اوكرانيا
اوكرانيا
ذكر يسوع مثلا عن بذار مزروع في تربة جيدة، واصفا الاشخاص الذين ينمّون تقديرا عميقا لكلمة اللّٰه. انهم «يُثمرون بالاحتمال» بالمواظبة على اعلان رسالة اللّٰه بأمانة رغم الضيق والعذاب. (لوقا ٨:١١، ١٣، ١٥) كان ذلك واضحا جدا في اوكرانيا حيث صمد شهود يهوه ونموا رغم اكثر من ٥٠ سنة من الحظر والاضطهاد العنيف، وقليلة هي الاماكن في الارض التي عانى فيها الاخوة اكثر مما عانى الاخوة في اوكرانيا.
خلال سنة الخدمة ٢٠٠١، شهد هذا البلد ذروة من ٠٢٨,١٢٠ ناشرا. وأكثر من ٠٠٠,٥٦ من هؤلاء تعلموا حق الكتاب المقدس خلال السنوات الخمس الاخيرة. ووزع الاخوة خلال السنتين الاخيرتين اكثر من ٥٠ مليون مجلة، ما يساوي عدد سكان البلد. وكمعدل يتلقى مكتب الفرع كل شهر ألف رسالة من اشخاص مهتمين يطلبون المزيد من المعلومات. كل هذا لم يكن ليُصدَّق في الماضي غير البعيد. فيا له من نصر للعبادة النقية!
قبل ان نتصفح تاريخ اوكرانيا، دعونا نتأمل في البلد بحد ذاته. دون ان نأتي على ذكر التربة المجازية التي تكلم عنها يسوع، تتمتع اوكرانيا بتربة حرفية ممتازة. ونصف البلد تقريبا مغطى بتربة سوداء غنية يدعوها الاوكرانيون شِرنوزيم وتعني «الارض السوداء». وهذه
التربة، بالاضافة الى المناخ المعتدل، قد جعلت من اوكرانيا احدى اكثر المناطق الزراعية انتاجا في العالم، وهي تنتج الشمندر السكري، القمح، الشعير، الذرة، وغيرها من المحاصيل. ومنذ الازمنة القديمة تُعرف اوكرانيا بكونها «المنطقة المنتجة للحبوب» في اوروپا.تمتد اوكرانيا حوالي ٣٠٠,١ كيلومتر من الشرق الى الغرب و ٩٠٠ كيلومتر من الشمال الى الجنوب، وهي اكبر قليلا من فرنسا. وكما ترون على الخريطة في الصفحة ١٢٣، يقع البلد في اوروپا الشرقية، شمالي البحر الاسود. اوكرانيا الشمالية مزيّنة بالغابات. إلى الجنوب تمتد سهول خصبة غنية تظهر خلفها جبال القرم الجميلة. وفي الغرب، ترتفع وراء التلال جبال الكربات الشديدة الانحدار، وهي موطن سنَّور الوَشَق، الدببة، وبقر البَيْسون الوحشي.
يعيش في اوكرانيا ٥٠ مليون شخص تقريبا. انهم شعب متواضع، مضياف، ومجتهد. كثيرون يتكلمون الاوكرانية والروسية على السواء. وعندما تُدعون الى بيوتهم، يُقدَّم لكم على الارجح «البورْشت» (حساء الشمندر) و «الڤارِنيكي» (معجّنات مسلوقة). وبعد تناول وجبة ممتعة، قد تستمتعون بسماع الاغاني الشعبية، اذ ان اوكرانيين كثيرين يحبون الغناء والعزف على الآلات الموسيقية.
لقد عرف الشعب الاوكراني مختلف المعتقدات الدينية. ففي القرن العاشر، أُدخلت الديانة الأرثوذكسية الشرقية. لاحقا، جلبت الامبراطورية العثمانية الاسلام الى اوكرانيا الجنوبية. وفي القرون الوسطى، كان النبلاء الپولنديون ينشرون الكاثوليكية. وفي القرن العشرين، صار كثيرون ملحدين في ظل الشيوعية.
شهود يهوه موجودون في كل انحاء البلد. ولكن قبل الحرب العالمية الثانية، كان اغلبهم يعيشون في اوكرانيا الغربية التي كانت مقسمة الى اربع مقاطعات: ڤولين، هاليتشينا، ترانسكارپاثيا، وبوكوڤينا.
زرع بذار الحق في اوكرانيا
كان تلاميذ الكتاب المقدس، كما عُرف شهود يهوه سابقا، نشاطى في اوكرانيا منذ اكثر من قرن. وقد قام ت. ت. رصل، تلميذ قيادي للكتاب المقدس، بزيارة عدة بلدان في اوروپا والشرق الاوسط خلال رحلته الاولى الى الخارج في سنة ١٨٩١. وفي طريقه الى ما كان آنذاك القسطنطينية في تركيا زار أوديسّا في جنوبي اوكرانيا. ولاحقا، في سنة ١٩١١، ألقى سلسلة من الخطابات المبنية على الكتاب المقدس في مدن رئيسية في اوروپا، بما فيها مدينة لْڤوف في غربي اوكرانيا.
سافر الاخ رصل بالقطار ووصل الى لْڤوف، حيث استُؤجرت قاعة كبيرة تُعرَف ببيت الشعب لإلقاء محاضرته في ٢٤ آذار (مارس). تسعة اعلانات في سبع صحف محلية بالاضافة الى ملصقات كبيرة دعت الناس الى سماع الخطاب «الصهيونية في النبوة» الذي سيلقيه «الخطيب الشهير والمحترَم الآتي من نيويورك» — الراعي رصل. وقد خُطِّط ان يلقي الاخ رصل هذا الخطاب مرتين في ذلك اليوم. الا ان رابِّيا يهوديا من الولايات المتحدة يقاوم بشدة عمل رصل ابرق رسالة الى زملائه في لْڤوف مندّدا بتلاميذ الكتاب المقدس. وقد حرّك ذلك البعض ليحاولوا منع رصل من إلقاء خطابه.
مع ان القاعة كانت تغص بالناس في فترتي بعد الظهر والمساء، فقد كان المقاومون موجودين. ذكرت الصحيفة المحلية الپولندية، العصر الجديد: «عندما تلفظ مترجم [رصل] بكلماته الاولى، احدث الصهيونيون
جلبة ولم يدعوا المرسَل يتكلم بسبب صراخهم وصفيرهم. فاضطر الراعي رصل ان يترك المنصة. . . . وكان الشغب اكبر في خطاب الساعة الثامنة من ذلك المساء».ولكنّ كثيرين ارادوا سماع ما كان سيقوله الاخ رصل. كانوا مهتمين برسالته وطلبوا مطبوعات للكتاب المقدس. لاحقا، علّق الاخ رصل على زيارته للْڤوف. قال: «اللّٰه وحده يعلم ما هي مشيئته في ما يتعلق بتلك الاختبارات. . . . ان اهتياج [اليهود] حول الموضوع قد يجعل البعض يبحثون بشكل اعمق مما لو سمعونا نتكلم بطريقة لائقة ونظامية». ومع انه لم يكن هنالك تجاوب مباشر مع الرسالة، فقد زُرع بذار الحق، ولاحقا تشكلت عدة فرق لتلاميذ الكتاب المقدس، ليس فقط في لْڤوف بل في مناطق اخرى من اوكرانيا.
في سنة ١٩١٢، نشر مكتب تلاميذ الكتاب المقدس في المانيا اعلانا كبيرا في روزنامة رائجة في اوكرانيا. شجع الاعلان على قراءة المجلدات باللغة الالمانية دروس في الاسفار المقدسة. ونتيجة لذلك، تلقى المكتب في المانيا نحو ٥٠ رسالة من اشخاص في اوكرانيا يطلبون مجلدات دروس في الاسفار المقدسة واشتراكات في مجلة برج المراقبة. وظل المكتب على اتصال بالاشخاص المهتمين الى ان اندلعت الحرب في سنة ١٩١٤.
بعد الحرب العالمية الاولى، قُسمت اوكرانيا بين اربعة بلدان مجاورة. فاستولت روسيا الشيوعية على مقاطعات اوكرانيا الوسطى والشرقية ودمجتها في الاتحاد السوڤياتي. وقُسمت اوكرانيا الغربية بين ثلاثة بلدان اخرى. فضُمَّت منطقتا هاليتشينا وڤولين الى پولندا، بوكوڤينا الى رومانيا، وترانسكارپاثيا الى تشيكوسلوڤاكيا. وقد منحت هذه البلدان الثلاثة مقدارا من الحرية الدينية وسمحت لتلاميذ الكتاب المقدس بمواصلة تبشيرهم. وهكذا، زُرع اولا الكثير من بذار الحق الذي كان سيحمل ثمرا في غربي اوكرانيا.
البراعم الاولى
في اوائل القرن العشرين، سافرت عائلات كثيرة من اوكرانيا الى الولايات المتحدة بحثا عن حياة افضل. وقرأ البعض مطبوعاتنا المؤسسة على الكتاب المقدس وأرسلوها الى اقربائهم في اوكرانيا.
وتعرفت عائلات اخرى بتعاليم تلاميذ الكتاب المقدس، عادت الى موطنها، وبدأت تبشّر في قراها. فتشكلت عدة فرق لتلاميذ الكتاب المقدس ونمت لاحقا لتصير جماعات. وفي اوائل عشرينات الـ ١٩٠٠، زرع تلاميذ الكتاب المقدس الپولنديون بذار الحق في هاليتشينا وڤولين. في تلك الاثناء، ادخل الاخوة من رومانيا ومولداڤيا الحق الى منطقة بوكوڤينا.وقد وضع ذلك اساسا جيدا لنمو اضافي. ذكرت برج المراقبة عدد ١٥ كانون الاول (ديسمبر) ١٩٢١: «مؤخرا زار بعض اخوتنا [بوكوڤينا] . . . وكانت نتيجة زيارتهم التي دامت اسابيع قليلة سبعة صفوف منظمة وهم يدرسون الآن المجلدات وكراس ‹ظلال من المسكن›. وأحد هذه الصفوف يضم ٧٠ عضوا». سنة ١٩٢٢، في قرية كولينكيڤتسي في بوكوڤينا، قبِل ستيپان كولتسا الحق، اعتمد، وبدأ بالكرازة. وعلى حد علمنا، هو اول اخ يعتمد في اوكرانيا. وقد انضمت اليه لاحقا عشر عائلات. وحدث نمو مماثل في منطقة ترانسكارپاثيا. وبحلول سنة ١٩٢٥ كان هنالك حوالي ١٠٠ تلميذ للكتاب المقدس في قرية ڤيليكي لوتشكي والقرى المجاورة. بعد ذلك، بدأ الخدام كامل الوقت الاولون يكرزون في ترانسكارپاثيا، عاقدين اجتماعات في بيوت تلاميذ الكتاب المقدس. واعتمد اشخاص كثيرون.
يصف ألكسي داڤيديوك، شاهد منذ وقت طويل، كيف تعرّف الناس آنذاك بالحق. يقول: «في سنة ١٩٢٧، اخذ قروي احدى مطبوعاتنا الى قرية لانكوڤي في منطقة ڤولين. بعد ان قرأها عدة قرويين، صاروا فضوليين بشأن التعليمَين: نار الهاوية والنفس. وبما ان الكتاب تضمن عنوان مكتب تلاميذ الكتاب المقدس في لودز في پولندا، كتب القرويون رسالة يطلبون فيها ان يزور شخص ما قريتهم.
بعد شهر ذهب اخ ونظم فريقا لدرس الكتاب المقدس. فانضمت خمس عشرة عائلة الى هذا الفريق».كان مثل هذا الحماس للحق شائعا في تلك السنين الباكرة. تأملوا في كلمات التقدير المعبّر عنها في رسالة بُعثت من منطقة هاليتشينا الى المركز الرئيسي لتلاميذ الكتاب المقدس في بروكلين: «ان الكتب التي تنشرونها تشفي الكثير من جروح شعبنا وتقوده الى النور. ألتمس منكم ان ترسلوا الينا المزيد من هذه الكتب». كتب شخص مهتم آخر: «قررت الطلب منكم ان ترسلوا الينا مطبوعات لأنني لا استطيع الحصول عليها هنا. لقد حصل رجل من قريتنا على بضعة كتب منكم، ولكن الجيران انتزعوها منه. حتى انه لم يقدر ان يقرأها. وحاليا يزور القرويين محاولا استعادة كتبه».
لقد نتج من هذا الاهتمام المخلص تأسيس مكتب لتلاميذ الكتاب المقدس في شارع پَكارْسكا في لْڤوف. وتلقى المكتب الكثير من الطلبات من هاليتشينا وڤولين للحصول على مطبوعات، وأرسلها قانونيا الى بروكلين لتجري تلبيتها.
في اواسط عشرينات الـ ١٩٠٠، نما بالتأكيد بذار الحق في اوكرانيا الغربية. فقد نُظّمت فرق كثيرة لتلاميذ الكتاب المقدس، ولاحقا صار بعض منها جماعات. ومع انه لم تُحفظ سوى سجلات قليلة جدا لهذا النشاط الباكر، تُظهر التقارير الموجودة انه في سنة ١٩٢٢ احتفل ١٢ شخصا بالذِّكرى في هاليتشينا. وفي سنة ١٩٢٤، ذكرت مجلة برج المراقبة ان ٤٩ شخصا حضروا الذِّكرى في مدينة ساراتا في جنوبي اوكرانيا. وفي سنة ١٩٢٧، اكثر من ٣٧٠ شخصا حضروا الذِّكرى في ترانسكارپاثيا.
في وصف العمل في شتى بلدان العالم، نشرت برج المراقبة عدد ١ كانون الاول (ديسمبر) ١٩٢٥ ما يلي: «أُرسل اخ من اميركا هذه السنة الى اوكرانيا في اوروپا؛ . . . لقد أُنجز
الكثير بين الاوكرانيين في القسم الذي تسيطر عليه پولندا. وكان هنالك طلب كبير ومتزايد على المطبوعات هناك». وبعد عدة شهور ذكرت مجلة العصر الذهبي (الآن استيقظ!): «في ڠاليسيا [هاليتشينا] وحدها يوجد عشرون صفا [جماعة] . . . بعضها . . . نظّم وعقد اجتماعات في وسط الاسبوع؛ بعضها يجتمع فقط يوم الاحد، وبعضها في طور التنظيم. ويوجد امل في تشكيل المزيد من الصفوف؛ ولكن يلزم مدير ليديرها». لقد اشار كل ذلك ان تربة اوكرانيا، بمعنى روحي، خصبة جدا.خدمة الحقل الباكرة
اعتمد ڤويتخ تشيخي، من ترانسكارپاثيا، في سنة ١٩٢٣ وانخرط لاحقا في العمل الكرازي كامل الوقت في منطقة بيريهوڤيه. كان عادة يذهب للكرازة ومعه حقيبة مطبوعات بيده، حقيبة اخرى معلقة بدراجته، وحقيبة مليئة بالمطبوعات على ظهره. يروي: «عُيّنت لنا مقاطعة من ٢٤ قرية. كنا ١٥ ناشرا، وكان علينا ان نبذل جهدنا لنغطي هذه القرى بتوزيع المطبوعات مرتين في السنة. كنا كل يوم احد نجتمع معا في احدى القرى عند الساعة الرابعة صباحا. ومن هناك نمشي او نستقل الباص مسافة ١٥ الى ٢٠ كيلومترا الى المناطق المجاورة. كنا عادة نبدأ خدمتنا من بيت الى بيت عند الساعة ٠٠:٨ صباحا ونخدم حتى الساعة ٠٠:٢ بعد الظهر. ثم نرجع الى البيت في اغلب الاحيان سيرا على الاقدام، ونروي اختباراتنا بفرح في الاجتماع مساء ذلك اليوم نفسه. كنا نسلك طرقا مختصرة عبر الغابة ونعبر انهرا في الطقس الجيد والرديء، ولكن لم يكن
احد منا يتذمر. فقد اسعدنا ان نخدم خالقنا ونمجده. وكان الناس يرون ان الاخوة يعيشون فعلا كمسيحيين حقيقيين، مستعدين ان يمشوا ٤٠ كيلومترا تقريبا ليحضروا الاجتماعات او ليبشّروا.«في خدمتنا التقينا شتى الناس. ذات مرة قدمت كراس الملكوت، رجاء العالم لامرأة قالت انها ترغب في الحصول عليه ولكن ليس بحوزتها مال لتتبرع. كنت جائعا، فقلت ان بإمكانها الحصول على الكراس مقابل بيضة مقلية. فحصلت هي على الكراس، وأنا اكلت البيضة».
في موسم عيد الميلاد، كان سكان ترانسكارپاثيا يذهبون من بيت الى بيت ويرنمون ترانيم عن ولادة يسوع المسيح. فاغتنم الاخوة هذه العادة. وكانوا يأخذون مطبوعات في حقائبهم ويذهبون الى بيوت الناس ليرنموا ترانيم تعبّر عن ايمانهم! كثيرون تمتعوا بالالحان. وكان الاخوة يُدعون مرارا الى البيوت ويُطلب منهم ان يرنّموا المزيد من الترانيم. وفي بعض الاحيان يُعطَون مالا مقابل ترنيمهم، فكانوا بسرور يقدمون بالمقابل مطبوعات مؤسسة على الكتاب المقدس. وبهذه الطريقة غالبا ما كان يفرغ مخزن المطبوعات خلال موسم عيد الميلاد. وكانت حملات الترنيم هذه تدوم اسبوعين، اذ ان الكاثوليك الرومان والروم الكاثوليك يعيّدون الميلاد في اسبوعين مختلفين. ولكن بحلول النصف الثاني من عشرينات الـ ١٩٠٠، اذ اتضحت لتلاميذ الكتاب المقدس الاصول الوثنية لعيد الميلاد، توقفت حملات الترنيم. لقد تمتع الاخوة بفرح غامر في نشاطهم الكرازي المكثّف، واستمرت تتشكل فرق جديدة من الناشرين في ترانسكارپاثيا.
المحافل الاولى
في ايار (مايو) ١٩٢٦، عُقد اول محفل لتلاميذ الكتاب المقدس في منطقة ترانسكارپاثيا في قرية ڤيليكي لوتشكي. بلغ الحضور ١٥٠ شخصا، واعتمد ٢٠. وفي السنة التالية، حضر المحفل ٢٠٠ شخص
في الحديقة العامة في مدينة أُوجڠُراد الواقعة في المنطقة نفسها. وسرعان ما نُظمت محافل اخرى في شتى مدن ترانسكارپاثيا. في سنة ١٩٢٨، عُقد اول محفل في لْڤوف. ولاحقا عُقدت محافل اخرى في هاليتشينا وڤولين.في اوائل سنة ١٩٣٢، عُقد محفل في قرية سولوتڤينو، ترانسكارپاثيا، في فناء المنزل الذي يعقد فيه تلاميذ الكتاب المقدس اجتماعاتهم العادية. حضر حوالي ٥٠٠ شخص، بمن فيهم بعض الاخوة المسؤولين من المانيا. يروي ميخايلو تيلنياك، شيخ في الجماعة المحلية: «تمتعنا كاملا بالخطابات المحضرة جيدا التي قدمها الاخوة الآتون الى محفلنا من المانيا وهنڠاريا. وقد شجعونا، والدموع تملأ اعينهم، ان نبقى امناء تحت المحن القادمة». وقد اتت المحن القاسية مع ابتداء الحرب العالمية الثانية.
في سنة ١٩٣٧، استؤجر قطار بكامله لنقل المندوبين الى محفل
كبير في پراڠ في تشيكوسلوڤاكيا. انطلق من قرية سولوتڤينو وعبر في ترانسكارپاثيا، متوقفا عند كل محطة لنقل المندوبين. وعلى كل مقطورة وُجدت لافتة مذكور عليها «محفل شهود يهوه — پراڠ». كانت تلك شهادة ممتازة للناس في تلك المنطقة، ولا يزال الاكبر سنا يتذكرون ذلك الحدث حتى الآن.بناء اماكن للعبادة
اذ تشكلت اولى فرق تلاميذ الكتاب المقدس نشأت حاجة الى بناء اماكنهم الخاصة للعبادة. فبُني اول مكان للاجتماع في قرية ديبروڤا في ترانسكارپاثيا سنة ١٩٣٢. ولاحقا بُنيت قاعتان اخريان في القريتين المجاورتين سولوتڤينو وبيللا تْسيركڤا.
على الرغم من ان بعض هذه القاعات دُمر خلال الحرب والبعض صودر، حافظ الاخوة على الرغبة في حيازة قاعات ملكوت خاصة بهم.
وحاليا، توجد ٨ قاعات ملكوت في قرية ديبروڤا و ١٨ قاعة ملكوت في ست قرى مجاورة.تطور عمل الترجمة
في نهاية القرن الـ ١٩ وبداية القرن الـ ٢٠، هاجرت عائلات كثيرة من اوكرانيا الى الولايات المتحدة وكندا. فاعتنق بعضهم الحق في بلدانهم الجديدة، وتشكلت عدة فرق ناطقة بالاوكرانية. وفي سنة ١٩١٨، نُشر كتاب نظام الدهور الالهي باللغة الاوكرانية. ولكن كان يلزم فعل المزيد لتزويد الطعام الروحي للذين يتكلمون الاوكرانية في اوكرانيا والخارج. وفي اوائل عشرينات الـ ١٩٠٠، بانت الحاجة الى اخ كفء ليترجم مطبوعات الكتاب المقدس على اساس قانوني. في سنة ١٩٢٣، قبِل إميل زاريتسكْيه، الذي كان يعيش في كندا، الدعوة الى الانخراط في الخدمة كامل الوقت. بالنسبة اليه شمل ذلك بشكل رئيسي ترجمة مطبوعات الكتاب المقدس بالاوكرانية. وقد زار الفرق الناطقة بالاوكرانية، الپولندية، والسلوڤاكية في كندا والولايات المتحدة.
وُلد إميل زاريتسكْيه قرب مدينة سوكال في اوكرانيا الغربية وانتقل لاحقا مع والديه الى كندا. تزوج هناك فتاة من اوكرانيا تُدعى ماريّا. ومعا ربّيا خمسة اولاد. ومع انه كانت تقع على عاتقهما مسؤوليات عائلية ثقيلة، فقد تمكنا من اتمام تعييناتهما الثيوقراطية. وفي سنة ١٩٢٨، اشترت جمعية برج المراقبة بيتا في وينِّيپيڠ بكندا كان المركز الرئيسي لعمل الترجمة بالاوكرانية.
في تلك الايام الباكرة، استخدم الاخوة في خدمتهم من بيت الى بيت فونوڠرافات قابلة للحمل مع اسطوانات لخطابات مؤسسة على الكتاب المقدس. فدُعي الاخ زاريتسكْيه الى بروكلين لتسجيل تلك الخطابات بالاوكرانية. وفي ثلاثينات الـ ١٩٠٠، أُعدّت بالاوكرانية عدة برامج راديوية مدتها نصف ساعة في الاذاعة في وينِّيپيڠ. وفي تلك
البرامج الاذاعية، قدّم الاخ إميل زاريتسكْيه وإخوة ذوو خبرة آخرون خطابات عامة مهمة. وقد رافقت تلك الخطابات ترانيم بتوافق اربع طبقات صوتية من كتاب الترانيم الذي نُشر في سنة ١٩٢٨. وتجاوب المستمعون الشاكرون بمئات الرسائل والاتصالات الهاتفية.طوال ٤٠ سنة تمّم بأمانة إميل زاريتسكْيه وزوجته ماريّا تعيينهما كمترجمَين. وخلال ذلك الوقت، تُرجمت بالاوكرانية كل اعداد برج المراقبة. وفي سنة ١٩٦٤، عُيّن موريس سارانتشوك للاشراف على عمل الترجمة، وقد كان الاخ سارانتشوك وزوجته آن يساعدان الاخ زاريتسكْيه طوال عدة سنين.
وصول المساعدة الروحية
مع ان بعض الناشرين الغيورين زرعوا افراديا بذار الحق وسقوها في اوكرانيا، لم يبدإ العمل الكرازي المنظم حتى سنة ١٩٢٧ في ترانسكارپاثيا ولاحقا في هاليتشينا. قبل ذلك وُزّع عدد كبير من الكتب والكراريس بالرومانية، الهنڠارية، الپولندية، والاوكرانية، رغم انه لم يكن يُقدَّم تقرير عن نشاط الكرازة. وبدأت الفرق المنعزلة تنظَّم في جماعات، وباشر الناشرون بالكرازة قانونيا من بيت الى بيت.
ووزِّع الكثير من مطبوعات الكتاب المقدس في تلك السنوات. وفي سنة ١٩٢٧، افتُتح اول مخزن للمطبوعات في اوكرانيا في مدينة أُوجڠُراد في ترانسكارپاثيا. وفي سنة ١٩٢٨، عُيّن المكتب في ماڠدَبورڠ في المانيا ليهتم بالجماعات وموزّعي المطبوعات الجائلين في مقاطعة ترانسكارپاثيا التي كانت آنذاك جزءا من تشيكوسلوڤاكيا.في سنة ١٩٣٠، تأسس مكتب في مدينة بيريهوڤيه قرب أُوجڠُراد للاشراف على عمل تلاميذ الكتاب المقدس في ترانسكارپاثيا. وعُيّن ڤويتخ تشيخي ناظرا لذلك المكتب. وقد كان هذا الترتيب الجديد نافعا جدا لعمل الكرازة.
وأظهر عدة اخوة من المكتبَين في پراڠ وماڠدَبورڠ روح التضحية بالذات، اذ غالبا ما كانوا يسافرون مسافات طويلة الى جبال الكربات للكرازة ببشارة ملكوت اللّٰه في المناطق النائية في تلك المنطقة الجميلة. كان ادولف فيتسكي من مكتب فرع ماڠدَبورڠ احد اولئك الاخوة الغيورين. وقد أُرسل ليبشر في منطقة راخيڤ في جبال الكربات. ولا يزال الكثير من الاخوة المحليين يتذكرون بإعزاز ذلك الاخ الامين، المحتشم، وغير المتطلب. وفي سنة ٢٠٠١، وُجدت اربع جماعات في تلك المنطقة.
خلال ثلاثينات الـ ١٩٠٠،
عُرضت «رواية الخلق المصوَّرة» في الكثير من المدن والقرى في ترانسكارپاثيا. والرواية المصوَّرة هذه هي عرض طوله ثماني ساعات لصور منزلقة ومتحركة، متزامنة مع تعليقات مؤسسة على الكتاب المقدس مسجَّلة على اسطوانات الفونوڠراف. وقد أُرسل إريك فروست من المانيا لمساعدة الاخوة المحليين على عرض هذه الرواية المصوَّرة. قبل البرنامج وزّع الاخوة كراسات واستخدموا ملصقات لدعوة الناس الى العرض. كان الاهتمام كبيرا. ففي مدينة بيريهوڤيه، اجتمع حشد كبير جدا بحيث اضطر اكثر من الف شخص ان ينتظروا في الشارع. وعندما رأت الشرطة الجموع الكثيرة، خشوا ان تعم الفوضى وألا يتمكنوا من ضبطها. ففكروا في إلغاء الحدث، ولكنهم عدلوا عن ذلك. بعد العرض، اعطى أناس كثيرون عناوينهم لأنهم ارادوا مشاهدة «رواية الخلق المصوَّرة» ثانية. وقد حث هذا الاهتمام القادة الدينيين المحليين ليستعملوا كل وسيلة ممكنة لإعاقة عمل الكرازة بالبشارة. رغم ذلك، استمر يهوه اللّٰه يبارك العمل وينجحه.خلال عشرينات وثلاثينات الـ ١٩٠٠، كانت منطقتا ڤولين وهاليتشينا تحت اشراف فرع پولندا في لودز. وفي سنة ١٩٣٢، ركز الاخوة من پولندا اهتمامهم على تينك المقاطعتين، قائمين بزيارات مكررة للمشتركين في برج المراقبة الذين تلقوا عناوينهم من بروكلين.
يتذكر ڤيلْهَلْم شايْدر، الذي كان آنذاك ناظر مكتب پولندا: «اعتنق الاوكرانيون الحق بحماس كبير. وكالفطر بعد المطر، ظهرت فجأة فرق المهتمين في مدن وقرى هاليتشينا. وفي بعض الاحيان كبرت هذه الفرق لدرجة انها شملت مجتمعات بكاملها».
مع ان اغلبية الاخوة فقراء، فقد ضحوا كثيرا للحصول على المطبوعات وأسطوانات الفونوڠرافات التي تساعدهم ليكرزوا وينموا روحيا. ميكولا ڤولوتْشييه، الذي اعتمد في سنة ١٩٣٦، باع احد حصانيه ليشتري فونوڠرافا. تخيلوا ما يعنيه ان يبيع المزارع حصانه! فعلى الرغم من ان عليه اعالة اولاده الاربعة، توصل الى الاستنتاج ان بإمكانه تدبر امره بوجود حصان واحد. ومن خلال الخطابات المؤسسة على الكتاب المقدس وترانيم الملكوت باللغة الاوكرانية المسجّلة على الفونوڠراف الذي اشتراه تعرف جدد كثيرون بيهوه وصاروا يخدمونه.
قال ڤيلْهَلْم شايْدر موضحا الزيادة الكبيرة في عدد الناشرين في هاليتشينا وڤولين في ثلاثينات الـ ١٩٠٠: «في سنة ١٩٢٨ وصل عدد الناشرين في پولندا الى ٣٠٠، ولكن في سنة ١٩٣٩ كان هنالك اكثر من ١٠٠,١ ناشر، نصفهم اوكرانيون رغم ان العمل ابتدأ في منطقتهم (هاليتشينا وڤولين) في وقت لاحق».
للاهتمام بهذه الزيادات، أُرسل ليودڤيك كينيتسكي من فرع پولندا الى هاليتشينا وڤولين كناظر جائل للمساعدة في عمل الكرازة. كانت عائلته من تشورتكيڤ في هاليتشينا قد هاجرت الى الولايات المتحدة في بداية القرن العشرين. وهناك تعلم الاخ كينيتسكي الحق. لاحقا، عاد الى موطنه لمساعدة الاشخاص المخلصين هناك. كثيرون من الاخوة والاخوات لن ينسوا ابدا المساعدة الروحية التي نالوها من هذا الخادم الغيور.
وعندما حُظرت الطبعة الپولندية من العصر الذهبي في خريف سنة ١٩٣٦ وحُكم على محرّرها بالسجن سنة، عُيّن الاخ كينيتسكي محرّرا لمجلة اليوم الجديد (بالپولندية)، التي نُشرت مكان المجلة المحظورة. وفي سنة ١٩٤٤، اوقفه الڠستاپو ونقلوه الى معسكر اعتقال ماوتهاوزن-ڠوزِن حيث مات امينا ليهوه.اللّٰه يجتذب شتى الناس
في بداية عشرينات الـ ١٩٠٠، عاد تلميذ للكتاب المقدس اسمه رولا الى مسقط رأسه في زولوتْيه پوتيك في هاليتشينا. وبدأ يكرز بالبشارة مستعملا كتابه المقدس. دعاه الناس مجنونا لأنه دمر كل تماثيله الدينية. حاول الكاهن المحلي ان يمنع رولا من الكرازة. فزار رجل شرطة وقال: «اذا فعلت شيئا لتمنع رولا من المشي، اعطيك لترا من الوسكي». فأجاب رجل الشرطة ان وظيفته لا تقتضي ضرب الناس. لاحقا بدأ رولا يتلقى طرود مطبوعات من الاخوة في الولايات المتحدة. فاقترب الكاهن ثانية من رجل الشرطة وأخبره ان طردا يحتوي مطبوعات شيوعية وصل الى مكتب البريد. في اليوم التالي، كان رجل الشرطة ينتظر عند مكتب البريد ليرى مَن سيتسلم الطرد. بالطبع كان رولا مَن سيتسلم الطرد. فأخذ رجل الشرطة رولا الى مركز الشرطة واستدعى الكاهن ايضا. صاح الكاهن ان الكتب هي
من ابليس. فأرسل رجل الشرطة قسما من المطبوعات الى المحكمة المحلية ليُقرَّر هل تتضمن تعاليم شيوعية. واحتفظ بالباقي لنفسه. وإذ قرأ المطبوعات، ادرك انها تحتوي على الحق. وسرعان ما بدأ هو وزوجته بحضور اجتماعات تلاميذ الكتاب المقدس. اعتمد لاحقا وصار ناشرا غيورا. وهكذا فيما كان الكاهن يحاول جاهدا ايقاف عمل التلمذة، شجع عن غير قصد ليودڤيك روداك على اعتناق الحق.في ذلك الوقت تقريبا، انتقل كاهن مع زوجته وهو من الروم الكاثوليك من لْڤوف الى الولايات المتحدة. بُعيد ذلك ماتت زوجته. وإذ كان حزينا، قرر ان يعرف اين ذهبت نفس زوجته. فحصل على عنوان بعض محضّري الارواح في نيويورك. وبينما هو يبحث عن مكان اجتماعهم، قصد خطأً طابقا آخر في المبنى ووجد نفسه في اجتماع لتلاميذ الكتاب المقدس. وهناك عرف الحقيقة عن حالة الموتى. اعتمد لاحقا وعمل فترة من الوقت في مصنع الطباعة في بيت ايل بروكلين. وبعد مدة عاد الى هاليتشينا واستمر يكرز بالبشارة بغيرة.
شعاع نور في اوكرانيا الشرقية
كما رأينا، حدث الكثير من نشاط الكرازة الباكر في اوكرانيا الغربية. فكيف وصل الحق الى سائر انحاء البلد؟ هل كانت تلك التربة الروحية ستنتج حصادا وافرا كما انتجت في اوكرانيا الغربية؟
في اوائل القرن العشرين، اتى الاخ ترومپي، تلميذ للكتاب المقدس من سويسرا، للعمل كمهندس في منطقة لتعدين الفحم في اوكرانيا الشرقية. ويُعرف انه اول تلميذ للكتاب المقدس في تلك المنطقة. وقد ادى نشاطه الكرازي في عشرينات الـ ١٩٠٠ الى تشكيل فريق لدرس الكتاب المقدس في قرية ليوبيميڤسكي پوست، قرب مدينة خاركوف.
في سنة ١٩٢٧، اتى اخ آخر من اوروپا الغربية للعمل كمهندس في منجم فحم في قرية كالينيڤكا. فجلب معه حقيبة مليئة بمطبوعات الكتاب المقدس، وقد استعملها في الكرازة لفريق صغير من المعمدانيين اظهروا اهتماما كبيرا برجاء الملكوت. بعد مدة عاد هذا الاخ الى موطنه، تاركا وراءه فريقا صغيرا من اشخاص كانوا قد صاروا من تلاميذ الكتاب المقدس. وذكرت برج المراقبة سنة ١٩٢٧ ان ١٨ شخصا اتوا معا الى كالينيڤكا لحضور الذِّكرى. وفي قرية يپيفانيڤكا المجاورة حضر ١١ شخصا. بالاضافة الى ذلك، حضر ٣٠ شخصا الذِّكرى تلك السنة في ليوبيميڤسكي پوست.
واستمر الاخوة من المركز الرئيسي في بروكلين في الاهتمام بالتطورات في الاتحاد السوڤياتي، محاولين تثبيت عمل الكرازة بالملكوت قانونيا. فأتى اخ كندي، جورج يونڠ، في سنة ١٩٢٨ الى الاتحاد السوڤياتي وفي باله هذا الهدف. وخلال اقامته هناك، تمكن من زيارة مدينة خاركوف في اوكرانيا الشرقية، حيث نظم محفلا صغيرا من ثلاثة ايام مع الفريق المحلي من تلاميذ الكتاب المقدس. لاحقا اجبرته المقاومة من السلطات على مغادرة البلد. وأشار الى انه كان يوجد آنذاك فريقان من تلاميذ الكتاب المقدس في كييڤ وأوديسّا.
اطلع الاخ يونڠ بروكلين على الوضع في الاتحاد السوڤياتي. ووفقا لتوصيته، عُيّن دانْييل ستاروخين من اوكرانيا ليمثّل تلاميذ الكتاب المقدس ليس فقط في اوكرانيا بل ايضا في كامل الاتحاد السوڤياتي. قبل عدة سنوات من زيارة جورج يونڠ، تمكن الاخ ستاروخين من الدفاع عن الكتاب المقدس في مناقشة مع اناتولي لوناتشارسكي، الذي كان آنذاك رئيس دائرة التربية في الاتحاد السوڤياتي. وفي رسالة الى ج. ف. رذرفورد، من الفرع الرئيسي في بروكلين، كتب الاخ يونڠ: «دانْييل ستاروخين غيور ونشيط. عندما كان حدثا في الـ ١٥ من
عمره، كانت له مناقشة مع احد الكهنة في ما يتعلق بالكتاب المقدس. فاغتاظ الكاهن لدرجة انه رفع صليبه وضرب به الفتى على رأسه، طارحا اياه فاقد الوعي على الارض؛ ولا تزال العلامة ظاهرة على رأسه. كان من الممكن ان يُشنق دانْييل، ولكن لكونه قاصرا حُكم عليه بالسجن اربعة اشهر فقط». مع ان الاخ ستاروخين حاول تسجيل الجماعة المحلية والحصول على اذن رسمي لطبع مطبوعات الكتاب المقدس بالاوكرانية، لم تسمح له السلطات السوڤياتية بذلك.في اواخر عشرينات الـ ١٩٠٠ وفي ثلاثينات الـ ١٩٠٠، دعت السلطات السوڤياتية بحماس الى الالحاد. فكان يُسخر من الدين ويُعتبر الذين يكرزون للآخرين «اعداء الوطن الام». وبعد حصاد وافر في سنة ١٩٣٢، صادر الشيوعيون كل المواد الغذائية من المزارعين في اوكرانيا. فمات اكثر من ستة ملايين شخص بسبب المجاعة المفروضة.
تشير التقارير ان الفرق الصغيرة من خدام يهوه حافظوا على استقامتهم خلال تلك الاوقات الصعبة، مع انه لم يكن لديهم اي اتصال بالاخوة خارج البلد. وأمضى البعض منهم سنوات عديدة في السجن بسبب ايمانهم. وعائلة ترومپي، عائلة هاوسر، دانْييل ستاروخين، اندرييه ساڤينكو، والاخت شاپوڤالوڤا ليسوا سوى قليلين من اولئك المحافظين على الاستقامة. ونحن واثقون ان يهوه لن ‹ينسى عملهم والمحبة التي اظهروها نحو اسمه›. — عبرانيين ٦:١٠.
وقت امتحان قاسٍ
وسمت نهاية ثلاثينات الـ ١٩٠٠ تغييرات كبيرة في حدود الكثير من البلدان في اوروپا الشرقية. فألمانيا
النازية والاتحاد السوڤياتي وسّعا نطاق نفوذهما لابتلاع البلدان الاضعف.في آذار (مارس) ١٩٣٩، قامت هنڠاريا، بمساندة المانيا النازية، باحتلال ترانسكارپاثيا. وفُرض حظر على نشاط شهود يهوه، وأُقفلت قاعات الملكوت. كما عاملت السلطات الاخوة بقسوة وأرسلت كثيرين الى السجن. وسُجن اغلب الشهود من القريتين الاوكرانيتين ڤيليكْيه بيتشكيڤ وكوبيليتسكا پوليانا.
عندما وصل السوڤيات الى مقاطعة هاليتشينا وڤولين في سنة ١٩٣٩، كانت الحدود الغربية لأوكرانيا قد أُقفلت. وبالتالي فُقد الاتصال بمكتب پولندا. بعد ابتداء الحرب العالمية الثانية صارت الهيئة
تعمل في الخفاء. وصار الاخوة يجتمعون في فرق صغيرة تُدعى حلقات ويتابعون خدمتهم بحذر اكبر.لاحقا اجتاح الجيش النازي اوكرانيا. وخلال الاحتلال الالماني، بدأ رجال الدين يحرّضون الجموع ضد شعب يهوه. وفي هاليتشينا اندلع اضطهاد عنيف. فحُطمت النوافذ في بيوت شهود يهوه، وضُرب العديد من الاخوة بشراسة. وفي الشتاء أُجبر بعض الاخوة على الوقوف في مياه باردة طوال ساعات لأنهم لم يرسموا اشارة الصليب. كما تلقت بعض الاخوات ٥٠ ضربة بالعصا. وخسر عدد من الاخوة حياتهم وهم محافظون على استقامتهم. على سبيل المثال، اعدم الڠستاپو إيليا هوڤوتشاك، خادم كامل الوقت من جبال الكربات. وكان قد سلّمه كاهن كاثوليكي الى الڠستاپو لأن الاخ هوڤوتشاك كرز بغيرة عن ملكوت اللّٰه. كان وقت امتحان قاسٍ. الا ان خدام يهوه بقوا ثابتين.
وقد ساعد شهود يهوه واحدهم الآخر، مع ان ذلك كان محفوفا بالمخاطر في اغلب الاحيان. ففي مدينة ستانسلاف (الآن إيڤانو-فرانكيفسك) صارت امرأة من اصل يهودي وابنتاها من الشهود. وكن يعشن في حيّ يهودي. علم الاخوة ان النازيين يخططون لإعدام كل اليهود في المدينة، فرتبوا ان تهرب الاخوات الثلاث. وإذ خاطر الشهود بحياتهم، خبأوا هؤلاء الاخوات اليهوديات خلال فترة الحرب بكاملها.
خلال الحرب العالمية الثانية فقدَ الاخوة في اوكرانيا الغربية الاتصال مؤقتا بالهيئة ولم يكونوا على ثقة اي منحى يسلكون. فظن البعض ان بداية الحرب العالمية الثانية عنت بداية هرمجدون. وقد ادى هذا التعليم الى سوء فهم بين الاخوة فترة من الوقت.
بذار ينمو في ساحة القتال
جلبت الحرب العالمية الثانية الحزن والخراب لأوكرانيا. فطوال ثلاث سنوات تحول البلد الى ساحة قتال كبيرة. وإذ كانت جبهة القتال تنتقل من مكان الى آخر في المقاطعة الاوكرانية، اولا الى الشرق ثم الى الغرب، دُمر كليا الكثير من المدن والقرى. وقُتل حوالي عشرة ملايين مواطن اوكراني خلال تلك السنوات، بمن فيهم خمسة ملايين ونصف مدني. وفي فظائع الحرب، خاب امل كثيرين في الحياة وتجاهلوا المقاييس الادبية. ولكن حتى في هذه الظروف تعلم البعض الحق.
في سنة ١٩٤٢، استُدعي ميخايلو دان للانضمام الى الخدمة العسكرية، وهو حدث من ترانسكارپاثيا كان يتمتع بالاصغاء الى شهود يهوه قبل الحرب العالمية الثانية. خلال تدريب عسكري، وزع كاهن كاثوليكي على الجنود كراسة دينية تحتوي على وعد الحياة في السماء لمن يقتل شيوعيا واحدا على الاقل. فحيّرت هذه المعلومات الجندي الشاب. وخلال الحرب، رأى رجل دين يقتل الناس. فأقنعه ذلك بأن شهود يهوه يملكون الحق. بعد الحرب، عاد الى بيته، وجد شهود يهوه، واعتمد في نهاية سنة ١٩٤٥.
عانى الاخ دان لاحقا فظائع السجون السوڤياتية. وبعد اطلاق سراحه، عُيّن شيخا، وهو يخدم الآن كناظر مشرف في احدى جماعات ترانسكارپاثيا. اذ يتذكر الكراسة المذكورة آنفا، يقول بسخرية: «لم اقتل شخصا شيوعيا. ولذلك لا اتوقع العيش في السماء، ولكنني اتطلع الى العيش الى الابد في الفردوس على الارض».
التربة الخصبة تثمر في معسكرات الاعتقال
كما ذُكر في البداية، يمكن ان تُنتج التربة الغنية محاصيل وافرة. لذلك قامت المانيا النازية خلال فترة الاحتلال بنقل الارض السوداء
الخصبة من اوكرانيا. فمُلئت مقطورة بعد اخرى بالتربة الخصبة من وسط اوكرانيا وأُرسلت الى المانيا.ومن ناحية ثانية، احتوت مقطورات اخرى ما صار لاحقا تربة خصبة، اذا جاز التعبير. فحوالي مليونين ونصف من الشبان والشابات نُقلوا من اوكرانيا للعمل بالسخرة في المانيا. وعدد كبير منهم صار لاحقا في معسكرات الاعتقال. وهناك تعرفوا بالشهود الالمان، الذين كانوا مسجونين بسبب حيادهم المسيحي. حتى في معسكرات الاعتقال، لم يتوقف الشهود عن الكرازة بالبشارة للآخرين، بكلامهم وسلوكهم. تتذكر احدى السجينات: «اختلف الشهود عن البقية في معسكر الاعتقال. فقد كان موقفهم وديّا ومتفائلا. وأظهر تصرفهم ان لديهم امرا مهما جدا ليقولوه للسجناء الآخرين». وخلال تلك السنوات، اناس كثيرون من اوكرانيا تعرّفوا بالحق من شهود ألمان كانوا معهم في معسكرات الاعتقال.
تعرّفت اناستاسيا كازاك بالحق في معسكر اعتقال شتوتهوف في المانيا. وفي نهاية الحرب، نُقل عدة مئات من السجناء بمن فيهم اناستاسيا و ١٤ شاهدا في مراكب لنقل البضائع الى الدانمارك، حيث بحث عنهم الاخوة الدانماركيون
واهتموا بحاجاتهم الجسدية والروحية. في تلك السنة عينها اعتمدت اناستاسيا بعمر ١٩ سنة في محفل في كوپنهاڠن وعادت الى موطنها في اوكرانيا الشرقية، حيث عملت بغيرة في زرع بذار الحق. لاحقا، بسبب نشاطها الكرازي، سُجنت الاخت كازاك ثانية ١١ سنة.وهذه هي نصيحتها للأحداث: «مهما يحدث في حياتكم — ضيق، اضطهاد، او مشاكل اخرى — فلا تستسلموا. داوموا على طلب مساعدة يهوه. وكما اكتشفتُ، فإنه لا يتخلى عن الذين يخدمونه». — مزمور ٩٤:١٤.
مِحَن الحرب
ان الحرب قاسية ووحشية، ولا ينتج عنها سوى الشدة، الالم، والموت للجنود والمدنيين. وشهود يهوه ليسوا مستثنين من معاناة الامور المروّعة التي تسببها الحرب. وعلى الرغم من انهم موجودون في العالم فهم ليسوا جزءا منه. (يوحنا ١٧:١٥، ١٦) فتمثلا بقائدهم يسوع المسيح، يحافظون على حياد سياسي تام. وهذا الموقف يفرز الشهود في اوكرانيا، كما في اي مكان آخر، بصفتهم مسيحيين حقيقيين. وفي حين ان العالم يُكرم ابطاله في الحرب، الاحياء والاموات، فإن يهوه يكرم الذين يُثبتون بشجاعة ولاءهم له. — ١ صموئيل ٢:٣٠.
في نهاية سنة ١٩٤٤، عادت القوات السوڤياتية واحتلت اوكرانيا الغربية وأعلنت عن التجنيد العسكري الالزامي الشامل. وفي الوقت نفسه، حاربت فرق انصار اوكرانيا ضد القوات الالمانية والسوڤياتية. وضُغط على سكان اوكرانيا الغربية للانضمام الى صفوف الانصار. كل ذلك شكّل محنا جديدة لخدام يهوه في المحافظة على حيادهم. وبسبب رفضهم القتال، أُعدم عدد من اخوتنا.
لقد عرّف إيليا هوڤوتشاك إيڤان ماكسيميوك وابنه ميخايلو على الحق. خلال الحرب رفض الاب وابنه حمل السلاح، فاحتجزهما الانصار. وقبل فترة كان هؤلاء قد احتجزوا ايضا جنديا سوڤياتيا. فأمر الانصار إيڤان ماكسيميوك ان يقتل الجندي الاسير، قائلين انه اذا فعل ذلك يطلقون سراحه. عندما رفض الاخ ماكسيميوك، قتلوه بعد ان تلذذوا بعذابه. وقُتل ابنه ميخايلو بالطريقة نفسها، كما قُتل ايضا يوري فْرييوك وابنه ميكولا البالغ من العمر ١٧ سنة.
أُعدم ايضا اخوة آخرون لأنهم رفضوا الانضمام الى الجيش السوڤياتي. (اشعياء ٢:٤) وآخرون حُكم عليهم بالسجن عشر سنوات. كانت فرص نجاة الاخوة المسجونين ضئيلة جدا، لأنه خلال فترة ما بعد الحرب في اوكرانيا، حتى الاشخاص الاحرار كانوا يموتون جوعا. في سنة ١٩٤٤، سُجن ميكيل داسيڤيتش بسبب حياده. وقبل سجنه عشر سنوات، خضع لاستجواب مدة ستة اشهر، الامر الذي ادى الى إنهاكه كليا. فوصفت له اللجنة الطبية في السجن «حمية عالية السُّعرات». فبدأ عمّال مطبخ السجن بإضافة ملعقة صغيرة من الزيت الى حصته من الحساء — الطعام الوحيد الذي كان يُعطى له. نجا الاخ داسيڤيتش وخدم في ما بعد ٢٣ سنة في لجنة البلد في الاتحاد السوڤياتي ولاحقا في لجنة البلد في اوكرانيا.
في سنة ١٩٤٤، رفض سبعة اخوة من جماعة واحدة في بوكوڤينا الانضمام الى الجيش. فحُكم على كل منهم ما يتراوح بين ثلاث وأربع سنوات في السجن حيث مات اربعة منهم جوعا. وفي تلك السنة ايضا حُكم على خمسة اخوة من جماعة مجاورة بعشر سنوات في معسكر للسجناء في سيبيريا. واحد منهم فقط عاد الى بيته — والآخرون ماتوا هناك.
ذكر الكتاب السنوي لعام ١٩٤٧ معلّقا على ما جرى من احداث: «عندما دُفع الوحش النازي غربا في سنة ١٩٤٤، حُشد . . . كل الرجال القادرين على حمل السلاح في اوكرانيا الغربية لإمالة كفة الحرب نحو روسيا. مرة اخرى حافظ اخوتنا على قدسية العهد الابدي وعلى حيادهم. وقد خسر عدد منهم حياتهم بسبب امانتهم للرب، وآخرون — كانوا هذه المرة اكثر من ٠٠٠,١ — نُقلوا شرقا الى السهول الشاسعة في هذه القارة الضخمة».
على الرغم من هذا الترحيل الضخم، استمر شهود يهوه يزدادون في العدد. وفي سنة ١٩٤٦، حضر الذِّكرى في اوكرانيا الغربية ٢١٨,٥ شخصا، بمن فيهم اربعة ممسوحين.
راحة مؤقتة
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كرز الاخوة — الذين قاسوا كل الشدائد وبقوا اولياء للّٰه — برسالة رجاء وتشجيع مدوّية للعائدين من ساحة القتال. فالجنود وكذلك سجناء الحرب عادوا الى موطنهم خائبي الامل ولكن توّاقين الى ايجاد معنى في الحياة. فاعتنق كثيرون حق الكتاب المقدس بفرح. على سبيل المثال، في اواخر سنة ١٩٤٥ في قرية بيللا تْسيركڤا في ترانسكارپاثيا اعتمد ٥١ شخصا في نهر تيزا. وفي نهاية السنة، وُجد ١٥٠ ناشرا في تلك الجماعة.
في ذلك الوقت، كان قد نشأ كره متبادل بين الاوكرانيين والپولنديين في اوكرانيا الغربية وفي پولندا الشرقية. وتشكل عدد من العصابات الاوكرانية والپولندية. وفي بعض الحالات قتلت هذه العصابات سكان قرى بكاملها حيث يعيش اشخاص من القومية الاخرى. وللأسف، مات بعض الاخوة في تلك المذابح.
لاحقا، بموجب اتفاق بين الاتحاد السوڤياتي وپولندا، نُقل نحو ٠٠٠,٨٠٠ پولندي من اوكرانيا الغربية الى پولندا ونحو ٠٠٠,٥٠٠ اوكراني من شرقي پولندا الى اوكرانيا. وكان بين المهاجرين شهود كثيرون. جماعات بكاملها نُقلت، وتلقى الاخوة تعيينات ثيوقراطية جديدة، معتبرين ان هذا الترحيل فرصة للبشارة في مقاطعات جديدة. علّق الكتاب السنوي لعام ١٩٤٧: «لقد ساهم كل هذا الترحيل في نشر الحق بسرعة في مناطق يصعب الوصول اليها في الاحوال العادية. وقد لعبت حتى هذه الظروف الاليمة دورا في تمجيد اسم يهوه».
عندما أُقفلت الحدود الغربية لأوكرانيا، اتّخذ الاخوة خطوات لتنظيم نشاطات شهود يهوه في اوكرانيا وباقي الاتحاد السوڤياتي. وكان پاڤلو زياتِك قد عُيّن خادم البلد في اوكرانيا وباقي الاتحاد السوڤياتي. لاحقا، عُيّن أخَوان غيوران آخران ليساعداه: ستانيسلاڤ بوراك، وپيترو توكار. كانا يعيشان سرّا في بيت اخت مسيحية في لْڤوف ويطبعان المطبوعات بحيث يؤمّن الطعام الروحي لكامل الاتحاد السوڤياتي. كانت هنالك مخاطرة كبيرة في جلب المطبوعات من پولندا
حتى تُترجم وتُطبع في لْڤوف. ومن وقت الى آخر، كان عدد من الاخوة والاخوات يتمكنون من الحصول على اذن في زيارة اقربائهم في پولندا، وفي طريق العودة يُدخلون مطبوعاتنا سرّا. وطوال فترة من الوقت نقل سائق قطار المطبوعات في صندوق معدني مخبإ داخل غلّاية البخار!في نهاية سنة ١٩٤٥، أُوقف الاخ زياتِك وحُكم عليه بالسجن عشر سنوات. فحل محله الاخ بوراك كخادم للبلد.
الاضطهاد ثانية
في حزيران (يونيو) ١٩٤٧، فيما كان اخ ينقل مطبوعات ليسلّمها للاخوة، أُوقف في الشارع في لْڤوف واعتُقل. وعرض عليه سلك الامن ان يسجّل هيئتنا شرعيا اذا اعطى عناوين الشهود الذين يسلّمهم مطبوعات قانونيا. وثق الاخ بهم وأعطاهم عناوين حوالي ٣٠ اخا، بمن
فيهم الاخ بوراك، خادم البلد في ذلك الوقت. لاحقا أُوقفوا كلهم. اما بالنسبة الى هذا الاخ فقد تاب بإخلاص واعترف انه وضع ثقة لا مبرر لها في سلك الامن.أُخذ الاخوة الموقوفون الى سجن في كييڤ لمزيد من الاستجواب وجلسات استماع في المحكمة. بُعيد ذلك، مات الاخ بوراك في السجن. ولكنه قبل توقيفه تمكن من الاتصال بخادم الكورة، ميكولا تسيبا، من منطقة ڤولين وسلّمه مسؤولية الاشراف على العمل في اوكرانيا وباقي الاتحاد السوڤياتي.
كانت تلك المرة الاولى التي يوقف فيها سلك الامن السوڤياتي دفعة واحدة هذا العدد الكبير من الاخوة المسؤولين بالاضافة الى الاخوة الذين يعملون في المطابع السريّة. لقد اعتبر الرسميون في الاتحاد السوڤياتي ان مطبوعاتنا مناهضة للحكم السوڤياتي. واتّهم الشهود زورا بالقيام بنشاط يقوّض نظام البلد، وحُكم على كثيرين بالموت. الا ان الاحكام بالموت خُفّضت الى ٢٥ سنة في معسكرات السجناء.
حُكم على الاخوة بقضاء مدة عقوبتهم في سيبيريا. وعندما سألوا محاميا عن سبب ارسالهم بعيدا جدا، اجاب مازحا: «ربما عليكم ان تبشروا باللّٰه هناك». وكم صحت لاحقا هذه الكلمات!
خلال الفترة من سنة ١٩٤٧ حتى ١٩٥١، أُوقف العديد من الاخوة المسؤولين. وقد سُجن الشهود ليس فقط لأنهم طبعوا المطبوعات، بل ايضا لأنهم لم ينضموا الى الجيش، لم يشتركوا في الانتخابات، ولم يسجّلوا اولادهم في رابطة الكشّافة او الكومسومول (اتحاد الشبيبة الشيوعي). فكون المرء واحدا من شهود
يهوه كان سببا كافيا لسجنه. وغالبا ما كان شهود زور يشهدون في المحاكم. اجمالا، كانوا جيرانا او زملاء في العمل هدّدهم او رشاهم سلك الامن.في بعض الاحيان كانت السلطات متعاطفة ولكن ليس علنا. أُوقف إيڤان سيمتشوك ووُضع ستة اشهر في سجن انفرادي. وفي السجن الانفرادي حلّ سكون مطبق؛ حتى انه لم يكن يسمع اصوات الشارع. بعد ذلك حاكموه. الا ان المحقق ساعده بإرشاده كيف يجاوب: «لا تقل من اين حصلت على الآلات الكاتبة والمطبوعات او ممن حصلت عليها! لا تجِب عن هذين السؤالين!». وعندما كانوا يأخذونه ليستجوبوه، كان المحقّق يقول: «إيڤان، لا تستسلم. لا تستسلم يا إيڤان».
في بعض القرى لم يكن يُسمح لشهود يهوه ان يعلّقوا ستائر على نوافذهم. وذلك لكي يتمكن الجيران ورجال الشرطة ان يروا بسهولة هل يقرأ الشهود مطبوعاتهم او يعقدون اجتماعات. الا ان الاخوة وجدوا طرقا للتغذي روحيا. وفي بعض الاوقات، كانت «منصة» مدير درس برج المراقبة فريدة من نوعها. فكان الاخ يجلس تحت طاولة مغطاة بغطاء يصل الى الارض لكي يدير ويقرأ مجلة برج المراقبة. وكان «الحضور» يجلسون حول الطاولة، مصغين بانتباه ومقدمين تعليقاتهم. ولم يكن احد يشك ان الناس حول الطاولة يتمتعون باجتماع ديني!
الشهادة في المحاكم
أوقف ميخايلو دان، الذي ذُكر سابقا، في نهاية سنة ١٩٤٨. كان آنذاك متزوجا وله ابن عمره سنة واحدة، وزوجته تنتظر مولودا ثانيا. خلال المحاكمة، طلب المدعي العام حكما بالسجن ٢٥ سنة. وفي ارميا ٢٦:١٤، ١٥: «هأنذا بيدكم. اصنعوا بي كما هو حسن ومستقيم في اعينكم. لكن اعلموا علما انكم إن قتلتموني تجعلون دما زكيا على انفسكم وعلى هذه المدينة وعلى سكانها لأنه حقا ارسلني الرب اليكم لأتكلم في آذانكم بكل هذا الكلام». كان لهذا التحذير اثر في القضاة. فتشاوروا وقرّروا: سجن عشر سنوات ونفي خمس سنوات في المقاطعات البعيدة في روسيا.
الكلمات الاخيرة الموجهة الى القضاة، استخدم الاخ دان كلماتدين الاخ دان بصفته خائنا للوطن الام. وعندما علم ذلك، قال للقضاة: «وُلدت في اوكرانيا في ظل حكومة تشيكوسلوڤاكية وعشت لاحقا في ظل حكم هنڠاريا؛ الآن الاتحاد السوڤياتي حاكم ارضنا، وجنسيتي رومانية. فأي وطن امّ خنت؟». لا شك ان هذا السؤال بقي دون جواب. بعد المحاكمة، تلقى الاخ دان الخبر السعيد انه وُلدت له بنت. وقد ساعده ذلك على تحمّل كل المعاملات المهينة في السجون ومعسكرات الاعتقال في روسيا الشرقية. في اواخر اربعينات الـ ١٩٠٠، كثيرون من اخوتنا في اوكرانيا، مولداڤيا، وروسيا البيضاء ماتوا جوعا في السجون السوڤياتية. والاخ دان خسر من وزنه ٢٥ كيلوڠراما.
اضطهاد الاخوات في اوكرانيا
لم يكن الاخوة وحدهم الذين اضطُهدوا وحُكم عليهم فترات طويلة في السجن في ظل النظام السوڤياتي؛ فقد عوملت الاخوات بالوحشية نفسها. على سبيل المثال، تعرّفت ماريّا توميلكو بالحق في معسكر اعتقال رَڤنسْبروك خلال الحرب العالمية الثانية. لاحقا، عادت الى اوكرانيا وبشّرت في مدينة نيپروپتروفسك. وبسبب نشاطها الكرازي، حُكم عليها سنة ١٩٤٨ بقضاء ٢٥ سنة في معسكر للسجناء.
وتتذكر اخت اخرى حُكم عليها بقضاء ٢٠ سنة في معسكر للسجناء: «خلال التحقيق، وُضعت في زنزانة واحدة مع عدة مجرمات. لم أخَف منهن وبشّرتهن. ولدهشتي، أصغين اليّ بانتباه. كانت الزنزانة تعجّ بالناس. فنمنا جميعنا على الارض، حشرا كسمك السردين في العلب. وأثناء النوم، كانت الطريقة الوحيدة كي نقلب من جنب الى جنب ان نفعل ذلك كلنا معا في الوقت نفسه وعندما يُطلب منا ذلك».
في سنة ١٩٤٩، قام مرشد معمداني في مدينة زاپوروجي بتزويد سلك الامن المحلي بمعلومات عن خمس من اخواتنا، فأُوقفن من جراء ذلك. اتُّهمن بإثارة الناس ضد الاتحاد السوڤياتي وحُكم على كل منهن بقضاء ٢٥ سنة في معسكرات السجناء. وصودرت كل املاكهن. وقضين سبع سنوات في معسكرات في اقصى شمال روسيا الى ان مُنح العفو العام. تتذكر ليديا كورداس، وهي واحدة من هؤلاء الاخوات: «كان يُسمح لنا ان نكتب الى اهلنا رسالتين في السنة فقط، وكانت الرسائل تخضع لمراقبة دقيقة. وخلال كل تلك الفترة لم يكن لدينا اية مطبوعات». ومع ذلك، بقين امينات ليهوه واستمررن في الكرازة ببشارة الملكوت.
مساعدة الاخوة في مولداڤيا
حتى في تلك الاوقات الصعبة، اظهر الشهود المحبة احدهم للآخر. ففي سنة ١٩٤٧، عانى البلد المجاور مولداڤيا مجاعة شديدة. وعلى الرغم من فقر الاخوة في اوكرانيا فقد تجاوبوا فورا مع حاجة رفقائهم المؤمنين في مولداڤيا وأرسلوا اليهم طحينا. ودعا الشهود من اوكرانيا الغربية عددا من الشهود من مولداڤيا ليمكثوا في بيوتهم.
يتذكر اخ كان يعيش آنذاك في مولداڤيا: «بصفتي يتيما كان من المفترض ان انال من الحكومة ٢٠٠ ڠرام من الخبز كل يوم. ولكن لأنني لم اكن منضما الى رابطة الكشّافة، لم اكن انال شيئا. فسررنا جدا عندما ارسل الينا الاخوة من اوكرانيا الغربية طحينا، وقد حصل كل ناشر على ٤ كيلوڠرامات».
محاولة التسجيل الشرعي في الاتحاد السوڤياتي
في سنة ١٩٤٩، قام ثلاثة شيوخ من منطقة ڤولين (ميكولا پياتوكا، ايليا بابيتشوك، وميخايلو تشوماك) بتقديم طلب لتسجيل عملنا
شرعيا. بُعيد ذلك، أُوقف الاخ تشوماك. ويتذكر ميكولا پياتوكا، احد الأخَوين الباقيين، انه عندما أُرسل الطلب اول مرة، لم يكن هنالك اي جواب. لذلك أُرسل طلب ثانٍ الى موسكو. ونُقلت الوثائق الى كييڤ. فمنح الرسميون الاخوة فرصة للكلام وقالوا لهم ان التسجيل ممكن شرط ان يتعاون شهود يهوه معهم. بالطبع لم يوافق الاخوة ان يسايروا في موقفهم الحيادي. وسرعان ما أُوقف ايضا هذان الأخَوان، وحُكم على كل منهما بقضاء ٢٥ سنة في معسكرات السجناء.وفي مذكّرة خصوصية أُرسلت من موسكو الى السلطات المحلية في ڤولين، ذُكر ان «بدعة» شهود يهوه الدينية هي «حركة مناهضة بشكل واضح للاتحاد السوڤياتي ولا يمكن ابدا ان تُسجّل». وأُمر رئيس مكتب الشؤون الدينية المحلي بالتجسس على شهود يهوه ونقل المعلومات الى سلك امن الدولة.
القادة الدينيون يتعاونون مع السلطات
في سنة ١٩٤٩، لجأ مرشد معمداني في ترانسكارپاثيا الى السلطات، متشكيا ان الشهود يُهدون شعبه. نتيجة لذلك أُوقف ميخايلو تيلنياك، شيخ في الجماعة المحلية، وحُكم عليه بقضاء ١٠ سنوات في السجن. وتُركت زوجته وحدها مع ولدين صغيرين.
لقد ساهمت هذه الاعمال من قبل القادة الدينيين في جعل الناس المخلصين يفهمون ويقدّرون عمل شهود يهوه. ففي سنة ١٩٥٠، علمت ڤاسيلينا بيبَن، شابة معمدانية من ترانسكارپاثيا، ان رجل الدين في كنيستها اعلم السلطات بنشاط شاهدَين ليهوه في مجتمعها. فأُوقف الشاهدان وحُكم عليهما بقضاء ٦ سنوات في السجن. بعد اطلاق سراحهما، عادا الى موطنهما، ولم يُظهرا اي عداء تجاه رجل الدين. فأدركت ڤاسيلينا ان هذين الشاهدَين يحبان فعلا قريبهما.
اذ تأثرت بذلك، درست الكتاب المقدس مع الشهود واعتمدت. تقول: «اشكر يهوه انني وجدت الطريق الذي يؤدي الى الحياة الابدية».النفي الى روسيا
كانت حقائق الكتاب المقدس التي يعلنها شهود يهوه تتعارض مع الايديولوجية الإلحادية للحكم الشيوعي. وكان الشهود، كونهم منظمين جيدا، يطبعون ويوزعون سرّا المطبوعات التي تروّج ملكوت اللّٰه. بالاضافة الى ذلك، كانوا ينشرون تعاليم الكتاب المقدس بين الجيران والاقرباء. فأوقفت السلطات اكثر من ٠٠٠,١ شاهد من سنة ١٩٤٧ حتى سنة ١٩٥٠. ومع ذلك استمر الاخوة يزدادون في العدد. لذلك في سنة ١٩٥١، اعدت السلطات خطة سرية ظنوا انها ستسحق شعب اللّٰه. فكانوا سينفون الشهود الباقين مسافة ٠٠٠,٥ كيلومتر شرقا، الى سيبيريا الروسية.
في ٨ نيسان (ابريل) ١٩٥١، نُفي اكثر من ١٠٠,٦ شاهد من اوكرانيا الغربية الى سيبيريا. في الصباح الباكر، وصلت شاحنات محملة جنودا الى بيت كل شاهد، ومنحوا العائلة ساعتين فقط لتحزم امتعتها من اجل الرحلة. لم يكن بإمكانهم ان يأخذوا معهم سوى اشيائهم الثمينة وحاجياتهم الشخصية. ونُفي كل من وُجد في البيت — الرجال، النساء، والاولاد. ولم يُستثنَ مَن كان في سن متقدمة او في حالة صحية رديئة. بسرعة، وفي يوم واحد، وُضعوا في المقطورات ونُفوا الى سيبيريا.
والذين لم يكونوا آنذاك في البيت تُركوا حيث هم، ولم تبحث السلطات عنهم. وقد قدّم بعض منهم طلبات رسمية للسلطات طالبين ان يتّحدوا مع عائلاتهم المنفية. فلم تُجب السلطات على هذه الطلبات، ولم تُعلمهم الى اين أُرسل اقرباؤهم.
عدا عن الشهود الذين من اوكرانيا، نُفي ايضا شهود من مولداڤيا، روسيا البيضاء الغربية، ليتوانيا، لاتڤيا، وأستونيا. وقد بلغ عدد الشهود المنفيين من هذه الجمهوريات الست حوالي ٥٠٠,٩ شاهد. وقد أُرسلوا تحت حراسة عسكرية في مقطورات يدعوها الناس حظائر، اذ ان هذه المقطورات تُستخدم عادة لنقل الماشية.
لم يكن احد من الاخوة يعرف الى اين يأخذونهم. وخلال رحلتهم الطويلة، صلّوا، رنّموا، وساعدوا احدهم الآخر. وقد علّق البعض ثيابا خارج المقطورات، محدّدين هويتهم بالكلمات التالية: «نحن شهود يهوه من منطقة ڤولين» او «نحن شهود يهوه من منطقة لْڤوف». وأثناء التوقف في محطات القطار على الطريق، كان باستطاعتهم رؤية قُطُر عليها عبارات مماثلة من مناطق اخرى في اوكرانيا الغربية. ساعد
ذلك الاخوة ان يفهموا ان الشهود من مناطق اخرى يُنفون ايضا. وقد شددت تلك «الرسائل» الاخوة خلال رحلتهم في القطار الى سيبيريا والتي دامت اسبوعين الى ثلاثة اسابيع.اعتُبر هذا الانتقال نفيا مدى الحياة. واقتضت الخطة ألا يُسمح لشهود يهوه بترك سيبيريا ابدا. وكان عليهم ان يقدموا قانونيا تقريرا لمكاتب التسجيل المحلية، مع انهم لم يكونوا في السجن. وإن لم يفعل الشخص ذلك، يُحكم عليه بقضاء عدة سنوات في السجن.
لدى وصولهم، أُنزل البعض في الغابة وأُعطوا فؤوسا ليقطعوا الشجر ويؤمّنوا لأنفسهم مبيتا ووسائل العيش. وبغية قضاء فصول الشتاء الاولى كان على الشهود ان يحفروا في الارض لصنع ملاجئ بدائية يسقفونها بالتراب.
يتذكر هريهورييه ميلنيك الذي يخدم الآن كشيخ في القرم: «بعد ان أُوقفت اختي في سنة ١٩٤٧، غالبا ما كانت تستجوبني السلطات، ويضربونني بالعصي. وعدة مرات اوقفوني الى جانب حائط مدة ١٦ ساعة. وقد فعلوا كل ذلك لإجباري على تقديم شهادة زائفة ضد اختي الكبيرة التي كانت من الشهود. كنت في الـ ١٦ من عمري. ولأنني رفضت ان اشهد ضدها، لم ترضَ عني السلطات وأرادت التخلص مني.
«لذلك عندما اتت سنة ١٩٥١، نُفينا الى سيبيريا، مع اننا كنا يتامى انا وأخوَاي وأختي الاصغر مني. فوالداي ميتان، وأخي وأختي الاكبر مني يقضيان حكمهما في السجن مدة عشر سنوات. بعمر ٢٠ سنة، كنت اتحمل مسؤولية الاعتناء بأخوَين وأخت اصغر مني سنّا.
«اتذكر في احيان كثيرة اول سنتين في سيبيريا، حين عشنا على البطاطا والشاي. كنا نستعمل صحون الحساء لشرب الشاي، لأن الفناجين كانت آنذاك من وسائل الترف. ولكن روحيا كنت بحالة جيدة جدا. فبعد وصولنا بأيام قليلة بدأت ادير اجتماعات عامة. لاحقا بدأنا ايضا بمدرسة الخدمة الثيوقراطية. لم يكن سهلا عليّ اتمام هذه المسؤوليات بسبب العمل الجسدي المرهق الذي كان عليّ القيام به للاعتناء بأخوَيّ وأختي». وعلى الرغم من هذه المشقات، حافظت عائلة ميلنيك على امانتها ليهوه وهيئته.
ارادت السلطات السيبيرية منع الشعب المحلي من الاتصال بالشهود الذين كانوا سيصلون قريبا، فنشرت اشاعة مفادها ان آكلي لحم بشر سيصلون الى سيبيريا. بعد ان وصل اول فريق من الشهود، كان عليهم الانتظار بضعة ايام ليكون لهم مكان يسكنون فيه في القرى المحلية. فجلسوا في الهواء الطلق عند ضفة نهر تشوليم
المتجمد. ومع انهم كانوا في منتصف شهر نيسان (ابريل)، كان لا يزال يوجد الكثير من الثلج على الارض. فأضرم الاخوة نارا كبيرة، تدفأوا، رنّموا، صلّوا، ورووا ما حصل لهم في رحلتهم. ولدهشتهم، لم يقترب منهم احد من القرويين المحليين. وبدلا من ذلك، اقفلوا جميع ابواب ونوافذ بيوتهم، ولم يدعوا الشهود الى الدخول. في اليوم الثالث، اقدم اشجع القرويين مزوَّدين بفؤوس واقتربوا من الشهود وبدأوا يتحدثون اليهم. في البداية، ظنوا ان آكلي لحم البشر قد وصلوا! ولكنهم سرعان ما علموا ان ذلك ليس صحيحا.في سنة ١٩٥١، خططت السلطات ايضا ان تنفي الشهود من ترانسكارپاثيا. حتى انهم احضروا مقطورات فارغة. ولكن لسبب مجهول أُلغي قرار نفي الاخوة. وصارت ترانسكارپاثيا احدى المقاطعات الرئيسية التي تُنتج فيها مطبوعات لكامل الاتحاد السوڤياتي خلال الحظر.
استمرار الوحدة
لأن غالبية الاخوة نفوا الى سيبيريا، فقدَ كثيرون من الباقين الاتصال بالهيئة. على سبيل المثال، عاشت ماريّا هريتْشينا من تشيرنوڤتسي اكثر من ست سنوات دون اي اتصال بالهيئة او الرفقاء المؤمنين. الا انها استمرت تتكل على يهوه وبقيت امينة. ومن سنة ١٩٥١ حتى اواسط ستينات الـ ١٩٠٠، حين كان اغلبية الاخوة مسجونين او منفيين، صار ضروريا ان تأخذ الاخوات القيادة في جماعات كثيرة.
يتذكر ميكيل داسيڤيتش، شاهد عيان لتلك الاحداث: «لم يؤثر النفي الى سيبيريا فيّ مباشرة، لأنه عندما أُعدّت اللوائح بأسماء مَن سيُنفَون كنت لا ازال في روسيا اقضي حكمي في السجن. بُعيد
ذلك عدت الى اوكرانيا، وكان معظم الشهود من منطقتي قد أُرسلوا الى سيبيريا. فكان عليّ ان ابحث عن الشهود الافراد الذين فقدوا الاتصال بالهيئة وأنظّمهم في فرق لدرس الكتاب وفي جماعات. وعنى ذلك انني بدأت اتمم مسؤوليات ناظر الدائرة، مع انه لم يكن يوجد احد ليعيّنني للقيام بهذا العمل. كنت ازور كل شهر كل الجماعات، اجمع التقارير، وأوزّع من جماعة الى اخرى المطبوعات التي كانت لا تزال في حوزتنا. وكانت اخواتنا تنجز في اغلب الاحيان عمل خدام الجماعة، وفي بعض المناطق اتممن مسؤوليات خدام الدائرة بما ان الاخوة لم يكونوا موجودين. ولأسباب امنية، كانت كل اجتماعات خدام الجماعات في دائرتنا تُعقد ليلا في المقابر. فبما ان الناس عامة يخافون الموتى، كنا متأكدين انه لن يأتي احد ليزعجنا. كنا نهمس همسا في تلك التجمعات. ذات مرة، كان همسنا عاليا، وصدف ان رجلين كانا يمران بالمقبرة ففرّا بأقصى سرعتهما. لا بد انهما ظنا ان الموتى يتكلمون!».بعد نفي سنة ١٩٥١، استمر ميكولا تسيبا، الذي كان آنذاك خادم البلد، يعمل سرّا في مخبإ تحت الارض في طباعة مطبوعات الكتاب المقدس. وفي سنة ١٩٥٢، اكتشف سلك الامن مكانه وأوقفوه، فقضى عدة سنوات في السجن. وبقي الاخ تسيبا امينا حتى موته في سنة ١٩٧٨. وبالاضافة الى الاخ تسيبا، أُوقف ايضا عدد من الاخوة الذين كانوا يساعدونه.
خلال ذلك الوقت، لم يكن للاخوة اي اتصال بالخارج. ولذلك لم يتمكنوا من الحصول على المطبوعات الاخيرة في وقتها. ذات مرة، تمكن بعض الاخوة من الحصول على مؤونة من مجلات برج المراقبة بالرومانية للسنوات ١٩٤٥ الى ١٩٤٩. فترجمها الاخوة المحليون بالاوكرانية والروسية.
وأظهر الشهود في اوكرانيا الذين لم يُنفَوا او يُسجنوا اهتماما عميقا بالرفقاء المؤمنين. فبذلوا جهدا كبيرا لجمع لائحة بأسماء المسجونين، ليرسلوا اليهم ثيابا دافئة، طعاما، ومطبوعات. على سبيل المثال، بقي شهود يهوه في ترانسكارپاثيا على اتصال بأخوة في ٥٤ معسكرا للسجناء في كامل الاتحاد السوڤياتي. كما اعدّت جماعات كثيرة صندوق تبرعات اضافيا مخصّصا «لمَن نضع فيهم رجاءنا الصالح». واستُخدم المال في هذا الصندوق لمساعدة الموجودين في السجن. وعندما كانت تصل رسائل تقدير حارة وتقارير خدمة الحقل من السجون والمعسكرات، كان يتشجع كثيرا الاخوة الامناء والمضحّون بذاتهم الذين كانوا طليقين.
تحسّن الظروف
بعد موت القائد السوڤياتي جوزيف ستالين، تحسّن الموقف تجاه الشهود. فبدءا من سنة ١٩٥٣ أُعلن العفو العام في الاتحاد السوڤياتي، مؤديا الى اطلاق سراح بعض الاخوة. لاحقا تشكلت اللجنة الحكومية وأعادت النظر في الاحكام الصادرة. ونتيجة لذلك، أُطلق سراح العديد من الاخوة فيما خُفِّضت فترات الحكم في السجن على آخرين.
وعلى مر السنوات القليلة التالية، أُطلق سراح معظم الشهود المسجونين. ولكنّ العفو العام لم يُطبّق على الذين نُفوا في سنة ١٩٥١.
وفي بعض السجون والمعسكرات، اصبح عدد الذين صاروا من شهود يهوه اكبر من عدد الشهود الذين أُرسلوا في الاصل الى هناك. وقد شجع هذا النمو الاخوة وأقنعهم ان يهوه قد باركهم فعلا من اجل موقفهم الثابت خلال تلك الفترة.بعد اطلاق سراح الاخوة، تمكن العديد منهم من العودة الى بيوتهم. وبُذل جهد كبير لإيجاد الشهود الذين فقدوا الاتصال بالهيئة. يتذكر ڤولوديمير ڤولوبوياڤ الذي عاش في منطقة دونتسك: «حتى وقت ايقافي الثاني في سنة ١٩٥٨، تمكنت من ايجاد ومساعدة حوالي ١٦٠ شاهدا كانوا بعيدين عن الهيئة».
لم يعنِ اعلان العفو العام ان الاخوة نالوا المزيد من الحرية للكرازة. فقد أُطلق سراح الكثير من الاخوة والاخوات ولكنهم سرعان ما حوكموا ثانية بقضاء فترات طويلة في السجن. على سبيل المثال، لم تقضِ ماريّا توميلكو من مدينة نيپروپتروفسك سوى ٨ سنوات من فترة سجنها البالغة ٢٥ سنة بسبب صدور العفو العام في آذار (مارس) سنة ١٩٥٥. ولكن بعد ثلاث سنوات حُكم عليها ثانية بالسجن عشر سنوات وبالنفي خمس سنوات. ولماذا؟ ورد في نص الحكم عليها: «احتفظت وقرأت مطبوعات ومخطوطات محتواها مواد يهوهية» كما انها «استمرت في العمل بنشاط في نشر المعتقدات اليهوهية بين جيرانها». ثم أُطلق سراحها بعد سبع سنوات بصفتها شخصا معاقا جسديا. لقد عانت الاخت توميلكو شتى المِحَن ولا تزال ثابتة حتى يومنا هذا.
المحبة لا تفنى ابدا
بذلت السلطات جهدا خصوصيا لتفريق عائلات شهود يهوه. وغالبا ما كان سلك الامن يسعى الى مواجهة الشهود بهذا الخيار: اللّٰه او العائلة. ولكن في معظم الحالات اثبت شعب يهوه ولاءه ليهوه على الرغم من اقسى المِحَن.
تتذكر هانّا بوكوك من ترانسكارپاثيا، الذي أُوقف زوجها نوتسو بسبب كرازته الغيورة: «خلال وجود زوجي في السجن، عانى اهانات ماكرة كثيرة. فقد قضى ستة اشهر في السجن الانفرادي دون سرير، ولم يكن لديه سوى كرسي. ضُرب بوحشية وحُرم من الطعام. وفي بضعة اشهر، صار نحيفا جدا ووزنه ٣٦ كيلوڠراما فقط، نصف وزنه العادي».
وقد تُركت زوجته الامينة وحدها مع ابنتهما الصغيرة. وضغطت السلطات على الاخ بوكوك ليساير في ايمانه ويتعاون معهم. فطُلب منه ان يختار بين عائلته والموت. لم يخن الاخ بوكوك معتقداته وبقي امينا ليهوه وهيئته. فقضى ١١ سنة في السجون، وبعد اطلاق سراحه، استمر يقوم بنشاطه المسيحي كشيخ ولاحقا كناظر دائرة حتى موته في سنة ١٩٨٨. وكثيرا ما كان يستمد قوته من كلمات المزمور ٩١:٢: «اقول للرب [«ليهوه»، عج] ملجإي وحصني الهي فأتكل عليه».
تأملوا في مثال آخر للاحتمال الشديد. كان يوري پوپشا ناظرا جائلا في ترانسكارپاثيا. أُوقف بعد عشرة ايام من زواجه. وبدلا من قضاء شهر العسل، قضى عشر سنين في السجن في موردڤينا في روسيا. زارته زوجته الامينة ماريّا ١٤ مرة، وكانت كل مرة تقطع في الاتجاه الواحد مسافة ٥٠٠,١ كيلومتر تقريبا. حاليا، يخدم الاخ پوپشا كشيخ في احدى الجماعات المحلية في ترانسكارپاثيا، وتدعمه بمحبة وأمانة زوجته الحبيبة ماريّا.
ثمة مثال آخر للاحتمال تحت الشدائد هو مثال الزوجين أولكسييه وليديا كورداس اللذين عاشا في مدينة زاپوروجي. أُوقفا في آذار (مارس) ١٩٥٨، بعد ١٧ يوما من ولادة ابنتهما هالينا. وأُوقف ايضا ١٤ شخصا آخر في المنطقة. فحُكم على الاخ كورداس بقضاء ٢٥ سنة في معسكرات السجناء، وعلى زوجته بِـ ١٠ سنوات. وفُصلا احدهما عن الآخر — فأُرسل أولكسييه الى معسكرات في موردڤينا، وليديا مع ابنتهما الصغيرة الى سيبيريا.
تصف الاخت كورداس الرحلة التي دامت ثلاثة اسابيع من اوكرانيا الى سيبيريا: «كان الوضع مريعا. أُرسلنا انا وابنتي؛ ناديا ڤيشنياك وطفلها الذي وُلد قبل بضعة ايام في السجن خلال فترة الاستجواب؛ وأختان اخريان. وُضعنا نحن الستة في زنزانة في مقطورة مخصصة لنقل سجينين فقط. فأضجعنا الطفلين في السرير السفلي، وجلسنا خلال كامل الرحلة جاثمات في السرير العلوي. عشنا على
الخبز، سمك الرَّنْكة المملّح، والماء. وكان يُزوّد الطعام لأربعة اشخاص بالغين. ولم نحصل على اي طعام للطفلين.«عندما وصلنا الى المكان المقصود، وُضعت في مستشفى السجن مع طفلتي. فالتقيت هناك عدة اخوات وأخبرتهن ان المحقّق هدّدني بإبعاد طفلتي عني وإرسالها الى ميتم. بطريقة ما، تمكنت الاخوات من إخبار الاخوة المحليين في سيبيريا بورطتي. وفي وقت لاحق، اتت تامارا بورياك (الآن راڤليوك) التي كانت بعمر ١٨ سنة الى مستشفى المعسكر لأخذ ابنتي هالينا. كانت تلك المرة الاولى التي ارى فيها تامارا. فكان من المؤلم جدا إعطاء ابنتي الحبيبة لشخص لم اره من قبل قط، مع انني كنت سأعهد بها الى اختي الروحية. الا انني تعزيت كثيرا عندما اخبرتني الاخوات في المعسكر عن ولاء عائلة بورياك. كانت طفلتي تبلغ خمسة اشهر و ١٨ يوما من العمر عندما تركتها في عهدة تامارا. ولم اجتمع بابنتي الا بعد سبع سنوات!
«في سنة ١٩٥٩، اعلن الاتحاد السوڤياتي عفوا عاما جديدا. وانطبق على النساء اللواتي عمر اولادهن اقل من سبع سنوات. ولكنّ سلطات السجن اخبرتني ان عليّ انكار ايماني اولا. فلم اوافق على ذلك وبالتالي كان عليّ ان ابقى في معسكر السجناء».
أُطلق سراح الاخ كورداس في سنة ١٩٦٨، بعمر ٤٣ سنة. وجملة، قضى ١٥ سنة في السجن من اجل الحق، بما فيها ٨ سنوات في
سجن خصوصي ذي حراسة مشدّدة. وأخيرا، عاد الى اوكرانيا الى زوجته وابنته. وفي النهاية اجتمعت عائلتهم مجددا. عندما التقت هالينا اباها جلست في حضنه وقالت: «بابا! لم استطع الجلوس في حضنك طوال سنوات عديدة، لذلك سأعوّض الآن عن الوقت الضائع».في ما بعد انتقلت عائلة كورداس من مكان الى آخر، إذ ان السلطات ظلت تطردهم من مكان سكنهم. اولا، عاشوا في اوكرانيا الشرقية، ثم في جورجيا الغربية، ثم في بلاد القوقاز الشمالية. وأخيرا، انتقلوا الى خاركوف حيث لا يزالون يعيشون بسعادة. هالينا متزوجة الآن. ولا يزالون جميعهم يخدمون إلههم يهوه بأمانة.
مثال بارز للإيمان
احيانا تستمر امتحانات الايمان القاسية اشهرا، سنينا، حتى عقودا. تأملوا في احد الامثلة. وُلد يوري كوپوس وترعرع ليس بعيدا عن مدينة خوست الجميلة في ترانسكارپاثيا. في سنة ١٩٣٨، بعمر ٢٥ سنة، صار واحدا من شهود يهوه. وفي سنة ١٩٤٠، خلال الحرب العالمية الثانية، حُكم عليه بالسجن ثمانية اشهر بسبب رفضه الانضمام الى الجيش الهنڠاري المؤيد للنظام النازي. في ترانسكارپاثيا، لم تكن القوانين المحلية آنذاك تسمح بإعدام السجناء بسبب مبادئهم الدينية. ولذلك أُرسل الاخوة الى خطوط القتال الامامية حيث يسمح القانون النازي بالإعدام. في سنة ١٩٤٢، أُرسل الاخ كوپوس بمرافقة عسكرية مع سجناء آخرين، بمن فيهم ٢١ شاهدا آخر، الى الخطوط الامامية قرب ستالينڠراد في روسيا. وقد أُرسلوا الى هناك لكي يُعدَموا. ولكن بُعيد وصولهم، بدأ الجيش السوڤياتي بالهجوم، واعتُقل الجنود الالمان والاخوة. فأُرسل الشهود الى احد معسكرات السجناء السوڤياتية، حيث بقوا حتى سنة ١٩٤٦ حين أُطلق سراحهم.
عاد الاخ كوپوس الى موطنه، حيث قام بدور فعال في عمل الكرازة. وبسبب هذا النشاط، حكمت عليه السلطات السوڤياتية في سنة ١٩٥٠ بقضاء ٢٥ سنة في معسكر للسجناء. ولكن بعد اعلان عفو عام، أُطلق سراحه بعد ست سنوات.
بعد اطلاق سراحه، خطط الاخ كوپوس الذي كان آنذاك بعمر ٤٤ سنة ان يتزوج هانّا شيشكو. وهي ايضا شاهدة أُطلق سراحها مؤخرا من السجن بعد ان اتمت عقوبة مدتها عشر سنوات. فقدّما طلبًا لتسجيل زواجهما. وفي الليلة التي سبقت زفافهما، أُوقفا ثانية وحُكم عليهما بالسجن عشر سنوات في المعسكر. الا انهما تخطيا كل هذه المشقات، واحتملت محبتهما كل ١ كورنثوس ١٣:٧) وبعد إطلاق سراحهما في سنة ١٩٦٧، تزوّجا اخيرا.
شيء، بما فيها تأخير في زواجهما دام عشر سنوات. (لم تنتهِ قصتهما هنا. ففي سنة ١٩٧٣، أُوقف الاخ كوپوس مرة اخرى، وهو بعمر ٦٠ سنة، وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات في المعسكر وبالنفي خمس سنوات. فقضى مدة نفيه مع زوجته هانّا في سيبيريا، على بعد ٠٠٠,٥ كيلومتر من مدينة خوست، مسقط رأسه. وللوصول الى تلك المنطقة من غير الممكن استخدام السيارة او السكة الحديدية، اذ لا يمكن بلوغها الا جوّا. في سنة ١٩٨٣، عاد الاخ كوپوس مع زوجته الى موطنهما في خوست. ماتت هانّا في سنة ١٩٨٩، واستمر الاخ كوپوس يخدم يهوه بأمانة حتى موته في سنة ١٩٩٧. قضى الاخ كوپوس ٢٧
سنة في شتى السجون و ٥ سنوات في المنفى — ما مجموعه ٣٢ سنة.لقد قضى هذا الرجل المتواضع والحليم ثلث قرن تقريبا في السجون ومعسكرات العمل الإلزامي السوڤياتية. وهذا المثال الخارق للإيمان يُظهر ان الاعداء لا يمكن ان يقضوا على استقامة خدام اللّٰه الاولياء.
انشقاق مؤقت
يستخدم الشيطان ابليس، عدو الجنس البشري، عدة طرق لمحاربة ممارسي الدين الحقيقي. فعدا الاساءة الجسدية، يحاول
ترويج الشكوك وتسبيب الانقسام بين الاخوة. وهذا واضح خصوصا في تاريخ شهود يهوه في اوكرانيا.فخلال خمسينات الـ ١٩٠٠، جرت مضايقة شهود يهوه بلا هوادة. واستمرت السلطات في التفتيش للعثور على الاماكن حيث تُطبع المطبوعات. وكان يجري توقيف الاخوة المسؤولين باستمرار. وبسبب ذلك، كان الاخوة الذين يأخذون القيادة في عمل الإشراف يُبدَّلون مرارا، كل بضعة اشهر.
اذ ادرك سلك الامن ان شهود يهوه لا يمكن إسكاتهم بالنفي، السجن، العنف الجسدي، والعذاب، استعمل طرائق جديدة. فحاولوا تقسيم الهيئة من الداخل بزرع بذار الريبة بين الاخوة.
في اواسط خمسينات الـ ١٩٠٠، اوقف سلك الامن الاعتقالات الفورية لجميع الاخوة النشاطى والمسؤولين وبدأ يتجسس عليهم. وكان يُستدعى هؤلاء الاخوة قانونيا الى مكاتب سلك الامن. قيل لهم انهم سيقبضون مالا ويتمتعون بمهنة جيدة اذا تعاونوا معهم. وكان رفض التعاون يؤدي الى السجن والإذلال. قليلون ممّن ايمانهم ضعيف باللّٰه سايروا بسب الخوف او الجشع. وبقوا في صفوف الاخوة، مخبرين سلك الامن
بنشاطات شهود يهوه. كما انهم اطاعوا ونفذوا ارشادات السلطات، جاعلين اخوة ابرياء يظهرون انهم خَوَنة في اعين اخوتهم الامناء. وقد نشر كل ذلك روحا من الريبة بين العديد من الاخوة.عانى پاڤلو زياتِك كثيرا من جراء هذه الريبة والشكوك التي لا اساس لها. وقد قضى هذا الاخ المتواضع والغيور سنوات عديدة في معسكرات السجناء وخصص كامل حياته لخدمة يهوه.
خلال اواسط اربعينات الـ ١٩٠٠، كان الاخ زياتِك خادم البلد. وإذ أُوقف قضى عشر سنوات في السجن في اوكرانيا الغربية. في سنة ١٩٥٦ أُطلق سراحه وفي سنة ١٩٥٧ استأنف عمله كخادم البلد. كانت لجنة البلد تضم ثمانية اخوة بالاضافة الى الاخ زياتِك: اربعة من سيبيريا وأربعة من اوكرانيا. وقد اشرف هؤلاء الاخوة على عمل الكرازة بالملكوت في كامل الاتحاد السوڤياتي.
بسبب المسافات الشاسعة والاضطهاد المستمر، لم يتمكن هؤلاء الاخوة من البقاء على اتصال جيد او عقد اجتماعات قانونية. وبمرور الوقت، انتشرت اشاعات عن الاخ زياتِك وأعضاء اللجنة الآخرين. فقيل ان الاخ زياتِك يتعاون مع سلك الامن، انه بنى لنفسه بيتا كبيرا مستعملا الاموال التي كان يجب ان تُستخدم لترويج
عمل الشهادة، وإنه جرت رؤيته في بدلة عسكرية. فجُمعت هذه التقارير ووضعت في ملف وأُرسلت الى نظار الدوائر والكور في سيبيريا. ولم تكن اي من تلك الاتهامات صحيحة.اخيرا، في آذار (مارس) ١٩٥٩، توقف بعض نظار الدوائر في سيبيريا عن ارسال تقارير خدمة الحقل الى لجنة البلد. وقد اتّخذ هؤلاء الذين فرزوا انفسهم هذه الخطوة دون استشارة المركز الرئيسي. كما انهم لم يتبعوا ارشاد الاخوة المحليين المعينين للاشراف. وقد سبب ذلك انشقاقا في صفوف شهود يهوه في الاتحاد السوڤياتي بضع سنوات.
وأقنع الاخوة المنفصلون نظار دوائر آخرين لاتّخاذ موقف مماثل. ونتيجة لذلك، صارت تقارير خدمة الحقل الشهرية لبعض الدوائر تُرسل الى الاخوة المنفصلين بدلا من لجنة البلد المعيّنة. ومعظم الاخوة في الجماعات لم يعرفوا ان تقاريرهم لخدمة الحقل لا تصل الى لجنة البلد، فلم يتأثر نشاط الجماعات. قام الاخ زياتِك بعدة رحلات الى سيبيريا، وبعد ذلك رجعت عدة دوائر ترسل تقارير خدمة الحقل الى لجنة البلد.
العودة الى الهيئة الثيوقراطية
في ١ كانون الثاني (يناير) ١٩٦١، أُوقف الاخ زياتِك في القطار وهو عائد من رحلة خدمة الى سيبيريا. وحُكم عليه ثانية بِـ ١٠ سنوات في السجن، وهذه المرة في معسكر «خصوصي» للسجناء في موردڤينا بروسيا. ولماذا كان هذا المعسكر «خصوصيا»؟
لقد سنحت للاخوة المسجونين في مختلف معسكرات السجناء فرصة لتبشير السجناء الآخرين، وعديدون صاروا شهودا. فأزعج هذا الامر السلطات. لذلك قرروا جمع الشهود البارزين في معسكر
واحد لكي لا يتمكنوا من تبشير الآخرين. ونحو نهاية خمسينات الـ ١٩٠٠، جُمع اكثر من ٤٠٠ اخ وحوالي ١٠٠ أخت من مختلف معسكرات السجناء في الاتحاد السوڤياتي ووُضعوا في معسكرَين للسجناء في موردڤينا. وقد وُجد بين السجناء اخوة من لجنة البلد بالاضافة الى نظار الدوائر والكور المنفصلين عن قناة يهوه للاتصال. وعندما رأى هؤلاء الاخوة ان الاخ زياتِك مسجون ايضا، ادركوا انه لم يكن هنالك اساس كافٍ ليصدقوا انه يتعاون مع سلك الامن.في تلك الاثناء، ونظرا الى توقيف الاخ زياتِك، جرت الترتيبات ان يتسلم إيڤان پاشكوڤسْكْييه مسؤولية خادم البلد. وفي اواسط سنة ١٩٦١، التقى الاخ پاشكوڤسْكْييه اخوة مسؤولين من پولندا وشرح انه توجد انقسامات بين الاخوة في الاتحاد السوڤياتي. وسأل ان كان بإمكان ناثان ه. نور من المركز الرئيسي في بروكلين ان يكتب رسالة تُظهر دعم الهيئة للاخ زياتِك. لاحقا، في سنة ١٩٦٢، تلقى الاخ پاشكوڤسْكْييه نسخة من الرسالة الى شهود يهوه في الاتحاد السوڤياتي بتاريخ ١٨ ايار (مايو) ١٩٦٢. ورد في الرسالة: «تصلني من وقت الى آخر اخبار تدل انكم ايها الاخوة في الاتحاد السوڤياتي
تستمرون في المحافظة على رغبتكم الشديدة في ان تكونوا خداما امناء ليهوه اللّٰه. ولكنّ البعض عانوا مشاكل في محاولة البقاء متحدين مع اخوتكم. اظن ان ذلك بسبب وسائل الاتصال الضعيفة والتداول المتعمد لقصص باطلة من قبل البعض الذين يقاومون يهوه اللّٰه. لذلك اكتب لأعرّفكم ان الجمعية تعترف بالاخ پاڤلو زياتِك والاخوة الذين يعاونونه بصفتهم النظار المسيحيين المسؤولين في الاتحاد السوڤياتي. فيجب رفض الشبهات والآراء المتطرفة. ويجب ان نكون سلماء العقل، متعقلين، متكيفين، وأيضا ثابتين في مبادئ اللّٰه».وقد ساهمت هذه الرسالة، الى جانب كون الاخ زياتِك محكوما عليه بعشر سنوات في السجن، في توحيد شعب يهوه في الاتحاد السوڤياتي. وعاود العديد من الاخوة المنفصلين في السجون ومعسكرات السجناء الاتحاد بالهيئة. فقد فهموا ان الاخ زياتِك لم يخن الهيئة وأن المركز الرئيسي يدعمه كاملا. وعندما كتب هؤلاء الاخوة المسجونون الى عائلاتهم وأصدقائهم، شجعوا الشيوخ في جماعاتهم المحلية على الاتصال بالاخوة الذين بقوا امناء والبدء بتقديم تقارير نشاطهم في خدمة الحقل. وفي غضون العقد التالي، تبع غالبية الاخوة المنفصلين هذه النصيحة، مع ان بلوغ هدف الوحدة بقي تحدّيا كما سنرى.
البقاء اولياء في معسكرات السجناء
كانت الحياة في معسكرات السجناء صعبة. ومع ذلك غالبا ما تدبّر الشهود السجناء امرهم بطريقة افضل من السجناء الآخرين، وذلك بسبب روحياتهم. فكان لديهم مطبوعات وكانوا على اتصال برفقاء مؤمنين ناضجين. وقد ساهم كل ذلك في حالتهم النفسية الجيدة وفي نموهم الروحي. في احد معسكرات السجناء، خبأت الاخوات بعض المطبوعات في الارض بطريقة ماهرة جدا بحيث لم
يستطع احد ايجادها. ذات مرة، قال احد المفتشين انه بغية ازالة جميع «المطبوعات المناهضة للحكم السوڤياتي» من المنطقة، يحتاجون الى نبش الارض حول السجن بعمق مترين ونخل التربة! وقد درست الاخوات المسجونات المجلات بشكل شامل بحيث انه الآن، بعد ٥٠ سنة، تستطيع بعضهن تلاوة اجزاء من مجلات برج المراقبة تلك.رغم اصعب الظروف حافظ الاخوة والاخوات على ولائهم ليهوه ولم يسايروا في مبادئهم المؤسسة على الكتاب المقدس. ماريّا هريتْشينا، التي قضت خمس سنوات في معسكرات السجناء بسبب نشاطها الكرازي، تروي ما يلي: «عندما تسلمنا مجلة برج المراقبة وفيها مقالة ‹الطهارة باحترام قدسية الدم›، قررنا الا نتغدّى في قاعة طعام المعسكر عندما يقدَّم اللحم. فاللحم المستعمل في هذه المعسكرات لا يُستنزف دمه في اغلب الاحيان. وعندما اكتشف آمر السجن سبب عدم اكل الشاهدات بعض وجبات الغداء، قرر اجبارنا ان نحيد عن مبادئنا. فأمر ان يقدَّم اللحم كل يوم على الفطور، الغداء، والعشاء. وطوال اسبوعين لم نأكل شيئا سوى الخبز. اتكلنا كاملا على يهوه، عالمات انه يرى كل شيء ويعرف مدى قدرتنا على الاحتمال. وفي نهاية الاسبوع الثاني من هذه ‹التغذية› غيّر الآمر رأيه، وبدأوا يقدّمون لنا الخضر، الحليب، وقدّموا لنا ايضا بعضا من الزبدة. فرأينا ان يهوه يهتم بنا حقا».
المساعدة على الاحتمال
بالمقارنة مع السجناء الآخرين، حافظ الاخوة على نظرة ايجابية جدا وملؤها الثقة الى الحياة. وقد مكّنهم ذلك من احتمال الشقاء في السجون السوڤياتية.
يروي الاخ أولكسييه كورداس الذي قضى سنوات عديدة في السجون: «ما ساعدني على الاحتمال هو الايمان العميق بيهوه وملكوته، الاشتراك في النشاط الثيوقراطي في السجن، والصلاة القانونية. والامر الآخر الذي ساعدني ايضا هو اقتناعي انني اتصرف بطريقة ترضي يهوه. كما انني ابقيت نفسي مشغولا. فالضجر هو مِن اكره اوجه السجون، اذ بإمكانه تدمير شخصية المرء وتسبيب مرض عقلي. لذلك حاولت ابقاء نفسي مشغولا بأمور ثيوقراطية. كما انني كنت اطلب الحصول على الكتب الموجودة في مكتبة السجن عن تاريخ العالم، الجغرافيا، وعلم الاحياء. كنت ابحث عن الاجزاء التي تدعم نظرتي الى الحياة. وبهذه الطريقة تمكنت من تقوية ايماني».
في سنة ١٩٦٢، قضى سيرهْييه راڤليوك ثلاثة اشهر في سجن انفرادي. لم يكن باستطاعته التكلم مع احد، ولا حتى حراس السجن. ولكي يحافظ على صحته العقلية، بدأ يتذكر كل الآيات التي حفظها. فتذكر اكثر من ألف آية في الكتاب المقدس وكتبها على قصاصات ورق برصاصة قلم. واحتفظ برصاصة القلم مخبأة في شق في الارض. كما انه تذكر عناوين اكثر من ١٠٠ مقالة من مجلات برج المراقبة سبق ان درسها. وأجرى حساب تاريخ الذِّكرى للسنين العشرين المقبلة. كل ذلك ساعده على المحافظة على سلامة عقله وعلى روحياته، وأبقى ايمانه بيهوه حيّا وقويا.
«خدمات» حراس السجن
على الرغم من مقاومة سلك الامن، تخطت مطبوعاتنا جميع الحواجز، وبلغت الاخوة في السجون. وقد ادرك ذلك حراس السجن ايضا، فكانوا يقومون من وقت الى آخر بحملة تفتيش شاملة لكل الزنزانات، منعمين النظر حرفيا في كل شق. كما كان الحراس ينقلون
قانونيا السجناء من زنزانة الى اخرى في محاولة للعثور على المطبوعات. وخلال ذلك الانتقال، يُفتّشون السجناء تفتيشا دقيقا، وإذا وجدوا مطبوعات كانوا يصادرونها. فكيف تمكن الاخوة من تخبئة المطبوعات دون ان تُكتشَف؟كان الاخوة عادة يخبئون المطبوعات في الوسائد، الفُرُش، الاحذية، وتحت الثياب. وفي بعض المعسكرات نسخوا مجلات برج المراقبة نَسْخا يدويا بالغ الصغر. وعندما يُنقل السجناء من زنزانة الى اخرى، كان الاخوة احيانا يغلفون المجلة المصغرة بورق پلاستيكي ويخبئونها تحت لسانهم. وهكذا تمكنوا من المحافظة على طعامهم الروحي الشحيح والاستمرار في التغذي روحيا.
قضى ڤاسيل بونها عدة سنوات في السجون من اجل الحق. لقد صنع هو ورفيقه في الزنزانة، پيترو توكار، قعرا خادعا في صندوق عدّة النجارين. وفيه خبأا النسخ الاصلية لبعض المطبوعات التي هُرّبت الى السجن. كان هذان الاخَوان نجارَي السجن، وكانا
يحصلان على صندوق العدّة عندما يقومان بأعمال النجارة في السجن. فعندما يحصلان على الصندوق، يخرجان المجلة الاصلية للنَّسخ. وبعد انتهاء يوم العمل، تُعاد المجلة الى صندوق العدّة. وكان آمر السجن يقفل على صندوق العدّة ثلاثة اقفال ويضعه وراء بابين مقفلَين، اذ ان السجناء يمكن ان يستعملوا المناشير، الازاميل، وأدوات النجار الاخرى كأسلحة. وهكذا، خلال حملات التفتيش عن مطبوعات الكتاب المقدس، لم يفكر الحراس في تفتيش صندوق العدّة المقفل عليه، الذي كان يُحتفظ به بين ممتلكات آمر السجن.ووجد الاخ بونها مكانا آخر ليخبئ فيه النسخ الاصلية للمطبوعات. فلأن نظره ضعيف، كان يملك عدة نظارات. وكان يُسمح لكل سجين بأن تكون معه نظارة واحدة فقط. والنظارات الاخرى تُخبأ في مكان خصوصي، وبإمكان السجناء طلبها عند الحاجة. فصنع الاخ بونها علبا خصوصية لنظاراته ووضع فيها النُّسخ الاصلية المصغرة للمطبوعات. وعندما يحتاج الاخوة الى صنع نسخ للمجلات، كان الاخ بونها يطلب من حراس السجن ان يجلبوا له احدى نظاراته.
ووُجدت حالات حين بدا ان الملائكة وحدهم يستطيعون ان يحموا المطبوعات من ان تقع في ايدي حراس السجن. يتذكر الاخ بونها حين جلب تشيسلاڤ كازلاؤسكاس ٢٠ لوحا من الصابون الى السجن. كان نصفها محشوا بمطبوعاتنا. فاختار حارس السجن عشرة ألواح صابون وطعنها، الا انه لم يطعن اي لوح يحتوي على مطبوعاتنا.
استمرارية عمل التوحيد
من سنة ١٩٦٣، استطاع الاخوة من لجنة البلد ان يرسلوا تقارير خدمة الحقل قانونيا الى بروكلين. ورُتّب ايضا ان يتسلم الاخوة
المطبوعات على ميكروفيلم. وُجدت آنذاك ١٤ دائرة في كامل الاتحاد السوڤياتي، ٤ دوائر منها في اوكرانيا. وإذ ازداد شعب اللّٰه في العدد، شُكّلت سبع دوائر في اوكرانيا. ولدواعٍ امنية، سُميت كل دائرة باسم امرأة. فدُعيت الدائرة في اوكرانيا الشرقية، ألّا؛ في ڤولين، أوستينا؛ في هاليتشينا، لْيوبا؛ وفي ترانسكارپاثيا، وُجدت دوائر باسم كاتيا، كريستينا، وماشا.في تلك الاثناء، استمرت الـ KGB (لجنة امن الدولة) في محاولاتها لفسخ وحدة الشهود. كتب احد رؤساء مكتب الـ KGB الى المسؤول الاعلى منه: «بهدف زيادة عمق الانشقاق في البدعة، نعمل على إعاقة النشاط العدائي للقادة اليهوهيين، إضعاف ثقة افراد دينهم بهم، وخلق جوّ من الشك في ما بينهم. وقد صنعت وكالات الـ KGB ترتيبات ساهمت في شق هذه البدعة الى فريقين متعارضين. فريق مؤلف من اتباع القائد اليهوهي زياتِك الذي ينفذ حاليا الحكم عليه في السجن، والفريق الثاني يتألف ممّن يُسمّون معارضين. وقد ساهمت هذه الاوضاع في خلق ظروف مؤاتية وأساس للانشقاق الايديولوجي بين الاعضاء العاديين وفي المزيد من التفكيك في الوحدات التنظيمية». ثم اعترفت الرسالة ان الـ KGB تواجه المصاعب في الجهود التي تبذلها. وتابعت: «ان اكثر القادة اليهوهيين تحمسًا يتّخذون خطوات لإبطال ما نقوم به، محاولين بكل طريقة ممكنة ضم صفوف الوحدات التنظيمية». نعم، استمر الاخوة في اتمام عمل التوحيد، وبارك يهوه جهودهم.
لقد قدّمت الـ KGB للاخوة المنفصلين رسالة زائفة، يُفترض انها من الاخ نور، تدعم الفكرة بتشكيل هيئة منفصلة مستقلة لشهود يهوه. ووردت في الرسالة حادثة الافتراق بين ابراهيم ولوط للاشارة
الى ان الانفصال عن قناة الهيئة امر مُباح، ووُزّعت الرسالة في كامل الاتحاد السوڤياتي.فأرسل الاخوة الامناء نسخة من الرسالة الى بروكلين، وفي سنة ١٩٧١ تلقوا جوابا يكشف ان الرسالة تزوير واضح. وفي رسالة موجهة الى الاخوة الذين كانوا لا يزالون منفصلين عن باقي شعب اللّٰه، ذكر الاخ نور ما يلي: «ان طريقة الاتصال الوحيدة التي تستخدمها الجمعية هي من خلال النظار المعينين في بلدكم. ولا احد في بلدكم غير هؤلاء النظار المعينين مخوّل ان يأخذ اي نوع من القيادة بينكم . . . ان خدام يهوه الحقيقيين هم فريق متحد. لذلك ارجو وأصلّي ان تعودوا جميعكم الى وحدة الجماعة المسيحية تحت اشراف النظار المعينين وأن نتمكن من الاشتراك باتحاد في عمل الكرازة».
وقد ساهمت هذا الرسالة كثيرا في توحيد الاخوة. ومع ذلك، كان لا يزال البعض يحاولون مستقلين اقامة اتصال بالمركز الرئيسي، اذ انهم لم يكونوا بعد يثقون بقناة الاتصال الموجودة. فقرر هؤلاء الاخوة المنفصلون صنع اختبار. فأرسلوا ورقة نقدية من فئة العشرة روبلات الى بروكلين، وطلبوا من الاخوة هناك شقها الى نصفين وإرسال الجزءين الى اوكرانيا: نصف الورقة النقدية الى الاخوة المنفصلين بالبريد والنصف الثاني الى القناة التي يجب ان يستخدمها المركز الرئيسي.
وبناء على ذلك، أُرسل نصف الورقة النقدية بالبريد. والنصف الثاني أُرسل عن طريق الساعي وأعطي لأعضاء لجنة البلد. وهم بدورهم اعطوه للاخوة المسؤولين المحليين في ترانسكارپاثيا الذين ذهبوا لملاقاة الاخوة المنفصلين. الا ان بعض الاخوة المنفصلين الذين ظنوا ان اعضاء لجنة البلد يتعاونون مع سلك الامن بقوا مرتابين.
ولكنّ معظم الاخوة المنفصلين عادوا وانضموا الى الهيئة. ولم تنجح جهود الشيطان والـ KGB لإبادة هيئة شهود يهوه في الاتحاد السوڤياتي عن طريق الانشقاق. وازداد شعب يهوه عددا وقوة، متممين باجتهاد عمل التوحيد وزرع بذار الحق في مقاطعات جديدة.
ذكر ڤاسيل كالين: «لقد لجأوا الى طرق كثيرة لمحاولة قمع رغبتنا في العيش حياة مسيحية. ولكننا استمررنا نبشّر المنفيين معنا غير المؤمنين الذين نُفوا لشتى الاسباب والجرائم. لقد أظهر عديدون اهتماما برسالتنا. وبعض هؤلاء الاشخاص صاروا فعليا من شهود يهوه. وقد قاموا بهذه الخطوة على الرغم من معرفتهم ما يحلّ بنا من اضطهاد من قبل سلك الامن والادارة المحلية».
الحياة المسيحية تحت الحظر
لنلقِ الآن نظرة وجيزة على ما كان عليه النشاط المسيحي خلال العقود الباكرة من الحظر. لقد حُظر عمل شهود يهوه في كل اوكرانيا ابتداء من سنة ١٩٣٩. الا ان الكرازة ونشاطات الجماعات تقدّمت، رغم انه كان على الاخوة ان يكونوا حذرين جدا في الشهادة للآخرين. فلم يكن يقال للمهتمين من البداية ان شهود يهوه يزورونهم. وغالبا ما كانت تُعقد الدروس البيتية في الكتاب المقدس باستعمال الكتاب المقدس فقط. وقد تعلّم اناس كثيرون الحق بهذه الطريقة.
كما عُقدت اجتماعات الجماعة في ظروف مماثلة. وفي اماكن كثيرة، اجتمع الاخوة عدة مرات في الاسبوع في وقت متأخر من المساء. وأسدلوا على نوافذهم ستائر سميكة لتجنب اكتشاف امرهم، ودرسوا على ضوء قنديل الكيروسين. عموما، حصلت كل جماعة على نسخة واحدة فقط منسوخة باليد من برج المراقبة. ولاحقا، بدأ الاخوة يحصلون على مجلات منسوخة على آلات نسخ. كان الاخوة عادة يجتمعون مرتين في الاسبوع في شقق خاصة لدرس برج المراقبة. ولم يتراخَ الـ KGB في تصميمهم على معرفة اماكن اجتماع شهود يهوه ليتمكنوا من معاقبة الاخوة المسؤولين.
استفاد الاخوة ايضا من مناسبات الزفاف والمآتم ليجتمعوا ويشجعوا احدهم الآخر بواسطة خطابات محضرة جيدا مؤسسة على الكتاب المقدس. وفي حفلات الزفاف، كان العديد من الاخوة والاخوات الاحداث يقرأون أشعارا حول مواضيع مؤسسة على الكتاب المقدس ويمثّلون بزي كامل مسرحيات مؤسسة على الكتاب المقدس. وقد اعطى كل ذلك شهادة جيدة للحاضرين غير الشهود.
خلال اربعينات وخمسينات الـ ١٩٠٠، أُوقف العديد من الاخوة وسُجنوا لأنهم كانوا موجودين في هذه الاجتماعات. ولكن في ستينات الـ ١٩٠٠، تغير الوضع. فعندما يُكتشف مكان الاجتماع، كان سلك الامن يعدّ عادة لائحة بأسماء جميع الحاضرين في الاجتماع، ويُغرّم صاحب البيت بدفع نصف الايجار الشهري. وأحيانا، كانت تنفذ هذه السياسة المتبعة بطريقة منافية للعقل. فذات مرة، ذهب ميكولا كوستيوك وزوجته لزيارة ابنهما. على الفور، وصلت الشرطة وأعدّت لائحة بأسماء «جميع الحاضرين». ولاحقا استُدعي ابن الاخ كوستيوك لدفع غرامة بسبب «عقد اجتماع غير شرعي لليهوهيين». فقدّمت عائلة كوستيوك شكوى بشأن ذلك، بما انه لم يكن يُعقد اي اجتماع. فألغت الحكومة الغرامة.
احتفالات الذِّكرى
لم يكن سهلا التغلب على المصاعب المستمرة. لكنّ الاخوة لم يتثبطوا واستمروا يجتمعون قانونيا. وكان الاحتفال بالذِّكرى يشكّل التحدي الاكبر. فكان الـ KGB متيقظين خصوصا في وقت الذِّكرى، اذ انهم يعرفون الوقت التقريبي للاحتفال. وأملوا انهم اذا راقبوا الشهود، يكتشفون اماكن الاحتفال بالذِّكرى. فيتمكن سلك الامن من «التعرّف» بالشهود الجدد.
عرف الاخوة هذه الخطط، فكانوا حذرين للغاية في يوم الذِّكرى. وعقدوا الاحتفال في اماكن يصعب ايجادها. ولم يخبروا المهتمين مسبقا بتاريخ ومكان الذِّكرى. فكان الشهود يذهبون عادة الى بيوت المهتمين في يوم الذِّكرى ويأخذونهم مباشرة الى مكان الاجتماع.
ذات مرة، عقد الاخوة في ترانسكارپاثيا الذِّكرى في الطابق السفلي من بيت احدى الاخوات. وبما ان الطابق السفلي كان مغمورا بالماء، فلم يشك احد ان اناسا سيجتمعون هناك في الماء الذي يصل الى الركب. لكنّ الاخوة بنوا منصة فوق الماء وجعلوا المكان لائقا للذِّكرى. ومع انه كان عليهم ان يجلسوا قابعين على المنصة تحت سقف منخفض، لم يزعجهم احد وهم يحضرون الذِّكرى بفرح.
في مناسبة اخرى، خلال ثمانينات الـ ١٩٠٠، ترك افراد احدى العائلات المسيحية بيتهم في الصباح الباكر لحضور الذِّكرى. ونحو المساء اجتمعوا بأخوة آخرين في غابة للاحتفال بالذِّكرى. كان المطر يهطل بغزارة، وعلى جميع الاخوة والاخوات ان يجتمعوا في حلقة تحت المظلات، حاملين شموعا للإضاءة. وبعد الصلاة الختامية، رحل الجميع. لدى وصول العائلة الى البيت، وجدوا بوابة الفناء مفتوحة. فاتّضح ان الشرطة او سلك الامن كانت تبحث عنهم. وعلى الرغم من انهم كانوا متعبين ومبللين، كانت العائلة بكاملها سعيدة انهم
تركوا بيتهم في الصباح وحضروا الذِّكرى، متجنبين المواجهة مع السلطات.في كييڤ كان صعبا جدا على الاخوة ايجاد مكان آمن للاحتفال بالذِّكرى. فقرروا في احدى السنوات الاحتفال بالذِّكرى في عربة نقل. كان احد الاخوة سائق باص في شركة نقل، فاستأجر الاخوة باصًا. لم يُركِب الباص سوى شهود يهوه، ثم خرج من المدينة الى فسحة في غابة. اعدّ الاخوة والاخوات داخل الباص طاولة صغيرة عليها رمزا الذِّكرى. وأحضروا ايضا بعض الطعام. فجأة، ظهرت الشرطة. ولكن لم يكن لديهم سبب ليزعجوا الاخوة، اذ بدوا انهم يتعشون في الباص بعد يوم عمل.
في مناطق اخرى في اوكرانيا، اتت الكبسات على بيوت الاخوة في يوم الذِّكرى. فحالما غابت الشمس، اقتربت من بيوت الشهود سيارات فيها ثلاثة او اربعة من رجال الشرطة. كانت الشرطة تتحقق هل الاخوة في بيوتهم او انهم يستعدون لحضور احتفال ديني. كان الشهود مستعدين على الدوام لهذه الكبسات. فيلبسون ثياب عمل قديمة فوق ثيابهم الرسمية ويشغلون انفسهم بمهام البيت العادية. وبهذه الطريقة يُعطون الانطباع انهم باقون في البيت ولا يخططون للذهاب الى اي احتفال ديني. وحالما تنتهي الكبسة، يخلعون ثيابهم القديمة ويكونون مستعدين للذهاب الى الذِّكرى. فكانت السلطات المحلية مكتفية انها قامت بواجبها، وكان بإمكان الاخوة حضور الذِّكرى بسلام.
تخبئة المطبوعات
تذكروا انه في نهاية اربعينات الـ ١٩٠٠، حُكم على شهود يهوه بالسجن ٢٥ سنة لحيازتهم مطبوعات في بيوتهم. وبعد موت ستالين
في سنة ١٩٥٣، خُفّضت احكام السجن الى عشر سنوات. ولاحقا، كان الشهود يُعاقَبون بدفع غرامات لحيازتهم مطبوعات، وتُصادَر المطبوعات وتتلف. فكان الاخوة، طوال فترة الحظر، يفكرون مليا في طريقة لتخبئة المطبوعات بشكل آمن.خبأ البعض المطبوعات في بيوت اقربائهم وجيرانهم غير الشهود؛ وآخرون دفنوها في احواض معدنية وداخل اكياس پلاستيكية في حدائقهم. يتذكر ڤاسيل ڠوزو، شيخ من ترانسكارپاثيا، انه في ستينات الـ ١٩٠٠، استخدم غابة في جبال الكربات لتكون «مكتبة ثيوقراطية». فقد وضع مطبوعاته في علب حليب كان قد أخذها الى الغابة ودفنها بحيث تكون اغطيتها بمستوى الارض.
ويروي اخ قضى ١٦ سنة في السجون من اجل نشاطه المسيحي: «خبأنا المطبوعات حيث امكن: في مخابئ تحت الارض، في الارض، في حيطان الابنية، في صناديق مزدوجة القعر، وفي بيوت الكلاب المزدوجة الارضية. كما خبأنا المطبوعات في عصي المكانس وفي
الشوابك المجوفة (حيث وضعنا عادة تقارير خدمة الحقل). وكانت هنالك اماكن اخرى ايضا مثل الآبار، المراحيض، الابواب، السقوف، وكوم الحطب».المطابع السرية
رغم العين الساهرة للجواسيس الشيوعيين والسلطات، استمر الطعام الروحي يُزوّد للجياع والعطاش الى البر. ولم ينجح اعداء الحق في ابقاء مطبوعاتنا خارج الاتحاد السوڤياتي، وكان عليهم الاعتراف بذلك. وقد ادّعت الصحيفة ڠودوك، صحيفة عمال السكة الحديدية السوڤياتية، في نهاية سنة ١٩٥٩، ان شهود يهوه يستعملون المناطيد لإدخال مطبوعات الكتاب المقدس الى الاتحاد السوڤياتي!
بالطبع، لم تدخل مطبوعاتنا الى اوكرانيا عن طريق المناطيد. فقد كانت تُنتج محليا في بيوت خاصة. وبمرور الوقت، تعلّم الاخوة ان مكان طباعة المطبوعات الاكثر امانا والعملي اكثر هو مخبأ مموّه جيدا تحت الارض. فبنوا هذه المخابئ في طوابق البيوت السفلية وفي التلال.
في ستينات الـ ١٩٠٠، بُني مثل هذا المخبإ في اوكرانيا الشرقية. وكان مجهّزا بتهوية وكهرباء. وكان مدخل المخبإ مخفيا جيدا بحيث ان رجال الشرطة قضوا يوما بكامله فوق المخبإ مباشرة ينخسون الارض بعصي معدنية، ولم يجدوا شيئا.
ذات مرة، كان سلك الامن يراقب مطبعة سرية مراقبة شديدة. وشكّوا ان المطبوعات تُطبع في البيت، وأرادوا القبض على ذوي العلاقة. كان ذلك مشكلة بالنسبة الى الاخوة. فكيف سيجلبون الورق الى البيت، وكيف سيُخرجون المطبوعات؟ اخيرا، وجدوا طريقة. لفّ اخ كمية من الورق في بطانية طفل وحملها كما يُحمل الطفل وأدخلها الى البيت. ترك
الورق في البيت، ثم لفّ اعدادا مطبوعة حديثا من مجلاتنا في البطانية، وأخرج «الطفل» خارج البيت. رأى موظّفو الـ KGB الاخ يدخل ويخرج ولكنهم لم يرتابوا في شيء.كان الاخوة الموجودون في منطقة دونتسك، القرم، موسكو، ولينينڠراد (الآن سانت پيترسبرڠ) يحصلون على مطبوعات مطبوعة في هذا المخبإ. وقد بنى بعض الاخوة الشبان مخبأ مماثلا في مدينة نوڤوڤولينسك، في منطقة ڤولين. وكان هؤلاء الاخوة مصممين على إبقاء مكان هذا المخبإ سريا بحيث انهم لم يسمحوا لأخوة آخرين برؤيته الا بعد مرور تسع سنوات على تشريع عملنا في اوكرانيا.
وكانت مطبعة مماثلة تعمل في عمق جبال الكربات. وقد نقل الاخوة الماء بأنابيب من جدول صغير الى المخبإ، والماء شغّل مولِّدا صغيرا امّن الكهرباء للإضاءة، اما المطبعة فكانت تُدار يدويا. طُبعت كمية كبيرة من المطبوعات في هذا المخبإ. وعندما لاحظ الـ KGB ان المزيد من المطبوعات يظهر في المنطقة، بدأوا يفتشون عن المطبعة. فحفرت الشرطة في كل مكان لإيجاد المخبإ. حتى انهم تنكروا بصفة جيولوجيين وطافوا في الجبال.
عندما شعر الاخوة ان السلطات قريبة من تحديد موقع المخبإ، تطوع إيڤان دزيابكو للإشراف على المطبعة، بما انه لم يكن متزوجا وإذا اعتُقل فلن يُحرم اولاد من ابيهم. في نهاية صيف سنة ١٩٦٣، اكتُشف مكان المخبإ وأُعدم على الفور الاخ دزيابكو في مكان قريب. سُرّت السلطات المحلية وعرضت جولات مجانية للراشدين والصغار في «المكان حيث كان شهود يهوه يتصلون بأميركا بواسطة مُرسِل راديوي». مع ان هذا الادّعاء كذبة، فقد اعطى هذا الحادث المؤلم شهادة لكل الاشخاص في تلك المنطقة. وكثيرون بدأوا يهتمون اكثر برسالتنا. وحاليا، يوجد اكثر من ٢٠ جماعة في تلك الناحية من جبال الكربات.
قيمة التدريب الابوي
بالاضافة الى مصادرة المطبوعات، الغرامات، السجن، التعذيب، والاعدام، عانى بعض الشهود الاختبار الذي يفطر القلب، ألا وهو أخذ اولادهم منهم. ليديا پيريپيولكينا، التي تعيش في اوكرانيا الشرقية، لها اربعة اولاد. وقد باشر زوجها، وهو موظف في وزارة الشؤون الداخلية، بمعاملات الطلاق في سنة ١٩٦٤ لأن ليديا شاهدة ليهوه. فقررت المحكمة ان تحرم الاخت پيريپيولكينا من الوصاية على اولادها. فأُعطي زوجها ولدَيها التوأم — صبيا وبنتا — اللذين يبلغان السابعة من العمر، فرحل معهما الى اوكرانيا الغربية على بعد ٠٠٠,١ كيلومتر. وحكمت المحكمة ان يُرسَل الولدان الآخران الى ميتم. عندما سُمح لليديا بالكلام، قالت للمحكمة: «انا اومن ان ليهوه القدرة على إعادة اولادي اليّ».
بعد المحاكمة تبيّنت ليديا ارشاد يهوه وعنايته. فلسبب مجهول، لم ترسل السلطات الولدَين الباقيين الى الميتم وسمحت لهما بالبقاء معها. وطوال سبع سنوات متتالية، كانت ليديا تسافر خلال فرصتها لزيارة ولدَيها الآخرين، التوأم. ومع ان زوجها السابق لا يسمح لها برؤيتهما، لم تستسلم. فكانت بعدما تصل الى المدينة حيث يعيش ولداها، تقضي الليل في محطة القطار ثم تلتقي ولدَيها في طريقهما الى المدرسة. لقد استخدمت تلك الفرص الثمينة لتخبرهما عن يهوه.
مرّت السنون، وليديا ‹تزرع بالدموع› في قلب ولدَيها. وفي ما بعد تمكنت من ‹ان تحصد بابتهاج›. (مزمور ١٢٦:٥) فعندما بلغ التوأم الـ ١٤ من عمرهما، اختارا ان يكونا مع امهما. وقد عملت ليديا جاهدة لتعلّم اولادها الحق. وفيما اختار اثنان منهم مسلكا مختلفا، فإن ليديا وولديها التوأم يخدمون يهوه بولاء.
تحسّن الوضع
في حزيران (يونيو) ١٩٦٥، قررت المحكمة العليا في اوكرانيا ان مطبوعات شهود يهوه هي ذات طبيعة دينية وليست مناهضة للحكم السوڤياتي. وفي حين ان هذا القرار انطبق على قضية واحدة في المحكمة، فقد اثر في قرارات مستقبلية للمحكمة في كل اوكرانيا. وتوقفت السلطات عن اعتقال الناس لأنهم يقرأون مطبوعات الكتاب المقدس، مع انها استمرت تسجن الشهود من اجل نشاطهم الكرازي.
وحدث تغيير مهم آخر في اواخر سنة ١٩٦٥. فقد اصدرت حكومة الاتحاد السوڤياتي قرارا بإطلاق سراح جميع الشهود الذين نُفوا الى سيبيريا في سنة ١٩٥١. فسُمح لهم ان يسافروا بحرية في كل ارجاء الاتحاد السوڤياتي، ولكن لم يستطيعوا المطالبة بإعادة ما صودر منهم من بيوت، ماشية، وممتلكات اخرى. ولكن بسبب التعقيدات المتعلقة بختم التسجيل، لم يستطع سوى قليلين ان يعودوا الى اماكن سكنهم القديمة.
بدأ اخوة كثيرون أُرسلوا الى سيبيريا في سنة ١٩٥١ يستقرون في شتى انحاء الاتحاد السوڤياتي، مثل قازاخستان، قيرغيزستان، جورجيا، وبلاد القوقاز الشمالية. واستقر آخرون في اوكرانيا الشرقية والجنوبية، آخذين بذار الحق الى تلك المناطق.
ثابتون رغم الضغط
رغم تحسّن الوضع المذكور آنفا، لم يغيّر الـ KGB موقفهم من شهود يهوه. واستخدموا شتى الاساليب في محاولة لإرهاب الشهود وجعلهم ينكرون ايمانهم. على سبيل المثال، اقتضت احدى الوسائل ان يأخذوا اخا من مكان عمله ويحتجزوه بضعة ايام في مكتب للـ KGB او في فندق. وخلال فترة احتجازه، يقوم فريق مؤلف من ثلاثة او اربعة اعضاء في الـ KGB بإلقاء محاضرة على الاخ،
استجوابه، تملّقه، وتهديده. كانوا يفعلون ذلك بالتناوب لكي يُحرم الاخ من النوم. بعد ذلك يُطلقون سراحه، ثم يحتجزونه ثانية بعد يوم او يومين ويعاملونه المعاملة نفسها. وفي بعض الاحيان كان الـ KGB يفعلون الامر نفسه مع الاخوات ايضا.استُدعي الاخوة تكرارا الى مكاتب الـ KGB. وبالضغط على الاخوة لإنكار ايمانهم، امل سلك الامن بظهور متعاونين داخل الهيئة. اضافة الى ذلك، وضعوا ضغطا ادبيا وعاطفيا على الاخوة عندما لم يوافقوا على المسايرة في ايمانهم. على سبيل المثال، يتذكر ميخايلو تيلنياك الذي خدم سنين كثيرة كناظر دائرة في ترانسكارپاثيا: «خلال احدى المحادثات، كان رجال الامن اللابسون لباسا عسكريا حسني النية وإيجابيين. ودعوني الى تناول الطعام معهم في مطعم قريب. ولكنني ابتسمت لهم، وضعت ٥٠ روبلا (حوالي نصف الاجر الشهري) على الطاولة، وقلت لهم ان باستطاعتهم الذهاب ليأكلوا من دوني». كان الاخ تيلنياك مدركا جيدا انهم سيلتقطون بالتأكيد صورة له وهو يأكل ويشرب مع اشخاص يرتدون لباسا عسكريا. وتُستخدم هذه الصور لاحقا ك «دليل» انه ساير في ايمانه. فيزرع ذلك بذار الشك بين الاخوة.
بالنسبة الى كثيرين، مرّت عليهم عقود وهم تحت ضغط لإنكار
ايمانهم. بيلا مايسار، من ترانسكارپاثيا، هو احد الامثلة. فقد أُوقف هذا الاخ الشاب العديم الخبرة للمرة الاولى في سنة ١٩٥٦، ووقّع عن غير قصد بعض التصاريح المتعلقة بعملنا، مما ادى الى استدعاء بعض الاخوة الى سلك الامن. في ما بعد فهم الاخ مايسار خطأه وتوسل الى يهوه الّا يُحكَم على احد من هؤلاء الاخوة. لم يُعتقل الاخوة، رغم انه حُكم على الاخ مايسار نفسه بالسجن ثماني سنوات.بعد ان عاد الى بيته، مُنع من مغادرة قريته طيلة سنتين. وكان عليه ان يقدّم كل يوم اثنين تقريرا عن وجوده هناك الى مكتب الشرطة. ولأنه رفض التدريب العسكري في سنة ١٩٦٨، حُكم عليه بقضاء سنة في السجن. بعد سجنه عاد الى بيته واستمر يخدم يهوه بغيرة. وفي سنة ١٩٧٥، بعمر ٤٧ سنة، حُكم عليه ثانية.
عندما انهى الاخ مايسار حكمه بقضاء خمس سنوات في السجن، نُفي الى منطقة ياقوتسك في روسيا مدة خمس سنوات. نُقل الى هناك بالطائرة، بما انه لا توجد طرقات الى تلك المنطقة. خلال الرحلة، سأله الجنود الشبان المعينون لمرافقته: «لماذا انت مجرم خطر جدا، ايها العم؟». اجابهم الاخ مايسار وشرح طريقة حياته وأعطاهم شهادة جيدة في ما يتعلق بقصد اللّٰه للأرض.
في بادئ الامر، بعد وصول الاخ مايسار، كانت السلطات المحلية خائفة من هذا «المجرم الخطر بشكل خصوصي»، كما وُصف في وثائقه. لاحقا، بسبب السلوك المسيحي الجيد للأخ مايسار، اخبرت السلطات المحلية ضابط الامن: «اذا كان لديكم امثال هذا المجرم، فمن فضلكم ارسلوهم الينا».
عاد الاخ مايسار الى بيته في سنة ١٩٨٥ بعمر ٥٧ سنة. وخلال السنوات الـ ٢١ التي قضاها في السجن، عاشت زوجته الامينة ريجينا في بيتهما في ترانسكارپاثيا. وعلى الرغم من المسافة الطويلة والنفقة
الباهظة، غالبا ما كانت تزور زوجها في السجن، قاطعة مسافة ما يزيد على ٠٠٠,١٤٠ كيلومتر.حتى بعد اطلاق سراح الاخ مايسار، كان رجال الشرطة ورجال الامن يزورونه مرارا في بيته في قرية راكوشينو. وقد ادت تلك الزيارات الى حادثة ظريفة. ففي بداية تسعينات الـ ١٩٠٠، قام ثيودور جارس من الهيئة الحاكمة مع اخوة من لجنة البلد بزيارة مدينة أُوجڠُراد في ترانسكارپاثيا. وفي طريق عودتهم الى لْڤوف، قرروا زيارة الاخ مايسار زيارة قصيرة. رأت اخت تعيش في الجوار ثلاث سيارات تصل الى البيت المتواضع للأخ مايسار ويترجل منها تسعة رجال. اخافها الامر جدا بحيث ركضت الى بيت اخ آخر، وأخبرته لاهثة ان الـ KGB
اتوا لاعتقال الاخ مايسار مجددا! وكم كانت سعيدة عندما علمت انها مخطئة!تحسينات وتغييرات تتعلق بالهيئة
في سنة ١٩٧١، عُين ميكيل داسيڤيتش خادم البلد. كانت لجنة البلد آنذاك مؤلفة من ثلاثة اخوة من اوكرانيا الغربية، اثنين من روسيا، وواحد من قازاخستان. وكل واحد منهم خدم ايضا كناظر جائل. بالاضافة الى ذلك، لكل منهم عمل دنيوي لكي يعيل عائلته. وكانت المقاطعات التي يشرف عليها الاخوة من اوكرانيا الغربية بعيدة جدا عن اماكن سكنهم. فكان ستيپان كوجيمبا يسافر الى ترانسكارپاثيا، ويزور ألكسي داڤيديوك الجزء الباقي من اوكرانيا الغربية بالاضافة الى أستونيا، لاتڤيا، وليتوانيا، ويسافر الاخ داسيڤيتش الى اوكرانيا الشرقية، روسيا الغربية والوسطى، بلاد القوقاز الشمالية، ومولداڤيا. كان الاخوة من لجنة البلد يزورون قانونيا المقاطعات المذكورة آنفا، عاقدين اجتماعات مع نظار الدوائر والكور، مشجعين الشهود المحليين، وجامعين تقارير الخدمة.
وكان لهؤلاء الاخوة ايضا اتصالات بالسعاة الذين يأتون من الخارج كسيّاح، جالبين
معهم المطبوعات والبريد. ومن اواخر ستينات الـ ١٩٠٠ حتى نيل حريتنا الدينية في سنة ١٩٩١، لم يتمكن مقاومونا قط من منع تبادل البريد.في سنة ١٩٧٢، اعطت الهيئة الحاكمة ارشادات لصنع توصيات مكتوبة في ما يتعلق بتعيين الاخوة شيوخا. فتردد بعض الاخوة في فعل ذلك، اذ خشوا ان تقع لائحات التوصية هذه في ايدي الشرطة. قبل ذلك الوقت، لم تكن توجد هذه اللائحة في اية جماعة. وعموما، لم يعرف الاخوة اسم عائلة الاخوة الآخرين في جماعتهم. في بادئ الامر، جرت التوصية بقليلين ليخدموا كشيوخ لأن كثيرين لم يريدوا ان تُكتب اسماؤهم في اية لائحة. ولكن بعد ان جرى الترتيب بدون عواقب سلبية، غيّر آخرون رأيهم، جرت التوصية بهم، وتحملوا بأمانة مسؤولية كونهم شيوخا في الجماعات.
حماية يهوه خلال حملات التفتيش
ذات صباح، اتى رجال الشرطة ليفتشوا بيت ڤاسيل وناديا بونها. كانت الاخت بونها في البيت مع طفلهما النائم الذي يبلغ الرابعة من عمره عندما سمعت فجأة قرعا قويا على الباب. ادركت الاخت بونها ان الشرطة اتت، فألقت بسرعة في الموقد تقارير خدمة الحقل وأوراقا اخرى لها علاقة بنشاط الكرازة. ثم فتحت الباب للشرطة. اسرع رجال الشرطة الى الموقد، والتقطوا بعناية التقارير المحترقة، ونشروها على صحيفة على الطاولة. كانت الكتابة لا تزال تُرى على الورق المحترق. وعندما انتهى تفتيش البيت، ذهب جميع رجال الشرطة مع الاخت بونها الى الحظيرة لتفتيشها. في تلك الاثناء، استيقظ الطفل ورأى الاوراق المحترقة على الطاولة، فقرر ترتيب المكان. فأخذ جميع التقارير المحترقة وألقاها في علبة النفايات. ثم عاد الى سريره. عندما
رجع رجال الشرطة، صُدموا وارتعبوا عندما وجدوا ان «دليلهم المحسوس» الدقيق قد اختفى!في سنة ١٩٦٩، فُتش منزل عائلة بونها ثانية. وهذه المرة كان الاخ بونها في البيت، ووجدت الشرطة تقرير خدمة الجماعة. ولكنهم تركوه بدون مبالاة على الطاولة، مما اتاح للاخ بونها فرصة اتلافه. ولأنه فعل ذلك، حُكم عليه بالسجن ١٥ يوما. بعد ذلك اجبر سلك الامن الاخ بونها على الانتقال من بيته؛ فعاش وبشّر مدة من الوقت في جورجيا وداغستان. ولاحقا، عاد الى اوكرانيا وبقي امينا حتى موته في سنة ١٩٩٩.
«رحلات ارسالية» نظمها سلك الامن
في ستينات وسبعينات الـ ١٩٠٠، اجبر سلك الامن العديد من الاخوة النشاطى على الانتقال من مكان الى آخر. ولماذا حدث ذلك؟ لم تُرد السلطات المحلية ان ترسل الى كييڤ تقارير سلبية في ما يتعلق بنتائج النشاط المناهض للدين في مقاطعاتها. وقد ادركت السلطات المحلية، من جراء مراقبتها، ان عدد شهود يهوه يزداد كل سنة. ولكنهم ارادوا ان يُظهروا في تقاريرهم الى كييڤ ان اعداد الشهود لا تتزايد. وبالتالي اجبرت السلطات المحلية الاخوة على مغادرة مقاطعتها لكي يقدموا تقريرا ان الشهود لا يزدادون في العدد في مقاطعتهم.
وقد ادى ترحيل الشهود هذا من مقاطعة الى اخرى الى نشر بذار الحق. عادة، كانوا يرحِّلون الشهود الذين يأخذون القيادة في العمل. وفي الواقع، «شجعت» السلطات هؤلاء الاخوة والاخوات الغيورين على الانتقال، كما نقول اليوم، الى «حيث الحاجة اعظم». فخدموا في تلك المناطق، وبمرور الوقت، تشكلت جماعات جديدة.
على سبيل المثال، أُمر إيڤان ماليتسكييه من جوار مدينة ترنوپل ان يُغادر منزله. فانتقل الى القرم في جنوبي اوكرانيا، حيث كان يعيش عدد قليل من الاخوة فقط. وفي سنة ١٩٦٩، كانت توجد جماعة واحدة في القرم، ولكن الآن يوجد اكثر من ٦٠ جماعة! ولا يزال إيڤان ماليتسكييه يخدم كشيخ في احداها.
سنوات الحظر الاخيرة
في سنة ١٩٨٢، بعد ان تغيرت القيادة السياسية في الاتحاد السوڤياتي، اجتاحت اوكرانيا موجة اخرى من الاضطهاد دامت سنتين. ويبدو ان قادة الاتحاد السوڤياتي لم يجيزوا هذا الاضطهاد. بالاحرى، طلب القادة السوڤيات الجدد ان تُجرى تغييرات وإصلاحات في الجمهوريات. فلكي تُظهر السلطات المحلية في بعض اجزاء اوكرانيا غيرتها وتوقها الى صنع هذه الاصلاحات، سجنت عددا من الشهود البارزين. ومع ان موجة الاضطهاد هذه لم تؤثر في اغلبية الاخوة، فقد عانى بعض الشهود اذى عاطفيا وجسديا.
في سنة ١٩٨٣، حُكم على إيڤان ميڠالي من ترانسكارپاثيا بالسجن اربع سنوات. كما صادرت السلطات السوڤياتية كل ممتلكات هذا الشيخ البالغ ٥٨ من عمره. وخلال تفتيش بيت الاخ ميڠالي، وجد سلك الامن ٧٠ مجلة من مجلاتنا. وكان هذا الرجل المتواضع والمسالم معروفا جيدا في مجتمعه انه كارز بالكتاب المقدس. وقد استُخدمت هاتان الحقيقتان — حيازة المطبوعات والكرازة — كأساس لاعتقاله.
وحدثت في اوكرانيا الشرقية سلسلة من المحاكمات الجماعية خلال السنتين ١٩٨٣ و ١٩٨٤. وسُجن العديد من الشهود مدة تتراوح بين اربع وخمس سنوات. كان على معظم الاخوة ان يقضوا
فترة حكمهم، ليس في سيبيريا الباردة او قازاخستان، بل في اوكرانيا. وقد اضطُهد البعض حتى في السجن عندما اتُّهموا زورا بانتهاك قوانين السجن. وكان الهدف ايجاد اسباب لإطالة مدة بقائهم في السجن.كما أرسل عدد من آمري السجون بعض الاخوة الى مستشفيات الامراض العقلية السوڤياتية، آملين ان يصير الشهود مرضى عقليا ويتوقفوا عن عبادة اللّٰه. ولكنّ روح يهوه دعم الاخوة، وبقوا اولياء ليهوه وهيئته.
انتصار الثيوقراطية
خلال النصف الثاني من ثمانينات الـ ١٩٠٠، هدأت مقاومة العبادة الحقة بعض الشيء. وشهدت الجماعات المحلية زيادات في عدد الناشرين، وتوفر للاخوة المزيد من المطبوعات. وقد جلب بعض الشهود معهم كتبا ومجلات بعد زيارة اقربائهم في الخارج. بالنسبة الى الاخوة، وخصوصا الذين كانوا في معسكرات السجون السوڤياتية، كانت تلك المرة الاولى التي يمسكون فيها بأيديهم نسخة
اصلية لمطبوعة مؤسسة على الكتاب المقدس. ولم يستطع البعض ان يصدقوا انهم سوف يبقون احياء ويرون نسخة اصلية لمجلة برج المراقبة تعبر الستار الحديدي.بعد سنوات كثيرة من مكافحة شهود يهوه، بدأت السلطات تلين اخيرا. فدُعي الاخوة الى الاجتماع مع الممثلين المدنيين لمكاتب الشؤون الدينية المحلية. وقد رغبت بعض تلك السلطات في مقابلة شهود يهوه من المركز الرئيسي العالمي في بروكلين. كان من الطبيعي ان يشك الاخوة في البداية في وجود فخ. ولكن الازمنة كانت تتغير بالتأكيد بالنسبة الى شعب يهوه. في سنة ١٩٨٧، بدأت السلطات بإطلاق سراح الشهود المسجونين. ولاحقا، حاول عدد من الاخوة ان يحضروا المحفل الكوري لسنة ١٩٨٨ في پولندا المجاورة. استنادا الى وثائقهم، كانوا يزورون اصدقاءهم وأقرباءهم. ولدهشتهم الكبيرة، سمحت لهم السلطات ان يسافروا الى الخارج! فقدّم الاخوة الپولنديون بسخاء المطبوعات للزائرين الاوكرانيين. وفي طريق العودة، فُتش الاخوة الاوكرانيون على الحدود، ولكن عموما، لم يصادر موظفو الجمارك المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس. وهكذا تمكن الاخوة من إدخال الكتب المقدسة والمطبوعات الاخرى الى البلد.
وفي السنة التالية، دعا الاخوة الپولنديون المضيافون عددا اكبر من الاوكرانيين لزيارتهم. وهكذا في سنة ١٩٨٩، حضر الآلاف بتكتّم مزمور ١٢٦:١) ولكن لم يكن ذلك سوى بداية ذلك «الحلم» الجميل.
ثلاثة محافل اممية في پولندا وجلبوا المزيد من المطبوعات الى اوكرانيا. في تلك السنة عينها، ووفقا لاتفاق مع مكتب الشؤون الدينية، سُمح لشهود يهوه بتسلّم مطبوعات دينية من الخارج بالبريد، شرط ان توجد في الرزمة نسختان فقط لكل مطبوعة. فبدأ الاخوة من المانيا يرسلون قانونيا رزم الكتب والمجلات. وبدلا من نسخ المجلات سرّا في مخابئ تحت الارض او في وقت متأخر من الليل في الطابق السفلي في بيوتهم، تسلّم الاخوة الآن المطبوعات رسميا من خلال مكاتب البريد المحلية. كان الامر اشبه بحلم! وكانت مشاعر العديد من القدامى مماثلة لمشاعر اليهود بعد عودتهم الى اورشليم من السبي: «صرنا مثل الحالمين». (المحفل في وارسو
في سنة ١٩٨٩، اوصى الاخوة من بروكلين ان تبدأ لجنة البلد بمفاوضات مع السلطات لتسجيل خدمتنا العلنية. اضافة الى ذلك، قام مِلتون هنشل وثيودور جارس من بيت ايل بروكلين بزيارة الاخوة في اوكرانيا. وفي السنة التالية، سمحت السلطات رسميا لآلاف من شهود يهوه بحضور المحفل في پولندا. وعند تسجيل وثائق السفر، اعلن الاخوة — بفخر وعيون متألقة — انهم يريدون الذهاب الى پولندا، ليس لزيارة اصدقائهم وأقربائهم، بل لحضور محفل لشهود يهوه!
كان المحفل في وارسو خصوصيا جدا بالنسبة الى الآتين من اوكرانيا. وقد انحدرت على خدودهم دموع الفرح: فرح الاجتماع مع الرفقاء المسيحيين، فرح تسلّم مطبوعات بأربعة ألوان بلغتهم الام، وفرح التمتع بحرية الاجتماع معا. وأعرب لهم الاخوة الپولنديون عن ضيافتهم الحبية، مزودين اياهم بكل حاجاتهم.
والتقى العديد من السجناء السابقين ذوي الايمان المشترك للمرة الاولى في هذا المحفل في وارسو. وأكثر من مئة شخص من معسكر موردڤينا «الخصوصي» — حيث سُجن مئات الشهود — التقوا واحدهم الآخر هناك. فوقف كثيرون منهم ينظرون واحدهم الى الآخر ويبكون فرحا. ثمة اخ من مولداڤيا التقى بيلا مايسار لكنّه لم يعرفه، مع انه قضى معه خمس سنوات في زنزانة في السجن. لماذا؟ قال: «اني اتذكرك بثياب مخططة، وأنت مرتدٍ الآن بدلة وربطة عنق!».
الحرية الدينية اخيرا!
في نهاية سنة ١٩٩٠، بدأت المؤسسات القضائية بتبرئة بعض شهود يهوه، معيدة اليهم حقوقهم وامتيازاتهم. وفي الوقت نفسه، شكلت لجنة البلد فريقا يمثل شهود يهوه في اجتماعاتهم مع السلطات الحكومية. وقد اشرف ڤيلي پول من فرع المانيا على هذا الفريق.
وقد ادت الاجتماعات المطوّلة مع السلطات الحكومية في موسكو وكييڤ الى منح الشهود حريتهم التي طال انتظارها. وسُجلت هيئة شهود يهوه الدينية في اوكرانيا في ٢٨ شباط (فبراير) سنة ١٩٩١،
وهو اول تسجيل من نوعه في اراضي الاتحاد السوڤياتي. وبعد شهر، في ٢٧ آذار (مارس) سنة ١٩٩١، سُجلت هذه الهيئة ايضا في روسيا الاتحادية. وهكذا، بعد اكثر من ٥٠ سنة من الحظر والاضطهاد، نال شهود يهوه اخيرا حريتهم الدينية. وبعد ذلك بفترة قصيرة، في اواخر سنة ١٩٩١، انحلّ الاتحاد السوڤياتي، وأعلنت اوكرانيا استقلالها.التربة الجيدة تنتج بوفرة
في سنة ١٩٣٩، في ما هو اليوم اوكرانيا، كان هنالك حوالي ٠٠٠,١ ناشر لملكوت اللّٰه، وقد زرعوا بذار الحق في تربة جيدة — قلوب الناس. وخلال الحظر الذي دام ٥٢ سنة، عانى الاخوة فظائع الحرب العالمية الثانية، النفي الى سيبيريا، الضرب المبرح، التعذيب، والاعدام. ومع ذلك، انتجت «التربة الجيدة» خلال تلك الفترة اكثر من ٢٥ ضعفا. (متى ١٣:٢٣) وفي سنة ١٩٩١، وُجد ٤٤٨,٢٥ ناشرا في ٢٥٨ جماعة في اوكرانيا وحوالي ٠٠٠,٢٠ ناشر في الجمهوريات الاخرى في الاتحاد السوڤياتي السابق، الذين في معظمهم تعلموا الحق من الاخوة الاوكرانيين.
كانت تلك التربة بحاجة الى «تسميد» في شكل مطبوعات الكتاب المقدس. ولذلك، بعد التسجيل الشرعي لعملنا، صُنعت الترتيبات لجلب شحنات من المطبوعات من زلترس في المانيا. فوصلت اول شحنة من المطبوعات في ١٧ نيسان (ابريل) سنة ١٩٩١.
اقام الاخوة مستودعا صغيرا في لْڤوف، وكانوا يُرسلون منه المطبوعات بواسطة الشاحنات، القطار، حتى الطائرة الى الجماعات في كل انحاء اوكرانيا، روسيا، قازاخستان، وسائر بلدان الاتحاد السوڤياتي السابق. وقد ادى ذلك الى المزيد من النمو الروحي. ففي بداية سنة ١٩٩١، كانت توجد في مدينة خاركوف، التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة، جماعة واحدة فقط. وفي وقت لاحق من تلك السنة، صارت
هذه الجماعة الواحدة ذات الـ ٦٧٠ ناشرا ثماني جماعات. وحاليا، يوجد اكثر من ٤٠ جماعة في تلك المدينة!مع ان الاتحاد السوڤياتي انحلّ في سنة ١٩٩١، اهتمت لجنة البلد بجميع الجمهوريات الـ ١٥ في الاتحاد السوڤياتي السابق حتى سنة ١٩٩٣. وفي تلك السنة في اجتماع مع الاخوة من الهيئة الحاكمة، اتُّخذ قرار لتشكيل لجنتين — لجنة لأوكرانيا ولجنة لروسيا وباقي الجمهوريات الـ ١٣ في الاتحاد السوڤياتي السابق. وبالاضافة الى ميكيل داسيڤيتش، ألكسي داڤيديوك، ستيپان كوجيمبا، وأَناني هروهُل، أُضيف ثلاثة اخوة آخرون الى لجنة البلد في اوكرانيا: ستيپان هلينسكييه، ستيپان ميكيڤيتش، ورومَن يوركيڤيتش.
وصار من الضروري آنذاك تشكيل فريق للترجمة لسدّ الحاجة المتزايدة الى مطبوعات باللغة الاوكرانية. وكما رأينا سابقا، شارك في هذا العمل الاخوَان الكنديان إميل زاريتسكْيه وموريس سارانتشوك الى جانب زوجتيهما. فترجم هذا الفريق الصغير من العمال المتفانين عدة مطبوعات. ولكن منذ سنة ١٩٩١، تشكل فريق ترجمة اوكراني موسّع في المانيا. وفي سنة ١٩٩٨، انتقلوا الى پولندا حيث تابعوا عملهم قبل ان ينتقلوا اخيرا الى اوكرانيا.
المحافل الكورية
بعد اجتماع مع الاخوة المحليين في لْڤوف في سنة ١٩٩٠، تفحص الاخ جارس مدرَّج المدينة وقال: «قد نستخدم هذا المدرَّج من اجل المحفل الكوري في السنة التالية». فابتسم له الاخوة، متسائلين كيف يمكن ان يحصل ذلك، بما ان هيئتنا لم تُسجّل بعد والاخوة لم ينظموا محفلا من قبل قط. الا ان الهيئة سُجّلت في السنة التالية. وفي آب (اغسطس) سنة ١٩٩١، حضر ٥٣١,١٧
شخصا المحفل الكوري في ذاك المدرَّج، واعتمد ٣١٦,١ أخا وأختا! ودُعي الاخوة الپولنديون الى اوكرانيا ليساعدوا في تنظيم المحفل.وكان مخطّطا عقد محفل آخر في شهر آب في أوديسّا. ولكن بسبب الاضطراب السياسي الذي حصل في روسيا في بداية اسبوع المحفل، اعلم الرسميون المحليون الاخوة انه لا يمكنهم عقد المحفل في أوديسّا. فاستمر الاخوة يطلبون من رسميي المدينة ان يأذنوا لهم بعقد المحفل، وتابعوا التحضيرات الاخيرة، متكلين كاملا على يهوه. اخيرا، قيل للاخوة المسؤولين ان يراجعوا الرسميين يوم الخميس من اجل القرار النهائي. وبعد ظهر ذلك اليوم، حصل الاخوة على الاذن بعقد المحفل.
كم كان مدهشا وجميلا ان يُرى ١١٥,١٢ شاهدا مجتمعين وأن يعتمد ٩٤٣,١ شخصا في نهاية الاسبوع تلك! بعد المحفل بيومين، زار الاخوة رسميي المدينة ثانية، شاكرينهم على سماحهم لنا بعقد المحفل. وأعطوا رئيس مجلس المدينة نسخة من كتاب اعظم انسان عاش على الاطلاق. فقال: «لم اكن موجودا في المحفل، ولكنني اعرف كل ما حصل هناك. لم ارَ قط شيئا افضل من هذا. وأعدكم انكم كلما اردتم اذنا لعقد اجتماعاتكم، سأكون دائما مستعدا لمنحكم اياه». ومنذ ذلك الوقت، يعقد الاخوة قانونيا محافل كورية في مدينة أوديسّا الجميلة.
محفل اممي بارز
كان المحفل الاممي «التعليم الالهي» الذي عُقد في كييڤ في آب (اغسطس) سنة ١٩٩٣ حدثا آخر بالغ الاهمية. بلغ عدد الحضور فيه ٧١٤,٦٤ شخصا، وكان اكبر محفل في اوكرانيا، وضمّ آلاف المندوبين من اكثر من ٣٠ بلدا. وقد تُرجمت اجزاء المحفل التي قُدّمت بالانكليزية بِـ ١٦ لغة في آن واحد.
كم كانت مؤثرة رؤية الاخوة والاخوات الذين يملأون خمسة اقسام من المدرَّج يقفون ليجيبوا نعم عن سؤالي المعمودية! وخلال الساعتين والنصف التاليتين، اعتمد ٤٠٢,٧ شخصا في ست برك للمعمودية. وكان ذلك اكبر عدد من المعتمدين في اي من المحافل التي عُقدت في التاريخ العصري لشعب اللّٰه! وسيتذكر شهود يهوه على الدوام هذا الحدث البارز ويعزّونه.
ولكن كيف كان ممكنا تنظيم محفل كبير كهذا بوجود ١١ جماعة فقط في المدينة؟ كما في السنين السابقة، اتى الاخوة من پولندا للمساعدة في قسم المنامة. وقاموا هم والاخوة المحليون بعقد اتفاقيات مع اكبر عدد ممكن من الفنادق ومنامات الطلاب، حتى انهم استأجروا بعض المراكب الراسية في الانهر.
كانت اصعب مهمة الحصول على اذن باستئجار المدرَّج. فبالاضافة الى كونه مكانا لإجراء المباريات الرياضية، يتحول المدرَّج الى ساحة سوق كبيرة في نهايات الاسابيع، ولم يحصل احد يوما على اذن بإقفال السوق. ومع ذلك، حصلنا على الاذن.
كما شكلت سلطات المدينة لجنة خصوصية لمساعدة الاخوة في عملهم التحضيري. وضمت هذه اللجنة رؤساء مختلف المرافق في البلد، مثل دائرة الشرطة، النقل، والسياحة. وصُنع ترتيب فريد
لتنقّل مندوبي المحفل داخل المدينة. فقد دفع الاخوة مسبقا لوسائل النقل العام بحيث يتمكن الذين يضعون شارات المحفل من استخدام وسائل النقل هذه دون اي اجر، اذ بإمكانهم ان يدفعوا في المحفل. وهكذا كان باستطاعة الاخوة ان يستقلوا بسرعة القطار النفقي، الترام، وباصات المدينة وهم ينتقلون الى المدرَّج الجمهوري (الآن الاولمپي) ومنه، وهو احد اكبر المدرّجات في اوروپا الشرقية. ولراحة مندوبي المحفل، فُتحت افران اضافية في جوار المدرَّج ليتمكن الاخوة من الحصول على الطعام بسرعة من اجل اليوم التالي.كان رئيس الشرطة مندهشا جدا من النظام في المحفل بحيث علّق وقال: «كل ما فعلتموه، الى جانب سلوككم الجيد، قد اثّر فيّ اكثر من كرازتكم. قد ينسى الناس ما سمعوه، ولكنهم لن ينسوا ابدا ما رأوه».
وعدة نساء يعملن في محطة قريبة للقطار النفقي اتين الى مكتب ادارة المحفل ليشكرن المندوبين على تصرفهم الجيد. ذكرت النساء: «لقد عملنا هنا خلال العديد من المناسبات الرياضية والسياسية، ولكنها المرة الاولى التي نرى فيها زائرين مهذبين وسعداء اهتموا بنا شخصيا. جميعهم سلّموا علينا. لم نعتد ان يسلّم علينا الناس في المناسبات الاخرى».
ظلت الجماعات في كييڤ مشغولة بعد المحفل، اذ جرى تسلّم نحو ٥٠٠,٢ عنوان من اشخاص مهتمين يريدون ان يتعلموا المزيد. ويوجد الآن اكثر من ٥٠ جماعة من الشهود الغيورين في كييڤ.
ثمة فريق من الاخوة الآتين الى المحفل سُلبوا كل ما لديهم. ولكن لكونهم مصممين ان يغتنوا روحيا، قرروا متابعة سفرهم الى
كييڤ، فوصلوا الى المحفل وليس لديهم سوى الثياب التي يرتدونها. الا ان فريقا من الاخوة من تشيكوسلوڤاكيا السابقة جلبوا معهم ثيابا اضافية لكل من يكون محتاجا. وعندما علمت ادارة المحفل بذلك، زُود بسرعة الاخوة الذين سُلبت امتعتهم بكل الثياب الضرورية.المساعدة من اجل النمو
ان امثلة المحبة غير الانانية هذه ليست الامثلة الوحيدة. ففي سنة ١٩٩١، طلبت الهيئة الحاكمة من عدة فروع في اوروپا الغربية ان يزودوا الطعام واللباس لإخوتهم في اوروپا الشرقية. فقدّر الشهود هذه الفرصة للمساعدة، وفاق استعدادهم للمشاركة كل التوقعات. كثيرون تبرّعوا بالطعام والثياب المستعملة، في حين احضر آخرون ثيابا جديدة. وجمعت مكاتب الفروع في اوروپا الغربية الصناديق، الحقائب، والاكياس المحتوية المواد المتبرَّع بها. فأُرسلت اطنان من الطعام والثياب من المانيا، ايطاليا، الدانمارك، السويد، سويسرا، النمسا، وهولندا الى لْڤوف في قوافل الشاحنات. وغالبا ما تبرّع الاخوة بشاحناتهم ايضا لتُستخدم في عمل الملكوت في اوروپا الشرقية. وكانت السلطات على الحدود مساعِدة جدا في اصدار الاوراق الضرورية لكي تُسلَّم كل الحاجيات دون مصاعب.
تأثر الاخوة الذين اوصلوا الحاجيات بالطريقة التي جرى تسلُّمها. ثمة فريق قاد الشاحنات من هولندا الى لْڤوف اخبروا عن رحلتهم. كتبوا: «كان هنالك ١٤٠ أخا لإفراغ حمولة الشاحنات. وقبل البدء بالعمل، اظهر هؤلاء الاخوة المتواضعون اتكالهم على يهوه، مقدمين صلاة متحدة. وعندما انتهت المهمة، اجتمعوا مجددا من اجل صلاة شكر ليهوه. وبعد التمتع بحسن ضيافة الاخوة المحليين، الذين اعطوا بسخاء من القليل الذي عندهم، جرت مرافقتنا الى الطريق الرئيسي، حيث قدموا صلاة على جانب الطريق قبل مغادرتنا.
«خلال رحلة العودة الطويلة، كان هنالك الكثير لتذكُّره — حسن ضيافة الاخوة في المانيا وپولندا، وذاك الذي لإخوتنا في لْڤوف؛ ايمانهم القوي وموقفهم المتّسم بالصلاة؛ حسن ضيافتهم في تزويد المأوى والطعام في حين انهم هم انفسهم في حالة عوز؛ اعرابهم عن الوحدة والتضامن؛ وشكرهم. وفكرنا ايضا في اخوتنا وأخواتنا في الموطن الذين اعطوا بسخاء».
قال احد السائقين من الدانمارك: «اكتشفنا اننا رجعنا ومعنا اكثر مما اخذنا. فالمحبة وروح التضحية بالذات اللتان اظهرهما اخوتنا الاوكرانيون قوّتا ايماننا كثيرا».
أُرسل الكثير من الحاجيات المتبرَّع بها الى مولداڤيا، بلدان البلطيق، قازاخستان، روسيا، وغيرها من الاماكن حيث توجد ايضا حاجة ماسة. وأُرسلت بعض الشحنات بالحاويات الى سيبيريا وخباروفسك، اللتين تبعدان اكثر من ٠٠٠,٧ كيلومتر الى الشرق. وكانت رسائل التقدير العميق من الذين نالوا المساعدة مؤثرة ومشجعة وموحِّدة. وهكذا اختبر كل المشمولين صدق كلمات يسوع: «السعادة في العطاء اكثر منها في الأخذ». — اعمال ٢٠:٣٥.
في وقت متأخر من سنة ١٩٩٨، حدثت كارثة في ترانسكارپاثيا. واستنادا الى المصادر الرسمية، غُمر ٧٥٤,٦ بيتا، ودمّرت السيول الطينية ٨٩٥ بيتا تدميرا كاملا. ومن جملة البيوت المدمّرة دُمّر ٣٧ بيتا يخصّ الشهود. على الفور ارسل الفرع في لْڤوف الى المنطقة شاحنة مليئة بالطعام، الماء، الصابون، الاسرّة، والاغطية. لاحقا، ارسل
الاخوة من كندا والمانيا ثيابا وحاجيات منزلية. وزوّد الشهود من پولندا، الجمهورية التشيكية، سلوڤاكيا، وهنڠاريا الطعام وأرسلوا ايضا مواد للبناء لترميم البيوت المدمرة. كما ساعد العديد من الاخوة المحليين في عمل الترميم. وزوّد الشهود الطعام، الثياب، والوقود للرفقاء الشهود ولغيرهم ايضا. ونظفوا الافنية والحقول وساعدوا على ترميم بيوت غير الشهود.منح المساعدة الروحية
ولكنّ المساعدة المادية لم تكن المساعدة الوحيدة المقدّمة. فبعد اكثر من ٥٠ سنة تحت الحظر، لم يكن الشهود الاوكرانيون حسني الاطلاع على تنظيم العمل في جو الحرية. لذلك أُرسل اخوة من فرع المانيا في سنة ١٩٩٢ ليساعدوا في تنظيم العمل في اوكرانيا. فمهد ذلك للعمل المستقبلي في بيت ايل. لاحقا، ارسلت كندا، المانيا، والولايات المتحدة اخوة آخرين للمساعدة في الاشراف على نشاط التلمذة.
كانت هنالك ايضا حاجة كبيرة الى اخوة ذوي خبرة في الحقل. في بادئ الامر، اتى الكثير من متخرجي مدرسة تدريب الخدام من پولندا للاهتمام بالجماعات ولاحقا بالدوائر والكور في كل البلد. اضافة الى ذلك، اتى بعض الازواج من كندا والولايات المتحدة وهم يخدمون الآن في العمل الدائري. كما يخدم بعض الاخوة من ايطاليا، الجمهورية التشيكية، سلوڤاكيا، وهنڠاريا كنظار دوائر. وقد ساعدت هذه الترتيبات العديد من الجماعات المحلية في تطبيق المقاييس المؤسسة على الاسفار المقدسة والتكيف وفقها في عدة اوجه للخدمة.
تقدير مطبوعات الكتاب المقدس
كان النصف الثاني من تسعينات الـ ١٩٠٠ بارزا بحملات المطبوعات الخصوصية. فبعد توزيع اخبار الملكوت رقم ٣٥ في سنة
١٩٩٧، جرى تسلّم ما يقارب ٠٠٠,١٠ قسيمة من اشخاص مهتمين طلبوا الحصول على كراسة ماذا يطلب اللّٰه منا؟ او ان يجري الاتصال بهم شخصيا.كثيرون من الناس يقدّرون مطبوعاتنا. فعندما زار الاخوة احدى دور التوليد، طُلب منهم ان يزوّدوا المستشفى كل اسبوع بِـ ١٢ نسخة من كتاب سرّ السعادة العائلية. لماذا؟ لقد ارادت هيئة المستخدمين ان تعطي كل زوجين يرزقان بولد كتابا مع شهادة الولادة!
وخلال السنوات الاخيرة، اطّلع كثيرون على مجلاتنا وصاروا يقدّرونها. على سبيل المثال، فيما كان الشهود يكرزون في حديقة عامة، عرضوا على رجل نسخة من مجلة استيقظ!. شكرهم الرجل وسأل: «كم ثمنها؟».
شرح الاخوة: «عملنا تدعمه التبرعات الطوعية». فتبرع الرجل
بورقة نقدية بقيمة هْريڤنا — ما عادل آنذاك ٥٤ سنتا (اميركيا) — جلس على مقعد في الحديقة، وباشر بقراءة المجلة. في اثناء ذلك، شهد الاخوة لآخرين في الحديقة. وفي غضون ١٥ دقيقة، اقترب الرجل من الاخوة وتبرع بهْريڤنا اخرى من اجل المجلة التي تسلّمها. ثم عاد الى المقعد وتابع القراءة فيما استمر الاخوة في الكرازة. بعد قليل، اقترب الرجل من الاخوة ثانية وأعطاهم ايضا هْريڤنا اخرى. وقال لهم انه وجد المجلة مثيرة جدا للاهتمام ويريد ان يقرأها على نحو قانوني.الثقافة الجيدة تُسرّع النمو
بعد ان حصلنا على الاعتراف الشرعي، تقدّم العمل بسرعة. ولكن لم يخلُ الامر من بعض التحديات. في البداية، عانى البعض صعوبة في التكيف مع الطريقة الجديدة في الخدمة من بيت الى بيت، بما انه طوال اكثر من نصف قرن جرت كل الشهادة بطريقة غير رسمية. ولكن بمساعدة روح يهوه، نجح الاخوة والاخوات في التكيف مع ما كان بالنسبة اليهم طريقة جديدة للشهادة.
وصار من الممكن ايضا تنظيم الاجتماعات الاسبوعية الخمسة في كل جماعة. وقد لعب ذلك دورا مهما في توحيد الناشرين وفي تحريضهم على المزيد من النشاط. فتعلّم الاخوة بسرعة وتقدموا في العديد من اوجه خدمتهم. ومنحت المدارس الجديدة الشهود في اوكرانيا ثقافة جيدة. على سبيل المثال، تأسست مدرسة الخدمة الثيوقراطية في سنة ١٩٩١ في كل الجماعات لتدريب الشهود على العمل الكرازي. ومنذ سنة ١٩٩٢، فإن مدرسة خدمة الملكوت للشيوخ والخدام المساعدين تساعد الاخوة كثيرا في اخذ القيادة في خدمة الحقل، التعليم في الجماعة، وفي عمل الرعاية.
في سنة ١٩٩٦، أُنشئت مدرسة خدمة الفتح في اوكرانيا. وخلال السنوات الخمس الاولى، حضر اكثر من ٤٠٠,٧ فاتح قانوني هذا المقرَّر الذي يدوم اسبوعين. فكيف افادهم ذلك؟ كتبت احدى الفاتحات: «فرحت ان اكون الطين في يدي يهوه وأن يجبلني عن طريق هذه المدرسة». وقالت فاتحة اخرى: «بعد مدرسة الفتح، بدأت ‹اضيء›». وكتب احد صفوف مدرسة الفتح: «كانت هذه المدرسة بركة حقيقية لنا جميعا نحن الذين حضرناها. لقد دفعتنا الى تنمية اهتمام شديد بالناس». وقد لعبت المدرسة دورا مهما في الحصول على ٥٧ ذروة شهرية متتالية في عدد الفاتحين القانونيين.
وبما ان الحالة الاقتصادية صعبة، يتساءل كثيرون كيف يتدبر الفاتحون امرهم لسدّ حاجاتهم. ثمة فاتح هو خادم مساعد وله ثلاثة اولاد لإعالتهم يقول: «نفكر انا وزوجتي بشكل شامل في كل حاجاتنا،
ونخطط للحصول على ضرورات الحياة فقط. نعيش حياة بسيطة، متّكلين على يهوه. وبحيازتنا هذا الموقف الصائب، نتعجب اننا بحاجة الى القليل لسدّ كل حاجاتنا».بدأت مدرسة تدريب الخدام في اوكرانيا في سنة ١٩٩٩. وقد حضرها في السنة الاولى حوالي مئة اخ. كان حضور هذا المقرَّر الذي يدوم شهرين تحدّيا بالنسبة الى كثيرين وسط المصاعب الاقتصادية السائدة. ولكن كان واضحا ان يهوه دعم الاخوة.
تلقى اخ، يخدم كفاتح قانوني في مقاطعة بعيدة، الدعوة الى حضور مدرسة تدريب الخدام. كان قد ادّخر هو ورفيقه في الفتح ما يكفي من المال لشراء الطعام والفحم للشتاء القادم. وعندما تلقى الدعوة الى حضور المدرسة، كان عليهما ان يختارا بين شراء الفحم وشراء تذكرة في القطار كي يذهب لحضور المدرسة. ناقشا القضية وقررا ان عليه الذهاب الى المدرسة. بُعيد اتخاذ هذا القرار، ارسلت له اخته الجسدية التي تعيش في الخارج بعض المال كهدية. وقد كان كافيا ليسافر الى المدرسة. وفي نهاية المدرسة، عُيّن هذا الاخ فاتحا خصوصيا.
ان مثل هذه البرامج التثقيفية تعدّ شعب يهوه للاشتراك بفعالية اكثر في خدمة الحقل وفي نشاط الجماعة. ويتعلم الناشرون كيف يكرزون بفعالية اكثر؛ كما يتعلم الشيوخ والخدام المساعدون كيف يكونون مصدر تشجيع كبير في جماعاتهم. ونتيجة لذلك، ‹تظل الجماعات تتشدد في الايمان وتزداد في العدد›. — اعمال ١٦:٥.
تغييرات ناتجة عن الزيادة السريعة
خلال السنوات التي تلت التسجيل الشرعي، اصبح عدد شهود يهوه في اوكرانيا اكثر من اربعة اضعاف. وشهدت مناطق عديدة في
البلد نموا هائلا. وبرزت حاجة كبيرة الى شيوخ اكفاء. فغالبا ما كانت تنقسم الجماعات حالما يوجد شيخ ثانٍ. وبلغ عدد ناشري بعض الجماعات ٥٠٠. وقد تطلب مثل هذا النمو السريع تغييرات في الاشراف.حتى ستينات الـ ١٩٠٠، ساعد فرع پولندا في الاشراف على العمل في اوكرانيا، وبعد ذلك زود فرع المانيا الاشراف والمساعدة. وفي ايلول (سبتمبر) ١٩٩٨، صارت اوكرانيا فرعا تحت اشراف المركز الرئيسي العالمي في بروكلين. في ذلك الوقت تشكلت لجنة فرع لإدارة الامور التنظيمية.
نتيجة النمو السريع نشأت حاجة الى تسهيلات موسّعة للفرع. وابتداء من سنة ١٩٩١، استُخدمت لْڤوف كمركز لتوزيع المطبوعات على الجمهوريات الـ ١٥ في الاتحاد السوڤياتي السابق. وفي السنة التالية، وصل اخوَان مع زوجتيهما من مكتب الفرع في المانيا. وسرعان ما بدأ مكتب صغير بالعمل في لْڤوف. بعد سنة، تمّ شراء بيت سكنه مَن كانوا يشتغلون في المكتب كامل الوقت. وفي اوائل سنة ١٩٩٥، ازداد بسرعة عدد المتطوعين الذين يعملون في مكتب اوكرانيا، مما حتم الانتقال ثانية، وهذه المرة الى مجمّع من ست قاعات ملكوت تجتمع فيها ١٧ جماعة. وفي تلك الاثناء، كان الاخوة يتساءلون: «متى وأين سنبني بيت ايل خاصا بنا؟».
بناء فرع وقاعات ملكوت
في سنة ١٩٩٢، بدأ الاخوة يبحثون عن قطعة ارض لبناء تسهيلات الفرع. مرت عدة سنوات وهم يفحصون مواقع قد تكون ملائمة. وظل الاخوة يذكرون هذه الحاجة في صلواتهم ليهوه، واثقين انه في الوقت المناسب سيجدون موقعا ملائما.
في اوائل سنة ١٩٩٨، وجد الاخوة قطعة ارض في غابة صنوبر رائعة، على بعد ٥ كيلومترات شمالي لْڤوف في مدينة بريوخوڤيتشي الصغيرة. وقرب هذا الموقع كانت هنالك جماعتان تعقدان اجتماعاتهما في الغابة خلال الحظر. ذكر احد الاخوة: «لم يخطر على بالي قط انه بعد عشر سنوات من عقد اجتماعنا الاخير في الغابة، ستسنح لنا الفرصة ثانية ان نجتمع في الغابة نفسها، ولكن في ظل ظروف مختلفة كليا — على قطعة ارض يملكها فرعنا الجديد!».
في نهاية سنة ١٩٩٨، وصل الخدام الامميون الاولون الى الموقع. وبدأ الاخوة من مكتب الهندسة الاقليمي في زلترس في المانيا يعملون بنشاط لإعداد الرسوم. وفي اوائل كانون الثاني (يناير) ١٩٩٩، بعد الحصول على موافقة الحكومة، بدأ العمل في موقع البناء. كان موجودا اكثر من ٢٥٠ متطوعا من ٢٢ قومية مختلفة. كما وصل عدد المتطوعين المحليين الذين اشتغلوا في المشروع في نهايات الاسابيع الى ٢٥٠ شخصا.
وقد قدّر كثيرون تقديرا رفيعا امتياز العمل في المشروع. فجماعات بكاملها استأجرت باصات ليأتوا الى بريوخوڤيتشي ويتطوعوا للعمل في نهايات الاسابيع. وكانوا في احيان كثيرة يسافرون الليل كله لكي يصلوا الى الموقع في الوقت المناسب ليساعدوا في عمل البناء. وبعد يوم طويل من العمل الشاق، يقضون ليلة اخرى في طريق العودة الى
بيوتهم، متعبين ولكن مكتفين وسعداء، وراغبين في المجيء ثانية. ثمة فريق مؤلف من ٢٠ أخا سافروا بالقطار مدة ٣٤ ساعة من منطقة لوهانسك في اوكرانيا الشرقية ليعملوا ثماني ساعات في بناء بيت ايل! وللعمل طوال الساعات الثماني هذه، اخذ كل اخ فرصة يومين من عمله الدنيوي وصرف اكثر من نصف راتبه الشهري لشراء تذكرة القطار. وقد شجعت هذه الروح المتسمة بالتضحية بالذات عائلة بيت ايل وكامل فريق البناء في بيت ايل. وتقدم عمل البناء بسرعة، مما اتاح تدشين الفرع في ١٩ ايار (مايو) ٢٠٠١. ووُجد في تلك المناسبة ممثلون من ٣٥ بلدا. وفي اجتماعين خصوصين في اليوم التالي، تكلم ثيودور جارس الى ٨٨١,٣٠ شخصا في لْڤوف، وتكلم ڠِريت لوش الى ١٤٢,٤١ شخصا في كييڤ — ما مجموعه ٠٢٣,٧٢ شخصا.ماذا عن قاعات الملكوت؟ منذ سنة ١٩٣٩، عندما دُمّرت عدة قاعات في ترانسكارپاثيا، لم توجد قاعات ملكوت رسمية في اوكرانيا حتى سنة ١٩٩٣. ففي تلك السنة، بُني مجمّع جميل من اربع قاعات ملكوت في ثمانية اشهر فقط في قرية ديبروڤا في ترانسكارپاثيا. وبعد ذلك بوقت قصير، أُكملت ست قاعات في مناطق اخرى من اوكرانيا.
وبسبب التزايد الكبير في عدد الناشرين، توجد حاجة كبيرة الى قاعات ملكوت. ولكن بسبب الاجراءات القانونية المعقدة، التضخم المالي، وارتفاع كلفة مواد البناء لم تُبنَ سوى ١١٠ قاعات ملكوت في تسعينات الـ ١٩٠٠. ولا تزال توجد حاجة الى مئات اخرى! لذلك في سنة ٢٠٠٠، ابتدئ ببرنامج جديد لبناء قاعات ملكوت، وهو يساعد الآن على سد هذه الحاجة.
الى الامام في عمل الحصاد!
في ايلول (سبتمبر) ٢٠٠١، كان يوجد ٠٢٨,١٢٠ شاهدا ليهوه في ١٨٣,١ جماعة في اوكرانيا، يخدمها ٣٩ ناظر دائرة! فبذار الحق لوقا ٨:١٥؛ ١ كورنثوس ٣:٦.
الذي زُرع على مدى فترة طويلة قد انتج ثمرا جيدا ووافرا. وفي بعض العائلات، توجد خمسة اجيال من شهود يهوه. يُظهر ذلك ان «التربة» جيدة حقا. ‹فبعد سماع كثيرين الكلمة بقلب جيد وصالح، حفظوها›. وعلى مر السنين، ‹غرس› الاخوة البذار، غالبا بدموع؛ وآخرون ‹سقوا› التربة الجيدة. ويهوه يستمر يُنمي، ولا يزال شهوده الامناء في اوكرانيا «يُثمرون بالاحتمال». —ان نسبة الشهود الى عدد السكان بارزة في بعض المقاطعات. على سبيل المثال، في ثماني قرى تتكلم الرومانية في منطقة ترانسكارپاثيا توجد ٥٩ جماعة مشكِّلة ثلاث دوائر.
لم ينجح المقاومون الدينيون وغير الدينيين في جهودهم لاستئصال شهود يهوه من اوكرانيا بواسطة النفي والاضطهاد القاسي. فقد تبين ان قلوب الناس في هذه الارض متقبلة لبذار حق الكتاب المقدس. واليوم، يحصد شهود يهوه حصادا وافرا.
لقد انبأ النبي عاموس بوقت حصاد حين «يُدرك الحارثُ الحاصدَ». (عاموس ٩:١٣) فبركة يهوه تجعل التربة منتجة جدا بحيث انه فيما الحصاد مستمر يحين وقت الحرث للموسم القادم. وقد اختبر شهود يهوه في اوكرانيا صحة هذه النبوة. وبالنظر الى المستقبل، هم واثقون ان امكانيات المزيد من النمو مشجعة جدا اذ ان اكثر من ربع مليون شخص حضروا الذِّكرى سنة ٢٠٠١.
يعد يهوه، كما هو مسجل في عاموس ٩:١٥: «أَغرسُهم في ارضهم ولن يُقلَعوا بعد من ارضهم التي اعطيتهم». وإذ يستمر شعب اللّٰه في زرع بذار الحق وحصد غلال وافرة، يتطلعون باهتمام شديد الى الوقت حين يتمم يهوه هذا الوعد كاملا. وفي الوقت الحاضر، ‹نرفع اعيننا وننظر الحقول، انها قد ابيضّت للحصاد›. — يوحنا ٤:٣٥.
[النبذة في الصفحة ١٤٠]
«كان من الممكن ان يُشنق دانْييل، ولكن لكونه قاصرا حُكم عليه بالسجن اربعة اشهر فقط»
[النبذة في الصفحة ١٤٥]
«اختلف الشهود عن البقية في معسكر الاعتقال. وأظهر تصرفهم ان لديهم امرا مهما جدا ليقولوه للسجناء الآخرين»
[النبذة في الصفحة ١٦٦]
في ٨ نيسان (ابريل) سنة ١٩٥١، نُفي اكثر من ١٠٠,٦ شاهد من اوكرانيا الغربية الى سيبيريا
[النبذة في الصفحة ١٧٤]
«كانت اخواتنا تنجز في اغلب الاحيان عمل خدام الجماعة، وفي بعض المناطق اتممن مسؤوليات خدام الدائرة»
[النبذة في الصفحة ١٨٣]
بدلا من قضاء شهر العسل، قضى عشر سنين في السجن
[النبذة في الصفحة ١٨٤]
«كان من المؤلم جدا إعطاء ابنتي الحبيبة لشخص لم اره من قبل قط»
[النبذة في الصفحة ١٩٣]
اذ ادرك سلك الامن ان شهود يهوه لا يمكن إسكاتهم بالنفي، السجن، العنف الجسدي، والعذاب، استعمل طرائق جديدة
[النبذة في الصفحة ٢٠٧]
قدّمت الـ KGB للاخوة المنفصلين رسالة زائفة، يُفترض انها من الاخ نور
[النبذة في الصفحة ٢١٢]
كان الـ KGB متيقظين خصوصا في وقت الذِّكرى، اذ انهم يعرفون الوقت التقريبي للاحتفال
[النبذة في الصفحة ٢٣١]
كانت تلك المرة الاولى التي يمسكون فيها بأيديهم نسخة اصلية لمطبوعة مؤسسة على الكتاب المقدس
[النبذة في الصفحة ٢٣٨]
«كل ما فعلتموه، الى جانب سلوككم الجيد، قد اثّر فيّ اكثر من كرازتكم. . . . الناس . . . لن ينسوا ابدا ما رأوه»
[النبذة في الصفحة ٢٤١]
«المحبة وروح التضحية بالذات اللتان اظهرهما اخوتنا الاوكرانيون قوّتا ايماننا كثيرا»
[النبذة في الصفحة ٢٤٩]
للعمل طوال الساعات الثماني هذه، اخذ كل اخ فرصة يومين من عمله الدنيوي وصرف اكثر من نصف راتبه الشهري لشراء تذكرة القطار
[الاطار/الصورتان في الصفحة ١٢٤]
ترجمات الكتاب المقدس على مر القرون
استعمل الشعب الاوكراني مدة من الزمن ترجمة الكتاب المقدس بسلاڤونية الكنيسة القديمة التي تُرجمت في القرن التاسع. ومع تغيّر اللغة على مرّ الوقت، نُقّحت هذه الترجمة. وبنهاية القرن الـ ١٥، اشرف رئيس الاساقفة ڠيناديوس على التنقيح الشامل للكتاب المقدس بالسلاڤونية. وقد ادت هذه الطبعة الى تنقيح آخر نتج عنه اول كتاب مقدس مطبوع بالسلاڤونية. وتُعرف هذه الترجمة بكتاب مقدس اوستروك وقد طُبعت في اوكرانيا في سنة ١٥٨١. حتى اليوم، يعتبرها الخبراء مثالا ممتازا لفن الطباعة. وكانت الاساس لترجمات لاحقة للكتاب المقدس بالاوكرانية والروسية.
[الصورتان]
إيڤان فيدوروف طبع كتاب مقدس اوستروك بالاوكرانية في سنة ١٥٨١
[الاطار/الصورة في الصفحة ١٤١]
مقابلة مع ڤاسيل كالين
تاريخ الولادة: سنة ١٩٤٧
تاريخ المعمودية: سنة ١٩٦٥
لمحة عن حياته: نُفي من سنة ١٩٥١ حتى سنة ١٩٦٥. طبع المطبوعات مستخدما الصور الفوتوڠرافية من سنة ١٩٧٤ حتى سنة ١٩٩١. يخدم منذ سنة ١٩٩٣ في مكتب فرع روسيا.
عاش ابي في ظل شتى اشكال الحكومات والسلطات الحكومية. على سبيل المثال، عندما كان الالمان محتلين اوكرانيا الغربية، ضربوا ابي لأنهم ظنوا انه شيوعي. ولماذا؟ لقد اخبر الكاهن الضباط الالمان ان شهود يهوه شيوعيون لأنهم لا يذهبون الى الكنيسة. ثم اتى الحكم السوڤياتي. مرة ثانية اضطُهد ابي وآخرون غيره. فقد دُعي جاسوسا اميركيا. ولماذا؟ لأن معتقدات شهود يهوه مختلفة عن معتقدات الدين الذي كان سائدا آنذاك. ولهذا السبب نُفي ابي وعائلته الى سيبيريا، حيث عاش حتى مماته.
[الاطار/الصورة في الصفحات ١٤٧-١٥١]
مقابلة مع إيڤان لِتڤاك
تاريخ الولادة: سنة ١٩٢٢
تاريخ المعمودية: سنة ١٩٤٢
لمحة عن حياته: سُجن من سنة ١٩٤٤ حتى سنة ١٩٤٦. اشتغل في معسكرات العمل الإلزامي من سنة ١٩٤٧ حتى سنة ١٩٥٣ في اقصى شمال روسيا.
في سنة ١٩٤٧، اعتُقلت لأنني لم انهمك في السياسة. وأُخذت الى سجن ذي اجراءات امنية مشددة في لوتْسك في اوكرانيا، حيث كان عليّ ان اجلس منتصبا ويداي في حضني، ولم يكن بإمكاني ان امدّ رجليّ. جلست على هذا النحو ثلاثة اشهر. استجوبني رجل يلبس معطفا اسود. وأراد ان اخبره عن الاخوة الذين يأخذون القيادة في العمل. كان يعلم انني اعرفهم، ولكنني رفضت ان اخبره.
في ٥ ايار (مايو) ١٩٤٧، حكمت علي المحكمة العسكرية بالسجن عشر سنوات في معسكرات بعيدة مشدّدة الحراسة. وبما انني كنت شابا آنذاك، عُيّنت في ما يدعونه الفئة الاولى. كان جميع المعيّنين في الفئة الاولى احداثا — من الشهود ومن غير الشهود. ارسلونا في مقطورات الماشية الى ڤوركوتا، التي تقع في شمال روسيا البعيد. ومن هناك وضعونا في بواخر، وأبحرنا اربعة ايام حتى مضيق كارا.
كانت الحياة معدومة تقريبا هناك، اذ لم يوجد سوى سهل التُّندرا وشجر القطب الشمالي، شجر البتولا القزمة. من هناك
أُجبرنا على السير اربعة ايام وليالٍ. وقد تمكنا من ذلك اذ كنا شبانا. اطعمونا قشور الارغفة اليابسة ولحم الرنّة المدخّن. وقد قدّموا لنا هذه الاطعمة مع طاسات وحرامات دافئة. كانت تمطر بغزارة. فتشرّبت الحرامات التي نحملها ماء بحيث اصبح من المستحيل حملها. فكان اثنان منا يأخذان حِراما ويعصرانه، فيعود خفيف الوزن.اخيرا وصلنا الى المكان المقصود. كنت افكّر: ‹بعد قليل سنجد سقفا، سقفا فوق رأسنا!›. ولكننا وصلنا الى منطقة عراء لا شجر فيها، ولا يوجد فيها سوى نبات الحَزاز الكثيف. فقال الحراس: «استقروا هنا. هذا هو مكانكم».
فبكى بعض السجناء؛ ولعن آخرون الحكومة. لم ألعن احدا هناك. صلّيت بصمت: «يا يهوه إلهي، انت ملجإي وحصني. كن ملجإي هنا ايضا».
حاوطوا المكان بحبل اذ لم توجد اسلاك معدنية. وعُيّن حراس. وكالعادة، كان الحراس يقرأون على الدوام، ويهددون ان نبقى على بعد مترين، وإلا يطلقون النار. أمضينا الليلة على نبات الحَزاز. وكان المطر ينهمر علينا. استيقظت في الليل ونظرت الى الـ ٥٠٠,١ شخص الموجودين هناك، فرأيت البخار يتصاعد منهم جميعا. استيقظت في الصباح، وكان كل جانبي مغمورا بالماء. كان نبات الحَزاز تحتي، ولكن كان يوجد ماء
ايضا. لم يكن لدينا ما نأكله. وقيل لنا ان علينا إعداد مهبط للطائرات لكي تتمكن الطائرة من الهبوط وإمدادنا بالطعام. كان للحراس جَرّار خصوصي له دواليب هائلة لكي لا ينغرز في الوحل. كان يحمل لهم مؤنا، اما نحن فلم نحصل على شيء.عملنا على إعداد مهبط الطائرات ثلاثة ايام وليالٍ. وكان علينا ازالة الحَزاز لكي تتمكن الطائرة من الهبوط. فأتت طائرة صغيرة وجلبت لنا طحينا. فخلطوا الطحين بماء مغلي، وكان ذلك كل ما اكلنا.
كان العمل يقصم الظهر. اشتغلنا ببناء طريق ومددنا خطّا للسكة الحديدية. كنا اشبه بحزام متحرك بشري ونحن ننقل الحجارة الثقيلة. وخلال الشتاء، كان الظلام مخيِّما دائما والجو باردا جدا.
وجب علينا ان ننام تحت السماء في العراء. كان المطر يهطل علينا، وكنا مبللين، جياعا، ونشعر بالبرد؛ ولكننا كنا شبانا ولدينا بعض القوة. قال لنا الحراس الا نقلق، اذ سنحصل قريبا على سقف فوق رأسنا. وأخيرا، جلب جَرّار عسكري ما يكفي من القماش السميك ليغطي ٤٠٠ شخص. مددنا القماش السميك ورفعناه عاليا، ولكن لم يكن لدينا ما ننام عليه سوى الحَزاز. فقمنا كلنا بجمع الحشيش وجلبناه الى الخيم المؤقتة حيث كنا نعيش، فتعفّن الحشيش وصار سمادا، فنمنا على السماد.
بعد ذلك اتى القَمْل. وكان عضّه لا يُحتمل. لم يكن موجودا على جسدنا فقط، بل على كل ثيابنا — قَمْل كبير، قَمْل صغير. كان الامر فظيعا. كنا نرجع من العمل ونستلقي، فيبدأ القَمْل
بعضّنا، فنحكّ ونحكّ. وننام وهو مستمر في نهشنا. فأخبرنا المسؤول عنا: «القَمْل يأكلنا ونحن احياء». فقال: «قريبا سنخلّصكم من القَمْل».انتظرت سلطات السجن حتى يصير الطقس دافئا اكثر، اذ ان درجة الحرارة كانت دائما ٣٠ درجة مئوية تحت الصفر. عندما دفئ الطقس نوعا ما انشأوا مركزا للتطهير من الجراثيم. الا ان الحرارة كانت ٢٠ درجة مئوية تحت الصفر، وكانت الخيمة ممزقة كلها. فقيل لنا: «اخلعوا ملابسكم، سوف تغتسلون. اخلعوا ملابسكم. سنطّهر ملابسكم من الجراثيم».
وهكذا فيما كانت درجة الحرارة ٢٠ تحت الصفر، خلعنا ملابسنا حتى صرنا عراة في خيمة ممزقة كلها. احضروا لنا ألواحا خشبية، فاستخدمناها كأرضية. وإذ كنت جالسا على تلك الالواح الخشبية، نظرت الى جسدي. يا له من منظر مريع! ونظرت الى الشاب الذي بقربي. المنظر نفسه. لا توجد عضلات على الاطلاق. فكل شيء قد ذوي. ولم يبقى سوى الجلد والعظام. كنت منهَكا لدرجة انني لم اكن استطيع صعود مقطورة قطار. ومع ذلك كنت مصنّفا في الفئة الاولى — عاملا شابا يتمتع بالصحة.
ظننت انني سأموت قريبا. فكثيرون من الشبان ماتوا. فصلّيت ليهوه ان يساعدني لأنه لم يبدُ انه يوجد اي منفذ. كان بعض الاشخاص الذين ليسوا من الشهود يدَعون يدهم او رجلهم تتجمد ثم يقطعونها لكي يتخلصوا من العمل الذي نقوم به. كان الامر مريعا وفظيعا.
ذات يوم، كنت واقفا قرب موضع للحراس، فرأيت طبيبا
واقفا هناك. كنت قد سافرت معه بعد اعتقالي وشهدت له عن ملكوت اللّٰه. كان سجينا، ولكنه مُنح عفوا. اقتربت منه ونظرت اليه، فكان منظره وكأنه شخص حر. دعوته باسمه؛ اظن انه ساشا. فنظر اليّ وقال: «إيڤان، هل هذا انت؟». وعندما قال لي هذا، بكيت مثل الولد الصغير. فقال: «اذهب مباشرة الى الركن الطبي».ذهبت الى الركن الطبي، ونُقلت من فئة العمال الاولى. ولكنني كنت لا ازال في المعسكر. وبما انني صرت الآن في الفئة الثالثة، أُرسلت الى مكان وجود المحتاجين الى الراحة. قال لي الآمر هناك: «انا لم ادعُك الى هنا. انت اتيت. احسن التصرف، وقم بعملك». فبدأت تدريجيا اتعود على العيش هناك. ولم اعد مجبرا على القيام بالعمل الشاق الذي يقصم الظهر.
أُطلق سراحي في ١٦ آب (اغسطس) ١٩٥٣. قالوا لي: «انت حرّ». وذكروا ان بإمكاني الذهاب حيث اشاء. فذهبت اولا الى الغابة لأشكر يهوه انه حفظني. ذهبت الى تلك الغابة الصغيرة، جثوت، وشكرت يهوه انه حفظني حيا للمستقبل وللعمل المستقبلي لتمجيد اسمه القدوس.
[النبذة]
‹بعد قليل سنجد سقفا، سقفا فوق رأسنا!›
[النبذة]
ذهبت الى تلك الغابة الصغيرة، جثوت، وشكرت يهوه انه حفظني حيا
[الاطار/الصورة في الصفحتين ١٥٥ و ١٥٦]
مقابلة مع ڤولوديمير لَڤتْشوك
تاريخ الولادة: سنة ١٩٣٠
تاريخ المعمودية: سنة ١٩٥٤
لمحة عن حياته: سُجن من سنة ١٩٤٦ حتى سنة ١٩٥٤ لقيامه بنشاط سياسي. التقى شهود يهوه في احد معسكرات العمل الإلزامي في موردڤينا.
كنت وطنيا اوكرانيا. وبسبب ذلك حكم عليّ الشيوعيون في سنة ١٩٤٦ بقضاء ١٥ سنة في معسكر للسجناء. كان شهود يهوه موجودين هناك. فبشّروني وميّزت فورا الحق. لم نكن نملك كتابا مقدسا لأننا كنا في معسكر ذي حراسة مشددة. كنت ابحث عن قصاصات صغيرة من الورق وأخبئها. وبعد ان جمعت عددا منها، صنعت دفترا صغيرا. وطلبت من الاخوة ان يخبروني بالآيات التي يتذكرونها وبمكانها في الكتاب المقدس. فأكتبها في دفتري. كما انني اخذت معلومات من الاخوة الذين اتوا لاحقا. وإذا كان احد يعرف شيئا عن نبوة في الكتاب المقدس كنت ادوّن ذلك ايضا. فجمعت عددا لا بأس به من آيات الكتاب المقدس، وبدأت استعملها في نشاطي الكرازي.
عندما بدأت بالكرازة، كان يوجد عدد من الشبان مثلي. كنت الاصغر سنّا — بعمر ١٦ سنة فقط. فتكلمت مع اولئك الشبان وقلت: «لقد عانينا عبثا. نحن وأشخاص آخرون خاطرنا بحياتنا عبثا. فما من ايديولوجية سياسية ستقودنا الى أي شيء نافع. عليكم ان تؤيدوا ملكوت اللّٰه». وكنت اقتبس الآيات التي استظهرتها من دفتري. كانت ذاكرتي قوية جدا. فأقنعت نظرائي بسرعة، وبدأوا ينضمون الينا، الى شهود يهوه. وصاروا من اخوتنا.
[الاطار/الصورة في الصفحة ١٥٧]
العقوبات التي أُنزلت بشهود يهوه
النفي ضمن البلد: أُرسل المنفيون الى منطقة بعيدة، عادة الى سيبيريا، حيث كان عليهم ان يعملوا ويقيموا. لم يكن بإمكانهم مغادرة منطقة سكنهم الجديدة. ومرة في الاسبوع او مرة في الشهر، كان عليهم ان يسجّلوا اسمهم لدى الشرطة المحلية.
السجون المغلقة: سُجن ما يتراوح بين ثلاثة وعشرة سجناء في زنزانة مقفلة. كانوا يحصلون يوميا على حصتين او ثلاث حصص من الطعام. ومرة في اليوم او مرة في الاسبوع، يُسمح لهم ان يمشوا في فناء السجن. لم يقوموا بأي عمل.
معسكرات السجناء: تقع معظم هذه المعسكرات في سيبيريا. وقد عاش مئات السجناء معا في ثكنات (بناء واحد يأوي عادة بين ٢٠ و ١٠٠ سجين). كانوا يعملون ثماني ساعات على الاقل في اليوم في المعسكر او في موضع آخر. كان العمل شاقا وقد شمل بناء المصانع، مدّ خطوط السكك الحديدية، او قطع الاشجار. كان حراس السجن يرافقون السجناء الى العمل ومنه. وداخل المعسكر، كان بإمكان السجناء التحرك بحرية بعد ساعات العمل.
[الصورة]
سيبيريا، روسيا: ولدان لشهود اوكرانيين منفيين يقطعان الحطب قطعا صغيرة من اجل الوقود، سنة ١٩٥٣
[الاطار/الصورة في الصفحتين ١٦١ و ١٦٢]
مقابلة مع فيودور كالين
تاريخ الولادة: سنة ١٩٣١
تاريخ المعمودية: سنة ١٩٥٠
لمحة عن حياته: نُفي من سنة ١٩٥١ حتى سنة ١٩٦٥. سُجن من سنة ١٩٦٢ حتى سنة ١٩٦٥.
عندما كانوا يحققون معي في السجن، صنع يهوه معي ما بدا انه عجيبة. اتى اليّ مدير الـ KGB (لجنة امن الدولة) ومعه ورقة بيده. جلس المحقّق، وبجانبه جلس المدعي العام. قال مدير الـ KGB للمحقّق: «أعطِه هذه! دعه يقرأ ان اخوته في اميركا لديهم نوايا رديئة!».
أعطوني الورقة. كانت اعلانا صادرا في محفل. فقرأتها اول مرة، ثم قرأتها بعناية مرة ثانية. ففقد المدعي العام صبره. وقال: «سيد كالين! هل تحفظها غيبا؟».
قلت: «في البداية ألقيت نظرة سريعة. انني اتفحصها لأفهم معناها». كنت ابكي من الفرح في داخلي. وعندما أنهيت قراءة القرار، أعدت الورقة وقلت: «انني اشكركم جدا، وأشكر يهوه اللّٰه الذي دفعكم الى فعل ذلك. لقد قوي اليوم ايماني كثيرا بقراءتي هذا القرار! انني انضم الى هؤلاء الشهود، وسوف اسبّح اسم اللّٰه دون تحفظ. سأخبر الناس عنه في المعسكر وفي السجن وفي كل مكان اكون فيه. هذه هي مهمتي!
«مهما عذّبتموني فلن تمنعوني من التكلم. في هذا القرار، لم يقل الشهود انهم مستعدون لإشعال ثورة، بل قرروا انه مهما حصل لهم، حتى تحت اقسى انواع الاضطهاد، فسوف يخدمون يهوه، عالمين انه سيساعدهم على البقاء امناء! انني اصلّي الى يهوه اللّٰه ان يقوّيني في هذا الوقت الصعب لأبقى ثابتا في الايمان.
«ولكنني لن اتزعزع! لقد قوّاني هذا القرار كثيرا. إن اوقفتموني الى الحائط الآن لتطلقوا عليّ النار، فلن اضطرب. فيهوه يخلّص حتى عن طريق القيامة!».
ادركت ان المحقّقين خاب املهم. وعرفوا انهم ارتكبوا غلطة فادحة. فكان من المفترض ان يُضعف القرار ايماني، ولكنه قوّاني.
[الاطار/الصورة في الصفحات ١٦٧-١٦٩]
مقابلة مع ماريّا پوپوڤتش
تاريخ الولادة: ١٩٣٢
تاريخ المعمودية: ١٩٤٨
لمحة عن حياتها: قضت ست سنوات في السجون ومعسكرات العمل الإلزامي. ساعدت اكثر من عشرة اشخاص على التعرّف بالحق.
عندما أُوقفت في ٢٧ نيسان (ابريل) ١٩٥٠، كنت حبلى في شهري الخامس. وفي ١٨ تموز (يوليو)، حكموا عليّ بعشر سنوات، وذلك لأنني كنت ابشّر وأخبر الناس حق الكتاب المقدس. حكموا على سبعة منا، اربعة اخوة وثلاث اخوات، بقضاء عشر سنوات في السجن. وقد وُلد ابني في ١٣ آب (اغسطس).
عندما كنت في السجن، لم اتثبط. فقد تعلمت من كلمة اللّٰه، الكتاب المقدس، ان الشخص يكون سعيدا اذا عانى الشدائد لكونه مسيحيا، وليس قاتلا او لصّا. وأنا كنت سعيدة. كنت املك فرحا في قلبي. وضعوني في سجن انفرادي، فكنت امشي ذهابا وإيابا في الزنزانة وأرنّم.
ذات مرة، فتح الجندي الطاقة وقال: «انت في هذه الحالة وترنمين؟».
قلت: «انا سعيدة لأنني لم أسئ الى احد». فأقفل الطاقة. ولم يضربوني.
قالوا: «انكري ايمانك. انظري الى وضعك». لقد عنوا انني سألد في السجن. ولكنني كنت سعيدة لأنهم حكموا عليّ لأنني أومن بكلمة اللّٰه. لقد اعطاني ذلك شعورا بالارتياح. عرفت انني لست مجرمة. عرفت انني اقاسي بسبب ايماني بيهوه. وقد أبقاني ذلك سعيدة كل الوقت. هذه كانت حالتي.
لاحقا، عندما كنت اعمل في المعسكر، تأذت يداي من جراء التعرّض للبرد القارس. فأُرسلت الى المستشفى. وأُعجبت بي الطبيبة الموجودة هناك. قالت: «لست بصحة جيدة. لمَ لا تأتين للعمل عندي؟».
بالطبع لم تعجب الفكرة مدير المعسكر. قال: «لماذا تريدين ان تعمل هذه المرأة لديك؟ اختاري شخصا من فريق آخر».
اجابت: «لست بحاجة الى شخص آخر — احتاج الى اشخاص صالحين ومستقيمين في مستشفاي. انها ستعمل في المستشفى. وأنا على يقين انها لن تسرق شيئا ولن تبدأ بتعاطي المخدِّرات».
كانوا يثقون بنا. وينظرون نظرة خاصة الى الاشخاص الذين لديهم ايمان. فقد رأوا اي اناس نحن. وكان ذلك لمصلحتنا.
اخيرا، اقنعت الطبيبة مدير المعسكر. كان يريد ابقائي عنده لأنني أجيد قطع الاخشاب. فحيثما اشتغل شعب يهوه، هم معروفون على الدوام كأشخاص مستقيمين وعمّال ضميرهم حيّ.
ملاحظة: وُلد ابن ماريّا في السجن في ڤينّيتسا في اوكرانيا. وخلال السنتين التاليتين، أُبقي في ميتم السجن. بعد ذلك، ارسل الاقرباء الولد الى ابيه الذي كان منفيا في سيبيريا. وعندما أُطلق سراح الاخت پوپوڤتش من السجن، كان عمر ابنها ست سنوات.
[النبذة]
«انا سعيدة لأنني لم أسئ الى احد»
[الاطار/الصورة في الصفحة ١٧٥]
مقابلة مع ماريّا فَدون
تاريخ الولادة: سنة ١٩٣٩
تاريخ المعمودية: سنة ١٩٥٨
لمحة عن حياتها: نُفيت من سنة ١٩٥١ حتى سنة ١٩٦٥.
بعد ان استقررنا في القطار وهدأنا جميعنا وبدأ القطار بالمسير، ماذا كان بإمكاننا ان نفعل؟ كنا نعرف ترانيم كثيرة، فبدأنا نرنّم. رنّمنا كل الترانيم التي نعرفها الموجودة في كتاب الترانيم.
في بادئ الامر سمعنا الترنيم من مقطورتنا فقط، ولكن لاحقا عندما كان قطارنا يتوقف ليفسح المجال لمرور قُطُر اخرى، ادركنا انه توجد قُطُر اخرى تحمل اخوتنا. وكان الترنيم من تلك القُطُر يصل مسامعنا. مرت قُطُر من مولداڤيا؛ ثم مرَّت قُطُر الاخوة الرومانيين من بوكوڤينا. كانت توجد قُطُر كثيرة. وكانت هذه القُطُر تتقدم واحدها الآخر عند مختلف الاماكن. وأدركنا انهم كلهم اخوتنا.
كنا نتذكر ترانيم كثيرة. كما ان العديد من الترانيم أُلّف في تلك المقطورات. لقد شجعتنا تلك الترانيم وأعطتنا الموقف العقلي الصائب، ووجّهت حقا انتباهنا الى يهوه.
[الاطار/الصورة في الصفحة ١٧٧]
مقابلة مع ليديا سْتاشْتشيشن
تاريخ الولادة: سنة ١٩٦٠
تاريخ المعمودية: سنة ١٩٧٩
لمحة عن حياتها: ابنة ماريّا پيليپاڤ، التي ترد المقابلة معها في الصفحتين ٢٠٨-٢٠٩.
عندما كنت طفلة، كان جدي شيخا يرشد الجماعة. اتذكر روتينه جيدا: يستيقظ صباحا، يغتسل، ثم يصلّي. بعد ذلك يفتح كتابه المقدس، ونجلس كلنا معا لنقرأ الآية اليومية وكامل الاصحاح. كان جدي يطلب مني على نحو نظامي ان آخذ وثائق مهمة — مغلفة او موضوعة في كيس — لشيخ آخر يعيش في طرف المدينة. ولكي اصل الى بيته، كان عليّ ان اتسلق تلة. لم اكن احب تلك التلة. فقد كانت شديدة الانحدار، وتسلقها صعب جدا. فكنت اقول: «جدي، لن اذهب! هل يمكنني من فضلك الّا اذهب؟».
فيجيب جدي: «كلا، عليك ان تذهبي. خذي هذه الوثائق».
فأفكّر في نفسي: ‹لن اذهب! لن اذهب!›. ثم اقول: ‹لا، يجب ان اذهب، فربما يوجد شيء مهم ذو علاقة بالامر›. كانت هذه الافكار تراود ذهني على الدوام. فضمنيا، لم ارغب في الذهاب، ولكنني كنت اذهب اذ عرفت انه لا يوجد احد سواي للقيام بهذا العمل. كان الامر يتكرر دائما. فتلك كانت مهمتي ومسؤوليتي.
[الاطار/الصورة في الصفحتين ١٧٨ و ١٧٩]
مقابلة مع پاڤلو روراك
تاريخ الولادة: سنة ١٩٢٨
تاريخ المعمودية: سنة ١٩٤٥
لمحة عن حياته: قضى ١٥ سنة في السجون وفي معسكرات السجناء. يخدم حاليا كناظر مشرف في ارتيموفسك في اوكرانيا الشرقية.
في سنة ١٩٥٢، كنت في معسكر مُراقَب بصرامة في كاراڠاندا بالاتحاد السوڤياتي. كنا عشرة في ذلك المعسكر. مرَّ الوقت ببطء، وكان ذلك صعبا علينا. فعلى الرغم من انه كان لدينا فرح ورجاء، لم يكن لدينا طعام روحي. كنا نجتمع بعد العمل ونتكلم واحدنا الى الآخر، متذكرين كل ما سبق وتعلمناه بواسطة «العبد الامين الفطين». — متى ٢٤:٤٥-٤٧.
قررت ان اكتب الى اختي لأصف لها وضعنا في المعسكر ولأشرح لها انه لا يوجد لدينا طعام روحي. وبما انه لا يُسمح للسجناء بإرسال مثل هذه الرسائل، كان من الصعب ارسال تلك الرسالة. ولكن اخيرا تسلمت اختي الرسالة. فأعدّت رزمة، ووضعت داخلها بعض الخبز الهش ونسخة من العهد الجديد، وأرسلتها اليّ.
كان الروتين المتّبع صارما جدا. ولم تكن السلطات تسلّم دائما الرزم للسجناء. وكانوا غالبا يحطمون المحتويات
ويفتّشون كل شيء بتدقيق شديد. على سبيل المثال، فتّشوا المعلّبات ليروا هل تحتوي شيئا مخبَّأ في قعر مزيف او في الجوانب. حتى انهم فتّشوا ارغفة الخبز.ذات يوم، رأيت اسمي مكتوبا في لائحة الذين أُرسلت اليهم رزم. سُررت جدا مع انني لم احلم ان تكون اختي قد ارسلت اليّ العهد الجديد في الرزمة. كان المفتش الاكثر صرامة موجودا هناك؛ وهو من يدعوه السجناء «الحاد الطبع». عندما وصلت لآخذ رزمتي، سألني: «ممّن تنتظر رزمة؟». فقلت له عنوان اختي. فأخذ قضيبا حديديا وفتح الصندوق.
عندما رفع الغطاء، رأيت العهد الجديد بين جانب الصندوق والطعام! لم يكن لدي سوى وقت قصير لأقول بصمت: «يا يهوه، اعطني اياه».
لدهشتي، قال المفتش: «بسرعة، خذ هذا الصندوق من هنا!». لم اصدّق ما يحصل، فأغلقت الصندوق وحملته الى الثكنة. ثم اخرجت العهد الجديد ووضعته داخل فراشي.
عندما اخبرت الاخوة انني حصلت على العهد الجديد، لم يصدقني احد. كان ذلك عجيبة من يهوه! فقد كان يدعمنا روحيا لأنه في وضعنا كان من المستحيل الحصول على اي شيء. شكرنا ابانا السماوي، يهوه، على رحمته وعنايته. وبدأنا نقرأ ونقوّي انفسنا روحيا. كم كنا شاكرين ليهوه!
[الاطار/الصورة في الصفحتين ١٨٠، ١٨١]
مقابلة مع ليديا بْزوڤي
تاريخ الولادة: سنة ١٩٣٧
تاريخ المعمودية: سنة ١٩٥٥
لمحة عن حياتها: نُفيت من سنة ١٩٤٩ حتى سنة ١٩٦٥.
كفتاة مراهقة، كان غياب ابي عنا صعبا جدا عليّ. فكمعظم الاولاد، نحب أبانا. لم تسنح لنا الفرصة ان نودّعه. فأنا وإيڤان لم نره يذهب، اذ كنا في الحقل نحصد نبات الدُّخن.
عندما رجعنا من الحقل، قالت امي ان ابي قد أُوقف. فشعرت بفراغ وبجرح داخلي. ولكن لم اشعر بالذعر او بالحقد لأننا كنا نتوقع هذا الامر. فكان يجري تذكيرنا على الدوام بكلمات يسوع: «إن كانوا قد اضطهدوني، فسيضطهدونكم ايضا». (يوحنا ١٥:٢٠) وقد حفظنا هذه الآية منذ نعومة اظفارنا. كنا نعرفها كما نعرف الصلاة النموذجية. كما علمنا انه بسبب عدم كوننا جزءا من العالم، لن يحبنا العالم. وما كانت السلطات تقوم به، انما تقوم به بسبب جهلها.
بما اننا كنا خاضعين للسلطة الرومانية في مولداڤيا، علم ابي ان بإمكانه المدافعة عن قضيته في المحكمة. وقد سُمح لنا بالمجيء الى المحكمة. كان ذلك يوما سعيدا جدا بالنسبة الينا.
لقد قدّم ابي شهادة رائعة. ولم يكن احد مهتما بالاستماع الى اتّهامات المدعي العام، الا انهم اصغوا جميعا بانتباه شديد الى شهادة ابي. تكلم ساعة و ٤٠ دقيقة تبرئة للحق. وقد قدّم شهادة واضحة جدا ومفهومة. واغرورقت عيون العاملين في المحكمة بالدموع.
كنا فخورين ان ابي تمكّن من الشهادة للمحكمة، والدفاع علنا عن الحق. ولم نشعر بأي يأس.
ملاحظة: في سنة ١٩٤٣، اوقفت السلطات الالمانية والدَي الاخت بْزوڤي وحكمت عليهما بالقضاء ٢٥ سنة في السجن متّهمينهما بالتعاون مع السوڤيات. وفي غضون سنة، وصلت القوات السوڤياتية وأطلقت سراحهما. بعد ذلك، اوقفت السلطات السوڤياتية والدها. وجملة قضى ٢٠ سنة في السجون.
[النبذة]
كمعظم الاولاد، نحب أبانا. لم تسنح لنا الفرصة ان نودّعه
[الاطار/الصور في الصفحات ١٨٦-١٨٩]
مقابلة مع تامارا راڤليوك
تاريخ الولادة: سنة ١٩٤٠
تاريخ المعمودية: سنة ١٩٥٨
لمحة عن حياتها: نُفيت سنة ١٩٥١. ساعدت نحو ١٠٠ شخص على تعلم الحق.
هذه هي قصة هالينا. في سنة ١٩٥٨، عندما كان عمرها ١٧ يوما فقط، أُوقف والداها. فأُرسلت هي وأمها الى معسكر للسجناء في سيبيريا. وسُمح لهالينا بالبقاء مع امها ما دامت الام تنتج حليبا، وكان ذلك حتى الشهر الخامس. بعد ذلك، كان على الام ان تذهب للعمل، فأُخذت الطفلة الى بيت للحضانة. كانت عائلتنا تعيش في مقاطعة مجاورة، مقاطعة تومْسْك. فكتب الاخوة رسالة الى جماعتنا يسألون فيها هل يستطيع احد اخذ الطفلة من بيت الحضانة ليربيها الى ان يُطلق سراح والديها. بالطبع، عندما قُرئت الرسالة، تنهد الجميع حزنا. فوجود طفلة في مثل هذا الوضع هو امر محزن ومأساوي.
منحونا بعض الوقت لنفكّر. مرّ اسبوع ولم يتقدّم احد ليأخذ الطفلة. كانت الاوضاع صعبة علينا جميعا. في الاسبوع التالي، قال اخي الاكبر لأمي: «لنأتِ بهذه الطفلة ونهتم بها».
اجابت امي: «ماذا تعني يا ڤازييه؟ أنا كبيرة في السن
ومريضة. انت تعلم ان الاهتمام بطفل شخص آخر هو مسؤولية كبيرة. فهي ليست حيوانا، بقرة او عجلة. انها طفلة. وأكثر من ذلك، طفلة شخص آخر».قال: «لهذا السبب يجب ان نهتم بها، يا امي. انها ليست حيوانا. تخيلي فقط طفلة في مثل هذه الظروف، طفلة تعيش في معسكر! انها لا تزال صغيرة جدا وعاجزة». ثم اضاف: «الا يجب ان نفكر انه قد يأتي وقت ويُقال لنا: ‹كنت مريضة، كنت في السجن، كنت جائعة، ولكنكم لم تساعدوني›؟».
اجابت امي: «بلى، قد يحدث ذلك، ولكن الاهتمام بطفلة شخص آخر هو مسؤولية كبيرة. ماذا اذا حدث لها مكروه وهي معنا؟».
قال اخي: «وماذا اذا حدث لها مكروه هناك؟». ثم اشار اليّ وقال: «باستطاعة تامارا ان تسافر بكل حرية وتأتي بالطفلة. وسنعمل جميعا لإعالة هذه الطفلة».
فكّرنا، وتحدثنا، وأخيرا قررنا ان عليّ الذهاب. فذهبت الى معسكرات مارْينسكي لآتي بالطفلة. اعطاني الاخوة مطبوعات لآخذها معي. كما اعطوني آلة تصوير لألتقط صورة للأم، ليتعرفوا إليها لأننا لم نكن نعرفها. لم يُسمح لي بإدخال آلة التصوير الى المعسكر، ولكنني ادخلت المطبوعات. اشتريت قدرا، وضعت المطبوعات فيها، ووضعت زيتا في الاعلى. عندما عبرت المدخل، لم يتحقق الحارس ليرى هل يوجد شيء تحت الزيت. فأدخلت المطبوعات الى المعسكر.
تمكنت من التعرف الى الام، ليديا كورداس. وقضيت الليلة في المعسكر لأنه يجب اعداد وثائق لإطلاق الطفلة. وهكذا اخذت هالينا معي الى البيت. عندما وصلنا، كان عمرها خمسة اشهر وبضعة ايام. جميعنا اعتنينا بها جيدا، ولكنها أُصيبت بمرض شديد. فأتى الاطباء، ولكنهم لم يتمكنوا من تحديد السبب.
ظن الاطباء انها طفلتي، وضغطوا عليّ قائلين: «ايّ امّ
انت؟». «لماذا لا تطعمينها؟». خشينا ان نقول ان الطفلة آتية من السجن، ولم نعرف كيف نتصرف. اكتفيت بالبكاء ولم اقل شيئا. فوبّخني الاطباء؛ وصرخوا على امي قائلين انني اصغر من ان اتزوج، وأنني أنا نفسي بحاجة الى الحليب. كنت في الـ ١٨ من عمري.كانت هالينا مريضة جدا، وتعاني صعوبة في التنفس. فذهبت تحت الدرج وصليت: «يا يهوه اللّٰه، يا يهوه اللّٰه، اذا وجب ان تموت هذه الطفلة، فخذ حياتي بدل حياتها!».
بدأت الطفلة تلهث في حضور الاطباء. فقالوا: «لا امل في شفائها — لن تعيش، لن تعيش». قالوا ذلك امامي وأمام امي. كانت امي تبكي وأنا اصلّي. الا ان الطفلة عاشت. وبقيت معنا الى ان أُطلق سراح امها. بقيت معنا سبع سنوات، ولم تمرض ثانية، ولا مرة واحدة.
تعيش هالينا الآن في خاركوف بأوكرانيا. انها اختنا، وهي فاتحة قانونية.
[النبذة]
«يا يهوه اللّٰه، يا يهوه اللّٰه، اذا وجب ان تموت هذه الطفلة، فخذ حياتي بدل حياتها!»
[الصورة]
من اليسار الى اليمين: تامارا راڤليوك (بورياك سابقا)، سيرهْييه راڤليوك، هالينا كورداس، ميخايلو بورياك، وماريّا بورياك
[الصورة]
من اليسار الى اليمين: سيرهْييه وتامارا راڤليوك، ميكولا وهالينا كْويبيدا (كورداس سابقا)، أولكسييه وليديا كورداس
[الاطار في الصفحة ١٩٢]
تقرير من ناظر دائرة، سنة ١٩٥٨
«بإمكاننا ان نفهم الى حد ما صعوبة الامر بالنسبة الى الاخوة اذا علمنا ان حوالي عشرة اعضاء من منظمة الشبيبة الشيوعية يتجسسون على كل اخ. اضيفوا الى ذلك الجيران الخونة؛ الاخوة الكذبة؛ العديد من رجال الشرطة؛ الاحكام بقضاء ما يصل الى ٢٥ سنة في المعسكرات او السجون؛ النفي الى سيبيريا؛ العمل في معسكرات العمل الإلزامي مدى الحياة؛ والسجن، احيانا السجن فترة طويلة في زنزانات السجن المظلمة — كل هذا يمكن ان يحصل لكل من يتلفظ ببضع كلمات عن ملكوت اللّٰه.
«ومع ذلك فإن الناشرين شجعان. ومحبتهم ليهوه اللّٰه مطلقة، وموقفهم مشابه لموقف الملائكة، ولا يفكرون في التخلي عن جهادهم. انهم يعرفون ان العمل هو عمل يهوه ويجب ان يستمر الى النهاية الظافرة. والاخوة يعرفون لمَن يحافظون على استقامتهم. فالعذاب من اجل يهوه هو فرح بالنسبة اليهم».
[الاطار/الصورة في الصفحات ١٩٩-٢٠١]
مقابلة مع سيرهْييه راڤليوك
تاريخ الولادة: سنة ١٩٣٦
تاريخ المعمودية: سنة ١٩٥٢
لمحة عن حياته: قضى ١٦ سنة في السجون ومعسكرات السجناء. أُجبر على الانتقال من بيته سبع مرات. ساعد حوالي ١٥٠ شخصا على تعلم الحق. المقابلة مع زوجته تامارا مذكورة في الصفحات ١٨٦-١٨٩. يخدم سيرهْييه الآن كشيخ في جماعة روهان، بالقرب من مدينة خاركوف.
عشت سبع سنوات في معسكر موردڤينا. ومع انه كان معسكرا ذا حراسة مشددة، وُزعت مطبوعات كثيرة خلال الفترة التي كنت موجودا فيها هناك. كان بعض الحراس يأخذون المطبوعات الى بيوتهم، يقرأونها، ثم يعطونها لعائلاتهم وأقربائهم.
احيانا كان يأتي اليّ حارس خلال نوبة العمل الثانية. فيقول: «هل لديك شيء يا سيرهْييه؟».
«ماذا تريد؟».
«شيئا للقراءة».
«هل ستجري حملة تفتيش غدا؟».
«نعم. ستجري حملة تفتيش غدا في الوحدة الخامسة».
«حسنا، على احد الاسرة تحت منشفة، ستجد مجلة برج المراقبة. بإمكانك الحصول عليها».
أُجريت حملة التفتيش، وأخذ الحارس مجلة برج المراقبة تلك. ولكن الحراس لم يجدوا اية مطبوعة اخرى لأننا علمنا مسبقا بحملة التفتيش. بتلك الطريقة، ساعدَنا بعض الحراس. لقد انجذبوا الى الحق، ولكنهم خشوا ان يبقوا دون عمل. وخلال السنوات العديدة التي قضاها الاخوة هناك، رأى الحراس كيف نعيش. وكان بإمكان الاشخاص المنطقيين ان يروا اننا لسنا مذنبين بأي جريمة. ولكنهم لم يستطيعوا قول شيء عن الامر، وإلّا اعتُبروا من مؤيدي شهود يهوه، وخسروا وظائفهم. لقد دعموا عملنا إلى حد ما. وأخذوا المطبوعات وقرأوها. وقد ساعد ذلك على تهدئة حدة الاضطهاد.
بحلول سنة ١٩٦٦، كنا حوالي ٣٠٠ في موردڤينا. وعرف المديرون في اي تاريخ تُعقد الذِّكرى. فقرروا منعنا من عقدها في تلك السنة. قالوا: «انكم تدرسون مجلتكم برج المراقبة، ولكننا سننهي عقد هذه الذِّكرى. لن تتمكنوا من القيام بأي شيء».
كان على افراد شتى وحدات الحرس ان يبقوا في مراكزهم الى ان يزول خطر عقد الذِّكرى. كان الجميع في اماكنهم: المفتشون، الاداريون، وآمر المعسكر.
خرجنا جميعا الى الطريق، الى ساحة التجمع حيث تتلى اسماؤنا كل يوم صباحا ومساء. ثم اجتمعنا وفق الجماعات او الفرق، وتمشينا في الساحة. في كل فريق، قدّم اخ خطابا وهو يمشي؛ والآخرون اصغوا.
لم يكن لدينا الرمزان المستخدمان في الذِّكرى، فأُلقي الخطاب فقط. وفي ذلك الوقت لم يكن معنا في المعسكر احد من الممسوحين. بحلول الساعة ٣٠:٩ مساء، اتممنا كل شيء، فكانت كل الفرق قد احتفلت بالذِّكرى وهم يتمشون على الطريق.
اما بالنسبة الى الترنيمة، فأردنا ان نرنم معا — جميع الاخوة معا. فاجتمعنا بجانب الحمام العمومي، الذي كان يقع في ابعد زاوية عن المدخل حيث نقطة التفتيش. تخيلوا ٣٠٠ رجل مجتمعين، وما يتراوح بين ٨٠ و ١٠٠ منهم يرنمون في الليل بين نباتات التايڠا. تخليوا صدى تلك الترنيمة! اتذكر اننا رنمنا ترنيمة رقم ٢٥ التي بعنوان «متُّ من اجلكم»، من كتاب الترانيم القديم. كان الجميع يعرفون تلك الترنيمة. وأحيانا حتى الجنود الواقفون على الابراج كانوا يصرخون لنا: «رنّموا من فضلكم ترنيمة رقم ٢٥!».
عندما بدأنا نرنّم في تلك الليلة، أتى ركضا جميع الموظفين من مراكزهم الى الحمام العمومي ليوقفونا. ولكن عندما وصلوا، لم يستطيعوا ايقاف الترنيم لأن جميع الاخوة الذين لم يكونوا يرنمون اجتمعوا ملتزين بعضهم ببعض حول الذين كانوا يرنمون. فلم يستطع الحراس سوى الدوران حولنا مهتاجين حتى انهينا الترنيم. عندما انتهت الترنيمة، تفرق الجميع. ولم يعرف الحراس مَن رنّم ومَن لم يرنّم. ولم يكن باستطاعتهم وضع الجميع في سجن انفرادي.
[الاطار/الصورة في الصفحتين ٢٠٣ و ٢٠٤]
مقابلة مع ڤيكتور پوپوڤتش
تاريخ الولادة: سنة ١٩٥٠
تاريخ المعمودية: سنة ١٩٦٧
لمحة عن حياته: وُلد في السجن، ابن ماريّا پوپوڤتش التي وردت المقابلة معها في الصفحات ١٦٧-١٦٩. أُوقف سنة ١٩٧٠، وقضى اربع سنوات في السجن بسبب نشاطه الكرازي. وخلال ثلاثة ايام من جلسات الاستماع، شهد ٣٥ شخصا ان الاخ پوپوڤتش بشّرهم.
لا يجب ان يُنظر الى وضع شهود يهوه على ضوء العلاقات البشرية فقط. ولا يمكن تعليل اضطهاد شعب اللّٰه كاملا باعتبار الحكومة مسؤولة. فمعظم الموظفين انما يقومون بواجبهم. عندما تغيرت الحكومة، غيّر الموظفون ولاءهم، ولكننا بقينا كما نحن. لقد أدركنا ان المصدر الحقيقي لمشاكلنا قد كُشف عنه في الكتاب المقدس.
لم ننظر الى انفسنا بأننا ضحايا ابرياء، ضحايا اناس ظالمين. وما ساعدنا على الاحتمال هو فهم واضح للقضية التي أُثيرت في جنة عدن — قضية صواب حكم اللّٰه. ولم تُحلّ هذه القضية بعد. وعرفنا ان لدينا فرصة لاتّخاذ موقف الى جانب حكم يهوه. لقد اتّخذنا موقفا الى جانب قضية مرتبطة ليس فقط بمصالح البشر الشخصية، بل ايضا بمصالح سيد الكون. كنا نملك فهما اسمى للقضايا الحقيقية ذات العلاقة. وقد جعلنا ذلك اقوياء ومكّننا من المحافظة على استقامتنا حتى تحت اقسى الظروف. لقد نظرنا الى ابعد من مجرد العلاقات البشرية.
[النبذة]
لا يمكن تعليل اضطهاد شعب اللّٰه كاملا باعتبار الحكومة مسؤولة
[الاطار/الصورة في الصفحتين ٢٠٨، ٢٠٩]
مقابلة مع ماريّا پيليپاڤ
تاريخ الولادة: سنة ١٩٣٤
تاريخ المعمودية: سنة ١٩٥٢
لمحة عن حياتها: ذهبت الى سيبيريا في سنة ١٩٥١ لزيارة اختها التي نُفيت الى هناك. تعرفت ماريّا الى الحق في سيبيريا وتزوجت لاحقا بأخ منفي.
عندما مات والدي، اتت الشرطة الى بيتنا. اتى عدد كبير من رجال الشرطة. كانوا من الشرطة المحلية ومن شرطة المقاطعة. حذّرونا انهم لا يريدون لا ترانيم ولا صلوات. فأجبنا انه لا يوجد قانون يمنع الصلاة. ثم سألوا عن وقت المأتم. اخبرناهم ورحلوا.
اتى الاخوة باكرا. فقد مُنعنا من الاجتماع معا، ولكن كان بإمكان الناس ان يأتوا الى المأتم. بدأنا في وقت باكر لأننا علمنا ان الشرطة ستأتي. وحالما بدأ احد الاخوة بالصلاة، وصلت شاحنة مليئة برجال الشرطة. انهى الاخ الصلاة، ثم ذهبنا الى المقبرة.
تبعونا وسمحوا لنا بدخول المقبرة. وعندما صلى الاخ صلاة اخرى، حاولت الشرطة ان تعتقله. ولكننا نحن الاخوات صممن اننا لن ندعهم يأخذونه. كان يوجد عدد كبير من رجال الشرطة، فشكلنا حلقة حول الاخ. وفي الفوضى التي تلت، اخرجت احدى الاخوات الاخ من المقبرة، قادته بين البيوت، وأوصلته إلى القرية. وفجأة مرّ احد المعارف في سيارة خصوصية، فدخل الاخ السيارة وغادر. بحث رجال الشرطة عنه في كل مكان ولكنهم لم يستطيعوا ايجاده، فغادروا.
غالبا ما كانت الاخوات تحمي الاخوة. عادة يكون الوضع معكوسا، ولكن هكذا وجب ان تكون الحال آنذاك. كان على الاخوات ان يحمين الاخوة. وقد وُجدت عدة حالات مثل هذه الحالة.
[النبذة]
هكذا وجب ان تكون الحال آنذاك. كان على الاخوات ان يحمين الاخوة
[الاطار/الصورة في الصفحتين ٢٢٠، ٢٢١]
مقابلة مع پيترو ڤلاسيوك
تاريخ الولادة: سنة ١٩٢٤
تاريخ المعمودية: سنة ١٩٤٥
لمحة عن حياته: نُفي من سنة ١٩٥١ حتى سنة ١٩٦٥. وبُعيد نفي الاخ ڤلاسيوك، مرض ابنه ومات. وفي السنة التالية، بعد ان ولدت زوجته ابنا ثانيا، عانت مضاعفات وبعد فترة ماتت. فتُرك الاخ ڤلاسيوك ليعتني وحده بطفل صغير. في سنة ١٩٥٣ تزوج ثانية، وساعدته زوجته الجديدة في الاعتناء بالطفل.
كنت بين الاشخاص الذين نُفوا من اوكرانيا الى سيبيريا في سنة ١٩٥١. لم نشعر بالخوف. فقد غرس يهوه مثل هذه الروح في الاخوة بحيث تقوى ايمانهم وظهر في طريقة كلامهم. فلم يكن احد ليختار يوما السفر الى هذا التعيين الكرازي. ومن الواضح ان يهوه اللّٰه سمح للحكومة بنقلنا الى هنا. ولاحقا، ذكرت السلطات: «لقد ارتكبنا خطأ فادحا».
سأل الاخوة: «من اية ناحية؟».
«من حيث اننا اتينا بكم الى هنا، وأنتم الآن تهدون الناس هنا ايضا!».
قال الاخوة: «سترتكبون ايضا خطأ آخر».
وارتكبوا خطأهم الفادح التالي بعد ان اطلقوا سراحنا ومنحونا عفوا عاما، ولكنهم لم يدعونا نرجع الى بيوتنا. قالوا: «اذهبوا الى حيثما تريدون، ولكن لا ترجعوا الى بيوتكم». بعد ذلك عادوا الى رشدهم وأدركوا انهم ارتكبوا خطأ كبيرا. وبسبب تلك السياسة، انتشرت البشارة في كل روسيا.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٢٢٧]
مقابلة مع آنّا ڤوڤتشوك
تاريخ الولادة: سنة ١٩٤٠
تاريخ المعمودية: سنة ١٩٥٩
لمحة عن حياتها: نُفيت من سنة ١٩٥١ الى سنة ١٩٦٥. كانت في العاشرة من عمرها عندما أُرسلت الى سيبيريا. اشتغلت من سنة ١٩٥٧ الى سنة ١٩٨٠ في طبع مطبوعات الكتاب المقدس سرّا.
حاول الـ KGB مرارا ان يجعلونا نتعرف الى الاخوة، بعرض صور علينا. كنت اقول: «لا اعرف شيئا أخبركم به. لا اعرف احدا ابلّغكم عنه». هكذا كنا نجيبهم دائما. لاحقا، بعدما تزوجت بفترة قصيرة، كنت ذاهبة الى المدينة فالتقيت رئيس الـ KGB في مدينة أنڠَرْسك. كان قد استدعاني مرارا كثيرة ليستجوبني وهو يعرفني جيدا.
قال لي: «في ما يتعلق بستيپان ڤوڤتشوك، اخبرتني انك لا تعرفين هذا الرجل. والآن كيف حدث انك تزوجت به؟».
اجبت: «ألستم انتم الذين عرّفتموني به عن طريق الصور التي عرضتموها عليّ؟».
فصفق يديه وقال: «ها نحن المخطئون مجددا!».
وضحكنا معا. كانت تلك لحظة سعيدة ومرحة في حياتي.
[الاطار/الصورة في الصفحتين ٢٢٩ و ٢٣٠]
مقابلة مع صوفيا ڤوڤتشوك
تاريخ الولادة: سنة ١٩٤٤
تاريخ المعمودية: سنة ١٩٦٤
لمحة عن حياتها: نُفيت من سنة ١٩٥١ حتى سنة ١٩٦٥. كانت في السابعة من عمرها عندما أُرسلت الى سيبيريا مع امها، اختها، وأخيها.
عندما اخذونا الى سيبيريا، اخبرونا اننا سنبقى هناك الى الابد. فلم نتخيل قط اننا سننال حريتنا. وكنا عندما نقرأ في مجلة برج المراقبة عن المحافل التي تحدث في بلدان اخرى، نصلّي الى يهوه ان نحصل، ولو مرة واحدة في حياتنا، على فرصة حضور محفل كالمحافل التي تُعقد في بلدان اخرى. ولا ريب ان يهوه باركنا. ففي سنة ١٩٨٩، تمكنا من حضور محفل شهود يهوه الاممي في پولندا. ويستحيل وصف الابتهاج والفرح المطلَقين اللذين شعرنا بهما لكوننا موجودين هناك.
لقد رحّب بنا الاخوة في پولندا من كل قلبهم. قضينا هناك اربعة ايام. وحضرنا محفلا! وكان تعلّم المزيد عن يهوه ونيل الارشاد من كلمة اللّٰه سببا لفرح عظيم. كنا سعداء جدا. وأخبرنا الجميع باختباراتنا. ومع انه كان يوجد الكثير من القوميات، فقد كانوا جميعهم اخوتنا! وفيما مشينا حول المدرَّج، احسسنا بشعور جميل بالسلام. فبعد كل ما مررنا به — وجودنا تحت الحظر مدة طويلة — بدا لنا اننا موجودون منذ الآن في العالم الجديد. لم نسمع اي لعن، وكان كل شيء نظيفا وجميلا. قضينا الوقت معا بعد انتهاء البرنامج. فلم نغادر على الفور؛ عاشرنا الاخوة، وتحدثنا معا. وإذا لم نفهم ما يُقال، كان هنالك مترجمون. حتى عندما لم نفهم، كنا نقبّل احدنا الآخر. كنا سعداء.
[الاطار/الصورة في الصفحتين ٢٤٣ و ٢٤٤]
مقابلة مع رومَن يوركيڤيتش
تاريخ الولادة: سنة ١٩٥٦
تاريخ المعمودية: سنة ١٩٧٣
لمحة عن حياته: قضى ست سنوات في معسكرات السجناء بسبب حياده. يخدم في لجنة الفرع في اوكرانيا منذ سنة ١٩٩٣.
يدفع الحق الشخص الى مساعدة ودعم الآخرين. وقد شعرنا بذلك خصوصا في سنة ١٩٩٨ عندما حدث فيضان هائل في ترانسكارپاثيا، وخسر مئات، نعم، مئات الاشخاص بيوتهم وكل ممتلكاتهم في ليلة واحدة.
في غضون يومين، وصل فريق من الاخوة الى مكان الفيضان وشكلوا لجان إغاثة. وقرر هؤلاء اية اغاثة تُقدّم لكل عائلة، ولكل قرية. ثمة قريتان تضررتا بشدة: ڤاري وڤيشكوڤ. وفي خلال يومين او ثلاثة فقط، أُعدت الخطط في ما يتعلق بالمساعدة التي ستحصل عليها العائلة ومَن سيقدّمها. ثم وصل اخوتنا في شاحنات وبدأوا يجرفون بحر الوحل.
جلبوا خشبا جافا، الامر الذي اذهل الجميع في تلك المنطقة. وتعجب غير الشهود. كانت اخت من ڤيشكوڤ في المنطقة حيث يجرف فريق من الاخوة الوحل. فاقترب منها مراسل صحفي وسأل: «هل تعرفين من هم هؤلاء الاشخاص؟».
اجابت: «لا اعرفهم جيدا لأننا نتكلم لغات مختلفة — الرومانية، الهنڠارية، الاوكرانية، والروسية. ولكنني اعرف شيئا واحدا: انهم اخوتي وأخواتي، وهم يساعدونني».
في غضون يومين او ثلاثة، ارسل الاخوة المساعدة؛ فاعتنوا بتلك العائلات التي نُقلت الى مناطق اخرى. ولكن، بعد نصف سنة، أُعيد بناء كل بيوت الشهود تقريبا، وكان الشهود اول اشخاص من تلك المنطقة يعودون للعيش في بيوتهم الجديدة.
[الجدول في الصفحة ٢٥٤]
(انظر المطبوعة)
الفاتحون القانونيون في اوكرانيا (١٩٩٠-٢٠٠١)
٠٠٠,١٠
٠٠٠,٨
٠٠٠,٦
٠٠٠,٤
٠٠٠,٢
٠
١٩٩٠ ١٩٩٢ ١٩٩٣ ١٩٩٤ ١٩٩٥ ١٩٩٦ ١٩٩٧ ١٩٩٨ ١٩٩٩ ٢٠٠١
[الجدول في الصفحة ٢٥٤]
(انظر المطبوعة)
شهود يهوه في اوكرانيا * (١٩٣٩-٢٠٠١)
٠٠٠,١٢٠
٠٠٠,١٠٠
٠٠٠,٨٠
٠٠٠,٦٠
٠٠٠,٤٠
٠٠٠,٢٠
٠
١٩٣٩ ١٩٤٦ ١٩٧٤ ١٩٨٦ ١٩٩٠ ١٩٩٢ ١٩٩٤ ١٩٩٦ ١٩٩٨ ٢٠٠١
[الحاشية]
^ الفقرة 582 الاعداد في السنوات ١٩٣٩-١٩٩٠ هي اعداد تقريبية
[الخرائط في الصفحة ١٢٣]
(اطلب النص في شكله المنسق في المطبوعة)
اوكرانيا
ڤولين
هاليتشينا
لْڤوف
ترانسكارپاثيا
بوكوڤينا
كييڤ
خاركوف
نيپروپتروفسك
لوهانسك
زاپوروجي
دونتسك
أوديسّا
القرم
البحر الاسود
تركيا
بلغاريا
رومانيا
مولداڤيا
پولندا
روسيا البيضاء
روسيا
[صورة تغطي كامل الصفحة ١١٨]
[الصورة في الصفحة ١٢٧]
ڤويتخ تشيخي
[الصورة في الصفحة ١٢٩]
اول محفل في مدينة بوريسلاڤ في هاليتشينا، آب (اغسطس) ١٩٣٢
[الصورة في الصفحة ١٣٠]
محفل في سولوتڤينو في ترانسكارپاثيا، ١٩٣٢
[الصورة في الصفحة ١٣٢]
طوال ٤٠ سنة تمّم إميل وماريّا زاريتسكْيه تعيينهما بأمانة كمترجمَين
[الصورة في الصفحة ١٣٣]
اول مخزن للمطبوعات في اوكرانيا كان في هذا البيت في أُوجڠُراد من ١٩٢٧ حتى ١٩٣١
[الصورة في الصفحة ١٣٤]
فريق مستعد ان يذهب بالباص للكرازة في منطقة راخيڤ في جبال ترانسكارپاثيا، ١٩٣٥: (١) ڤويتخ تشيخي
[الصورة في الصفحة ١٣٥]
اسطوانة فونوڠرافية قديمة: «الدين والمسيحية» بالاوكرانية
[الصورة في الصفحة ١٣٦]
جماعة كوسماتش في سنة ١٩٣٨: (١) باع ميكولا ڤولوتْشييه احد حصانيه ليشتري فونوڠرافا
[الصورة في الصفحة ١٣٧]
ليودڤيك كينيتسكي، الذي يتذكره كثيرون بإعزاز كخادم غيور، مات امينا ليهوه في معسكر اعتقال نازي
[الصورتان في الصفحة ١٤٢]
إيليا هوڤوتشاك (فوق الى اليسار)، وهو مسافر مع اونوفرْيي ريلتشوك للكرازة في الجبال و (الى اليمين) مع زوجته پاراسكا، اعدمه الڠستاپو بعد ان سلّمه كاهن كاثوليكي
[الصورة في الصفحة ١٤٦]
اناستاسيا كازاك (١) مع شهود آخرين من معسكر اعتقال شتوتهوف
[الصورتان في الصفحة ١٥٣]
إيڤان ماكسيميوك (في الاعلى مع زوجته يڤدوكيا) وابنه ميخايلو (الى اليمين) رفضا المسايرة في استقامتهما
[الصورة في الصفحة ١٥٧]
سيبيريا، روسيا: ولدان لشهود اوكرانيين منفيين يقطعان الحطب قطعا صغيرة من اجل الوقود، سنة ١٩٥٣
[الصور في الصفحة ١٥٨]
مطبوعات قديمة للكتاب المقدس بالاوكرانية
[الصورة في الصفحة ١٧٠]
بعمر ٢٠ سنة، كان هريهورييه ميلنيك يتحمل مسؤولية الاعتناء بأخَويه وأخته الاصغر سنّا
[الصورة في الصفحة ١٧٦]
قضت ماريّا توميلكو ١٥ سنة في السجن ولكنها بقيت امينة
[الصورة في الصفحة ١٨٢]
نوتسو بوكوك خلال اجتماع قصير في السجن مع ابنته، سنة ١٩٦٠
[الصورة في الصفحة ١٨٥]
ليديا وأولكسييه كورداس (في الاعلى)، أُوقفا وسُجنا في معسكرين منفصلين عندما كان عمر ابنتهما هالينا ١٧ يوما؛ هالينا كورداس بعمر ثلاث سنوات (الى اليمين): أُخذت هذه الصورة في سنة ١٩٦١ عندما كان والداها لا يزالان في السجن
[الصورة في الصفحة ١٩١]
في الليلة التي سبقت زفافهما، أُوقفت هانّا شيشكو ويوري كوپوس وحُكم عليهما بالسجن عشر سنوات في المعسكر. فتزوجا بعد عشر سنوات
[الصورة في الصفحة ١٩١]
قضى يوري كوپوس ثلث قرن تقريبا في السجون ومعسكرات العمل الإلزامي السوڤياتية
[الصورة في الصفحة ١٩٤]
خصص پاڤلو زياتِك كامل حياته لخدمة يهوه
[الصورة في الصفحة ١٩٦]
رسالة بتاريخ ١٨ ايار (مايو) سنة ١٩٦٢ من ناثان ه. نور الى الاخوة في الاتحاد السوڤياتي
[الصورة في الصفحة ٢١٤]
طُبعت المطبوعات لأوكرانيا وأجزاء اخرى من الاتحاد السوڤياتي في مخابئ تحت الارض مثل هذا المخبإ في اوكرانيا الشرقية
[الصورة في الصفحة ٢١٦]
في الاعلى: التلة المغطاة بالاشجار في عمق جبال الكربات حيث اشرف إيڤان دزيابكو على مخبإ سريّ
[الصورة في الصفحة ٢١٦]
في الاعلى: ميخايلو ديولوه يجلس بجانب ما كان في السابق مدخل المخبإ السري حيث زود إيڤان دزيابكو بالورق
[الصورة في الصفحة ٢١٦]
الى اليمين: إيڤان دزيابكو
[الصورة في الصفحة ٢٢٣]
قضى بيلا مايسار ٢١ سنة في السجن، وخلال ذلك الوقت غالبا ما كانت زوجته الامينة ريجينا تقطع مسافة اكثر من ٠٠٠,١٤٠ كيلومتر لتزوره
[الصورة في الصفحة ٢٢٤]
عُيّن ميكيل داسيڤيتش خادما للبلد في سنة ١٩٧١
[الصورة في الصفحة ٢٣٣]
كان تسجيل شهود يهوه في اوكرانيا، في ٢٨ شباط (فبراير) سنة ١٩٩١، اول تسجيل من نوعه في اراضي الاتحاد السوڤياتي
[الصور في الصفحة ٢٣٧]
في المحفل الاممي سنة ١٩٩٣ في كييڤ، اعتمد ٤٠٢,٧ شخصا، وكان ذلك اكبر عدد من المعتمدين في اي من المحافل التي عُقدت في التاريخ العصري لشعب اللّٰه
[الصورة في الصفحة ٢٤٦]
تخرُّج اول صف في مدرسة تدريب الخدام في لْڤوف، في اوائل سنة ١٩٩٩
[الصورة في الصفحة ٢٥١]
في الاعلى: مجمّع قاعات الملكوت حيث خدمت عائلة بيت ايل من سنة ١٩٩٥ حتى سنة ٢٠٠١
[الصورة في الصفحة ٢٥١]
في الوسط: البيت الذي استخدمته عائلة بيت ايل من سنة ١٩٩٤ حتى سنة ١٩٩٥
[الصورة في الصفحة ٢٥١]
في الاسفل: قاعة الملكوت في مدينة نادڤيرنا — اول قاعة تُبنى ضمن البرنامج الجديد لبناء قاعات ملكوت في اوكرانيا
[الصور في الصفحتين ٢٥٢ و ٢٥٣]
(١-٣) الفرع الذي دُشّن حديثا في اوكرانيا
[الصورة في الصفحة ٢٥٣]
(٤) لجنة الفرع (من اليسار الى اليمين): (الجالسان) ستيپان هلينسكييه، ستيپان ميكيڤيتش؛ (الواقفون) اندرييه سيمكوڤيتش، رومَن يوركيڤيتش، جون ديدُر، ويورڠن كِك
[الصورة في الصفحة ٢٥٣]
(٥) ثيودور جارس يتكلم عند تدشين فرع اوكرانيا في ١٩ ايار (مايو) سنة ٢٠٠١