الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

اوكرانيا

اوكرانيا

اوكرانيا

ذكر يسوع مثلا عن بذار مزروع في تربة جيدة،‏ واصفا الاشخاص الذين ينمّون تقديرا عميقا لكلمة اللّٰه.‏ انهم «يُثمرون بالاحتمال» بالمواظبة على اعلان رسالة اللّٰه بأمانة رغم الضيق والعذاب.‏ (‏لوقا ٨:‏١١،‏ ١٣،‏ ١٥‏)‏ كان ذلك واضحا جدا في اوكرانيا حيث صمد شهود يهوه ونموا رغم اكثر من ٥٠ سنة من الحظر والاضطهاد العنيف،‏ وقليلة هي الاماكن في الارض التي عانى فيها الاخوة اكثر مما عانى الاخوة في اوكرانيا.‏

خلال سنة الخدمة ٢٠٠١،‏ شهد هذا البلد ذروة من ٠٢٨‏,١٢٠ ناشرا.‏ وأكثر من ٠٠٠‏,٥٦ من هؤلاء تعلموا حق الكتاب المقدس خلال السنوات الخمس الاخيرة.‏ ووزع الاخوة خلال السنتين الاخيرتين اكثر من ٥٠ مليون مجلة،‏ ما يساوي عدد سكان البلد.‏ وكمعدل يتلقى مكتب الفرع كل شهر ألف رسالة من اشخاص مهتمين يطلبون المزيد من المعلومات.‏ كل هذا لم يكن ليُصدَّق في الماضي غير البعيد.‏ فيا له من نصر للعبادة النقية!‏

قبل ان نتصفح تاريخ اوكرانيا،‏ دعونا نتأمل في البلد بحد ذاته.‏ دون ان نأتي على ذكر التربة المجازية التي تكلم عنها يسوع،‏ تتمتع اوكرانيا بتربة حرفية ممتازة.‏ ونصف البلد تقريبا مغطى بتربة سوداء غنية يدعوها الاوكرانيون شِرنوزيم وتعني «الارض السوداء».‏ وهذه التربة،‏ بالاضافة الى المناخ المعتدل،‏ قد جعلت من اوكرانيا احدى اكثر المناطق الزراعية انتاجا في العالم،‏ وهي تنتج الشمندر السكري،‏ القمح،‏ الشعير،‏ الذرة،‏ وغيرها من المحاصيل.‏ ومنذ الازمنة القديمة تُعرف اوكرانيا بكونها «المنطقة المنتجة للحبوب» في اوروپا.‏

تمتد اوكرانيا حوالي ٣٠٠‏,١ كيلومتر من الشرق الى الغرب و ٩٠٠ كيلومتر من الشمال الى الجنوب،‏ وهي اكبر قليلا من فرنسا.‏ وكما ترون على الخريطة في الصفحة ١٢٣،‏ يقع البلد في اوروپا الشرقية،‏ شمالي البحر الاسود.‏ اوكرانيا الشمالية مزيّنة بالغابات.‏ إلى الجنوب تمتد سهول خصبة غنية تظهر خلفها جبال القرم الجميلة.‏ وفي الغرب،‏ ترتفع وراء التلال جبال الكربات الشديدة الانحدار،‏ وهي موطن سنَّور الوَشَق،‏ الدببة،‏ وبقر البَيْسون الوحشي.‏

يعيش في اوكرانيا ٥٠ مليون شخص تقريبا.‏ انهم شعب متواضع،‏ مضياف،‏ ومجتهد.‏ كثيرون يتكلمون الاوكرانية والروسية على السواء.‏ وعندما تُدعون الى بيوتهم،‏ يُقدَّم لكم على الارجح «البورْشت» (‏حساء الشمندر)‏ و «الڤارِنيكي» (‏معجّنات مسلوقة)‏.‏ وبعد تناول وجبة ممتعة،‏ قد تستمتعون بسماع الاغاني الشعبية،‏ اذ ان اوكرانيين كثيرين يحبون الغناء والعزف على الآلات الموسيقية.‏

لقد عرف الشعب الاوكراني مختلف المعتقدات الدينية.‏ ففي القرن العاشر،‏ أُدخلت الديانة الأرثوذكسية الشرقية.‏ لاحقا،‏ جلبت الامبراطورية العثمانية الاسلام الى اوكرانيا الجنوبية.‏ وفي القرون الوسطى،‏ كان النبلاء الپولنديون ينشرون الكاثوليكية.‏ وفي القرن العشرين،‏ صار كثيرون ملحدين في ظل الشيوعية.‏

شهود يهوه موجودون في كل انحاء البلد.‏ ولكن قبل الحرب العالمية الثانية،‏ كان اغلبهم يعيشون في اوكرانيا الغربية التي كانت مقسمة الى اربع مقاطعات:‏ ڤولين،‏ هاليتشينا،‏ ترانسكارپاثيا،‏ وبوكوڤينا.‏

زرع بذار الحق في اوكرانيا

كان تلاميذ الكتاب المقدس،‏ كما عُرف شهود يهوه سابقا،‏ نشاطى في اوكرانيا منذ اكثر من قرن.‏ وقد قام ت.‏ ت.‏ رصل،‏ تلميذ قيادي للكتاب المقدس،‏ بزيارة عدة بلدان في اوروپا والشرق الاوسط خلال رحلته الاولى الى الخارج في سنة ١٨٩١.‏ وفي طريقه الى ما كان آنذاك القسطنطينية في تركيا زار أوديسّا في جنوبي اوكرانيا.‏ ولاحقا،‏ في سنة ١٩١١،‏ ألقى سلسلة من الخطابات المبنية على الكتاب المقدس في مدن رئيسية في اوروپا،‏ بما فيها مدينة لْڤوف في غربي اوكرانيا.‏

سافر الاخ رصل بالقطار ووصل الى لْڤوف،‏ حيث استُؤجرت قاعة كبيرة تُعرَف ببيت الشعب لإلقاء محاضرته في ٢٤ آذار (‏مارس)‏.‏ تسعة اعلانات في سبع صحف محلية بالاضافة الى ملصقات كبيرة دعت الناس الى سماع الخطاب «الصهيونية في النبوة» الذي سيلقيه «الخطيب الشهير والمحترَم الآتي من نيويورك» —‏ الراعي رصل.‏ وقد خُطِّط ان يلقي الاخ رصل هذا الخطاب مرتين في ذلك اليوم.‏ الا ان رابِّيا يهوديا من الولايات المتحدة يقاوم بشدة عمل رصل ابرق رسالة الى زملائه في لْڤوف مندّدا بتلاميذ الكتاب المقدس.‏ وقد حرّك ذلك البعض ليحاولوا منع رصل من إلقاء خطابه.‏

مع ان القاعة كانت تغص بالناس في فترتي بعد الظهر والمساء،‏ فقد كان المقاومون موجودين.‏ ذكرت الصحيفة المحلية الپولندية،‏ العصر الجديد:‏ «عندما تلفظ مترجم [رصل] بكلماته الاولى،‏ احدث الصهيونيون جلبة ولم يدعوا المرسَل يتكلم بسبب صراخهم وصفيرهم.‏ فاضطر الراعي رصل ان يترك المنصة.‏ .‏ .‏ .‏ وكان الشغب اكبر في خطاب الساعة الثامنة من ذلك المساء».‏

ولكنّ كثيرين ارادوا سماع ما كان سيقوله الاخ رصل.‏ كانوا مهتمين برسالته وطلبوا مطبوعات للكتاب المقدس.‏ لاحقا،‏ علّق الاخ رصل على زيارته للْڤوف.‏ قال:‏ «اللّٰه وحده يعلم ما هي مشيئته في ما يتعلق بتلك الاختبارات.‏ .‏ .‏ .‏ ان اهتياج [اليهود] حول الموضوع قد يجعل البعض يبحثون بشكل اعمق مما لو سمعونا نتكلم بطريقة لائقة ونظامية».‏ ومع انه لم يكن هنالك تجاوب مباشر مع الرسالة،‏ فقد زُرع بذار الحق،‏ ولاحقا تشكلت عدة فرق لتلاميذ الكتاب المقدس،‏ ليس فقط في لْڤوف بل في مناطق اخرى من اوكرانيا.‏

في سنة ١٩١٢،‏ نشر مكتب تلاميذ الكتاب المقدس في المانيا اعلانا كبيرا في روزنامة رائجة في اوكرانيا.‏ شجع الاعلان على قراءة المجلدات باللغة الالمانية دروس في الاسفار المقدسة.‏ ونتيجة لذلك،‏ تلقى المكتب في المانيا نحو ٥٠ رسالة من اشخاص في اوكرانيا يطلبون مجلدات دروس في الاسفار المقدسة واشتراكات في مجلة برج المراقبة.‏ وظل المكتب على اتصال بالاشخاص المهتمين الى ان اندلعت الحرب في سنة ١٩١٤.‏

بعد الحرب العالمية الاولى،‏ قُسمت اوكرانيا بين اربعة بلدان مجاورة.‏ فاستولت روسيا الشيوعية على مقاطعات اوكرانيا الوسطى والشرقية ودمجتها في الاتحاد السوڤياتي.‏ وقُسمت اوكرانيا الغربية بين ثلاثة بلدان اخرى.‏ فضُمَّت منطقتا هاليتشينا وڤولين الى پولندا،‏ بوكوڤينا الى رومانيا،‏ وترانسكارپاثيا الى تشيكوسلوڤاكيا.‏ وقد منحت هذه البلدان الثلاثة مقدارا من الحرية الدينية وسمحت لتلاميذ الكتاب المقدس بمواصلة تبشيرهم.‏ وهكذا،‏ زُرع اولا الكثير من بذار الحق الذي كان سيحمل ثمرا في غربي اوكرانيا.‏

البراعم الاولى

في اوائل القرن العشرين،‏ سافرت عائلات كثيرة من اوكرانيا الى الولايات المتحدة بحثا عن حياة افضل.‏ وقرأ البعض مطبوعاتنا المؤسسة على الكتاب المقدس وأرسلوها الى اقربائهم في اوكرانيا.‏ وتعرفت عائلات اخرى بتعاليم تلاميذ الكتاب المقدس،‏ عادت الى موطنها،‏ وبدأت تبشّر في قراها.‏ فتشكلت عدة فرق لتلاميذ الكتاب المقدس ونمت لاحقا لتصير جماعات.‏ وفي اوائل عشرينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ زرع تلاميذ الكتاب المقدس الپولنديون بذار الحق في هاليتشينا وڤولين.‏ في تلك الاثناء،‏ ادخل الاخوة من رومانيا ومولداڤيا الحق الى منطقة بوكوڤينا.‏

وقد وضع ذلك اساسا جيدا لنمو اضافي.‏ ذكرت برج المراقبة عدد ١٥ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٢١:‏ «مؤخرا زار بعض اخوتنا [بوكوڤينا] .‏ .‏ .‏ وكانت نتيجة زيارتهم التي دامت اسابيع قليلة سبعة صفوف منظمة وهم يدرسون الآن المجلدات وكراس ‹ظلال من المسكن›.‏ وأحد هذه الصفوف يضم ٧٠ عضوا».‏ سنة ١٩٢٢،‏ في قرية كولينكيڤتسي في بوكوڤينا،‏ قبِل ستيپان كولتسا الحق،‏ اعتمد،‏ وبدأ بالكرازة.‏ وعلى حد علمنا،‏ هو اول اخ يعتمد في اوكرانيا.‏ وقد انضمت اليه لاحقا عشر عائلات.‏ وحدث نمو مماثل في منطقة ترانسكارپاثيا.‏ وبحلول سنة ١٩٢٥ كان هنالك حوالي ١٠٠ تلميذ للكتاب المقدس في قرية ڤيليكي لوتشكي والقرى المجاورة.‏ بعد ذلك،‏ بدأ الخدام كامل الوقت الاولون يكرزون في ترانسكارپاثيا،‏ عاقدين اجتماعات في بيوت تلاميذ الكتاب المقدس.‏ واعتمد اشخاص كثيرون.‏

يصف ألكسي داڤيديوك،‏ شاهد منذ وقت طويل،‏ كيف تعرّف الناس آنذاك بالحق.‏ يقول:‏ «في سنة ١٩٢٧،‏ اخذ قروي احدى مطبوعاتنا الى قرية لانكوڤي في منطقة ڤولين.‏ بعد ان قرأها عدة قرويين،‏ صاروا فضوليين بشأن التعليمَين:‏ نار الهاوية والنفس.‏ وبما ان الكتاب تضمن عنوان مكتب تلاميذ الكتاب المقدس في لودز في پولندا،‏ كتب القرويون رسالة يطلبون فيها ان يزور شخص ما قريتهم.‏ بعد شهر ذهب اخ ونظم فريقا لدرس الكتاب المقدس.‏ فانضمت خمس عشرة عائلة الى هذا الفريق».‏

كان مثل هذا الحماس للحق شائعا في تلك السنين الباكرة.‏ تأملوا في كلمات التقدير المعبّر عنها في رسالة بُعثت من منطقة هاليتشينا الى المركز الرئيسي لتلاميذ الكتاب المقدس في بروكلين:‏ «ان الكتب التي تنشرونها تشفي الكثير من جروح شعبنا وتقوده الى النور.‏ ألتمس منكم ان ترسلوا الينا المزيد من هذه الكتب».‏ كتب شخص مهتم آخر:‏ «قررت الطلب منكم ان ترسلوا الينا مطبوعات لأنني لا استطيع الحصول عليها هنا.‏ لقد حصل رجل من قريتنا على بضعة كتب منكم،‏ ولكن الجيران انتزعوها منه.‏ حتى انه لم يقدر ان يقرأها.‏ وحاليا يزور القرويين محاولا استعادة كتبه».‏

لقد نتج من هذا الاهتمام المخلص تأسيس مكتب لتلاميذ الكتاب المقدس في شارع پَكارْسكا في لْڤوف.‏ وتلقى المكتب الكثير من الطلبات من هاليتشينا وڤولين للحصول على مطبوعات،‏ وأرسلها قانونيا الى بروكلين لتجري تلبيتها.‏

في اواسط عشرينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ نما بالتأكيد بذار الحق في اوكرانيا الغربية.‏ فقد نُظّمت فرق كثيرة لتلاميذ الكتاب المقدس،‏ ولاحقا صار بعض منها جماعات.‏ ومع انه لم تُحفظ سوى سجلات قليلة جدا لهذا النشاط الباكر،‏ تُظهر التقارير الموجودة انه في سنة ١٩٢٢ احتفل ١٢ شخصا بالذِّكرى في هاليتشينا.‏ وفي سنة ١٩٢٤،‏ ذكرت مجلة برج المراقبة ان ٤٩ شخصا حضروا الذِّكرى في مدينة ساراتا في جنوبي اوكرانيا.‏ وفي سنة ١٩٢٧،‏ اكثر من ٣٧٠ شخصا حضروا الذِّكرى في ترانسكارپاثيا.‏

في وصف العمل في شتى بلدان العالم،‏ نشرت برج المراقبة عدد ١ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٢٥ ما يلي:‏ «أُرسل اخ من اميركا هذه السنة الى اوكرانيا في اوروپا؛‏ .‏ .‏ .‏ لقد أُنجز الكثير بين الاوكرانيين في القسم الذي تسيطر عليه پولندا.‏ وكان هنالك طلب كبير ومتزايد على المطبوعات هناك».‏ وبعد عدة شهور ذكرت مجلة العصر الذهبي (‏الآن استيقظ!‏‏)‏:‏ «في ڠاليسيا [هاليتشينا] وحدها يوجد عشرون صفا [جماعة] .‏ .‏ .‏ بعضها .‏ .‏ .‏ نظّم وعقد اجتماعات في وسط الاسبوع؛‏ بعضها يجتمع فقط يوم الاحد،‏ وبعضها في طور التنظيم.‏ ويوجد امل في تشكيل المزيد من الصفوف؛‏ ولكن يلزم مدير ليديرها».‏ لقد اشار كل ذلك ان تربة اوكرانيا،‏ بمعنى روحي،‏ خصبة جدا.‏

خدمة الحقل الباكرة

اعتمد ڤويتخ تشيخي،‏ من ترانسكارپاثيا،‏ في سنة ١٩٢٣ وانخرط لاحقا في العمل الكرازي كامل الوقت في منطقة بيريهوڤيه.‏ كان عادة يذهب للكرازة ومعه حقيبة مطبوعات بيده،‏ حقيبة اخرى معلقة بدراجته،‏ وحقيبة مليئة بالمطبوعات على ظهره.‏ يروي:‏ «عُيّنت لنا مقاطعة من ٢٤ قرية.‏ كنا ١٥ ناشرا،‏ وكان علينا ان نبذل جهدنا لنغطي هذه القرى بتوزيع المطبوعات مرتين في السنة.‏ كنا كل يوم احد نجتمع معا في احدى القرى عند الساعة الرابعة صباحا.‏ ومن هناك نمشي او نستقل الباص مسافة ١٥ الى ٢٠ كيلومترا الى المناطق المجاورة.‏ كنا عادة نبدأ خدمتنا من بيت الى بيت عند الساعة ٠٠:‏٨ صباحا ونخدم حتى الساعة ٠٠:‏٢ بعد الظهر.‏ ثم نرجع الى البيت في اغلب الاحيان سيرا على الاقدام،‏ ونروي اختباراتنا بفرح في الاجتماع مساء ذلك اليوم نفسه.‏ كنا نسلك طرقا مختصرة عبر الغابة ونعبر انهرا في الطقس الجيد والرديء،‏ ولكن لم يكن احد منا يتذمر.‏ فقد اسعدنا ان نخدم خالقنا ونمجده.‏ وكان الناس يرون ان الاخوة يعيشون فعلا كمسيحيين حقيقيين،‏ مستعدين ان يمشوا ٤٠ كيلومترا تقريبا ليحضروا الاجتماعات او ليبشّروا.‏

‏«في خدمتنا التقينا شتى الناس.‏ ذات مرة قدمت كراس الملكوت،‏ رجاء العالم لامرأة قالت انها ترغب في الحصول عليه ولكن ليس بحوزتها مال لتتبرع.‏ كنت جائعا،‏ فقلت ان بإمكانها الحصول على الكراس مقابل بيضة مقلية.‏ فحصلت هي على الكراس،‏ وأنا اكلت البيضة».‏

في موسم عيد الميلاد،‏ كان سكان ترانسكارپاثيا يذهبون من بيت الى بيت ويرنمون ترانيم عن ولادة يسوع المسيح.‏ فاغتنم الاخوة هذه العادة.‏ وكانوا يأخذون مطبوعات في حقائبهم ويذهبون الى بيوت الناس ليرنموا ترانيم تعبّر عن ايمانهم!‏ كثيرون تمتعوا بالالحان.‏ وكان الاخوة يُدعون مرارا الى البيوت ويُطلب منهم ان يرنّموا المزيد من الترانيم.‏ وفي بعض الاحيان يُعطَون مالا مقابل ترنيمهم،‏ فكانوا بسرور يقدمون بالمقابل مطبوعات مؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وبهذه الطريقة غالبا ما كان يفرغ مخزن المطبوعات خلال موسم عيد الميلاد.‏ وكانت حملات الترنيم هذه تدوم اسبوعين،‏ اذ ان الكاثوليك الرومان والروم الكاثوليك يعيّدون الميلاد في اسبوعين مختلفين.‏ ولكن بحلول النصف الثاني من عشرينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ اذ اتضحت لتلاميذ الكتاب المقدس الاصول الوثنية لعيد الميلاد،‏ توقفت حملات الترنيم.‏ لقد تمتع الاخوة بفرح غامر في نشاطهم الكرازي المكثّف،‏ واستمرت تتشكل فرق جديدة من الناشرين في ترانسكارپاثيا.‏

المحافل الاولى

في ايار (‏مايو)‏ ١٩٢٦،‏ عُقد اول محفل لتلاميذ الكتاب المقدس في منطقة ترانسكارپاثيا في قرية ڤيليكي لوتشكي.‏ بلغ الحضور ١٥٠ شخصا،‏ واعتمد ٢٠.‏ وفي السنة التالية،‏ حضر المحفل ٢٠٠ شخص في الحديقة العامة في مدينة أُوجڠُراد الواقعة في المنطقة نفسها.‏ وسرعان ما نُظمت محافل اخرى في شتى مدن ترانسكارپاثيا.‏ في سنة ١٩٢٨،‏ عُقد اول محفل في لْڤوف.‏ ولاحقا عُقدت محافل اخرى في هاليتشينا وڤولين.‏

في اوائل سنة ١٩٣٢،‏ عُقد محفل في قرية سولوتڤينو،‏ ترانسكارپاثيا،‏ في فناء المنزل الذي يعقد فيه تلاميذ الكتاب المقدس اجتماعاتهم العادية.‏ حضر حوالي ٥٠٠ شخص،‏ بمن فيهم بعض الاخوة المسؤولين من المانيا.‏ يروي ميخايلو تيلنياك،‏ شيخ في الجماعة المحلية:‏ «تمتعنا كاملا بالخطابات المحضرة جيدا التي قدمها الاخوة الآتون الى محفلنا من المانيا وهنڠاريا.‏ وقد شجعونا،‏ والدموع تملأ اعينهم،‏ ان نبقى امناء تحت المحن القادمة».‏ وقد اتت المحن القاسية مع ابتداء الحرب العالمية الثانية.‏

في سنة ١٩٣٧،‏ استؤجر قطار بكامله لنقل المندوبين الى محفل كبير في پراڠ في تشيكوسلوڤاكيا.‏ انطلق من قرية سولوتڤينو وعبر في ترانسكارپاثيا،‏ متوقفا عند كل محطة لنقل المندوبين.‏ وعلى كل مقطورة وُجدت لافتة مذكور عليها «محفل شهود يهوه —‏ پراڠ».‏ كانت تلك شهادة ممتازة للناس في تلك المنطقة،‏ ولا يزال الاكبر سنا يتذكرون ذلك الحدث حتى الآن.‏

بناء اماكن للعبادة

اذ تشكلت اولى فرق تلاميذ الكتاب المقدس نشأت حاجة الى بناء اماكنهم الخاصة للعبادة.‏ فبُني اول مكان للاجتماع في قرية ديبروڤا في ترانسكارپاثيا سنة ١٩٣٢.‏ ولاحقا بُنيت قاعتان اخريان في القريتين المجاورتين سولوتڤينو وبيللا تْسيركڤا.‏

على الرغم من ان بعض هذه القاعات دُمر خلال الحرب والبعض صودر،‏ حافظ الاخوة على الرغبة في حيازة قاعات ملكوت خاصة بهم.‏ وحاليا،‏ توجد ٨ قاعات ملكوت في قرية ديبروڤا و ١٨ قاعة ملكوت في ست قرى مجاورة.‏

تطور عمل الترجمة

في نهاية القرن الـ‍ ١٩ وبداية القرن الـ‍ ٢٠،‏ هاجرت عائلات كثيرة من اوكرانيا الى الولايات المتحدة وكندا.‏ فاعتنق بعضهم الحق في بلدانهم الجديدة،‏ وتشكلت عدة فرق ناطقة بالاوكرانية.‏ وفي سنة ١٩١٨،‏ نُشر كتاب نظام الدهور الالهي باللغة الاوكرانية.‏ ولكن كان يلزم فعل المزيد لتزويد الطعام الروحي للذين يتكلمون الاوكرانية في اوكرانيا والخارج.‏ وفي اوائل عشرينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ بانت الحاجة الى اخ كفء ليترجم مطبوعات الكتاب المقدس على اساس قانوني.‏ في سنة ١٩٢٣،‏ قبِل إميل زاريتسكْيه،‏ الذي كان يعيش في كندا،‏ الدعوة الى الانخراط في الخدمة كامل الوقت.‏ بالنسبة اليه شمل ذلك بشكل رئيسي ترجمة مطبوعات الكتاب المقدس بالاوكرانية.‏ وقد زار الفرق الناطقة بالاوكرانية،‏ الپولندية،‏ والسلوڤاكية في كندا والولايات المتحدة.‏

وُلد إميل زاريتسكْيه قرب مدينة سوكال في اوكرانيا الغربية وانتقل لاحقا مع والديه الى كندا.‏ تزوج هناك فتاة من اوكرانيا تُدعى ماريّا.‏ ومعا ربّيا خمسة اولاد.‏ ومع انه كانت تقع على عاتقهما مسؤوليات عائلية ثقيلة،‏ فقد تمكنا من اتمام تعييناتهما الثيوقراطية.‏ وفي سنة ١٩٢٨،‏ اشترت جمعية برج المراقبة بيتا في وينِّيپيڠ بكندا كان المركز الرئيسي لعمل الترجمة بالاوكرانية.‏

في تلك الايام الباكرة،‏ استخدم الاخوة في خدمتهم من بيت الى بيت فونوڠرافات قابلة للحمل مع اسطوانات لخطابات مؤسسة على الكتاب المقدس.‏ فدُعي الاخ زاريتسكْيه الى بروكلين لتسجيل تلك الخطابات بالاوكرانية.‏ وفي ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ أُعدّت بالاوكرانية عدة برامج راديوية مدتها نصف ساعة في الاذاعة في وينِّيپيڠ.‏ وفي تلك البرامج الاذاعية،‏ قدّم الاخ إميل زاريتسكْيه وإخوة ذوو خبرة آخرون خطابات عامة مهمة.‏ وقد رافقت تلك الخطابات ترانيم بتوافق اربع طبقات صوتية من كتاب الترانيم الذي نُشر في سنة ١٩٢٨.‏ وتجاوب المستمعون الشاكرون بمئات الرسائل والاتصالات الهاتفية.‏

طوال ٤٠ سنة تمّم بأمانة إميل زاريتسكْيه وزوجته ماريّا تعيينهما كمترجمَين.‏ وخلال ذلك الوقت،‏ تُرجمت بالاوكرانية كل اعداد برج المراقبة.‏ وفي سنة ١٩٦٤،‏ عُيّن موريس سارانتشوك للاشراف على عمل الترجمة،‏ وقد كان الاخ سارانتشوك وزوجته آن يساعدان الاخ زاريتسكْيه طوال عدة سنين.‏

وصول المساعدة الروحية

مع ان بعض الناشرين الغيورين زرعوا افراديا بذار الحق وسقوها في اوكرانيا،‏ لم يبدإ العمل الكرازي المنظم حتى سنة ١٩٢٧ في ترانسكارپاثيا ولاحقا في هاليتشينا.‏ قبل ذلك وُزّع عدد كبير من الكتب والكراريس بالرومانية،‏ الهنڠارية،‏ الپولندية،‏ والاوكرانية،‏ رغم انه لم يكن يُقدَّم تقرير عن نشاط الكرازة.‏ وبدأت الفرق المنعزلة تنظَّم في جماعات،‏ وباشر الناشرون بالكرازة قانونيا من بيت الى بيت.‏ ووزِّع الكثير من مطبوعات الكتاب المقدس في تلك السنوات.‏ وفي سنة ١٩٢٧،‏ افتُتح اول مخزن للمطبوعات في اوكرانيا في مدينة أُوجڠُراد في ترانسكارپاثيا.‏ وفي سنة ١٩٢٨،‏ عُيّن المكتب في ماڠدَبورڠ في المانيا ليهتم بالجماعات وموزّعي المطبوعات الجائلين في مقاطعة ترانسكارپاثيا التي كانت آنذاك جزءا من تشيكوسلوڤاكيا.‏

في سنة ١٩٣٠،‏ تأسس مكتب في مدينة بيريهوڤيه قرب أُوجڠُراد للاشراف على عمل تلاميذ الكتاب المقدس في ترانسكارپاثيا.‏ وعُيّن ڤويتخ تشيخي ناظرا لذلك المكتب.‏ وقد كان هذا الترتيب الجديد نافعا جدا لعمل الكرازة.‏

وأظهر عدة اخوة من المكتبَين في پراڠ وماڠدَبورڠ روح التضحية بالذات،‏ اذ غالبا ما كانوا يسافرون مسافات طويلة الى جبال الكربات للكرازة ببشارة ملكوت اللّٰه في المناطق النائية في تلك المنطقة الجميلة.‏ كان ادولف فيتسكي من مكتب فرع ماڠدَبورڠ احد اولئك الاخوة الغيورين.‏ وقد أُرسل ليبشر في منطقة راخيڤ في جبال الكربات.‏ ولا يزال الكثير من الاخوة المحليين يتذكرون بإعزاز ذلك الاخ الامين،‏ المحتشم،‏ وغير المتطلب.‏ وفي سنة ٢٠٠١،‏ وُجدت اربع جماعات في تلك المنطقة.‏

خلال ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ عُرضت «رواية الخلق المصوَّرة» في الكثير من المدن والقرى في ترانسكارپاثيا.‏ والرواية المصوَّرة هذه هي عرض طوله ثماني ساعات لصور منزلقة ومتحركة،‏ متزامنة مع تعليقات مؤسسة على الكتاب المقدس مسجَّلة على اسطوانات الفونوڠراف.‏ وقد أُرسل إريك فروست من المانيا لمساعدة الاخوة المحليين على عرض هذه الرواية المصوَّرة.‏ قبل البرنامج وزّع الاخوة كراسات واستخدموا ملصقات لدعوة الناس الى العرض.‏ كان الاهتمام كبيرا.‏ ففي مدينة بيريهوڤيه،‏ اجتمع حشد كبير جدا بحيث اضطر اكثر من الف شخص ان ينتظروا في الشارع.‏ وعندما رأت الشرطة الجموع الكثيرة،‏ خشوا ان تعم الفوضى وألا يتمكنوا من ضبطها.‏ ففكروا في إلغاء الحدث،‏ ولكنهم عدلوا عن ذلك.‏ بعد العرض،‏ اعطى أناس كثيرون عناوينهم لأنهم ارادوا مشاهدة «رواية الخلق المصوَّرة» ثانية.‏ وقد حث هذا الاهتمام القادة الدينيين المحليين ليستعملوا كل وسيلة ممكنة لإعاقة عمل الكرازة بالبشارة.‏ رغم ذلك،‏ استمر يهوه اللّٰه يبارك العمل وينجحه.‏

خلال عشرينات وثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ كانت منطقتا ڤولين وهاليتشينا تحت اشراف فرع پولندا في لودز.‏ وفي سنة ١٩٣٢،‏ ركز الاخوة من پولندا اهتمامهم على تينك المقاطعتين،‏ قائمين بزيارات مكررة للمشتركين في برج المراقبة الذين تلقوا عناوينهم من بروكلين.‏

يتذكر ڤيلْهَلْم شايْدر،‏ الذي كان آنذاك ناظر مكتب پولندا:‏ «اعتنق الاوكرانيون الحق بحماس كبير.‏ وكالفطر بعد المطر،‏ ظهرت فجأة فرق المهتمين في مدن وقرى هاليتشينا.‏ وفي بعض الاحيان كبرت هذه الفرق لدرجة انها شملت مجتمعات بكاملها».‏

مع ان اغلبية الاخوة فقراء،‏ فقد ضحوا كثيرا للحصول على المطبوعات وأسطوانات الفونوڠرافات التي تساعدهم ليكرزوا وينموا روحيا.‏ ميكولا ڤولوتْشييه،‏ الذي اعتمد في سنة ١٩٣٦،‏ باع احد حصانيه ليشتري فونوڠرافا.‏ تخيلوا ما يعنيه ان يبيع المزارع حصانه!‏ فعلى الرغم من ان عليه اعالة اولاده الاربعة،‏ توصل الى الاستنتاج ان بإمكانه تدبر امره بوجود حصان واحد.‏ ومن خلال الخطابات المؤسسة على الكتاب المقدس وترانيم الملكوت باللغة الاوكرانية المسجّلة على الفونوڠراف الذي اشتراه تعرف جدد كثيرون بيهوه وصاروا يخدمونه.‏

قال ڤيلْهَلْم شايْدر موضحا الزيادة الكبيرة في عدد الناشرين في هاليتشينا وڤولين في ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠:‏ «في سنة ١٩٢٨ وصل عدد الناشرين في پولندا الى ٣٠٠،‏ ولكن في سنة ١٩٣٩ كان هنالك اكثر من ١٠٠‏,١ ناشر،‏ نصفهم اوكرانيون رغم ان العمل ابتدأ في منطقتهم (‏هاليتشينا وڤولين)‏ في وقت لاحق».‏

للاهتمام بهذه الزيادات،‏ أُرسل ليودڤيك كينيتسكي من فرع پولندا الى هاليتشينا وڤولين كناظر جائل للمساعدة في عمل الكرازة.‏ كانت عائلته من تشورتكيڤ في هاليتشينا قد هاجرت الى الولايات المتحدة في بداية القرن العشرين.‏ وهناك تعلم الاخ كينيتسكي الحق.‏ لاحقا،‏ عاد الى موطنه لمساعدة الاشخاص المخلصين هناك.‏ كثيرون من الاخوة والاخوات لن ينسوا ابدا المساعدة الروحية التي نالوها من هذا الخادم الغيور.‏ وعندما حُظرت الطبعة الپولندية من العصر الذهبي في خريف سنة ١٩٣٦ وحُكم على محرّرها بالسجن سنة،‏ عُيّن الاخ كينيتسكي محرّرا لمجلة اليوم الجديد (‏بالپولندية)‏،‏ التي نُشرت مكان المجلة المحظورة.‏ وفي سنة ١٩٤٤،‏ اوقفه الڠستاپو ونقلوه الى معسكر اعتقال ماوتهاوزن-‏ڠوزِن حيث مات امينا ليهوه.‏

اللّٰه يجتذب شتى الناس

في بداية عشرينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ عاد تلميذ للكتاب المقدس اسمه رولا الى مسقط رأسه في زولوتْيه پوتيك في هاليتشينا.‏ وبدأ يكرز بالبشارة مستعملا كتابه المقدس.‏ دعاه الناس مجنونا لأنه دمر كل تماثيله الدينية.‏ حاول الكاهن المحلي ان يمنع رولا من الكرازة.‏ فزار رجل شرطة وقال:‏ «اذا فعلت شيئا لتمنع رولا من المشي،‏ اعطيك لترا من الوسكي».‏ فأجاب رجل الشرطة ان وظيفته لا تقتضي ضرب الناس.‏ لاحقا بدأ رولا يتلقى طرود مطبوعات من الاخوة في الولايات المتحدة.‏ فاقترب الكاهن ثانية من رجل الشرطة وأخبره ان طردا يحتوي مطبوعات شيوعية وصل الى مكتب البريد.‏ في اليوم التالي،‏ كان رجل الشرطة ينتظر عند مكتب البريد ليرى مَن سيتسلم الطرد.‏ بالطبع كان رولا مَن سيتسلم الطرد.‏ فأخذ رجل الشرطة رولا الى مركز الشرطة واستدعى الكاهن ايضا.‏ صاح الكاهن ان الكتب هي من ابليس.‏ فأرسل رجل الشرطة قسما من المطبوعات الى المحكمة المحلية ليُقرَّر هل تتضمن تعاليم شيوعية.‏ واحتفظ بالباقي لنفسه.‏ وإذ قرأ المطبوعات،‏ ادرك انها تحتوي على الحق.‏ وسرعان ما بدأ هو وزوجته بحضور اجتماعات تلاميذ الكتاب المقدس.‏ اعتمد لاحقا وصار ناشرا غيورا.‏ وهكذا فيما كان الكاهن يحاول جاهدا ايقاف عمل التلمذة،‏ شجع عن غير قصد ليودڤيك روداك على اعتناق الحق.‏

في ذلك الوقت تقريبا،‏ انتقل كاهن مع زوجته وهو من الروم الكاثوليك من لْڤوف الى الولايات المتحدة.‏ بُعيد ذلك ماتت زوجته.‏ وإذ كان حزينا،‏ قرر ان يعرف اين ذهبت نفس زوجته.‏ فحصل على عنوان بعض محضّري الارواح في نيويورك.‏ وبينما هو يبحث عن مكان اجتماعهم،‏ قصد خطأً طابقا آخر في المبنى ووجد نفسه في اجتماع لتلاميذ الكتاب المقدس.‏ وهناك عرف الحقيقة عن حالة الموتى.‏ اعتمد لاحقا وعمل فترة من الوقت في مصنع الطباعة في بيت ايل بروكلين.‏ وبعد مدة عاد الى هاليتشينا واستمر يكرز بالبشارة بغيرة.‏

شعاع نور في اوكرانيا الشرقية

كما رأينا،‏ حدث الكثير من نشاط الكرازة الباكر في اوكرانيا الغربية.‏ فكيف وصل الحق الى سائر انحاء البلد؟‏ هل كانت تلك التربة الروحية ستنتج حصادا وافرا كما انتجت في اوكرانيا الغربية؟‏

في اوائل القرن العشرين،‏ اتى الاخ ترومپي،‏ تلميذ للكتاب المقدس من سويسرا،‏ للعمل كمهندس في منطقة لتعدين الفحم في اوكرانيا الشرقية.‏ ويُعرف انه اول تلميذ للكتاب المقدس في تلك المنطقة.‏ وقد ادى نشاطه الكرازي في عشرينات الـ‍ ١٩٠٠ الى تشكيل فريق لدرس الكتاب المقدس في قرية ليوبيميڤسكي پوست،‏ قرب مدينة خاركوف.‏

في سنة ١٩٢٧،‏ اتى اخ آخر من اوروپا الغربية للعمل كمهندس في منجم فحم في قرية كالينيڤكا.‏ فجلب معه حقيبة مليئة بمطبوعات الكتاب المقدس،‏ وقد استعملها في الكرازة لفريق صغير من المعمدانيين اظهروا اهتماما كبيرا برجاء الملكوت.‏ بعد مدة عاد هذا الاخ الى موطنه،‏ تاركا وراءه فريقا صغيرا من اشخاص كانوا قد صاروا من تلاميذ الكتاب المقدس.‏ وذكرت برج المراقبة سنة ١٩٢٧ ان ١٨ شخصا اتوا معا الى كالينيڤكا لحضور الذِّكرى.‏ وفي قرية يپيفانيڤكا المجاورة حضر ١١ شخصا.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ حضر ٣٠ شخصا الذِّكرى تلك السنة في ليوبيميڤسكي پوست.‏

واستمر الاخوة من المركز الرئيسي في بروكلين في الاهتمام بالتطورات في الاتحاد السوڤياتي،‏ محاولين تثبيت عمل الكرازة بالملكوت قانونيا.‏ فأتى اخ كندي،‏ جورج يونڠ،‏ في سنة ١٩٢٨ الى الاتحاد السوڤياتي وفي باله هذا الهدف.‏ وخلال اقامته هناك،‏ تمكن من زيارة مدينة خاركوف في اوكرانيا الشرقية،‏ حيث نظم محفلا صغيرا من ثلاثة ايام مع الفريق المحلي من تلاميذ الكتاب المقدس.‏ لاحقا اجبرته المقاومة من السلطات على مغادرة البلد.‏ وأشار الى انه كان يوجد آنذاك فريقان من تلاميذ الكتاب المقدس في كييڤ وأوديسّا.‏

اطلع الاخ يونڠ بروكلين على الوضع في الاتحاد السوڤياتي.‏ ووفقا لتوصيته،‏ عُيّن دانْييل ستاروخين من اوكرانيا ليمثّل تلاميذ الكتاب المقدس ليس فقط في اوكرانيا بل ايضا في كامل الاتحاد السوڤياتي.‏ قبل عدة سنوات من زيارة جورج يونڠ،‏ تمكن الاخ ستاروخين من الدفاع عن الكتاب المقدس في مناقشة مع اناتولي لوناتشارسكي،‏ الذي كان آنذاك رئيس دائرة التربية في الاتحاد السوڤياتي.‏ وفي رسالة الى ج.‏ ف.‏ رذرفورد،‏ من الفرع الرئيسي في بروكلين،‏ كتب الاخ يونڠ:‏ «دانْييل ستاروخين غيور ونشيط.‏ عندما كان حدثا في الـ‍ ١٥ من عمره،‏ كانت له مناقشة مع احد الكهنة في ما يتعلق بالكتاب المقدس.‏ فاغتاظ الكاهن لدرجة انه رفع صليبه وضرب به الفتى على رأسه،‏ طارحا اياه فاقد الوعي على الارض؛‏ ولا تزال العلامة ظاهرة على رأسه.‏ كان من الممكن ان يُشنق دانْييل،‏ ولكن لكونه قاصرا حُكم عليه بالسجن اربعة اشهر فقط».‏ مع ان الاخ ستاروخين حاول تسجيل الجماعة المحلية والحصول على اذن رسمي لطبع مطبوعات الكتاب المقدس بالاوكرانية،‏ لم تسمح له السلطات السوڤياتية بذلك.‏

في اواخر عشرينات الـ‍ ١٩٠٠ وفي ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ دعت السلطات السوڤياتية بحماس الى الالحاد.‏ فكان يُسخر من الدين ويُعتبر الذين يكرزون للآخرين «اعداء الوطن الام».‏ وبعد حصاد وافر في سنة ١٩٣٢،‏ صادر الشيوعيون كل المواد الغذائية من المزارعين في اوكرانيا.‏ فمات اكثر من ستة ملايين شخص بسبب المجاعة المفروضة.‏

تشير التقارير ان الفرق الصغيرة من خدام يهوه حافظوا على استقامتهم خلال تلك الاوقات الصعبة،‏ مع انه لم يكن لديهم اي اتصال بالاخوة خارج البلد.‏ وأمضى البعض منهم سنوات عديدة في السجن بسبب ايمانهم.‏ وعائلة ترومپي،‏ عائلة هاوسر،‏ دانْييل ستاروخين،‏ اندرييه ساڤينكو،‏ والاخت شاپوڤالوڤا ليسوا سوى قليلين من اولئك المحافظين على الاستقامة.‏ ونحن واثقون ان يهوه لن ‹ينسى عملهم والمحبة التي اظهروها نحو اسمه›.‏ —‏ عبرانيين ٦:‏١٠‏.‏

وقت امتحان قاسٍ

وسمت نهاية ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠ تغييرات كبيرة في حدود الكثير من البلدان في اوروپا الشرقية.‏ فألمانيا النازية والاتحاد السوڤياتي وسّعا نطاق نفوذهما لابتلاع البلدان الاضعف.‏

في آذار (‏مارس)‏ ١٩٣٩،‏ قامت هنڠاريا،‏ بمساندة المانيا النازية،‏ باحتلال ترانسكارپاثيا.‏ وفُرض حظر على نشاط شهود يهوه،‏ وأُقفلت قاعات الملكوت.‏ كما عاملت السلطات الاخوة بقسوة وأرسلت كثيرين الى السجن.‏ وسُجن اغلب الشهود من القريتين الاوكرانيتين ڤيليكْيه بيتشكيڤ وكوبيليتسكا پوليانا.‏

عندما وصل السوڤيات الى مقاطعة هاليتشينا وڤولين في سنة ١٩٣٩،‏ كانت الحدود الغربية لأوكرانيا قد أُقفلت.‏ وبالتالي فُقد الاتصال بمكتب پولندا.‏ بعد ابتداء الحرب العالمية الثانية صارت الهيئة تعمل في الخفاء.‏ وصار الاخوة يجتمعون في فرق صغيرة تُدعى حلقات ويتابعون خدمتهم بحذر اكبر.‏

لاحقا اجتاح الجيش النازي اوكرانيا.‏ وخلال الاحتلال الالماني،‏ بدأ رجال الدين يحرّضون الجموع ضد شعب يهوه.‏ وفي هاليتشينا اندلع اضطهاد عنيف.‏ فحُطمت النوافذ في بيوت شهود يهوه،‏ وضُرب العديد من الاخوة بشراسة.‏ وفي الشتاء أُجبر بعض الاخوة على الوقوف في مياه باردة طوال ساعات لأنهم لم يرسموا اشارة الصليب.‏ كما تلقت بعض الاخوات ٥٠ ضربة بالعصا.‏ وخسر عدد من الاخوة حياتهم وهم محافظون على استقامتهم.‏ على سبيل المثال،‏ اعدم الڠستاپو إيليا هوڤوتشاك،‏ خادم كامل الوقت من جبال الكربات.‏ وكان قد سلّمه كاهن كاثوليكي الى الڠستاپو لأن الاخ هوڤوتشاك كرز بغيرة عن ملكوت اللّٰه.‏ كان وقت امتحان قاسٍ.‏ الا ان خدام يهوه بقوا ثابتين.‏

وقد ساعد شهود يهوه واحدهم الآخر،‏ مع ان ذلك كان محفوفا بالمخاطر في اغلب الاحيان.‏ ففي مدينة ستانسلاف (‏الآن إيڤانو-‏فرانكيفسك)‏ صارت امرأة من اصل يهودي وابنتاها من الشهود.‏ وكن يعشن في حيّ يهودي.‏ علم الاخوة ان النازيين يخططون لإعدام كل اليهود في المدينة،‏ فرتبوا ان تهرب الاخوات الثلاث.‏ وإذ خاطر الشهود بحياتهم،‏ خبأوا هؤلاء الاخوات اليهوديات خلال فترة الحرب بكاملها.‏

خلال الحرب العالمية الثانية فقدَ الاخوة في اوكرانيا الغربية الاتصال مؤقتا بالهيئة ولم يكونوا على ثقة اي منحى يسلكون.‏ فظن البعض ان بداية الحرب العالمية الثانية عنت بداية هرمجدون.‏ وقد ادى هذا التعليم الى سوء فهم بين الاخوة فترة من الوقت.‏

بذار ينمو في ساحة القتال

جلبت الحرب العالمية الثانية الحزن والخراب لأوكرانيا.‏ فطوال ثلاث سنوات تحول البلد الى ساحة قتال كبيرة.‏ وإذ كانت جبهة القتال تنتقل من مكان الى آخر في المقاطعة الاوكرانية،‏ اولا الى الشرق ثم الى الغرب،‏ دُمر كليا الكثير من المدن والقرى.‏ وقُتل حوالي عشرة ملايين مواطن اوكراني خلال تلك السنوات،‏ بمن فيهم خمسة ملايين ونصف مدني.‏ وفي فظائع الحرب،‏ خاب امل كثيرين في الحياة وتجاهلوا المقاييس الادبية.‏ ولكن حتى في هذه الظروف تعلم البعض الحق.‏

في سنة ١٩٤٢،‏ استُدعي ميخايلو دان للانضمام الى الخدمة العسكرية،‏ وهو حدث من ترانسكارپاثيا كان يتمتع بالاصغاء الى شهود يهوه قبل الحرب العالمية الثانية.‏ خلال تدريب عسكري،‏ وزع كاهن كاثوليكي على الجنود كراسة دينية تحتوي على وعد الحياة في السماء لمن يقتل شيوعيا واحدا على الاقل.‏ فحيّرت هذه المعلومات الجندي الشاب.‏ وخلال الحرب،‏ رأى رجل دين يقتل الناس.‏ فأقنعه ذلك بأن شهود يهوه يملكون الحق.‏ بعد الحرب،‏ عاد الى بيته،‏ وجد شهود يهوه،‏ واعتمد في نهاية سنة ١٩٤٥.‏

عانى الاخ دان لاحقا فظائع السجون السوڤياتية.‏ وبعد اطلاق سراحه،‏ عُيّن شيخا،‏ وهو يخدم الآن كناظر مشرف في احدى جماعات ترانسكارپاثيا.‏ اذ يتذكر الكراسة المذكورة آنفا،‏ يقول بسخرية:‏ «لم اقتل شخصا شيوعيا.‏ ولذلك لا اتوقع العيش في السماء،‏ ولكنني اتطلع الى العيش الى الابد في الفردوس على الارض».‏

التربة الخصبة تثمر في معسكرات الاعتقال

كما ذُكر في البداية،‏ يمكن ان تُنتج التربة الغنية محاصيل وافرة.‏ لذلك قامت المانيا النازية خلال فترة الاحتلال بنقل الارض السوداء الخصبة من اوكرانيا.‏ فمُلئت مقطورة بعد اخرى بالتربة الخصبة من وسط اوكرانيا وأُرسلت الى المانيا.‏

ومن ناحية ثانية،‏ احتوت مقطورات اخرى ما صار لاحقا تربة خصبة،‏ اذا جاز التعبير.‏ فحوالي مليونين ونصف من الشبان والشابات نُقلوا من اوكرانيا للعمل بالسخرة في المانيا.‏ وعدد كبير منهم صار لاحقا في معسكرات الاعتقال.‏ وهناك تعرفوا بالشهود الالمان،‏ الذين كانوا مسجونين بسبب حيادهم المسيحي.‏ حتى في معسكرات الاعتقال،‏ لم يتوقف الشهود عن الكرازة بالبشارة للآخرين،‏ بكلامهم وسلوكهم.‏ تتذكر احدى السجينات:‏ «اختلف الشهود عن البقية في معسكر الاعتقال.‏ فقد كان موقفهم وديّا ومتفائلا.‏ وأظهر تصرفهم ان لديهم امرا مهما جدا ليقولوه للسجناء الآخرين».‏ وخلال تلك السنوات،‏ اناس كثيرون من اوكرانيا تعرّفوا بالحق من شهود ألمان كانوا معهم في معسكرات الاعتقال.‏

تعرّفت اناستاسيا كازاك بالحق في معسكر اعتقال شتوتهوف في المانيا.‏ وفي نهاية الحرب،‏ نُقل عدة مئات من السجناء بمن فيهم اناستاسيا و ١٤ شاهدا في مراكب لنقل البضائع الى الدانمارك،‏ حيث بحث عنهم الاخوة الدانماركيون واهتموا بحاجاتهم الجسدية والروحية.‏ في تلك السنة عينها اعتمدت اناستاسيا بعمر ١٩ سنة في محفل في كوپنهاڠن وعادت الى موطنها في اوكرانيا الشرقية،‏ حيث عملت بغيرة في زرع بذار الحق.‏ لاحقا،‏ بسبب نشاطها الكرازي،‏ سُجنت الاخت كازاك ثانية ١١ سنة.‏

وهذه هي نصيحتها للأحداث:‏ «مهما يحدث في حياتكم —‏ ضيق،‏ اضطهاد،‏ او مشاكل اخرى —‏ فلا تستسلموا.‏ داوموا على طلب مساعدة يهوه.‏ وكما اكتشفتُ،‏ فإنه لا يتخلى عن الذين يخدمونه».‏ —‏ مزمور ٩٤:‏١٤‏.‏

مِحَن الحرب

ان الحرب قاسية ووحشية،‏ ولا ينتج عنها سوى الشدة،‏ الالم،‏ والموت للجنود والمدنيين.‏ وشهود يهوه ليسوا مستثنين من معاناة الامور المروّعة التي تسببها الحرب.‏ وعلى الرغم من انهم موجودون في العالم فهم ليسوا جزءا منه.‏ (‏يوحنا ١٧:‏١٥،‏ ١٦‏)‏ فتمثلا بقائدهم يسوع المسيح،‏ يحافظون على حياد سياسي تام.‏ وهذا الموقف يفرز الشهود في اوكرانيا،‏ كما في اي مكان آخر،‏ بصفتهم مسيحيين حقيقيين.‏ وفي حين ان العالم يُكرم ابطاله في الحرب،‏ الاحياء والاموات،‏ فإن يهوه يكرم الذين يُثبتون بشجاعة ولاءهم له.‏ —‏ ١ صموئيل ٢:‏٣٠‏.‏

في نهاية سنة ١٩٤٤،‏ عادت القوات السوڤياتية واحتلت اوكرانيا الغربية وأعلنت عن التجنيد العسكري الالزامي الشامل.‏ وفي الوقت نفسه،‏ حاربت فرق انصار اوكرانيا ضد القوات الالمانية والسوڤياتية.‏ وضُغط على سكان اوكرانيا الغربية للانضمام الى صفوف الانصار.‏ كل ذلك شكّل محنا جديدة لخدام يهوه في المحافظة على حيادهم.‏ وبسبب رفضهم القتال،‏ أُعدم عدد من اخوتنا.‏

لقد عرّف إيليا هوڤوتشاك إيڤان ماكسيميوك وابنه ميخايلو على الحق.‏ خلال الحرب رفض الاب وابنه حمل السلاح،‏ فاحتجزهما الانصار.‏ وقبل فترة كان هؤلاء قد احتجزوا ايضا جنديا سوڤياتيا.‏ فأمر الانصار إيڤان ماكسيميوك ان يقتل الجندي الاسير،‏ قائلين انه اذا فعل ذلك يطلقون سراحه.‏ عندما رفض الاخ ماكسيميوك،‏ قتلوه بعد ان تلذذوا بعذابه.‏ وقُتل ابنه ميخايلو بالطريقة نفسها،‏ كما قُتل ايضا يوري فْرييوك وابنه ميكولا البالغ من العمر ١٧ سنة.‏

أُعدم ايضا اخوة آخرون لأنهم رفضوا الانضمام الى الجيش السوڤياتي.‏ (‏اشعياء ٢:‏٤‏)‏ وآخرون حُكم عليهم بالسجن عشر سنوات.‏ كانت فرص نجاة الاخوة المسجونين ضئيلة جدا،‏ لأنه خلال فترة ما بعد الحرب في اوكرانيا،‏ حتى الاشخاص الاحرار كانوا يموتون جوعا.‏ في سنة ١٩٤٤،‏ سُجن ميكيل داسيڤيتش بسبب حياده.‏ وقبل سجنه عشر سنوات،‏ خضع لاستجواب مدة ستة اشهر،‏ الامر الذي ادى الى إنهاكه كليا.‏ فوصفت له اللجنة الطبية في السجن «حمية عالية السُّعرات».‏ فبدأ عمّال مطبخ السجن بإضافة ملعقة صغيرة من الزيت الى حصته من الحساء —‏ الطعام الوحيد الذي كان يُعطى له.‏ نجا الاخ داسيڤيتش وخدم في ما بعد ٢٣ سنة في لجنة البلد في الاتحاد السوڤياتي ولاحقا في لجنة البلد في اوكرانيا.‏

في سنة ١٩٤٤،‏ رفض سبعة اخوة من جماعة واحدة في بوكوڤينا الانضمام الى الجيش.‏ فحُكم على كل منهم ما يتراوح بين ثلاث وأربع سنوات في السجن حيث مات اربعة منهم جوعا.‏ وفي تلك السنة ايضا حُكم على خمسة اخوة من جماعة مجاورة بعشر سنوات في معسكر للسجناء في سيبيريا.‏ واحد منهم فقط عاد الى بيته —‏ والآخرون ماتوا هناك.‏

ذكر الكتاب السنوي لعام ١٩٤٧ معلّقا على ما جرى من احداث:‏ «عندما دُفع الوحش النازي غربا في سنة ١٩٤٤،‏ حُشد .‏ .‏ .‏ كل الرجال القادرين على حمل السلاح في اوكرانيا الغربية لإمالة كفة الحرب نحو روسيا.‏ مرة اخرى حافظ اخوتنا على قدسية العهد الابدي وعلى حيادهم.‏ وقد خسر عدد منهم حياتهم بسبب امانتهم للرب،‏ وآخرون —‏ كانوا هذه المرة اكثر من ٠٠٠‏,١ —‏ نُقلوا شرقا الى السهول الشاسعة في هذه القارة الضخمة».‏

على الرغم من هذا الترحيل الضخم،‏ استمر شهود يهوه يزدادون في العدد.‏ وفي سنة ١٩٤٦،‏ حضر الذِّكرى في اوكرانيا الغربية ٢١٨‏,٥ شخصا،‏ بمن فيهم اربعة ممسوحين.‏

راحة مؤقتة

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية،‏ كرز الاخوة —‏ الذين قاسوا كل الشدائد وبقوا اولياء للّٰه —‏ برسالة رجاء وتشجيع مدوّية للعائدين من ساحة القتال.‏ فالجنود وكذلك سجناء الحرب عادوا الى موطنهم خائبي الامل ولكن توّاقين الى ايجاد معنى في الحياة.‏ فاعتنق كثيرون حق الكتاب المقدس بفرح.‏ على سبيل المثال،‏ في اواخر سنة ١٩٤٥ في قرية بيللا تْسيركڤا في ترانسكارپاثيا اعتمد ٥١ شخصا في نهر تيزا.‏ وفي نهاية السنة،‏ وُجد ١٥٠ ناشرا في تلك الجماعة.‏

في ذلك الوقت،‏ كان قد نشأ كره متبادل بين الاوكرانيين والپولنديين في اوكرانيا الغربية وفي پولندا الشرقية.‏ وتشكل عدد من العصابات الاوكرانية والپولندية.‏ وفي بعض الحالات قتلت هذه العصابات سكان قرى بكاملها حيث يعيش اشخاص من القومية الاخرى.‏ وللأسف،‏ مات بعض الاخوة في تلك المذابح.‏

لاحقا،‏ بموجب اتفاق بين الاتحاد السوڤياتي وپولندا،‏ نُقل نحو ٠٠٠‏,٨٠٠ پولندي من اوكرانيا الغربية الى پولندا ونحو ٠٠٠‏,٥٠٠ اوكراني من شرقي پولندا الى اوكرانيا.‏ وكان بين المهاجرين شهود كثيرون.‏ جماعات بكاملها نُقلت،‏ وتلقى الاخوة تعيينات ثيوقراطية جديدة،‏ معتبرين ان هذا الترحيل فرصة للبشارة في مقاطعات جديدة.‏ علّق الكتاب السنوي لعام ١٩٤٧:‏ «لقد ساهم كل هذا الترحيل في نشر الحق بسرعة في مناطق يصعب الوصول اليها في الاحوال العادية.‏ وقد لعبت حتى هذه الظروف الاليمة دورا في تمجيد اسم يهوه».‏

عندما أُقفلت الحدود الغربية لأوكرانيا،‏ اتّخذ الاخوة خطوات لتنظيم نشاطات شهود يهوه في اوكرانيا وباقي الاتحاد السوڤياتي.‏ وكان پاڤلو زياتِك قد عُيّن خادم البلد في اوكرانيا وباقي الاتحاد السوڤياتي.‏ لاحقا،‏ عُيّن أخَوان غيوران آخران ليساعداه:‏ ستانيسلاڤ بوراك،‏ وپيترو توكار.‏ كانا يعيشان سرّا في بيت اخت مسيحية في لْڤوف ويطبعان المطبوعات بحيث يؤمّن الطعام الروحي لكامل الاتحاد السوڤياتي.‏ كانت هنالك مخاطرة كبيرة في جلب المطبوعات من پولندا حتى تُترجم وتُطبع في لْڤوف.‏ ومن وقت الى آخر،‏ كان عدد من الاخوة والاخوات يتمكنون من الحصول على اذن في زيارة اقربائهم في پولندا،‏ وفي طريق العودة يُدخلون مطبوعاتنا سرّا.‏ وطوال فترة من الوقت نقل سائق قطار المطبوعات في صندوق معدني مخبإ داخل غلّاية البخار!‏

في نهاية سنة ١٩٤٥،‏ أُوقف الاخ زياتِك وحُكم عليه بالسجن عشر سنوات.‏ فحل محله الاخ بوراك كخادم للبلد.‏

الاضطهاد ثانية

في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٤٧،‏ فيما كان اخ ينقل مطبوعات ليسلّمها للاخوة،‏ أُوقف في الشارع في لْڤوف واعتُقل.‏ وعرض عليه سلك الامن ان يسجّل هيئتنا شرعيا اذا اعطى عناوين الشهود الذين يسلّمهم مطبوعات قانونيا.‏ وثق الاخ بهم وأعطاهم عناوين حوالي ٣٠ اخا،‏ بمن فيهم الاخ بوراك،‏ خادم البلد في ذلك الوقت.‏ لاحقا أُوقفوا كلهم.‏ اما بالنسبة الى هذا الاخ فقد تاب بإخلاص واعترف انه وضع ثقة لا مبرر لها في سلك الامن.‏

أُخذ الاخوة الموقوفون الى سجن في كييڤ لمزيد من الاستجواب وجلسات استماع في المحكمة.‏ بُعيد ذلك،‏ مات الاخ بوراك في السجن.‏ ولكنه قبل توقيفه تمكن من الاتصال بخادم الكورة،‏ ميكولا تسيبا،‏ من منطقة ڤولين وسلّمه مسؤولية الاشراف على العمل في اوكرانيا وباقي الاتحاد السوڤياتي.‏

كانت تلك المرة الاولى التي يوقف فيها سلك الامن السوڤياتي دفعة واحدة هذا العدد الكبير من الاخوة المسؤولين بالاضافة الى الاخوة الذين يعملون في المطابع السريّة.‏ لقد اعتبر الرسميون في الاتحاد السوڤياتي ان مطبوعاتنا مناهضة للحكم السوڤياتي.‏ واتّهم الشهود زورا بالقيام بنشاط يقوّض نظام البلد،‏ وحُكم على كثيرين بالموت.‏ الا ان الاحكام بالموت خُفّضت الى ٢٥ سنة في معسكرات السجناء.‏

حُكم على الاخوة بقضاء مدة عقوبتهم في سيبيريا.‏ وعندما سألوا محاميا عن سبب ارسالهم بعيدا جدا،‏ اجاب مازحا:‏ «ربما عليكم ان تبشروا باللّٰه هناك».‏ وكم صحت لاحقا هذه الكلمات!‏

خلال الفترة من سنة ١٩٤٧ حتى ١٩٥١،‏ أُوقف العديد من الاخوة المسؤولين.‏ وقد سُجن الشهود ليس فقط لأنهم طبعوا المطبوعات،‏ بل ايضا لأنهم لم ينضموا الى الجيش،‏ لم يشتركوا في الانتخابات،‏ ولم يسجّلوا اولادهم في رابطة الكشّافة او الكومسومول (‏اتحاد الشبيبة الشيوعي)‏.‏ فكون المرء واحدا من شهود يهوه كان سببا كافيا لسجنه.‏ وغالبا ما كان شهود زور يشهدون في المحاكم.‏ اجمالا،‏ كانوا جيرانا او زملاء في العمل هدّدهم او رشاهم سلك الامن.‏

في بعض الاحيان كانت السلطات متعاطفة ولكن ليس علنا.‏ أُوقف إيڤان سيمتشوك ووُضع ستة اشهر في سجن انفرادي.‏ وفي السجن الانفرادي حلّ سكون مطبق؛‏ حتى انه لم يكن يسمع اصوات الشارع.‏ بعد ذلك حاكموه.‏ الا ان المحقق ساعده بإرشاده كيف يجاوب:‏ «لا تقل من اين حصلت على الآلات الكاتبة والمطبوعات او ممن حصلت عليها!‏ لا تجِب عن هذين السؤالين!‏».‏ وعندما كانوا يأخذونه ليستجوبوه،‏ كان المحقّق يقول:‏ «إيڤان،‏ لا تستسلم.‏ لا تستسلم يا إيڤان».‏

في بعض القرى لم يكن يُسمح لشهود يهوه ان يعلّقوا ستائر على نوافذهم.‏ وذلك لكي يتمكن الجيران ورجال الشرطة ان يروا بسهولة هل يقرأ الشهود مطبوعاتهم او يعقدون اجتماعات.‏ الا ان الاخوة وجدوا طرقا للتغذي روحيا.‏ وفي بعض الاوقات،‏ كانت «منصة» مدير درس برج المراقبة فريدة من نوعها.‏ فكان الاخ يجلس تحت طاولة مغطاة بغطاء يصل الى الارض لكي يدير ويقرأ مجلة برج المراقبة‏.‏ وكان «الحضور» يجلسون حول الطاولة،‏ مصغين بانتباه ومقدمين تعليقاتهم.‏ ولم يكن احد يشك ان الناس حول الطاولة يتمتعون باجتماع ديني!‏

الشهادة في المحاكم

أوقف ميخايلو دان،‏ الذي ذُكر سابقا،‏ في نهاية سنة ١٩٤٨.‏ كان آنذاك متزوجا وله ابن عمره سنة واحدة،‏ وزوجته تنتظر مولودا ثانيا.‏ خلال المحاكمة،‏ طلب المدعي العام حكما بالسجن ٢٥ سنة.‏ وفي الكلمات الاخيرة الموجهة الى القضاة،‏ استخدم الاخ دان كلمات ارميا ٢٦:‏١٤،‏ ١٥‏:‏ «هأنذا بيدكم.‏ اصنعوا بي كما هو حسن ومستقيم في اعينكم.‏ لكن اعلموا علما انكم إن قتلتموني تجعلون دما زكيا على انفسكم وعلى هذه المدينة وعلى سكانها لأنه حقا ارسلني الرب اليكم لأتكلم في آذانكم بكل هذا الكلام».‏ كان لهذا التحذير اثر في القضاة.‏ فتشاوروا وقرّروا:‏ سجن عشر سنوات ونفي خمس سنوات في المقاطعات البعيدة في روسيا.‏

دين الاخ دان بصفته خائنا للوطن الام.‏ وعندما علم ذلك،‏ قال للقضاة:‏ «وُلدت في اوكرانيا في ظل حكومة تشيكوسلوڤاكية وعشت لاحقا في ظل حكم هنڠاريا؛‏ الآن الاتحاد السوڤياتي حاكم ارضنا،‏ وجنسيتي رومانية.‏ فأي وطن امّ خنت؟‏».‏ لا شك ان هذا السؤال بقي دون جواب.‏ بعد المحاكمة،‏ تلقى الاخ دان الخبر السعيد انه وُلدت له بنت.‏ وقد ساعده ذلك على تحمّل كل المعاملات المهينة في السجون ومعسكرات الاعتقال في روسيا الشرقية.‏ في اواخر اربعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ كثيرون من اخوتنا في اوكرانيا،‏ مولداڤيا،‏ وروسيا البيضاء ماتوا جوعا في السجون السوڤياتية.‏ والاخ دان خسر من وزنه ٢٥ كيلوڠراما.‏

اضطهاد الاخوات في اوكرانيا

لم يكن الاخوة وحدهم الذين اضطُهدوا وحُكم عليهم فترات طويلة في السجن في ظل النظام السوڤياتي؛‏ فقد عوملت الاخوات بالوحشية نفسها.‏ على سبيل المثال،‏ تعرّفت ماريّا توميلكو بالحق في معسكر اعتقال رَڤنسْبروك خلال الحرب العالمية الثانية.‏ لاحقا،‏ عادت الى اوكرانيا وبشّرت في مدينة نيپروپتروفسك.‏ وبسبب نشاطها الكرازي،‏ حُكم عليها سنة ١٩٤٨ بقضاء ٢٥ سنة في معسكر للسجناء.‏

وتتذكر اخت اخرى حُكم عليها بقضاء ٢٠ سنة في معسكر للسجناء:‏ «خلال التحقيق،‏ وُضعت في زنزانة واحدة مع عدة مجرمات.‏ لم أخَف منهن وبشّرتهن.‏ ولدهشتي،‏ أصغين اليّ بانتباه.‏ كانت الزنزانة تعجّ بالناس.‏ فنمنا جميعنا على الارض،‏ حشرا كسمك السردين في العلب.‏ وأثناء النوم،‏ كانت الطريقة الوحيدة كي نقلب من جنب الى جنب ان نفعل ذلك كلنا معا في الوقت نفسه وعندما يُطلب منا ذلك».‏

في سنة ١٩٤٩،‏ قام مرشد معمداني في مدينة زاپوروجي بتزويد سلك الامن المحلي بمعلومات عن خمس من اخواتنا،‏ فأُوقفن من جراء ذلك.‏ اتُّهمن بإثارة الناس ضد الاتحاد السوڤياتي وحُكم على كل منهن بقضاء ٢٥ سنة في معسكرات السجناء.‏ وصودرت كل املاكهن.‏ وقضين سبع سنوات في معسكرات في اقصى شمال روسيا الى ان مُنح العفو العام.‏ تتذكر ليديا كورداس،‏ وهي واحدة من هؤلاء الاخوات:‏ «كان يُسمح لنا ان نكتب الى اهلنا رسالتين في السنة فقط،‏ وكانت الرسائل تخضع لمراقبة دقيقة.‏ وخلال كل تلك الفترة لم يكن لدينا اية مطبوعات».‏ ومع ذلك،‏ بقين امينات ليهوه واستمررن في الكرازة ببشارة الملكوت.‏

مساعدة الاخوة في مولداڤيا

حتى في تلك الاوقات الصعبة،‏ اظهر الشهود المحبة احدهم للآخر.‏ ففي سنة ١٩٤٧،‏ عانى البلد المجاور مولداڤيا مجاعة شديدة.‏ وعلى الرغم من فقر الاخوة في اوكرانيا فقد تجاوبوا فورا مع حاجة رفقائهم المؤمنين في مولداڤيا وأرسلوا اليهم طحينا.‏ ودعا الشهود من اوكرانيا الغربية عددا من الشهود من مولداڤيا ليمكثوا في بيوتهم.‏

يتذكر اخ كان يعيش آنذاك في مولداڤيا:‏ «بصفتي يتيما كان من المفترض ان انال من الحكومة ٢٠٠ ڠرام من الخبز كل يوم.‏ ولكن لأنني لم اكن منضما الى رابطة الكشّافة،‏ لم اكن انال شيئا.‏ فسررنا جدا عندما ارسل الينا الاخوة من اوكرانيا الغربية طحينا،‏ وقد حصل كل ناشر على ٤ كيلوڠرامات».‏

محاولة التسجيل الشرعي في الاتحاد السوڤياتي

في سنة ١٩٤٩،‏ قام ثلاثة شيوخ من منطقة ڤولين (‏ميكولا پياتوكا،‏ ايليا بابيتشوك،‏ وميخايلو تشوماك)‏ بتقديم طلب لتسجيل عملنا شرعيا.‏ بُعيد ذلك،‏ أُوقف الاخ تشوماك.‏ ويتذكر ميكولا پياتوكا،‏ احد الأخَوين الباقيين،‏ انه عندما أُرسل الطلب اول مرة،‏ لم يكن هنالك اي جواب.‏ لذلك أُرسل طلب ثانٍ الى موسكو.‏ ونُقلت الوثائق الى كييڤ.‏ فمنح الرسميون الاخوة فرصة للكلام وقالوا لهم ان التسجيل ممكن شرط ان يتعاون شهود يهوه معهم.‏ بالطبع لم يوافق الاخوة ان يسايروا في موقفهم الحيادي.‏ وسرعان ما أُوقف ايضا هذان الأخَوان،‏ وحُكم على كل منهما بقضاء ٢٥ سنة في معسكرات السجناء.‏

وفي مذكّرة خصوصية أُرسلت من موسكو الى السلطات المحلية في ڤولين،‏ ذُكر ان «بدعة» شهود يهوه الدينية هي «حركة مناهضة بشكل واضح للاتحاد السوڤياتي ولا يمكن ابدا ان تُسجّل».‏ وأُمر رئيس مكتب الشؤون الدينية المحلي بالتجسس على شهود يهوه ونقل المعلومات الى سلك امن الدولة.‏

القادة الدينيون يتعاونون مع السلطات

في سنة ١٩٤٩،‏ لجأ مرشد معمداني في ترانسكارپاثيا الى السلطات،‏ متشكيا ان الشهود يُهدون شعبه.‏ نتيجة لذلك أُوقف ميخايلو تيلنياك،‏ شيخ في الجماعة المحلية،‏ وحُكم عليه بقضاء ١٠ سنوات في السجن.‏ وتُركت زوجته وحدها مع ولدين صغيرين.‏

لقد ساهمت هذه الاعمال من قبل القادة الدينيين في جعل الناس المخلصين يفهمون ويقدّرون عمل شهود يهوه.‏ ففي سنة ١٩٥٠،‏ علمت ڤاسيلينا بيبَن،‏ شابة معمدانية من ترانسكارپاثيا،‏ ان رجل الدين في كنيستها اعلم السلطات بنشاط شاهدَين ليهوه في مجتمعها.‏ فأُوقف الشاهدان وحُكم عليهما بقضاء ٦ سنوات في السجن.‏ بعد اطلاق سراحهما،‏ عادا الى موطنهما،‏ ولم يُظهرا اي عداء تجاه رجل الدين.‏ فأدركت ڤاسيلينا ان هذين الشاهدَين يحبان فعلا قريبهما.‏ اذ تأثرت بذلك،‏ درست الكتاب المقدس مع الشهود واعتمدت.‏ تقول:‏ «اشكر يهوه انني وجدت الطريق الذي يؤدي الى الحياة الابدية».‏

النفي الى روسيا

كانت حقائق الكتاب المقدس التي يعلنها شهود يهوه تتعارض مع الايديولوجية الإلحادية للحكم الشيوعي.‏ وكان الشهود،‏ كونهم منظمين جيدا،‏ يطبعون ويوزعون سرّا المطبوعات التي تروّج ملكوت اللّٰه.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ كانوا ينشرون تعاليم الكتاب المقدس بين الجيران والاقرباء.‏ فأوقفت السلطات اكثر من ٠٠٠‏,١ شاهد من سنة ١٩٤٧ حتى سنة ١٩٥٠.‏ ومع ذلك استمر الاخوة يزدادون في العدد.‏ لذلك في سنة ١٩٥١،‏ اعدت السلطات خطة سرية ظنوا انها ستسحق شعب اللّٰه.‏ فكانوا سينفون الشهود الباقين مسافة ٠٠٠‏,٥ كيلومتر شرقا،‏ الى سيبيريا الروسية.‏

في ٨ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥١،‏ نُفي اكثر من ١٠٠‏,٦ شاهد من اوكرانيا الغربية الى سيبيريا.‏ في الصباح الباكر،‏ وصلت شاحنات محملة جنودا الى بيت كل شاهد،‏ ومنحوا العائلة ساعتين فقط لتحزم امتعتها من اجل الرحلة.‏ لم يكن بإمكانهم ان يأخذوا معهم سوى اشيائهم الثمينة وحاجياتهم الشخصية.‏ ونُفي كل من وُجد في البيت —‏ الرجال،‏ النساء،‏ والاولاد.‏ ولم يُستثنَ مَن كان في سن متقدمة او في حالة صحية رديئة.‏ بسرعة،‏ وفي يوم واحد،‏ وُضعوا في المقطورات ونُفوا الى سيبيريا.‏

والذين لم يكونوا آنذاك في البيت تُركوا حيث هم،‏ ولم تبحث السلطات عنهم.‏ وقد قدّم بعض منهم طلبات رسمية للسلطات طالبين ان يتّحدوا مع عائلاتهم المنفية.‏ فلم تُجب السلطات على هذه الطلبات،‏ ولم تُعلمهم الى اين أُرسل اقرباؤهم.‏

عدا عن الشهود الذين من اوكرانيا،‏ نُفي ايضا شهود من مولداڤيا،‏ روسيا البيضاء الغربية،‏ ليتوانيا،‏ لاتڤيا،‏ وأستونيا.‏ وقد بلغ عدد الشهود المنفيين من هذه الجمهوريات الست حوالي ٥٠٠‏,٩ شاهد.‏ وقد أُرسلوا تحت حراسة عسكرية في مقطورات يدعوها الناس حظائر،‏ اذ ان هذه المقطورات تُستخدم عادة لنقل الماشية.‏

لم يكن احد من الاخوة يعرف الى اين يأخذونهم.‏ وخلال رحلتهم الطويلة،‏ صلّوا،‏ رنّموا،‏ وساعدوا احدهم الآخر.‏ وقد علّق البعض ثيابا خارج المقطورات،‏ محدّدين هويتهم بالكلمات التالية:‏ «نحن شهود يهوه من منطقة ڤولين» او «نحن شهود يهوه من منطقة لْڤوف».‏ وأثناء التوقف في محطات القطار على الطريق،‏ كان باستطاعتهم رؤية قُطُر عليها عبارات مماثلة من مناطق اخرى في اوكرانيا الغربية.‏ ساعد ذلك الاخوة ان يفهموا ان الشهود من مناطق اخرى يُنفون ايضا.‏ وقد شددت تلك «الرسائل» الاخوة خلال رحلتهم في القطار الى سيبيريا والتي دامت اسبوعين الى ثلاثة اسابيع.‏

اعتُبر هذا الانتقال نفيا مدى الحياة.‏ واقتضت الخطة ألا يُسمح لشهود يهوه بترك سيبيريا ابدا.‏ وكان عليهم ان يقدموا قانونيا تقريرا لمكاتب التسجيل المحلية،‏ مع انهم لم يكونوا في السجن.‏ وإن لم يفعل الشخص ذلك،‏ يُحكم عليه بقضاء عدة سنوات في السجن.‏

لدى وصولهم،‏ أُنزل البعض في الغابة وأُعطوا فؤوسا ليقطعوا الشجر ويؤمّنوا لأنفسهم مبيتا ووسائل العيش.‏ وبغية قضاء فصول الشتاء الاولى كان على الشهود ان يحفروا في الارض لصنع ملاجئ بدائية يسقفونها بالتراب.‏

يتذكر هريهورييه ميلنيك الذي يخدم الآن كشيخ في القرم:‏ «بعد ان أُوقفت اختي في سنة ١٩٤٧،‏ غالبا ما كانت تستجوبني السلطات،‏ ويضربونني بالعصي.‏ وعدة مرات اوقفوني الى جانب حائط مدة ١٦ ساعة.‏ وقد فعلوا كل ذلك لإجباري على تقديم شهادة زائفة ضد اختي الكبيرة التي كانت من الشهود.‏ كنت في الـ‍ ١٦ من عمري.‏ ولأنني رفضت ان اشهد ضدها،‏ لم ترضَ عني السلطات وأرادت التخلص مني.‏

‏«لذلك عندما اتت سنة ١٩٥١،‏ نُفينا الى سيبيريا،‏ مع اننا كنا يتامى انا وأخوَاي وأختي الاصغر مني.‏ فوالداي ميتان،‏ وأخي وأختي الاكبر مني يقضيان حكمهما في السجن مدة عشر سنوات.‏ بعمر ٢٠ سنة،‏ كنت اتحمل مسؤولية الاعتناء بأخوَين وأخت اصغر مني سنّا.‏

‏«اتذكر في احيان كثيرة اول سنتين في سيبيريا،‏ حين عشنا على البطاطا والشاي.‏ كنا نستعمل صحون الحساء لشرب الشاي،‏ لأن الفناجين كانت آنذاك من وسائل الترف.‏ ولكن روحيا كنت بحالة جيدة جدا.‏ فبعد وصولنا بأيام قليلة بدأت ادير اجتماعات عامة.‏ لاحقا بدأنا ايضا بمدرسة الخدمة الثيوقراطية.‏ لم يكن سهلا عليّ اتمام هذه المسؤوليات بسبب العمل الجسدي المرهق الذي كان عليّ القيام به للاعتناء بأخوَيّ وأختي».‏ وعلى الرغم من هذه المشقات،‏ حافظت عائلة ميلنيك على امانتها ليهوه وهيئته.‏

ارادت السلطات السيبيرية منع الشعب المحلي من الاتصال بالشهود الذين كانوا سيصلون قريبا،‏ فنشرت اشاعة مفادها ان آكلي لحم بشر سيصلون الى سيبيريا.‏ بعد ان وصل اول فريق من الشهود،‏ كان عليهم الانتظار بضعة ايام ليكون لهم مكان يسكنون فيه في القرى المحلية.‏ فجلسوا في الهواء الطلق عند ضفة نهر تشوليم المتجمد.‏ ومع انهم كانوا في منتصف شهر نيسان (‏ابريل)‏،‏ كان لا يزال يوجد الكثير من الثلج على الارض.‏ فأضرم الاخوة نارا كبيرة،‏ تدفأوا،‏ رنّموا،‏ صلّوا،‏ ورووا ما حصل لهم في رحلتهم.‏ ولدهشتهم،‏ لم يقترب منهم احد من القرويين المحليين.‏ وبدلا من ذلك،‏ اقفلوا جميع ابواب ونوافذ بيوتهم،‏ ولم يدعوا الشهود الى الدخول.‏ في اليوم الثالث،‏ اقدم اشجع القرويين مزوَّدين بفؤوس واقتربوا من الشهود وبدأوا يتحدثون اليهم.‏ في البداية،‏ ظنوا ان آكلي لحم البشر قد وصلوا!‏ ولكنهم سرعان ما علموا ان ذلك ليس صحيحا.‏

في سنة ١٩٥١،‏ خططت السلطات ايضا ان تنفي الشهود من ترانسكارپاثيا.‏ حتى انهم احضروا مقطورات فارغة.‏ ولكن لسبب مجهول أُلغي قرار نفي الاخوة.‏ وصارت ترانسكارپاثيا احدى المقاطعات الرئيسية التي تُنتج فيها مطبوعات لكامل الاتحاد السوڤياتي خلال الحظر.‏

استمرار الوحدة

لأن غالبية الاخوة نفوا الى سيبيريا،‏ فقدَ كثيرون من الباقين الاتصال بالهيئة.‏ على سبيل المثال،‏ عاشت ماريّا هريتْشينا من تشيرنوڤتسي اكثر من ست سنوات دون اي اتصال بالهيئة او الرفقاء المؤمنين.‏ الا انها استمرت تتكل على يهوه وبقيت امينة.‏ ومن سنة ١٩٥١ حتى اواسط ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ حين كان اغلبية الاخوة مسجونين او منفيين،‏ صار ضروريا ان تأخذ الاخوات القيادة في جماعات كثيرة.‏

يتذكر ميكيل داسيڤيتش،‏ شاهد عيان لتلك الاحداث:‏ «لم يؤثر النفي الى سيبيريا فيّ مباشرة،‏ لأنه عندما أُعدّت اللوائح بأسماء مَن سيُنفَون كنت لا ازال في روسيا اقضي حكمي في السجن.‏ بُعيد ذلك عدت الى اوكرانيا،‏ وكان معظم الشهود من منطقتي قد أُرسلوا الى سيبيريا.‏ فكان عليّ ان ابحث عن الشهود الافراد الذين فقدوا الاتصال بالهيئة وأنظّمهم في فرق لدرس الكتاب وفي جماعات.‏ وعنى ذلك انني بدأت اتمم مسؤوليات ناظر الدائرة،‏ مع انه لم يكن يوجد احد ليعيّنني للقيام بهذا العمل.‏ كنت ازور كل شهر كل الجماعات،‏ اجمع التقارير،‏ وأوزّع من جماعة الى اخرى المطبوعات التي كانت لا تزال في حوزتنا.‏ وكانت اخواتنا تنجز في اغلب الاحيان عمل خدام الجماعة،‏ وفي بعض المناطق اتممن مسؤوليات خدام الدائرة بما ان الاخوة لم يكونوا موجودين.‏ ولأسباب امنية،‏ كانت كل اجتماعات خدام الجماعات في دائرتنا تُعقد ليلا في المقابر.‏ فبما ان الناس عامة يخافون الموتى،‏ كنا متأكدين انه لن يأتي احد ليزعجنا.‏ كنا نهمس همسا في تلك التجمعات.‏ ذات مرة،‏ كان همسنا عاليا،‏ وصدف ان رجلين كانا يمران بالمقبرة ففرّا بأقصى سرعتهما.‏ لا بد انهما ظنا ان الموتى يتكلمون!‏».‏

بعد نفي سنة ١٩٥١،‏ استمر ميكولا تسيبا،‏ الذي كان آنذاك خادم البلد،‏ يعمل سرّا في مخبإ تحت الارض في طباعة مطبوعات الكتاب المقدس.‏ وفي سنة ١٩٥٢،‏ اكتشف سلك الامن مكانه وأوقفوه،‏ فقضى عدة سنوات في السجن.‏ وبقي الاخ تسيبا امينا حتى موته في سنة ١٩٧٨.‏ وبالاضافة الى الاخ تسيبا،‏ أُوقف ايضا عدد من الاخوة الذين كانوا يساعدونه.‏

خلال ذلك الوقت،‏ لم يكن للاخوة اي اتصال بالخارج.‏ ولذلك لم يتمكنوا من الحصول على المطبوعات الاخيرة في وقتها.‏ ذات مرة،‏ تمكن بعض الاخوة من الحصول على مؤونة من مجلات برج المراقبة بالرومانية للسنوات ١٩٤٥ الى ١٩٤٩.‏ فترجمها الاخوة المحليون بالاوكرانية والروسية.‏

وأظهر الشهود في اوكرانيا الذين لم يُنفَوا او يُسجنوا اهتماما عميقا بالرفقاء المؤمنين.‏ فبذلوا جهدا كبيرا لجمع لائحة بأسماء المسجونين،‏ ليرسلوا اليهم ثيابا دافئة،‏ طعاما،‏ ومطبوعات.‏ على سبيل المثال،‏ بقي شهود يهوه في ترانسكارپاثيا على اتصال بأخوة في ٥٤ معسكرا للسجناء في كامل الاتحاد السوڤياتي.‏ كما اعدّت جماعات كثيرة صندوق تبرعات اضافيا مخصّصا «لمَن نضع فيهم رجاءنا الصالح».‏ واستُخدم المال في هذا الصندوق لمساعدة الموجودين في السجن.‏ وعندما كانت تصل رسائل تقدير حارة وتقارير خدمة الحقل من السجون والمعسكرات،‏ كان يتشجع كثيرا الاخوة الامناء والمضحّون بذاتهم الذين كانوا طليقين.‏

تحسّن الظروف

بعد موت القائد السوڤياتي جوزيف ستالين،‏ تحسّن الموقف تجاه الشهود.‏ فبدءا من سنة ١٩٥٣ أُعلن العفو العام في الاتحاد السوڤياتي،‏ مؤديا الى اطلاق سراح بعض الاخوة.‏ لاحقا تشكلت اللجنة الحكومية وأعادت النظر في الاحكام الصادرة.‏ ونتيجة لذلك،‏ أُطلق سراح العديد من الاخوة فيما خُفِّضت فترات الحكم في السجن على آخرين.‏

وعلى مر السنوات القليلة التالية،‏ أُطلق سراح معظم الشهود المسجونين.‏ ولكنّ العفو العام لم يُطبّق على الذين نُفوا في سنة ١٩٥١.‏ وفي بعض السجون والمعسكرات،‏ اصبح عدد الذين صاروا من شهود يهوه اكبر من عدد الشهود الذين أُرسلوا في الاصل الى هناك.‏ وقد شجع هذا النمو الاخوة وأقنعهم ان يهوه قد باركهم فعلا من اجل موقفهم الثابت خلال تلك الفترة.‏

بعد اطلاق سراح الاخوة،‏ تمكن العديد منهم من العودة الى بيوتهم.‏ وبُذل جهد كبير لإيجاد الشهود الذين فقدوا الاتصال بالهيئة.‏ يتذكر ڤولوديمير ڤولوبوياڤ الذي عاش في منطقة دونتسك:‏ «حتى وقت ايقافي الثاني في سنة ١٩٥٨،‏ تمكنت من ايجاد ومساعدة حوالي ١٦٠ شاهدا كانوا بعيدين عن الهيئة».‏

لم يعنِ اعلان العفو العام ان الاخوة نالوا المزيد من الحرية للكرازة.‏ فقد أُطلق سراح الكثير من الاخوة والاخوات ولكنهم سرعان ما حوكموا ثانية بقضاء فترات طويلة في السجن.‏ على سبيل المثال،‏ لم تقضِ ماريّا توميلكو من مدينة نيپروپتروفسك سوى ٨ سنوات من فترة سجنها البالغة ٢٥ سنة بسبب صدور العفو العام في آذار (‏مارس)‏ سنة ١٩٥٥.‏ ولكن بعد ثلاث سنوات حُكم عليها ثانية بالسجن عشر سنوات وبالنفي خمس سنوات.‏ ولماذا؟‏ ورد في نص الحكم عليها:‏ «احتفظت وقرأت مطبوعات ومخطوطات محتواها مواد يهوهية» كما انها «استمرت في العمل بنشاط في نشر المعتقدات اليهوهية بين جيرانها».‏ ثم أُطلق سراحها بعد سبع سنوات بصفتها شخصا معاقا جسديا.‏ لقد عانت الاخت توميلكو شتى المِحَن ولا تزال ثابتة حتى يومنا هذا.‏

المحبة لا تفنى ابدا

بذلت السلطات جهدا خصوصيا لتفريق عائلات شهود يهوه.‏ وغالبا ما كان سلك الامن يسعى الى مواجهة الشهود بهذا الخيار:‏ اللّٰه او العائلة.‏ ولكن في معظم الحالات اثبت شعب يهوه ولاءه ليهوه على الرغم من اقسى المِحَن.‏

تتذكر هانّا بوكوك من ترانسكارپاثيا،‏ الذي أُوقف زوجها نوتسو بسبب كرازته الغيورة:‏ «خلال وجود زوجي في السجن،‏ عانى اهانات ماكرة كثيرة.‏ فقد قضى ستة اشهر في السجن الانفرادي دون سرير،‏ ولم يكن لديه سوى كرسي.‏ ضُرب بوحشية وحُرم من الطعام.‏ وفي بضعة اشهر،‏ صار نحيفا جدا ووزنه ٣٦ كيلوڠراما فقط،‏ نصف وزنه العادي».‏

وقد تُركت زوجته الامينة وحدها مع ابنتهما الصغيرة.‏ وضغطت السلطات على الاخ بوكوك ليساير في ايمانه ويتعاون معهم.‏ فطُلب منه ان يختار بين عائلته والموت.‏ لم يخن الاخ بوكوك معتقداته وبقي امينا ليهوه وهيئته.‏ فقضى ١١ سنة في السجون،‏ وبعد اطلاق سراحه،‏ استمر يقوم بنشاطه المسيحي كشيخ ولاحقا كناظر دائرة حتى موته في سنة ١٩٨٨.‏ وكثيرا ما كان يستمد قوته من كلمات المزمور ٩١:‏٢‏:‏ «اقول للرب [«ليهوه»،‏ ع‌ج‏] ملجإي وحصني الهي فأتكل عليه».‏

تأملوا في مثال آخر للاحتمال الشديد.‏ كان يوري پوپشا ناظرا جائلا في ترانسكارپاثيا.‏ أُوقف بعد عشرة ايام من زواجه.‏ وبدلا من قضاء شهر العسل،‏ قضى عشر سنين في السجن في موردڤينا في روسيا.‏ زارته زوجته الامينة ماريّا ١٤ مرة،‏ وكانت كل مرة تقطع في الاتجاه الواحد مسافة ٥٠٠‏,١ كيلومتر تقريبا.‏ حاليا،‏ يخدم الاخ پوپشا كشيخ في احدى الجماعات المحلية في ترانسكارپاثيا،‏ وتدعمه بمحبة وأمانة زوجته الحبيبة ماريّا.‏

ثمة مثال آخر للاحتمال تحت الشدائد هو مثال الزوجين أولكسييه وليديا كورداس اللذين عاشا في مدينة زاپوروجي.‏ أُوقفا في آذار (‏مارس)‏ ١٩٥٨،‏ بعد ١٧ يوما من ولادة ابنتهما هالينا.‏ وأُوقف ايضا ١٤ شخصا آخر في المنطقة.‏ فحُكم على الاخ كورداس بقضاء ٢٥ سنة في معسكرات السجناء،‏ وعلى زوجته بِـ‍ ١٠ سنوات.‏ وفُصلا احدهما عن الآخر —‏ فأُرسل أولكسييه الى معسكرات في موردڤينا،‏ وليديا مع ابنتهما الصغيرة الى سيبيريا.‏

تصف الاخت كورداس الرحلة التي دامت ثلاثة اسابيع من اوكرانيا الى سيبيريا:‏ «كان الوضع مريعا.‏ أُرسلنا انا وابنتي؛‏ ناديا ڤيشنياك وطفلها الذي وُلد قبل بضعة ايام في السجن خلال فترة الاستجواب؛‏ وأختان اخريان.‏ وُضعنا نحن الستة في زنزانة في مقطورة مخصصة لنقل سجينين فقط.‏ فأضجعنا الطفلين في السرير السفلي،‏ وجلسنا خلال كامل الرحلة جاثمات في السرير العلوي.‏ عشنا على الخبز،‏ سمك الرَّنْكة المملّح،‏ والماء.‏ وكان يُزوّد الطعام لأربعة اشخاص بالغين.‏ ولم نحصل على اي طعام للطفلين.‏

‏«عندما وصلنا الى المكان المقصود،‏ وُضعت في مستشفى السجن مع طفلتي.‏ فالتقيت هناك عدة اخوات وأخبرتهن ان المحقّق هدّدني بإبعاد طفلتي عني وإرسالها الى ميتم.‏ بطريقة ما،‏ تمكنت الاخوات من إخبار الاخوة المحليين في سيبيريا بورطتي.‏ وفي وقت لاحق،‏ اتت تامارا بورياك (‏الآن راڤليوك)‏ التي كانت بعمر ١٨ سنة الى مستشفى المعسكر لأخذ ابنتي هالينا.‏ كانت تلك المرة الاولى التي ارى فيها تامارا.‏ فكان من المؤلم جدا إعطاء ابنتي الحبيبة لشخص لم اره من قبل قط،‏ مع انني كنت سأعهد بها الى اختي الروحية.‏ الا انني تعزيت كثيرا عندما اخبرتني الاخوات في المعسكر عن ولاء عائلة بورياك.‏ كانت طفلتي تبلغ خمسة اشهر و ١٨ يوما من العمر عندما تركتها في عهدة تامارا.‏ ولم اجتمع بابنتي الا بعد سبع سنوات!‏

‏«في سنة ١٩٥٩،‏ اعلن الاتحاد السوڤياتي عفوا عاما جديدا.‏ وانطبق على النساء اللواتي عمر اولادهن اقل من سبع سنوات.‏ ولكنّ سلطات السجن اخبرتني ان عليّ انكار ايماني اولا.‏ فلم اوافق على ذلك وبالتالي كان عليّ ان ابقى في معسكر السجناء».‏

أُطلق سراح الاخ كورداس في سنة ١٩٦٨،‏ بعمر ٤٣ سنة.‏ وجملة،‏ قضى ١٥ سنة في السجن من اجل الحق،‏ بما فيها ٨ سنوات في سجن خصوصي ذي حراسة مشدّدة.‏ وأخيرا،‏ عاد الى اوكرانيا الى زوجته وابنته.‏ وفي النهاية اجتمعت عائلتهم مجددا.‏ عندما التقت هالينا اباها جلست في حضنه وقالت:‏ «بابا!‏ لم استطع الجلوس في حضنك طوال سنوات عديدة،‏ لذلك سأعوّض الآن عن الوقت الضائع».‏

في ما بعد انتقلت عائلة كورداس من مكان الى آخر،‏ إذ ان السلطات ظلت تطردهم من مكان سكنهم.‏ اولا،‏ عاشوا في اوكرانيا الشرقية،‏ ثم في جورجيا الغربية،‏ ثم في بلاد القوقاز الشمالية.‏ وأخيرا،‏ انتقلوا الى خاركوف حيث لا يزالون يعيشون بسعادة.‏ هالينا متزوجة الآن.‏ ولا يزالون جميعهم يخدمون إلههم يهوه بأمانة.‏

مثال بارز للإيمان

احيانا تستمر امتحانات الايمان القاسية اشهرا،‏ سنينا،‏ حتى عقودا.‏ تأملوا في احد الامثلة.‏ وُلد يوري كوپوس وترعرع ليس بعيدا عن مدينة خوست الجميلة في ترانسكارپاثيا.‏ في سنة ١٩٣٨،‏ بعمر ٢٥ سنة،‏ صار واحدا من شهود يهوه.‏ وفي سنة ١٩٤٠،‏ خلال الحرب العالمية الثانية،‏ حُكم عليه بالسجن ثمانية اشهر بسبب رفضه الانضمام الى الجيش الهنڠاري المؤيد للنظام النازي.‏ في ترانسكارپاثيا،‏ لم تكن القوانين المحلية آنذاك تسمح بإعدام السجناء بسبب مبادئهم الدينية.‏ ولذلك أُرسل الاخوة الى خطوط القتال الامامية حيث يسمح القانون النازي بالإعدام.‏ في سنة ١٩٤٢،‏ أُرسل الاخ كوپوس بمرافقة عسكرية مع سجناء آخرين،‏ بمن فيهم ٢١ شاهدا آخر،‏ الى الخطوط الامامية قرب ستالينڠراد في روسيا.‏ وقد أُرسلوا الى هناك لكي يُعدَموا.‏ ولكن بُعيد وصولهم،‏ بدأ الجيش السوڤياتي بالهجوم،‏ واعتُقل الجنود الالمان والاخوة.‏ فأُرسل الشهود الى احد معسكرات السجناء السوڤياتية،‏ حيث بقوا حتى سنة ١٩٤٦ حين أُطلق سراحهم.‏

عاد الاخ كوپوس الى موطنه،‏ حيث قام بدور فعال في عمل الكرازة.‏ وبسبب هذا النشاط،‏ حكمت عليه السلطات السوڤياتية في سنة ١٩٥٠ بقضاء ٢٥ سنة في معسكر للسجناء.‏ ولكن بعد اعلان عفو عام،‏ أُطلق سراحه بعد ست سنوات.‏

بعد اطلاق سراحه،‏ خطط الاخ كوپوس الذي كان آنذاك بعمر ٤٤ سنة ان يتزوج هانّا شيشكو.‏ وهي ايضا شاهدة أُطلق سراحها مؤخرا من السجن بعد ان اتمت عقوبة مدتها عشر سنوات.‏ فقدّما طلبًا لتسجيل زواجهما.‏ وفي الليلة التي سبقت زفافهما،‏ أُوقفا ثانية وحُكم عليهما بالسجن عشر سنوات في المعسكر.‏ الا انهما تخطيا كل هذه المشقات،‏ واحتملت محبتهما كل شيء،‏ بما فيها تأخير في زواجهما دام عشر سنوات.‏ (‏١ كورنثوس ١٣:‏٧‏)‏ وبعد إطلاق سراحهما في سنة ١٩٦٧،‏ تزوّجا اخيرا.‏

لم تنتهِ قصتهما هنا.‏ ففي سنة ١٩٧٣،‏ أُوقف الاخ كوپوس مرة اخرى،‏ وهو بعمر ٦٠ سنة،‏ وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات في المعسكر وبالنفي خمس سنوات.‏ فقضى مدة نفيه مع زوجته هانّا في سيبيريا،‏ على بعد ٠٠٠‏,٥ كيلومتر من مدينة خوست،‏ مسقط رأسه.‏ وللوصول الى تلك المنطقة من غير الممكن استخدام السيارة او السكة الحديدية،‏ اذ لا يمكن بلوغها الا جوّا.‏ في سنة ١٩٨٣،‏ عاد الاخ كوپوس مع زوجته الى موطنهما في خوست.‏ ماتت هانّا في سنة ١٩٨٩،‏ واستمر الاخ كوپوس يخدم يهوه بأمانة حتى موته في سنة ١٩٩٧.‏ قضى الاخ كوپوس ٢٧ سنة في شتى السجون و ٥ سنوات في المنفى —‏ ما مجموعه ٣٢ سنة.‏

لقد قضى هذا الرجل المتواضع والحليم ثلث قرن تقريبا في السجون ومعسكرات العمل الإلزامي السوڤياتية.‏ وهذا المثال الخارق للإيمان يُظهر ان الاعداء لا يمكن ان يقضوا على استقامة خدام اللّٰه الاولياء.‏

انشقاق مؤقت

يستخدم الشيطان ابليس،‏ عدو الجنس البشري،‏ عدة طرق لمحاربة ممارسي الدين الحقيقي.‏ فعدا الاساءة الجسدية،‏ يحاول ترويج الشكوك وتسبيب الانقسام بين الاخوة.‏ وهذا واضح خصوصا في تاريخ شهود يهوه في اوكرانيا.‏

فخلال خمسينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ جرت مضايقة شهود يهوه بلا هوادة.‏ واستمرت السلطات في التفتيش للعثور على الاماكن حيث تُطبع المطبوعات.‏ وكان يجري توقيف الاخوة المسؤولين باستمرار.‏ وبسبب ذلك،‏ كان الاخوة الذين يأخذون القيادة في عمل الإشراف يُبدَّلون مرارا،‏ كل بضعة اشهر.‏

اذ ادرك سلك الامن ان شهود يهوه لا يمكن إسكاتهم بالنفي،‏ السجن،‏ العنف الجسدي،‏ والعذاب،‏ استعمل طرائق جديدة.‏ فحاولوا تقسيم الهيئة من الداخل بزرع بذار الريبة بين الاخوة.‏

في اواسط خمسينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ اوقف سلك الامن الاعتقالات الفورية لجميع الاخوة النشاطى والمسؤولين وبدأ يتجسس عليهم.‏ وكان يُستدعى هؤلاء الاخوة قانونيا الى مكاتب سلك الامن.‏ قيل لهم انهم سيقبضون مالا ويتمتعون بمهنة جيدة اذا تعاونوا معهم.‏ وكان رفض التعاون يؤدي الى السجن والإذلال.‏ قليلون ممّن ايمانهم ضعيف باللّٰه سايروا بسب الخوف او الجشع.‏ وبقوا في صفوف الاخوة،‏ مخبرين سلك الامن بنشاطات شهود يهوه.‏ كما انهم اطاعوا ونفذوا ارشادات السلطات،‏ جاعلين اخوة ابرياء يظهرون انهم خَوَنة في اعين اخوتهم الامناء.‏ وقد نشر كل ذلك روحا من الريبة بين العديد من الاخوة.‏

عانى پاڤلو زياتِك كثيرا من جراء هذه الريبة والشكوك التي لا اساس لها.‏ وقد قضى هذا الاخ المتواضع والغيور سنوات عديدة في معسكرات السجناء وخصص كامل حياته لخدمة يهوه.‏

خلال اواسط اربعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ كان الاخ زياتِك خادم البلد.‏ وإذ أُوقف قضى عشر سنوات في السجن في اوكرانيا الغربية.‏ في سنة ١٩٥٦ أُطلق سراحه وفي سنة ١٩٥٧ استأنف عمله كخادم البلد.‏ كانت لجنة البلد تضم ثمانية اخوة بالاضافة الى الاخ زياتِك:‏ اربعة من سيبيريا وأربعة من اوكرانيا.‏ وقد اشرف هؤلاء الاخوة على عمل الكرازة بالملكوت في كامل الاتحاد السوڤياتي.‏

بسبب المسافات الشاسعة والاضطهاد المستمر،‏ لم يتمكن هؤلاء الاخوة من البقاء على اتصال جيد او عقد اجتماعات قانونية.‏ وبمرور الوقت،‏ انتشرت اشاعات عن الاخ زياتِك وأعضاء اللجنة الآخرين.‏ فقيل ان الاخ زياتِك يتعاون مع سلك الامن،‏ انه بنى لنفسه بيتا كبيرا مستعملا الاموال التي كان يجب ان تُستخدم لترويج عمل الشهادة،‏ وإنه جرت رؤيته في بدلة عسكرية.‏ فجُمعت هذه التقارير ووضعت في ملف وأُرسلت الى نظار الدوائر والكور في سيبيريا.‏ ولم تكن اي من تلك الاتهامات صحيحة.‏

اخيرا،‏ في آذار (‏مارس)‏ ١٩٥٩،‏ توقف بعض نظار الدوائر في سيبيريا عن ارسال تقارير خدمة الحقل الى لجنة البلد.‏ وقد اتّخذ هؤلاء الذين فرزوا انفسهم هذه الخطوة دون استشارة المركز الرئيسي.‏ كما انهم لم يتبعوا ارشاد الاخوة المحليين المعينين للاشراف.‏ وقد سبب ذلك انشقاقا في صفوف شهود يهوه في الاتحاد السوڤياتي بضع سنوات.‏

وأقنع الاخوة المنفصلون نظار دوائر آخرين لاتّخاذ موقف مماثل.‏ ونتيجة لذلك،‏ صارت تقارير خدمة الحقل الشهرية لبعض الدوائر تُرسل الى الاخوة المنفصلين بدلا من لجنة البلد المعيّنة.‏ ومعظم الاخوة في الجماعات لم يعرفوا ان تقاريرهم لخدمة الحقل لا تصل الى لجنة البلد،‏ فلم يتأثر نشاط الجماعات.‏ قام الاخ زياتِك بعدة رحلات الى سيبيريا،‏ وبعد ذلك رجعت عدة دوائر ترسل تقارير خدمة الحقل الى لجنة البلد.‏

العودة الى الهيئة الثيوقراطية

في ١ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٦١،‏ أُوقف الاخ زياتِك في القطار وهو عائد من رحلة خدمة الى سيبيريا.‏ وحُكم عليه ثانية بِـ‍ ١٠ سنوات في السجن،‏ وهذه المرة في معسكر «خصوصي» للسجناء في موردڤينا بروسيا.‏ ولماذا كان هذا المعسكر «خصوصيا»؟‏

لقد سنحت للاخوة المسجونين في مختلف معسكرات السجناء فرصة لتبشير السجناء الآخرين،‏ وعديدون صاروا شهودا.‏ فأزعج هذا الامر السلطات.‏ لذلك قرروا جمع الشهود البارزين في معسكر واحد لكي لا يتمكنوا من تبشير الآخرين.‏ ونحو نهاية خمسينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ جُمع اكثر من ٤٠٠ اخ وحوالي ١٠٠ أخت من مختلف معسكرات السجناء في الاتحاد السوڤياتي ووُضعوا في معسكرَين للسجناء في موردڤينا.‏ وقد وُجد بين السجناء اخوة من لجنة البلد بالاضافة الى نظار الدوائر والكور المنفصلين عن قناة يهوه للاتصال.‏ وعندما رأى هؤلاء الاخوة ان الاخ زياتِك مسجون ايضا،‏ ادركوا انه لم يكن هنالك اساس كافٍ ليصدقوا انه يتعاون مع سلك الامن.‏

في تلك الاثناء،‏ ونظرا الى توقيف الاخ زياتِك،‏ جرت الترتيبات ان يتسلم إيڤان پاشكوڤسْكْييه مسؤولية خادم البلد.‏ وفي اواسط سنة ١٩٦١،‏ التقى الاخ پاشكوڤسْكْييه اخوة مسؤولين من پولندا وشرح انه توجد انقسامات بين الاخوة في الاتحاد السوڤياتي.‏ وسأل ان كان بإمكان ناثان ه‍.‏ نور من المركز الرئيسي في بروكلين ان يكتب رسالة تُظهر دعم الهيئة للاخ زياتِك.‏ لاحقا،‏ في سنة ١٩٦٢،‏ تلقى الاخ پاشكوڤسْكْييه نسخة من الرسالة الى شهود يهوه في الاتحاد السوڤياتي بتاريخ ١٨ ايار (‏مايو)‏ ١٩٦٢.‏ ورد في الرسالة:‏ «تصلني من وقت الى آخر اخبار تدل انكم ايها الاخوة في الاتحاد السوڤياتي تستمرون في المحافظة على رغبتكم الشديدة في ان تكونوا خداما امناء ليهوه اللّٰه.‏ ولكنّ البعض عانوا مشاكل في محاولة البقاء متحدين مع اخوتكم.‏ اظن ان ذلك بسبب وسائل الاتصال الضعيفة والتداول المتعمد لقصص باطلة من قبل البعض الذين يقاومون يهوه اللّٰه.‏ لذلك اكتب لأعرّفكم ان الجمعية تعترف بالاخ پاڤلو زياتِك والاخوة الذين يعاونونه بصفتهم النظار المسيحيين المسؤولين في الاتحاد السوڤياتي.‏ فيجب رفض الشبهات والآراء المتطرفة.‏ ويجب ان نكون سلماء العقل،‏ متعقلين،‏ متكيفين،‏ وأيضا ثابتين في مبادئ اللّٰه».‏

وقد ساهمت هذه الرسالة،‏ الى جانب كون الاخ زياتِك محكوما عليه بعشر سنوات في السجن،‏ في توحيد شعب يهوه في الاتحاد السوڤياتي.‏ وعاود العديد من الاخوة المنفصلين في السجون ومعسكرات السجناء الاتحاد بالهيئة.‏ فقد فهموا ان الاخ زياتِك لم يخن الهيئة وأن المركز الرئيسي يدعمه كاملا.‏ وعندما كتب هؤلاء الاخوة المسجونون الى عائلاتهم وأصدقائهم،‏ شجعوا الشيوخ في جماعاتهم المحلية على الاتصال بالاخوة الذين بقوا امناء والبدء بتقديم تقارير نشاطهم في خدمة الحقل.‏ وفي غضون العقد التالي،‏ تبع غالبية الاخوة المنفصلين هذه النصيحة،‏ مع ان بلوغ هدف الوحدة بقي تحدّيا كما سنرى.‏

البقاء اولياء في معسكرات السجناء

كانت الحياة في معسكرات السجناء صعبة.‏ ومع ذلك غالبا ما تدبّر الشهود السجناء امرهم بطريقة افضل من السجناء الآخرين،‏ وذلك بسبب روحياتهم.‏ فكان لديهم مطبوعات وكانوا على اتصال برفقاء مؤمنين ناضجين.‏ وقد ساهم كل ذلك في حالتهم النفسية الجيدة وفي نموهم الروحي.‏ في احد معسكرات السجناء،‏ خبأت الاخوات بعض المطبوعات في الارض بطريقة ماهرة جدا بحيث لم يستطع احد ايجادها.‏ ذات مرة،‏ قال احد المفتشين انه بغية ازالة جميع «المطبوعات المناهضة للحكم السوڤياتي» من المنطقة،‏ يحتاجون الى نبش الارض حول السجن بعمق مترين ونخل التربة!‏ وقد درست الاخوات المسجونات المجلات بشكل شامل بحيث انه الآن،‏ بعد ٥٠ سنة،‏ تستطيع بعضهن تلاوة اجزاء من مجلات برج المراقبة تلك.‏

رغم اصعب الظروف حافظ الاخوة والاخوات على ولائهم ليهوه ولم يسايروا في مبادئهم المؤسسة على الكتاب المقدس.‏ ماريّا هريتْشينا،‏ التي قضت خمس سنوات في معسكرات السجناء بسبب نشاطها الكرازي،‏ تروي ما يلي:‏ «عندما تسلمنا مجلة برج المراقبة وفيها مقالة ‹الطهارة باحترام قدسية الدم›،‏ قررنا الا نتغدّى في قاعة طعام المعسكر عندما يقدَّم اللحم.‏ فاللحم المستعمل في هذه المعسكرات لا يُستنزف دمه في اغلب الاحيان.‏ وعندما اكتشف آمر السجن سبب عدم اكل الشاهدات بعض وجبات الغداء،‏ قرر اجبارنا ان نحيد عن مبادئنا.‏ فأمر ان يقدَّم اللحم كل يوم على الفطور،‏ الغداء،‏ والعشاء.‏ وطوال اسبوعين لم نأكل شيئا سوى الخبز.‏ اتكلنا كاملا على يهوه،‏ عالمات انه يرى كل شيء ويعرف مدى قدرتنا على الاحتمال.‏ وفي نهاية الاسبوع الثاني من هذه ‹التغذية› غيّر الآمر رأيه،‏ وبدأوا يقدّمون لنا الخضر،‏ الحليب،‏ وقدّموا لنا ايضا بعضا من الزبدة.‏ فرأينا ان يهوه يهتم بنا حقا».‏

المساعدة على الاحتمال

بالمقارنة مع السجناء الآخرين،‏ حافظ الاخوة على نظرة ايجابية جدا وملؤها الثقة الى الحياة.‏ وقد مكّنهم ذلك من احتمال الشقاء في السجون السوڤياتية.‏

يروي الاخ أولكسييه كورداس الذي قضى سنوات عديدة في السجون:‏ «ما ساعدني على الاحتمال هو الايمان العميق بيهوه وملكوته،‏ الاشتراك في النشاط الثيوقراطي في السجن،‏ والصلاة القانونية.‏ والامر الآخر الذي ساعدني ايضا هو اقتناعي انني اتصرف بطريقة ترضي يهوه.‏ كما انني ابقيت نفسي مشغولا.‏ فالضجر هو مِن اكره اوجه السجون،‏ اذ بإمكانه تدمير شخصية المرء وتسبيب مرض عقلي.‏ لذلك حاولت ابقاء نفسي مشغولا بأمور ثيوقراطية.‏ كما انني كنت اطلب الحصول على الكتب الموجودة في مكتبة السجن عن تاريخ العالم،‏ الجغرافيا،‏ وعلم الاحياء.‏ كنت ابحث عن الاجزاء التي تدعم نظرتي الى الحياة.‏ وبهذه الطريقة تمكنت من تقوية ايماني».‏

في سنة ١٩٦٢،‏ قضى سيرهْييه راڤليوك ثلاثة اشهر في سجن انفرادي.‏ لم يكن باستطاعته التكلم مع احد،‏ ولا حتى حراس السجن.‏ ولكي يحافظ على صحته العقلية،‏ بدأ يتذكر كل الآيات التي حفظها.‏ فتذكر اكثر من ألف آية في الكتاب المقدس وكتبها على قصاصات ورق برصاصة قلم.‏ واحتفظ برصاصة القلم مخبأة في شق في الارض.‏ كما انه تذكر عناوين اكثر من ١٠٠ مقالة من مجلات برج المراقبة سبق ان درسها.‏ وأجرى حساب تاريخ الذِّكرى للسنين العشرين المقبلة.‏ كل ذلك ساعده على المحافظة على سلامة عقله وعلى روحياته،‏ وأبقى ايمانه بيهوه حيّا وقويا.‏

‏«خدمات» حراس السجن

على الرغم من مقاومة سلك الامن،‏ تخطت مطبوعاتنا جميع الحواجز،‏ وبلغت الاخوة في السجون.‏ وقد ادرك ذلك حراس السجن ايضا،‏ فكانوا يقومون من وقت الى آخر بحملة تفتيش شاملة لكل الزنزانات،‏ منعمين النظر حرفيا في كل شق.‏ كما كان الحراس ينقلون قانونيا السجناء من زنزانة الى اخرى في محاولة للعثور على المطبوعات.‏ وخلال ذلك الانتقال،‏ يُفتّشون السجناء تفتيشا دقيقا،‏ وإذا وجدوا مطبوعات كانوا يصادرونها.‏ فكيف تمكن الاخوة من تخبئة المطبوعات دون ان تُكتشَف؟‏

كان الاخوة عادة يخبئون المطبوعات في الوسائد،‏ الفُرُش،‏ الاحذية،‏ وتحت الثياب.‏ وفي بعض المعسكرات نسخوا مجلات برج المراقبة نَسْخا يدويا بالغ الصغر.‏ وعندما يُنقل السجناء من زنزانة الى اخرى،‏ كان الاخوة احيانا يغلفون المجلة المصغرة بورق پلاستيكي ويخبئونها تحت لسانهم.‏ وهكذا تمكنوا من المحافظة على طعامهم الروحي الشحيح والاستمرار في التغذي روحيا.‏

قضى ڤاسيل بونها عدة سنوات في السجون من اجل الحق.‏ لقد صنع هو ورفيقه في الزنزانة،‏ پيترو توكار،‏ قعرا خادعا في صندوق عدّة النجارين.‏ وفيه خبأا النسخ الاصلية لبعض المطبوعات التي هُرّبت الى السجن.‏ كان هذان الاخَوان نجارَي السجن،‏ وكانا يحصلان على صندوق العدّة عندما يقومان بأعمال النجارة في السجن.‏ فعندما يحصلان على الصندوق،‏ يخرجان المجلة الاصلية للنَّسخ.‏ وبعد انتهاء يوم العمل،‏ تُعاد المجلة الى صندوق العدّة.‏ وكان آمر السجن يقفل على صندوق العدّة ثلاثة اقفال ويضعه وراء بابين مقفلَين،‏ اذ ان السجناء يمكن ان يستعملوا المناشير،‏ الازاميل،‏ وأدوات النجار الاخرى كأسلحة.‏ وهكذا،‏ خلال حملات التفتيش عن مطبوعات الكتاب المقدس،‏ لم يفكر الحراس في تفتيش صندوق العدّة المقفل عليه،‏ الذي كان يُحتفظ به بين ممتلكات آمر السجن.‏

ووجد الاخ بونها مكانا آخر ليخبئ فيه النسخ الاصلية للمطبوعات.‏ فلأن نظره ضعيف،‏ كان يملك عدة نظارات.‏ وكان يُسمح لكل سجين بأن تكون معه نظارة واحدة فقط.‏ والنظارات الاخرى تُخبأ في مكان خصوصي،‏ وبإمكان السجناء طلبها عند الحاجة.‏ فصنع الاخ بونها علبا خصوصية لنظاراته ووضع فيها النُّسخ الاصلية المصغرة للمطبوعات.‏ وعندما يحتاج الاخوة الى صنع نسخ للمجلات،‏ كان الاخ بونها يطلب من حراس السجن ان يجلبوا له احدى نظاراته.‏

ووُجدت حالات حين بدا ان الملائكة وحدهم يستطيعون ان يحموا المطبوعات من ان تقع في ايدي حراس السجن.‏ يتذكر الاخ بونها حين جلب تشيسلاڤ كازلاؤسكاس ٢٠ لوحا من الصابون الى السجن.‏ كان نصفها محشوا بمطبوعاتنا.‏ فاختار حارس السجن عشرة ألواح صابون وطعنها،‏ الا انه لم يطعن اي لوح يحتوي على مطبوعاتنا.‏

استمرارية عمل التوحيد

من سنة ١٩٦٣،‏ استطاع الاخوة من لجنة البلد ان يرسلوا تقارير خدمة الحقل قانونيا الى بروكلين.‏ ورُتّب ايضا ان يتسلم الاخوة المطبوعات على ميكروفيلم.‏ وُجدت آنذاك ١٤ دائرة في كامل الاتحاد السوڤياتي،‏ ٤ دوائر منها في اوكرانيا.‏ وإذ ازداد شعب اللّٰه في العدد،‏ شُكّلت سبع دوائر في اوكرانيا.‏ ولدواعٍ امنية،‏ سُميت كل دائرة باسم امرأة.‏ فدُعيت الدائرة في اوكرانيا الشرقية،‏ ألّا؛‏ في ڤولين،‏ أوستينا؛‏ في هاليتشينا،‏ لْيوبا؛‏ وفي ترانسكارپاثيا،‏ وُجدت دوائر باسم كاتيا،‏ كريستينا،‏ وماشا.‏

في تلك الاثناء،‏ استمرت الـ‍ KGB (‏لجنة امن الدولة)‏ في محاولاتها لفسخ وحدة الشهود.‏ كتب احد رؤساء مكتب الـ‍ KGB الى المسؤول الاعلى منه:‏ «بهدف زيادة عمق الانشقاق في البدعة،‏ نعمل على إعاقة النشاط العدائي للقادة اليهوهيين،‏ إضعاف ثقة افراد دينهم بهم،‏ وخلق جوّ من الشك في ما بينهم.‏ وقد صنعت وكالات الـ‍ KGB ترتيبات ساهمت في شق هذه البدعة الى فريقين متعارضين.‏ فريق مؤلف من اتباع القائد اليهوهي زياتِك الذي ينفذ حاليا الحكم عليه في السجن،‏ والفريق الثاني يتألف ممّن يُسمّون معارضين.‏ وقد ساهمت هذه الاوضاع في خلق ظروف مؤاتية وأساس للانشقاق الايديولوجي بين الاعضاء العاديين وفي المزيد من التفكيك في الوحدات التنظيمية».‏ ثم اعترفت الرسالة ان الـ‍ KGB تواجه المصاعب في الجهود التي تبذلها.‏ وتابعت:‏ «ان اكثر القادة اليهوهيين تحمسًا يتّخذون خطوات لإبطال ما نقوم به،‏ محاولين بكل طريقة ممكنة ضم صفوف الوحدات التنظيمية».‏ نعم،‏ استمر الاخوة في اتمام عمل التوحيد،‏ وبارك يهوه جهودهم.‏

لقد قدّمت الـ‍ KGB للاخوة المنفصلين رسالة زائفة،‏ يُفترض انها من الاخ نور،‏ تدعم الفكرة بتشكيل هيئة منفصلة مستقلة لشهود يهوه.‏ ووردت في الرسالة حادثة الافتراق بين ابراهيم ولوط للاشارة الى ان الانفصال عن قناة الهيئة امر مُباح،‏ ووُزّعت الرسالة في كامل الاتحاد السوڤياتي.‏

فأرسل الاخوة الامناء نسخة من الرسالة الى بروكلين،‏ وفي سنة ١٩٧١ تلقوا جوابا يكشف ان الرسالة تزوير واضح.‏ وفي رسالة موجهة الى الاخوة الذين كانوا لا يزالون منفصلين عن باقي شعب اللّٰه،‏ ذكر الاخ نور ما يلي:‏ «ان طريقة الاتصال الوحيدة التي تستخدمها الجمعية هي من خلال النظار المعينين في بلدكم.‏ ولا احد في بلدكم غير هؤلاء النظار المعينين مخوّل ان يأخذ اي نوع من القيادة بينكم .‏ .‏ .‏ ان خدام يهوه الحقيقيين هم فريق متحد.‏ لذلك ارجو وأصلّي ان تعودوا جميعكم الى وحدة الجماعة المسيحية تحت اشراف النظار المعينين وأن نتمكن من الاشتراك باتحاد في عمل الكرازة».‏

وقد ساهمت هذا الرسالة كثيرا في توحيد الاخوة.‏ ومع ذلك،‏ كان لا يزال البعض يحاولون مستقلين اقامة اتصال بالمركز الرئيسي،‏ اذ انهم لم يكونوا بعد يثقون بقناة الاتصال الموجودة.‏ فقرر هؤلاء الاخوة المنفصلون صنع اختبار.‏ فأرسلوا ورقة نقدية من فئة العشرة روبلات الى بروكلين،‏ وطلبوا من الاخوة هناك شقها الى نصفين وإرسال الجزءين الى اوكرانيا:‏ نصف الورقة النقدية الى الاخوة المنفصلين بالبريد والنصف الثاني الى القناة التي يجب ان يستخدمها المركز الرئيسي.‏

وبناء على ذلك،‏ أُرسل نصف الورقة النقدية بالبريد.‏ والنصف الثاني أُرسل عن طريق الساعي وأعطي لأعضاء لجنة البلد.‏ وهم بدورهم اعطوه للاخوة المسؤولين المحليين في ترانسكارپاثيا الذين ذهبوا لملاقاة الاخوة المنفصلين.‏ الا ان بعض الاخوة المنفصلين الذين ظنوا ان اعضاء لجنة البلد يتعاونون مع سلك الامن بقوا مرتابين.‏

ولكنّ معظم الاخوة المنفصلين عادوا وانضموا الى الهيئة.‏ ولم تنجح جهود الشيطان والـ‍ KGB لإبادة هيئة شهود يهوه في الاتحاد السوڤياتي عن طريق الانشقاق.‏ وازداد شعب يهوه عددا وقوة،‏ متممين باجتهاد عمل التوحيد وزرع بذار الحق في مقاطعات جديدة.‏

ذكر ڤاسيل كالين:‏ «لقد لجأوا الى طرق كثيرة لمحاولة قمع رغبتنا في العيش حياة مسيحية.‏ ولكننا استمررنا نبشّر المنفيين معنا غير المؤمنين الذين نُفوا لشتى الاسباب والجرائم.‏ لقد أظهر عديدون اهتماما برسالتنا.‏ وبعض هؤلاء الاشخاص صاروا فعليا من شهود يهوه.‏ وقد قاموا بهذه الخطوة على الرغم من معرفتهم ما يحلّ بنا من اضطهاد من قبل سلك الامن والادارة المحلية».‏

الحياة المسيحية تحت الحظر

لنلقِ الآن نظرة وجيزة على ما كان عليه النشاط المسيحي خلال العقود الباكرة من الحظر.‏ لقد حُظر عمل شهود يهوه في كل اوكرانيا ابتداء من سنة ١٩٣٩.‏ الا ان الكرازة ونشاطات الجماعات تقدّمت،‏ رغم انه كان على الاخوة ان يكونوا حذرين جدا في الشهادة للآخرين.‏ فلم يكن يقال للمهتمين من البداية ان شهود يهوه يزورونهم.‏ وغالبا ما كانت تُعقد الدروس البيتية في الكتاب المقدس باستعمال الكتاب المقدس فقط.‏ وقد تعلّم اناس كثيرون الحق بهذه الطريقة.‏

كما عُقدت اجتماعات الجماعة في ظروف مماثلة.‏ وفي اماكن كثيرة،‏ اجتمع الاخوة عدة مرات في الاسبوع في وقت متأخر من المساء.‏ وأسدلوا على نوافذهم ستائر سميكة لتجنب اكتشاف امرهم،‏ ودرسوا على ضوء قنديل الكيروسين.‏ عموما،‏ حصلت كل جماعة على نسخة واحدة فقط منسوخة باليد من برج المراقبة.‏ ولاحقا،‏ بدأ الاخوة يحصلون على مجلات منسوخة على آلات نسخ.‏ كان الاخوة عادة يجتمعون مرتين في الاسبوع في شقق خاصة لدرس برج المراقبة.‏ ولم يتراخَ الـ‍ KGB في تصميمهم على معرفة اماكن اجتماع شهود يهوه ليتمكنوا من معاقبة الاخوة المسؤولين.‏

استفاد الاخوة ايضا من مناسبات الزفاف والمآتم ليجتمعوا ويشجعوا احدهم الآخر بواسطة خطابات محضرة جيدا مؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وفي حفلات الزفاف،‏ كان العديد من الاخوة والاخوات الاحداث يقرأون أشعارا حول مواضيع مؤسسة على الكتاب المقدس ويمثّلون بزي كامل مسرحيات مؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وقد اعطى كل ذلك شهادة جيدة للحاضرين غير الشهود.‏

خلال اربعينات وخمسينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ أُوقف العديد من الاخوة وسُجنوا لأنهم كانوا موجودين في هذه الاجتماعات.‏ ولكن في ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ تغير الوضع.‏ فعندما يُكتشف مكان الاجتماع،‏ كان سلك الامن يعدّ عادة لائحة بأسماء جميع الحاضرين في الاجتماع،‏ ويُغرّم صاحب البيت بدفع نصف الايجار الشهري.‏ وأحيانا،‏ كانت تنفذ هذه السياسة المتبعة بطريقة منافية للعقل.‏ فذات مرة،‏ ذهب ميكولا كوستيوك وزوجته لزيارة ابنهما.‏ على الفور،‏ وصلت الشرطة وأعدّت لائحة بأسماء «جميع الحاضرين».‏ ولاحقا استُدعي ابن الاخ كوستيوك لدفع غرامة بسبب «عقد اجتماع غير شرعي لليهوهيين».‏ فقدّمت عائلة كوستيوك شكوى بشأن ذلك،‏ بما انه لم يكن يُعقد اي اجتماع.‏ فألغت الحكومة الغرامة.‏

احتفالات الذِّكرى

لم يكن سهلا التغلب على المصاعب المستمرة.‏ لكنّ الاخوة لم يتثبطوا واستمروا يجتمعون قانونيا.‏ وكان الاحتفال بالذِّكرى يشكّل التحدي الاكبر.‏ فكان الـ‍ KGB متيقظين خصوصا في وقت الذِّكرى،‏ اذ انهم يعرفون الوقت التقريبي للاحتفال.‏ وأملوا انهم اذا راقبوا الشهود،‏ يكتشفون اماكن الاحتفال بالذِّكرى.‏ فيتمكن سلك الامن من «التعرّف» بالشهود الجدد.‏

عرف الاخوة هذه الخطط،‏ فكانوا حذرين للغاية في يوم الذِّكرى.‏ وعقدوا الاحتفال في اماكن يصعب ايجادها.‏ ولم يخبروا المهتمين مسبقا بتاريخ ومكان الذِّكرى.‏ فكان الشهود يذهبون عادة الى بيوت المهتمين في يوم الذِّكرى ويأخذونهم مباشرة الى مكان الاجتماع.‏

ذات مرة،‏ عقد الاخوة في ترانسكارپاثيا الذِّكرى في الطابق السفلي من بيت احدى الاخوات.‏ وبما ان الطابق السفلي كان مغمورا بالماء،‏ فلم يشك احد ان اناسا سيجتمعون هناك في الماء الذي يصل الى الركب.‏ لكنّ الاخوة بنوا منصة فوق الماء وجعلوا المكان لائقا للذِّكرى.‏ ومع انه كان عليهم ان يجلسوا قابعين على المنصة تحت سقف منخفض،‏ لم يزعجهم احد وهم يحضرون الذِّكرى بفرح.‏

في مناسبة اخرى،‏ خلال ثمانينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ ترك افراد احدى العائلات المسيحية بيتهم في الصباح الباكر لحضور الذِّكرى.‏ ونحو المساء اجتمعوا بأخوة آخرين في غابة للاحتفال بالذِّكرى.‏ كان المطر يهطل بغزارة،‏ وعلى جميع الاخوة والاخوات ان يجتمعوا في حلقة تحت المظلات،‏ حاملين شموعا للإضاءة.‏ وبعد الصلاة الختامية،‏ رحل الجميع.‏ لدى وصول العائلة الى البيت،‏ وجدوا بوابة الفناء مفتوحة.‏ فاتّضح ان الشرطة او سلك الامن كانت تبحث عنهم.‏ وعلى الرغم من انهم كانوا متعبين ومبللين،‏ كانت العائلة بكاملها سعيدة انهم تركوا بيتهم في الصباح وحضروا الذِّكرى،‏ متجنبين المواجهة مع السلطات.‏

في كييڤ كان صعبا جدا على الاخوة ايجاد مكان آمن للاحتفال بالذِّكرى.‏ فقرروا في احدى السنوات الاحتفال بالذِّكرى في عربة نقل.‏ كان احد الاخوة سائق باص في شركة نقل،‏ فاستأجر الاخوة باصًا.‏ لم يُركِب الباص سوى شهود يهوه،‏ ثم خرج من المدينة الى فسحة في غابة.‏ اعدّ الاخوة والاخوات داخل الباص طاولة صغيرة عليها رمزا الذِّكرى.‏ وأحضروا ايضا بعض الطعام.‏ فجأة،‏ ظهرت الشرطة.‏ ولكن لم يكن لديهم سبب ليزعجوا الاخوة،‏ اذ بدوا انهم يتعشون في الباص بعد يوم عمل.‏

في مناطق اخرى في اوكرانيا،‏ اتت الكبسات على بيوت الاخوة في يوم الذِّكرى.‏ فحالما غابت الشمس،‏ اقتربت من بيوت الشهود سيارات فيها ثلاثة او اربعة من رجال الشرطة.‏ كانت الشرطة تتحقق هل الاخوة في بيوتهم او انهم يستعدون لحضور احتفال ديني.‏ كان الشهود مستعدين على الدوام لهذه الكبسات.‏ فيلبسون ثياب عمل قديمة فوق ثيابهم الرسمية ويشغلون انفسهم بمهام البيت العادية.‏ وبهذه الطريقة يُعطون الانطباع انهم باقون في البيت ولا يخططون للذهاب الى اي احتفال ديني.‏ وحالما تنتهي الكبسة،‏ يخلعون ثيابهم القديمة ويكونون مستعدين للذهاب الى الذِّكرى.‏ فكانت السلطات المحلية مكتفية انها قامت بواجبها،‏ وكان بإمكان الاخوة حضور الذِّكرى بسلام.‏

تخبئة المطبوعات

تذكروا انه في نهاية اربعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ حُكم على شهود يهوه بالسجن ٢٥ سنة لحيازتهم مطبوعات في بيوتهم.‏ وبعد موت ستالين في سنة ١٩٥٣،‏ خُفّضت احكام السجن الى عشر سنوات.‏ ولاحقا،‏ كان الشهود يُعاقَبون بدفع غرامات لحيازتهم مطبوعات،‏ وتُصادَر المطبوعات وتتلف.‏ فكان الاخوة،‏ طوال فترة الحظر،‏ يفكرون مليا في طريقة لتخبئة المطبوعات بشكل آمن.‏

خبأ البعض المطبوعات في بيوت اقربائهم وجيرانهم غير الشهود؛‏ وآخرون دفنوها في احواض معدنية وداخل اكياس پلاستيكية في حدائقهم.‏ يتذكر ڤاسيل ڠوزو،‏ شيخ من ترانسكارپاثيا،‏ انه في ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ استخدم غابة في جبال الكربات لتكون «مكتبة ثيوقراطية».‏ فقد وضع مطبوعاته في علب حليب كان قد أخذها الى الغابة ودفنها بحيث تكون اغطيتها بمستوى الارض.‏

ويروي اخ قضى ١٦ سنة في السجون من اجل نشاطه المسيحي:‏ «خبأنا المطبوعات حيث امكن:‏ في مخابئ تحت الارض،‏ في الارض،‏ في حيطان الابنية،‏ في صناديق مزدوجة القعر،‏ وفي بيوت الكلاب المزدوجة الارضية.‏ كما خبأنا المطبوعات في عصي المكانس وفي الشوابك المجوفة (‏حيث وضعنا عادة تقارير خدمة الحقل)‏.‏ وكانت هنالك اماكن اخرى ايضا مثل الآبار،‏ المراحيض،‏ الابواب،‏ السقوف،‏ وكوم الحطب».‏

المطابع السرية

رغم العين الساهرة للجواسيس الشيوعيين والسلطات،‏ استمر الطعام الروحي يُزوّد للجياع والعطاش الى البر.‏ ولم ينجح اعداء الحق في ابقاء مطبوعاتنا خارج الاتحاد السوڤياتي،‏ وكان عليهم الاعتراف بذلك.‏ وقد ادّعت الصحيفة ڠودوك،‏ صحيفة عمال السكة الحديدية السوڤياتية،‏ في نهاية سنة ١٩٥٩،‏ ان شهود يهوه يستعملون المناطيد لإدخال مطبوعات الكتاب المقدس الى الاتحاد السوڤياتي!‏

بالطبع،‏ لم تدخل مطبوعاتنا الى اوكرانيا عن طريق المناطيد.‏ فقد كانت تُنتج محليا في بيوت خاصة.‏ وبمرور الوقت،‏ تعلّم الاخوة ان مكان طباعة المطبوعات الاكثر امانا والعملي اكثر هو مخبأ مموّه جيدا تحت الارض.‏ فبنوا هذه المخابئ في طوابق البيوت السفلية وفي التلال.‏

في ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ بُني مثل هذا المخبإ في اوكرانيا الشرقية.‏ وكان مجهّزا بتهوية وكهرباء.‏ وكان مدخل المخبإ مخفيا جيدا بحيث ان رجال الشرطة قضوا يوما بكامله فوق المخبإ مباشرة ينخسون الارض بعصي معدنية،‏ ولم يجدوا شيئا.‏

ذات مرة،‏ كان سلك الامن يراقب مطبعة سرية مراقبة شديدة.‏ وشكّوا ان المطبوعات تُطبع في البيت،‏ وأرادوا القبض على ذوي العلاقة.‏ كان ذلك مشكلة بالنسبة الى الاخوة.‏ فكيف سيجلبون الورق الى البيت،‏ وكيف سيُخرجون المطبوعات؟‏ اخيرا،‏ وجدوا طريقة.‏ لفّ اخ كمية من الورق في بطانية طفل وحملها كما يُحمل الطفل وأدخلها الى البيت.‏ ترك الورق في البيت،‏ ثم لفّ اعدادا مطبوعة حديثا من مجلاتنا في البطانية،‏ وأخرج «الطفل» خارج البيت.‏ رأى موظّفو الـ‍ KGB الاخ يدخل ويخرج ولكنهم لم يرتابوا في شيء.‏

كان الاخوة الموجودون في منطقة دونتسك،‏ القرم،‏ موسكو،‏ ولينينڠراد (‏الآن سانت پيترسبرڠ)‏ يحصلون على مطبوعات مطبوعة في هذا المخبإ.‏ وقد بنى بعض الاخوة الشبان مخبأ مماثلا في مدينة نوڤوڤولينسك،‏ في منطقة ڤولين.‏ وكان هؤلاء الاخوة مصممين على إبقاء مكان هذا المخبإ سريا بحيث انهم لم يسمحوا لأخوة آخرين برؤيته الا بعد مرور تسع سنوات على تشريع عملنا في اوكرانيا.‏

وكانت مطبعة مماثلة تعمل في عمق جبال الكربات.‏ وقد نقل الاخوة الماء بأنابيب من جدول صغير الى المخبإ،‏ والماء شغّل مولِّدا صغيرا امّن الكهرباء للإضاءة،‏ اما المطبعة فكانت تُدار يدويا.‏ طُبعت كمية كبيرة من المطبوعات في هذا المخبإ.‏ وعندما لاحظ الـ‍ KGB ان المزيد من المطبوعات يظهر في المنطقة،‏ بدأوا يفتشون عن المطبعة.‏ فحفرت الشرطة في كل مكان لإيجاد المخبإ.‏ حتى انهم تنكروا بصفة جيولوجيين وطافوا في الجبال.‏

عندما شعر الاخوة ان السلطات قريبة من تحديد موقع المخبإ،‏ تطوع إيڤان دزيابكو للإشراف على المطبعة،‏ بما انه لم يكن متزوجا وإذا اعتُقل فلن يُحرم اولاد من ابيهم.‏ في نهاية صيف سنة ١٩٦٣،‏ اكتُشف مكان المخبإ وأُعدم على الفور الاخ دزيابكو في مكان قريب.‏ سُرّت السلطات المحلية وعرضت جولات مجانية للراشدين والصغار في «المكان حيث كان شهود يهوه يتصلون بأميركا بواسطة مُرسِل راديوي».‏ مع ان هذا الادّعاء كذبة،‏ فقد اعطى هذا الحادث المؤلم شهادة لكل الاشخاص في تلك المنطقة.‏ وكثيرون بدأوا يهتمون اكثر برسالتنا.‏ وحاليا،‏ يوجد اكثر من ٢٠ جماعة في تلك الناحية من جبال الكربات.‏

قيمة التدريب الابوي

بالاضافة الى مصادرة المطبوعات،‏ الغرامات،‏ السجن،‏ التعذيب،‏ والاعدام،‏ عانى بعض الشهود الاختبار الذي يفطر القلب،‏ ألا وهو أخذ اولادهم منهم.‏ ليديا پيريپيولكينا،‏ التي تعيش في اوكرانيا الشرقية،‏ لها اربعة اولاد.‏ وقد باشر زوجها،‏ وهو موظف في وزارة الشؤون الداخلية،‏ بمعاملات الطلاق في سنة ١٩٦٤ لأن ليديا شاهدة ليهوه.‏ فقررت المحكمة ان تحرم الاخت پيريپيولكينا من الوصاية على اولادها.‏ فأُعطي زوجها ولدَيها التوأم —‏ صبيا وبنتا —‏ اللذين يبلغان السابعة من العمر،‏ فرحل معهما الى اوكرانيا الغربية على بعد ٠٠٠‏,١ كيلومتر.‏ وحكمت المحكمة ان يُرسَل الولدان الآخران الى ميتم.‏ عندما سُمح لليديا بالكلام،‏ قالت للمحكمة:‏ «انا اومن ان ليهوه القدرة على إعادة اولادي اليّ».‏

بعد المحاكمة تبيّنت ليديا ارشاد يهوه وعنايته.‏ فلسبب مجهول،‏ لم ترسل السلطات الولدَين الباقيين الى الميتم وسمحت لهما بالبقاء معها.‏ وطوال سبع سنوات متتالية،‏ كانت ليديا تسافر خلال فرصتها لزيارة ولدَيها الآخرين،‏ التوأم.‏ ومع ان زوجها السابق لا يسمح لها برؤيتهما،‏ لم تستسلم.‏ فكانت بعدما تصل الى المدينة حيث يعيش ولداها،‏ تقضي الليل في محطة القطار ثم تلتقي ولدَيها في طريقهما الى المدرسة.‏ لقد استخدمت تلك الفرص الثمينة لتخبرهما عن يهوه.‏

مرّت السنون،‏ وليديا ‹تزرع بالدموع› في قلب ولدَيها.‏ وفي ما بعد تمكنت من ‹ان تحصد بابتهاج›.‏ (‏مزمور ١٢٦:‏٥‏)‏ فعندما بلغ التوأم الـ‍ ١٤ من عمرهما،‏ اختارا ان يكونا مع امهما.‏ وقد عملت ليديا جاهدة لتعلّم اولادها الحق.‏ وفيما اختار اثنان منهم مسلكا مختلفا،‏ فإن ليديا وولديها التوأم يخدمون يهوه بولاء.‏

تحسّن الوضع

في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٦٥،‏ قررت المحكمة العليا في اوكرانيا ان مطبوعات شهود يهوه هي ذات طبيعة دينية وليست مناهضة للحكم السوڤياتي.‏ وفي حين ان هذا القرار انطبق على قضية واحدة في المحكمة،‏ فقد اثر في قرارات مستقبلية للمحكمة في كل اوكرانيا.‏ وتوقفت السلطات عن اعتقال الناس لأنهم يقرأون مطبوعات الكتاب المقدس،‏ مع انها استمرت تسجن الشهود من اجل نشاطهم الكرازي.‏

وحدث تغيير مهم آخر في اواخر سنة ١٩٦٥.‏ فقد اصدرت حكومة الاتحاد السوڤياتي قرارا بإطلاق سراح جميع الشهود الذين نُفوا الى سيبيريا في سنة ١٩٥١.‏ فسُمح لهم ان يسافروا بحرية في كل ارجاء الاتحاد السوڤياتي،‏ ولكن لم يستطيعوا المطالبة بإعادة ما صودر منهم من بيوت،‏ ماشية،‏ وممتلكات اخرى.‏ ولكن بسبب التعقيدات المتعلقة بختم التسجيل،‏ لم يستطع سوى قليلين ان يعودوا الى اماكن سكنهم القديمة.‏

بدأ اخوة كثيرون أُرسلوا الى سيبيريا في سنة ١٩٥١ يستقرون في شتى انحاء الاتحاد السوڤياتي،‏ مثل قازاخستان،‏ قيرغيزستان،‏ جورجيا،‏ وبلاد القوقاز الشمالية.‏ واستقر آخرون في اوكرانيا الشرقية والجنوبية،‏ آخذين بذار الحق الى تلك المناطق.‏

ثابتون رغم الضغط

رغم تحسّن الوضع المذكور آنفا،‏ لم يغيّر الـ‍ KGB موقفهم من شهود يهوه.‏ واستخدموا شتى الاساليب في محاولة لإرهاب الشهود وجعلهم ينكرون ايمانهم.‏ على سبيل المثال،‏ اقتضت احدى الوسائل ان يأخذوا اخا من مكان عمله ويحتجزوه بضعة ايام في مكتب للـ‍ KGB او في فندق.‏ وخلال فترة احتجازه،‏ يقوم فريق مؤلف من ثلاثة او اربعة اعضاء في الـ‍ KGB بإلقاء محاضرة على الاخ،‏ استجوابه،‏ تملّقه،‏ وتهديده.‏ كانوا يفعلون ذلك بالتناوب لكي يُحرم الاخ من النوم.‏ بعد ذلك يُطلقون سراحه،‏ ثم يحتجزونه ثانية بعد يوم او يومين ويعاملونه المعاملة نفسها.‏ وفي بعض الاحيان كان الـ‍ KGB يفعلون الامر نفسه مع الاخوات ايضا.‏

استُدعي الاخوة تكرارا الى مكاتب الـ‍ KGB.‏ وبالضغط على الاخوة لإنكار ايمانهم،‏ امل سلك الامن بظهور متعاونين داخل الهيئة.‏ اضافة الى ذلك،‏ وضعوا ضغطا ادبيا وعاطفيا على الاخوة عندما لم يوافقوا على المسايرة في ايمانهم.‏ على سبيل المثال،‏ يتذكر ميخايلو تيلنياك الذي خدم سنين كثيرة كناظر دائرة في ترانسكارپاثيا:‏ «خلال احدى المحادثات،‏ كان رجال الامن اللابسون لباسا عسكريا حسني النية وإيجابيين.‏ ودعوني الى تناول الطعام معهم في مطعم قريب.‏ ولكنني ابتسمت لهم،‏ وضعت ٥٠ روبلا (‏حوالي نصف الاجر الشهري)‏ على الطاولة،‏ وقلت لهم ان باستطاعتهم الذهاب ليأكلوا من دوني».‏ كان الاخ تيلنياك مدركا جيدا انهم سيلتقطون بالتأكيد صورة له وهو يأكل ويشرب مع اشخاص يرتدون لباسا عسكريا.‏ وتُستخدم هذه الصور لاحقا ك‍ «دليل» انه ساير في ايمانه.‏ فيزرع ذلك بذار الشك بين الاخوة.‏

بالنسبة الى كثيرين،‏ مرّت عليهم عقود وهم تحت ضغط لإنكار ايمانهم.‏ بيلا مايسار،‏ من ترانسكارپاثيا،‏ هو احد الامثلة.‏ فقد أُوقف هذا الاخ الشاب العديم الخبرة للمرة الاولى في سنة ١٩٥٦،‏ ووقّع عن غير قصد بعض التصاريح المتعلقة بعملنا،‏ مما ادى الى استدعاء بعض الاخوة الى سلك الامن.‏ في ما بعد فهم الاخ مايسار خطأه وتوسل الى يهوه الّا يُحكَم على احد من هؤلاء الاخوة.‏ لم يُعتقل الاخوة،‏ رغم انه حُكم على الاخ مايسار نفسه بالسجن ثماني سنوات.‏

بعد ان عاد الى بيته،‏ مُنع من مغادرة قريته طيلة سنتين.‏ وكان عليه ان يقدّم كل يوم اثنين تقريرا عن وجوده هناك الى مكتب الشرطة.‏ ولأنه رفض التدريب العسكري في سنة ١٩٦٨،‏ حُكم عليه بقضاء سنة في السجن.‏ بعد سجنه عاد الى بيته واستمر يخدم يهوه بغيرة.‏ وفي سنة ١٩٧٥،‏ بعمر ٤٧ سنة،‏ حُكم عليه ثانية.‏

عندما انهى الاخ مايسار حكمه بقضاء خمس سنوات في السجن،‏ نُفي الى منطقة ياقوتسك في روسيا مدة خمس سنوات.‏ نُقل الى هناك بالطائرة،‏ بما انه لا توجد طرقات الى تلك المنطقة.‏ خلال الرحلة،‏ سأله الجنود الشبان المعينون لمرافقته:‏ «لماذا انت مجرم خطر جدا،‏ ايها العم؟‏».‏ اجابهم الاخ مايسار وشرح طريقة حياته وأعطاهم شهادة جيدة في ما يتعلق بقصد اللّٰه للأرض.‏

في بادئ الامر،‏ بعد وصول الاخ مايسار،‏ كانت السلطات المحلية خائفة من هذا «المجرم الخطر بشكل خصوصي»،‏ كما وُصف في وثائقه.‏ لاحقا،‏ بسبب السلوك المسيحي الجيد للأخ مايسار،‏ اخبرت السلطات المحلية ضابط الامن:‏ «اذا كان لديكم امثال هذا المجرم،‏ فمن فضلكم ارسلوهم الينا».‏

عاد الاخ مايسار الى بيته في سنة ١٩٨٥ بعمر ٥٧ سنة.‏ وخلال السنوات الـ‍ ٢١ التي قضاها في السجن،‏ عاشت زوجته الامينة ريجينا في بيتهما في ترانسكارپاثيا.‏ وعلى الرغم من المسافة الطويلة والنفقة الباهظة،‏ غالبا ما كانت تزور زوجها في السجن،‏ قاطعة مسافة ما يزيد على ٠٠٠‏,١٤٠ كيلومتر.‏

حتى بعد اطلاق سراح الاخ مايسار،‏ كان رجال الشرطة ورجال الامن يزورونه مرارا في بيته في قرية راكوشينو.‏ وقد ادت تلك الزيارات الى حادثة ظريفة.‏ ففي بداية تسعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ قام ثيودور جارس من الهيئة الحاكمة مع اخوة من لجنة البلد بزيارة مدينة أُوجڠُراد في ترانسكارپاثيا.‏ وفي طريق عودتهم الى لْڤوف،‏ قرروا زيارة الاخ مايسار زيارة قصيرة.‏ رأت اخت تعيش في الجوار ثلاث سيارات تصل الى البيت المتواضع للأخ مايسار ويترجل منها تسعة رجال.‏ اخافها الامر جدا بحيث ركضت الى بيت اخ آخر،‏ وأخبرته لاهثة ان الـ‍ KGB اتوا لاعتقال الاخ مايسار مجددا!‏ وكم كانت سعيدة عندما علمت انها مخطئة!‏

تحسينات وتغييرات تتعلق بالهيئة

في سنة ١٩٧١،‏ عُين ميكيل داسيڤيتش خادم البلد.‏ كانت لجنة البلد آنذاك مؤلفة من ثلاثة اخوة من اوكرانيا الغربية،‏ اثنين من روسيا،‏ وواحد من قازاخستان.‏ وكل واحد منهم خدم ايضا كناظر جائل.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ لكل منهم عمل دنيوي لكي يعيل عائلته.‏ وكانت المقاطعات التي يشرف عليها الاخوة من اوكرانيا الغربية بعيدة جدا عن اماكن سكنهم.‏ فكان ستيپان كوجيمبا يسافر الى ترانسكارپاثيا،‏ ويزور ألكسي داڤيديوك الجزء الباقي من اوكرانيا الغربية بالاضافة الى أستونيا،‏ لاتڤيا،‏ وليتوانيا،‏ ويسافر الاخ داسيڤيتش الى اوكرانيا الشرقية،‏ روسيا الغربية والوسطى،‏ بلاد القوقاز الشمالية،‏ ومولداڤيا.‏ كان الاخوة من لجنة البلد يزورون قانونيا المقاطعات المذكورة آنفا،‏ عاقدين اجتماعات مع نظار الدوائر والكور،‏ مشجعين الشهود المحليين،‏ وجامعين تقارير الخدمة.‏

وكان لهؤلاء الاخوة ايضا اتصالات بالسعاة الذين يأتون من الخارج كسيّاح،‏ جالبين معهم المطبوعات والبريد.‏ ومن اواخر ستينات الـ‍ ١٩٠٠ حتى نيل حريتنا الدينية في سنة ١٩٩١،‏ لم يتمكن مقاومونا قط من منع تبادل البريد.‏

في سنة ١٩٧٢،‏ اعطت الهيئة الحاكمة ارشادات لصنع توصيات مكتوبة في ما يتعلق بتعيين الاخوة شيوخا.‏ فتردد بعض الاخوة في فعل ذلك،‏ اذ خشوا ان تقع لائحات التوصية هذه في ايدي الشرطة.‏ قبل ذلك الوقت،‏ لم تكن توجد هذه اللائحة في اية جماعة.‏ وعموما،‏ لم يعرف الاخوة اسم عائلة الاخوة الآخرين في جماعتهم.‏ في بادئ الامر،‏ جرت التوصية بقليلين ليخدموا كشيوخ لأن كثيرين لم يريدوا ان تُكتب اسماؤهم في اية لائحة.‏ ولكن بعد ان جرى الترتيب بدون عواقب سلبية،‏ غيّر آخرون رأيهم،‏ جرت التوصية بهم،‏ وتحملوا بأمانة مسؤولية كونهم شيوخا في الجماعات.‏

حماية يهوه خلال حملات التفتيش

ذات صباح،‏ اتى رجال الشرطة ليفتشوا بيت ڤاسيل وناديا بونها.‏ كانت الاخت بونها في البيت مع طفلهما النائم الذي يبلغ الرابعة من عمره عندما سمعت فجأة قرعا قويا على الباب.‏ ادركت الاخت بونها ان الشرطة اتت،‏ فألقت بسرعة في الموقد تقارير خدمة الحقل وأوراقا اخرى لها علاقة بنشاط الكرازة.‏ ثم فتحت الباب للشرطة.‏ اسرع رجال الشرطة الى الموقد،‏ والتقطوا بعناية التقارير المحترقة،‏ ونشروها على صحيفة على الطاولة.‏ كانت الكتابة لا تزال تُرى على الورق المحترق.‏ وعندما انتهى تفتيش البيت،‏ ذهب جميع رجال الشرطة مع الاخت بونها الى الحظيرة لتفتيشها.‏ في تلك الاثناء،‏ استيقظ الطفل ورأى الاوراق المحترقة على الطاولة،‏ فقرر ترتيب المكان.‏ فأخذ جميع التقارير المحترقة وألقاها في علبة النفايات.‏ ثم عاد الى سريره.‏ عندما رجع رجال الشرطة،‏ صُدموا وارتعبوا عندما وجدوا ان «دليلهم المحسوس» الدقيق قد اختفى!‏

في سنة ١٩٦٩،‏ فُتش منزل عائلة بونها ثانية.‏ وهذه المرة كان الاخ بونها في البيت،‏ ووجدت الشرطة تقرير خدمة الجماعة.‏ ولكنهم تركوه بدون مبالاة على الطاولة،‏ مما اتاح للاخ بونها فرصة اتلافه.‏ ولأنه فعل ذلك،‏ حُكم عليه بالسجن ١٥ يوما.‏ بعد ذلك اجبر سلك الامن الاخ بونها على الانتقال من بيته؛‏ فعاش وبشّر مدة من الوقت في جورجيا وداغستان.‏ ولاحقا،‏ عاد الى اوكرانيا وبقي امينا حتى موته في سنة ١٩٩٩.‏

‏«رحلات ارسالية» نظمها سلك الامن

في ستينات وسبعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ اجبر سلك الامن العديد من الاخوة النشاطى على الانتقال من مكان الى آخر.‏ ولماذا حدث ذلك؟‏ لم تُرد السلطات المحلية ان ترسل الى كييڤ تقارير سلبية في ما يتعلق بنتائج النشاط المناهض للدين في مقاطعاتها.‏ وقد ادركت السلطات المحلية،‏ من جراء مراقبتها،‏ ان عدد شهود يهوه يزداد كل سنة.‏ ولكنهم ارادوا ان يُظهروا في تقاريرهم الى كييڤ ان اعداد الشهود لا تتزايد.‏ وبالتالي اجبرت السلطات المحلية الاخوة على مغادرة مقاطعتها لكي يقدموا تقريرا ان الشهود لا يزدادون في العدد في مقاطعتهم.‏

وقد ادى ترحيل الشهود هذا من مقاطعة الى اخرى الى نشر بذار الحق.‏ عادة،‏ كانوا يرحِّلون الشهود الذين يأخذون القيادة في العمل.‏ وفي الواقع،‏ «شجعت» السلطات هؤلاء الاخوة والاخوات الغيورين على الانتقال،‏ كما نقول اليوم،‏ الى «حيث الحاجة اعظم».‏ فخدموا في تلك المناطق،‏ وبمرور الوقت،‏ تشكلت جماعات جديدة.‏

على سبيل المثال،‏ أُمر إيڤان ماليتسكييه من جوار مدينة ترنوپل ان يُغادر منزله.‏ فانتقل الى القرم في جنوبي اوكرانيا،‏ حيث كان يعيش عدد قليل من الاخوة فقط.‏ وفي سنة ١٩٦٩،‏ كانت توجد جماعة واحدة في القرم،‏ ولكن الآن يوجد اكثر من ٦٠ جماعة!‏ ولا يزال إيڤان ماليتسكييه يخدم كشيخ في احداها.‏

سنوات الحظر الاخيرة

في سنة ١٩٨٢،‏ بعد ان تغيرت القيادة السياسية في الاتحاد السوڤياتي،‏ اجتاحت اوكرانيا موجة اخرى من الاضطهاد دامت سنتين.‏ ويبدو ان قادة الاتحاد السوڤياتي لم يجيزوا هذا الاضطهاد.‏ بالاحرى،‏ طلب القادة السوڤيات الجدد ان تُجرى تغييرات وإصلاحات في الجمهوريات.‏ فلكي تُظهر السلطات المحلية في بعض اجزاء اوكرانيا غيرتها وتوقها الى صنع هذه الاصلاحات،‏ سجنت عددا من الشهود البارزين.‏ ومع ان موجة الاضطهاد هذه لم تؤثر في اغلبية الاخوة،‏ فقد عانى بعض الشهود اذى عاطفيا وجسديا.‏

في سنة ١٩٨٣،‏ حُكم على إيڤان ميڠالي من ترانسكارپاثيا بالسجن اربع سنوات.‏ كما صادرت السلطات السوڤياتية كل ممتلكات هذا الشيخ البالغ ٥٨ من عمره.‏ وخلال تفتيش بيت الاخ ميڠالي،‏ وجد سلك الامن ٧٠ مجلة من مجلاتنا.‏ وكان هذا الرجل المتواضع والمسالم معروفا جيدا في مجتمعه انه كارز بالكتاب المقدس.‏ وقد استُخدمت هاتان الحقيقتان —‏ حيازة المطبوعات والكرازة —‏ كأساس لاعتقاله.‏

وحدثت في اوكرانيا الشرقية سلسلة من المحاكمات الجماعية خلال السنتين ١٩٨٣ و ١٩٨٤.‏ وسُجن العديد من الشهود مدة تتراوح بين اربع وخمس سنوات.‏ كان على معظم الاخوة ان يقضوا فترة حكمهم،‏ ليس في سيبيريا الباردة او قازاخستان،‏ بل في اوكرانيا.‏ وقد اضطُهد البعض حتى في السجن عندما اتُّهموا زورا بانتهاك قوانين السجن.‏ وكان الهدف ايجاد اسباب لإطالة مدة بقائهم في السجن.‏

كما أرسل عدد من آمري السجون بعض الاخوة الى مستشفيات الامراض العقلية السوڤياتية،‏ آملين ان يصير الشهود مرضى عقليا ويتوقفوا عن عبادة اللّٰه.‏ ولكنّ روح يهوه دعم الاخوة،‏ وبقوا اولياء ليهوه وهيئته.‏

انتصار الثيوقراطية

خلال النصف الثاني من ثمانينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ هدأت مقاومة العبادة الحقة بعض الشيء.‏ وشهدت الجماعات المحلية زيادات في عدد الناشرين،‏ وتوفر للاخوة المزيد من المطبوعات.‏ وقد جلب بعض الشهود معهم كتبا ومجلات بعد زيارة اقربائهم في الخارج.‏ بالنسبة الى الاخوة،‏ وخصوصا الذين كانوا في معسكرات السجون السوڤياتية،‏ كانت تلك المرة الاولى التي يمسكون فيها بأيديهم نسخة اصلية لمطبوعة مؤسسة على الكتاب المقدس.‏ ولم يستطع البعض ان يصدقوا انهم سوف يبقون احياء ويرون نسخة اصلية لمجلة برج المراقبة تعبر الستار الحديدي.‏

بعد سنوات كثيرة من مكافحة شهود يهوه،‏ بدأت السلطات تلين اخيرا.‏ فدُعي الاخوة الى الاجتماع مع الممثلين المدنيين لمكاتب الشؤون الدينية المحلية.‏ وقد رغبت بعض تلك السلطات في مقابلة شهود يهوه من المركز الرئيسي العالمي في بروكلين.‏ كان من الطبيعي ان يشك الاخوة في البداية في وجود فخ.‏ ولكن الازمنة كانت تتغير بالتأكيد بالنسبة الى شعب يهوه.‏ في سنة ١٩٨٧،‏ بدأت السلطات بإطلاق سراح الشهود المسجونين.‏ ولاحقا،‏ حاول عدد من الاخوة ان يحضروا المحفل الكوري لسنة ١٩٨٨ في پولندا المجاورة.‏ استنادا الى وثائقهم،‏ كانوا يزورون اصدقاءهم وأقرباءهم.‏ ولدهشتهم الكبيرة،‏ سمحت لهم السلطات ان يسافروا الى الخارج!‏ فقدّم الاخوة الپولنديون بسخاء المطبوعات للزائرين الاوكرانيين.‏ وفي طريق العودة،‏ فُتش الاخوة الاوكرانيون على الحدود،‏ ولكن عموما،‏ لم يصادر موظفو الجمارك المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وهكذا تمكن الاخوة من إدخال الكتب المقدسة والمطبوعات الاخرى الى البلد.‏

وفي السنة التالية،‏ دعا الاخوة الپولنديون المضيافون عددا اكبر من الاوكرانيين لزيارتهم.‏ وهكذا في سنة ١٩٨٩،‏ حضر الآلاف بتكتّم ثلاثة محافل اممية في پولندا وجلبوا المزيد من المطبوعات الى اوكرانيا.‏ في تلك السنة عينها،‏ ووفقا لاتفاق مع مكتب الشؤون الدينية،‏ سُمح لشهود يهوه بتسلّم مطبوعات دينية من الخارج بالبريد،‏ شرط ان توجد في الرزمة نسختان فقط لكل مطبوعة.‏ فبدأ الاخوة من المانيا يرسلون قانونيا رزم الكتب والمجلات.‏ وبدلا من نسخ المجلات سرّا في مخابئ تحت الارض او في وقت متأخر من الليل في الطابق السفلي في بيوتهم،‏ تسلّم الاخوة الآن المطبوعات رسميا من خلال مكاتب البريد المحلية.‏ كان الامر اشبه بحلم!‏ وكانت مشاعر العديد من القدامى مماثلة لمشاعر اليهود بعد عودتهم الى اورشليم من السبي:‏ «صرنا مثل الحالمين».‏ (‏مزمور ١٢٦:‏١‏)‏ ولكن لم يكن ذلك سوى بداية ذلك «الحلم» الجميل.‏

المحفل في وارسو

في سنة ١٩٨٩،‏ اوصى الاخوة من بروكلين ان تبدأ لجنة البلد بمفاوضات مع السلطات لتسجيل خدمتنا العلنية.‏ اضافة الى ذلك،‏ قام مِلتون هنشل وثيودور جارس من بيت ايل بروكلين بزيارة الاخوة في اوكرانيا.‏ وفي السنة التالية،‏ سمحت السلطات رسميا لآلاف من شهود يهوه بحضور المحفل في پولندا.‏ وعند تسجيل وثائق السفر،‏ اعلن الاخوة —‏ بفخر وعيون متألقة —‏ انهم يريدون الذهاب الى پولندا،‏ ليس لزيارة اصدقائهم وأقربائهم،‏ بل لحضور محفل لشهود يهوه!‏

كان المحفل في وارسو خصوصيا جدا بالنسبة الى الآتين من اوكرانيا.‏ وقد انحدرت على خدودهم دموع الفرح:‏ فرح الاجتماع مع الرفقاء المسيحيين،‏ فرح تسلّم مطبوعات بأربعة ألوان بلغتهم الام،‏ وفرح التمتع بحرية الاجتماع معا.‏ وأعرب لهم الاخوة الپولنديون عن ضيافتهم الحبية،‏ مزودين اياهم بكل حاجاتهم.‏

والتقى العديد من السجناء السابقين ذوي الايمان المشترك للمرة الاولى في هذا المحفل في وارسو.‏ وأكثر من مئة شخص من معسكر موردڤينا «الخصوصي» —‏ حيث سُجن مئات الشهود —‏ التقوا واحدهم الآخر هناك.‏ فوقف كثيرون منهم ينظرون واحدهم الى الآخر ويبكون فرحا.‏ ثمة اخ من مولداڤيا التقى بيلا مايسار لكنّه لم يعرفه،‏ مع انه قضى معه خمس سنوات في زنزانة في السجن.‏ لماذا؟‏ قال:‏ «اني اتذكرك بثياب مخططة،‏ وأنت مرتدٍ الآن بدلة وربطة عنق!‏».‏

الحرية الدينية اخيرا!‏

في نهاية سنة ١٩٩٠،‏ بدأت المؤسسات القضائية بتبرئة بعض شهود يهوه،‏ معيدة اليهم حقوقهم وامتيازاتهم.‏ وفي الوقت نفسه،‏ شكلت لجنة البلد فريقا يمثل شهود يهوه في اجتماعاتهم مع السلطات الحكومية.‏ وقد اشرف ڤيلي پول من فرع المانيا على هذا الفريق.‏

وقد ادت الاجتماعات المطوّلة مع السلطات الحكومية في موسكو وكييڤ الى منح الشهود حريتهم التي طال انتظارها.‏ وسُجلت هيئة شهود يهوه الدينية في اوكرانيا في ٢٨ شباط (‏فبراير)‏ سنة ١٩٩١،‏ وهو اول تسجيل من نوعه في اراضي الاتحاد السوڤياتي.‏ وبعد شهر،‏ في ٢٧ آذار (‏مارس)‏ سنة ١٩٩١،‏ سُجلت هذه الهيئة ايضا في روسيا الاتحادية.‏ وهكذا،‏ بعد اكثر من ٥٠ سنة من الحظر والاضطهاد،‏ نال شهود يهوه اخيرا حريتهم الدينية.‏ وبعد ذلك بفترة قصيرة،‏ في اواخر سنة ١٩٩١،‏ انحلّ الاتحاد السوڤياتي،‏ وأعلنت اوكرانيا استقلالها.‏

التربة الجيدة تنتج بوفرة

في سنة ١٩٣٩،‏ في ما هو اليوم اوكرانيا،‏ كان هنالك حوالي ٠٠٠‏,١ ناشر لملكوت اللّٰه،‏ وقد زرعوا بذار الحق في تربة جيدة —‏ قلوب الناس.‏ وخلال الحظر الذي دام ٥٢ سنة،‏ عانى الاخوة فظائع الحرب العالمية الثانية،‏ النفي الى سيبيريا،‏ الضرب المبرح،‏ التعذيب،‏ والاعدام.‏ ومع ذلك،‏ انتجت «التربة الجيدة» خلال تلك الفترة اكثر من ٢٥ ضعفا.‏ (‏متى ١٣:‏٢٣‏)‏ وفي سنة ١٩٩١،‏ وُجد ٤٤٨‏,٢٥ ناشرا في ٢٥٨ جماعة في اوكرانيا وحوالي ٠٠٠‏,٢٠ ناشر في الجمهوريات الاخرى في الاتحاد السوڤياتي السابق،‏ الذين في معظمهم تعلموا الحق من الاخوة الاوكرانيين.‏

كانت تلك التربة بحاجة الى «تسميد» في شكل مطبوعات الكتاب المقدس.‏ ولذلك،‏ بعد التسجيل الشرعي لعملنا،‏ صُنعت الترتيبات لجلب شحنات من المطبوعات من زلترس في المانيا.‏ فوصلت اول شحنة من المطبوعات في ١٧ نيسان (‏ابريل)‏ سنة ١٩٩١.‏

اقام الاخوة مستودعا صغيرا في لْڤوف،‏ وكانوا يُرسلون منه المطبوعات بواسطة الشاحنات،‏ القطار،‏ حتى الطائرة الى الجماعات في كل انحاء اوكرانيا،‏ روسيا،‏ قازاخستان،‏ وسائر بلدان الاتحاد السوڤياتي السابق.‏ وقد ادى ذلك الى المزيد من النمو الروحي.‏ ففي بداية سنة ١٩٩١،‏ كانت توجد في مدينة خاركوف،‏ التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة،‏ جماعة واحدة فقط.‏ وفي وقت لاحق من تلك السنة،‏ صارت هذه الجماعة الواحدة ذات الـ‍ ٦٧٠ ناشرا ثماني جماعات.‏ وحاليا،‏ يوجد اكثر من ٤٠ جماعة في تلك المدينة!‏

مع ان الاتحاد السوڤياتي انحلّ في سنة ١٩٩١،‏ اهتمت لجنة البلد بجميع الجمهوريات الـ‍ ١٥ في الاتحاد السوڤياتي السابق حتى سنة ١٩٩٣.‏ وفي تلك السنة في اجتماع مع الاخوة من الهيئة الحاكمة،‏ اتُّخذ قرار لتشكيل لجنتين —‏ لجنة لأوكرانيا ولجنة لروسيا وباقي الجمهوريات الـ‍ ١٣ في الاتحاد السوڤياتي السابق.‏ وبالاضافة الى ميكيل داسيڤيتش،‏ ألكسي داڤيديوك،‏ ستيپان كوجيمبا،‏ وأَناني هروهُل،‏ أُضيف ثلاثة اخوة آخرون الى لجنة البلد في اوكرانيا:‏ ستيپان هلينسكييه،‏ ستيپان ميكيڤيتش،‏ ورومَن يوركيڤيتش.‏

وصار من الضروري آنذاك تشكيل فريق للترجمة لسدّ الحاجة المتزايدة الى مطبوعات باللغة الاوكرانية.‏ وكما رأينا سابقا،‏ شارك في هذا العمل الاخوَان الكنديان إميل زاريتسكْيه وموريس سارانتشوك الى جانب زوجتيهما.‏ فترجم هذا الفريق الصغير من العمال المتفانين عدة مطبوعات.‏ ولكن منذ سنة ١٩٩١،‏ تشكل فريق ترجمة اوكراني موسّع في المانيا.‏ وفي سنة ١٩٩٨،‏ انتقلوا الى پولندا حيث تابعوا عملهم قبل ان ينتقلوا اخيرا الى اوكرانيا.‏

المحافل الكورية

بعد اجتماع مع الاخوة المحليين في لْڤوف في سنة ١٩٩٠،‏ تفحص الاخ جارس مدرَّج المدينة وقال:‏ «قد نستخدم هذا المدرَّج من اجل المحفل الكوري في السنة التالية».‏ فابتسم له الاخوة،‏ متسائلين كيف يمكن ان يحصل ذلك،‏ بما ان هيئتنا لم تُسجّل بعد والاخوة لم ينظموا محفلا من قبل قط.‏ الا ان الهيئة سُجّلت في السنة التالية.‏ وفي آب (‏اغسطس)‏ سنة ١٩٩١،‏ حضر ٥٣١‏,١٧ شخصا المحفل الكوري في ذاك المدرَّج،‏ واعتمد ٣١٦‏,١ أخا وأختا!‏ ودُعي الاخوة الپولنديون الى اوكرانيا ليساعدوا في تنظيم المحفل.‏

وكان مخطّطا عقد محفل آخر في شهر آب في أوديسّا.‏ ولكن بسبب الاضطراب السياسي الذي حصل في روسيا في بداية اسبوع المحفل،‏ اعلم الرسميون المحليون الاخوة انه لا يمكنهم عقد المحفل في أوديسّا.‏ فاستمر الاخوة يطلبون من رسميي المدينة ان يأذنوا لهم بعقد المحفل،‏ وتابعوا التحضيرات الاخيرة،‏ متكلين كاملا على يهوه.‏ اخيرا،‏ قيل للاخوة المسؤولين ان يراجعوا الرسميين يوم الخميس من اجل القرار النهائي.‏ وبعد ظهر ذلك اليوم،‏ حصل الاخوة على الاذن بعقد المحفل.‏

كم كان مدهشا وجميلا ان يُرى ١١٥‏,١٢ شاهدا مجتمعين وأن يعتمد ٩٤٣‏,١ شخصا في نهاية الاسبوع تلك!‏ بعد المحفل بيومين،‏ زار الاخوة رسميي المدينة ثانية،‏ شاكرينهم على سماحهم لنا بعقد المحفل.‏ وأعطوا رئيس مجلس المدينة نسخة من كتاب اعظم انسان عاش على الاطلاق.‏ فقال:‏ «لم اكن موجودا في المحفل،‏ ولكنني اعرف كل ما حصل هناك.‏ لم ارَ قط شيئا افضل من هذا.‏ وأعدكم انكم كلما اردتم اذنا لعقد اجتماعاتكم،‏ سأكون دائما مستعدا لمنحكم اياه».‏ ومنذ ذلك الوقت،‏ يعقد الاخوة قانونيا محافل كورية في مدينة أوديسّا الجميلة.‏

محفل اممي بارز

كان المحفل الاممي «التعليم الالهي» الذي عُقد في كييڤ في آب (‏اغسطس)‏ سنة ١٩٩٣ حدثا آخر بالغ الاهمية.‏ بلغ عدد الحضور فيه ٧١٤‏,٦٤ شخصا،‏ وكان اكبر محفل في اوكرانيا،‏ وضمّ آلاف المندوبين من اكثر من ٣٠ بلدا.‏ وقد تُرجمت اجزاء المحفل التي قُدّمت بالانكليزية بِـ‍ ١٦ لغة في آن واحد.‏

كم كانت مؤثرة رؤية الاخوة والاخوات الذين يملأون خمسة اقسام من المدرَّج يقفون ليجيبوا نعم عن سؤالي المعمودية!‏ وخلال الساعتين والنصف التاليتين،‏ اعتمد ٤٠٢‏,٧ شخصا في ست برك للمعمودية.‏ وكان ذلك اكبر عدد من المعتمدين في اي من المحافل التي عُقدت في التاريخ العصري لشعب اللّٰه!‏ وسيتذكر شهود يهوه على الدوام هذا الحدث البارز ويعزّونه.‏

ولكن كيف كان ممكنا تنظيم محفل كبير كهذا بوجود ١١ جماعة فقط في المدينة؟‏ كما في السنين السابقة،‏ اتى الاخوة من پولندا للمساعدة في قسم المنامة.‏ وقاموا هم والاخوة المحليون بعقد اتفاقيات مع اكبر عدد ممكن من الفنادق ومنامات الطلاب،‏ حتى انهم استأجروا بعض المراكب الراسية في الانهر.‏

كانت اصعب مهمة الحصول على اذن باستئجار المدرَّج.‏ فبالاضافة الى كونه مكانا لإجراء المباريات الرياضية،‏ يتحول المدرَّج الى ساحة سوق كبيرة في نهايات الاسابيع،‏ ولم يحصل احد يوما على اذن بإقفال السوق.‏ ومع ذلك،‏ حصلنا على الاذن.‏

كما شكلت سلطات المدينة لجنة خصوصية لمساعدة الاخوة في عملهم التحضيري.‏ وضمت هذه اللجنة رؤساء مختلف المرافق في البلد،‏ مثل دائرة الشرطة،‏ النقل،‏ والسياحة.‏ وصُنع ترتيب فريد لتنقّل مندوبي المحفل داخل المدينة.‏ فقد دفع الاخوة مسبقا لوسائل النقل العام بحيث يتمكن الذين يضعون شارات المحفل من استخدام وسائل النقل هذه دون اي اجر،‏ اذ بإمكانهم ان يدفعوا في المحفل.‏ وهكذا كان باستطاعة الاخوة ان يستقلوا بسرعة القطار النفقي،‏ الترام،‏ وباصات المدينة وهم ينتقلون الى المدرَّج الجمهوري (‏الآن الاولمپي)‏ ومنه،‏ وهو احد اكبر المدرّجات في اوروپا الشرقية.‏ ولراحة مندوبي المحفل،‏ فُتحت افران اضافية في جوار المدرَّج ليتمكن الاخوة من الحصول على الطعام بسرعة من اجل اليوم التالي.‏

كان رئيس الشرطة مندهشا جدا من النظام في المحفل بحيث علّق وقال:‏ «كل ما فعلتموه،‏ الى جانب سلوككم الجيد،‏ قد اثّر فيّ اكثر من كرازتكم.‏ قد ينسى الناس ما سمعوه،‏ ولكنهم لن ينسوا ابدا ما رأوه».‏

وعدة نساء يعملن في محطة قريبة للقطار النفقي اتين الى مكتب ادارة المحفل ليشكرن المندوبين على تصرفهم الجيد.‏ ذكرت النساء:‏ «لقد عملنا هنا خلال العديد من المناسبات الرياضية والسياسية،‏ ولكنها المرة الاولى التي نرى فيها زائرين مهذبين وسعداء اهتموا بنا شخصيا.‏ جميعهم سلّموا علينا.‏ لم نعتد ان يسلّم علينا الناس في المناسبات الاخرى».‏

ظلت الجماعات في كييڤ مشغولة بعد المحفل،‏ اذ جرى تسلّم نحو ٥٠٠‏,٢ عنوان من اشخاص مهتمين يريدون ان يتعلموا المزيد.‏ ويوجد الآن اكثر من ٥٠ جماعة من الشهود الغيورين في كييڤ.‏

ثمة فريق من الاخوة الآتين الى المحفل سُلبوا كل ما لديهم.‏ ولكن لكونهم مصممين ان يغتنوا روحيا،‏ قرروا متابعة سفرهم الى كييڤ،‏ فوصلوا الى المحفل وليس لديهم سوى الثياب التي يرتدونها.‏ الا ان فريقا من الاخوة من تشيكوسلوڤاكيا السابقة جلبوا معهم ثيابا اضافية لكل من يكون محتاجا.‏ وعندما علمت ادارة المحفل بذلك،‏ زُود بسرعة الاخوة الذين سُلبت امتعتهم بكل الثياب الضرورية.‏

المساعدة من اجل النمو

ان امثلة المحبة غير الانانية هذه ليست الامثلة الوحيدة.‏ ففي سنة ١٩٩١،‏ طلبت الهيئة الحاكمة من عدة فروع في اوروپا الغربية ان يزودوا الطعام واللباس لإخوتهم في اوروپا الشرقية.‏ فقدّر الشهود هذه الفرصة للمساعدة،‏ وفاق استعدادهم للمشاركة كل التوقعات.‏ كثيرون تبرّعوا بالطعام والثياب المستعملة،‏ في حين احضر آخرون ثيابا جديدة.‏ وجمعت مكاتب الفروع في اوروپا الغربية الصناديق،‏ الحقائب،‏ والاكياس المحتوية المواد المتبرَّع بها.‏ فأُرسلت اطنان من الطعام والثياب من المانيا،‏ ايطاليا،‏ الدانمارك،‏ السويد،‏ سويسرا،‏ النمسا،‏ وهولندا الى لْڤوف في قوافل الشاحنات.‏ وغالبا ما تبرّع الاخوة بشاحناتهم ايضا لتُستخدم في عمل الملكوت في اوروپا الشرقية.‏ وكانت السلطات على الحدود مساعِدة جدا في اصدار الاوراق الضرورية لكي تُسلَّم كل الحاجيات دون مصاعب.‏

تأثر الاخوة الذين اوصلوا الحاجيات بالطريقة التي جرى تسلُّمها.‏ ثمة فريق قاد الشاحنات من هولندا الى لْڤوف اخبروا عن رحلتهم.‏ كتبوا:‏ «كان هنالك ١٤٠ أخا لإفراغ حمولة الشاحنات.‏ وقبل البدء بالعمل،‏ اظهر هؤلاء الاخوة المتواضعون اتكالهم على يهوه،‏ مقدمين صلاة متحدة.‏ وعندما انتهت المهمة،‏ اجتمعوا مجددا من اجل صلاة شكر ليهوه.‏ وبعد التمتع بحسن ضيافة الاخوة المحليين،‏ الذين اعطوا بسخاء من القليل الذي عندهم،‏ جرت مرافقتنا الى الطريق الرئيسي،‏ حيث قدموا صلاة على جانب الطريق قبل مغادرتنا.‏

‏«خلال رحلة العودة الطويلة،‏ كان هنالك الكثير لتذكُّره —‏ حسن ضيافة الاخوة في المانيا وپولندا،‏ وذاك الذي لإخوتنا في لْڤوف؛‏ ايمانهم القوي وموقفهم المتّسم بالصلاة؛‏ حسن ضيافتهم في تزويد المأوى والطعام في حين انهم هم انفسهم في حالة عوز؛‏ اعرابهم عن الوحدة والتضامن؛‏ وشكرهم.‏ وفكرنا ايضا في اخوتنا وأخواتنا في الموطن الذين اعطوا بسخاء».‏

قال احد السائقين من الدانمارك:‏ «اكتشفنا اننا رجعنا ومعنا اكثر مما اخذنا.‏ فالمحبة وروح التضحية بالذات اللتان اظهرهما اخوتنا الاوكرانيون قوّتا ايماننا كثيرا».‏

أُرسل الكثير من الحاجيات المتبرَّع بها الى مولداڤيا،‏ بلدان البلطيق،‏ قازاخستان،‏ روسيا،‏ وغيرها من الاماكن حيث توجد ايضا حاجة ماسة.‏ وأُرسلت بعض الشحنات بالحاويات الى سيبيريا وخباروفسك،‏ اللتين تبعدان اكثر من ٠٠٠‏,٧ كيلومتر الى الشرق.‏ وكانت رسائل التقدير العميق من الذين نالوا المساعدة مؤثرة ومشجعة وموحِّدة.‏ وهكذا اختبر كل المشمولين صدق كلمات يسوع:‏ «السعادة في العطاء اكثر منها في الأخذ».‏ —‏ اعمال ٢٠:‏٣٥‏.‏

في وقت متأخر من سنة ١٩٩٨،‏ حدثت كارثة في ترانسكارپاثيا.‏ واستنادا الى المصادر الرسمية،‏ غُمر ٧٥٤‏,٦ بيتا،‏ ودمّرت السيول الطينية ٨٩٥ بيتا تدميرا كاملا.‏ ومن جملة البيوت المدمّرة دُمّر ٣٧ بيتا يخصّ الشهود.‏ على الفور ارسل الفرع في لْڤوف الى المنطقة شاحنة مليئة بالطعام،‏ الماء،‏ الصابون،‏ الاسرّة،‏ والاغطية.‏ لاحقا،‏ ارسل الاخوة من كندا والمانيا ثيابا وحاجيات منزلية.‏ وزوّد الشهود من پولندا،‏ الجمهورية التشيكية،‏ سلوڤاكيا،‏ وهنڠاريا الطعام وأرسلوا ايضا مواد للبناء لترميم البيوت المدمرة.‏ كما ساعد العديد من الاخوة المحليين في عمل الترميم.‏ وزوّد الشهود الطعام،‏ الثياب،‏ والوقود للرفقاء الشهود ولغيرهم ايضا.‏ ونظفوا الافنية والحقول وساعدوا على ترميم بيوت غير الشهود.‏

منح المساعدة الروحية

ولكنّ المساعدة المادية لم تكن المساعدة الوحيدة المقدّمة.‏ فبعد اكثر من ٥٠ سنة تحت الحظر،‏ لم يكن الشهود الاوكرانيون حسني الاطلاع على تنظيم العمل في جو الحرية.‏ لذلك أُرسل اخوة من فرع المانيا في سنة ١٩٩٢ ليساعدوا في تنظيم العمل في اوكرانيا.‏ فمهد ذلك للعمل المستقبلي في بيت ايل.‏ لاحقا،‏ ارسلت كندا،‏ المانيا،‏ والولايات المتحدة اخوة آخرين للمساعدة في الاشراف على نشاط التلمذة.‏

كانت هنالك ايضا حاجة كبيرة الى اخوة ذوي خبرة في الحقل.‏ في بادئ الامر،‏ اتى الكثير من متخرجي مدرسة تدريب الخدام من پولندا للاهتمام بالجماعات ولاحقا بالدوائر والكور في كل البلد.‏ اضافة الى ذلك،‏ اتى بعض الازواج من كندا والولايات المتحدة وهم يخدمون الآن في العمل الدائري.‏ كما يخدم بعض الاخوة من ايطاليا،‏ الجمهورية التشيكية،‏ سلوڤاكيا،‏ وهنڠاريا كنظار دوائر.‏ وقد ساعدت هذه الترتيبات العديد من الجماعات المحلية في تطبيق المقاييس المؤسسة على الاسفار المقدسة والتكيف وفقها في عدة اوجه للخدمة.‏

تقدير مطبوعات الكتاب المقدس

كان النصف الثاني من تسعينات الـ‍ ١٩٠٠ بارزا بحملات المطبوعات الخصوصية.‏ فبعد توزيع اخبار الملكوت رقم ٣٥ في سنة ١٩٩٧،‏ جرى تسلّم ما يقارب ٠٠٠‏,١٠ قسيمة من اشخاص مهتمين طلبوا الحصول على كراسة ماذا يطلب اللّٰه منا؟‏ او ان يجري الاتصال بهم شخصيا.‏

كثيرون من الناس يقدّرون مطبوعاتنا.‏ فعندما زار الاخوة احدى دور التوليد،‏ طُلب منهم ان يزوّدوا المستشفى كل اسبوع بِـ‍ ١٢ نسخة من كتاب سرّ السعادة العائلية.‏ لماذا؟‏ لقد ارادت هيئة المستخدمين ان تعطي كل زوجين يرزقان بولد كتابا مع شهادة الولادة!‏

وخلال السنوات الاخيرة،‏ اطّلع كثيرون على مجلاتنا وصاروا يقدّرونها.‏ على سبيل المثال،‏ فيما كان الشهود يكرزون في حديقة عامة،‏ عرضوا على رجل نسخة من مجلة استيقظ!‏.‏ شكرهم الرجل وسأل:‏ «كم ثمنها؟‏».‏

شرح الاخوة:‏ «عملنا تدعمه التبرعات الطوعية».‏ فتبرع الرجل بورقة نقدية بقيمة هْريڤنا —‏ ما عادل آنذاك ٥٤ سنتا (‏اميركيا)‏ —‏ جلس على مقعد في الحديقة،‏ وباشر بقراءة المجلة.‏ في اثناء ذلك،‏ شهد الاخوة لآخرين في الحديقة.‏ وفي غضون ١٥ دقيقة،‏ اقترب الرجل من الاخوة وتبرع بهْريڤنا اخرى من اجل المجلة التي تسلّمها.‏ ثم عاد الى المقعد وتابع القراءة فيما استمر الاخوة في الكرازة.‏ بعد قليل،‏ اقترب الرجل من الاخوة ثانية وأعطاهم ايضا هْريڤنا اخرى.‏ وقال لهم انه وجد المجلة مثيرة جدا للاهتمام ويريد ان يقرأها على نحو قانوني.‏

الثقافة الجيدة تُسرّع النمو

بعد ان حصلنا على الاعتراف الشرعي،‏ تقدّم العمل بسرعة.‏ ولكن لم يخلُ الامر من بعض التحديات.‏ في البداية،‏ عانى البعض صعوبة في التكيف مع الطريقة الجديدة في الخدمة من بيت الى بيت،‏ بما انه طوال اكثر من نصف قرن جرت كل الشهادة بطريقة غير رسمية.‏ ولكن بمساعدة روح يهوه،‏ نجح الاخوة والاخوات في التكيف مع ما كان بالنسبة اليهم طريقة جديدة للشهادة.‏

وصار من الممكن ايضا تنظيم الاجتماعات الاسبوعية الخمسة في كل جماعة.‏ وقد لعب ذلك دورا مهما في توحيد الناشرين وفي تحريضهم على المزيد من النشاط.‏ فتعلّم الاخوة بسرعة وتقدموا في العديد من اوجه خدمتهم.‏ ومنحت المدارس الجديدة الشهود في اوكرانيا ثقافة جيدة.‏ على سبيل المثال،‏ تأسست مدرسة الخدمة الثيوقراطية في سنة ١٩٩١ في كل الجماعات لتدريب الشهود على العمل الكرازي.‏ ومنذ سنة ١٩٩٢،‏ فإن مدرسة خدمة الملكوت للشيوخ والخدام المساعدين تساعد الاخوة كثيرا في اخذ القيادة في خدمة الحقل،‏ التعليم في الجماعة،‏ وفي عمل الرعاية.‏

في سنة ١٩٩٦،‏ أُنشئت مدرسة خدمة الفتح في اوكرانيا.‏ وخلال السنوات الخمس الاولى،‏ حضر اكثر من ٤٠٠‏,٧ فاتح قانوني هذا المقرَّر الذي يدوم اسبوعين.‏ فكيف افادهم ذلك؟‏ كتبت احدى الفاتحات:‏ «فرحت ان اكون الطين في يدي يهوه وأن يجبلني عن طريق هذه المدرسة».‏ وقالت فاتحة اخرى:‏ «بعد مدرسة الفتح،‏ بدأت ‹اضيء›».‏ وكتب احد صفوف مدرسة الفتح:‏ «كانت هذه المدرسة بركة حقيقية لنا جميعا نحن الذين حضرناها.‏ لقد دفعتنا الى تنمية اهتمام شديد بالناس».‏ وقد لعبت المدرسة دورا مهما في الحصول على ٥٧ ذروة شهرية متتالية في عدد الفاتحين القانونيين.‏

وبما ان الحالة الاقتصادية صعبة،‏ يتساءل كثيرون كيف يتدبر الفاتحون امرهم لسدّ حاجاتهم.‏ ثمة فاتح هو خادم مساعد وله ثلاثة اولاد لإعالتهم يقول:‏ «نفكر انا وزوجتي بشكل شامل في كل حاجاتنا،‏ ونخطط للحصول على ضرورات الحياة فقط.‏ نعيش حياة بسيطة،‏ متّكلين على يهوه.‏ وبحيازتنا هذا الموقف الصائب،‏ نتعجب اننا بحاجة الى القليل لسدّ كل حاجاتنا».‏

بدأت مدرسة تدريب الخدام في اوكرانيا في سنة ١٩٩٩.‏ وقد حضرها في السنة الاولى حوالي مئة اخ.‏ كان حضور هذا المقرَّر الذي يدوم شهرين تحدّيا بالنسبة الى كثيرين وسط المصاعب الاقتصادية السائدة.‏ ولكن كان واضحا ان يهوه دعم الاخوة.‏

تلقى اخ،‏ يخدم كفاتح قانوني في مقاطعة بعيدة،‏ الدعوة الى حضور مدرسة تدريب الخدام.‏ كان قد ادّخر هو ورفيقه في الفتح ما يكفي من المال لشراء الطعام والفحم للشتاء القادم.‏ وعندما تلقى الدعوة الى حضور المدرسة،‏ كان عليهما ان يختارا بين شراء الفحم وشراء تذكرة في القطار كي يذهب لحضور المدرسة.‏ ناقشا القضية وقررا ان عليه الذهاب الى المدرسة.‏ بُعيد اتخاذ هذا القرار،‏ ارسلت له اخته الجسدية التي تعيش في الخارج بعض المال كهدية.‏ وقد كان كافيا ليسافر الى المدرسة.‏ وفي نهاية المدرسة،‏ عُيّن هذا الاخ فاتحا خصوصيا.‏

ان مثل هذه البرامج التثقيفية تعدّ شعب يهوه للاشتراك بفعالية اكثر في خدمة الحقل وفي نشاط الجماعة.‏ ويتعلم الناشرون كيف يكرزون بفعالية اكثر؛‏ كما يتعلم الشيوخ والخدام المساعدون كيف يكونون مصدر تشجيع كبير في جماعاتهم.‏ ونتيجة لذلك،‏ ‹تظل الجماعات تتشدد في الايمان وتزداد في العدد›.‏ —‏ اعمال ١٦:‏٥‏.‏

تغييرات ناتجة عن الزيادة السريعة

خلال السنوات التي تلت التسجيل الشرعي،‏ اصبح عدد شهود يهوه في اوكرانيا اكثر من اربعة اضعاف.‏ وشهدت مناطق عديدة في البلد نموا هائلا.‏ وبرزت حاجة كبيرة الى شيوخ اكفاء.‏ فغالبا ما كانت تنقسم الجماعات حالما يوجد شيخ ثانٍ.‏ وبلغ عدد ناشري بعض الجماعات ٥٠٠.‏ وقد تطلب مثل هذا النمو السريع تغييرات في الاشراف.‏

حتى ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ ساعد فرع پولندا في الاشراف على العمل في اوكرانيا،‏ وبعد ذلك زود فرع المانيا الاشراف والمساعدة.‏ وفي ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٩٨،‏ صارت اوكرانيا فرعا تحت اشراف المركز الرئيسي العالمي في بروكلين.‏ في ذلك الوقت تشكلت لجنة فرع لإدارة الامور التنظيمية.‏

نتيجة النمو السريع نشأت حاجة الى تسهيلات موسّعة للفرع.‏ وابتداء من سنة ١٩٩١،‏ استُخدمت لْڤوف كمركز لتوزيع المطبوعات على الجمهوريات الـ‍ ١٥ في الاتحاد السوڤياتي السابق.‏ وفي السنة التالية،‏ وصل اخوَان مع زوجتيهما من مكتب الفرع في المانيا.‏ وسرعان ما بدأ مكتب صغير بالعمل في لْڤوف.‏ بعد سنة،‏ تمّ شراء بيت سكنه مَن كانوا يشتغلون في المكتب كامل الوقت.‏ وفي اوائل سنة ١٩٩٥،‏ ازداد بسرعة عدد المتطوعين الذين يعملون في مكتب اوكرانيا،‏ مما حتم الانتقال ثانية،‏ وهذه المرة الى مجمّع من ست قاعات ملكوت تجتمع فيها ١٧ جماعة.‏ وفي تلك الاثناء،‏ كان الاخوة يتساءلون:‏ «متى وأين سنبني بيت ايل خاصا بنا؟‏».‏

بناء فرع وقاعات ملكوت

في سنة ١٩٩٢،‏ بدأ الاخوة يبحثون عن قطعة ارض لبناء تسهيلات الفرع.‏ مرت عدة سنوات وهم يفحصون مواقع قد تكون ملائمة.‏ وظل الاخوة يذكرون هذه الحاجة في صلواتهم ليهوه،‏ واثقين انه في الوقت المناسب سيجدون موقعا ملائما.‏

في اوائل سنة ١٩٩٨،‏ وجد الاخوة قطعة ارض في غابة صنوبر رائعة،‏ على بعد ٥ كيلومترات شمالي لْڤوف في مدينة بريوخوڤيتشي الصغيرة.‏ وقرب هذا الموقع كانت هنالك جماعتان تعقدان اجتماعاتهما في الغابة خلال الحظر.‏ ذكر احد الاخوة:‏ «لم يخطر على بالي قط انه بعد عشر سنوات من عقد اجتماعنا الاخير في الغابة،‏ ستسنح لنا الفرصة ثانية ان نجتمع في الغابة نفسها،‏ ولكن في ظل ظروف مختلفة كليا —‏ على قطعة ارض يملكها فرعنا الجديد!‏».‏

في نهاية سنة ١٩٩٨،‏ وصل الخدام الامميون الاولون الى الموقع.‏ وبدأ الاخوة من مكتب الهندسة الاقليمي في زلترس في المانيا يعملون بنشاط لإعداد الرسوم.‏ وفي اوائل كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٩،‏ بعد الحصول على موافقة الحكومة،‏ بدأ العمل في موقع البناء.‏ كان موجودا اكثر من ٢٥٠ متطوعا من ٢٢ قومية مختلفة.‏ كما وصل عدد المتطوعين المحليين الذين اشتغلوا في المشروع في نهايات الاسابيع الى ٢٥٠ شخصا.‏

وقد قدّر كثيرون تقديرا رفيعا امتياز العمل في المشروع.‏ فجماعات بكاملها استأجرت باصات ليأتوا الى بريوخوڤيتشي ويتطوعوا للعمل في نهايات الاسابيع.‏ وكانوا في احيان كثيرة يسافرون الليل كله لكي يصلوا الى الموقع في الوقت المناسب ليساعدوا في عمل البناء.‏ وبعد يوم طويل من العمل الشاق،‏ يقضون ليلة اخرى في طريق العودة الى بيوتهم،‏ متعبين ولكن مكتفين وسعداء،‏ وراغبين في المجيء ثانية.‏ ثمة فريق مؤلف من ٢٠ أخا سافروا بالقطار مدة ٣٤ ساعة من منطقة لوهانسك في اوكرانيا الشرقية ليعملوا ثماني ساعات في بناء بيت ايل!‏ وللعمل طوال الساعات الثماني هذه،‏ اخذ كل اخ فرصة يومين من عمله الدنيوي وصرف اكثر من نصف راتبه الشهري لشراء تذكرة القطار.‏ وقد شجعت هذه الروح المتسمة بالتضحية بالذات عائلة بيت ايل وكامل فريق البناء في بيت ايل.‏ وتقدم عمل البناء بسرعة،‏ مما اتاح تدشين الفرع في ١٩ ايار (‏مايو)‏ ٢٠٠١.‏ ووُجد في تلك المناسبة ممثلون من ٣٥ بلدا.‏ وفي اجتماعين خصوصين في اليوم التالي،‏ تكلم ثيودور جارس الى ٨٨١‏,٣٠ شخصا في لْڤوف،‏ وتكلم ڠِريت لوش الى ١٤٢‏,٤١ شخصا في كييڤ —‏ ما مجموعه ٠٢٣‏,٧٢ شخصا.‏

ماذا عن قاعات الملكوت؟‏ منذ سنة ١٩٣٩،‏ عندما دُمّرت عدة قاعات في ترانسكارپاثيا،‏ لم توجد قاعات ملكوت رسمية في اوكرانيا حتى سنة ١٩٩٣.‏ ففي تلك السنة،‏ بُني مجمّع جميل من اربع قاعات ملكوت في ثمانية اشهر فقط في قرية ديبروڤا في ترانسكارپاثيا.‏ وبعد ذلك بوقت قصير،‏ أُكملت ست قاعات في مناطق اخرى من اوكرانيا.‏

وبسبب التزايد الكبير في عدد الناشرين،‏ توجد حاجة كبيرة الى قاعات ملكوت.‏ ولكن بسبب الاجراءات القانونية المعقدة،‏ التضخم المالي،‏ وارتفاع كلفة مواد البناء لم تُبنَ سوى ١١٠ قاعات ملكوت في تسعينات الـ‍ ١٩٠٠.‏ ولا تزال توجد حاجة الى مئات اخرى!‏ لذلك في سنة ٢٠٠٠،‏ ابتدئ ببرنامج جديد لبناء قاعات ملكوت،‏ وهو يساعد الآن على سد هذه الحاجة.‏

الى الامام في عمل الحصاد!‏

في ايلول (‏سبتمبر)‏ ٢٠٠١،‏ كان يوجد ٠٢٨‏,١٢٠ شاهدا ليهوه في ١٨٣‏,١ جماعة في اوكرانيا،‏ يخدمها ٣٩ ناظر دائرة!‏ فبذار الحق الذي زُرع على مدى فترة طويلة قد انتج ثمرا جيدا ووافرا.‏ وفي بعض العائلات،‏ توجد خمسة اجيال من شهود يهوه.‏ يُظهر ذلك ان «التربة» جيدة حقا.‏ ‹فبعد سماع كثيرين الكلمة بقلب جيد وصالح،‏ حفظوها›.‏ وعلى مر السنين،‏ ‹غرس› الاخوة البذار،‏ غالبا بدموع؛‏ وآخرون ‹سقوا› التربة الجيدة.‏ ويهوه يستمر يُنمي،‏ ولا يزال شهوده الامناء في اوكرانيا «يُثمرون بالاحتمال».‏ —‏ لوقا ٨:‏١٥؛‏ ١ كورنثوس ٣:‏٦‏.‏

ان نسبة الشهود الى عدد السكان بارزة في بعض المقاطعات.‏ على سبيل المثال،‏ في ثماني قرى تتكلم الرومانية في منطقة ترانسكارپاثيا توجد ٥٩ جماعة مشكِّلة ثلاث دوائر.‏

لم ينجح المقاومون الدينيون وغير الدينيين في جهودهم لاستئصال شهود يهوه من اوكرانيا بواسطة النفي والاضطهاد القاسي.‏ فقد تبين ان قلوب الناس في هذه الارض متقبلة لبذار حق الكتاب المقدس.‏ واليوم،‏ يحصد شهود يهوه حصادا وافرا.‏

لقد انبأ النبي عاموس بوقت حصاد حين «يُدرك الحارثُ الحاصدَ».‏ (‏عاموس ٩:‏١٣‏)‏ فبركة يهوه تجعل التربة منتجة جدا بحيث انه فيما الحصاد مستمر يحين وقت الحرث للموسم القادم.‏ وقد اختبر شهود يهوه في اوكرانيا صحة هذه النبوة.‏ وبالنظر الى المستقبل،‏ هم واثقون ان امكانيات المزيد من النمو مشجعة جدا اذ ان اكثر من ربع مليون شخص حضروا الذِّكرى سنة ٢٠٠١.‏

يعد يهوه،‏ كما هو مسجل في عاموس ٩:‏١٥‏:‏ «أَغرسُهم في ارضهم ولن يُقلَعوا بعد من ارضهم التي اعطيتهم».‏ وإذ يستمر شعب اللّٰه في زرع بذار الحق وحصد غلال وافرة،‏ يتطلعون باهتمام شديد الى الوقت حين يتمم يهوه هذا الوعد كاملا.‏ وفي الوقت الحاضر،‏ ‹نرفع اعيننا وننظر الحقول،‏ انها قد ابيضّت للحصاد›.‏ —‏ يوحنا ٤:‏٣٥‏.‏

‏[النبذة في الصفحة ١٤٠]‏

‏«كان من الممكن ان يُشنق دانْييل،‏ ولكن لكونه قاصرا حُكم عليه بالسجن اربعة اشهر فقط»‏

‏[النبذة في الصفحة ١٤٥]‏

‏«اختلف الشهود عن البقية في معسكر الاعتقال.‏ وأظهر تصرفهم ان لديهم امرا مهما جدا ليقولوه للسجناء الآخرين»‏

‏[النبذة في الصفحة ١٦٦]‏

في ٨ نيسان (‏ابريل)‏ سنة ١٩٥١،‏ نُفي اكثر من ١٠٠‏,٦ شاهد من اوكرانيا الغربية الى سيبيريا

‏[النبذة في الصفحة ١٧٤]‏

‏«كانت اخواتنا تنجز في اغلب الاحيان عمل خدام الجماعة،‏ وفي بعض المناطق اتممن مسؤوليات خدام الدائرة»‏

‏[النبذة في الصفحة ١٨٣]‏

بدلا من قضاء شهر العسل،‏ قضى عشر سنين في السجن

‏[النبذة في الصفحة ١٨٤]‏

‏«كان من المؤلم جدا إعطاء ابنتي الحبيبة لشخص لم اره من قبل قط»‏

‏[النبذة في الصفحة ١٩٣]‏

اذ ادرك سلك الامن ان شهود يهوه لا يمكن إسكاتهم بالنفي،‏ السجن،‏ العنف الجسدي،‏ والعذاب،‏ استعمل طرائق جديدة

‏[النبذة في الصفحة ٢٠٧]‏

قدّمت الـ‍ KGB للاخوة المنفصلين رسالة زائفة،‏ يُفترض انها من الاخ نور

‏[النبذة في الصفحة ٢١٢]‏

كان الـ‍ KGB متيقظين خصوصا في وقت الذِّكرى،‏ اذ انهم يعرفون الوقت التقريبي للاحتفال

‏[النبذة في الصفحة ٢٣١]‏

كانت تلك المرة الاولى التي يمسكون فيها بأيديهم نسخة اصلية لمطبوعة مؤسسة على الكتاب المقدس

‏[النبذة في الصفحة ٢٣٨]‏

‏«كل ما فعلتموه،‏ الى جانب سلوككم الجيد،‏ قد اثّر فيّ اكثر من كرازتكم.‏ .‏ .‏ .‏ الناس .‏ .‏ .‏ لن ينسوا ابدا ما رأوه»‏

‏[النبذة في الصفحة ٢٤١]‏

‏«المحبة وروح التضحية بالذات اللتان اظهرهما اخوتنا الاوكرانيون قوّتا ايماننا كثيرا»‏

‏[النبذة في الصفحة ٢٤٩]‏

للعمل طوال الساعات الثماني هذه،‏ اخذ كل اخ فرصة يومين من عمله الدنيوي وصرف اكثر من نصف راتبه الشهري لشراء تذكرة القطار

‏[الاطار/‏الصورتان في الصفحة ١٢٤]‏

ترجمات الكتاب المقدس على مر القرون

استعمل الشعب الاوكراني مدة من الزمن ترجمة الكتاب المقدس بسلاڤونية الكنيسة القديمة التي تُرجمت في القرن التاسع.‏ ومع تغيّر اللغة على مرّ الوقت،‏ نُقّحت هذه الترجمة.‏ وبنهاية القرن الـ‍ ١٥،‏ اشرف رئيس الاساقفة ڠيناديوس على التنقيح الشامل للكتاب المقدس بالسلاڤونية.‏ وقد ادت هذه الطبعة الى تنقيح آخر نتج عنه اول كتاب مقدس مطبوع بالسلاڤونية.‏ وتُعرف هذه الترجمة بكتاب مقدس اوستروك وقد طُبعت في اوكرانيا في سنة ١٥٨١.‏ حتى اليوم،‏ يعتبرها الخبراء مثالا ممتازا لفن الطباعة.‏ وكانت الاساس لترجمات لاحقة للكتاب المقدس بالاوكرانية والروسية.‏

‏[الصورتان]‏

إيڤان فيدوروف طبع كتاب مقدس اوستروك بالاوكرانية في سنة ١٥٨١

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ١٤١]‏

مقابلة مع ڤاسيل كالين

تاريخ الولادة:‏ سنة ١٩٤٧

تاريخ المعمودية:‏ سنة ١٩٦٥

لمحة عن حياته:‏ نُفي من سنة ١٩٥١ حتى سنة ١٩٦٥.‏ طبع المطبوعات مستخدما الصور الفوتوڠرافية من سنة ١٩٧٤ حتى سنة ١٩٩١.‏ يخدم منذ سنة ١٩٩٣ في مكتب فرع روسيا.‏

عاش ابي في ظل شتى اشكال الحكومات والسلطات الحكومية.‏ على سبيل المثال،‏ عندما كان الالمان محتلين اوكرانيا الغربية،‏ ضربوا ابي لأنهم ظنوا انه شيوعي.‏ ولماذا؟‏ لقد اخبر الكاهن الضباط الالمان ان شهود يهوه شيوعيون لأنهم لا يذهبون الى الكنيسة.‏ ثم اتى الحكم السوڤياتي.‏ مرة ثانية اضطُهد ابي وآخرون غيره.‏ فقد دُعي جاسوسا اميركيا.‏ ولماذا؟‏ لأن معتقدات شهود يهوه مختلفة عن معتقدات الدين الذي كان سائدا آنذاك.‏ ولهذا السبب نُفي ابي وعائلته الى سيبيريا،‏ حيث عاش حتى مماته.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحات ١٤٧-‏١٥١]‏

مقابلة مع إيڤان لِتڤاك

تاريخ الولادة:‏ سنة ١٩٢٢

تاريخ المعمودية:‏ سنة ١٩٤٢

لمحة عن حياته:‏ سُجن من سنة ١٩٤٤ حتى سنة ١٩٤٦.‏ اشتغل في معسكرات العمل الإلزامي من سنة ١٩٤٧ حتى سنة ١٩٥٣ في اقصى شمال روسيا.‏

في سنة ١٩٤٧،‏ اعتُقلت لأنني لم انهمك في السياسة.‏ وأُخذت الى سجن ذي اجراءات امنية مشددة في لوتْسك في اوكرانيا،‏ حيث كان عليّ ان اجلس منتصبا ويداي في حضني،‏ ولم يكن بإمكاني ان امدّ رجليّ.‏ جلست على هذا النحو ثلاثة اشهر.‏ استجوبني رجل يلبس معطفا اسود.‏ وأراد ان اخبره عن الاخوة الذين يأخذون القيادة في العمل.‏ كان يعلم انني اعرفهم،‏ ولكنني رفضت ان اخبره.‏

في ٥ ايار (‏مايو)‏ ١٩٤٧،‏ حكمت علي المحكمة العسكرية بالسجن عشر سنوات في معسكرات بعيدة مشدّدة الحراسة.‏ وبما انني كنت شابا آنذاك،‏ عُيّنت في ما يدعونه الفئة الاولى.‏ كان جميع المعيّنين في الفئة الاولى احداثا —‏ من الشهود ومن غير الشهود.‏ ارسلونا في مقطورات الماشية الى ڤوركوتا،‏ التي تقع في شمال روسيا البعيد.‏ ومن هناك وضعونا في بواخر،‏ وأبحرنا اربعة ايام حتى مضيق كارا.‏

كانت الحياة معدومة تقريبا هناك،‏ اذ لم يوجد سوى سهل التُّندرا وشجر القطب الشمالي،‏ شجر البتولا القزمة.‏ من هناك أُجبرنا على السير اربعة ايام وليالٍ.‏ وقد تمكنا من ذلك اذ كنا شبانا.‏ اطعمونا قشور الارغفة اليابسة ولحم الرنّة المدخّن.‏ وقد قدّموا لنا هذه الاطعمة مع طاسات وحرامات دافئة.‏ كانت تمطر بغزارة.‏ فتشرّبت الحرامات التي نحملها ماء بحيث اصبح من المستحيل حملها.‏ فكان اثنان منا يأخذان حِراما ويعصرانه،‏ فيعود خفيف الوزن.‏

اخيرا وصلنا الى المكان المقصود.‏ كنت افكّر:‏ ‹بعد قليل سنجد سقفا،‏ سقفا فوق رأسنا!‏›.‏ ولكننا وصلنا الى منطقة عراء لا شجر فيها،‏ ولا يوجد فيها سوى نبات الحَزاز الكثيف.‏ فقال الحراس:‏ «استقروا هنا.‏ هذا هو مكانكم».‏

فبكى بعض السجناء؛‏ ولعن آخرون الحكومة.‏ لم ألعن احدا هناك.‏ صلّيت بصمت:‏ «يا يهوه إلهي،‏ انت ملجإي وحصني.‏ كن ملجإي هنا ايضا».‏

حاوطوا المكان بحبل اذ لم توجد اسلاك معدنية.‏ وعُيّن حراس.‏ وكالعادة،‏ كان الحراس يقرأون على الدوام،‏ ويهددون ان نبقى على بعد مترين،‏ وإلا يطلقون النار.‏ أمضينا الليلة على نبات الحَزاز.‏ وكان المطر ينهمر علينا.‏ استيقظت في الليل ونظرت الى الـ‍ ٥٠٠‏,١ شخص الموجودين هناك،‏ فرأيت البخار يتصاعد منهم جميعا.‏ استيقظت في الصباح،‏ وكان كل جانبي مغمورا بالماء.‏ كان نبات الحَزاز تحتي،‏ ولكن كان يوجد ماء ايضا.‏ لم يكن لدينا ما نأكله.‏ وقيل لنا ان علينا إعداد مهبط للطائرات لكي تتمكن الطائرة من الهبوط وإمدادنا بالطعام.‏ كان للحراس جَرّار خصوصي له دواليب هائلة لكي لا ينغرز في الوحل.‏ كان يحمل لهم مؤنا،‏ اما نحن فلم نحصل على شيء.‏

عملنا على إعداد مهبط الطائرات ثلاثة ايام وليالٍ.‏ وكان علينا ازالة الحَزاز لكي تتمكن الطائرة من الهبوط.‏ فأتت طائرة صغيرة وجلبت لنا طحينا.‏ فخلطوا الطحين بماء مغلي،‏ وكان ذلك كل ما اكلنا.‏

كان العمل يقصم الظهر.‏ اشتغلنا ببناء طريق ومددنا خطّا للسكة الحديدية.‏ كنا اشبه بحزام متحرك بشري ونحن ننقل الحجارة الثقيلة.‏ وخلال الشتاء،‏ كان الظلام مخيِّما دائما والجو باردا جدا.‏

وجب علينا ان ننام تحت السماء في العراء.‏ كان المطر يهطل علينا،‏ وكنا مبللين،‏ جياعا،‏ ونشعر بالبرد؛‏ ولكننا كنا شبانا ولدينا بعض القوة.‏ قال لنا الحراس الا نقلق،‏ اذ سنحصل قريبا على سقف فوق رأسنا.‏ وأخيرا،‏ جلب جَرّار عسكري ما يكفي من القماش السميك ليغطي ٤٠٠ شخص.‏ مددنا القماش السميك ورفعناه عاليا،‏ ولكن لم يكن لدينا ما ننام عليه سوى الحَزاز.‏ فقمنا كلنا بجمع الحشيش وجلبناه الى الخيم المؤقتة حيث كنا نعيش،‏ فتعفّن الحشيش وصار سمادا،‏ فنمنا على السماد.‏

بعد ذلك اتى القَمْل.‏ وكان عضّه لا يُحتمل.‏ لم يكن موجودا على جسدنا فقط،‏ بل على كل ثيابنا —‏ قَمْل كبير،‏ قَمْل صغير.‏ كان الامر فظيعا.‏ كنا نرجع من العمل ونستلقي،‏ فيبدأ القَمْل بعضّنا،‏ فنحكّ ونحكّ.‏ وننام وهو مستمر في نهشنا.‏ فأخبرنا المسؤول عنا:‏ «القَمْل يأكلنا ونحن احياء».‏ فقال:‏ «قريبا سنخلّصكم من القَمْل».‏

انتظرت سلطات السجن حتى يصير الطقس دافئا اكثر،‏ اذ ان درجة الحرارة كانت دائما ٣٠ درجة مئوية تحت الصفر.‏ عندما دفئ الطقس نوعا ما انشأوا مركزا للتطهير من الجراثيم.‏ الا ان الحرارة كانت ٢٠ درجة مئوية تحت الصفر،‏ وكانت الخيمة ممزقة كلها.‏ فقيل لنا:‏ «اخلعوا ملابسكم،‏ سوف تغتسلون.‏ اخلعوا ملابسكم.‏ سنطّهر ملابسكم من الجراثيم».‏

وهكذا فيما كانت درجة الحرارة ٢٠ تحت الصفر،‏ خلعنا ملابسنا حتى صرنا عراة في خيمة ممزقة كلها.‏ احضروا لنا ألواحا خشبية،‏ فاستخدمناها كأرضية.‏ وإذ كنت جالسا على تلك الالواح الخشبية،‏ نظرت الى جسدي.‏ يا له من منظر مريع!‏ ونظرت الى الشاب الذي بقربي.‏ المنظر نفسه.‏ لا توجد عضلات على الاطلاق.‏ فكل شيء قد ذوي.‏ ولم يبقى سوى الجلد والعظام.‏ كنت منهَكا لدرجة انني لم اكن استطيع صعود مقطورة قطار.‏ ومع ذلك كنت مصنّفا في الفئة الاولى —‏ عاملا شابا يتمتع بالصحة.‏

ظننت انني سأموت قريبا.‏ فكثيرون من الشبان ماتوا.‏ فصلّيت ليهوه ان يساعدني لأنه لم يبدُ انه يوجد اي منفذ.‏ كان بعض الاشخاص الذين ليسوا من الشهود يدَعون يدهم او رجلهم تتجمد ثم يقطعونها لكي يتخلصوا من العمل الذي نقوم به.‏ كان الامر مريعا وفظيعا.‏

ذات يوم،‏ كنت واقفا قرب موضع للحراس،‏ فرأيت طبيبا واقفا هناك.‏ كنت قد سافرت معه بعد اعتقالي وشهدت له عن ملكوت اللّٰه.‏ كان سجينا،‏ ولكنه مُنح عفوا.‏ اقتربت منه ونظرت اليه،‏ فكان منظره وكأنه شخص حر.‏ دعوته باسمه؛‏ اظن انه ساشا.‏ فنظر اليّ وقال:‏ «إيڤان،‏ هل هذا انت؟‏».‏ وعندما قال لي هذا،‏ بكيت مثل الولد الصغير.‏ فقال:‏ «اذهب مباشرة الى الركن الطبي».‏

ذهبت الى الركن الطبي،‏ ونُقلت من فئة العمال الاولى.‏ ولكنني كنت لا ازال في المعسكر.‏ وبما انني صرت الآن في الفئة الثالثة،‏ أُرسلت الى مكان وجود المحتاجين الى الراحة.‏ قال لي الآمر هناك:‏ «انا لم ادعُك الى هنا.‏ انت اتيت.‏ احسن التصرف،‏ وقم بعملك».‏ فبدأت تدريجيا اتعود على العيش هناك.‏ ولم اعد مجبرا على القيام بالعمل الشاق الذي يقصم الظهر.‏

أُطلق سراحي في ١٦ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٥٣.‏ قالوا لي:‏ «انت حرّ».‏ وذكروا ان بإمكاني الذهاب حيث اشاء.‏ فذهبت اولا الى الغابة لأشكر يهوه انه حفظني.‏ ذهبت الى تلك الغابة الصغيرة،‏ جثوت،‏ وشكرت يهوه انه حفظني حيا للمستقبل وللعمل المستقبلي لتمجيد اسمه القدوس.‏

‏[النبذة]‏

‏‹بعد قليل سنجد سقفا،‏ سقفا فوق رأسنا!‏›‏

‏[النبذة]‏

ذهبت الى تلك الغابة الصغيرة،‏ جثوت،‏ وشكرت يهوه انه حفظني حيا

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٥٥ و ١٥٦]‏

مقابلة مع ڤولوديمير لَڤتْشوك

تاريخ الولادة:‏ سنة ١٩٣٠

تاريخ المعمودية:‏ سنة ١٩٥٤

لمحة عن حياته:‏ سُجن من سنة ١٩٤٦ حتى سنة ١٩٥٤ لقيامه بنشاط سياسي.‏ التقى شهود يهوه في احد معسكرات العمل الإلزامي في موردڤينا.‏

كنت وطنيا اوكرانيا.‏ وبسبب ذلك حكم عليّ الشيوعيون في سنة ١٩٤٦ بقضاء ١٥ سنة في معسكر للسجناء.‏ كان شهود يهوه موجودين هناك.‏ فبشّروني وميّزت فورا الحق.‏ لم نكن نملك كتابا مقدسا لأننا كنا في معسكر ذي حراسة مشددة.‏ كنت ابحث عن قصاصات صغيرة من الورق وأخبئها.‏ وبعد ان جمعت عددا منها،‏ صنعت دفترا صغيرا.‏ وطلبت من الاخوة ان يخبروني بالآيات التي يتذكرونها وبمكانها في الكتاب المقدس.‏ فأكتبها في دفتري.‏ كما انني اخذت معلومات من الاخوة الذين اتوا لاحقا.‏ وإذا كان احد يعرف شيئا عن نبوة في الكتاب المقدس كنت ادوّن ذلك ايضا.‏ فجمعت عددا لا بأس به من آيات الكتاب المقدس،‏ وبدأت استعملها في نشاطي الكرازي.‏

عندما بدأت بالكرازة،‏ كان يوجد عدد من الشبان مثلي.‏ كنت الاصغر سنّا —‏ بعمر ١٦ سنة فقط.‏ فتكلمت مع اولئك الشبان وقلت:‏ «لقد عانينا عبثا.‏ نحن وأشخاص آخرون خاطرنا بحياتنا عبثا.‏ فما من ايديولوجية سياسية ستقودنا الى أي شيء نافع.‏ عليكم ان تؤيدوا ملكوت اللّٰه».‏ وكنت اقتبس الآيات التي استظهرتها من دفتري.‏ كانت ذاكرتي قوية جدا.‏ فأقنعت نظرائي بسرعة،‏ وبدأوا ينضمون الينا،‏ الى شهود يهوه.‏ وصاروا من اخوتنا.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ١٥٧]‏

العقوبات التي أُنزلت بشهود يهوه

النفي ضمن البلد:‏ أُرسل المنفيون الى منطقة بعيدة،‏ عادة الى سيبيريا،‏ حيث كان عليهم ان يعملوا ويقيموا.‏ لم يكن بإمكانهم مغادرة منطقة سكنهم الجديدة.‏ ومرة في الاسبوع او مرة في الشهر،‏ كان عليهم ان يسجّلوا اسمهم لدى الشرطة المحلية.‏

السجون المغلقة:‏ سُجن ما يتراوح بين ثلاثة وعشرة سجناء في زنزانة مقفلة.‏ كانوا يحصلون يوميا على حصتين او ثلاث حصص من الطعام.‏ ومرة في اليوم او مرة في الاسبوع،‏ يُسمح لهم ان يمشوا في فناء السجن.‏ لم يقوموا بأي عمل.‏

معسكرات السجناء:‏ تقع معظم هذه المعسكرات في سيبيريا.‏ وقد عاش مئات السجناء معا في ثكنات (‏بناء واحد يأوي عادة بين ٢٠ و ١٠٠ سجين)‏.‏ كانوا يعملون ثماني ساعات على الاقل في اليوم في المعسكر او في موضع آخر.‏ كان العمل شاقا وقد شمل بناء المصانع،‏ مدّ خطوط السكك الحديدية،‏ او قطع الاشجار.‏ كان حراس السجن يرافقون السجناء الى العمل ومنه.‏ وداخل المعسكر،‏ كان بإمكان السجناء التحرك بحرية بعد ساعات العمل.‏

‏[الصورة]‏

سيبيريا،‏ روسيا:‏ ولدان لشهود اوكرانيين منفيين يقطعان الحطب قطعا صغيرة من اجل الوقود،‏ سنة ١٩٥٣

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٦١ و ١٦٢]‏

مقابلة مع فيودور كالين

تاريخ الولادة:‏ سنة ١٩٣١

تاريخ المعمودية:‏ سنة ١٩٥٠

لمحة عن حياته:‏ نُفي من سنة ١٩٥١ حتى سنة ١٩٦٥.‏ سُجن من سنة ١٩٦٢ حتى سنة ١٩٦٥.‏

عندما كانوا يحققون معي في السجن،‏ صنع يهوه معي ما بدا انه عجيبة.‏ اتى اليّ مدير الـ‍ KGB (‏لجنة امن الدولة)‏ ومعه ورقة بيده.‏ جلس المحقّق،‏ وبجانبه جلس المدعي العام.‏ قال مدير الـ‍ KGB للمحقّق:‏ «أعطِه هذه!‏ دعه يقرأ ان اخوته في اميركا لديهم نوايا رديئة!‏».‏

أعطوني الورقة.‏ كانت اعلانا صادرا في محفل.‏ فقرأتها اول مرة،‏ ثم قرأتها بعناية مرة ثانية.‏ ففقد المدعي العام صبره.‏ وقال:‏ «سيد كالين!‏ هل تحفظها غيبا؟‏».‏

قلت:‏ «في البداية ألقيت نظرة سريعة.‏ انني اتفحصها لأفهم معناها».‏ كنت ابكي من الفرح في داخلي.‏ وعندما أنهيت قراءة القرار،‏ أعدت الورقة وقلت:‏ «انني اشكركم جدا،‏ وأشكر يهوه اللّٰه الذي دفعكم الى فعل ذلك.‏ لقد قوي اليوم ايماني كثيرا بقراءتي هذا القرار!‏ انني انضم الى هؤلاء الشهود،‏ وسوف اسبّح اسم اللّٰه دون تحفظ.‏ سأخبر الناس عنه في المعسكر وفي السجن وفي كل مكان اكون فيه.‏ هذه هي مهمتي!‏

«مهما عذّبتموني فلن تمنعوني من التكلم.‏ في هذا القرار،‏ لم يقل الشهود انهم مستعدون لإشعال ثورة،‏ بل قرروا انه مهما حصل لهم،‏ حتى تحت اقسى انواع الاضطهاد،‏ فسوف يخدمون يهوه،‏ عالمين انه سيساعدهم على البقاء امناء!‏ انني اصلّي الى يهوه اللّٰه ان يقوّيني في هذا الوقت الصعب لأبقى ثابتا في الايمان.‏

«ولكنني لن اتزعزع!‏ لقد قوّاني هذا القرار كثيرا.‏ إن اوقفتموني الى الحائط الآن لتطلقوا عليّ النار،‏ فلن اضطرب.‏ فيهوه يخلّص حتى عن طريق القيامة!‏».‏

ادركت ان المحقّقين خاب املهم.‏ وعرفوا انهم ارتكبوا غلطة فادحة.‏ فكان من المفترض ان يُضعف القرار ايماني،‏ ولكنه قوّاني.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحات ١٦٧-‏١٦٩]‏

مقابلة مع ماريّا پوپوڤتش

تاريخ الولادة:‏ ١٩٣٢

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٨

لمحة عن حياتها:‏ قضت ست سنوات في السجون ومعسكرات العمل الإلزامي.‏ ساعدت اكثر من عشرة اشخاص على التعرّف بالحق.‏

عندما أُوقفت في ٢٧ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥٠،‏ كنت حبلى في شهري الخامس.‏ وفي ١٨ تموز (‏يوليو)‏،‏ حكموا عليّ بعشر سنوات،‏ وذلك لأنني كنت ابشّر وأخبر الناس حق الكتاب المقدس.‏ حكموا على سبعة منا،‏ اربعة اخوة وثلاث اخوات،‏ بقضاء عشر سنوات في السجن.‏ وقد وُلد ابني في ١٣ آب (‏اغسطس)‏.‏

عندما كنت في السجن،‏ لم اتثبط.‏ فقد تعلمت من كلمة اللّٰه،‏ الكتاب المقدس،‏ ان الشخص يكون سعيدا اذا عانى الشدائد لكونه مسيحيا،‏ وليس قاتلا او لصّا.‏ وأنا كنت سعيدة.‏ كنت املك فرحا في قلبي.‏ وضعوني في سجن انفرادي،‏ فكنت امشي ذهابا وإيابا في الزنزانة وأرنّم.‏

ذات مرة،‏ فتح الجندي الطاقة وقال:‏ «انت في هذه الحالة وترنمين؟‏».‏

قلت:‏ «انا سعيدة لأنني لم أسئ الى احد».‏ فأقفل الطاقة.‏ ولم يضربوني.‏

قالوا:‏ «انكري ايمانك.‏ انظري الى وضعك».‏ لقد عنوا انني سألد في السجن.‏ ولكنني كنت سعيدة لأنهم حكموا عليّ لأنني أومن بكلمة اللّٰه.‏ لقد اعطاني ذلك شعورا بالارتياح.‏ عرفت انني لست مجرمة.‏ عرفت انني اقاسي بسبب ايماني بيهوه.‏ وقد أبقاني ذلك سعيدة كل الوقت.‏ هذه كانت حالتي.‏

لاحقا،‏ عندما كنت اعمل في المعسكر،‏ تأذت يداي من جراء التعرّض للبرد القارس.‏ فأُرسلت الى المستشفى.‏ وأُعجبت بي الطبيبة الموجودة هناك.‏ قالت:‏ «لست بصحة جيدة.‏ لمَ لا تأتين للعمل عندي؟‏».‏

بالطبع لم تعجب الفكرة مدير المعسكر.‏ قال:‏ «لماذا تريدين ان تعمل هذه المرأة لديك؟‏ اختاري شخصا من فريق آخر».‏

اجابت:‏ «لست بحاجة الى شخص آخر —‏ احتاج الى اشخاص صالحين ومستقيمين في مستشفاي.‏ انها ستعمل في المستشفى.‏ وأنا على يقين انها لن تسرق شيئا ولن تبدأ بتعاطي المخدِّرات».‏

كانوا يثقون بنا.‏ وينظرون نظرة خاصة الى الاشخاص الذين لديهم ايمان.‏ فقد رأوا اي اناس نحن.‏ وكان ذلك لمصلحتنا.‏

اخيرا،‏ اقنعت الطبيبة مدير المعسكر.‏ كان يريد ابقائي عنده لأنني أجيد قطع الاخشاب.‏ فحيثما اشتغل شعب يهوه،‏ هم معروفون على الدوام كأشخاص مستقيمين وعمّال ضميرهم حيّ.‏

ملاحظة:‏ وُلد ابن ماريّا في السجن في ڤينّيتسا في اوكرانيا.‏ وخلال السنتين التاليتين،‏ أُبقي في ميتم السجن.‏ بعد ذلك،‏ ارسل الاقرباء الولد الى ابيه الذي كان منفيا في سيبيريا.‏ وعندما أُطلق سراح الاخت پوپوڤتش من السجن،‏ كان عمر ابنها ست سنوات.‏

‏[النبذة]‏

‏«انا سعيدة لأنني لم أسئ الى احد»‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ١٧٥]‏

مقابلة مع ماريّا فَدون

تاريخ الولادة:‏ سنة ١٩٣٩

تاريخ المعمودية:‏ سنة ١٩٥٨

لمحة عن حياتها:‏ نُفيت من سنة ١٩٥١ حتى سنة ١٩٦٥.‏

بعد ان استقررنا في القطار وهدأنا جميعنا وبدأ القطار بالمسير،‏ ماذا كان بإمكاننا ان نفعل؟‏ كنا نعرف ترانيم كثيرة،‏ فبدأنا نرنّم.‏ رنّمنا كل الترانيم التي نعرفها الموجودة في كتاب الترانيم.‏

في بادئ الامر سمعنا الترنيم من مقطورتنا فقط،‏ ولكن لاحقا عندما كان قطارنا يتوقف ليفسح المجال لمرور قُطُر اخرى،‏ ادركنا انه توجد قُطُر اخرى تحمل اخوتنا.‏ وكان الترنيم من تلك القُطُر يصل مسامعنا.‏ مرت قُطُر من مولداڤيا؛‏ ثم مرَّت قُطُر الاخوة الرومانيين من بوكوڤينا.‏ كانت توجد قُطُر كثيرة.‏ وكانت هذه القُطُر تتقدم واحدها الآخر عند مختلف الاماكن.‏ وأدركنا انهم كلهم اخوتنا.‏

كنا نتذكر ترانيم كثيرة.‏ كما ان العديد من الترانيم أُلّف في تلك المقطورات.‏ لقد شجعتنا تلك الترانيم وأعطتنا الموقف العقلي الصائب،‏ ووجّهت حقا انتباهنا الى يهوه.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ١٧٧]‏

مقابلة مع ليديا سْتاشْتشيشن

تاريخ الولادة:‏ سنة ١٩٦٠

تاريخ المعمودية:‏ سنة ١٩٧٩

لمحة عن حياتها:‏ ابنة ماريّا پيليپاڤ،‏ التي ترد المقابلة معها في الصفحتين ٢٠٨-‏٢٠٩.‏

عندما كنت طفلة،‏ كان جدي شيخا يرشد الجماعة.‏ اتذكر روتينه جيدا:‏ يستيقظ صباحا،‏ يغتسل،‏ ثم يصلّي.‏ بعد ذلك يفتح كتابه المقدس،‏ ونجلس كلنا معا لنقرأ الآية اليومية وكامل الاصحاح.‏ كان جدي يطلب مني على نحو نظامي ان آخذ وثائق مهمة —‏ مغلفة او موضوعة في كيس —‏ لشيخ آخر يعيش في طرف المدينة.‏ ولكي اصل الى بيته،‏ كان عليّ ان اتسلق تلة.‏ لم اكن احب تلك التلة.‏ فقد كانت شديدة الانحدار،‏ وتسلقها صعب جدا.‏ فكنت اقول:‏ «جدي،‏ لن اذهب!‏ هل يمكنني من فضلك الّا اذهب؟‏».‏

فيجيب جدي:‏ «كلا،‏ عليك ان تذهبي.‏ خذي هذه الوثائق».‏

فأفكّر في نفسي:‏ ‹لن اذهب!‏ لن اذهب!‏›.‏ ثم اقول:‏ ‹لا،‏ يجب ان اذهب،‏ فربما يوجد شيء مهم ذو علاقة بالامر›.‏ كانت هذه الافكار تراود ذهني على الدوام.‏ فضمنيا،‏ لم ارغب في الذهاب،‏ ولكنني كنت اذهب اذ عرفت انه لا يوجد احد سواي للقيام بهذا العمل.‏ كان الامر يتكرر دائما.‏ فتلك كانت مهمتي ومسؤوليتي.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٧٨ و ١٧٩]‏

مقابلة مع پاڤلو روراك

تاريخ الولادة:‏ سنة ١٩٢٨

تاريخ المعمودية:‏ سنة ١٩٤٥

لمحة عن حياته:‏ قضى ١٥ سنة في السجون وفي معسكرات السجناء.‏ يخدم حاليا كناظر مشرف في ارتيموفسك في اوكرانيا الشرقية.‏

في سنة ١٩٥٢،‏ كنت في معسكر مُراقَب بصرامة في كاراڠاندا بالاتحاد السوڤياتي.‏ كنا عشرة في ذلك المعسكر.‏ مرَّ الوقت ببطء،‏ وكان ذلك صعبا علينا.‏ فعلى الرغم من انه كان لدينا فرح ورجاء،‏ لم يكن لدينا طعام روحي.‏ كنا نجتمع بعد العمل ونتكلم واحدنا الى الآخر،‏ متذكرين كل ما سبق وتعلمناه بواسطة «العبد الامين الفطين».‏ —‏ متى ٢٤:‏٤٥-‏٤٧‏.‏

قررت ان اكتب الى اختي لأصف لها وضعنا في المعسكر ولأشرح لها انه لا يوجد لدينا طعام روحي.‏ وبما انه لا يُسمح للسجناء بإرسال مثل هذه الرسائل،‏ كان من الصعب ارسال تلك الرسالة.‏ ولكن اخيرا تسلمت اختي الرسالة.‏ فأعدّت رزمة،‏ ووضعت داخلها بعض الخبز الهش ونسخة من العهد الجديد،‏ وأرسلتها اليّ.‏

كان الروتين المتّبع صارما جدا.‏ ولم تكن السلطات تسلّم دائما الرزم للسجناء.‏ وكانوا غالبا يحطمون المحتويات ويفتّشون كل شيء بتدقيق شديد.‏ على سبيل المثال،‏ فتّشوا المعلّبات ليروا هل تحتوي شيئا مخبَّأ في قعر مزيف او في الجوانب.‏ حتى انهم فتّشوا ارغفة الخبز.‏

ذات يوم،‏ رأيت اسمي مكتوبا في لائحة الذين أُرسلت اليهم رزم.‏ سُررت جدا مع انني لم احلم ان تكون اختي قد ارسلت اليّ العهد الجديد في الرزمة.‏ كان المفتش الاكثر صرامة موجودا هناك؛‏ وهو من يدعوه السجناء «الحاد الطبع».‏ عندما وصلت لآخذ رزمتي،‏ سألني:‏ «ممّن تنتظر رزمة؟‏».‏ فقلت له عنوان اختي.‏ فأخذ قضيبا حديديا وفتح الصندوق.‏

عندما رفع الغطاء،‏ رأيت العهد الجديد بين جانب الصندوق والطعام!‏ لم يكن لدي سوى وقت قصير لأقول بصمت:‏ «يا يهوه،‏ اعطني اياه».‏

لدهشتي،‏ قال المفتش:‏ «بسرعة،‏ خذ هذا الصندوق من هنا!‏».‏ لم اصدّق ما يحصل،‏ فأغلقت الصندوق وحملته الى الثكنة.‏ ثم اخرجت العهد الجديد ووضعته داخل فراشي.‏

عندما اخبرت الاخوة انني حصلت على العهد الجديد،‏ لم يصدقني احد.‏ كان ذلك عجيبة من يهوه!‏ فقد كان يدعمنا روحيا لأنه في وضعنا كان من المستحيل الحصول على اي شيء.‏ شكرنا ابانا السماوي،‏ يهوه،‏ على رحمته وعنايته.‏ وبدأنا نقرأ ونقوّي انفسنا روحيا.‏ كم كنا شاكرين ليهوه!‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٨٠،‏ ١٨١]‏

مقابلة مع ليديا بْزوڤي

تاريخ الولادة:‏ سنة ١٩٣٧

تاريخ المعمودية:‏ سنة ١٩٥٥

لمحة عن حياتها:‏ نُفيت من سنة ١٩٤٩ حتى سنة ١٩٦٥.‏

كفتاة مراهقة،‏ كان غياب ابي عنا صعبا جدا عليّ.‏ فكمعظم الاولاد،‏ نحب أبانا.‏ لم تسنح لنا الفرصة ان نودّعه.‏ فأنا وإيڤان لم نره يذهب،‏ اذ كنا في الحقل نحصد نبات الدُّخن.‏

عندما رجعنا من الحقل،‏ قالت امي ان ابي قد أُوقف.‏ فشعرت بفراغ وبجرح داخلي.‏ ولكن لم اشعر بالذعر او بالحقد لأننا كنا نتوقع هذا الامر.‏ فكان يجري تذكيرنا على الدوام بكلمات يسوع:‏ «إن كانوا قد اضطهدوني،‏ فسيضطهدونكم ايضا».‏ (‏يوحنا ١٥:‏٢٠‏)‏ وقد حفظنا هذه الآية منذ نعومة اظفارنا.‏ كنا نعرفها كما نعرف الصلاة النموذجية.‏ كما علمنا انه بسبب عدم كوننا جزءا من العالم،‏ لن يحبنا العالم.‏ وما كانت السلطات تقوم به،‏ انما تقوم به بسبب جهلها.‏

بما اننا كنا خاضعين للسلطة الرومانية في مولداڤيا،‏ علم ابي ان بإمكانه المدافعة عن قضيته في المحكمة.‏ وقد سُمح لنا بالمجيء الى المحكمة.‏ كان ذلك يوما سعيدا جدا بالنسبة الينا.‏

لقد قدّم ابي شهادة رائعة.‏ ولم يكن احد مهتما بالاستماع الى اتّهامات المدعي العام،‏ الا انهم اصغوا جميعا بانتباه شديد الى شهادة ابي.‏ تكلم ساعة و ٤٠ دقيقة تبرئة للحق.‏ وقد قدّم شهادة واضحة جدا ومفهومة.‏ واغرورقت عيون العاملين في المحكمة بالدموع.‏

كنا فخورين ان ابي تمكّن من الشهادة للمحكمة،‏ والدفاع علنا عن الحق.‏ ولم نشعر بأي يأس.‏

ملاحظة:‏ في سنة ١٩٤٣،‏ اوقفت السلطات الالمانية والدَي الاخت بْزوڤي وحكمت عليهما بالقضاء ٢٥ سنة في السجن متّهمينهما بالتعاون مع السوڤيات.‏ وفي غضون سنة،‏ وصلت القوات السوڤياتية وأطلقت سراحهما.‏ بعد ذلك،‏ اوقفت السلطات السوڤياتية والدها.‏ وجملة قضى ٢٠ سنة في السجون.‏

‏[النبذة]‏

كمعظم الاولاد،‏ نحب أبانا.‏ لم تسنح لنا الفرصة ان نودّعه

‏[الاطار/‏الصور في الصفحات ١٨٦-‏١٨٩]‏

مقابلة مع تامارا راڤليوك

تاريخ الولادة:‏ سنة ١٩٤٠

تاريخ المعمودية:‏ سنة ١٩٥٨

لمحة عن حياتها:‏ نُفيت سنة ١٩٥١.‏ ساعدت نحو ١٠٠ شخص على تعلم الحق.‏

هذه هي قصة هالينا.‏ في سنة ١٩٥٨،‏ عندما كان عمرها ١٧ يوما فقط،‏ أُوقف والداها.‏ فأُرسلت هي وأمها الى معسكر للسجناء في سيبيريا.‏ وسُمح لهالينا بالبقاء مع امها ما دامت الام تنتج حليبا،‏ وكان ذلك حتى الشهر الخامس.‏ بعد ذلك،‏ كان على الام ان تذهب للعمل،‏ فأُخذت الطفلة الى بيت للحضانة.‏ كانت عائلتنا تعيش في مقاطعة مجاورة،‏ مقاطعة تومْسْك.‏ فكتب الاخوة رسالة الى جماعتنا يسألون فيها هل يستطيع احد اخذ الطفلة من بيت الحضانة ليربيها الى ان يُطلق سراح والديها.‏ بالطبع،‏ عندما قُرئت الرسالة،‏ تنهد الجميع حزنا.‏ فوجود طفلة في مثل هذا الوضع هو امر محزن ومأساوي.‏

منحونا بعض الوقت لنفكّر.‏ مرّ اسبوع ولم يتقدّم احد ليأخذ الطفلة.‏ كانت الاوضاع صعبة علينا جميعا.‏ في الاسبوع التالي،‏ قال اخي الاكبر لأمي:‏ «لنأتِ بهذه الطفلة ونهتم بها».‏

اجابت امي:‏ «ماذا تعني يا ڤازييه؟‏ أنا كبيرة في السن ومريضة.‏ انت تعلم ان الاهتمام بطفل شخص آخر هو مسؤولية كبيرة.‏ فهي ليست حيوانا،‏ بقرة او عجلة.‏ انها طفلة.‏ وأكثر من ذلك،‏ طفلة شخص آخر».‏

قال:‏ «لهذا السبب يجب ان نهتم بها،‏ يا امي.‏ انها ليست حيوانا.‏ تخيلي فقط طفلة في مثل هذه الظروف،‏ طفلة تعيش في معسكر!‏ انها لا تزال صغيرة جدا وعاجزة».‏ ثم اضاف:‏ «الا يجب ان نفكر انه قد يأتي وقت ويُقال لنا:‏ ‹كنت مريضة،‏ كنت في السجن،‏ كنت جائعة،‏ ولكنكم لم تساعدوني›؟‏».‏

اجابت امي:‏ «بلى،‏ قد يحدث ذلك،‏ ولكن الاهتمام بطفلة شخص آخر هو مسؤولية كبيرة.‏ ماذا اذا حدث لها مكروه وهي معنا؟‏».‏

قال اخي:‏ «وماذا اذا حدث لها مكروه هناك؟‏».‏ ثم اشار اليّ وقال:‏ «باستطاعة تامارا ان تسافر بكل حرية وتأتي بالطفلة.‏ وسنعمل جميعا لإعالة هذه الطفلة».‏

فكّرنا،‏ وتحدثنا،‏ وأخيرا قررنا ان عليّ الذهاب.‏ فذهبت الى معسكرات مارْينسكي لآتي بالطفلة.‏ اعطاني الاخوة مطبوعات لآخذها معي.‏ كما اعطوني آلة تصوير لألتقط صورة للأم،‏ ليتعرفوا إليها لأننا لم نكن نعرفها.‏ لم يُسمح لي بإدخال آلة التصوير الى المعسكر،‏ ولكنني ادخلت المطبوعات.‏ اشتريت قدرا،‏ وضعت المطبوعات فيها،‏ ووضعت زيتا في الاعلى.‏ عندما عبرت المدخل،‏ لم يتحقق الحارس ليرى هل يوجد شيء تحت الزيت.‏ فأدخلت المطبوعات الى المعسكر.‏

تمكنت من التعرف الى الام،‏ ليديا كورداس.‏ وقضيت الليلة في المعسكر لأنه يجب اعداد وثائق لإطلاق الطفلة.‏ وهكذا اخذت هالينا معي الى البيت.‏ عندما وصلنا،‏ كان عمرها خمسة اشهر وبضعة ايام.‏ جميعنا اعتنينا بها جيدا،‏ ولكنها أُصيبت بمرض شديد.‏ فأتى الاطباء،‏ ولكنهم لم يتمكنوا من تحديد السبب.‏

ظن الاطباء انها طفلتي،‏ وضغطوا عليّ قائلين:‏ «ايّ امّ انت؟‏».‏ «لماذا لا تطعمينها؟‏».‏ خشينا ان نقول ان الطفلة آتية من السجن،‏ ولم نعرف كيف نتصرف.‏ اكتفيت بالبكاء ولم اقل شيئا.‏ فوبّخني الاطباء؛‏ وصرخوا على امي قائلين انني اصغر من ان اتزوج،‏ وأنني أنا نفسي بحاجة الى الحليب.‏ كنت في الـ‍ ١٨ من عمري.‏

كانت هالينا مريضة جدا،‏ وتعاني صعوبة في التنفس.‏ فذهبت تحت الدرج وصليت:‏ «يا يهوه اللّٰه،‏ يا يهوه اللّٰه،‏ اذا وجب ان تموت هذه الطفلة،‏ فخذ حياتي بدل حياتها!‏».‏

بدأت الطفلة تلهث في حضور الاطباء.‏ فقالوا:‏ «لا امل في شفائها —‏ لن تعيش،‏ لن تعيش».‏ قالوا ذلك امامي وأمام امي.‏ كانت امي تبكي وأنا اصلّي.‏ الا ان الطفلة عاشت.‏ وبقيت معنا الى ان أُطلق سراح امها.‏ بقيت معنا سبع سنوات،‏ ولم تمرض ثانية،‏ ولا مرة واحدة.‏

تعيش هالينا الآن في خاركوف بأوكرانيا.‏ انها اختنا،‏ وهي فاتحة قانونية.‏

‏[النبذة]‏

‏«يا يهوه اللّٰه،‏ يا يهوه اللّٰه،‏ اذا وجب ان تموت هذه الطفلة،‏ فخذ حياتي بدل حياتها!‏»‏

‏[الصورة]‏

من اليسار الى اليمين:‏ تامارا راڤليوك (‏بورياك سابقا)‏،‏ سيرهْييه راڤليوك،‏ هالينا كورداس،‏ ميخايلو بورياك،‏ وماريّا بورياك

‏[الصورة]‏

من اليسار الى اليمين:‏ سيرهْييه وتامارا راڤليوك،‏ ميكولا وهالينا كْويبيدا (‏كورداس سابقا)‏،‏ أولكسييه وليديا كورداس

‏[الاطار في الصفحة ١٩٢]‏

تقرير من ناظر دائرة،‏ سنة ١٩٥٨

«بإمكاننا ان نفهم الى حد ما صعوبة الامر بالنسبة الى الاخوة اذا علمنا ان حوالي عشرة اعضاء من منظمة الشبيبة الشيوعية يتجسسون على كل اخ.‏ اضيفوا الى ذلك الجيران الخونة؛‏ الاخوة الكذبة؛‏ العديد من رجال الشرطة؛‏ الاحكام بقضاء ما يصل الى ٢٥ سنة في المعسكرات او السجون؛‏ النفي الى سيبيريا؛‏ العمل في معسكرات العمل الإلزامي مدى الحياة؛‏ والسجن،‏ احيانا السجن فترة طويلة في زنزانات السجن المظلمة —‏ كل هذا يمكن ان يحصل لكل من يتلفظ ببضع كلمات عن ملكوت اللّٰه.‏

«ومع ذلك فإن الناشرين شجعان.‏ ومحبتهم ليهوه اللّٰه مطلقة،‏ وموقفهم مشابه لموقف الملائكة،‏ ولا يفكرون في التخلي عن جهادهم.‏ انهم يعرفون ان العمل هو عمل يهوه ويجب ان يستمر الى النهاية الظافرة.‏ والاخوة يعرفون لمَن يحافظون على استقامتهم.‏ فالعذاب من اجل يهوه هو فرح بالنسبة اليهم».‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحات ١٩٩-‏٢٠١]‏

مقابلة مع سيرهْييه راڤليوك

تاريخ الولادة:‏ سنة ١٩٣٦

تاريخ المعمودية:‏ سنة ١٩٥٢

لمحة عن حياته:‏ قضى ١٦ سنة في السجون ومعسكرات السجناء.‏ أُجبر على الانتقال من بيته سبع مرات.‏ ساعد حوالي ١٥٠ شخصا على تعلم الحق.‏ المقابلة مع زوجته تامارا مذكورة في الصفحات ١٨٦-‏١٨٩.‏ يخدم سيرهْييه الآن كشيخ في جماعة روهان،‏ بالقرب من مدينة خاركوف.‏

عشت سبع سنوات في معسكر موردڤينا.‏ ومع انه كان معسكرا ذا حراسة مشددة،‏ وُزعت مطبوعات كثيرة خلال الفترة التي كنت موجودا فيها هناك.‏ كان بعض الحراس يأخذون المطبوعات الى بيوتهم،‏ يقرأونها،‏ ثم يعطونها لعائلاتهم وأقربائهم.‏

احيانا كان يأتي اليّ حارس خلال نوبة العمل الثانية.‏ فيقول:‏ «هل لديك شيء يا سيرهْييه؟‏».‏

«ماذا تريد؟‏».‏

«شيئا للقراءة».‏

«هل ستجري حملة تفتيش غدا؟‏».‏

«نعم.‏ ستجري حملة تفتيش غدا في الوحدة الخامسة».‏

«حسنا،‏ على احد الاسرة تحت منشفة،‏ ستجد مجلة برج المراقبة.‏ بإمكانك الحصول عليها».‏

أُجريت حملة التفتيش،‏ وأخذ الحارس مجلة برج المراقبة تلك.‏ ولكن الحراس لم يجدوا اية مطبوعة اخرى لأننا علمنا مسبقا بحملة التفتيش.‏ بتلك الطريقة،‏ ساعدَنا بعض الحراس.‏ لقد انجذبوا الى الحق،‏ ولكنهم خشوا ان يبقوا دون عمل.‏ وخلال السنوات العديدة التي قضاها الاخوة هناك،‏ رأى الحراس كيف نعيش.‏ وكان بإمكان الاشخاص المنطقيين ان يروا اننا لسنا مذنبين بأي جريمة.‏ ولكنهم لم يستطيعوا قول شيء عن الامر،‏ وإلّا اعتُبروا من مؤيدي شهود يهوه،‏ وخسروا وظائفهم.‏ لقد دعموا عملنا إلى حد ما.‏ وأخذوا المطبوعات وقرأوها.‏ وقد ساعد ذلك على تهدئة حدة الاضطهاد.‏

بحلول سنة ١٩٦٦،‏ كنا حوالي ٣٠٠ في موردڤينا.‏ وعرف المديرون في اي تاريخ تُعقد الذِّكرى.‏ فقرروا منعنا من عقدها في تلك السنة.‏ قالوا:‏ «انكم تدرسون مجلتكم برج المراقبة،‏ ولكننا سننهي عقد هذه الذِّكرى.‏ لن تتمكنوا من القيام بأي شيء».‏

كان على افراد شتى وحدات الحرس ان يبقوا في مراكزهم الى ان يزول خطر عقد الذِّكرى.‏ كان الجميع في اماكنهم:‏ المفتشون،‏ الاداريون،‏ وآمر المعسكر.‏

خرجنا جميعا الى الطريق،‏ الى ساحة التجمع حيث تتلى اسماؤنا كل يوم صباحا ومساء.‏ ثم اجتمعنا وفق الجماعات او الفرق،‏ وتمشينا في الساحة.‏ في كل فريق،‏ قدّم اخ خطابا وهو يمشي؛‏ والآخرون اصغوا.‏

لم يكن لدينا الرمزان المستخدمان في الذِّكرى،‏ فأُلقي الخطاب فقط.‏ وفي ذلك الوقت لم يكن معنا في المعسكر احد من الممسوحين.‏ بحلول الساعة ٣٠:‏٩ مساء،‏ اتممنا كل شيء،‏ فكانت كل الفرق قد احتفلت بالذِّكرى وهم يتمشون على الطريق.‏

اما بالنسبة الى الترنيمة،‏ فأردنا ان نرنم معا —‏ جميع الاخوة معا.‏ فاجتمعنا بجانب الحمام العمومي،‏ الذي كان يقع في ابعد زاوية عن المدخل حيث نقطة التفتيش.‏ تخيلوا ٣٠٠ رجل مجتمعين،‏ وما يتراوح بين ٨٠ و ١٠٠ منهم يرنمون في الليل بين نباتات التايڠا.‏ تخليوا صدى تلك الترنيمة!‏ اتذكر اننا رنمنا ترنيمة رقم ٢٥ التي بعنوان «متُّ من اجلكم»،‏ من كتاب الترانيم القديم.‏ كان الجميع يعرفون تلك الترنيمة.‏ وأحيانا حتى الجنود الواقفون على الابراج كانوا يصرخون لنا:‏ «رنّموا من فضلكم ترنيمة رقم ٢٥!‏».‏

عندما بدأنا نرنّم في تلك الليلة،‏ أتى ركضا جميع الموظفين من مراكزهم الى الحمام العمومي ليوقفونا.‏ ولكن عندما وصلوا،‏ لم يستطيعوا ايقاف الترنيم لأن جميع الاخوة الذين لم يكونوا يرنمون اجتمعوا ملتزين بعضهم ببعض حول الذين كانوا يرنمون.‏ فلم يستطع الحراس سوى الدوران حولنا مهتاجين حتى انهينا الترنيم.‏ عندما انتهت الترنيمة،‏ تفرق الجميع.‏ ولم يعرف الحراس مَن رنّم ومَن لم يرنّم.‏ ولم يكن باستطاعتهم وضع الجميع في سجن انفرادي.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٢٠٣ و ٢٠٤]‏

مقابلة مع ڤيكتور پوپوڤتش

تاريخ الولادة:‏ سنة ١٩٥٠

تاريخ المعمودية:‏ سنة ١٩٦٧

لمحة عن حياته:‏ وُلد في السجن،‏ ابن ماريّا پوپوڤتش التي وردت المقابلة معها في الصفحات ١٦٧-‏١٦٩.‏ أُوقف سنة ١٩٧٠،‏ وقضى اربع سنوات في السجن بسبب نشاطه الكرازي.‏ وخلال ثلاثة ايام من جلسات الاستماع،‏ شهد ٣٥ شخصا ان الاخ پوپوڤتش بشّرهم.‏

لا يجب ان يُنظر الى وضع شهود يهوه على ضوء العلاقات البشرية فقط.‏ ولا يمكن تعليل اضطهاد شعب اللّٰه كاملا باعتبار الحكومة مسؤولة.‏ فمعظم الموظفين انما يقومون بواجبهم.‏ عندما تغيرت الحكومة،‏ غيّر الموظفون ولاءهم،‏ ولكننا بقينا كما نحن.‏ لقد أدركنا ان المصدر الحقيقي لمشاكلنا قد كُشف عنه في الكتاب المقدس.‏

لم ننظر الى انفسنا بأننا ضحايا ابرياء،‏ ضحايا اناس ظالمين.‏ وما ساعدنا على الاحتمال هو فهم واضح للقضية التي أُثيرت في جنة عدن —‏ قضية صواب حكم اللّٰه.‏ ولم تُحلّ هذه القضية بعد.‏ وعرفنا ان لدينا فرصة لاتّخاذ موقف الى جانب حكم يهوه.‏ لقد اتّخذنا موقفا الى جانب قضية مرتبطة ليس فقط بمصالح البشر الشخصية،‏ بل ايضا بمصالح سيد الكون.‏ كنا نملك فهما اسمى للقضايا الحقيقية ذات العلاقة.‏ وقد جعلنا ذلك اقوياء ومكّننا من المحافظة على استقامتنا حتى تحت اقسى الظروف.‏ لقد نظرنا الى ابعد من مجرد العلاقات البشرية.‏

‏[النبذة]‏

لا يمكن تعليل اضطهاد شعب اللّٰه كاملا باعتبار الحكومة مسؤولة

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٢٠٨،‏ ٢٠٩]‏

مقابلة مع ماريّا پيليپاڤ

تاريخ الولادة:‏ سنة ١٩٣٤

تاريخ المعمودية:‏ سنة ١٩٥٢

لمحة عن حياتها:‏ ذهبت الى سيبيريا في سنة ١٩٥١ لزيارة اختها التي نُفيت الى هناك.‏ تعرفت ماريّا الى الحق في سيبيريا وتزوجت لاحقا بأخ منفي.‏

عندما مات والدي،‏ اتت الشرطة الى بيتنا.‏ اتى عدد كبير من رجال الشرطة.‏ كانوا من الشرطة المحلية ومن شرطة المقاطعة.‏ حذّرونا انهم لا يريدون لا ترانيم ولا صلوات.‏ فأجبنا انه لا يوجد قانون يمنع الصلاة.‏ ثم سألوا عن وقت المأتم.‏ اخبرناهم ورحلوا.‏

اتى الاخوة باكرا.‏ فقد مُنعنا من الاجتماع معا،‏ ولكن كان بإمكان الناس ان يأتوا الى المأتم.‏ بدأنا في وقت باكر لأننا علمنا ان الشرطة ستأتي.‏ وحالما بدأ احد الاخوة بالصلاة،‏ وصلت شاحنة مليئة برجال الشرطة.‏ انهى الاخ الصلاة،‏ ثم ذهبنا الى المقبرة.‏

تبعونا وسمحوا لنا بدخول المقبرة.‏ وعندما صلى الاخ صلاة اخرى،‏ حاولت الشرطة ان تعتقله.‏ ولكننا نحن الاخوات صممن اننا لن ندعهم يأخذونه.‏ كان يوجد عدد كبير من رجال الشرطة،‏ فشكلنا حلقة حول الاخ.‏ وفي الفوضى التي تلت،‏ اخرجت احدى الاخوات الاخ من المقبرة،‏ قادته بين البيوت،‏ وأوصلته إلى القرية.‏ وفجأة مرّ احد المعارف في سيارة خصوصية،‏ فدخل الاخ السيارة وغادر.‏ بحث رجال الشرطة عنه في كل مكان ولكنهم لم يستطيعوا ايجاده،‏ فغادروا.‏

غالبا ما كانت الاخوات تحمي الاخوة.‏ عادة يكون الوضع معكوسا،‏ ولكن هكذا وجب ان تكون الحال آنذاك.‏ كان على الاخوات ان يحمين الاخوة.‏ وقد وُجدت عدة حالات مثل هذه الحالة.‏

‏[النبذة]‏

هكذا وجب ان تكون الحال آنذاك.‏ كان على الاخوات ان يحمين الاخوة

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٢٢٠،‏ ٢٢١]‏

مقابلة مع پيترو ڤلاسيوك

تاريخ الولادة:‏ سنة ١٩٢٤

تاريخ المعمودية:‏ سنة ١٩٤٥

لمحة عن حياته:‏ نُفي من سنة ١٩٥١ حتى سنة ١٩٦٥.‏ وبُعيد نفي الاخ ڤلاسيوك،‏ مرض ابنه ومات.‏ وفي السنة التالية،‏ بعد ان ولدت زوجته ابنا ثانيا،‏ عانت مضاعفات وبعد فترة ماتت.‏ فتُرك الاخ ڤلاسيوك ليعتني وحده بطفل صغير.‏ في سنة ١٩٥٣ تزوج ثانية،‏ وساعدته زوجته الجديدة في الاعتناء بالطفل.‏

كنت بين الاشخاص الذين نُفوا من اوكرانيا الى سيبيريا في سنة ١٩٥١.‏ لم نشعر بالخوف.‏ فقد غرس يهوه مثل هذه الروح في الاخوة بحيث تقوى ايمانهم وظهر في طريقة كلامهم.‏ فلم يكن احد ليختار يوما السفر الى هذا التعيين الكرازي.‏ ومن الواضح ان يهوه اللّٰه سمح للحكومة بنقلنا الى هنا.‏ ولاحقا،‏ ذكرت السلطات:‏ «لقد ارتكبنا خطأ فادحا».‏

سأل الاخوة:‏ «من اية ناحية؟‏».‏

«من حيث اننا اتينا بكم الى هنا،‏ وأنتم الآن تهدون الناس هنا ايضا!‏».‏

قال الاخوة:‏ «سترتكبون ايضا خطأ آخر».‏

وارتكبوا خطأهم الفادح التالي بعد ان اطلقوا سراحنا ومنحونا عفوا عاما،‏ ولكنهم لم يدعونا نرجع الى بيوتنا.‏ قالوا:‏ «اذهبوا الى حيثما تريدون،‏ ولكن لا ترجعوا الى بيوتكم».‏ بعد ذلك عادوا الى رشدهم وأدركوا انهم ارتكبوا خطأ كبيرا.‏ وبسبب تلك السياسة،‏ انتشرت البشارة في كل روسيا.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٢٢٧]‏

مقابلة مع آنّا ڤوڤتشوك

تاريخ الولادة:‏ سنة ١٩٤٠

تاريخ المعمودية:‏ سنة ١٩٥٩

لمحة عن حياتها:‏ نُفيت من سنة ١٩٥١ الى سنة ١٩٦٥.‏ كانت في العاشرة من عمرها عندما أُرسلت الى سيبيريا.‏ اشتغلت من سنة ١٩٥٧ الى سنة ١٩٨٠ في طبع مطبوعات الكتاب المقدس سرّا.‏

حاول الـ‍ KGB مرارا ان يجعلونا نتعرف الى الاخوة،‏ بعرض صور علينا.‏ كنت اقول:‏ «لا اعرف شيئا أخبركم به.‏ لا اعرف احدا ابلّغكم عنه».‏ هكذا كنا نجيبهم دائما.‏ لاحقا،‏ بعدما تزوجت بفترة قصيرة،‏ كنت ذاهبة الى المدينة فالتقيت رئيس الـ‍ KGB في مدينة أنڠَرْسك.‏ كان قد استدعاني مرارا كثيرة ليستجوبني وهو يعرفني جيدا.‏

قال لي:‏ «في ما يتعلق بستيپان ڤوڤتشوك،‏ اخبرتني انك لا تعرفين هذا الرجل.‏ والآن كيف حدث انك تزوجت به؟‏».‏

اجبت:‏ «ألستم انتم الذين عرّفتموني به عن طريق الصور التي عرضتموها عليّ؟‏».‏

فصفق يديه وقال:‏ «ها نحن المخطئون مجددا!‏».‏

وضحكنا معا.‏ كانت تلك لحظة سعيدة ومرحة في حياتي.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٢٢٩ و ٢٣٠]‏

مقابلة مع صوفيا ڤوڤتشوك

تاريخ الولادة:‏ سنة ١٩٤٤

تاريخ المعمودية:‏ سنة ١٩٦٤

لمحة عن حياتها:‏ نُفيت من سنة ١٩٥١ حتى سنة ١٩٦٥.‏ كانت في السابعة من عمرها عندما أُرسلت الى سيبيريا مع امها،‏ اختها،‏ وأخيها.‏

عندما اخذونا الى سيبيريا،‏ اخبرونا اننا سنبقى هناك الى الابد.‏ فلم نتخيل قط اننا سننال حريتنا.‏ وكنا عندما نقرأ في مجلة برج المراقبة عن المحافل التي تحدث في بلدان اخرى،‏ نصلّي الى يهوه ان نحصل،‏ ولو مرة واحدة في حياتنا،‏ على فرصة حضور محفل كالمحافل التي تُعقد في بلدان اخرى.‏ ولا ريب ان يهوه باركنا.‏ ففي سنة ١٩٨٩،‏ تمكنا من حضور محفل شهود يهوه الاممي في پولندا.‏ ويستحيل وصف الابتهاج والفرح المطلَقين اللذين شعرنا بهما لكوننا موجودين هناك.‏

لقد رحّب بنا الاخوة في پولندا من كل قلبهم.‏ قضينا هناك اربعة ايام.‏ وحضرنا محفلا!‏ وكان تعلّم المزيد عن يهوه ونيل الارشاد من كلمة اللّٰه سببا لفرح عظيم.‏ كنا سعداء جدا.‏ وأخبرنا الجميع باختباراتنا.‏ ومع انه كان يوجد الكثير من القوميات،‏ فقد كانوا جميعهم اخوتنا!‏ وفيما مشينا حول المدرَّج،‏ احسسنا بشعور جميل بالسلام.‏ فبعد كل ما مررنا به —‏ وجودنا تحت الحظر مدة طويلة —‏ بدا لنا اننا موجودون منذ الآن في العالم الجديد.‏ لم نسمع اي لعن،‏ وكان كل شيء نظيفا وجميلا.‏ قضينا الوقت معا بعد انتهاء البرنامج.‏ فلم نغادر على الفور؛‏ عاشرنا الاخوة،‏ وتحدثنا معا.‏ وإذا لم نفهم ما يُقال،‏ كان هنالك مترجمون.‏ حتى عندما لم نفهم،‏ كنا نقبّل احدنا الآخر.‏ كنا سعداء.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٢٤٣ و ٢٤٤]‏

مقابلة مع رومَن يوركيڤيتش

تاريخ الولادة:‏ سنة ١٩٥٦

تاريخ المعمودية:‏ سنة ١٩٧٣

لمحة عن حياته:‏ قضى ست سنوات في معسكرات السجناء بسبب حياده.‏ يخدم في لجنة الفرع في اوكرانيا منذ سنة ١٩٩٣.‏

يدفع الحق الشخص الى مساعدة ودعم الآخرين.‏ وقد شعرنا بذلك خصوصا في سنة ١٩٩٨ عندما حدث فيضان هائل في ترانسكارپاثيا،‏ وخسر مئات،‏ نعم،‏ مئات الاشخاص بيوتهم وكل ممتلكاتهم في ليلة واحدة.‏

في غضون يومين،‏ وصل فريق من الاخوة الى مكان الفيضان وشكلوا لجان إغاثة.‏ وقرر هؤلاء اية اغاثة تُقدّم لكل عائلة،‏ ولكل قرية.‏ ثمة قريتان تضررتا بشدة:‏ ڤاري وڤيشكوڤ.‏ وفي خلال يومين او ثلاثة فقط،‏ أُعدت الخطط في ما يتعلق بالمساعدة التي ستحصل عليها العائلة ومَن سيقدّمها.‏ ثم وصل اخوتنا في شاحنات وبدأوا يجرفون بحر الوحل.‏

جلبوا خشبا جافا،‏ الامر الذي اذهل الجميع في تلك المنطقة.‏ وتعجب غير الشهود.‏ كانت اخت من ڤيشكوڤ في المنطقة حيث يجرف فريق من الاخوة الوحل.‏ فاقترب منها مراسل صحفي وسأل:‏ «هل تعرفين من هم هؤلاء الاشخاص؟‏».‏

اجابت:‏ «لا اعرفهم جيدا لأننا نتكلم لغات مختلفة —‏ الرومانية،‏ الهنڠارية،‏ الاوكرانية،‏ والروسية.‏ ولكنني اعرف شيئا واحدا:‏ انهم اخوتي وأخواتي،‏ وهم يساعدونني».‏

في غضون يومين او ثلاثة،‏ ارسل الاخوة المساعدة؛‏ فاعتنوا بتلك العائلات التي نُقلت الى مناطق اخرى.‏ ولكن،‏ بعد نصف سنة،‏ أُعيد بناء كل بيوت الشهود تقريبا،‏ وكان الشهود اول اشخاص من تلك المنطقة يعودون للعيش في بيوتهم الجديدة.‏

‏[الجدول في الصفحة ٢٥٤]‏

‏(‏انظر المطبوعة)‏

الفاتحون القانونيون في اوكرانيا (‏١٩٩٠-‏٢٠٠١)‏

٠٠٠‏,١٠

٠٠٠‏,٨

٠٠٠‏,٦

٠٠٠‏,٤

٠٠٠‏,٢

٠

١٩٩٠ ١٩٩٢ ١٩٩٣ ١٩٩٤ ١٩٩٥ ١٩٩٦ ١٩٩٧ ١٩٩٨ ١٩٩٩ ٢٠٠١

‏[الجدول في الصفحة ٢٥٤]‏

‏(‏انظر المطبوعة)‏

شهود يهوه في اوكرانيا * ‏(‏١٩٣٩-‏٢٠٠١)‏

٠٠٠‏,١٢٠

٠٠٠‏,١٠٠

٠٠٠‏,٨٠

٠٠٠‏,٦٠

٠٠٠‏,٤٠

٠٠٠‏,٢٠

٠

١٩٣٩ ١٩٤٦ ١٩٧٤ ١٩٨٦ ١٩٩٠ ١٩٩٢ ١٩٩٤ ١٩٩٦ ١٩٩٨ ٢٠٠١

‏[الحاشية]‏

^ ‎الفقرة 582‏ الاعداد في السنوات ١٩٣٩-‏١٩٩٠ هي اعداد تقريبية

‏[الخرائط في الصفحة ١٢٣]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسق في المطبوعة)‏

اوكرانيا

ڤولين

هاليتشينا

لْڤوف

ترانسكارپاثيا

بوكوڤينا

كييڤ

خاركوف

نيپروپتروفسك

لوهانسك

زاپوروجي

دونتسك

أوديسّا

القرم

البحر الاسود

تركيا

بلغاريا

رومانيا

مولداڤيا

پولندا

روسيا البيضاء

روسيا

‏[صورة تغطي كامل الصفحة ١١٨]‏

‏[الصورة في الصفحة ١٢٧]‏

ڤويتخ تشيخي

‏[الصورة في الصفحة ١٢٩]‏

اول محفل في مدينة بوريسلاڤ في هاليتشينا،‏ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٣٢

‏[الصورة في الصفحة ١٣٠]‏

محفل في سولوتڤينو في ترانسكارپاثيا،‏ ١٩٣٢

‏[الصورة في الصفحة ١٣٢]‏

طوال ٤٠ سنة تمّم إميل وماريّا زاريتسكْيه تعيينهما بأمانة كمترجمَين

‏[الصورة في الصفحة ١٣٣]‏

اول مخزن للمطبوعات في اوكرانيا كان في هذا البيت في أُوجڠُراد من ١٩٢٧ حتى ١٩٣١

‏[الصورة في الصفحة ١٣٤]‏

فريق مستعد ان يذهب بالباص للكرازة في منطقة راخيڤ في جبال ترانسكارپاثيا،‏ ١٩٣٥:‏ (‏١)‏ ڤويتخ تشيخي

‏[الصورة في الصفحة ١٣٥]‏

اسطوانة فونوڠرافية قديمة:‏ «الدين والمسيحية» بالاوكرانية

‏[الصورة في الصفحة ١٣٦]‏

جماعة كوسماتش في سنة ١٩٣٨:‏ (‏١)‏ باع ميكولا ڤولوتْشييه احد حصانيه ليشتري فونوڠرافا

‏[الصورة في الصفحة ١٣٧]‏

ليودڤيك كينيتسكي،‏ الذي يتذكره كثيرون بإعزاز كخادم غيور،‏ مات امينا ليهوه في معسكر اعتقال نازي

‏[الصورتان في الصفحة ١٤٢]‏

إيليا هوڤوتشاك (‏فوق الى اليسار)‏،‏ وهو مسافر مع اونوفرْيي ريلتشوك للكرازة في الجبال و (‏الى اليمين)‏ مع زوجته پاراسكا،‏ اعدمه الڠستاپو بعد ان سلّمه كاهن كاثوليكي

‏[الصورة في الصفحة ١٤٦]‏

اناستاسيا كازاك (‏١)‏ مع شهود آخرين من معسكر اعتقال شتوتهوف

‏[الصورتان في الصفحة ١٥٣]‏

إيڤان ماكسيميوك (‏في الاعلى مع زوجته يڤدوكيا)‏ وابنه ميخايلو (‏الى اليمين)‏ رفضا المسايرة في استقامتهما

‏[الصورة في الصفحة ١٥٧]‏

سيبيريا،‏ روسيا:‏ ولدان لشهود اوكرانيين منفيين يقطعان الحطب قطعا صغيرة من اجل الوقود،‏ سنة ١٩٥٣

‏[الصور في الصفحة ١٥٨]‏

مطبوعات قديمة للكتاب المقدس بالاوكرانية

‏[الصورة في الصفحة ١٧٠]‏

بعمر ٢٠ سنة،‏ كان هريهورييه ميلنيك يتحمل مسؤولية الاعتناء بأخَويه وأخته الاصغر سنّا

‏[الصورة في الصفحة ١٧٦]‏

قضت ماريّا توميلكو ١٥ سنة في السجن ولكنها بقيت امينة

‏[الصورة في الصفحة ١٨٢]‏

نوتسو بوكوك خلال اجتماع قصير في السجن مع ابنته،‏ سنة ١٩٦٠

‏[الصورة في الصفحة ١٨٥]‏

ليديا وأولكسييه كورداس (‏في الاعلى)‏،‏ أُوقفا وسُجنا في معسكرين منفصلين عندما كان عمر ابنتهما هالينا ١٧ يوما؛‏ هالينا كورداس بعمر ثلاث سنوات (‏الى اليمين)‏:‏ أُخذت هذه الصورة في سنة ١٩٦١ عندما كان والداها لا يزالان في السجن

‏[الصورة في الصفحة ١٩١]‏

في الليلة التي سبقت زفافهما،‏ أُوقفت هانّا شيشكو ويوري كوپوس وحُكم عليهما بالسجن عشر سنوات في المعسكر.‏ فتزوجا بعد عشر سنوات

‏[الصورة في الصفحة ١٩١]‏

قضى يوري كوپوس ثلث قرن تقريبا في السجون ومعسكرات العمل الإلزامي السوڤياتية

‏[الصورة في الصفحة ١٩٤]‏

خصص پاڤلو زياتِك كامل حياته لخدمة يهوه

‏[الصورة في الصفحة ١٩٦]‏

رسالة بتاريخ ١٨ ايار (‏مايو)‏ سنة ١٩٦٢ من ناثان ه‍.‏ نور الى الاخوة في الاتحاد السوڤياتي

‏[الصورة في الصفحة ٢١٤]‏

طُبعت المطبوعات لأوكرانيا وأجزاء اخرى من الاتحاد السوڤياتي في مخابئ تحت الارض مثل هذا المخبإ في اوكرانيا الشرقية

‏[الصورة في الصفحة ٢١٦]‏

في الاعلى:‏ التلة المغطاة بالاشجار في عمق جبال الكربات حيث اشرف إيڤان دزيابكو على مخبإ سريّ

‏[الصورة في الصفحة ٢١٦]‏

في الاعلى:‏ ميخايلو ديولوه يجلس بجانب ما كان في السابق مدخل المخبإ السري حيث زود إيڤان دزيابكو بالورق

‏[الصورة في الصفحة ٢١٦]‏

الى اليمين:‏ إيڤان دزيابكو

‏[الصورة في الصفحة ٢٢٣]‏

قضى بيلا مايسار ٢١ سنة في السجن،‏ وخلال ذلك الوقت غالبا ما كانت زوجته الامينة ريجينا تقطع مسافة اكثر من ٠٠٠‏,١٤٠ كيلومتر لتزوره

‏[الصورة في الصفحة ٢٢٤]‏

عُيّن ميكيل داسيڤيتش خادما للبلد في سنة ١٩٧١

‏[الصورة في الصفحة ٢٣٣]‏

كان تسجيل شهود يهوه في اوكرانيا،‏ في ٢٨ شباط (‏فبراير)‏ سنة ١٩٩١،‏ اول تسجيل من نوعه في اراضي الاتحاد السوڤياتي

‏[الصور في الصفحة ٢٣٧]‏

في المحفل الاممي سنة ١٩٩٣ في كييڤ،‏ اعتمد ٤٠٢‏,٧ شخصا،‏ وكان ذلك اكبر عدد من المعتمدين في اي من المحافل التي عُقدت في التاريخ العصري لشعب اللّٰه

‏[الصورة في الصفحة ٢٤٦]‏

تخرُّج اول صف في مدرسة تدريب الخدام في لْڤوف،‏ في اوائل سنة ١٩٩٩

‏[الصورة في الصفحة ٢٥١]‏

في الاعلى:‏ مجمّع قاعات الملكوت حيث خدمت عائلة بيت ايل من سنة ١٩٩٥ حتى سنة ٢٠٠١

‏[الصورة في الصفحة ٢٥١]‏

في الوسط:‏ البيت الذي استخدمته عائلة بيت ايل من سنة ١٩٩٤ حتى سنة ١٩٩٥

‏[الصورة في الصفحة ٢٥١]‏

في الاسفل:‏ قاعة الملكوت في مدينة نادڤيرنا —‏ اول قاعة تُبنى ضمن البرنامج الجديد لبناء قاعات ملكوت في اوكرانيا

‏[الصور في الصفحتين ٢٥٢ و ٢٥٣]‏

(‏١-‏٣)‏ الفرع الذي دُشّن حديثا في اوكرانيا

‏[الصورة في الصفحة ٢٥٣]‏

(‏٤)‏ لجنة الفرع (‏من اليسار الى اليمين)‏:‏ (‏الجالسان)‏ ستيپان هلينسكييه،‏ ستيپان ميكيڤيتش؛‏ (‏الواقفون)‏ اندرييه سيمكوڤيتش،‏ رومَن يوركيڤيتش،‏ جون ديدُر،‏ ويورڠن كِك

‏[الصورة في الصفحة ٢٥٣]‏

(‏٥)‏ ثيودور جارس يتكلم عند تدشين فرع اوكرانيا في ١٩ ايار (‏مايو)‏ سنة ٢٠٠١