الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

ڠيانا الفرنسية

ڠيانا الفرنسية

ڠيانا الفرنسية

حيثما قلّبتم النظر ترون الغابات،‏ كمهاد اخضر هائل ينبسط من جبال توموك اوماك في الجنوب حتى المحيط الاطلسي شمالا.‏ ويشق هذه الغابة المطيرة الكثيفة نهرا ماروني وأوياپوك اللذان يجريان من الجنوب الى الشمال قبل ان يصبّا في البحر.‏ ان الارض بين هذين النهرين هي ڠيانا الفرنسية.‏

يستمر هطول الامطار هناك اكثر من نصف السنة،‏ مما يخلق محيطا ريّان.‏ ولكن لا يتغلغل كثيرون في الجزء الداخلي من البلاد.‏ فالطرقات الجيدة البعيدة عن الساحل قليلة جدا،‏ كما ان وجود مندفعات نهرية يجعل عبور الانهار تحديا.‏ والاسماء التي أُطلقت على هذه المندفعات تعطي فكرة عن المخاطر الكامنة —‏ سو فراكا (‏مندفعات التحطّم)‏،‏ ڠرو سو (‏المندفعات الكبرى)‏،‏ سو تانبور (‏مندفعات الضرب الايقاعي)‏،‏ سو ليسيه ديديه (‏مندفعات الجماجم)‏،‏ آ ديو ڤات (‏نهاية المطاف)‏.‏

تضم الغابة اكثر من الف نوع من الاشجار،‏ السحلبيات الرائعة،‏ وغيرها من النباتات التي تزهو في المحيط المداري النديّ.‏ ويعيش هناك اكثر من ١٧٠ نوعا من الثدييّات،‏ ٧٢٠ نوعا من الطيور،‏ وعدد لا يحصى من انواع الحشرات.‏ كما توجد حيّات الأناكُنْدة الضخمة،‏ تماسيح الكَيْمان،‏ الجكوار،‏ وآكلات النمل،‏ ولكنها غالبا لا تُرى اذ انها تفر خلسة عندما تشعر بوجود الانسان.‏ وتُرى الفراشات ترفرف بهدوء على الطرقات وفوق الانهر،‏ والطيور ذات الالوان الزاهية تنتقل من شجرة الى شجرة.‏

كتنوع النباتات والحيوانات كذلك يوجد تنوع في الناس والحضارات.‏ فقرى الهنود الاميركيين تنتشر على طول الساحل والانهر.‏ والسكان يتألفون من شعوب الڠاليبي،‏ الآراواك،‏ الپاليكور،‏ الوايانا،‏ الإمريون،‏ والأويانپي.‏

تعيش غالبية سكان هذا البلد الصغير الواقع في اميركا الجنوبية على طول الساحل وفي العاصمة كايين.‏ اما زنوج الادغال فيعيشون في مجتمعات بالقرب من الانهر على الحدود مع سورينام،‏ وهؤلاء الزنوج هم المتحدرون من العبيد الذين فرّوا بعدما جُلبوا من افريقيا للعمل في المزارع.‏ وهم يتكلمون لغة كرييولية تُدعى السرانانتونڠية.‏ ومنذ مئة سنة تقريبا،‏ وصل مهاجرون آسيويون آتين من سنڠافورة،‏ ڤيتنام،‏ والصين.‏ وفي سنة ١٩٧٧،‏ بدأ يتوافد شعب المونڠ آتين من لاوس كلاجئين سياسيين.‏ وبالاضافة الى الآسيويين،‏ فإن مهاجرين من مارتينيك،‏ ڠوادلوپ،‏ هايتي،‏ البرازيل،‏ سورينام،‏ جمهورية الدومينيكان،‏ سانت لوسيا،‏ لبنان،‏ پيرو،‏ وفرنسا يشكلون اكثر من نصف السكان البالغ عددهم اكثر من ٠٠٠‏,١٥٠.‏

حياة قاسية

وصل الاوروپيون الاوائل الى هنا نحو السنة ١٥٠٠،‏ ولكن لم تنجح محاولاتهم الاولى للاستيطان في هذه الارض.‏ فقد كان المحيط قاسيا جدا.‏ ومع ذلك،‏ صارت الارض التي هي الآن ڠيانا الفرنسية مستعمرة فرنسية في القرن السابع عشر.‏ لاحقا أُرسل من فرنسا اشخاص محكوم عليهم بالسجن فترات طويلة الى معسكرات الجزاء للقيام بالاشغال الشاقة في اماكن مثل كايين،‏ كورو،‏ وسان لوران.‏ واحتُجز السجناء السياسيون في جزيرة الشيطان،‏ حيث لم يبقَ حيا سوى قليلين فقط.‏ ولكن معسكرات السجناء هذه أُقفلت منذ زمن طويل.‏ والآن يوجد في مدينة كورو مركز اوروپي لإطلاق اقمار اصطناعية.‏ ومع ان ڠيانا الفرنسية تبعد ١٠٠‏,٧ كيلومتر عن اوروپا،‏ فهي لا تزال رسميا مقاطعة ادارية تابعة لفرنسا،‏ محافظة فرنسية في ما وراء البحار،‏ وبالتالي جزءا من الاتحاد الاوروپي.‏

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر،‏ اكتُشف الذهب اخيرا،‏ بعد ٣٠٠ سنة تقريبا من حين روى السير والتر رالي اسطورة تتعلق بمدينة ذهب في هذا البلد.‏ وبحلول عشرينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ تغلغل نحو ٠٠٠‏,١٠ رجل في الغابة المطيرة غير آبهين بالمخاطر،‏ إذ انهم كانوا يأملون الثراء الفوري وقد استحوذ عليهم هاجس الذهب.‏

ثم اتى اشخاص آخرون يتحلون ايضا بالشجاعة اللازمة لمواجهة مشقات الحياة في ڠيانا الفرنسية.‏ الا ان هؤلاء الروّاد اتوا ليعطوا لا ليأخذوا.‏

زرع بذار حق الكتاب المقدس

هؤلاء الروّاد الشجعان جلبوا معهم بشارة من كلمة اللّٰه.‏ وأخبروا الناس عن قصد اللّٰه ان ينهي المرض والموت،‏ ان يساعد الناس من كل الامم على العيش معا كإخوة،‏ وأن يجعل الارض فردوسا.‏ (‏اشعياء ٢:‏٣،‏ ٤؛‏ ٢٥:‏٨؛‏ ٣٣:‏٢٤؛‏ كشف ٧:‏٩،‏ ١٠‏)‏ كانوا يشاركون في العمل الذي انبأ به يسوع المسيح عندما قال ان بشارة ملكوت اللّٰه هذه سيُكرز بها «في كل المسكونة شهادة لجميع الامم» قبل ان تأتي النهاية.‏ (‏متى ٢٤:‏١٤‏)‏ لقد وصل هذا العمل التبشيري المهم الى ڠيانا الفرنسية في سنة ١٩٤٦.‏ ومعظم شهود يهوه الاوائل الذين اتوا الى ڠيانا الفرنسية كانوا من المحافظات الفرنسية في ما وراء البحار مثل ڠوادلوپ ومارتينيك وأيضا من ڠيانا الهولندية (‏المعروفة الآن بسورينام)‏ التي تقع مباشرة الى الغرب.‏

البذار الاول للحق زرعه الاخ اولڠا لالند،‏ خادم غيور من ڠوادلوپ.‏ ففي كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٤٥ قام برحلة لزيارة امه وإخوته الجسديين الذين كانوا يعيشون قرب نهر مانا في الجزء الداخلي من ڠيانا الفرنسية.‏ وقد اقتضى الوصول الى قرية امه السفر اياما عديدة بزورق نهري.‏ في الطريق،‏ انتهز فرص قضائه الليل في اكواخ صغيرة —‏ اكواخ مفتوحة الجوانب مسقوفة بسعف النخيل —‏ ليبشر ويوزع مطبوعات مؤسسة على الكتاب المقدس.‏ عندما وصل الى قرية امه،‏ أو سوڤنير،‏ اخبر عائلته بفرح ببشارة الملكوت.‏ ولكن لدهشته وحزنه،‏ دعوه ابليسا.‏ وفي هذا الجو العدائي،‏ احتفل سنة ١٩٤٦ بذكرى موت يسوع بمشاركة اخوته الاصغر فقط.‏ وإذ تأثرت امه بالكاهن المحلي،‏ سرعان ما طردته صارخة:‏ «لا تقدر الابالسة ان تعيش هنا في بيتي!‏».‏ ولكنّ رد فعلها السلبي لم يخمد غيرته.‏

في رحلة العودة،‏ كان يكرز عندما يتوقفون عند مناجم الذهب والمحطات التجارية.‏ وفي إحدى الليالي كان نائما هو والمسافرون الآخرون في كوخ على ضفة نهر.‏ هطل مطر مداري غزير فتسبَّب بسقوط شجرة ضخمة بدويّ مرعب.‏ فغطس الاخ اولڠا في النهر وهو مذعور دون ان يدري ان المياه تعج بسمك ضارٍ.‏ عندما صعد دون ان يصاب بأذى،‏ اقتنع الرجال هناك انه يملك قوى الهية وابتدأوا ينظرون اليه باحترام عميق.‏ وقد جعلهم هذا الامر منفتحين اكثر للرسالة التي يحملها.‏

في آخر الامر وصل الاخ لالند الى مانا،‏ قرية على المحيط الاطلسي يبلغ عدد سكانها ٨٠٠ شخص.‏ وخلال اقامته الاولى هناك التي دامت ستة اشهر،‏ نظّم اجتماعات وعقد دروسا قانونية مع عشرة اشخاص معلّما اياهم حقائق الكتاب المقدس التي تجلب حرية حقيقية.‏ (‏يوحنا ٨:‏٣٢‏)‏ فلقّبه الناس پار پالتو (‏الاب سُتْرة)‏ لأنه كان يلبس سُتْرة بخلاف الكاهن المحلي الذي كان ملقَّبا «الاب فستان».‏ ومع ان المطبوعات نفدت من الاخ لالند،‏ كان يلقي خطابات عامة ويبشر بغيرة كل من يصغي.‏ فذاع صيته بأنه خطيب حيوي،‏ لا يتردد في خوض مناقشات حماسية مع رجال الدين المحليين.‏

بعد زيارة امه بسنتين تقريبا،‏ رجع الاخ لالند الى ڠوادلوپ.‏ لم يعتمد احد نتيجة كرازته،‏ ولكنه زرع الكثير من البذار.‏ وكانت الثمار ستأتي لاحقا.‏

عمَّال من شتى البلدان

سنة ١٩٥٦،‏ طلبت جمعية برج المراقبة من ڤيم ڤان سيل من فرع سورينام الانتقال الى ڠيانا الفرنسية.‏ يروي:‏ «سافرنا بطائرة صغيرة من سان لوران الى كايين ومكثنا نحو ثلاثة اسابيع في فندق صغير.‏ غطينا في خدمتنا جزءا كبيرا من كايين موزعين مئات النسخ من كتاب لا ڤي إترنيل [الحياة الابدية].‏ لا ريب انه كان يوجد اهتمام،‏ ولكن لأننا لا نعرف اللغة الفرنسية كان من الصعب البدء بدروس.‏ كانت مقدمتنا من بيت الى بيت:‏ ‹وصلنا البارحة بالطائرة الى كايين للكرازة بالبشارة›.‏ وبعد اسبوعين،‏ كنا لا نزال نقول:‏ ‹وصلنا البارحة الى كايين›،‏ لأنها كانت المقدمة الوحيدة التي نعرفها باللغة الفرنسية!‏ وعرضنا الفيلم مجتمع العالم الجديد وهو يعمل في مسرح قديم لم يعد يُستخدَم.‏ فترجم رجل كلمات الفيلم بلغة پاتوا،‏ ثم ترجمت امرأة باللغة الفرنسية».‏ كان يوجد اهتمام كبير،‏ ولكن كيف كان سيُنمَّى؟‏

اتى المزيد من الشهود من سورينام للمساعدة،‏ من بينهم پول نارِندورپ وسايسيل ونيل پيناس.‏ وكان عدد لا بأس به من الذين اتوا يتكلمون الفرنسية.‏

كما أتت المساعدة ايضا من مصدر غير متوقع.‏ فثمة عائلة كانت تدرس الكتاب المقدس في دانكَرْك بفرنسا.‏ والابن فقط البالغ ١٦ سنة،‏ كريستيان بونكاس،‏ ظل مهتما.‏ وعندما انتقلت العائلة الى كايين،‏ تحدث كريستيان الى رفقاء مدرسته عن الامور التي تعلمها من الكتاب المقدس.‏ فأظهر احد التلاميذ اهتماما،‏ وكذلك اخواته الثلاث.‏ فكتب كريستيان الى الجمعية طلبا للمساعدة.‏

في ذلك الوقت تقريبا،‏ كان ڠْزاڤيِه وسارة نول قد عادا الى مارتينيك بعد ان تخرجا من مدرسة جلعاد في سنة ١٩٥٨.‏ فطلبت الجمعية من الاخ نول ان يذهب الى ڠيانا الفرنسية لمساعدة الفريق الصغير هناك.‏ سافر الاخ ڠْزاڤيِه على متن مركب صغير،‏ وخلال الرحلة التي استغرقت عشرة ايام كان عليه ان ينام على ظهر المركب.‏

عندما وصل الاخ نول الى كايين،‏ استقبله بالترحاب الاشخاص المهتمون.‏ ودعوه الى مشاركتهم وجباتهم خلال اقامته هناك،‏ كما رتبوا ان يحصل على غرفة جيدة في فندق يديره احد الذين كانوا محكوما عليهم.‏ كان الاخ نول يعقد يوميا دروسا في الكتاب المقدس ومناقشات روحية مع كريستيان والعائلة الحسنة الضيافة.‏ فعمقت معرفتهم لحق الكتاب المقدس.‏ وفي غضون بضعة اسابيع،‏ عبّر كريستيان عن رغبته في المعمودية،‏ وكذلك صديقه واثنتان من اخواته.‏ بسبب هطول المطر لم يستطع الاخ نول ان يلقي خطاب المعمودية على الشاطئ كما كان مخططا،‏ لكنه ألقى عليهم الخطاب وهم في سيارتهم الصغيرة.‏ ثم غطسهم،‏ وكانت تلك المعمودية الاولى التي يجريها شهود يهوه في ڠيانا الفرنسية.‏

اثناء اقامته في البلد،‏ استخدم الاخ نول وقته جيدا في خدمة الحقل.‏ ففي خلال اسبوع وزّع كل مطبوعاته تقريبا.‏ واحتفظ بمجلة واحدة فقط ليريها للناس اذا ارادوا ان يطلبوا اشتراكا.‏ وفي غضون ثلاثة اسابيع حصل على ٧٠ طلبا للاشتراك،‏ بما فيها نحو عشرة طلبات اشتراك باللغة الصينية.‏ فكيف فسّر الامور باللغة الصينية؟‏ كان يُري صورة صفه في مدرسة جلعاد،‏ ويشير الى التلاميذ الصينيين في الصف،‏ ثم يستخدم ايماءات كثيرة.‏ يقول:‏ «نجح الامر جيدا».‏ ومن ضمن الذين بشّرهم،‏ بشّر ميشال ڤالار الذي كان اخوه كاهنا،‏ اما هو فكان يبحث عن الذهب في الجزء الداخلي من البلد.‏ بعد ان رحل الاخ نول،‏ تولى كريستيان بونكاس القيادة في نشاط الفريق الصغير الموجود في كايين.‏

بُعيد ذلك،‏ في سنة ١٩٦٠،‏ عُيّن الفرع في ڠوادلوپ ليشرف على الكرازة بالبشارة في ڠيانا الفرنسية.‏ كم افادهم تلقي المساعدة على اساس قانوني اكثر!‏ فقد وُضع الاساس لذلك،‏ وصار بالامكان ان يتوسع العمل تدريجيا.‏ لذلك في سنة ١٩٦٠،‏ أُرسل أوكتاڤ تِليز من مارتينيك ليخدم كفاتح خصوصي.‏ فشرع في زيارة الذين كان لديهم اشتراك في مجلتينا،‏ والذين حصلوا على غيرهما من مطبوعات برج المراقبة.‏ وفي تلك السنة عينها انتقلت تِيوفاني ڤيكتور،‏ ايضا من مارتينيك،‏ لتخدم في ڠيانا الفرنسية،‏ وسرعان ما عُيّنت فاتحة خصوصية.‏

قبل ذلك الوقت،‏ في سنة ١٩٥٤ كان السيد ڤان پاردو،‏ وهو رجل هولندي،‏ وزوجته التي من مارتينيك قد انتقلا الى پاراماريبو في سورينام،‏ حيث التقى الشهود الزوجة.‏ في السنة التالية انتقلا الى مدينة سان لوران،‏ التي تقع مباشرة عبر نهر ماروني الذي يفصل سورينام عن ڠيانا الفرنسية.‏ فكان شاهدان من سورينام،‏ الاخَوان پيناس وليبْرتو،‏ يعبران نهر ماروني بزورق صغير كل ثلاثة اشهر لمساعدة الزوجين على تنمية معرفتهما ليهوه ومتطلباته،‏ ودام ذلك خمس سنوات تقريبا.‏ وفي كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٦٠،‏ اعتمد الزوجان ڤان پاردو مع امرأتين من ڠيانا الفرنسية في محفل في پاراماريبو بسورينام،‏ خلال زيارة لمِلتون هنشل من المركز الرئيسي العالمي لجمعية برج المراقبة.‏

في ايار (‏مايو)‏ ١٩٦١ قام نيكولا بريزار،‏ ناظر الفرع في ڠوادلوپ،‏ بزيارة الفريق المؤلف من ١٦ ناشرا في كايين ليشارك في اول محفل دائري يُعقد هناك.‏ كما انه عرض فيلم سعادة مجتمع العالم الجديد على حضور يبلغ ٢٥٠ شخصا.‏ ودفعه التجاوب الرائع الى عرض فيلم آخر —‏ مجتمع العالم الجديد وهو يعمل‏.‏ كان هنالك تجاوب رائع مماثل عندما عُرض الفيلمان في سان لوران.‏ وتأثر نائب رئيس بلدية سان لوران جدا بحيث قال:‏ «انها اول مرة في حياتي ارى شيئا كهذا».‏ وفيما كان يصافح الاخوة،‏ سأل:‏ «هل طلبتم من رئيس البلدية ان يسمح لكم بعرض فيلمكم في مبنى البلدية؟‏ سأكلمه غدا عن هذا الموضوع».‏ فسُمح للاخوة بعرض الفيلمين وكذلك بتقديم خطاب عام مؤسس على الكتاب المقدس كل ليلة.‏ وكمجموع،‏ اكثر من ٥٠٠ شخص حضروا فيلمَي الجمعية وسمعوا خطابات مؤسسة على الكتاب المقدس خلال تلك الزيارة التي لا تُنسى.‏ قال نائب رئيس البلدية:‏ «نحن بحاجة الى اشخاص مثلكم يا شهود يهوه».‏ بعد سنتين تقريبا،‏ في آذار (‏مارس)‏ ١٩٦٣،‏ تأسست اول جماعة لشهود يهوه في كايين.‏ وعُقدت الاجتماعات في بيت صغير في ضواحي المدينة في مكان يُدعى پتي موناكو.‏

كيف وصل الحق اليهم

كان الاخ والاخت سيلڤستريه،‏ وكلاهما في الاصل من مارتينيك،‏ بين المنتمين الى تلك الجماعة الاولى.‏ وكيف صارا من شهود يهوه؟‏ ذات يوم في سنة ١٩٥٢ عندما كانت السيدة سيلڤستريه ذاهبة الى متجر البقّال،‏ رآها شخص كان يسكن سابقا في جزيرة الشيطان وطلب منها ان تعطي زوجها بعض الكتب.‏ لم تعلم من اين حصل على الكتب،‏ ولكنها كانت من مطبوعات برج المراقبة.‏ كانت تعلم ان زوجها يرغب في قراءتها،‏ فأخذتها منه.‏ تتذكر:‏ «عندما وضعت الكتب على الطاولة،‏ رأيت العنوان ‏‹ليكن اللّٰه صادقا›.‏ على الفور لفت انتباهي هذا الكتاب الذي يتكلم عن اللّٰه.‏ وعندما وصل زوجي الى البيت،‏ ذكرت له ما قرأته عن اسم اللّٰه،‏ عبادة الاصنام،‏ وحقيقة الثمرة المحرَّمة.‏ لم اكن قد سمعت قط مثل هذه الامور.‏ فاقتنعت فورا ان هذا هو الحق.‏ وفي الحال توقفت عن حضور اجتماعاتي الدينية.‏ وعلى الرغم من انني لم اكن قد التقيت الشهود قط،‏ ابتدأت اتحدث الى اصدقائي عما كنت اتعلمه من هذا الكتاب،‏ وشجعت كل مَن حولي على قراءته.‏ بعد تسع سنوات،‏ اتت سيدة،‏ تِيوفاني ڤيكتور،‏ الى بابي وعرضت عليّ عددين من مجلة استيقظ!‏‏.‏ وإذ كانت تهمّ بالانصراف،‏ سألتها الى اي دين تنتمي.‏ اجابت:‏ ‹جمعية شهود يهوه›.‏ فهتفتُ:‏ ‹منذ تسع سنوات انا بانتظاركم!‏ هل بإمكاني الحصول على موعد منكِ؟‏›».‏ وبمرور الوقت،‏ اتّخذت هي وزوجها موقفا ثابتا الى جانب عبادة يهوه.‏

كان ميشال ڤالار،‏ الذي سبق ان اتصل به ڠْزاڤيِه نول في مكان عمله،‏ احد الذين اعتنقوا الحق حين كان الشهود قليلين في هذا البلد.‏ عندما بدأ يحضر الاجتماعات التي يعقدها شهود يهوه،‏ ادرك تدريجيا انه كان يحصل على اجوبة مقنعة عن اسئلته.‏ وعرضت الاخت ڤيكتور ان تدرس معه الكتاب المقدس،‏ فوافق على الفور.‏ ولكنّ زوجته جانّ كانت منزعجة جدا من الموضوع.‏ فكان عليه ان يدرس خارج البيت.‏ الا انه كان مقتنعا ان ما يتعلمه هو الحق،‏ وأراد ان يشارك جانّ فيه.‏ فكان يختار مقالات من المجلات التي يعرف انها ستثير فضولها،‏ ويضعها في مكان تسهل رؤيتها.‏ في آخر الامر،‏ وافقت هي ايضا على درس الكتاب المقدس،‏ وفي سنة ١٩٦٣ اعتمدا كلاهما.‏ وأولادهما ايضا قبلوا الحق،‏ وأحدهم،‏ جان-‏دانيال ميشوت (‏ابن جانّ قبل ان تتزوج ميشال ڤالار)‏،‏ يخدم كعضو في لجنة الفرع.‏

فيما كان پول شونڠ وينڠ،‏ استاذ شاب من ڠيانا الفرنسية،‏ يدرس في فرنسا،‏ تعرَّف الى الشهود.‏ كان خائب الامل بسبب حالة العالم ومواقف الناس.‏ التحق سابقا بالماسونيّة،‏ ولكنها لم تُجب عن الاسئلة التي تحيّره.‏ كان يقول لنفسه انه لا بد من وجود حق في مكان ما،‏ وعزم على البحث عنه.‏ فأقنعته اتصالاته بشهود يهوه انه وجد الحق.‏ ولدى عودته الى ڠيانا الفرنسية،‏ اتصل بميشال ڤالار،‏ ولفرحه الكبير علم انه توجد قاعة ملكوت قريبة جدا من بيته.‏ اعتمد في سنة ١٩٦٤،‏ واعتمدت زوجته في السنة التالية.‏ ثم أحرز تقدما سريعا.‏ عُيّن خادم الجماعة بعد سنة واحدة،‏ اذ كانت توجد حاجة ماسة في الجماعة الى رجال اكفاء وطوعيين.‏ ساعد على تأسيس عدد من الجماعات.‏ والآن هو عضو في لجنة الفرع.‏

دعم الناشرين المعزولين

كانت الجماعة في كايين تنمو،‏ ولكنّ الناشرين هناك لم يحصروا جهودهم في مقاطعتهم المحلية.‏ فكان الاخوة من كايين يقومون دوريا بزيارات في نهايات الاسابيع ليدعموا فرق الناشرين الصغيرة المعزولة في سان لوران،‏ مانا،‏ وإراكوبو.‏ كان برنامج هذه الرحلات مليئا.‏ تبدأ الرحلة من كايين،‏ فينتقلون بالسيارة بمحاذاة الشاطئ الى سان لوران على الحدود مع سورينام.‏ في الساعة السادسة مساء يوم السبت،‏ يُعقد اجتماع يشمل خطابا عاما ودرس برج المراقبة‏.‏ وبعد ان يقضوا الليل هناك،‏ ينتقلون شمالا الى مانا ليبدأوا الاجتماع هناك عند الساعة الثامنة صباحا.‏ وفي طريق العودة الى كايين يتوقفون في إراكوبو،‏ بعد ان يكونوا قد تناولوا غداءهم في الهواء الطلق،‏ ليعقدوا البرنامج نفسه عند الساعة الثالثة بعد الظهر.‏ ثم يرجعون الى كايين.‏

كانت نهايات الاسابيع تلك مُجهدة جدا،‏ ولكنّ الذين اشتركوا فيها لديهم ذكريات لا تُنسى.‏ تضمنت الرحلة قطع مسافة ٢٥٠ كيلومترا ذهابا و ٢٥٠ كيلومترا إيابا.‏ كانت الطرقات ترابية حمراء اللون وملآنة حفرا.‏ وبعد هطول امطار مدارية تفيض ويغمرها احيانا متر من الماء.‏ فكان على الاخوة ان ينتظروا بضع ساعات حتى ينخفض مستوى المياه قبل ان يتمكنوا من متابعة طريقهم.‏ كان ضروريا ان تسافر قافلة من السيارات معا تضم من خمس الى ست سيارات،‏ اذ ان الحفر في الطرقات عميقة جدا بحيث تُغرز السيارات فيها في اغلب الاحيان.‏ وعندما يحصل ذلك،‏ كان على الاخوة ان يقطعوا اشجارا صغيرة من الغابة ويضعوا الجذوع فوق الحفر.‏ ثم يدفع الجميع السيارات لتعبر فوق الجذوع.‏ والسيارة الاولى التي تعبر حفرة كبيرة تساعد السيارات الاخرى على العبور.‏ وكانت هنالك ايضا فترات تأخير اذ عليهم ان ينتظروا العبّارات في كورو وفي مانا.‏ كان البعوض يشن هجوما على الاخوة وهم منتظرون،‏ ولكنهم كانوا يستخدمون وقتهم لعرض المجلات على المارّة.‏

قوَّت هذه الزيارات فرق الناشرين المعزولين،‏ وكانت تعابير شكرهم تطغى على كل المشاكل التي يواجهها الاخوة في رحلتهم.‏ وتمتع الجانبان بالفوائد.‏ فالاخوة من كايين كانوا ايضا يتشجعون كثيرا بالضيافة والغيرة اللتين يظهرهما الاخ والاخت ڤان پاردو،‏ الاخت فانتان،‏ الاخت بارتابان،‏ والاخت دايفرايتاس.‏ لاحقا صُنعت الترتيبات ان يخدم الاخ والاخت فليرو من ڠوادلوپ كفاتحَين خصوصيَّين في هذه المنطقة،‏ وقد قاما بعمل ممتاز في تنمية الاهتمام.‏ ففي اتمام التفويض المعطى من يسوع ‹لتلمذة اناس من جميع الامم›،‏ لم يهمل شهود يهوه الاشخاص الموجودين في ڠيانا الفرنسية.‏ —‏ متى ٢٨:‏١٩‏.‏

تقدّم بطيء ولكن اكيد

بحلول سنة ١٩٧٠ كان يوجد ١٢٩ ناشرا في جماعة كايين،‏ كما كانت توجد فرق معزولة نشيطة في سان لوران وكورو.‏ كانت الاعداد صغيرة،‏ ولكن صار شهود يهوه معروفين جيدا في البلد.‏ ومع ذلك كان التقدّم بطيئا.‏ فقد مرت عشر سنوات اخرى قبل ان يتضاعف عدد المنادين بالملكوت في البلد.‏

وما اعاق التقدم الروحي هو صعوبة تقبّل البعض مشورة الكتاب المقدس المتعلقة بالفصل والتوبة.‏ وظهرت انقسامات بين الناشرين.‏ فكان البعض يؤيدون قرارات هيئة الشيوخ،‏ والبعض لا.‏ فأتى نظار جائلون من ڠوادلوپ ليراجعوا مع الاخوة ارشادات الهيئة الحاكمة حول هذه القضية.‏ والذين قبلوا التوجيه الذي اتى بواسطة قناة يهوه نموا وازدهروا.‏

وما اثر ايضا في الناشرين هو موقف الناس من خدمتنا في كايين.‏ فقد كانت الكنيسة الكاثوليكية ذات نفوذ كبير.‏ واحتقر رجال الدين الشهود وحرضوا رعاياهم ضدهم.‏ لكن ذلك لم يثبط الاخوة.‏ وفي الواقع،‏ لقد اثارت غيرتهم ضجة في المجتمع.‏ فعندما لم يكن الناس يفتحون ابوابهم،‏ كان الشهود يذهبون الى الجهة الخلفية من البيت ليفتشوا عن اشخاص ربما يكونون مختبئين في الفناء الخلفي.‏ وخاض بعض الاخوة مجدالات حامية عن السبت مع اشخاص مجيئيين،‏ وعن نار الهاوية وخلود النفس مع اشخاص إنجيليين.‏ وكان يمكن ان تدوم تلك المناقشات من الصباح حتى المساء!‏

داڤيد مورو،‏ الذي اتى من مارتينيك ليخدم كناظر دائرة،‏ يتذكر احدى هذه المجادلات.‏ «كنا نتكلم مع شاب،‏ فأتى قسّ من الكنيسة المجيئية السبتية وشارك في المناقشة.‏ وأصرّ على التكلم عن السبت.‏ فقال الاخ ڤيرڠو انه اتى للتكلم عن ملكوت اللّٰه،‏ ولكنّ المناقشة تحوّلت ودارت حول السبت.‏ ذكر القسّ:‏ ‹السبت من اللّٰه.‏ حتى في الفردوس الآتي سنظل نحفظ السبت!‏›.‏ واقتبس اشعياء ٦٦:‏٢٣‏:‏ ‹يكون من هلال الى هلال ومن سبت الى سبت ان كل ذي جسد يأتي ليسجد امامي قال الرب›.‏ فسأل الاخ ڤيرڠو القسّ:‏ ‹بحسب هذه الآية،‏ ماذا كان يوم الاربعاء الماضي؟‏›.‏ قدّم القسّ،‏ وهو يتصبّب عرقا،‏ عدة اجوبة لكنه لم يقدر ان يجد الصلة بين الاربعاء الماضي والآية.‏ اجاب الاخ ڤيرڠو:‏ ‹كان القمر هلالا!‏ اذًا،‏ انت تحفظ السبت ولكنك تنسى حفظ الهلال!‏ فأنت تحذف اكثر من حرف صغير من الكتاب المقدس›».‏ قال ڤيرڠو لاحقا لداڤيد:‏ «لا اشرع في الخدمة قبل ان انظر الى الروزنامة لأعرف متى يكون القمر هلالا،‏ في حال التقيت احد المجيئيين».‏

مع ان الاخوة صاروا مهرة في الدفاع عن معتقداتهم،‏ فقد كان البعض يركزون اكثر على ربح الجدال بدل التفتيش عن المشبهين بالخراف.‏ فكان يلزم تدريبهم ليشهدوا بفعالية للناس،‏ وقد زوّد يهوه المساعدة اللازمة.‏

المرسَلون يفتتحون المناطق الداخلية

في اواخر سبعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ بدأ يصل الى ڠيانا الفرنسية مرسَلون مدرَّبون في مدرسة جلعاد،‏ فضلا عن فاتحين من فرنسا معيّنين للعمل في الخدمة الارسالية.‏ وبوشر العمل الهام لتدريب الجماعات وتقويتها.‏ فتعلّم الاخوة كيفية تقديم شهادة لبقة وفعالة اكثر.‏ وتولّى المرسَلون ايضا القيادة في الكرازة بين شتى الفرق اللغوية في البلد.‏ وسرعان ما حذا حذوهم الاخوة المحليون وبدأوا يتعلمون الانكليزية،‏ الپرتغالية،‏ السرانانتونڠية،‏ والڠاليبي،‏ التي هي لغة هندية اميركية.‏ والآن يزوّد مكتب الفرع في ڠيانا الفرنسية مطبوعات للتوزيع بـ‍ ١٨ لغة.‏

في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٩١،‏ عُيّن جوناداب لالند وزوجته،‏ وكلاهما متخرجان من مدرسة جلعاد ويخدمان في كاليدونيا الجديدة،‏ ليخدما في منطقة كورو ويقويا الجماعة هناك.‏ وكان اولڠا لالند،‏ والد جوناداب،‏ قد زرع بعض البذار الاول لحق الكتاب المقدس في ڠيانا الفرنسية.‏ والآن يوجد اكثر من ٢٨٠ ناشرا يسبّحون يهوه في كورو.‏

كان المرسَلون سبّاقين ايضا في بذل جهود لافتتاح مقاطعات جديدة،‏ وخصوصا في المنطقة الداخلية التي يصعب الوصول اليها.‏ ولم يثنهم ان ذلك يشمل التعرض لأمراض مدارية مثل الملاريا،‏ مصادفة ثعابين،‏ تحمّل اسراب الحشرات،‏ اجتياز انهار قوية ومندفعات خطرة للوصول الى القرى المعزولة،‏ ومواجهة امطار غزيرة ووحول.‏

وقد قام إيلي ولوسيت ريڠالاد بعمل ممتاز في كايين وسان لوران.‏ وخدما ايضا في مقاطعة لم تُخدَم قبلا بمحاذاة الجزء الاعلى لنهر ماروني على الحدود الغربية للبلد.‏ وقاما برفقة فريق صغير من الاخوة بحملة كرازية دامت ثلاثة اسابيع شملت كل القرى المحاذية للنهر من سان لوران الى ماريپاسولا.‏ قوطعت هذه الرحلة ليُعالَج احد الاخوة في الفريق في سان لوران من اصابة خطيرة بالملاريا.‏ ولكنّ الحملات الكرازية في الداخل استمرت ليتمكن الناس هناك من سماع البشارة.‏

كان الوصول الى سانت إيلي،‏ قرية اسسها في القرن التاسع عشر المستكشفون الذين يبحثون عن الذهب،‏ يتطلب القيام برحلة تدوم سبع ساعات بزورق صغير من ضفة نهر سينَمَري عبر وسط البلد.‏ يلي ذلك السير يومين مسافة ٣٠ كيلومترا عبر الدغل،‏ ويكون الشخص حاملا حقيبة ثقيلة على ظهره.‏ فكل الذين يشهدون هناك عليهم ان يجلبوا ما يكفي من الطعام لثلاثة ايام بالاضافة الى كمية لا بأس بها من المطبوعات.‏ وفي الليل هم بحاجة الى اشعال نار لإبعاد الحيوانات،‏ كما يحتاجون على الارجح الى ارجوحة شبكية للنوم.‏ ولكنها كانت فرحة كبيرة بالنسبة الى مرسَلَين من فرنسا،‏ إريك كوزينيه وميشال بوكيه،‏ ان يقوما بتلك الرحلة ويقدّما شهادة شاملة للسكان البالغ عددهم ١٥٠ شخصا.‏ وخلال اقامتهما هناك،‏ حضر عشرون شخصا خطاب الصور المنزلقة الذي قُدّم.‏

وجد الاخَوان بين هؤلاء الاشخاص فانيلي،‏ التي كانت تحاول ان تشبع حاجتها الروحية.‏ كانت سابقا من الكاثوليك الرومانيين.‏ ومؤخرا انضمت الى المجيئيين.‏ ولكن لم يأتِ احد من دينها ليزورها في سانت إيلي.‏ كانت تجاوب عن اسئلة دروس الكتاب المقدس التي تُرسَل اليها بالبريد،‏ ولكن لم يكن احد يردّ اليها جوابا.‏ عندما التقت الشاهدَين،‏ ادركت انهما الوحيدان اللذان يبذلان جهودا لزيارة الناس في الاماكن النائية مثل سانت إيلي.‏ فدرست فانيلي مع الاخوَين يوميا طوال اسبوع.‏ بُعيد ذلك،‏ انتقلت الى مدينة اكبر مدة ستة اشهر.‏ وخلال تلك الفترة،‏ كانت تدرس ثلاث مرات في الاسبوع.‏ وعندما عادت الى القرية،‏ كانت ناشرة غير معتمدة.‏ كانت فانيلي تعتني بزوجها الذي ليس من الشهود وبأولادها الصغار الخمسة،‏ ولكنّ غيرتها للحق دفعتها الى صرف اكثر من ٤٠ ساعة كل شهر في الشهادة للآخرين.‏ كما ساعدت على تنظيم اجتماعات للاشخاص المهتمين.‏ وعندما رتبت لعقد الذكرى،‏ حضر ٤٠ شخصا.‏ منذ ذلك الحين،‏ انتقلت فانيلي الى الساحل،‏ ولكنها تستمر في كونها نشيطة في الخدمة.‏ وهي فرحة لأن احدى بناتها اعتمدت وزوجها يدرس الآن.‏

من المجتمعات الاخرى التي وصل اليها المرسَلون اولا:‏ كو،‏ واناري،‏ وفاڤار،‏ في شرقي البلد.‏ يتذكر الاخ كوزينيه جيدا رحلته الكرازية الاولى الى تلك الاماكن في سنة ١٩٨٧ مع بعض الشهود المحليين.‏ لقد ركبوا عبّارة ثم قادوا السيارة مسافة ٤٠ كيلومترا على طريق ترابية حمراء اللون حتى وصلوا الى مستنقع.‏ عندما اوقفوا السيارة،‏ سمعوا زئيرا مرعبا.‏ فظن الاخ كوزينيه انها حيوانات جكوار مستعدة للهجوم.‏ لكنّ الاخوة المسافرين معه اكدوا له انها مجرد مجموعة من القرود العوّاءة التي انزعجت من وصولهم.‏ التقى الاخوة في رحلتهم زوجَين كانا يبحثان عن الحق.‏ انتقل هذان الزوجان الى كايين،‏ تقدما الى درجة المعمودية،‏ ويخدمان الآن في الحقل الپرتغالي في ڠيانا الفرنسية.‏

تدريجيا،‏ وصلت البشارة الى العديد من المقاطعات النائية الاخرى.‏ ڠران سانتي،‏ پاپايشتون،‏ وساوول هي بعض تلك الاماكن التي استفادت من الزيارات الاولى التي قام بها المرسَلون.‏ والآن يزور ناشرو الملكوت قانونيا معظم المقاطعات غير المخدومة في السابق.‏

الكرازة في ماريپاسولا

وصلت رسالة الملكوت الى ماريپاسولا،‏ قرية مهمة جدا قرب منبع نهر ماروني،‏ باكرا في سنة ١٩٦٣.‏ فلأسباب مهنية،‏ كان على ادريان جان-‏ماري،‏ الذي كان آنذاك احد تلاميذ الكتاب المقدس،‏ ان يذهب الى هناك ثلاث مرات في السنة.‏ كان متحمسا جدا للحق،‏ فانتهز الفرصة ليقدّم شهادة شاملة وكان يترك دائما الكثير من المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس.‏

مع ان آخرين بشّروا ايضا في ماريپاسولا،‏ كان من الصعب التحدث الى السكان المحليين الذين يتكلمون اللغة السرانانتونڠية.‏ فهذه اللغة،‏ المعروفة عند السكان المحليين باسم تاكي-‏تاكي،‏ ترتكز على الانكليزية وتستعمل عناصر لغوية من اللغات الهولندية،‏ الفرنسية،‏ الپرتغالية،‏ وعدة لغات في افريقيا والهند.‏ وقد ارسل فرع سورينام الى ماريپاسولا فاتحين خصوصيين يتكلمون السرانانتونڠية ليقضوا هناك بين ثلاثة وستة اشهر،‏ ولكن لم يكن تجاوب السكان ايجابيا.‏ وأخيرا طُرد الاخوة من القرية بحجة انهم غرباء من سورينام.‏ وفي الواقع،‏ كان السبب الرئيسي انهم من شهود يهوه.‏

في سنة ١٩٩٢،‏ أُرسل الى هناك كورنيلي وإيلين لانڠيه كفاتحَين خصوصيَّين.‏ وقد سهّلت جدا معرفتهما للغة السرانانتونڠية عملهما الكرازي،‏ وبسبب كونهما فرنسيَّين كان الناس على استعداد اكثر لقبولهما.‏ كانا يكرزان ثلاثة ايام في الاسبوع في ماريپاسولا،‏ وثلاثة ايام في پاپايشتون،‏ قرية تبعد بالزورق الصغير ساعة عن ماريپاسولا.‏ في البداية،‏ عقدا اجتماعات في بيتهما في ماريپاسولا.‏ وبعد سنتين من العمل،‏ ثمانية اشخاص حضروا الذكرى.‏ وثابر هذان الزوجان على كرازتهما في تلك المقاطعة النائية.‏ فمحبتهما للشعب ساعدتهما على تحمل مشاكل عديدة.‏ وأخيرا كوفئ صبرهما،‏ وتأسست جماعتان هناك.‏

احد الذين تجاوبوا مع رسالة الكتاب المقدس هو انطوان تافانييه،‏ الذي يُعتبر عضوا مهما في مجتمعه بسبب كونه قريبا لصيقا لِـ‍ ڠران مان،‏ صاحب السلطة العليا في المجتمع الذي يدين بمذهب الروحانية.‏ كان لتافانييه خليلتان،‏ وهو امر شائع في المنطقة المحاذية للنهر.‏ لذلك عندما اتخذ تافانييه موقفه الى جانب الحق،‏ كان عليه ان يصنع تغييرات في حياته،‏ إما ان يتزوج احدى المرأتين او ان يبقى عازبا.‏ عندما علمت المرأتان الساكنتان في بيتين منفصلين انه سيختار واحدة منهما،‏ حصلت مشاجرة عنيفة بينهما.‏ واليوم،‏ انطوان تافانييه هو شاهد معتمد سعيد يخدم يهوه الى جانب زوجة واحدة.‏ وماذا عن المرأة الاخرى؟‏ بعد مدة من الوقت،‏ بدأت هي ايضا تدرس الكتاب المقدس وهي الآن خادمة ليهوه معتمدة.‏

نما التقدير لشهود يهوه في تلك المنطقة.‏ وثمة جمعية محلية اتاحت لهم الاجتماع في احد الامكنة دون اجر مدة ثلاث سنوات.‏ وعندما حان الوقت لبناء قاعة ملكوت،‏ تبرَّع هؤلاء المتعاطفون بنصف الصفائح المعدنية.‏ وعرضت جمعية محلية اخرى مسؤولة عن محطة التلفزيون اشرطة الڤيديو الخمسة المتوفرة آنذاك التي اصدرتها جمعية برج المراقبة.‏ وقد قدّر سكان القرية على نحو خصوصي شريط الڤيديو شهود يهوه —‏ الهيئة وراء الاسم.‏

بات الشهود مقبولين في هذه المنطقة التي كانت عدائية في السابق.‏ وفي سنة ١٩٩٣،‏ صار يوجد في كل من ماريپاسولا وپاپايشتون قاعة ملكوت.‏ وأصبح لدى الناس العائشين في هذه المنطقة بمحاذاة نهر ماروني فرص قانونية لسماع رسالة الملكوت.‏

في محاذاة نهر اوياپوك

ماذا كان يُنجَز على طول حدود البلد الشرقية،‏ حيث يجري نهر اوياپوك بين ڠيانا الفرنسية والبرازيل؟‏ في سنة ١٩٧٣،‏ قدّم ادريان جان-‏ماري شهادة جيدة في مدينة سان جورج.‏ دامت زيارته الاولى ثلاثة ايام.‏ وخلال السنة نفسها،‏ عاد مرتين وتمكن من عقد اجتماع عام حضره ٢٠ شخصا.‏ وابتُدئ ببضعة دروس في الكتاب المقدس بالمراسلة،‏ ولكنّ ذلك لم ينجح تماما لأن التلاميذ ليسوا معتادين على كتابة الرسائل.‏ وفي تانپاك،‏ قرية لزنوج الادغال واقعة على النهر نفسه،‏ وجد الاخ جان-‏ماري ايضا المهتمين برسالة الكتاب المقدس.‏

بعد عشر سنوات،‏ في سنة ١٩٨٣،‏ أُرسلت إتيِنيز ماند وجاكلين لافيتو لتقديم المزيد من الشهادة ولمساعدة المهتمين في تلك المنطقة النائية.‏ عند الامكان،‏ كان الاخوة من كايين يسافرون بالطائرة الى سان جورج ويقضون هناك نهاية الاسبوع ليقدموا الدعم للاختين بالاشتراك معهما في خدمة الحقل وبإلقاء خطابات عامة.‏ ولكن كان يلزم الكثير من الصبر قبل ان تظهر الثمار.‏ تتذكر الاخت ماند:‏ «بدأت عددا من الدروس في الكتاب المقدس.‏ ولكن قبل مضي وقت طويل،‏ بدأ الكاهن المحلي يقاوم عملنا.‏ فكان البعض يقولون:‏ ‹قال لنا الكاهن الا نصغي الى الشهود وألا نستقبلكم في بيتنا لأنكم عملاء ابليس›.‏ فأوقف عدد من تلاميذي الدرس».‏ ولكن مع المثابرة بانت النتائج.‏

ميشال بوكيه وريشار روز،‏ وهو فاتح خصوصي،‏ شاركا ايضا في تنمية الاهتمام بالحق في تلك المنطقة.‏ فقُدّمت شهادة واسعة في سان جورج،‏ ولكن بدءا من سنة ١٩٨٩،‏ عُيّنا للاهتمام بمقاطعة خارج تلك المنطقة.‏ ومؤخرا حصل الاخ روز وزوجته على امتياز كونهما اول فاتحَين من ڠيانا الفرنسية يحضران مدرسة جلعاد.‏ وهما يخدمان حاليا في هايتي.‏

عندما ترسخ العمل على ضفة نهر اوياپوك التابعة لڠيانا الفرنسية،‏ صُنعت الترتيبات للخدمة في مقاطعة صغيرة تقع على الضفة الاخرى للنهر في البرازيل.‏ فعدد سكان مدينة اوياپوكا ٠٠٠‏,١٠ شخص،‏ وتبعد نحو ٢٠ دقيقة بالزورق الصغير عن سان جورج.‏ وسرعان ما ادرك الاخوة انه يوجد هناك اهتمام اكثر مما يوجد في سان جورج،‏ فركزوا اهتمامهم على تلك المقاطعة.‏ يتذكر الاخ مورو:‏ «كنا نقضي الليل في مؤخر احد المتاجر.‏ لم يكن الامر سهلا في تلك الظروف،‏ مع ان امرأة لطيفة تدعو نفسها ‹اختا› كانت تقدم لنا مكانا للمبيت وبرميل ماء لنغتسل.‏ عندما اشتكت زوجتي ماريلين من رائحة الماء،‏ ضحك الفاتحون المحليون الشبان.‏ فكان الجميع قد اغتسلوا في ظلام الفناء الخلفي وذهبوا للنوم.‏ في الصباح التالي،‏ شعرنا بالاشمئزاز عندما اكتشفنا ان جرذا كبيرا كان غارقا في البرميل وقد طفا على سطح الماء».‏ ولكنّ ذلك لم يطغَ على الاختبارات الجيدة التي تمتعوا بها في الخدمة.‏

ثم بادر الاخ بوكيه واشترى قطعة ارض في مدينة اوياپوكا.‏ وعمل مع الاخ روز الى جانب فاتحين آخرين وإخوة من كايين في بناء قاعة ملكوت تسع ٨٠ مقعدا بالاضافة الى شقة متصلة بها.‏

في تسعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ وصل الى اوياپوكا فاتحان خصوصيان،‏ الزوجان دا كوستا لتقديم المساعدة.‏ صمّما ان يزورا كل المدارس ويعرضا على المدير الكتاب العملي اسئلة يطرحها الاحداث —‏ اجوبة تنجح.‏ وطلبا ايضا اذنا بعرض هذا الكتاب على كل التلاميذ.‏ فسُمح لهما بذلك.‏ وبعد سماع ما يحتويه الكتاب،‏ طلب كل التلاميذ وكل الاساتذة نسخا منه.‏ فوزّعا ٢٥٠ كتابا.‏

ويذكر الاخ دا كوستا:‏ «كانت لنا مناقشة ممتازة مع قائد المعسكر المحلي،‏ وقدّمنا له نسخة من كتاب المعرفة التي تؤدي الى الحياة الابدية.‏ قبله وطلب مساعدة في معالجة السكر والفساد الادبي بين رجاله في المعسكر.‏ فعرضنا إلقاء خطاب على الرجال.‏ اعجبته الفكرة ووعد انه سيكون هنالك فريق صغير في الاسبوع التالي.‏ عندما عدنا لإلقاء الخطاب،‏ وجدنا ١٤٠ جنديا بانتظارنا.‏ وانتبه الجميع جيدا لما كان يُقال.‏ وزعنا ٧٠ مجلة،‏ اذ لم يكن معنا المزيد لأننا لم نتوقع ان نرى هذا العدد الكبير في اجتماعنا.‏ استمر هذا الترتيب طوال اسابيع.‏ ولكنّ هؤلاء الجنود لا يبقون فترة طويلة في موقع واحد،‏ لذلك فقدنا الاتصال بمعظمهم».‏ الا ان كثيرين تجاوبوا بطريقة ايجابية مع المساعدة التي قُدِّمت.‏

ثمة امرأة تدعى روزا درست الكتاب المقدس مع الشهود في البرازيل،‏ ولكنها لم تتجاوب كاملا مع البشارة.‏ عندما سمعت بوجود فرصة لجني مال كثير بالعمل في منجم ذهب في ڠيانا الفرنسية،‏ تركت شقتها ودرسها في الكتاب المقدس وأتت الى اوياپوكا وفي نيتها دخول ڠيانا الفرنسية بطريقة غير شرعية.‏ بالطبع ليس آمنا ان تعيش امرأة بين رجال في منجم ذهب في وسط الغابة.‏ فقبل ان تغادر الى المناجم،‏ ثمة اخت مهتمة بها في اوياپوكا ساعدتها ان تعيد النظر في وضعها.‏ تأثرت روزا بعمق بمشورة الكتاب المقدس في متى ٦:‏٢٥-‏٣٤‏،‏ وغيرت رأيها.‏ ثم نذرت حياتها ليهوه ورجعت الى ديارها.‏ وبعد انفصالها عن زوجها سنوات عديدة،‏ عادا واتحدا ثانية.‏

يوجد الآن جماعة من ٢٥ ناشرا في اوياپوكا.‏ وجهود الناشرين الخمسة في سان جورج تنتج ايضا ثمرا.‏ وكان جان رينيه ماتورين أول ساكن في سان جورج يأخذ موقفا الى جانب الحق.‏ واليوم هو خادم مساعد،‏ وزوجته فاتحة قانونية.‏

محافل مبهجة

في ازمنة الكتاب المقدس،‏ أُمر عباد يهوه ان يجتمعوا قانونيا للعبادة.‏ (‏تثنية ١٦:‏١-‏١٧‏)‏ كذلك كانت المحافل الدائرية والكورية مناسبات بارزة لعباد يهوه العصريين في ڠيانا الفرنسية.‏ حتى عندما كان الناشرون قليلين،‏ لم يحجم الاخوة عن قبول مسؤولية تنظيم محافل.‏ يذكر احد الاخوة:‏ «في ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ دامت محافلنا الكورية ثمانية ايام.‏ وعُرضت فيها اربع مسرحيات من الكتاب المقدس.‏ كان على الممثلين ان يحفظوا ادوارهم غيبا،‏ وعلى الناشرين القليلي العدد ان يعملوا جاهدين.‏ ولسعادتنا،‏ كان يأتي عدد كبير من الاخوة من مارتينيك وڠوادلوپ ليساعدونا في المحافل».‏ وقد قدّر الاخوة حضورهم جدا.‏ ولا يزال كثيرون يتذكرون بإعزاز حين كان يذهب معظم الاخوة المحليين الى المطار للترحيب بالمندوبين الآتين من مارتينيك وڠوادلوپ.‏

كانت تلك التجمعات مناسبات مفرحة حقا.‏ فكان كل محفل وليمة روحية،‏ وشعر الاخوة كما شعر الاسرائيليون الذين قال لهم يهوه:‏ «تفرحون امام الرب الهكم».‏ —‏ لاويين ٢٣:‏٤٠‏.‏

والاخوة الاكثر خبرة كانوا مشغولين جدا.‏ فكانوا يهتمون بتنظيم المحفل،‏ يلقون خطابات،‏ ويمثلون في اغلب الاحيان في عدة مسرحيات.‏ وكان امرا عاديا ان يشترك اخ في ثلاث مسرحيات ويلقي خمسة او ستة خطابات.‏

كانت تُحضَّر وجبات غنية وتُقدَّم وقت الغداء،‏ الامر الذي زاد العمل المتوجب.‏ واشتملت قائمة الطعام احيانا على اطباق الخنزير،‏ العظاية،‏ الأغوطي،‏ السلحفاة،‏ والمدرَّع.‏ وفي بعض الحالات،‏ كان على الاخوة في وقت المحفل ان يصطادوا لتأمين الطعام الذي سيُقدَّم.‏

لكنّ ايجاد اماكن لعقد المحفل كان تحديا على الدوام.‏ في البداية،‏ استُخدم بيت عائلة ڤالار.‏ فبنى الاخوة سقيفة في الفناء،‏ وكل سنة كانت تُكبَّر لتغطي عدد الحضور المتزايد.‏ ولكن عندما زاد عدد الحضور عن ٢٠٠ شخص،‏ كان من الضروري البحث عن مكان اكبر.‏ في البداية،‏ كانت ملاعب كرة اليد وكرة السلة هي الاماكن الوحيدة المتوفرة ليستأجروها.‏ فيبني الاخوة منصة ويطلبون من الحضور ان يجلبوا معهم كراسيهم.‏ لم يكن الامر سهلا،‏ ولكنّ الاخوة نظروا الى الوضع بطريقة ايجابية.‏ ولم يتردد الشبان قط في تقديم مقاعدهم للاكبر سنا،‏ ولو عنى ذلك ان عليهم الوقوف كل النهار.‏

طوال سنوات،‏ استؤجرت صالات الرقص لعقد المحافل.‏ وعندما تنتهي فترة يوم السبت،‏ كان على الاخوة ان يخلوا الصالة بسرعة بسبب وصول الموسيقيين لكي يستعدوا للرقص الذي يدوم كل الليل.‏ وفي الصباح الباكر،‏ يعود الاخوة لينظفوا الصالة ويعدّوها لفترة يوم الاحد الصباحية.‏ بالطبع لم يكن يُنظر عموما الى تلك الاماكن بوصفها اماكن ملائمة لاجتماع ديني.‏ فعندما كان الاخوة يجتمعون في صالات الرقص،‏ كان الناس في المقاطعة يستهزئون.‏ ولكن بمرور الوقت،‏ لم تعد ايضا هذه الاماكن كبيرة كفاية لتسع العدد المتزايد من الناس الذين يحضرون المحافل.‏

اخيرا،‏ قرّر الاخوة بناء قاعة محافل خاصة بهم،‏ متبعين نموذج قاعات المحافل في مارتينيك وڠوادلوپ:‏ هيكل معدني مسقوف بصفائح معدنية.‏ لقد كانت القاعة كبيرة كفاية لتسع حوالي الف شخص،‏ ومع ذلك من السهل تفكيكها.‏ كانت الخطوة التالية ايجاد قطعة ارض حيث يمكن انشاء قاعة المحافل هذه.‏ فعرض الاخ جان-‏دانيال ميشوت استعمال قسم من ارضه.‏ ودام هذا الترتيب سنوات عديدة.‏

مشروع بناء غير عادي

اذ ازداد الاهتمام بالحق،‏ لزمت قاعة محافل اكبر.‏ فبدأ الاخوة يبحثون عن قطعة ارض كبيرة لبناء قاعة محافل تسع ٠٠٠‏,٢ مقعد.‏ وبعد البحث سنوات عديدة،‏ وجدوا قطعة ارض مساحتها ٣ هكتارات في مكان مناسب جدا وبسعر معقول.‏ وبما ان الاخوة المحليين لم يكونوا ملمّين بالهندسة والبناء،‏ طُلبت المساعدة من فرع فرنسا.‏ وكان المشروع الذي أُعدّ غير عادي حقا.‏ ونُفّذ سنة ١٩٩٣.‏ شمل المشروع تشييد قاعة محافل مساحتها ٠٠٠‏,٢ متر مربع،‏ خمس قاعات ملكوت،‏ ثلاث شقق للفاتحين الخصوصيين،‏ وثلاثة بيوت للمرسَلين،‏ وقد بُني كل ذلك في مجرد ثمانية اسابيع!‏

شُحن الكثير من المواد من فرنسا في ٣٢ حاوية كبيرة.‏ وشملت الشحنة جرّارات،‏ شاحنات،‏ باصات،‏ قوالب بناء،‏ صفائح معدنية،‏ وغيرها من مواد البناء،‏ بالاضافة الى كمية كبيرة من الطعام.‏ وقد عملت بكدّ لجان البناء الاقليمية في فرنسا التي كانت لها علاقة بالمشروع.‏

خلال تنفيذ المشروع،‏ اتى نحو ٨٠٠ اخ وأخت من فرنسا على نفقتهم الخاصة للعمل مع الاخوة والاخوات المحليين الـ‍ ٥٠٠ في اربعة مواقع بناء مختلفة.‏ كان موقع البناء في اقصى الغرب يبعد ٢٥٠ كيلومترا عن موقع البناء في اقصى الشرق،‏ فكانت تلزم اتصالات جيدة.‏ وقد اتى الاخوة الفرنسيون في مجموعات متناوبة خلال فترة الشهرين،‏ ولكن في احدى المراحل وُجد ٥٠٠ شاهد من فرنسا يعمل مع ٤٢٢ شاهدا محليا.‏ كان إيواء كل العمال يشكل تحديا.‏ فأضاف العديد من العائلات المحلية اثنين او ثلاثة عمال فرنسيين،‏ ولم يمكث احد في الفندق.‏ ولزم ايضا تأمين المواصلات للعمال.‏ يروي احد الاخوة:‏ «في طريقي الى العمل،‏ كنت اغيّر مساري لأتمكن من نقل بعض العمال الى موقع البناء ثم أُرجعهم بعد العمل.‏ لقد بذلنا اقصى جهدنا لإراحة العمال».‏

بينما كان الفريق الاساسي في ماتوري في موقع بناء قاعة المحافل (‏المصممة ايضا ليكون فيها قاعة ملكوت)‏،‏ كان آخرون في سينَمَري لبناء قاعة ملكوت وبيت صغير للمرسَلين.‏ في مانا،‏ كان يُبنى ايضا قاعة ملكوت اخرى وبيت للمرسَلين.‏ وفي القطاع الذي يتكلم السرانانتونڠية في مانا،‏ كانت تُبنى قاعة ملكوت مع شقة للفاتحين الخصوصيين.‏ وفي سان لوران،‏ بُنيت قاعة ملكوت تسع ٣٣٠ مقعدا وبيت للمرسَلين يسع ستة اشخاص.‏ وتجتمع هناك جماعتان.‏ وتُستعمل قاعة الملكوت الكبيرة هذه للمحافل باللغة السرانانتونڠية،‏ حيث يبلغ عدد الحضور في اغلب الاحيان ٦٠٠ شخص تقريبا.‏

بعد عمل البناء الضخم هذا،‏ قرَّر بعض الاخوة الفرنسيين البقاء في ڠيانا الفرنسية.‏ وبالاضافة الى تقديم مهاراتهم في البناء،‏ باركوا الجماعات بالخدمة كشيوخ،‏ خدام مساعدين،‏ وأعضاء في لجان البناء.‏ ولاحقا شارك البعض في بناء تسهيلات جديدة للفرع.‏

الحاجة الى مكتب فرع

بدأ مكتب فرع ڠيانا الفرنسية عمله في سنة ١٩٩٠ في بيت مستأجر في مونجولي،‏ مدينة قرب العاصمة.‏ وعُيّن داڤيد مورو ليخدم كمنسق لجنة الفرع.‏ ففيما كان يخدم في مارتينيك منذ تخرجه من مدرسة جلعاد في سنة ١٩٨١،‏ كان يعتني مرارا بتعيينات في ڠيانا الفرنسية.‏ وخدم معه في لجنة الفرع جان-‏دانيال ميشوت،‏ پول شونڠ وينڠ،‏ وإريك كوزينيه.‏ لاحقا،‏ عُيّن كريستيان بيلوتي ليخدم معهم.‏ وقد قدّرت الجماعات كثيرا تلقّي التوجيه محليا بواسطة اخوة ناضجين يعرفون حاجاتهم جيدا.‏

عندما أُنشئ الفرع،‏ كانت نسبة ناشري الملكوت الى سكان البلد ١ الى ١٧٣.‏ ومن ضمن الناشرين الـ‍ ٦٦٠ كان يوجد ١٤ مرسلا معيّنون في شتى انحاء البلد.‏ لكن مع النمو المتزايد للناشرين —‏ وصل في بعض السنوات الى ١٨ في المئة —‏ صار ضروريا البحث عن تسهيلات للمكتب ملائمة اكثر.‏ في سنة ١٩٩٢،‏ نُقل مكتب الفرع الى ماتوري على بعد مسافة قصيرة من كايين.‏ ثم في سنة ١٩٩٥ وافقت الهيئة الحاكمة على انشاء بناء يلائم حاجاتنا اكثر.‏ واستلزم العمل سنتين ليصبح المجمّع الجديد حقيقة.‏ كم افرح ذلك الاخوة،‏ وكم كانت رائعة الشهادة التي قُدّمت!‏

تحديات الخدمة

تتطلب الكرازة بالبشارة في هذا البلد كدًّا وتضحية ومحبة.‏ ويلاحظ ذلك تلاميذ الكتاب المقدس المخلصون.‏ ذكرت واحدة منهم للشاهدة التي تدرس معها:‏ «حقا،‏ انني ارى المحبة والتضحية اللتين تظهرينهما تجاهي.‏ فطوال اشهر،‏ حتى وهي تمطر،‏ اتيت قانونيا لتعلميني عن البشارة.‏ بالمقابل،‏ سأذهب كل يوم احد الى اجتماعاتكم».‏ وهذا ما فعلته،‏ وقد جلبت معها ايضا بعض الاصدقاء.‏

في بعض الاحيان،‏ لكي يصل الناشرون الى مكان عقد الدرس،‏ كان عليهم ان يمشوا على جذع شجرة موضوع فوق خندق مائي.‏ وعندما يكون نصف الجذع مغمورا بالماء،‏ يشكّل ذلك تحديا اكبر.‏ كان داڤيد مورو يسير على الجذع وذراعاه ممدودتان ليحافظ على توازنه ووراءه اخت فاتحة،‏ فسمع سقوط احد في الماء خلفه.‏ بشجاعة صعدت الاخت على الجذع،‏ وعندما وصلت الى مكان عقد الدرس اغتسلت،‏ وعقدت الدرس كأنه لم يحدث شيء.‏

في مكان آخر،‏ وصل الاخ بوكيه بزورق صغير الى احدى القرى،‏ وكان الماء قد انحسر وتحولت الضفة طبقة سميكة من الوحل.‏ إذ سار باتجاه القرية،‏ غرق في الوحل حتى ركبتيه.‏ وبعد ان سار ٢٥ مترا تقريبا وصل اخيرا الى ارض جافة.‏ فأعطاه القرويون اللطفاء ماء ليغسل رجليه،‏ ثم بدأ خدمته.‏

بالاضافة الى بُعد قرى الهنود الاميركيين واختلاف اللغات،‏ توجد امور اخرى تصعّب الوصول اليهم.‏ ففي محاولة لحماية هذه المقاطعات من اجتياح المدنية،‏ حدّت الحكومة من دخول الناس الى مقاطعاتهم.‏ ولم تكن مسموحة الكرازة المنظّمة في قراهم.‏ ولكن عندما يزور الهنود الاميركيون القرى المجاورة لشراء حاجاتهم،‏ يحاول شهود يهوه ان يخبروهم عن الرجاء الرائع بعالم خالٍ من كل الامراض،‏ بما فيها الملاريا،‏ الذي يُعتبَر بلوى بالنسبة الى اناس كثيرين هنا.‏

بالنسبة الى البعض،‏ ان حفظ المواعيد وحضور الاجتماعات في وقت محدد يتطلبان تغييرا جذريا في طريقة تفكيرهم.‏ فمنذ ثلاثين سنة،‏ لم يكن السكان الاصليون يلبسون ساعات،‏ ولم يكن احد على عجلة من امره.‏ لذلك كان الوصول الى الاجتماعات في الوقت المحدد مفهوما جديدا.‏ كانت احدى الاخوات فرحة عندما وصلت خلال الصلاة،‏ ولكنها اكتشفت انها الصلاة الختامية!‏ وفي مناسبة اخرى،‏ كان مرسَل يكرز في سان جورج،‏ فسأل رجلا هل قرية ريجينا بعيدة جدا.‏ اجاب الرجل:‏ «لا،‏ ليست بعيدة».‏ سأل الاخ:‏ «كم تبعد؟‏».‏ اجاب الرجل:‏ «تسعة ايام فقط سيرا على الاقدام وتصل الى هناك».‏ ان هذه النظرة الى الوقت تُظهر ايضا لماذا يؤجل البعض قرارهم لخدمة اللّٰه،‏ مع انهم يحبون الحق.‏

وكان على البعض ان يختاروا بين الشرائع القبلية ومبادئ الكتاب المقدس في ما يتعلق بالحياة العائلية.‏ وأحيانا كان يؤدي عزمهم السلوك في طرق يهوه الى سكب زعيم القرية سخطه عليهم.‏ في احدى القرى،‏ حكم زعيم القرية بالموت على الفاتح الخصوصي وزوجته اللذين كانا يخدمان في تلك المنطقة.‏ فهربا من القرية لينجوَا من هذا الحكم،‏ ثم حُدّد لهما تعيين آخر يبعد ٣٠٠ كيلومتر.‏

لكن على الرغم من هذه التحديات،‏ يتجاوب اناس من جميع الخلفيات ومسالك الحياة مع الدعوة:‏ «من يُرد فليأخذ ماء الحياة مجانا».‏ (‏كشف ٢٢:‏١٧‏)‏ وفي السنة الماضية،‏ بلغ عدد الذين اشتركوا في الكرازة بالبشارة في ڠيانا الفرنسية ذروة من ٥٠٠‏,١ ناشر.‏ وكمعدل عُقد ٢٨٨‏,٢ درسا في الكتاب المقدس مع اشخاص مهتمين.‏ وفي ١٩ نيسان (‏ابريل)‏،‏ حضر ٢٩٣‏,٥ شخصا ذكرى موت المسيح.‏ وصلاتنا القلبية ان يجعل عدد اكبر من الناس الحقَّ خاصتهم،‏ صائرين تلاميذ حقيقيين ليسوع المسيح.‏

‏[صورة تغطي كامل الصفحة ٢٢٤]‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٢٨]‏

اولڠا لالند

‏[الصورة في الصفحة ٢٣٠]‏

من اليسار الى اليمين:‏ كريستيان بونكاس وڠْزاڤيِه نول

‏[الصورتان في الصفحة ٢٣٤]‏

ميشال وجانّ ڤالار

‏[الصورة في الصفحة ٢٣٧]‏

كونستانس وإدموجين فليرو

‏[الصور في الصفحة ٢٣٨]‏

‏(‏١)‏ طريق خشبي عبر الغابة المطيرة،‏ (‏٢)‏ إريك كوزينيه وميشال بوكيه ومعهما مؤن ومطبوعات،‏ (‏٣)‏ قرية هندية اميركية

‏[الصورة في الصفحة ٢٤١]‏

إيلي ولوسيت ريڠالاد

‏[الصور في الصفحة ٢٥١]‏

مشروع بناء دام ثمانية اسابيع:‏ (‏١)‏ قاعة محافل في ماتوري؛‏ قاعتا ملكوت وبناءان آخران في (‏٢،‏ ٣)‏ مانا،‏ (‏٤)‏ سان لوران،‏ و (‏٥)‏ سينَمَري؛‏ (‏٦)‏ شهود من ڠيانا الفرنسية،‏ الى جانب مئات الشهود من فرنسا،‏ شاركوا في العمل

‏[الصور في الصفحتين ٢٥٢ و ٢٥٣]‏

مكتب الفرع وبيت ايل في ڠيانا الفرنسية،‏ مع لجنة الفرع (‏من اليسار الى اليمين)‏:‏ پول شونڠ وينڠ،‏ داڤيد مورو،‏ جان-‏دانيال ميشوت،‏ إريك كوزينيه