان كارلوس فِرِنسيا،‏ ناظر جائل،‏ يزور جماعة في منطقة خطرة جدا.‏ وكان قد تسلّم لِتوِّه رسالة من مكتب الفرع تعلمه بحظر وشيك على عمل شهود يهوه في الارجنتين.‏ وفيما كان كارلوس يسير ويفكر في الرسالة،‏ مرت بقربه سيارة،‏ ثم عادت متجهة نحوه مباشرة.‏ وخرج منها ثلاثة رجال مصوبين اسلحتهم نحوه.‏ وطلب احدهم بفظاظة رؤية بطاقة هويته.‏ فشرح لهم كارلوس انه شاهد ليهوه.‏ ومع ذلك اخذوه الى مركز الشرطة.‏ فصلى الى يهوه ألا تقع الرسالة بين ايديهم.‏

اخذ رجال الشرطة كارلوس الى غرفة خافتة الانارة وأضاؤوا في وجهه ضوءا ساطعا،‏ ثم صاح احدهم:‏ «ماذا تحمل في تلك الحقيبة؟‏».‏ فأفرغ محتويات حقيبته على الطاولة —‏ كتاب مقدس،‏ مجلات،‏ والرسالة.‏

هتف احد رجال الشرطة:‏ «‏برج المراقبة!‏ برج المراقبة!‏ مخرِّب،‏ مخرِّب!‏».‏

لكن الضابط المسؤول وبَّخه قائلا:‏ «اهدأ.‏ أهذه هي المرة الاولى التي ترى فيها برج المراقبة ايها الاحمق؟‏».‏

في هذه الاثناء،‏ كان كارلوس يحاول الحفاظ على هدوئه وإظهار الاحترام.‏ وبعد ان تفحّص الشرطيون المطبوعات،‏ امروه بجمعها.‏ لكن احد الضباط تدخل قائلا:‏ «ماذا يوجد في هذا الظرف؟‏».‏

مدَّ كارلوس يده وناول الضابط الظرف الذي يحتوي على رسالة الجمعية،‏ وانتظر بضع ثوان ثم سأل:‏ «عذرا،‏ هل استطيع ان اقول شيئا؟‏».‏

اجاب الضابط محوِّلا نظره عن الرسالة:‏ «نعم،‏ بالتأكيد».‏

تابع كارلوس:‏ «اعرف انكم تسهرون على امن المجتمع».‏ فلفت ذلك انتباه الضابط.‏ عندئذ أظهر له كارلوس من الكتاب المقدس ان حالة العنف الشائعة تتمم نبوات الكتاب المقدس.‏

وإذ انهى كلامه قال الضابط:‏ «أوافقك الرأي يا صديقي».‏ ثم اعاد الرسالة اليه دون ان يقرأها.‏

حظر على العمل المحظور

كيف علم مكتب الفرع ان هنالك حظرا وشيكا؟‏ في اواخر آب (‏اغسطس)‏ ١٩٧٦،‏ داهمت الشرطة الفدرالية فرع الجمعية.‏ وقال المفتش المسؤول ان لديه معلومات تفيد ان الفرع يخزن اسلحة نارية.‏ فرافقهم اومبرتو كايرو،‏ عضو في لجنة الفرع في ذلك الوقت،‏ الى مستودع المطبوعات.‏ طبعا،‏ لم يكن هنالك اية اسلحة،‏ سوى التي كانت الشرطة توجهها نحو اومبرتو!‏ ثم صعدوا الى الطابق الثاني الى مكتب الاخ آيزنهاور،‏ منسِّق لجنة الفرع،‏ حيث كتب المفتش تقريرا عن نتائج البحث وقَّعه الاخوان.‏ بعد ذلك قال لهما ان الحكومة تحضِّر لإصدار مرسوم ضد شهود يهوه.‏ فكتبت لجنة الفرع فورا رسالة تهيئ فيها النظار الجائلين لحظر حكومي.‏

ولكن عمل شهود يهوه في الارجنتين كان تحت الحظر منذ السنة ١٩٥٠.‏ فهل من الممكن حظر العمل المحظور من قبل؟‏ جاء الجواب سريعا.‏ يتذكر توماس كاردوس،‏ عضو في لجنة الفرع،‏ الحوادث التي جرت في ٧ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٧٦،‏ اليوم الذي بدأ فيه تنفيذ الحظر الجديد:‏ «ايقظتنا في الخامسة صباحا ضجة في الشارع.‏ وكان ضوء احمر يومض عبر النوافذ.‏ نهضت زوجتي بسرعة،‏ نظرت من النافذة،‏ ثم استدارت نحوي وقالت:‏ ‹لقد وصلوا›».‏

قفز اربعة رجال شرطة مسلحين جيدا من سيارة الدورية.‏ وسرعان ما وُضع حراس عند ابواب المكاتب والمصنع.‏ يتابع الاخ كاردوس:‏ «لم يعارض الشرطيون عندما سَألناهم ان كان بامكاننا مناقشة الآية اليومية وتناول الفطور كالعادة.‏ فناقشنا في ذلك الصباح آية من الكتاب المقدس فيما كان واحد من رجال الشرطة المسلَّحين يحرس الباب وآخر يجلس باحترام الى المائدة.‏ وتساءلنا كلنا:‏ ‹ماذا بعد ذلك؟‏›».‏

حرَّم المرسوم الصادر في ٣١ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٧٦ عمل شهود يهوه في كل البلد —‏ محظِّرا نشاطا هو في الواقع تحت الحظر منذ السنة ١٩٥٠.‏ وأغلقت الشرطة مكتب الفرع والمطبعة.‏ وبعيد ذلك،‏ أُقفلت كل قاعات الملكوت في البلد.‏

على الرغم من هذا الوضع،‏ كان الاخوة مصممين على الاقتداء بمثال رسل يسوع بإطاعة اللّٰه حاكما اكثر من الناس.‏ (‏اعمال ٥:‏٢٩‏)‏ وقد استمر الشهود الارجنتينيون يكرزون برسالة الكتاب المقدس «في وقت محفوف بالمتاعب».‏ —‏ ٢ تيموثاوس ٤:‏٢‏.‏

التغلب على المصاعب

بما ان مكتب الفرع أُغلق رسميا،‏ قررت لجنة الفرع نقل المكاتب والمطبعة الى مكان آخر.‏ وكان على اومبرتو كايرو ان يغير مكان مكتبه تكرارا —‏ كل شهر تقريبا —‏ مستخدما شققا،‏ محلات تجارية،‏ منازل،‏ او مكاتب رفقائه المؤمنين.‏ وقد استخدم تشارلز آيزنهاور في احدى المرات مستودع خمور يملكه احد الاخوة كمكتب له.‏ اما اجتماعات لجنة الفرع فكانت تُعقد في مرائِب للسيارات في الوسط التجاري لمدينة بونس إيريس.‏

لم تُقفل اماكن سكن عائلة بيت ايل،‏ فكان عمال الفرع يأكلون وينامون في بيت ايل ويناقشون الآية اليومية معا كعائلة.‏ ثم يقومون برحلتهم اليومية كل واحد الى منطقة عمله.‏ وكان الذين يعملون في مكاتب قريبة من بيت ايل يعودون لتناول الغداء ظهرا مع اعضاء العائلة الذين يعتنون بالبيت.‏

ارتابت الشرطة من نشاط العائشين في بيت ايل.‏ وكثيرا ما كان اعضاء عائلة بيت ايل العشرة يؤخذون الى مراكز الشرطة للاستجواب.‏ فقد ارادت الشرطة معرفة كل شيء يتعلق بعمل شهود يهوه في الارجنتين.‏ من هم الذين يعتنون بالجماعات المحلية،‏ وأين يعيشون؟‏ ولا تزال ذكرى هذه الجلسات حية في ذاكرة الاخ آيزنهاور،‏ يخبر:‏ «كان يجب ان نكون صادقين وفي الوقت نفسه ألّا نعرِّض العمل او الاخوة للخطر.‏ لقد كان ذلك صعبا جدا،‏ فأسئلة السلطات كانت شديدة الالحاح».‏

‏«أوقفوا حفلة الشاي»‏

قبل فرض حظر السنة ١٩٧٦ مباشرة،‏ رتَّبت الجمعية حملة عالمية لتوزيع اصدار خصوصي من اخبار الملكوت‏.‏ ولكن ما العمل اذا فرضت الحكومة قيودا اكثر على نشاط شهود يهوه؟‏ يتذكر پابلو جيوستي،‏ ناظر جائل في ذلك الوقت:‏ «بما اننا لم نكن نعرف الجواب،‏ كان علينا استشارة الفرع.‏ فإذا وجد الفرع انه من الحكمة تأجيل الحملة،‏ كان الشيوخ سيتسلَّمون برقية تحتوي على العبارة ‹أوقفوا حفلة الشاي›.‏ ولم نتخيل قط انه يمكن لهذه العبارة ان تسبب سوء فهم كالذي حدث لاحقا!‏».‏

بعد فترة وجيزة من بدء العمل بالمرسوم الحكومي،‏ زار الاخ والاخت جيوستي جماعة مالارڠْوِه للمرة الاولى.‏ تقع هذه المدينة في جنوب مَنْدوزا،‏ حيث كانت مراكز شرطة الحدود.‏ ولم يكن مع الاخ جيوستي وزوجته سوى عنوان احد الشيوخ الذي كان يسكن ويعمل في مبنى المصلحة الوطنية للطرقات في ضواحي المدينة.‏ وعند وصولهما لم يكن الاخ الشيخ موجودا،‏ فقال لهما احد العمال انه قد يكون في غابة مجاورة حيث كان معتادا ان يمارس التمارين الرياضية.‏ فسلكا ممرا ضيقا للوصول الى هناك.‏ وفيما هما سائران لاحظ الاخ جيوستي ان المكان منعزل ومقفر جدا فخطر في باله انه مثالي لعقد الاجتماعات دون اثارة الشبهات.‏ وبما ان ذلك اليوم كان يوم احد،‏ تساءل ان كان سيجد افراد الجماعة مجتمعين معا.‏ ولكن الاخ كان وحده يمارس تمارينه.‏ وكانت هنالك مفاجأة تنتظر الزائرَين!‏

بعد تقديم انفسهما،‏ سأل پابلو عن احوال الجماعة.‏ فقال الاخ:‏ «لقد أوقفنا كل شيء هنا في مالارڠوِه».‏

اجاب پابلو:‏ «ماذا تعني بعبارة كل شيء؟‏».‏

فأتى الجواب صريحا وبسيطا:‏ «لقد تسلَّمنا برقية تقول:‏ ‹أوقفوا حفلة الشاي›،‏ فأوقفنا الاجتماعات،‏ الكرازة .‏ .‏ .‏ كل شيء».‏ ومن المفرح انها كانت الجماعة الوحيدة التي فعلت ذلك.‏

زيارات خاطفة

عندما أُقفل الفرع،‏ اجتمع اعضاء لجنة الفرع مع نظار الدوائر من اجل اعطائهم التعليمات اللازمة لمواصلة عملهم.‏ فطُلب منهم ايجاد عمل دنيوي بدوام جزئي واتخاذ عنوان دائم لإبعاد الشبهات عن نشاطاتهم.‏ فأصبح معظمهم يبيع منتوجات متنوعة صباحا ثم يقوم بخدمة الجماعات بعد الظهر.‏

وقد قام نظار الدوائر بجولة خاطفة في دوائرهم ناقلين التعليمات من الفرع.‏ ففي مجرد اسبوع واحد،‏ جرت زيارة الشيوخ في حوالي ٢٠ جماعة في كل دائرة.‏ وأعطى نظار الدوائر التعليمات حول كيفية ادارة الاجتماعات والشهادة في الظروف المتغيِّرة.‏ وأُعلم الشيوخ ان طول زيارة ناظر الدائرة لن يكون بالضرورة اسبوعا كاملا بل يتوقف ذلك على عدد فرق درس الكتاب في الجماعة.‏ فكان كل فريق سيحظى بزيارة تدوم يوما واحدا،‏ وكانت الاجتماعات ستُعقد في البيوت.‏

خلال فترة الحظر،‏ لعب نظار الدوائر دورا أساسيا في ابقاء الناشرين المحليين على صلة بلجنة الفرع.‏ يتذكر ماريو مِنّا،‏ الذي خدم كناظر دائرة خلال الحظر:‏ «كانت خدمة الجماعات وتعزية الاخوة خلال تلك السنوات امتيازا حقيقيا.‏ فقد حاولنا تشجيعهم بواسطة تسجيلات لبرامج المحافل،‏ مطبوعات جديدة كنا نحصل عليها من البلدان المجاورة،‏ او بواسطة الاختبارات البناءة».‏

ماذا عن المرسلين؟‏

كان الوضع الاجتماعي المضطرب يزداد سوءا.‏ وبسبب النظرة غير الودودة الى الاجانب،‏ مُنح المرسلون الفرصة لتسلم تعيينات اخرى.‏ وقد قبل البعض تلك الدعوة وخدموا بأمانة في تعييناتهم الجديدة.‏

وبقي آخرون في الارجنتين.‏ كانت ماري هلمبرِكت،‏ من صف جلعاد الـ‍ ١٣،‏ تخدم في روزاريو،‏ سانتا فاي.‏ وفي صباح اليوم الذي بدأ فيه الحظر الفعلي،‏ ذهبت الى احد البيوت وقرعت جرس الباب.‏ كان الجو دافئا في ذلك اليوم من الصيف.‏ وكان الباب مفتوحا وصوت جهاز الراديو يدوِّي في كل انحاء البيت.‏ فجأة،‏ سمعت ماري بلاغ حظر عمل شهود يهوه في كل انحاء الارجنتين!‏ تقول ماري:‏ «عندما أتت المرأة الى الباب،‏ تمالكت نفسي وكرزت لها كالعادة.‏ وتابعنا الكرازة كل الفترة الصباحية كما كان مخطَّطا.‏ لم نشعر بوجود مشاكل خطيرة حيث نحن،‏ فقررنا البقاء.‏ ونحن شاكرون اننا فعلنا ذلك.‏ فالبعض في الجماعة الذين منعهم الخوف من الكرازة رأوا انه لم يحدث لنا شيء،‏ فانضموا الينا بسرعة».‏ —‏ ١ تسالونيكي ٥:‏١١‏.‏

كنوز مخبأة

اظهر الشهود المحليون الشجاعة وسعة الحيلة خلال تلك الاوقات غير المؤاتية.‏ يروي روبرت نْيَتو:‏ «اخبرنا مسبقا قاضي صلح متعاطف ان قاعات الملكوت ستقفَل والمطبوعات ستصادَر.‏ فذهبنا فورا في سيارتين الى قاعة الملكوت لأخذ الكمية الكبيرة من المطبوعات التي كانت لدينا.‏ وفيما نحن نغادر،‏ رأينا الشرطة والجيش آتين لتنفيذ الامر بإقفال قاعة الملكوت ومصادرة المطبوعات.‏ ولكنهم استطاعوا فقط انجاز الجزء الاول من مهمتهم،‏ فالكتب الوحيدة التي تُركت في القاعة كانت تلك التي في المكتبة».‏

في مكان آخر،‏ دخل شيوخ الجماعة بحذر الى قاعة الملكوت ليلا ونقلوا مطبوعاتهم بهدوء.‏ ولاحقا،‏ وضَّبوها في رزم صغيرة ووزَّعوها على الاخوة.‏

في توكومان،‏ خبأت نِريدا دِلونا المطبوعات في بيتها.‏ تروي:‏ «خبأنا الكتب في أوعية فخارية وجرار كبيرة،‏ ووضعنا عليها نباتات اصطناعية،‏ ثم أخفينا صناديق المطبوعات في حجرة غسل الملابس.‏ وفي صباح احد الايام،‏ فتَّش جنديان البيت بكامله بما في ذلك حجرة غسل الملابس فيما وقفنا نصلي بحرارة.‏ ولم يستطيعا العثور على شيء».‏

تزويد الطعام الروحي

بالتأكيد،‏ لم يستغرق نفاد المطبوعات التي انقذها الاخوة وخبأوها وقتا طويلا.‏ ومع ذلك،‏ استمر يهوه يزوِّدهم بالطعام الروحي.‏ فعلى الرغم من اقفال المطبعة في شارع فيتز روي،‏ استمرت عمليات الطباعة في أماكن اخرى من بونس إيريس.‏ وكانت المجلات تُطبع ايضا في مقاطعتَي سانتا فاي وقُرطبة،‏ ثم تُرسل الصفحات المطبوعة الى اماكن اخرى لتُجمع.‏ في البداية،‏ كانت الجماعات تتسلم مجلة واحدة لكل فريق درس،‏ اما لاحقا فازداد العدد حتى اصبح بامكان كل ناشر الحصول على مجلة.‏ وكانت احدى هذه المطابع تُشغَّل في علية بيت يبعد مبنيَين فقط عن المكاتب الرئاسية.‏

يتذكر روبن كارلوتشي،‏ احد الذين اشتركوا في طباعة وشحن المطبوعات خلال الحظر،‏ ما حدث عندما اتت صاحبة البيت حيث يجري عمل الطباعة لتعلِمهم ان الشرطة العسكرية تفتش البيوت الواحد تلو الآخر.‏ على الفور،‏ أوقف الاخوة الطبع ووضعوا بسرعة كل شيء في شاحنة ما عدا آلة الطباعة.‏ ويعود روبن بالذاكرة قائلا:‏ «كانت عملية التفتيش شاملة جدا بحيث طوَّقت المنطقة فلم نستطع مغادرتها.‏ وإذ لاحظنا مطعما مجاورا،‏ دخلناه وجلسنا ننتظر انتهاء التفتيش.‏ كان علينا الانتظار اربع ساعات،‏ ولكن كان الامر يستحق ذلك،‏ بما ان اخوتنا كانوا يتسلَّمون مطبوعاتهم القيِّمة».‏

‏«پيپيتا مطلقة الرصاص»‏

كانت مجلتا برج المراقبة و استيقظ!‏ تُجمعان سرا مدة من الوقت في بناء قيد التشييد في العاصمة،‏ كان يُعد اصلا ليكون قاعة ملكوت.‏ وكانت لويزا فرنانديز،‏ واحدة من الاعضاء القدامى في عائلة بيت ايل،‏ تشارك في هذا العمل.‏ في صباح احد الايام،‏ فيما كانت لويزا ورفقاؤها يبدأون عملهم،‏ سمعوا طرقا على الباب.‏ كان الطارق مفتشا في الشرطة!‏ وقد أخبرهم ان الجيران رفعوا شكوى بسبب الضجيج الذي تصدره الآلات.‏ تقول لويزا:‏ «كان سهلا جدا علينا تفهم الوضع،‏ فقد كانت آلة الدرز تحدث ضجة شديدة جدا بحيث اطلقنا عليها اللقب پيپيتا مطلقة الرصاص».‏

في تلك اللحظات،‏ وصل احد اعضاء لجنة الفرع وشرح ما كنا نفعله.‏ فقال المفتش:‏ «سأعتبر انني لم أرَ شيئا،‏ شرط ألّا اجد احدا عندما اعود بعد ظهر اليوم».‏ فابتدأ الاخوة فورا بوضع كل شيء في شاحنات.‏ وبعد ساعتين،‏ لم يبقَ هنالك اي اثر لعمل جمع المجلات.‏

ولكن،‏ الى اين اخذوا المعدّات؟‏ على الرغم من ان المطبعة في الفرع كانت قد أُقفلت،‏ فقد كان بالامكان دخول المبنى من الباب الخلفي.‏ فقامت لويزا والآخرون بنقل كل شيء الى مطبعة بيت ايل القديمة وتابعوا جمع المجلات هناك دون ان يلاحظهم احد!‏

افضل بكثير من مصنع كعك

من اجل انتاج وتوزيع المجلات في كل انحاء الارجنتين،‏ كان ضروريا اقامة اماكن مجهزة لجمع المجلات في مناطق اخرى من البلد ايضا.‏ وقد اشتركت لِيونيلدا مارتينِلي،‏ التي تخدم كفاتحة خصوصية منذ السنة ١٩٥٧،‏ في عمل جمع المجلات في روزاريو.‏ وكان الاخوة والاخوات المعيَّنون للعمل هناك يضعون المواد المطبوعة الجاهزة للجمع على طاولة كبيرة بحيث تكون الصفحات مرتبة في صفوف حسب تتابع ارقامها.‏ ثم يبدأ كل عامل بجمع الصفحات من اول الصف حتى يصل الى نهايته.‏ وعندما تتكدَّس رزمة من المجلات المنجزة،‏ كان يجب ضغط الهواء الى الخارج ليصبح بالامكان وضع مجلات اكثر في الصندوق.‏ ولكن،‏ بسبب عدم توفر مكبس سائلي،‏ تطوعت اخت ممتلئة الجسم للقيام بهذا العمل.‏ فعندما تصبح رزمة كبيرة من المجلات جاهزة،‏ كانت تجلس عليها حتى تصبح متراصّة،‏ ثم يوضِّبها شخص آخر بترتيب في صناديق.‏ وكانت هذه الطريقة فعالة الى حد ان العمال حثوا الاخت على عدم اتباع حمية لتخفيف وزنها!‏

في مدينة سانتا فاي،‏ قدَّمت عائلة ڠايتان بيتها من اجل استعماله في جمع المجلات.‏ وعلى الرغم من تدابير الحيطة المتخذة،‏ لاحظ الجيران صناديق تُدخل وتُخرج الى البيت ومنه.‏ فظنّوا ان العائلة تصنع كعكا.‏ ولاحقا،‏ في السنة ١٩٧٩،‏ نقل الفرع هذا العمل من هناك الى مكان آخر.‏ فاحتار الجيران وسألوا ان كان مصنع الكعك قد أُقفل.‏ وتعود الاخت ڠايتان بالذاكرة قائلة:‏ «كان ‹الكعك› الذي صنعناه لذيذا ومغذيا اكثر بكثير مما اعتقد جيراننا!‏».‏

توزيع المطبوعات

كان توزيع المجلات والمطبوعات الاخرى على الاخوة تحديا آخر ايضا.‏ ففي منطقة بونس إيريس الكبرى،‏ نُظِّمت جولات دورية لايصال المجلات الى مستودعات المطبوعات التي أُقيمت بشكل مدروس في المنطقة.‏ وفي احدى المناسبات،‏ كان روبن كارلوتشي في طريقه الى محطته الاخيرة في جولة تسليم المجلات عندما أومأ اليه شرطي ان يوقف شاحنته وراء سيارة الدورية.‏ اطاع روبن باضطراب،‏ مصليا الى يهوه من اجل المساعدة.‏ وما ان اوقف الشاحنة حتى اتى اليه الشرطي وقال:‏ «هل تتكرم وتساعدني على دفع السيارة؟‏ فالمحرك لا يدور».‏ فأطلق روبن زفرة ارتياح وأبدى كامل استعداده لتقديم المساعدة.‏ ثم انطلق بفرح لتسليم ما في حوزته!‏

كان دانتي دوبولِتّا،‏ ناظر دائرة خدم في تلك الفترة في منطقة روزاريو في سانتا فاي،‏ يأخذ المجلات من مكان جمعها ويوزعها على كل الجماعات في دائرته.‏ وقد عنى ذلك السفر مسافة ٢٠٠ كيلومتر تقريبا ذهابا وإيابا على الاقل مرتين في الشهر.‏ ولكي لا يراه احد،‏ كان يقوم بهذه الجولات في وقت متأخر من الليل،‏ مغادرا بعد الانتهاء من نشاطاته مع الجماعة وعائدا عند الفجر احيانا.‏ وفي احدى المناسبات،‏ رأى صفا طويلا من السيارات يقف عند نقطة تفتيش حيث كان اكثر من ٣٠ جنديا مدجَّجين بالسلاح يدققون في اوراق وأمتعة كل شخص.‏ فسأل احدهم دانتي:‏ «ماذا يوجد معك في السيارة؟‏».‏

اجاب دانتي:‏ «بعض الحوائج».‏

فقال الجندي:‏ «انزل بسرعة وافتح صندوق السيارة».‏

عندئذ قال دانتي:‏ «نحن شهود يهوه.‏ فما الذي قد يوجد معنا؟‏».‏

وكان جندي آخر يستمع الى المحادثة فقال:‏ «دعهم يذهبون.‏ فشهود يهوه لا ينقلون ابدا اسلحة او سلعا مهربة».‏ ولمدة سنتين،‏ استطاع دانتي ايصال المطبوعات دون ان يُفتَّش.‏

غير متخلِّين عن الاجتماعات

منذ الاسبوع نفسه الذي فُرض فيه الحظر،‏ لم يتخلَّ شهود يهوه في الارجنتين ‹عن اجتماعهم›.‏ (‏عبرانيين ١٠:‏٢٥‏)‏ فكانوا يجتمعون في فرق صغيرة،‏ ويغيِّرون تكرارا زمان ومكان الاجتماع.‏ وقد عنى ذلك عملا اضافيا للشيوخ،‏ فكثيرا ما كان عليهم ادارة الاجتماع نفسه مرات عديدة في بيوت مختلفة.‏

في بلدة توتوراس الصغيرة،‏ كان المنزل الوحيد الذي يمكن عقد الاجتماعات فيه يقع وسط البلدة.‏ لذلك كان الاخوة يحترسون جدا.‏ وقد صنع صاحب البيت،‏ الاخ رايڤربايري،‏ ما بدا مجرد طاولة عادية لها جارور توضع فيه شتّى الاشياء.‏ ولكن،‏ كان سطح الطاولة القابل للرفع يخفي تحته فسحة كافية لتخبئة الكتب والمجلات.‏ وهكذا عندما كان يُقرع الباب،‏ كانت كل المطبوعات تُخفى بسرعة داخل الطاولة!‏

كان الناشرون يرتدون لباسا غير رسمي في الاجتماعات.‏ وكانت الاخوات احيانا يضعن لفائف في شعرهن،‏ يلبسن سراويل،‏ ويحملن حقائب تسوّق.‏ وكانت الاجتماعات تُدعى بتحبب ماتِياداس.‏ فالاجتماع معا لشرب الماتي (‏المتّة)‏،‏ شراب شبيه بالشاي يُتناول غالبا مع الحلوى او الكعك،‏ هو عادة شائعة جدا في الارجنتين.‏ وقد خدم هذا الوضع كتمويه مثالي للاجتماعات الروحية.‏

ومع ذلك،‏ كانت تمر لحظات توتِّر الاعصاب.‏ فخلال زيارة ناظر دائرة الى احدى الجماعات،‏ اجتمع فريق من ٣٥ شخصا في منزل تيريزا سپاديني،‏ اخت امينة ومضيافة لها صيت جيد بين جيرانها.‏ فجأة،‏ وقفت سيارة شرطة امام المنزل،‏ ثم ترجَّل منها ضابط وقرع الباب.‏ على الفور،‏ جلس الاخ الخطيب مع باقي الفريق.‏ وما ان فتحت تيريزا الباب حتى قال الضابط:‏ «تيريزا،‏ هل استطيع استعمال هاتفك؟‏».‏

وحين رأى الفريق المجتمِع اوضحت تيريزا:‏ «لدينا اجتماع عائلي».‏ وحبس الحاضرون انفاسهم فيما كان الضابط يتصل بمركز الشرطة،‏ معتقدين انه سيطلب سيارة دورية ليعتقلهم جميعا.‏ ويا للارتياح الذي شعروا به عندما اتَّضح ان الاتصال متعلق بمسألة اخرى!‏ وبعد ان انهى اتصاله التفت الى تيريزا وشكرها،‏ ثم نظر الى الفريق وقال:‏ «اعتذر لأني قاطعتكم.‏ تمتعوا باجتماعكم».‏

التعامل مع مداهمات الشرطة

في احدى المرات،‏ اجتمع فريق لإجراء معمودية.‏ فأعلم احد الجيران الشرطة بشأن الاجتماع.‏ وبما ان الاخوة كانوا قد خططوا لاقامة أسادو‏،‏ او حفلة شِواء،‏ كحجة لاجتماعهم،‏ فقد تابعوا كما كان مقررا.‏ واللحم المشوي هو طبق مفضَّل في الارجنتين،‏ لذلك لم يكن احد ليشكك في هذا التمويه اللذيذ.‏ وعندما وصل «الضيوف» غير المدعوين في شاحنة عسكرية،‏ اظهر الاخوة والاخوات روح الضيافة وطلبوا من الجنود الانضمام الى التجمع الودّي.‏ لكن الجنود رفضوا الدعوة وغادروا دون ان يكتشفوا ماذا كانت «الحلوى»!‏

تُظهر احيانا الكلمات التي يستعملها شهود يهوه في ما بينهم أنها مصدر حماية.‏ فذات مرة،‏ بعد اجتماع عُقد في احد البيوت الخاصة،‏ كان الجميع قد غادروا باستثناء الشيوخ عندما وصلت الشرطة عقب اتصالات تلقتها من بعض الجيران بشأن الاجتماع.‏ وعندما قرع رجال الشرطة الباب،‏ اجابت الاخت التي تسكن هناك:‏ «لقد غادر الجميع باستثناء الخدام».‏

فقال رجال الشرطة:‏ «نحن لا نريد الخدام.‏ بل نريد المسؤولين!‏».‏ ورحلوا فارغي الايدي.‏

الكرازة تحت الحظر

استمر نشاط الكرازة بالرغم من القيود.‏ وقد تطلَّب ذلك دون شك ان يكون الاخوة حذرين في تلك الظروف الصعبة.‏ فلم يكن يعيَّن عادة اكثر من شاهدَين لخدمة مقاطعة في الوقت نفسه.‏ تقول سارا شِلِّنبِرْڠ متذكِّرة كيف كانت تزور الناس في بونس إيريس:‏ «كنا نرسم خرائط مصغَّرة للمقاطعة يمكننا وضعها في راحة يدنا.‏ وكنا نضع وراءها ورقة مطوية كالاكورديون تحتوي على قائمة بارقام المنازل كلها.‏ ولم نكن نزور سوى منزل واحد في كل مجموعة بيوت،‏ ثم نضع علامة على رقمه في القائمة لكي يذهب الناشر الذي سيخدم المقاطعة في المرة التالية الى منزل آخر.‏ بعد ذلك كنا نذهب الى مجموعة بيوت اخرى ونزور منزلا آخر».‏

بعد وقت قصير من بدء العمل بهذه الخطة،‏ كانت سيسيليا ماستروناردي تقرع وحدها احد الابواب خلال كرازتها عندما ظهر فجأة شرطي يركب دراجة نارية.‏ تقول سيسيليا:‏ «سألني ما الذي كنت افعله.‏ فلم استطع التفكير في شيء سوى ان اشهد له وأقدِّم كتاب هل وصل الانسان الى هنا بالتطوُّر ام بالخَلق؟‏.‏ فقبل الكتاب،‏ اعطاني تبرعا لقاءه،‏ وودَّعني بتحية ودِّية.‏ عند ذلك ادركتُ انه لم يقف ليعتقلني.‏ فقد كان الباب الذي كنت اقرعه باب بيته!‏».‏

استُعملت طرائق كثيرة لتمويه نشاط الكرازة.‏ فقد عمدت احدى الاخوات الى العمل لدى شركة لمستحضرات التجميل لكي تستطيع الذهاب من بيت الى بيت والتحدث الى زبائنها.‏ وكانت ماريا برونو،‏ التي يبلغ عمرها الآن ٨٦ سنة وهي فاتحة قانونية منذ ٢٩ سنة،‏ تحمل حقيبة يد تضع فيها بعض النباتات بحيث تكون ظاهرة للعيان لتلفت انتباه ربات البيوت اللواتي يرغبن في التحدث عن البستنة.‏ وقد مكَّنها ذلك من البدء بمحادثات ادَّت الى زرع بذور الحق.‏

اراد هوان بيكتور بوخايري،‏ صاحب متجر كان قد اعتمد بعد الحظر مباشرة،‏ ان يخبر الآخرين عن البشارة التي تعلَّم عنها.‏ فاستبدل الصور الدينية وملصقات مشاهير الرياضة ونجوم التسلية التي كان يضعها على جدران متجره بصور مناظر طبيعية تحمل في اسفلها آيات من الكتاب المقدس.‏ وكم كان ذلك مفاجئا لزبائنه!‏ وهكذا اخذ الاخ بوخايري يشهد للذين يسألون عن الصور او الآيات المقتبسة،‏ وتمكن من الابتداء بأكثر من عشرة دروس في الكتاب المقدس.‏ وبعض هؤلاء قبلوا الحق ولا يزالون اخوة امناء حتى اليوم.‏

حاملو الكتاب المقدس الاخضر

ساعدت الصعوبات خلال الحظر الناشرين في الارجنتين ان يصيروا خداما افضل.‏ فبما انهم كانوا يقومون بالمقابلات الاولى مستعملين الكتاب المقدس وحده،‏ فقد اصبحوا بارعين في تحديد مكان آيات الكتاب المقدس لمواجهة الاعتراضات وتعزية الناس.‏

ولكي لا يثيروا الشبهات،‏ كانوا احيانا يستعملون كتابا مقدسا آخر غير ترجمة العالم الجديد.‏ وفي احدى المناسبات،‏ كان احد الاخوة يستعمل ترجمة تورِس امات،‏ ترجمة كاثوليكية للكتاب المقدس بالاسپانية القديمة،‏ عندما لاقى تجاوبا غير متوقَّع.‏ فبعد ان اصغت صاحبة البيت اليه وهو يقرأ الآيات التي لم تستطع فهمها،‏ اقترحت ان تجلب له كتابا مقدسا يسهل فهمه اكثر بكثير.‏ وكم فوجئ عندما عادت حاملة ترجمة العالم الجديد!‏

خلال تلك السنوات،‏ كان غلاف ترجمة العالم الجديد اخضر اللون.‏ لذلك حُذِّر الناس من الاستماع الى حاملي الكتاب المقدس الاخضر.‏ ولكن،‏ بما ان قليلين كانوا يؤيدون القيود التي تفرضها الحكومة،‏ لم يعمل هذا التحذير الا على اثارة فضول الناس.‏ فقد سألت ربة منزل اختا عن لون كتابها المقدس.‏ وعندما اجابت الاخت بصدق انه اخضر اللون،‏ قالت السيدة:‏ «حسنا،‏ اريد ان اسمع ما لدى حاملي الكتاب المقدس الاخضر ليقولوه».‏ ودعت الاخت الى الداخل وأجرتا مناقشة رائعة.‏

من يملك الكتب؟‏

استمر الشهود الارجنتينيون فترة من الوقت في الكرازة مستخدمين المطبوعات التي كانوا قد خبأوها.‏ ولكن،‏ نفد هذا المخزون مع الوقت،‏ وكان من المستحيل استيراد مطبوعات جديدة.‏ وعلاوة على ذلك،‏ كان هنالك تحت الحجز ٠٠٠‏,٢٢٥ كتاب مختوم عليها في مستودعات الفرع.‏

قررت الشرطة الفدرالية مصادرة الكتب المحجوزة وبيعها لشركة تعيد تصنيع الورق.‏ فعهِدت الى شركة لخدمات النقل بالذهاب الى بيت ايل،‏ وضع الكتب في شاحنة،‏ وأخذها الى معمل لاعادة تصنيع الورق.‏ وحدث ان السائق كان قد درس الكتاب المقدس مع جار له من شهود يهوه.‏ لذلك عندما رأى ما كان ينقله،‏ سأل جاره السابق هل يرغب شهود يهوه في شراء الكتب منه.‏ فصُنعت الترتيبات اللازمة،‏ ونُقلت الكتب بتفويض من الشرطة الى المكان الذي حدده الفرع!‏ وهكذا،‏ على الرغم من الحظر،‏ اصبح ٠٠٠‏,٢٢٥ كتاب متوفرة لإعادة الاستعمال بطريقة مختلفة جدا عما توقعته السلطات!‏

وزوَّد يهوه ايضا حاجات شعبه من خلال الاخوة الشجعان الذين تطوعوا لجلب الكتب التي تصدرها الجمعية من بلدان اخرى.‏ يروي فاتح قانوني يدعى نوربرتو ڠونزالِس:‏ «في احدى المناسبات،‏ عهد الينا عضو في لجنة الفرع من اورڠواي بايصال ١٠٠ نسخة من كتاب مدرسة خدمة الملكوت الدراسي الى الاخوة المسؤولين في الارجنتين.‏ وقد استطعنا ادخال هذه المعلومات المانحة الحياة الى البلد.‏ وعندما عبرنا الجمارك بأمان قفزنا كلنا من الفرح».‏ ربما لم يتسنَّ لأحد هؤلاء الاخوة القفز عاليا بسبب المطبوعات التي كانت مخبأة في ساقه الخشبية!‏

تعلم الشهود الارجنتينيون ان يقدِّروا قيمة المطبوعات التي تصدرها جمعية برج المراقبة اكثر من اي وقت مضى.‏ ففي بداية الحظر،‏ كان كل فريق درس يحصل على نسخة واحدة فقط من برج المراقبة‏.‏ وكانت تلك المجلة الواحدة تدور على جميع الناشرين،‏ فيكتبون الاسئلة والاجوبة لكي يتمكنوا من الاشتراك في الدرس.‏ (‏فيلبي ٤:‏١٢‏)‏ وكان غلاف مجلة برج المراقبة يُترك خاليا من اي كتابة لكي لا يلفت الانتباه الى محتواها،‏ لكنَّ الطعام الروحي في الداخل كان رائعا.‏ وكانت هذه التدابير الخصوصية تدعم الاخوة وتقوي وحدتهم.‏

عقد محفل في الخفاء

كان الاخوة الارجنتينيون يتغذون روحيا بواسطة الاجتماع في فرق صغيرة مستعملين ما توفر من مطبوعات،‏ ولكن كيف كان بامكانهم الاستفادة من المحافل السنوية الثلاثة التي كان شهود يهوه في انحاء اخرى من العالم يتمتعون بها؟‏ دعيت المحافل الاولى التي عُقدت بعد ان بدأ الحظر الفعلي محافل تجريبية.‏ وقد حضرها الشيوخ وعائلاتهم فقط.‏ ولاحقا،‏ أعاد الشيوخ البرنامج في جماعاتهم.‏ يقول إِكتور شاپ،‏ الذي يخدم كناظر جائل لسنوات عديدة دون كلل:‏ «استطعنا في بعض الاحيان ان نعقد المحفل في الحقول،‏ حيث كانت تحيط بنا حيوانات المزارع.‏ لكنَّ وجودها لم يلفت انتباهنا لاننا كنا نصغي بتركيز الى ما يقال.‏ وقد سجل العديد من الاخوة البرنامج على كاسيتات سمعية من اجل الذين لم يستطيعوا الحضور.‏ وهؤلاء كانوا سيضحكون كثيرا في ما بعد —‏ فقد كانت الخطابات مصحوبة بخُوار البقر،‏ صياح الديَكة،‏ ونهيق الحمير».‏

دعا الاخوة هذه المحافل بإعزاز «نُزَها» لأنها كانت تُعقد في العراء.‏ وأحد الاماكن المفضلة في مقاطعة بونس إيريس كان منطقة ريفية قريبة من حدود سانتا فاي،‏ تدعى ستراڠو مُورد.‏ كان المكان مثاليا لأن الاشجار تحيط به مشكلة ستارا جيدا.‏ لكنَّ «المتنزهين» صُدموا في احد الايام حين وجدوا ان تلك الاشجار الجميلة قد قُطعت جميعها!‏ وعلى الرغم من ازالة الستار،‏ تابعوا «نزهتهم» مستعملين جُذوع الاشجار،‏ واحدا كمنصة للخطيب والباقي كمقاعد للحضور.‏

وأحد الاماكن الاخرى التي استعملها الاخوة لعقد المحافل كان مصنعا يملكه احد شهود يهوه.‏ وهذا الشاهد كان لديه ايضا شاحنة كبيرة مقفلة استعملها لنقل الذين ارادوا حضور المحفل.‏ فكان السائق يقود من مكان الى آخر،‏ يجمع ١٠ الى ١٥ أخا في الشاحنة،‏ يعود الى المصنع،‏ وينزلهم وراء باب المرأب المغلق.‏ بهذه الطريقة كان بامكان حوالي ١٠٠ شخص ان يجتمعوا معا دون ان يلاحظهم الجيران والشرطة.‏ وسافر شهود ارجنتينيون آخرون الى البرازيل وأورڠواي خلال هذه السنوات لكي يستفيدوا من التدابير الروحية المزوَّدة في المحافل.‏

الاجتماعات داخل السجن

واجه العديد من اخوتنا الاحداث امتحانات للولاء بسبب حيادهم المسيحي،‏ حتى قبل الحظر الذي فُرض في السنة ١٩٧٦.‏ وقد حُكم على كثيرين بالسجن من ثلاث الى ست سنوات لانهم «لا يتعلمون الحرب»،‏ انسجاما مع مبدإ الكتاب المقدس الموجود في اشعياء ٢:‏٤‏.‏

ولكن،‏ حتى في السجن كانوا يبتكرون طرائق لدرس الكتاب المقدس وعقد الاجتماعات.‏ وكانوا توَّاقين ايضا الى ايصال رسالة الملكوت الى السجناء الآخرين.‏ وقد اندفع الشيوخ من الجماعات المجاورة الى زيارة رجال الايمان الاحداث هؤلاء لتشجيعهم وتزويدهم بالطعام الروحي الحيوي.‏

سُجن عمر تشيدر،‏ الذي يخدم في بيت ايل منذ السنة ١٩٨٢،‏ في سجن ماڠدالينا العسكري في مقاطعة بونس إيريس من ١٩٧٨ الى ١٩٨١.‏ والسبب كان رفضه ارتداء البدلة العسكرية.‏ كان مبنى السجن مؤلَّفا من عدة اقسام،‏ يحتوي كل منها على ٢٠ زنزانة تواجه رواقا واحدا،‏ وتبلغ مساحة كل زنزانة مترين في ثلاثة امتار.‏ كان الشهود السجناء يستعملون الزنزانات الثلاث في آخر الرواق لعقد اجتماعاتهم.‏ ولم يكن ممكنا ان يجتمع اكثر من ١٠ او ١٢ شخصا دفعة واحدة،‏ لذلك كانوا يعقدون من ٨ الى ١٤ اجتماعا كل اسبوع.‏

رتَّب الاخوة ان يتولى واحد منهم المراقبة من خلال ثقب الباب لكي ينذر الفريق اذا اقترب شخص ما.‏ وقد ابتكروا اشارات مختلفة لتحذير الفريق.‏ فأحيانا كان المراقب ينقر على الحائط.‏ او في احيان اخرى،‏ كان يُربط خيط بين المراقب وواحد من الحضور،‏ بحيث يتمكن المراقب من شد الخيط عندما يلاحظ شيئا ينذر بالخطر،‏ فيقوم الشخص الموجود عند نهاية الخيط بتحذير الفريق.‏ واحدى الطرائق الاخرى كانت التلفظ بعبارة تتضمن كلمة سر.‏ مثلا،‏ قد يرفع المراقب صوته قائلا:‏ «هل لدى اي منكم غلاف؟‏».‏ فيختبئ الاخوة عند سماع الكلمة «غلاف»،‏ كلمة السر.‏ وكان يُعيَّن لكل واحد مكان يختبئ فيه —‏ تحت السرير،‏ خلف الباب —‏ بحيث لا يراه الحارس اذا نظر من ثقب الباب.‏ كل ذلك كان يجري في لحظات وبدون أية ضجة.‏ فيا له من تنظيم رائع!‏

في احدى المرات،‏ وفيما الاخوة مجتمعون،‏ دخل شخص غريب الى القسم الذي كانوا فيه.‏ وإذ حُذِّروا اختبأوا بسرعة.‏ وبعد لحظات فَتح الغريب،‏ سجين ليس شاهدا ليهوه،‏ باب الغرفة ووضع شيئا على الطاولة.‏ وقبل ان يغادر استدار قائلا:‏ «لماذا انتم جميعا مختبئون؟‏».‏ كان احد الحراس يطلق في تلك اللحظة صفّارته باحثا عن متطوعين للتنظيف.‏ فأجاب الاخوة:‏ «اننا نختبئ منه».‏ عند ذلك تعاطف الزائر معهم وخرج بسرعة.‏ وانهى الاخوة اجتماعهم دون ان يقاطعهم احد.‏

مكتبة سجن سرِّية

ادَّى حسن سلوك الشهود الى ائتمانهم على مسؤوليات اضافية في السجن.‏ فقد كان الاخوة يشغِّلون مطابع السجن،‏ وكانوا مسؤولين عن المسرح،‏ المستوصف،‏ وصالون الحلاقة.‏ وقد استغلوا الى اقصى حد الفرص التي اتاحتها لهم امتيازاتهم المستحَقَّة لدعم مصالح الملكوت.‏ مثلا،‏ اظهرت الصور عن تصميم سجن ماڠدالينا ان المسرح مستطيل الشكل،‏ رغم ان زوايا الجدران مستديرة.‏ فقد كان يوجد وراء الجدران فسحة ارتفاعها ٤‏,٢ مترا،‏ عرضها ٨‏,١ مترا،‏ وعمقها ٢‏,١ مترا.‏ وكم كان المكان ملائما لمكتبة ضمت كتبا مقدسة ومطبوعات جمعية برج المراقبة!‏

يشرح إكتور ڤارِلا،‏ الذي قضى ثلاث سنوات في ذلك السجن،‏ انه كان على الاخوة الذين يريدون دخول ذلك المكان نزع قطعة من الحائط في غرفة عرض الافلام ثم القفز عن طاولة للعمل.‏ وكانت الكتب تخبأ ايضا داخل خزائن في غرف الطعام.‏

احيانا،‏ كان يُسمح للاخوة بمغادرة السجن للقيام بزيارة قصيرة لعائلاتهم.‏ وكثيرا ما اغتنم هؤلاء الاخوة هذه الفرصة ليجلبوا معهم الاعداد الاخيرة من مجلتَي برج المراقبة و استيقظ!‏‏.‏ يروي رودولفو دومينڠِس،‏ الذي يخدم الآن كناظر جائل،‏ ما حدث في احدى هذه المناسبات.‏ يقول:‏ «كنا قد وضعنا برج المراقبة و استيقظ!‏ تحت ثيابنا.‏ وعندما وصلنا الى السجن،‏ وجدنا امامنا صفا طويلا لان الحراس كانوا يقومون بتفتيش شامل.‏ وتدريجيا كنا نتقدم من نقطة التفتيش.‏ ولكن ما ان وصل الدور الينا حتى حان موعد تغيير الحرس وأُلغي التفتيش!‏».‏

يتابع الاخ دومينڠِس:‏ «كنا نعقد كل اجتماعات الجماعة في السجن،‏ وفي الواقع،‏ ان المرة الاولى التي اقدِّم فيها خطابا عاما كانت هناك».‏ وباحضار بعض الاشياء الشخصية خلال الزيارات العائلية،‏ تمكن الاخوة المسجونون ايضا من تقديم مسرحيات من الكتاب المقدس بالزيّ التاريخي.‏ ولم يرتَب الحراس قط في كيفية استعمال الاخفاف،‏ الثياب الفضفاضة،‏ والاشياء المشابهة.‏

صنع تلاميذ وراء القضبان

ازدهر عمل الكرازة والتلمذة حتى وراء القضبان.‏ وأحد الذين ساعدتهم غيرة الاخوة وحسن سلوكهم في السجن كان نوربرتو هاين،‏ الذي أُرسل الى السجن بتهمة المخدِّرات فيما كان يخدم في القوات الارجنتينية المسلَّحة.‏ وقد التقى في عدَّة سجون شهودا احداثا كانوا محتجزين بسبب ضميرهم،‏ وتأثر بسلوكهم.‏ وفيما كان في سجن پْوِيرْتو بلڠرانو،‏ طلب درسا في الكتاب المقدس.‏ وفي شهر واحد،‏ انهى درس كتاب الحق الذي يقود الى الحياة الابدية‏.‏ ثم نُقل لاحقا الى سجن ماڠدالينا،‏ واعتمد سنة ١٩٧٩ وهو في السجن.‏

يقول نوربرتو مسترجعا الذكريات:‏ «أُلقي خطاب المعمودية يوم أحد حوالي الساعة التاسعة ليلا،‏ وقد حضره عشرة منّا تقريبا،‏ فيما بقي الاخوة الآخرون خارج الزنزانة يراقبون.‏ وبعد انتهاء الخطاب،‏ توجَّهتُ مع اثنين من الاخوة الى صالة الطعام حيث كان هنالك حوض كبير لغسل القدور والمقالي».‏ كان «حوض المعمودية» مليئا بالماء البارد،‏ وهذا ما يتذكره نوربرتو جيدا،‏ فقد اعتمد في فصل الشتاء!‏

على الرغم من ان نوربرتو اضطُهد بسبب معاشرته لشهود يهوه،‏ فقد بقي راسخا في خدمة يهوه.‏ (‏عبرانيين ١١:‏٢٧‏)‏ وهو يخدم بأمانة مع زوجته،‏ ماريّا إستِر،‏ في بيت ايل منذ اكثر من ١٥ سنة.‏

‏‹لا تطلبوا من اللّٰه ان يعاقبني›‏

مع ان العديد من رجال الشرطة في السجون كانوا متسامحين مع الشهود،‏ لم يكن الجميع هكذا.‏ فقد كان احد رؤساء الحرس في سجن عسكري يحرم الاخوة من الطعام والاغطية كلما حان وقت مناوبته،‏ وكان قاسيا في معاملتهم.‏ يروي أوڠو كورونيل:‏ «قبل بزوغ الفجر في احد الايام،‏ فتح هذا الحارس الباب برَكلة من رجله،‏ جرَّني الى الخارج،‏ وقال لي وهو يشير الى خمسة جنود مسلحين انه قد قرُب أجلي.‏ ثم حاول ان يجعلني اوقِّع ورقة انكر فيها ايماني.‏ وعندما رفضت،‏ امرني بكتابة رسالة الى امي لانني على وشك ان اموت.‏ ثم امسكني بغيظ وأوقفني امام حائط من الآجر،‏ ثم امر فرقة تنفيذ الاعدام برفع بنادقهم وإطلاق النار.‏ لم اسمع سوى طقّات أزندة البنادق،‏ فالاسلحة لم تكن محشوَّة.‏ لقد كان كل ذلك مجرد خدعة تهدف الى كسر استقامتي.‏ ثم دنا ذلك الحارس مني،‏ واثقا انه سيجد دموع الخوف في عينَي.‏ وإذ رأى انني ما زلت احتفظ بهدوئي،‏ فقد السيطرة على نفسه وابتدأ بالصياح.‏ بعد ذلك أُعدت الى زنزانتي،‏ شاعرا ببعض الاضطراب ولكن الفرح يغمرني لان يهوه استجاب توسلاتي ان ابقى راسخا».‏

قبل ايام قليلة من نقل أوڠو الى سجن آخر،‏ اعلن رئيس الحرس هذا لكامل افراد الثكنة انه سيجبر أوڠو في اليوم التالي على لبس البدلة العسكرية.‏ وقال انه حتى يهوه لن يستطيع منعه.‏ وماذا حدث؟‏ يقول أوڠو:‏ «علمنا في اليوم التالي ان الحارس لقي مصرعه في حادث سير مريع.‏ وقد اثَّر ذلك كثيرا على الجميع في السجن.‏ وشعر غالبيتهم ان اللّٰه قد عاقب الجندي على تبجُّحه وتهديداته.‏ وفي الواقع،‏ توسَّل اليَّ الحارس الذي اخذني الى زنزانتي في تلك الليلة ألّا اطلب من اللّٰه ان يعاقبه هو ايضا!‏».‏ ويخدم أوڠو الآن كشيخ في بييّا أوركيسا،‏ في مقاطعة ميزيونس.‏

لا مجال للشك ان هؤلاء الشبان الذين رفضوا الخدمة العسكرية قد حافظوا على استقامتهم في ظروف صعبة جدا.‏ فقد هدد المسؤولون عن السجن بإطلاق النار على البعض.‏ وضُرب آخرون،‏ حُرموا من الطعام،‏ او وُضعوا في سجون انفرادية.‏ ولكن على الرغم من المعاملة السيئة التي تلقَّاها هؤلاء الاخوة،‏ فقد أعطى ايمانهم واستقامتهم شهادة فعّالة للموظفين العسكريين والسجناء الآخرين على السواء.‏

الاستفادة من الدرس العائلي القانوني

يُطلب من الاولاد ايضا ان ‹يدافعوا تجاه كل من يسألهم سببا للرجاء الذي فيهم›.‏ (‏١ بطرس ٣:‏١٥‏)‏ فعندما كان ابنا هوان كارلوس بارّو،‏ البالغان آنذاك السابعة والثامنة من العمر،‏ في المدرسة الرسمية،‏ طلبت مديرة المدرسة من الابن الاكبر ان يقدِّم التحية لراية البلاد امام كل تلامذة الصفّ.‏ وحين رفض،‏ صاحت في وجهه،‏ ضربته،‏ ودفعته نحو الراية.‏ ومع ذلك،‏ رفض تقديم التحية.‏ فأخذت عندئذ الولدين كليهما الى مكتبها وحاولت طوال ساعة كاملة ان ترغمهما على انشاد أغان وطنية.‏ وعندما باءت جهودها بالفشل،‏ قررت طردهما.‏

وصلت هذه القضية الى محكمة ادارية.‏ وخلال جلسة الاستماع،‏ اخذ القاضي الولدَين على انفراد ليستجوبهما.‏ لكنَّ اجوبتهما السريعة والعفوية أزعجته الى حد انه ابتدأ يرتجف فضرب على الطاولة بقبضة يده وغادر الغرفة.‏ ورغم ان الاضطراب كان لا يزال باديا عليه عند عودته بعد ربع ساعة،‏ فقد صدر الحكم لمصلحة الشهود!‏ وبعد تلاوة قرار المحكمة المؤاتي،‏ قال القاضي للاخ بارّو:‏ «يا لَتهذيب عائلتك!‏ لو تحلّت كل العائلات بمبادئ سامية كهذه،‏ لَتحسَّنت حال البلد كثيرا».‏ يقول الاخ بارّو:‏ «لقد أكَّد لي هذا الاختبار مدى أهمية الدرس العائلي القانوني،‏ فهو يجهِّز اولادنا لكي يثبتوا راسخين».‏ وأخيرا،‏ في السنة ١٩٧٩،‏ قررت محكمة الارجنتين العليا ان التعليم الدراسي هو حق شرعي للاولاد.‏

الوقت يصبح مؤاتيا ثانية

منذ السنة ١٩٥٠،‏ كان الفرع يقدِّم طلبا الى كل حكومة جديدة من اجل الاعتراف الشرعي بشهود يهوه كدين.‏ ولكنَّ الحصول على اعتراف شرعي شمل عددا من الخطوات.‏ فهو اولا تطلَّب تشكيل كيان شرعي يضمُّ عددا محددا من الاعضاء،‏ ولديه اهداف اجتماعية ودينية،‏ كتعليم الناس الكتاب المقدس.‏ بعد ذلك يجب تسجيل هذا الكيان الشرعي.‏ ثم يأتي دور الحكومة للموافقة على شرعية الاهداف.‏ فإذا تمَّت الموافقة،‏ يُمنح رقم تسجيل يمكن بواسطته ملء طلب للحصول على اعتراف شرعي بهذا الكيان بصفته هيئة دينية.‏ وحتى سنة ١٩٨١،‏ كان شهود يهوه يُرفضون بحجة عدم شرعية اهدافهم الاجتماعية والدينية لان العمل كان محظورا.‏

في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٧٦،‏ بعد شهرين فقط من بدء الحظر المجدَّد لعمل شهود يهوه،‏ قدَّم مكتب الفرع عريضة يناشد فيها المحكمة القومية الارجنتينية رفعَ الحظر.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ استأنف الفرع قضايا تشمل طرد اولاد الشهود من المدرسة بسبب رفضهم الاشتراك في المراسم والاحتفالات الوطنية،‏ سجن الاخوة بسبب الحياد الذي يمليه الضمير،‏ ومصادرة مطبوعات جمعية برج المراقبة.‏

وفي ١٠ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٧٨،‏ قُدِّمت هذه الاستئنافات الى اللجنة الاميركية لحقوق الانسان.‏ فقررت اللجنة ان الحكومة قد انتهكت الحقوق الانسانية لشهود يهوه وأوصت برفع الحظر.‏

وقد قبل النظام العسكري الحاكم،‏ في ١٢ كانون الأول (‏ديسمبر)‏ ١٩٨٠،‏ توصية اللجنة الاميركية لحقوق الانسان ورَفَع الحظر.‏ فأصبح بإمكان شعب يهوه في الارجنتين الاجتماع معا بحرية.‏ ويا لَلفرح الذي جلبه ذلك للاخوة!‏ ولكن،‏ بالرغم من انه لم يعد هنالك اي حظر على نشاطات شهود يهوه،‏ لم تكن هيئتهم الدينية قد حصلت على الاعتراف الشرعي بعد.‏

وأخيرا،‏ في ٩ آذار (‏مارس)‏ ١٩٨٤،‏ اعترفت الحكومة بجمعية شهود يهوه كدين؛‏ وانتهت سنوات الكفاح الطويلة من اجل الاعتراف الشرعي؛‏ وصار بالامكان وضع اللافتات على قاعات الملكوت!‏ فما أعظم الفرح الذي غمر الاخوة في الارجنتين!‏ لقد ردَّدوا جميعا صدى كلمات صاحب المزمور:‏ «الرب قد صنع امورا عظيمة لنا».‏ —‏ مزمور ١٢٦:‏٣‏،‏ ترجمة تفسيرية.‏

ولكنَّ الاعتراف الشرعي عنى اكثر بكثير من تعليق لافتة على قاعة ملكوت.‏ قال شيخ مسيحي في بونس إيريس يُدعى سيريياكو سپينا:‏ «عندما رُفع الحظر وأصبح باستطاعتنا عقد محافل كبيرة من جديد،‏ أردنا استخدام افضل التسهيلات الموجودة اكراما لالهنا،‏ يهوه.‏ وكنا قد حاولنا مرارا استعمال مدرَّج سيتي ستاديوم الجديد في مار دل پلاتا،‏ ولكن لأنه لم يكن مُعترفا بنا شرعيا،‏ لم يُسمح لنا قط باستعماله.‏ ثم في السنة ١٩٨٤،‏ وبفضل يهوه،‏ حصل الشهود على الاعتراف الشرعي.‏ وأصبحنا نعقد محافلنا في سيتي ستاديوم،‏ ومؤخرا في مركز الالعاب الرياضية الجديد ايضا».‏

كانت قد مرَّت سنوات منذ كان الاخوة يتمتعون بالجو المشجِّع للتجمعات الكبيرة،‏ لذلك قرر الفرع ان يحسن استغلال الزيارة الوشيكة لناظر الاقليم،‏ فْرِد ويلسون.‏ وفي اقل من اسبوعين،‏ صُنعت الترتيبات ليجتمع اخوة من بونس إيريس وضواحيها في مدرَّج بِيْلِس سارسفيلد،‏ وكان هذا اول اجتماع كبير يُعقد منذ رفع الحظر.‏ ورغم ان الاخوة أُعلموا قبل وقت قصير،‏ فقد حضر حشد مؤلف من نحو ٠٠٠‏,٣٠ شخص هذا ‹العيد› الروحي المفرح في ١٥ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٨٤.‏ —‏ مزمور ٤٢:‏٤‏.‏

آثار الحظر

في ظل الحكم العسكري،‏ اختفى وأُعدم الآلاف من الناس.‏ ولكن ما يبعث على الاستغراب هو انه على الرغم من موقف الحكومة الصارم ضد شهود يهوه،‏ لم يكن بين الذين اختفوا ايٌّ من الشهود.‏

ولم تُحفَظ حياة الشهود فحسب،‏ بل أعطاهم الحظر ايضا شهرة اوسع.‏ فقبل الحظر،‏ كان الذين يسألون الشهود عن الدين الذي ينتمون اليه يبدون متحيِّرين عند سماع الاسم «شهود يهوه».‏ لكن الوضع تغيَّر بعد الحظر.‏ قالت سوزانا دو پوكِتّي،‏ التي تخدم كمبشرة كامل الوقت منذ ٣٧ سنة:‏ «بعدما رُفع الحظر،‏ لم نعد ندعى أبناء يهوه او اليهوهيين؛‏ ولم يعد الناس يخلطون بيننا وبين الفرق الانجيلية.‏ فخلال الحظر كان اسمنا الصحيح يُذكر تكرارا في الراديو والصحف.‏ وكانت النتيجة مفرحة —‏ فقد ميَّز الناس اخيرا الاسم شهود يهوه».‏

اعفاء قانوني من الخدمة العسكرية

في الوقت نفسه تقريبا،‏ رتَّبت الدكتورة ماريّا ت.‏ دو موريني،‏ سكرتيرة مدير مكتب الشؤون الدينية التي كان لها دور في الاعتراف بجمعية شهود يهوه كدين،‏ لاجتماع هام ضمَّ ممثلين لجمعية شهود يهوه،‏ مدير مكتب الشؤون الدينية،‏ ووزير الدفاع.‏ كان القصد من هذا الاجتماع درس مسألة اعفاء شهود يهوه من الخدمة العسكرية.‏ وكانت لجنة الفرع تأمل الحصول على اعفاء كهذا للفاتحين القانونيين،‏ لكنَّ السلطات ابدت استعدادا للمضي ابعد من ذلك.‏

كانت السلطات مستعدة لاعفاء كل من يُعتبر تلميذا،‏ وكان يُنظر الى جميع المنتسبين الى مدرسة الخدمة الثيوقراطية كتلاميذ يدرسون اللاهوت.‏ وهكذا عندما كان اخ معتمد يبلغ الـ‍ ١٨ من العمر ويُطلب الى الخدمة العسكرية،‏ كان شيوخ جماعته يملأون ويوقِّعون نموذج شهادة حسن سلوك،‏ ثم يرسلونه الى مكتب الفرع ليوقَّع ويُرسَل الى مكتب الشؤون الدينية حيث يجري تسجيله.‏ بعدئذ يصدر هذا المكتب بدوره شهادة تمكِّن الاخ من الحصول على اعفاء من الخدمة عندما يقدمها الى السلطات العسكرية.‏ وقد استمر استخدام هذه الطريقة الفعالة الى ان أُلغيت الخدمة العسكرية الالزامية في تسعينات الـ‍ ١٩٠٠.‏

نمو مدهش في كل مكان

بين سنة ١٩٥٠ و ١٩٨٠،‏ كان عمل شهود يهوه محظَّرا من قبل الحكومة.‏ لكنَّ الاخوة الغيورين استمروا في الكرازة بالكلمة خلال هذا الوقت المحفوف بالمتاعب.‏ ونتيجة لذلك،‏ باركهم يهوه بزيادة.‏ فقد كان هنالك ٤١٦‏,١ ناشرا في الارجنتين سنة ١٩٥٠.‏ اما سنة ١٩٨٠ فبلغ عددهم ٠٥٠‏,٣٦!‏

وازداد العدد اكثر فاكثر بعد الاعتراف الشرعي انسجاما مع كلمات اشعياء ٦٠:‏٢٢‏:‏ «الصغير يصير الفا والحقير امة قوية.‏ انا الرب في وقته أُسرع به».‏ ويمكن لمجرد نظرة خاطفة الى التقارير الواردة من كل انحاء البلد ان تبرهن صحة هذه الكلمات.‏ مثلا،‏ كان هنالك ٧٠ ناشرا في جماعة فرانسيسكو سولانو في بونس إيريس الكبرى عند رفع الحظر،‏ اما الآن فهنالك سبع جماعات تضم ٧٠٠ ناشر.‏

يتذكر ألبرتو پاردو،‏ الذي يخدم كشيخ في سينڠكو سالتوس في مقاطعة ريو نيڠرو،‏ حين كان عدد الناشرين لا يتجاوز الـ‍ ١٥ في سينڠكو سالتوس.‏ اما اليوم فهنالك ثلاث جماعات وما مجموعه ٢٧٢ ناشرا،‏ نسبة شاهد واحد الى كل ١٠٠ من السكان.‏ تقول مارتا تولوسا من جماعة كارمن دو پاتاڠونِس في بونس إيريس:‏ «من المذهل التفكير بالفريق القليل العدد الذي كان يجتمع في غرفة صغيرة سنة ١٩٦٤ ومقارنته بالـ‍ ٢٥٠ أخا واختا في ثلاث قاعات ملكوت اليوم».‏

بسبب النمو السريع في پالميرا والبلدات المجاورة،‏ أصبح من الضروري القاء الخطاب العام ومناقشة درس برج المراقبة مرتين كل نهاية اسبوع لكي يكون الاخوة والاخوات مرتاحين اكثر في قاعة الملكوت.‏ وقد استؤجرت قاعة اكبر من اجل الاحتفال بالذكرى،‏ لأن عدد الحضور كان يتجاوز دائما الـ‍ ٢٥٠ شخصا.‏ ومنذ السنة ١٩٨٦،‏ تشكَّلت جماعات في اربع بلدات مختلفة كانت معيَّنة في الاصل لجماعة پالميرا.‏

وفي بونس إيريس الكبرى،‏ توسعت جماعة هوسّيه ليون سوارِس الاصلية التي كانت تضم ٣٣ ناشرا الى خمس جماعات مختلفة.‏ يقول هوان شلَّنبُرڠ،‏ احد الشيوخ هناك:‏ «كلما شكَّلنا جماعة جديدة،‏ صغرت مقاطعتنا اكثر.‏ والآن لدينا مجرد جزء صغير من مقاطعة،‏ بطول ١٦ مجمَّعا وعرض ٨ مجمَّعات.‏ ونحن نغطي المنطقة المعيَّنة لنا مرة او مرتين في الاسبوع.‏ ومع ان العديد من الناس الذين نكرز لهم هم غير مبالين،‏ لا يزال ممكنا الحصول على اختبارات جيدة والبدء ببعض دروس الكتاب المقدس.‏ وبسبب الموقع الوسطي لقاعة الملكوت،‏ يذهب معظم الناشرين الـ‍ ١٠٠ سيرا على الاقدام لحضور الاجتماعات».‏

ازدهار روح الفتح

مع رفع الحظر،‏ انفتح حقل نشاط واسع.‏ ففي العديد من المقاطعات،‏ كانت الحاجة شديدة الى منادين بالملكوت.‏

وقد أُرسل في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٨٣ عشرة أزواج ليفتحوا باب النشاط الكرازي بالخدمة مدة ثلاثة اشهر كفاتحين خصوصيين وقتيين في مناطق نادرا ما يغطيها شهود يهوه.‏ والازواج المختارون كانوا فاتحين قانونيين او اضافيين موصى بهم من نظار الدوائر،‏ هدفهم ان يشهدوا بشكل واسع بواسطة توزيع المطبوعات والمجاهدة للبدء بدروس في الكتاب المقدس.‏ وكان يجري الاعتناء بالاشخاص المهتمين اما بواسطة ناشرين من الجماعات القريبة او من خلال المراسلة.‏ وقد اسفرت هذه الحملة عن نتائج ممتازة.‏ فهنالك الآن جماعات في تسع من البلدات العشر التي خدم فيها أولئك الفاتحون.‏

كانت أرخنتينا دو ڠونزالِس واحدة من الفاتحين الخصوصيين الوقتيين.‏ وعندما عُيِّنت هي وزوجها ليخدما في بلدة إسكينا،‏ انتقلا الى هناك مع اولادهما الاربعة.‏ وكانت الاجتماعات تعقد ثلاث مرات في الاسبوع في احدى غرف النوم في بيتهما.‏ وعندما كانا يذهبان من بيت الى بيت،‏ كان الجميع تقريبا يستقبلونهما.‏ فكان صاحب البيت يسأل اولا من اين هما،‏ كم ولدا لديهما،‏ واين يقيمان.‏ تقول أرخنتينا:‏ «بعد ان نشبع فضولهم،‏ كانوا يظهرون استعدادا تاما للاصغاء الى رسالتنا.‏ وقد استطعت الابتداء بسبعة دروس في الكتاب المقدس.‏ وأحد هذه الدروس كان مع امرأة وأولادها الأربعة.‏ وقد ابتدأوا فورا بحضور الاجتماعات ولم يفوِّتوا واحدا قط.‏ وفي مجرد بضعة اشهر اعتمدت الام وابنتها،‏ التي اصبحت لاحقا فاتحة.‏ ويفرحني انهم لا يزالون جميعا امناء في خدمة يهوه».‏

مكتفون مهما كانت الظروف

كان البعض من الذين يملكون روح الفتح مستعدين للتكيُّف مع قساوة الطقس،‏ العزلة،‏ والظروف المعيشية البدائية.‏ فعندما أُرسل هوسّيه وإستِلا فورته كفاتحين خصوصيين الى ريو توربِيو في مقاطعة سانتا كروز،‏ لم يكن هنالك شهود آخرون او تلاميذ للكتاب المقدس في المنطقة.‏ واضافة الى هذا التحدي،‏ تقع ريو توربِيو في اقصى جنوب الارجنتين حيث تهبط الحرارة في اغلب الاحيان الى ١٨ درجة مئوية تحت الصفر.‏

كان الزوجان فورته يسكنان غرفة صغيرة في بيت يملكه أقرباء بعض الشهود،‏ وكانا يسافران مسافة ٣٠٠ كيلومتر ليصلا الى اقرب جماعة في مدينة ريو ڠاليڠوس.‏ وفي طريق العودة من اجتماع في احدى المرات،‏ حمِي محرك السيارة بسبب تسرب الماء من المبرِّد فيما كانا في طريق مقفرة.‏ واذ كانت حرارة الجو منخفضة على نحو خطر،‏ ابتدأا باختبار ما يسميه السكان المحليون إِلسوِنيو بلانڠكو،‏ نعاس شديد يؤدي الى الموت.‏ فصلّيا الى يهوه لكي يساعدهما على البقاء مستيقظَين.‏ وكم كانا شاكرَين عندما وصلا الى مزرعة قريبة لتربية الماشية حيث تمكنا من تدفئة انفسهما وتعبئة المبرِّد!‏

في البداية،‏ ركَّز الاخ والاخت فورته كرازتهما في المنطقة ذات الكثافة السكانية الاكبر وسرعان ما اصبح لديهما اكثر من ٣٠ درسا تقدميا في الكتاب المقدس.‏ وخلال وقت قصير،‏ شُكِّل فريق في البلدة.‏ ثم بُذلت الجهود للاتصال بالناس في الجبال والمناطق الريفية.‏ فمرة كل سنة،‏ كان هوسّيه يقوم برحلة تبشيرية لمدة ستة او سبعة ايام على صهوة الجواد.‏ وفي احدى المناسبات،‏ وصل هوسّيه ورفيقه الى مزرعة لتربية الماشية حيث التقيا امرأة لديها كلب حراسة عدائي.‏ وعندما قدَّما انفسهما كشاهدين ليهوه،‏ نظرت اليهما المرأة وانفجرت بالضحك قائلة:‏ «لا تقولا انكما تكرزان هنا ايضا!‏».‏ واذ سألا عن سبب رد فعلها شرحت لهما انها كانت تقيم بالقرب من بيت ايل في بونس إيريس،‏ وأضافت:‏ «لم أتخيل قط ان شهود يهوه سيصلون الى مكان ناء كهذا،‏ وملابسهم كملابس الڠوتشو ايضا».‏ ثم دعتهما المرأة الى تناول الطعام،‏ وجرت بينهم مناقشة حيوية من الكتاب المقدس.‏ ان الجهود المستمرة التي بذلها الزوجان فورته انتجت ثمرا،‏ فهنالك الآن جماعة مزدهرة مؤلفة من ٣١ ناشرا في ريو توربِيو.‏

قاعة ملكوت عائمة

دفع التصميم على الاستفادة من الوقت المؤاتي للكرازة البعضَ الى قبول تحدي الشهادة لسكان الجزر في منطقة دلتا نهر پارانا بالقرب من بونس إيريس.‏ وليست الشهادة في الدلتا مشروعا سهلا بسبب المسافة بين الجزر،‏ نوع وسائل النقل المتوفرة،‏ والطقس المتقلب.‏ واستعمال قوارب خاصة للرحلة مكلف جدا،‏ ويمكن ان يكون خطرا.‏ ومع ذلك اثمرت المواظبة.‏ فبحلول سنة ١٩٨٢ شُكِّل فريق منعزل كجزء من جماعة تيڠره.‏

لخفض التكاليف،‏ بنى ألِهاندرو ڠاستالديني،‏ اخ من جماعة تيڠره،‏ إلكارپِنتشو‏،‏ قارب طوله ٧ امتار من الپلاستيك الخفيف بمحرك يعمل على الپْروپان.‏ وفي نفس الوقت تقريبا،‏ قدَّم رامون أنتونِس وعائلته من بونس إيريس مركبهم الشراعي لدعم مصالح الملكوت في الدلتا.‏ كان هؤلاء الاخوة الغيورون حماسيين في أخذ القيادة،‏ داعين الناشرين من الجماعات الاخرى الى دعمهم في الخدمة في نهايات الاسابيع.‏ وابتدأت الدروس تزهر وتثمر اذ قبلت الحق عائلات بكاملها.‏

كان عدد الذين يملكون قوارب من سكان هذه الجزر ضئيلا ووسائل النقل العامة قليلة،‏ وهذا ما جعل معظم المهتمين يجدون صعوبة في حضور الاجتماعات.‏ لذلك ساعد الاخوة بعضهم بعضا على الاجتماع معا وتقوية واحدهم الآخر روحيا.‏ مثلا،‏ لكي يكون بامكان الجميع حضور الذكرى،‏ رُتِّب ان يمر قارب بالمهتمين والشهود المعتمدين فيجتمعون على متنه من اجل احياء الذكرى.‏

ولاحقا،‏ عُيِّن كارلوس بُوستوس،‏ آنا زوجته،‏ ومارِيانا ابنته فاتحين في منطقة الدلتا.‏ وقدم الفرع المساعدة بواسطة شراء زورق بمحرِّك سمِّي پرايكُورسور ١،‏ مجهَّز بمطبخ،‏ حمّام،‏ ومكان للنوم يتَّسع لثلاثة اشخاص.‏ وقد سُمِّي سرير مارِيانا الموجود في مؤخر الزورق إلساركوفاڠو لأنه كان ضيقا الى حد انه يشبه التابوت!‏

يعيش حاليا ٢٠ شاهدا في منطقة الدلتا،‏ خادمين يهوه كجزء من جماعة تيڠره.‏ ومعظم الاخوة يملكون الآن قواربهم الخاصة وهم بالتالي مجهَّزون على نحو افضل للاهتمام بمسؤولياتهم الثيوقراطية.‏ ومع ذلك،‏ بدا بناء قاعة ملكوت خاصة بهم حلما لا يمكن ان يتحقق.‏ لماذا؟‏

ان الاراضي الصالحة للبناء باهظة الثمن،‏ بسبب الفيضانات المستمرة التي تتعرض لها المنطقة.‏ وبالنسبة الى فريق صغير بموارد مالية محدودة،‏ بدت هذه عقبة لا يمكن تخطيها.‏ ولكن،‏ في حين كانت الارض اليابسة نادرة،‏ كانت هنالك وفرة من المياه.‏ فلماذا لا تُبنى قاعة ملكوت عائمة؟‏ تولى الفرع القيادة في بناء قاعة ملكوت من هذا النوع،‏ وقد أُكملت في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٩٩.‏ والآن،‏ يتناوب شيوخ من جماعة تيڠره على زيارة قاعة الملكوت لادارة اجتماعات الفريق الاسبوعية.‏

الوصول الى السكان الكوريين

لا يحاول شهود يهوه في الارجنتين الوصول الى الناس في مختلف المناطق الجغرافية فحسب بل يبذلون الجهود ايضا ليكرزوا للناس من مختلف القوميات.‏ قبل فرض الحظر الثاني،‏ هاجر اخ كوري،‏ يُدعى هوانڠ يونڠ كيووِن،‏ مع عائلته الى الارجنتين سنة ١٩٧١ وابتدأوا يعاشرون جماعة ناطقة باللغة الاسپانية.‏ وقد ادَّى ازدهار عمل التلمذة بين الكوريين وهجرة المزيد من الشهود من كوريا الى الارجنتين الى تشكيل فريق كوري في مورون،‏ في مقاطعة بونس إيريس.‏ وسرعان ما صاروا يعقدون الاجتماعات الخمسة جميعها كل اسبوع،‏ مما ادَّى الى تأسيس اول جماعة كورية في الارجنتين سنة ١٩٧٥.‏ وفي السنة التالية،‏ دشَّنوا اول قاعة ملكوت وكرَّسوها ليهوه.‏

قُسِّمت الجماعة الكورية خلال الحظر الى فرق اصغر.‏ وبسبب توق الاخوة الكوريين الى الاجتماع معا كجماعة،‏ رُتِّب ان يجتمعوا مرة في الشهر في حديقة عامة من اجل الخطاب العام ودرس برج المراقبة.‏ وبما ان رجال الشرطة لا يفهمون اللغة الكورية،‏ فلم تكن لديهم ادنى فكرة عن الطبيعة الدينية للاجتماعات!‏

بعد رفع الحظر،‏ شهد الحقل الكوري ازديادا مستمرا.‏ ونظرا الى تفرق الكوريين في كل انحاء البلد،‏ غالبا ما تطلبت الكرازة لهم السفر مئات الكيلومترات بحثا عن المستحقين.‏ وكان الشهود الكوريون يسافرون مرتين او ثلاث مرات في السنة الى مقاطعات بعيدة بحثا عن تجّار كوريين.‏ وقد بارك يهوه اجتهادهم.‏ فاليوم هنالك معدل من ٢٨٨ ناشرا كوريا في اربع جماعات يكرزون بالكلمة بغيرة.‏

حتى الآونة الاخيرة،‏ كان يزور الجماعات الكورية ناظر دائرة يتكلم الاسپانية ويحتاج الى مترجم من اجل الاجتماعات،‏ خدمة الحقل،‏ والزيارات الرعائية.‏ ولكن في السنة ١٩٩٧،‏ عُيِّن ستيڤن وجُون لي (‏إي سانڠ هُو وكيم يون كيونڠ)‏،‏ متخرجان من الصف الـ‍ ١٠٢ لجلعاد،‏ ليخدما الجماعات الكورية في الارجنتين،‏ الپاراڠواي،‏ والبرازيل.‏ وقد استفاد الاخوة كثيرا من زيارات الاخ والاخت لي لانهما من اصل كوري ويتكلمان اللغة بطلاقة.‏ وكانوا جميعا شاكرين جدا على هذا الترتيب الحبّي من الهنا العديم المحاباة،‏ يهوه.‏ —‏ اعمال ١٠:‏٣٤،‏ ٣٥‏.‏

ويلزم ان يتكيَّف الاخ والاخت لي باستمرار مع المناخ،‏ الماء،‏ والطعام في البلدان الثلاثة.‏ ففي فترة ستة اشهر،‏ يقيمان في الارجنتين ثلاثة اشهر،‏ في البرازيل شهرين،‏ وفي الپاراڠواي شهرا واحدا.‏ ومع انهما يخدمان الجماعات الكورية،‏ يلزمهما ايضا ان يتكلما اللغات المحلية.‏ فبالاضافة الى تكلم الپرتغالية في البرازيل،‏ على الاخ والاخت لي ان يكونا ملمَّين بلهجتين اسپانيتين مختلفتين.‏ ومع ذلك،‏ هما يتمتعان بالخدمة في هذه الدائرة الدولية.‏ وبعد سنتين،‏ ازداد عدد الفاتحين في الدائرة من ١٠ الى ٦٠!‏

الصمّ يسبحون يهوه

ظهر في سبعينات الـ‍ ١٩٠٠ فريق آخر ذو حاجات خصوصية عندما ابتدأ اشخاص صمّ بحضور اجتماعات الجماعة.‏ فكي يستفيد مثل هؤلاء من الاجتماعات،‏ لزم مترجمون يجيدون لغة الاشارات.‏ وبحلول سنة ١٩٧٩ كان هنالك فريق يجتمع في منزل كوكو وكوكا يانزون،‏ زوجان اصمّان يعيشان في بيلادِڤوتو في بونس إيريس.‏ وكانت هذه مجرد بداية.‏

استمر عدد الصمّ الذين كانوا يقبلون الحق في الازدياد خلال الحظر وكذلك في ثمانينات وتسعينات الـ‍ ١٩٠٠.‏ ففي ثمانينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ عُيِّن اخوة واخوات صمّ مع مترجمين لهم في بعض الجماعات في بونس إيريس الكبرى.‏ وكان البرنامج بكامله يُترجم للصّم،‏ مما يمكِّنهم من الاستفادة من الاجتماعات.‏

ولكن،‏ كان الصمّ يتوقون الى المساهمة اكثر في الجماعة.‏ فقرر الفرع سنة ١٩٩٢ ان يجمعهم هم والمترجمين في جماعة واحدة تستعمل لغة الاشارات.‏ وبهذه الطريقة،‏ ابتدأ الناشرون الصّم بالاشتراك بفعالية في التعليم،‏ التعليق،‏ والكرازة بلغتهم الخاصة.‏

تقول سيلڤيا موري،‏ اخت صماء وأم متوحِّدة:‏ «كانت جماعة لغة الاشارات استجابة لصلواتي،‏ وأنا اشعر بسعادة غامرة بسبب ازدياد معاشرتي لاخوة واخوات صمّ.‏ ففي السابق،‏ كنا مقسَّمين بين جماعات مختلفة يستطيع ناشروها ان يسمعوا وكنا نرى واحدنا الآخر مرة واحدة فقط في الاسبوع».‏

تقول إلبا باساني،‏ اخت صماء اخرى:‏ «عندما لم تكن هنالك جماعة بلغة الاشارات،‏ كنت أميل الى التثبط،‏ اما الآن فأنا سعيدة جدا لانني استطيع ان اكون فاتحة اضافية،‏ ان ابقى مشغولة بخدمة يهوه،‏ وأن اعاشر اكثر اخوتي الروحيين.‏ أنا شاكرة جدا ليهوه».‏

بما ان لغة الاشارات هي وسيلة مرئية للاتصال،‏ فإن كاسيتات الڤيديو التي تصدرها الجمعية فعالة بشكل خصوصي.‏ وكاسيت الڤيديو شهود يهوه —‏ الهيئة وراء الاسم متوفر الآن بلغة الاشارات الارجنتينية.‏ واضافة الى ذلك،‏ تُعَدّ نسخ من كراسة ماذا يطلب اللّٰه منا؟‏ ومطبوعات اخرى على كاسيتات ڤيديو.‏ وهنالك الآن اربع جماعات بلغة الاشارات في انحاء الارجنتين،‏ بمجموع ناشرين يبلغ ٢٠٠،‏ بينهم ٣٨ اخا اصمّ يخدمون كشيوخ وخدام مساعدين.‏

مساعدة للناطقين بالانكليزية

قرابة نهاية السنة ١٩٩٣،‏ بدأت شركات من الخارج تعمل في الارجنتين.‏ وبعض المستخدمين الذين أُرسلوا الى الارجنتين كانوا شهودا معتمدين لا يتكلمون الاسپانية جيدا ولكنهم يستطيعون فهم الانكليزية.‏ فشُكِّلت اول جماعة ناطقة بالانكليزية في البلد في بونس إيريس للاهتمام بالحاجات الروحية لهؤلاء الشهود ولتغطية الحقل الناطق بالانكليزية الذي ينمو بسرعة.‏ وبعض الارجنتينيين الذين كانوا قد تعلَّموا الانكليزية تطوعوا لدعم الجماعة الجديدة.‏

منذ تأسيس هذه الجماعة في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٩٤،‏ اعتمد عشرة أشخاص.‏ ويستطيع كثيرون آخرون من الذين يقيمون مؤقتا في الارجنتين ان يتمتعوا ويستفيدوا من الاجتماعات التي تُعقَد بلغة يفهمونها.‏

شابة من الماپوتشي تفتح الباب

ان مساعدة «شتى الناس» ان «يبلغوا الى معرفة الحق معرفة دقيقة» تشمل الوصول الى محميات الهنود من السكان الاصليين.‏ (‏١ تيموثاوس ٢:‏٤‏)‏ في مقاطعة نوكين الجنوبية الغربية،‏ توجد محمية لهنود الماپوتشي حيث كان زعيم القبيلة يمنع دخول الشهود بسبب السلوك السابق لفرق دينية اخرى.‏ لكنَّ شابة من الماپوتشي تدعى پاتريسيا سابينا ڠوايْكيميل حصلت على بعض المطبوعات من امها كانت قد أُعطيت لها فيما كانت تعمل خارج المحمية.‏ فكتبت پاتريسيا الى الفرع طالبة المزيد من المعلومات.‏ فأرسلت مونيكا لوپِس،‏ الاخت التي عُيِّنت لترد على الرسالة،‏ الى پاتريسيا كتاب يمكنكم ان تحيوا الى الابد في الفردوس على الارض وشرحت ترتيب درس الكتاب المقدس.‏ فقبلت پاتريسيا،‏ وعقدتا الدرس بالمراسلة طوال سنة كاملة دون ان تلتقي احداهما بالاخرى.‏

وفي احد الايام طُرق باب بيت مونيكا.‏ وقد فرحت كثيرا لرؤية پاتريسيا،‏ التي أتت الى المدينة في سيارة اسعاف مع اختها التي كانت على وشك ان تلد.‏ وفي الوقت القصير الذي استطاعتا ان تقضياه معا،‏ أرتها مونيكا قاعة الملكوت وشرحت لها كيف تدار الاجتماعات ثم دعتها الى المجيء خلال زيارة ناظر الدائرة القادمة.‏

استمرت پاتريسيا،‏ بعد عودتها الى البيت،‏ باحراز تقدم رائع.‏ وفي صباح احد الايام،‏ كانت الآية اليومية تشدِّد على اهمية الكرازة،‏ فأسرجت فرسها وأخذت تشهد لجيرانها من الساعة السابعة صباحا حتى ساعات المساء الباكرة.‏ وقد فتح نشاط الشهادة الذي قامت به الطريق امام شهود يهوه ليكرزوا داخل المحمية.‏ اعتمدت پاتريسيا سنة ١٩٩٦ وهي تستمر في نشر ‹بشارة الخلاص› بين افراد المجتمع الهندي.‏ (‏مزمور ٩٦:‏٢‏)‏ ويزور الشهود قانونيا محميات هندية اخرى ايضا.‏

الحاجة الى قاعات ملكوت

اذ وسَّع شهود يهوه في الارجنتين عملهم الكرازي بحماس في الوقت المؤاتي بعد الحظر،‏ نشأت حاجة الى قاعات ملكوت ملائمة.‏ فبعض قاعات الملكوت كانت مبنية بطريقة غير صحيحة.‏ مثلا،‏ كانت جدران احدى القاعات في مقاطعة سانتياڠو دل استيرو الشمالية مصنوعة من الپلاستيك.‏ يروي لويس بِنيتِس،‏ الذي يعمل في مشاريع بناء قاعات الملكوت منذ سنوات عديدة:‏ «خلال رحلة الى فورموزا مع الاخ آيزنهاور،‏ وجدنا اخوة مجتمعين في بناء تعلو جدرانه ٢‏,١ مترا دون سقف او ابواب او نوافذ.‏ وقد وضع الاخوة الواحا خشبية على قطع من الآجر لكي يجلسوا عليها.‏ وعندما سألناهم ماذا يفعلون عندما تمطر،‏ اجابوا:‏ ‹البعض يحضرون مظلات،‏ والباقون يبتلّون›».‏

بعد رفع الحظر في السنة ١٩٨٠،‏ سرعان ما ادرك شيوخ الجماعة في تريلو،‏ في مقاطعة شوبوت،‏ انه لا يوجد لديهم مكان كبير الى حد كاف لاستيعاب العدد الكبير من الناس الآتين من اجل التعليم الروحي.‏ فطلبت اخت تعمل لدى عائلة تملك قاعة اجتماعات الاذن باستعمال القاعة من اجل عقد اجتماعات الجماعة.‏ وبعد ان أُذن لها،‏ اجتمعت الجماعة في القاعة دون اية نفقات مدة سبعة او ثمانية اشهر.‏ ثم استعملوا فترة من الوقت محلا للتنجيد يملكه احد الاخوة.‏ ولكن لم تكن الجماعة تستطيع استعمال المكان كل الوقت،‏ لذلك كان عليهم ان يرتِّبوا للاجتماع في فرق اصغر في بيوت الاخوة.‏ وكان واضحا انهم يحتاجون الى مكان دائم للاجتماع فيه.‏ فصمم اعضاء الجماعة على بناء اول قاعة ملكوت خاصة بهم.‏ وبعد خمس سنوات من البحث عن مكان للاجتماع،‏ اصبح اخيرا لدى شهود يهوه في تريلو قاعة ملكوت يكرسونها ليهوه.‏ ولكن سرعان ما جعل الازدياد ثانية في عدد الناشرين بناءَ قاعة ملكوت اخرى امرا ضروريا.‏

وفي كل انحاء البلد،‏ كان هنالك حاجة الى قاعات ملكوت.‏ وكان يجب فعل شيء لتجهيز ابنية ملائمة من اجل العبادة الحقة.‏

الفرع يهبُّ للمساعدة

استجابة لهذه الحاجة،‏ وضع الفرع برنامجا لبناء قاعات الملكوت.‏ وقد زوَّد ترتيب قروض لتمويل البناء ورسم التصاميم المعمارية باحتراف بحيث تكون القاعات مريحة،‏ عملية،‏ وبسيطة.‏ واضافة الى ذلك،‏ أُعطيت اقتراحات حول كيفية تنظيم عمل البناء.‏ وقد عُيِّن اخوة اكفاء لمنح المساعدة التقنية.‏ وبواسطة هذا البرنامج،‏ كانت قاعات الملكوت تبنى خلال شهرين،‏ ولاحقا،‏ في ٣٠ يوما فقط.‏

والجماعات في تريلو التي احتاجت الى قاعة ملكوت اخرى استفادت من برنامج البناء المبسَّط هذا.‏ فبعد ٦٠ يوما فقط من بدء عمل البناء،‏ كانوا يتمتعون بالاجتماع في قاعتهم الجديدة.‏ وقد قدّم ذلك شهادة عظيمة لسكان المدينة،‏ الذين رأوا قطعة ارض خالية كانت تلقى فيها النفايات تُزَيَّن فجأة بقاعة ملكوت جميلة.‏ كما تأثر البنَّاؤون في المنطقة الى حد انهم ارادوا ان يعمل الاخوة كمستخدَمين لديهم.‏

قاعات محافل للتجمعات الاكبر

في هذه الاثناء،‏ ادرك الاخوة الارجنتينيون الحاجة الى قاعات محافل تلائم التجمعات الاكبر.‏ وفي مدينة أوبِرا ضمن مقاطعة ميزيونس الشمالية،‏ تبرعت عائلة بقطعة ارض وصنع الاخوة المحليون سقفا واقيا دون جدران.‏ وعُقد محفل هناك سنة ١٩٨١ بحضور بلغ ٣٠٠ شخص.‏ وعلى قطعة الارض نفسها،‏ يرتفع اليوم مبنى اكثر ثباتا يتَّسع لـ‍ ٢٠٠‏,٢ من الحضور.‏

بعد ان سُجِّلت جمعية شهود يهوه سنة ١٩٨٤،‏ دُشِّنت قاعتا محافل وكُرِّستا ليهوه في منطقة بونس إيريس —‏ واحدة في موراينو سنة ١٩٨٦ والاخرى في لوماس دو سامورا سنة ١٩٨٨.‏ والقاعة الموجودة في لوماس دو سامورا كانت في الاصل مصنعا ومستودعا.‏ وفي ٩ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٨٥ حضر نحو ٥٠٠‏,١ متطوِّع للبدء بمشروع يستغرق ١٨ يوما من العمل الشاق دون انقطاع.‏ فنظفوا المبنى وحوَّلوا جزءا من المصنع الى قاعة محاضرات تتسع بسهولة لـ‍ ٥٠٠‏,١ شخص.‏ وقد عمل البعض طوال الليل لجعل القاعة جاهزة للمحفل الاول،‏ الذي عُقد في ٢٧ تموز ١٩٨٥.‏ واليوم،‏ هنالك اربع قاعات محافل،‏ منها تلك التي دُشِّنت سنة ١٩٩٣ في قُرطبة.‏

اين يمكن عقد المحافل الكورية؟‏

بسبب النمو المستمر،‏ اصبح من الصعب اكثر فاكثر استئجار تسهيلات ملائمة من اجل المحافل الكورية.‏ فكلفة استئجار قاعة محاضرات كانت باهظة،‏ وفي اغلب الاحيان لم يكن مجلس الادارة يحترم بنود الاتفاقية.‏ وكان نقل وجمع الاجهزة الصوتية والتجهيزات الضرورية الاخرى مزعجا وغير فعال.‏ اضافة الى ذلك،‏ في المدرَّجات الكبيرة المكشوفة،‏ كان الحضور معرضا لاحوال الطقس،‏ مما يصعِّب الاستفادة كاملا من البرنامج.‏

لحل هذه المشاكل،‏ اشتُريت ارض في كانيوالز،‏ منطقة ريفية في جنوب غرب العاصمة،‏ لتُبنى فيها قاعة محافل تُستعمل من اجل المحافل الكورية وغيرها.‏ هذا بالاضافة الى قاعات المحافل الاربع المستعملة في البلد.‏

واصبحت قاعة المحافل الفسيحة هذه ذات الـ‍ ٤٠٠‏,٩ مقعد جاهزة من اجل المحفل الكوري الاول في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٥،‏ بعد بدء المشروع بأقل من ستة اشهر.‏ (‏يوئيل ٢:‏٢٦،‏ ٢٧‏)‏ ثم دُشِّنت وكُرِّست ليهوه في آذار (‏مارس)‏ ١٩٩٧.‏ وقد القى خطاب التدشين الحماسي كاري باربر من الهيئة الحاكمة،‏ واشترك في اليوم التالي ايضا في اجتماع خصوصي عُقد في مدرَّج ريو دي لا پلاتا الكبير.‏ كان يحتشد في المدرَّج ٨٠٠‏,٧١ من الاخوة الآتين من كل انحاء البلد،‏ منهم فريق اجتاز ٠٠٠‏,٣ كيلومتر من پاتاڠونيا.‏

تسهيلات الفرع الجديدة

في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٨٤،‏ وصل عدد المنادين بالملكوت الى ذروة جديدة من ٩٦٢‏,٥١ ناشرا.‏ وقد تطلبت هذه الزيادة مطبوعات اكثر،‏ وبالتالي مطابع اكبر.‏ ولسدّ الحاجة،‏ اشتُري مجمَّع مبانٍ في ١٥٥١ شارع كالداس في بونس إيريس وجُدِّد لتوسيع المصنع والمكاتب.‏ واشترى الفرع ايضا معملا مهجورا للخزف يقع في ٣٨٥٠ جادة إلكانو،‏ بونس إيريس،‏ وهدمه ثم بنى مكانه مجمَّعا سكنيا جديدا وجميلا.‏

اشترك في مشروع البناء هذا ما مجموعه ٦٤٠ عاملا كامل الوقت،‏ بمن فيهم ٢٥٩ عاملا من برنامج البناء الاممي.‏ كما اتى مئات آخرون لمد يد المساعدة في نهايات الاسابيع.‏ وهذا التجمع في موقع البناء لحوالي ٢٠٠ متطوع من وراء البحار ادّى الى امور طريفة.‏ فقد ملأ احد الاخوة نموذجا يطلب فيه ١٢ پالوموس (‏حمامة)‏ بيضاء اللون.‏ فتحيَّر ناظر قسم المشتريات لماذا طُلبت هذه الطيور.‏ ولكن تبين في ما بعد ان الاخ كان يطلب ١٢ پوموس (‏انبوبا)‏ من الطلاء الابيض!‏

اثناء العمل في المشروع،‏ كانت الارجنتين تعاني من تضخم جامح.‏ وفي بعض الاحيان،‏ كان ثمن مواد البناء يرتفع ثلاثة اضعاف في اليوم،‏ مما شكل تحديا للمسؤولين عن المشتريات.‏ ولكن في تلك الفترة،‏ لم يحصل قط ان نسي الاخوة الذين يعملون في موقع البناء العملَ الاكثر اهمية،‏ أي الكرازة بالكلمة.‏ فقد كان احد المورِّدين يرسل مندوبي الشركة في اغلب الاحيان الى موقع العمل؛‏ وفي كل مرة،‏ كانوا ينالون شهادة شاملة الى جانب طلبات المواد.‏ وقد وُزِّع ما مجموعه ٢٠ مجلة وخمسة كتب على الموظفين،‏ وعُرضت نسخ من المجلات في مكتب صاحب الشركة.‏

وكان البناء بحدّ ذاته يقدِّم شهادة.‏ فقد استعمل الاخوة طريقة التشييد القلّاب.‏ وتتألف هذه الطريقة من صبّ الواح جدرانية من الاسمنت المسلَّح بالفولاذ في موقع البناء ثم رفعها بواسطة رافعة لوضعها في مكانها.‏ كانت تقنية البناء هذه غير عادية وقد لفتت انتباه البنائين المحليين.‏ وفي أيام السبت صباحا،‏ كان تلاميذ من معهد الهندسة المعمارية يأتون لمراقبة العمل وإجراء جولة في الموقع.‏

وفي تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٠،‏ دُشِّن هذا المجمَّع الجميل وكُرِّس لخدمة يهوه.‏ وقد ألقى ثيودور جارس من الهيئة الحاكمة خطاب تدشين شيِّقا كان مؤسسا على اشعياء ٢:‏٢-‏٤‏.‏ وقد حضر هذه المناسبة المفرحة كثيرون ممن شاركوا في غرس بذور الحق الاولى في الارجنتين،‏ بالاضافة الى ضيوف من فروع اخرى.‏

المزيد من التوسع

لم يمضِ وقت طويل على تدشين تسهيلات الفرع الجديدة حتى بدأ العمل على توسيع اضافي لمجمَّع المصنع في شارع كالداس.‏ ففي قطعة ارض مجاورة،‏ شُيِّد مبنى من ثلاث طبقات بالاضافة الى طبقة سفلية،‏ وكان سيُستخدَم كمستودع للمطبوعات.‏ وقد انهى المشروع فريق تألف من ٢٥ متطوعا في غضون ثمانية اشهر.‏

تماما عندما نشأت الحاجة الى مساحة اكبر من اجل المكاتب،‏ عُرض للبيع مبنى يفصله مجمَّع واحد عن مسكن بيت ايل.‏ وبما ان المسؤولين في المدينة كانوا يصعِّبون اكثر فأكثر اعطاء رخص البناء،‏ فقد كان شراء مبنى مشيَّد خيارا جيدا.‏ ومع ان عمر المبنى اكثر من ٣٠ سنة،‏ فإن المواد المستخدمة في بنائه كانت ذات نوعية جيدة:‏ من الداخل خشب صلد ومن الخارج رخام.‏ وبعد الحصول عليه وتجديده،‏ اصبح مقرًّا للمكاتب الادارية ولدوائر المشتريات،‏ الخدمة،‏ البناء،‏ والحسابات.‏ وقد دُشِّن سنة ١٩٩٧،‏ وتزامن ذلك مع تدشين قاعة محافل كانيوالز.‏

مساعدة بلد مجاور

خلال الحظر،‏ ساعد شهود يهوه في بلدان مجاورة،‏ مثل البرازيل وأورڠواي،‏ الاخوة في الارجنتين على نيل الطعام الروحي.‏ والآن،‏ يسدّ فرع الارجنتين حاجة تشيلي المجاورة.‏ ومنذ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٨٧،‏ تُرسَل المجلات الى تشيلي،‏ في بادئ الامر بواسطة مصلحة تجارية عامة،‏ ومنذ سنة ١٩٩٢ في شاحنات الجمعية.‏

تتطلب الرحلة الى تشيلي عبور سلسلة جبال الأنديز التي يبلغ ارتفاعها ١٠٠‏,٣ متر.‏ وتَلزم السائق مهارة فائقة لاقتياد شاحنته عبر الجبال المكللة بالثلوج،‏ سالكا طريقا متلويا يشمل في احد اجزائه ٣١ منعطفا حادّا ومخفيّا.‏ لكنَّ الامر يستحق عناء الرحلة الطويلة،‏ لأن الاخوة في تشيلي يحصلون على مجلاتهم في الوقت المناسب.‏

الطباعة بأربعة الوان تزيد من رونق المجلات

اذ اصبح العالم ميالا اكثر الى المطبوعات المصوَّرة،‏ فكرت الجمعية في طباعة برج المراقبة و استيقظ!‏ بالالوان الطبيعية.‏ وكان الغرض انتاج مجلات جذابة ولكن بكلفة معقولة.‏ فأرسلت جمعية برج المراقبة في الولايات المتحدة الى فرع الارجنتين مطبعة أوفست بشريط ورق ماركة هاريس وهي مجدَّدة وتطبع بأربعة الوان.‏ ولزم تفكيك قطع المطبعة،‏ توضيبها،‏ وشحنها من والكيل في نيويورك.‏ وعندما وصلت الشحنة النفيسة الى بونس إيريس في ١٠ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٨٩،‏ لزم اعادة تجميع القطع.‏ فسافر الى الارجنتين اخوة ذوو خبرة من المركز الرئيسي العالمي لكي يشرفوا على العمل ويدربوا العمال الذين سيشغّلون المطبعة.‏

ازداد توزيع المجلات كثيرا بعد ان اصبحت تُطبَع بأربعة الوان.‏ ولإيضاح ذلك:‏ في السنة ١٩٩١،‏ اي السنة التي تلت بدء الطباعة بأربعة الوان،‏ ازداد توزيع المجلات حوالي مليون نسخة،‏ من ٥٠٤‏,٢٨٤‏,٦ الى ٩٥٥‏,٢٤٨‏,٧!‏

المحافل الاممية تشجيع متبادَل

بعد ان انقضت سنوات طِوال على فرض الحظر في الارجنتين،‏ اصبح الشهود هناك في غاية الشوق الى استضافة محفل اممي آخر.‏ وأخيرا،‏ في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٩٠،‏ تمكنوا من استقبال حوالي ٠٠٠‏,٦ مندوب اجنبي من بلدان يزيد عددها على الـ‍ ٢٠.‏ وقد اتوا الى بونس إيريس لحضور محفل «اللغة النقية» الاممي.‏ وحضر المحفل ايضا جون بار ولايْمَن سْوينڠل من الهيئة الحاكمة وألقيا خطابات مشجعة.‏ وقُدِّم البرنامج الذي دام اربعة ايام في مدرَّجَي ريڤر پلايت وڤِيْلِز سارسفيلد،‏ بحضور تجاوز الـ‍ ٠٠٠‏,٦٧ شخص.‏

ورغم ان المندوبين متحدون في العبادة،‏ فقد كان اختلافهم الحضاري جليًّا بشكل مثير.‏ فلوحظت الاخوات الاسپانيات بزيهنّ الوطني الجميل،‏ والنساء اليابانيات بالكيمونو التقليدي،‏ والمندوبون المكسيكيون ببدلاتهم السوداء وقبعاتهم العريضة الحافة.‏

وعندما انتهى المحفل،‏ لم يرد اي من الحضور ان ينصرف.‏ وبدأ الاخوة من فرق قومية مختلفة ينشدون تلقائيا ترانيم الملكوت بلغاتهم الخاصة،‏ ملوحين بمناديلهم.‏ واستمر ذلك حوالي ساعة عاد بعدها الاخوة اخيرا الى بيوتهم.‏ ذكر مصوِّر صحفي:‏ «لم يحدث ذلك قط في الارجنتين .‏ .‏ .‏ عاطفة كهذه وحرارة كهذه!‏».‏

وما كان اشدّ فرح الاخوة في الارجنتين عندما دُعوا الى حضور محفل اممي في بلد آخر!‏ حدث ذلك سنة ١٩٩٣.‏ وكانت وجهة السفر سانتياڠو في تشيلي.‏ فسافر اكثر من الف شخص من الارجنتين ليحضروا المحفل.‏ وقد أقلَّهم ١٤ باصا مستأجَرا في رحلة الـ‍ ٤٠٠‏,١ كيلومتر هذه من بونس إيريس الى سانتياڠو.‏ ومع ان المندوبين تمتعوا بالمناظر الخلابة وهم يجتازون جبال الأنديز طوال الرحلة التي استغرقت ٢٦ ساعة،‏ إلا انها لا توازي فرح اتحادهم بحوالي ٠٠٠‏,٨٠ من الرفقاء المسيحيين الذين اتوا من ٢٤ بلدا ليحضروا الايام الاربعة لمحفل «التعليم الالهي» الاممي.‏

ولاحقا،‏ سنة ١٩٩٨،‏ دُعي فرع الارجنتين ان يرسل مندوبين الى سان پاولو في البرازيل وسان دياڠو في كاليفورنيا ليحضروا محافل ‏«طريق اللّٰه للحياة» الاممية.‏ كانت سارا بوخدود،‏ فاتحة خصوصية منذ وقت طويل،‏ بين اكثر من ٤٠٠ مندوب من الارجنتين تمتعوا بالمحفل في سان دياڠو.‏ وهي تعلِّق:‏ «كان ترتيب الهيئة الحاكمة ان نقيم في بيوت الاخوة حبّيا جدا.‏ فقد اعطانا لمحة الى الحياة في العالم الجديد حين تكون الحواجز العرقية واللغوية قد زالت».‏

‏«لسان المتعلمين»‏

نتيجة كرازة الاخوة الغيورة بالاضافة الى البرامج الروحية،‏ بما فيها المحافل الاممية،‏ تجاوب كثيرون مع الحق وانضموا الى صفوف الناشرين المتزايدة.‏ وبحلول السنة ١٩٩٢،‏ بلغت الذروة ٧٨٠‏,٩٦ ناشرا.‏ فقد تضاعف عدد الشهود منذ ان تسجَّلوا شرعيا سنة ١٩٨٤.‏

وهكذا اصبحت الحاجة الى المزيد من الرعاة للاهتمام برعية يهوه من الخراف المتكاثرة امرا واضحا.‏ (‏اشعياء ٣٢:‏١،‏ ٢؛‏ يوحنا ٢١:‏١٦‏)‏ فزوَّد يهوه برنامجا لتدريب الشيوخ والخدام المساعدين العزاب على الاعتناء بالجماعات —‏ مدرسة تدريب الخدام.‏ وفي السنة ١٩٨٧،‏ ابتدأت هذه المدرسة في الولايات المتحدة،‏ وافتُتحت مثيلتها في الارجنتين في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٩٢.‏ وغدا مجمَّع بيت ايل القديم المكان المثالي لعقد المدرسة.‏

ان التلاميذ الـ‍ ٣٧٥،‏ بمن فيهم ٩١ من بلدان مجاورة،‏ اظهروا تقديرا استثنائيا لهذا الامتياز.‏ فقد كان تحديا لهم ان يحصلوا على عطلة شهرين من عملهم الدنيوي لحضور مدرسة تدريب الخدام.‏ وتخلى البعض عن عملهم او حتى خسروه.‏ لكنَّ يهوه يعتني بالذين يضعون مصالح الملكوت اولا في حياتهم.‏ فقد بورك كثيرون بوظائف اجرها مرتفع اكثر وبشروط افضل من قبل.‏ —‏ متى ٦:‏٣٣‏.‏

كان أوڠو كارينيو يعمل في مصرف عندما دُعي الى الصف الاول.‏ وكان راتبه جيدا ودوام العمل يسمح له بأن يخدم كفاتح.‏ فصلّى بحرارة الى يهوه واقترب من رب عمله،‏ ولكن قيل له ان الحصول على اذن بالتغيب لحضور المدرسة امر مستحيل.‏ فقال أوڠو:‏ «انا مضطر حقا الى الذهاب،‏ ولكنني سأكون شاكرا لك اذا حفظت لي وظيفتي ريثما انهي المنهج».‏

وبعد ان درس مجلس الادارة المسألة،‏ مُنح الاخ الاذن بالتغيب.‏ ولكن عند التخرج،‏ عُيِّن أوڠو فاتحا خصوصيا،‏ مما يعني ان يقضي شهريا ١٤٠ ساعة في الخدمة.‏ فصلّى أوڠو صلاة حارة قبل ان يُعلِم رب عمله انه سيتخلى عن الوظيفة.‏ ولكن ماذا كان رد فعل رب العمل؟‏ «نحن آسفون لخسارتك،‏ ولكن نتمنى لك النجاح في مسعاك الجديد».‏ قال أوڠو الذي يخدم الآن كناظر جائل:‏ «لمست مرارا وتكرارا ان يهوه يدعمنا عندما نختار ان نضع خدمته اولا في حياتنا».‏

ان هؤلاء المتخرجين يبنون الجماعات التي عُيِّنوا فيها ويشهدون على صدق كلمات يسوع:‏ «الحكمة تتبرر بأعمالها».‏ (‏متى ١١:‏١٩‏)‏ وقد تحسنت نوعية الاجتماعات،‏ مما ادى الى زيادة في عدد الحضور.‏ وإذ يستخدم الاخوة التدريب الذي نالوه فيما يرعون رعية اللّٰه،‏ يسعون ان يميزوا ‹كيف يغيثون المعيي بكلمة›.‏ (‏اشعياء ٥٠:‏٤‏)‏ والآن،‏ يخدم بعض المتخرجين كنظار دوائر وكثيرون غيرهم كنظار دوائر بدلاء.‏

العون ‹للامتناع على الدوام عن الدم›‏

مع ازدياد عدد الناشرين ازداد ايضا عدد الشهود الذين يحتاجون الى العناية الطبية.‏ ولأنهم يسعون الى العيش وفق وصية الكتاب المقدس «ان تمتنعوا على الدوام .‏ .‏ .‏ عن الدم»،‏ تبين انه من العملي تزويد شبكة من خدمات الدعم بهدف مساعدتهم.‏ —‏ اعمال ١٥:‏٢٩‏.‏

عارض المجتمع الطبي الامتناع عن اجراءات نقل الدم ظنًّا منهم انه ضروري احيانا.‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ اجاز معظم القضاة بكل سهولة ارغام المرضى الشهود على نقل الدم.‏ وفي احدى الحالات،‏ امر احد القضاة بنقل دم الى مريض يحمل وثيقة قانونية شرعية تعبر عن رفضه نقل الدم اليه في ايّ ظرف كان.‏

في شباط (‏فبراير)‏ ١٩٩١،‏ عُقدت في بونس إيريس حلقة دراسية اممية لإطلاق برنامج لجنة الاتصال بالمستشفيات.‏ وقد خدم ثلاثة اخوة من خدمات معلومات المستشفيات في بروكلين كمدرِّسين لـ‍ ٢٣٠ أخا من الارجنتين،‏ اورڠواي،‏ پاراڠواي،‏ بوليڤيا،‏ وتشيلي.‏ وقد تعلم الحضور في الحلقة الدراسية كيف يدركون حاجات المرضى الشهود وكيف يساعدون الاطباء من خلال المعلومات عن العلاج دون دم.‏

واليوم،‏ هنالك ١٧ لجنة اتصال بالمستشفيات مؤلفة من ٩٨ شيخا يخدمون بنشاط في المدن الرئيسية في كل انحاء الارجنتين،‏ مانحين المعلومات البالغة الاهمية للمجتمع الطبي ومزوِّدين شهود يهوه بالدعم الحبي.‏ ويكمل عملَهم المئاتُ من الشيوخ المضحين بالذات الآخرين الذين يشكلون فرقا لزيارة الشهود المرضى بهدف مساعدتهم وتشجيعهم.‏ وفي الوقت الحاضر،‏ هنالك في الارجنتين حوالي ٦٠٠‏,٣ طبيب يساهمون طوعا في معالجة شهود يهوه دون دم.‏

عمل الاغاثة بدافع المحبة

طبعا،‏ ليست الارجنتين مستثناة من الكوارث الطبيعية.‏ فماذا يفعل شهود يهوه خلال هذه المحن؟‏ في ٢٣ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٧٧،‏ ضرب زلزال بقوة ٤‏,٧ درجات على مقياس ريختر كامل الوسط الغربي للارجنتين مسببا اضرارا جسيمة.‏ ومع ان عمل شهود يهوه كان محظورا آنذاك،‏ إلا ان الاخوة نظموا فورا عمل الاغاثة.‏ وبدافع المحبة،‏ شارك في العمل شهود من المناطق المجاورة،‏ رغم الصعوبات التي شملها ذلك.‏ —‏ ١ تسالونيكي ٤:‏٩‏.‏

يوم ضربت الكارثة،‏ توجه شهود من مقاطعتَي مَنْدوزا وسان لويس المجاورتين للمنطقة المنكوبة مستخدمين كل انواع وسائل النقل التي يمكن تصورها.‏ وبسبب الشقوق الكبيرة التي سببها الزلزال،‏ اقفلت السلطات كل الطرقات تقريبا التي تؤدي الى مدينة كاوسِتِه التي دُمرت.‏ لكنَّ الشهود سلكوا طرقات اخرى عبر بلدات مجاورة وأحضروا الطعام،‏ الملابس،‏ ولوازم الاسعافات الاولية.‏ وإذ اقتربوا من المدينة،‏ رأوا ما ظنوا انه دخان يتصاعد من الارض،‏ لكنه في الواقع كان غبارا ناجما عن الزلزال.‏ لقد خسر الناس في مجرد لحظات بيوتهم ومقتنياتهم المادية،‏ والبعض خسروا حياتهم.‏ وكانت اصوات النواح تُسمع في كل مكان.‏ ففي كاوسِتِه،‏ دُمِّر كليا اكثر من الف منزل،‏ بما فيها كل بيوت الاخوة.‏ لكنَّ الشهود سارعوا الى إقامة ملاجئ وقتية.‏ وشارك حوالي مئة شاهد في عمل الاغاثة.‏

تخبر ماريا دي آيريثيا،‏ فاتحة قانونية في جماعة كاوسِتِه:‏ «كانت ابنة جيراني توشك ان تلد وتعاني من اوجاع المخاض.‏ فنصب الاخوة خيمة كبيرة في ارض يملكها جيراني لتكون ملجأ نحتمي فيه.‏ وفي تلك الليلة عينها هبت عاصفة هوجاء.‏ وقد عبَّرت جارتي بتقدير:‏ ‹مَن كان ليصدق ان لا احد من كنيستنا اتى ليرى هل متنا أم ما زلنا احياء.‏ شهود يهوه هم من هبُّوا لمساعدتنا عندما كنا في حاجة الى ملجإ!‏›».‏

في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٩٨،‏ نظم الشهود ثانية عملية اغاثة.‏ فالامطار الغزيرة سبَّبت فيضانات خطيرة في شمالي الارجنتين،‏ وخصوصا في مقاطعات كوريَنْتِس،‏ فورموزا،‏ تشاكو،‏ وسانتا فاي.‏ ففي غضون ٧٢ ساعة،‏ بلغت نسبة المطر المتساقط في ڠويا،‏ كوريَنْتِس،‏ ٦٠ سنتيمترا.‏ وغمر الماء البيوت وأفسد ممتلكات ٨٠ في المئة من شهود يهوه في المنطقة.‏ وجرف الفيضان الغلال والحيوانات وكذلك الجسور والطرقات الرئيسية،‏ قاطعا الطريق الى المدينة.‏ وعمل الاخ إيريبرتو ديپ،‏ ناظر الدائرة في المنطقة المنكوبة،‏ مع الشيوخ المحليين.‏ فقد جزَّأوا المقاطعة الى اقسام،‏ وتفقدوا الاخوة في بيوتهم.‏ فأُخذ البعض بالزوارق الى قاعة الملكوت.‏ وزُوِّد الجميع بالطعام،‏ الملابس،‏ والإمدادات الطبية.‏

عندما علم شهود يهوه في مقاطعة انتر ريوس المجاورة بالبلوى التي حلّت برفقائهم المؤمنين في ڠويا هبّوا للمساعدة.‏ فخلال يومين فقط،‏ جمعت الجماعات الـ‍ ١٢ في مدينة پارانا،‏ في مقاطعة انتر ريوس،‏ حوالي اربعة اطنان من مواد غذائية لا تفسد وملابس ووضعوا هذه الإمدادات في شاحنة استعاروها من دائرة الطرقات الرئيسية.‏

لم يكن ايصال إمدادات الإغاثة سهلا على الاطلاق.‏ فهنالك جسران منهاران.‏ وفي اول معبر حيث كان هنالك جسر،‏ توقف الاخوة لمساعدة عمال الطرقات الرئيسية في صفّ المئات من اكياس الرمل.‏ ثم افرغوا الحمولة،‏ حملوها عبر النهر،‏ ووضعوها في شاحنات كانت تنتظرهم.‏

في المرحلة الثانية من الرحلة،‏ كان عليهم ان يعبروا طريقا غمرتها المياه المتدفقة بقوة الى حد صعَّب عليهم ان يتحكموا في الشاحنات.‏ وعند الغسق،‏ وصلوا الى المعبر الثاني،‏ حيث كانت هنالك فرقة عسكرية لديها قارب كبير.‏ وقد وافق اعضاء الفرقة على القيام بعدة رحلات لنقل السلع الى الجانب الآخر.‏

وهناك،‏ التقى اخيرا فريق الاغاثة الاخوةَ من ڠويا وتابعوا الرحلة برفقتهم.‏ لقد تأثر الاخوة في ڠويا بمحبة وتصميم رفقائهم المؤمنين،‏ في حين ان الاخوة من پارانا شجعتهم صفة الاحتمال الراسخ التي اعرب عنها ضحايا الفيضان.‏

وقدَّمت الجماعات ايضا في منطقة الفيضان الشهادة من خلال اعرابهم المستمر عن المحبة.‏ ففي احدى الحالات،‏ عبَّر زوج اخت غير مؤمن عن قلقه الشديد وحزنه من جراء الحالة الاقتصادية الصعبة التي سببها المطر.‏ فأكدت له الاخت ان الجماعة ستساعدهما.‏ وفي اليوم التالي،‏ تحول غمّه الى ذهول وفرح عندما وصل الشيوخ الى بيتهما حاملين معهم وفرة من المؤن!‏ وعندما وصلت الى الناس اخيرا امدادات الاغاثة الحكومية والمدنية،‏ كان الاخوة قد تلقوا المساعدات اربع او خمس مرات.‏

لم تخمد روح الفتح

مع ان الاخوة الذين تأثروا بالفيضان كانوا محرومين ماديا،‏ إلا انهم كانوا مصممين على الكرازة بالكلمة.‏ فقد زاد عدد من الناشرين في منطقة الفيضان نشاطهم الكرازي.‏ وفي احدى الجماعات،‏ انخرط كثيرون في الفتح الاضافي،‏ رغم ان ٨٠ في المئة من مقاطعتهم تغمرها المياه!‏

رتبت الجماعات للكرازة في المقاطعة التجارية وسط المدينة،‏ في المستشفيات،‏ في محطات الباص،‏ وفي الابنية الشاهقة.‏ ومع ان المطر استمر يهطل،‏ فقد استطاع الفاتحون ان يخدموا في هذه الاماكن دون ان يتبللوا كثيرا بالماء.‏ وتعلم الفاتحون الاضافيون ايضا ان يعملوا كفريق،‏ داعمين ترتيبات خدمة الحقل ومعربين عن روح ايجابية.‏ وإذ اختبر كثيرون منهم عناية يهوه الحبية خلال احلك الظروف،‏ يخدمون الآن كفاتحين قانونيين.‏

مشهد العالم في تغير

يدرك فرع الارجنتين ان «مشهد هذا العالم في تغير»،‏ لذلك شجع النظار الجائلين ان يعدلوا برامج خدمتهم لكي يصلوا الى عدد اكبر من الناس.‏ (‏١ كورنثوس ٧:‏٣١‏)‏ ففي بعض المناطق،‏ يصعب ايجاد الناس في بيوتهم خلال النهار لأن عددا اكبر يعملون بدوام كامل.‏ لذلك اقتُرح القيام بالشهادة في الشوارع او في المتاجر باكرا وترك عمل الكرازة من باب الى باب الى المساء.‏ وشُدِّد ايضا على الشهادة بالهاتف والشهادة غير الرسمية.‏ وشُجِّع الناشرون ان يتيقظوا لكل فرصة تسنح لهم بأن يتكلموا الى الناس.‏

فيما كانت احدى الاخوات تكرز من بيت الى بيت،‏ لاحظت رجلا يلاعب اولاده في الحديقة العامة في الجهة المقابلة من الطريق.‏ ومع انها ترددت قليلا في البداية،‏ إلا انها اقتربت منه ومعها رفيقتها.‏ وابتدأتا محادثة معه فأذهلهما تجاوبه.‏ حتى ان الرجل اعطاهما عنوانه.‏ فزارته الاخت مع زوجها ووجدا ان الرجل وزوجته كانا ينتظران زيارتهما بشوق.‏ وبعد محادثات عديدة،‏ جرى البدء بدرس في الكتاب المقدس.‏ لقد كان شهود يهوه يقرعون بابهما تكرارا لكنَّ الزوجة لم تظهر قط اي اهتمام.‏ والآن،‏ تحرز العائلة تقدما جيدا،‏ فهم يحضرون الاجتماعات ويساهمون فيها.‏

في مقاطعة سانتا كروز الجنوبية،‏ يستغل كلاووثيو هوليان بوركِس مهنته كدليل سياحي ليقدم شهادة غير رسمية للسياح الذين يزورون المتنزَّه القومي للانهار الجليدية.‏ ويضم هذا المتنزَّه ١٣ نهرا جليديا كبيرا،‏ بما فيها پِريتو مورينو الذي يبلغ عرضه حوالي ٥ كيلومترات،‏ والذي يجتذب السيّاح من كل اقطار العالم.‏ وإذ يذهل السيّاحَ جمالُ النهر الجليدي،‏ يلفت هذا الاخ الانتباه الى الخالق ويوزع المطبوعات بلغات متنوعة.‏ نعم،‏ يغتنم شهود يهوه في الارجنتين كل فرصة تُتاح للكرازة بالكلمة لـ‍ «شتّى الناس».‏ —‏ ١ تيموثاوس ٢:‏٤‏.‏

والشهادة في الشوارع هي وسيلة اخرى لايصال رسالة الكتاب المقدس الى الناس.‏ دعى بيكتور بوكير،‏ اخ نشيط جدا في شهادة الشوارع،‏ ناشرا متقطعا الى مرافقته في الخدمة.‏ وكان يجب ان يكون الناشر في عمله عند الساعة ٣٠:‏٨ صباحا،‏ لذلك قررا ان يبدأا شهادة الشوارع الساعة ٣٠:‏٥ صباحا.‏ وقد ساعد هذا النشاط في الصباح الباكر الناشرَ وعائلته المؤلفة من تسعة اشخاص ان يصيروا من جديد قانونيين في الخدمة.‏ وقد بدأوا بدروس في الكتاب المقدس ووزعوا ١٧٦ مجلة في شهر واحد!‏ وشجع ذلك اخوة آخرين على الاشتراك في شهادة الشوارع في الصباح الباكر.‏

المرسلون القدامى —‏ لا يزالون خداما نشاطى

على مرّ السنين،‏ خدم مرسلون كثيرون في الارجنتين،‏ فتعلموا لغة جديدة،‏ تكيفوا مع عادات مختلفة،‏ احتملوا المشاكل الصحية،‏ وواجهوا المحن بشجاعة خلال الحظر.‏ غير ان البعض اضطروا الى مغادرة البلاد بسبب تغييرات في تعيينهم،‏ مشاكل صحية،‏ او مسؤوليات عائلية.‏ ڠوينيد هيوز،‏ المتخرج من الصف السادس لمدرسة جلعاد،‏ تزوج لاحقا وربّى ابنَين؛‏ وقد استمر يخدم يهوه بأمانة حتى موته.‏ وآخرون،‏ مثل أوفيليا إسترادا ولورِن آيزنهاور،‏ ماتوا وهم يواصلون القيام بتعييناتهم.‏ لكنَّ عددا من المرسلين الاولياء —‏ من الصفوف الاولى لجلعاد —‏ لا يزالون نشاطى في تعييناتهم.‏

عُيِّنت هيلِن نيكولز وهيلِن ويلسون،‏ من الصف الاول لجلعاد،‏ في الارجنتين سنة ١٩٤٨.‏ وفي السنة ١٩٦١،‏ أُرسلتا الى مقاطعة توكومان في شمال غرب الارجنتين.‏ في ذلك الوقت،‏ لم يكن هنالك سوى جماعة صغيرة في مدينة سان ميڠَل دي توكومان.‏ أما اليوم فهنالك ١٣ جماعة و٧ قاعات ملكوت في تلك المدينة و٥ جماعات اخرى في جوارها.‏ فما اعظم فرح هاتين المرسلتين اللتين ساهمتا في هذه الزيادة!‏

بدأ تشارلز آيزنهاور،‏ من صف جلعاد الاول،‏ خدمته الارسالية في كوبا حيث خدم منذ السنة ١٩٤٣ وحتى السنة ١٩٤٨ ورأى عدد الناشرين هناك ينمو من ٥٠٠ الى ٠٠٠‏,٥.‏ وبعد ذلك عُيِّن في الارجنتين،‏ حيث خدم كمرسل،‏ ثم كناظر دائرة،‏ وبعد ذلك كناظر كورة حتى نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥٣.‏ في ذلك الحين،‏ عُيِّن ناظرا للفرع.‏ وقد حظي بامتياز رؤية عدد الناشرين في الارجنتين ينمو من ٩٠٠ الى اكثر من ٠٠٠‏,١٢٠.‏ يعلِّق الاخ آيزنهاور،‏ الذي يخدم كمنسق للجنة الفرع:‏ «لا شيء يجلب سعادة اعظم للشبان والشابات من نذر حياتهم كاملا لخدمة يهوه».‏

فرح خدمة يهوه

ان الشهود الارجنتينيين الذين امتهنوا الخدمة كامل الوقت هم ايضا سعداء باستخدام حياتهم في خدمة يهوه.‏ اعتمد مارسيلو پوپْيِل سنة ١٩٤٢ وزوجته ماريا أوليڤا سنة ١٩٤٦.‏ وكلاهما فاتحان خصوصيان منذ ٤٤ سنة.‏ وبالنسبة اليهما،‏ لم يكن الحظر الذي فُرض سنة ١٩٧٦ اختبارا جديدا،‏ فقد اختبرا قيودا على عملهما مباشرة بعد الحظر سنة ١٩٥٠.‏ وقد ساعدا الفاتحين الجدد على مواجهة القيود التي جلبها الحظر الجديد وشجعاهم على الاستمرار بأمانة في خدمتهم.‏ يعزّ مارسيلو السنوات التي قضاها في خدمة يهوه.‏ يقول:‏ «يسرنا اننا خدمنا يهوه بولاء.‏ ونحن شاكران جدا ليهوه على منحنا امتياز خدمته وعلى سماحه لنا ان نقضي افضل سنوات حياتنا في القيام بعمل يستحق العناء حقا».‏

ويشاطره المشاعر نفسها پيَترو براندوليني،‏ الذي اعتمد سنة ١٩٥٧ ويخدم كفاتح خصوصي منذ حوالي ٤٠ سنة.‏ انه سعيد باستخدام حياته في الخدمة كامل الوقت،‏ والسبب هو نيله بركات جزيلة فاقت توقعاته.‏ وهو يقول بحماس ان يهوه اعتنى به على الدوام،‏ من الناحية الروحية والمادية على السواء.‏

تجاوز پيَترو براندوليني الـ‍ ٧٠ من عمره،‏ وهو يعاني احيانا من مشاكل صحية.‏ لكنه لا يزال فاتحا خصوصيا نشيطا.‏ ومؤخرا،‏ التقى پيَترو استاذا في مدرسة كاثوليكية.‏ وعرض عليه درسا في الكتاب المقدس،‏ فقبل الاستاذ بكل سرور.‏ وبعد الدرس الرابع،‏ اخبر الرجل پيَترو انه واثق ان ما يتعلمه هو الحق.‏ وحذَّره پيَترو من امكانية خسارة عمله اذا علم الكهنة في المدرسة انه يدرس مع شهود يهوه.‏ لكنَّ الرجل قال انه ليس قلقا حيال ذلك،‏ فبإمكانه ايجاد عمل في مكان آخر.‏ وكم فرح پيَترو عندما سمع ان الاستاذ يعتبر حق كلمة اللّٰه امرا قيِّما الى هذا الحد!‏

غيورون على الاعمال الحسنة

ادرك كثيرون ايضا إلحاح الوقت وأثبتوا انهم ‹غيورون على الاعمال الحسنة›.‏ (‏تيطس ٢:‏١٤‏)‏ ففي الوقت الحاضر،‏ هنالك اكثر من ٠٠٠‏,١٢٠ ناشر في الارجنتين،‏ منهم أكثر من ٠٠٠‏,٧ كيَّفوا نمط حياتهم ليكونوا فاتحين قانونيين.‏ وإرنان تورِس هو احدهم.‏ ولكن بما ان عمره ٧٠ سنة تقريبا وهو اعمى ومقعد يستخدم كرسيا ذا دواليب،‏ يلزم ان يبذل جهدا اضافيا ليبلغ مطلب ساعات الفاتحين.‏ ففي بعض الايام،‏ يستيقظ إرنان باكرا ويذهب الى مكان في دار العجزة حيث يعيش.‏ وهناك يتكلم الى الآخرين عن الكتاب المقدس،‏ يعقد الزيارات المكررة،‏ ويوزع المجلات على المقيمين الذين يشملهم بجولة مجلاته.‏ وإذا كان الطقس جميلا،‏ يجلس إرنان خارج الدار ويكرز للمارّة.‏ وفي سائر الايام،‏ يرافقه اخ او اخت في الخدمة من باب الى باب.‏ وبما انه عاجز عن الإبصار،‏ يعلِمه رفيقه الى مَن يوجه الكلام.‏ فيربت على كتفه مرة واحدة إذا كان في الباب رجل،‏ مرتين اذا كانت امرأة،‏ وثلاث مرات اذا فتح الباب حدثٌ.‏

وثمة فاتح قانوني آخر يُدعى رولاندو لايڤا يعمل كحلّاق.‏ وهو يعرض في محلّه مطبوعات جمعية برج المراقبة،‏ واضعا الاعداد الاخيرة من برج المراقبة و استيقظ!‏ دائما بمرأى من الجميع.‏ وقد اعتاد الزبائن على الفكرة ان مواد القراءة الوحيدة الموجودة في المحل هي مطبوعات برج المراقبة.‏ يقول رولاندو:‏ «بما ان أجر الحلاقة الذي آخذه زهيد يرضى زبائني بشروطي».‏ وفيما يقصّ رولاندو شعر الزبون يلاحظ في المرآة الزبائن المنتظرين.‏ يخبر:‏ «عندما أرى احدهم يقرأ مجلة باهتمام،‏ ابدأ محادثة معه فيما اقصّ شعره».‏ والنتيجة التي حصل عليها رولاندو هي ١٦٣ اشتراكا في سنة خدمة واحدة!‏ وابتدأ ايضا دروسا كثيرة في الكتاب المقدس مع زبائنه.‏ وثمانية من الدروس التي يديرها حاليا ابتدأها من خلال الشهادة غير الرسمية في محل الحلاقة.‏

والاحداث ايضا يعربون عن غيرتهم في الكرازة بالكلمة.‏ إلبير إيڠيّا،‏ اخ عمره ١٣ سنة،‏ يخدم كفاتح منذ سنتين في جماعة سنترو في بلدة سان پيدرو ضمن مقاطعة جوجوي.‏ وعندما اعطته اخت عنوان رجل التقته اثناء الشهادة في الشارع،‏ زاره إلبير وفوجئ عندما وجد ان الرجل يعلِّم فنون القتال.‏ فاقترب منه وأوضح له سبب الزيارة،‏ وبعد ذلك قبِلَ الرجل نسخة من كتاب المعرفة التي تؤدي الى الحياة الابدية.‏ وتمتع الرجل بالكتاب وطلب نسخا لتلاميذ فنون القتال الذين يدرِّبهم.‏ وكانت النتيجة ان إلبير وزَّع ٥٠ كتابا،‏ ٤٠ كراسة،‏ ومجلات عديدة.‏ وابتدأ درسا في الكتاب المقدس مع المدرِّب و٢٥ من تلاميذه.‏ والبعض منهم يحرزون تقدما جيدا.‏

شهود من وإلى اقاصي الارض

في البداية،‏ جلب ناشرون غيارى بشارة الملكوت الى الارجنتين من بلدان اخرى،‏ ويتمثل الاخوة الارجنتينيون بروح التضحية بالذات هذه.‏ فقد نمت عائلة بيت ايل الى ٢٨٦ شخصا.‏ ويشترك ٣٠٠ اخ وأخت آخرين في اوجه اخرى من الخدمة الخصوصية كامل الوقت.‏

وقد عدَّل آخرون نمط حياتهم ليخدموا في بلدان حيث الحاجة اعظم.‏ (‏اشعياء ٦:‏٨‏)‏ على سبيل المثال،‏ رتَّبت الهيئة الحاكمة في ثمانينات الـ‍ ١٩٠٠ ان يخدم ٢٠ أخا من الارجنتين كمرسلين في پاراڠواي دون ان يحضروا مدرسة جلعاد.‏ ومؤخرا،‏ انتقل عدد كبير من الاخوات العوازب،‏ وآخرون ايضا،‏ ليخدموا حيث الحاجة اعظم.‏ وقد تكيَّفوا طوعا مع المناخ الحار والرطب لكي يعلنوا البشارة.‏ وكثيرون من الاخوة والاخوات الارجنتينيون الـ‍ ٧٣ الذين يخدمون الآن في پاراڠواي يسعون الى تعلم اللغة الڠْوارانية الوطنية لكي يصلوا الى عدد اكبر من الناس.‏

على مرّ السنين،‏ ذهب كثيرون الى بوليڤيا وتشيلي ليخدموا كفاتحين ونظار جائلين.‏ وعندما فُتح العمل في اوروپا الشرقية،‏ تطوَّع اخ ارجنتيني يتكلم الهنڠارية للخدمة هناك.‏ وهو يخدم الآن كناظر دائرة في هنڠاريا.‏ واستفسر زوجان حول الانتقال للمساعدة في عمل الكرازة في بينين،‏ افريقيا،‏ وعُيِّنا هناك كمرسلَين.‏ نعم،‏ تعكس محبة هؤلاء الاخوة والاخوات موقف كل شعب يهوه الذين يعيشون في الفردوس الروحي،‏ حيث لا وجود للحدود القومية.‏

ان المنادين الغيورين ببشارة الملكوت في الارجنتين هم على استعداد ‹للكرازة بالكلمة والالحاح في ذلك في وقت مؤات وفي وقت محفوف بالمتاعب› على السواء.‏ (‏٢ تيموثاوس ٤:‏٢‏)‏ وبفضل جهودهم الدؤوبة،‏ هنالك اليوم اكثر من ٠٠٠‏,١٢٠ شخص في الارجنتين يسبِّحون يهوه وينعمون ببركته السخية.‏ —‏ امثال ١٠:‏٢٢‏.‏

‏[الرسم البياني/‏الصورة في الصفحة ١٨٦]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسق في المطبوعة)‏

الزيادة في عدد الشهود خلال سنوات الحظر

١٩٥٠ ١٩٦٠ ١٩٧٠ ١٩٨٠

٤١٦‏,١ ٢٠٤‏,٧ ٧٦٣‏,١٨ ٠٥٠‏,٣٦

‏[صورة تغطي كامل الصفحة ١٤٨]‏

‏[الصور في الصفحة ١٥٠]‏

ساعدوا على وضع اساس للكرازة بالبشارة في الارجنتين:‏ (‏١)‏ جورج يونڠ،‏ (‏٢)‏ هوان مونييس،‏ (‏٣)‏ كارلوس أُت،‏ (‏٤)‏ نيكولاس أرخيروس

‏[الصورة في الصفحة ١٥٢]‏

استعمل أرماندو مِنَتْسي وشهود غيورون آخرون هذا الباص ليكرزوا في عشر مقاطعات على الاقل

‏[الصورة في الصفحة ١٥٦]‏

الاخ نور (‏الى اليمين)‏ في احد المحافل التي عُقدت في السنة ١٩٥٣ خلال الحظر

‏[الصورة في الصفحة ١٦١]‏

اول مطبعة أوفست بشريط ورق استعملها شهود يهوه

‏[الصورة في الصفحة ١٦٢]‏

محفل «الانتصار الالهي» الاممي في ريو سِبايوس سنة ١٩٧٤

‏[الصورة في الصفحة ١٧٨]‏

محفل عقد في الغابة خلال الاوقات الصعبة

‏[الصورة في الصفحة ١٩٣]‏

قاعة ملكوت عائمة في منطقة دلتا نهر پارانا

‏[الصورة في الصفحة ١٩٤]‏

ستيڤن وجُون لي يخدمان دائرة دولية للكوريين

‏[الصورة في الصفحة ٢٠٠]‏

احدى قاعات الملكوت المبنية بسرعة في اقصى الجنوب،‏ في أوسوايا،‏ تييرا دَلْ فوويڠو

‏[الصور في الصفحة ٢٠٢]‏

قاعات المحافل في الارجنتين:‏ (‏١)‏ موراينو،‏ (‏٢)‏ قُرطبة،‏ (‏٣)‏ لوماس دو سامورا،‏ (‏٤)‏ ميزيونس

‏[الصورة في الصفحة ٢٠٤]‏

قاعة محافل كانيوالز

‏[الصور في الصفحة ٢٠٨،‏ ٢٠٩]‏

المحفل الاممي سنة ١٩٩٠

‏[الصورة في الصفحة ٢١٥]‏

الفيضانات الخطيرة في شمالي الارجنتين تركت كثيرين دون ملجإ

‏[الصور في الصفحة ٢١٨]‏

المرسلون الاوائل الذين ما زالوا يخدمون في الارجنتين:‏ (‏١)‏ فيليا سپايشل (‏٢)‏ ايدث مورڠان (‏٣)‏ سوفي سوڤياك (‏٤)‏ هيلِن ويلسون (‏٥)‏ ماري هلمبرِكت (‏٦)‏ تشارلز آيزنهاور

‏[الصور في الصفحة ٢٢٣]‏

‏(‏١)‏ لجنة الفرع (‏من اليسار الى اليمين)‏:‏ م.‏ پوكِتّي،‏ ن.‏ كاڤالييري،‏ پ.‏ جيوستي،‏ ت.‏ كاردوس،‏ ر.‏ ڤاسكِس،‏ ت.‏ آيزنهاور

تسهيلات الفرع:‏ (‏٢)‏ المكاتب،‏ (‏٣)‏ المطبعة،‏ (‏٤)‏ مسكن بيت ايل