الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

مولدوڤا

مولدوڤا

مولدوڤا

شرقي جبال الكربات،‏ تقع ارض مولدوڤا الخصبة الغنية بالسهول،‏ الوديان العميقة،‏ الوهاد،‏ والمنحدرات المكسوّة بالغابات.‏ يمتد هذا المنظر الطبيعي المتعدد الاشكال مساحة ٠٠٠‏,٣٤ كيلومتر مربَّع،‏ وهو موطن لحيوانات متنوعة كالثعالب،‏ الذئاب،‏ الارانب البرية،‏ الغُرير،‏ الأيائل،‏ القاقوم،‏ فئران الخيل،‏ والخنازير البرية.‏

تساهم تربة مولدوڤا السوداء الخصبة ومناخها المعتدل بشكل عام في انتاج وفرة من الفاكهة،‏ الحبوب،‏ الخضار،‏ ومحاصيل زراعية اخرى.‏ كما تتوفر شبكة كبيرة للرَّي والتصريف بفضل ٢٠٠‏,٢ ينبوع طبيعي و٠٠٠‏,٣ نهر وجدول تصب جميعها جنوبا في البحر الاسود.‏ يُعد نهر دنيستر السريع الجريان والصالح للملاحة في معظم انحاء الجمهورية،‏ شريان مولدوڤا الرئيسي.‏ وعموما،‏ يوازي هذا النهر بمجراه حدود اوكرانيا،‏ بلد يحيط بمولدوڤا من الشمال،‏ الشرق،‏ والجنوب.‏ اما من الغرب،‏ فهنالك نهر پروت،‏ احد روافد الدانوب،‏ والذي يقع على الحدود مع رومانيا.‏

ماضي مولدوڤا العاصف

طوال قرون،‏ أُطلق على الارض بين نهرَي دنيستر وپروت اسم بسارابيا ومولداڤيا،‏ وكانت تقع على طريق رئيسي يؤدي الى اوروپا.‏ في الالفية الاولى ق‌م،‏ كانت المنطقة جزءا من سكيثيا.‏ ولاحقا،‏ سيطرت عليها الامبراطورية الرومانية قليلا.‏ كما يتضمن ماضي مولدوڤا العاصف اجتياحات متتالية قامت بها شعوب اخرى كالقوط،‏ الهون،‏ والمنڠول.‏ في القرنين الثالث عشر والرابع عشر،‏ صارت مولداڤيا تابعة للتَّتر.‏ وفي القرن السادس عشر،‏ اصبحت جزءا من الامبراطورية العثمانية.‏ لكن وفقا لمعاهدة بخارست سنة ١٨١٢،‏ أُجبرت الامبراطورية العثمانية على التنازل عن بسارابيا ونصف مولداڤيا لروسيا وأُطلق الاسم بسارابيا آنذاك على المنطقة كلها.‏

سنة ١٩١٨،‏ ضُمّت بسارابيا الى رومانيا الكبرى.‏ لكنها سنة ١٩٤٠ عادت مؤقتا تحت سيطرة روسيا.‏ ثم اصبحت مجددا تحت حكم روسيا سنة ١٩٤٤.‏ وهكذا أصبحت المنطقة تُعرَف باسم جمهورية مولداڤيا الاشتراكية السوڤياتية.‏ ولكن بانهيار النظام الشيوعي السوڤياتي،‏ قطعت جمهورية مولداڤيا الاشتراكية السوڤياتية علاقاتها بموسكو وأصبحت جمهورية مولدوڤا المستقلة في ٢٧ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩١.‏ * وعاصمتها هي كيشيناو المعروفة سابقا بكيشينڤ.‏

في ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ شهدت مولدوڤا نموا سريعا في السكان.‏ ولكن تباطأ هذا النمو وأصبح ثابتا منذ سنة ١٩٧٠،‏ اذ يبلغ عدد السكان حاليا حوالي ٣،‏٤ ملايين نسمة.‏ ويعمل كثيرون من سكان مولدوڤا في انتاج الخمر،‏ صناعة البلاد الاساسية،‏ والتي تزود ٣ في المئة تقريبا من الخمر في العالم.‏ ان خمر مولدوڤا شائعة بشكل خصوصي في روسيا وأوروپا الشرقية.‏ (‏انظر الاطار على الصفحة ٧١.‏)‏ إلّا ان مولدوڤا غنية بكرْمة اعظم،‏ كرْمة تنتج افضل الثمار على الاطلاق:‏ تسبيحٌ رائع ليهوه.‏

‏‹كرمة مشتهاة›‏

وصف يهوه اسرائيل الروحي بواسطة النبي اشعيا بأنهم ‹كرمة مشتهاة›.‏ وكما سبق وأُنبئ،‏ ملأت تلك الكرمة المجازية «وجه المسكونة ثمارا» على شكل طعام روحي مغذٍّ.‏ (‏اشعياء ٢٧:‏٢-‏٦‏)‏ وهكذا،‏ انضم الى المسيحيين الممسوحين ملايين من ‹الخراف الاخر›.‏ —‏ يوحنا ١٠:‏١٦‏.‏

سُرّ شعب يهوه في مولدوڤا بمشاركتهم في اتمام تلك النبوة الرائعة.‏ فبفضل الطعام الروحي الذي تزوّده هيئة يهوه بانتظام،‏ لدى مولدوڤا الآن نسبة ناشر واحد الى كل ٢٢٩ من السكان.‏ وفي الواقع،‏ نجد في احدى القرى شاهدا ليهوه بين كل اربعة اشخاص!‏

لكن كما سنرى،‏ رافقت هذا النموَّ محنٌ شديدة.‏ فطوال ٧٠ سنة تقريبا،‏ فرض النظام الملكي الروماني ونظامَا الحكم الفاشي والشيوعي الحظر على شعب اللّٰه،‏ اضطهدوهم،‏ وسجنوهم.‏ وبالرغم من ذلك،‏ تمّم يهوه كلماته النبوية في مولدوڤا،‏ كما في كل مكان،‏ في ما يتعلق ‹بكرمته المشتهاة› الروحية.‏ فقد قال من خلال اشعيا:‏ «انا الرب حارسها.‏ اسقيها كل لحظة.‏ لئلا يوقع بها احرسها ليلا ونهارا».‏ (‏اشعياء ٢٧:‏٢،‏ ٣‏)‏ وإذ تتأمل في تاريخ شعب يهوه في مولدوڤا،‏ ليقوِّ مثالهم في الشجاعة والايمان تصميمك على الاستمرار في حمل ثمار قيِّمة لتسبيح يهوه،‏ مهما وضع الشيطان المقاوم عقبات في طريقك.‏

رصل يعاين الحقل

إن الاغصان المثمرة في كرمة حرفية تبدأ كفروع صغيرة.‏ وقد صحّ الامر نفسه في النمو الروحي الذي بدأ في مولدوڤا.‏ فلنرَ كيف نمّى يهوه هذا الفرع الدقيق ليصبح كرمة مثمرة قوية كالّتي نراها في مولدوڤا اليوم.‏ (‏١ كورنثوس ٣:‏٦‏)‏ سيعود بنا البحث الى اواخر القرن التاسع عشر،‏ عندما زار تلميذ الكتاب المقدس،‏ تشارلز تاز رصل،‏ البلدَ اثناء رحلة اوروپية.‏

في عدد ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٨٩١ من برج مراقبة زيون وبشير حضور المسيح‏،‏ كتب رصل انه زار بيت محامٍ يهودي اصبح مسيحيا،‏ اسمه جوزيف ربينوِيتش.‏ ذكر رصل:‏ «كان احد اكثر اختباراتنا متعة حتى الآن زيارتنا للأخ جوزيف ربينوِيتش في بيته في كيشينڤ،‏ روسيا [الآن كيشيناو،‏ مولدوڤا].‏ لقد رحّب بنا الاخ وعائلته بحرارة وهم جميعا مؤمنون بالرب يسوع.‏ .‏ .‏ .‏ لقد وجدناه مطّلعا جيدا على تعاليم الفجر [سلسلة كتب الفجر الالفي‏] وموافقا عليها تماما».‏ وأثناء المناقشات التي اجراها رصل مع ربينوِيتش،‏ اتفقا على العديد من النقاط المؤسسة على الاسفار المقدسة وقد اتضح ذلك من دعوة الأخ رصل صديقه المولدوڤي «الأخ ربينوِيتش».‏

كان ربينوِيتش وعائلته منهمكين بنشاط في مساعدة اليهود،‏ الذين زاد عددهم عن ٠٠٠‏,٥٠ شخص في كيشيناو،‏ على قبول المسيح والرجاء المسيّاني.‏ ذكر رصل:‏ «كان هنالك بيت للعبادة جديد ونظيف جدا يتسع لمئة وخمسة وعشرين شخصا تقريبا» متصلا بمنزل ربينوِيتش ومكتبه.‏ كان لدى ربينوِيتش مطبعة يدوية جديدة استعملها لطبع نشرات تلائم بشكل خصوصي طريقة تفكير اليهود.‏ سنة ١٨٩٧،‏ اي بعد ست سنوات تقريبا،‏ كتب ربينوِيتش الى رصل قائلا:‏ «أخي العزيز والحبيب رصل:‏ في نهاية السنة،‏ لا يسعني إلا ان اشكرك على الفرح الروحي الذي تنقله إليّ بواسطة مجلتك القيِّمة،‏ برج مراقبة زيون‏،‏ والتي اتسلّمها بانتظام.‏ فأنا اعتبرها مثل سفينة التاجر،‏ تحمل إليّ الطعام الروحي من بعيد».‏ ولكن بالرغم من محبة هذا الرجل اليهودي وغيرته لحق الكتاب المقدس،‏ مرّت ٣٠ سنة قبل ان تتأصل بذار الملكوت في مولدوڤا وتبدأ بالإثمار.‏ —‏ متى ١٣:‏١-‏٨،‏ ١٨-‏٢٣‏.‏

الحرب العالمية الاولى تخلّف كثيرين خائبي الامل

ان التغييرات السياسية المفاجئة التي حدثت في اوروپا اثناء الحرب العالمية الاولى،‏ هيّأت تربة خصبة لبذار الملكوت في مولدوڤا.‏ فعندما انتهت الحرب الكبرى،‏ كما كانت تُدعى آنذاك،‏ قطعت مولدوڤا علاقاتها بروسيا،‏ حيث تقلّد الشيوعيون هناك زمام السلطة،‏ واتحدت مع رومانيا.‏ فعاد الكثير من الجنود المولدوڤيين خائبي الامل بعد ان رأوا اهوال الحرب.‏ وقد نشأ معظمهم وعندهم ولاء قوي للكنيسة الارثوذكسية،‏ لكنهم اصبحوا الآن يشككون في تعاليمها.‏

احد هؤلاء الجنود يون أندرونيك الذي عاد سنة ١٩١٩ الى قريته الأم،‏ كورجوتس.‏ فقد أُثير اهتمامه بالكتاب المقدس نتيجة للمناقشات التي أجراها مع المجيئيين والمعمدانيين وهو سجين حرب.‏ لذلك،‏ جلب الى منزله كتابا مقدسا من معسكر السجناء وناقش المعلومات التي فيه مع عائلته وجيرانه مثيرا اهتمامهم ايضا.‏

كان إيلي ڠروزا احد هؤلاء الجيران.‏ فقد كان ڠروزا في الولايات المتحدة خلال سنوات الحرب وعاد الى موطنه حاملا نسخة من «العهد الجديد» حصل عليها خلال أسفاره.‏ وبما ان عائلتَي أندرونيك وڠروزا جيران احمّاء،‏ بدأوا بمناقشة كلمة اللّٰه معا.‏ كما حصلوا على مطبوعات من إصدار تلاميذ الكتاب المقدس،‏ كما كان يُعرف شهود يهوه في ذلك الوقت.‏

تتذكر يووانا،‏ ابنة إيلي ڠروزا:‏ «كنت في السادسة من عمري فقط عندما حصلت عائلتي لأول مرة على مطبوعات من إصدار تلاميذ الكتاب المقدس.‏ لست متأكدة من أين حصلنا عليها،‏ لكني اتذكر والديّ وأشقائي الأكبر سنا يناقشون بحماس التفسيرات الواضحة للاسفار المقدسة في تلك المطبوعات».‏

اختار يون أندرونيك لاحقا ألّا ينذر حياته ليهوه.‏ لكن لم يكن هذا حال باقي عائلته ومعظم عائلة ڠروزا.‏ تتذكر يووانا:‏ «في البداية،‏ اقتصرت اجتماعاتنا على العائلتين فقط.‏ فقد كان لدى والديّ اربع بنات ولدى عائلة أندرونيك العديد من البنين والبنات.‏ لذلك لم يمض وقت طويل حتى نمت علاقة رومنطيقية بين ڤاسيل أندرونيك وأختي فيودولينا أدّت الى زواجهما.‏

‏«سرعان ما انضم الى فريقنا لدرس الكتاب المقدس زوجان من اقاربنا البعيدين،‏ تودور ودارْيا ڠروزا.‏ كان تودور تلميذا مخلصا للكتاب المقدس.‏ فقد ذهب الى مكتب الفرع في كلوج-‏ناپوكا في رومانيا للحصول على مطبوعات ولإيجاد اجوبة عن اسئلته الكثيرة حول الكتاب المقدس.‏ وفي السنوات اللاحقة،‏ أثبت انه عوْن روحي كبير لجماعتنا الصغيرة.‏

‏«كما انضمّت عائلة ياكوبوي التي كانت تسكن في منطقتنا ايضا الى المناقشات التي كانت تُعقد في بيتنا حول الكتاب المقدس.‏ كان پيترو إياكوبوي،‏ رأس العائلة،‏ قد استضاف في وقت سابق رجلا يوزع كتبا مقدسة.‏ وقد أثار هذا الضيف اهتمام پيترو بالاسفار المقدسة.‏ تفحّص پيترو تعاليم المعمدانيين لفترة قصيرة قبل ان يقرر ان الحق موجود في مكان آخر.‏ وقد كان ذلك عندما انضم الى فريقنا النامي من تلاميذ الكتاب المقدس.‏

‏«دفعتنا المعرفة التي كنّا نتلقّاها كفريق الى نقل بشارة الملكوت بغيرة الى جميع اصدقائنا وأقاربنا الذين كان يعيش العديد منهم في قريتنا والقرى المجاورة».‏

ولإبراز سرعة انتشار رسالة الملكوت في مولدوڤا،‏ ذكر عدد ١٥ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٢١ من برج المراقبة:‏ «يكتب اخ من بسارابيا [كما كانت مولدوڤا تُدعى آنذاك] والذي كان مبشّرا من المجيئيين حتى وقت قريب:‏ ‹لقد سمع الحق نحو ٢٠٠ شخص في قرية كورجوتس وفي العديد من الاماكن المجاورة›».‏

في بداية عشرينات الـ‍ ١٩٠٠ وفي قرية شيراوتس،‏ نال إيلاريون بوڠايان،‏ عضو شديد الولاء للكنيسة الارثوذكسية،‏ المعرفة عن الحق.‏ فخدم يهوه بأمانة حتى مماته.‏ كما عاد تلميذ للكتاب المقدس اسمه مويْزه شوبانو من المانيا الى مدينة بلتسي.‏ كان شوبانو قد تعلّم الحق خلال سجنه في المانيا اثناء الحرب العالمية الاولى.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى تشكّل فريق اصبح لاحقا الجماعة الاولى في بلتسي.‏

الشهود في رومانيا يمدّون يد المساعدة

خلال عشرينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ ارسل فرع رومانيا الى مولدوڤا اخوة مؤهلين للمساعدة في حراثة الحقل وتقوية الجدد الذين ينضمون الى شعب اللّٰه.‏ كان ڤاسيل شوكاش من ترانسيلڤانيا بين هؤلاء المبشرين الاوائل.‏ كان يتكلم الرومانية والهنڠارية.‏ وعندما كان يزور الجماعة الجديدة في كورجوتس،‏ كان يمكث دائما ببيت إيلي ڠروزا وعائلته.‏ تتذكر يووانا تلك الزيارات بإعزاز وتقول:‏ «كنت آنذاك في الثامنة من عمري،‏ لكني ما زلت اتذكر زيارات الاخ شوكاش.‏ كان اخا لطيفا جدا،‏ وفي جعبته دائما قصص ممتعة ليرويها لنا حتى اننا لم نكن نرغب في الإيواء الى الفراش!‏ وكنا دائما نتنافس انا واختي في الجلوس الى جانبه».‏

استمر الشهود من رومانيا والناشرون المحليون الغيورون على السواء في نقل البشارة الى القُرى المجاورة.‏ ففي قرية تاباني التي تبعد ١١ كيلومترا عن كورجوتس،‏ قام كازيمير شيسلينسكي بنقل البشارة التي تعلّمها من الكتاب المقدس الى الآخرين.‏ سمع كازيمير عن رسالة الملكوت خلال خدمته في الجيش في رومانيا.‏ وأحد اول الاشخاص الذين تجاوبوا مع كرازة كازيمير في تاباني كان دوميترو ڠوروبتس،‏ تلميذ غيور جدا للكتاب المقدس.‏ واليوم،‏ وبفضل غيرة دوميترو وآخرين مثله،‏ هنالك ٤٧٥ شاهدا ليهوه في تاباني التي يبلغ عدد سكانها ٢٧٠‏,٣ نسمة.‏

في بداية عشرينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ وصلت رسالة الملكوت الى قرية كاراكوشيني التي تبعد ثلاثة الى اربعة كيلومترات عن كورجوتس.‏ وأحد اول القرويين الذين قبلوا الحق في كاراسوشيني كان ڤلاديمير لونڠو الذي اعتمد سنة ١٩٢٧.‏ احتمل ڤلاديمير الكثير من الاضطهاد بسبب معتقداته المسيحية ومات امينا ليهوه سنة ٢٠٠٢.‏ وطوال حياته،‏ رأى العديد من الاشخاص في قريته يقبلون الحق لدرجة ان هنالك الآن شاهدا ليهوه بين كل اربعة اشخاص في كاراسوشيني التي يبلغ عدد سكانها ٢٠٠‏,٤ نسمة!‏

تعلّم اخ أمين آخر اسمه ألكسندرو ميكيتكوڤ الحقَّ لأول مرة سنة ١٩٢٩ فيما كان يزور مدينة اياشي الرومانية.‏ يقول ابنه إيڤان:‏ «عندما عاد ابي الى قريتنا الأم،‏ تْسول،‏ باشر فورا بالكرازة بالبشارة وسرعان ما اصبحت الاجتماعات المسيحية تُعقد في بيتنا».‏

يتابع إيڤان:‏ «بقي ابي على اتصال مع مكتب الفرع في رومانيا،‏ ومن وقت الى آخر،‏ كان يزورنا اخوة ناضجون من رومانيا.‏ من المؤسف انه اثناء احدى تلك الزيارات سنة ١٩٣١،‏ ماتت اختي الرضيعة.‏ ولأن عائلتي كانت معروفة،‏ حضر المأتمَ قرويون كثيرون.‏ قام زائرنا من رومانيا،‏ الاخ ڤينيكا،‏ بإجراء مراسم الدفن.‏ وقد اعطى شهادة رائعة داحضا الاشاعة التي نشرها رجال الدين ان تلاميذ الكتاب المقدس لا يقيمون مراسم دفن تتسم بالوقار.‏ وعلاوة على ذلك،‏ فإن خطاب الاخ ڤينيكا الذي اوضح رجاء القيامة،‏ زرع بذارا جيدة في قلوب بعض الحاضرين.‏ وقبل ان يمرّ وقت طويل،‏ اتّخذ هؤلاء ايضا موقفا ثابتا الى جانب الحق.‏

‏«كان لتشجيع الاخ ڤينيكا الروحي تأثير عميق ايضا على عائلتي.‏ فعلى سبيل المثال،‏ قرّر اخي الاكبر،‏ دوميترو،‏ ان يصبح موزع مطبوعات جائلا (‏خادما كامل الوقت)‏.‏ وبسبب حماسته لمساعدة اكبر عدد ممكن من الناس،‏ سرعان ما غادر البيت ليكرز في مناطق غير مخدومة في مولدوڤا.‏ وقد دعمت العائلة قراره من القلب.‏ لكن عليّ ان اعترف اني افتقدت اخي الكبير جدا.‏ ومن ناحية ثانية،‏ كم كنا نفرح حين كان يرجع لزيارتنا وفي جعبته الكثير من الاختبارات المثيرة التي حصلت معه في الحقل!‏».‏

المقاومة من رجال الدين تتفاقم

قاوم رجال الدين الارثوذكس من البداية الكرازة بالملكوت.‏ لكن ما اثار حنقهم الشديد هو تعلُّم اعضاء سابقين من كنيستهم حق الكتاب المقدس،‏ وبالتالي رفضهم رسم اشارة الصليب وتعميد اولادهم.‏

عندما كانت يووانا ڠروزا في العاشرة من عمرها تقريبا،‏ ضغط عليها الكاهن الارثوذكسي المحلي لتساير في معتقداتها.‏ تتذكر يووانا:‏ «أوضح لنا ابي ان رسم اشارة الصليب ليس مؤسّسا على الاسفار المقدسة.‏ لكنّ الكاهن في المدرسة أصرّ على ذلك.‏ كنت أُصاب بالذعر من ذلك الرجل لكن في الوقت عينه،‏ كنت اخاف من إغضاب والدي.‏ لذا بدلا من الذهاب الى المدرسة،‏ كنت اختبئ في حظيرة.‏ لكنّ ابي علم بتغيّبي بعد عدة ايام.‏ فطلب مني بلطف تفسيرا لما فعلته ولم يوبّخني.‏ وعندما اخبرته عن مخاوفي من الكاهن،‏ اخذ بيدي وذهبنا مباشرة الى بيت ذلك الرجل.‏

‏«اخبر ابي الكاهن بلهجة حازمة:‏ ‹اذا كنت انت من يؤمّن الطعام واللباس والمسكن لابنتي،‏ فيحقّ لك عندئذ ان تقول لها ماذا يجب ان تفعل في الشؤون الدينية.‏ ولكن لأنك لا تفعل ذلك،‏ لا يحق لك ان تتدخل في ما اعلّمه لطفلتي›.‏ انا سعيدة ان الكاهن لم يسبّب لي لاحقا اية مشاكل طيلة وجودي في المدرسة».‏

عادة،‏ كان رجال الدين الاكثر نفوذا في المجتمع.‏ ومثل القادة الدينيين في ايام يسوع،‏ استخدموا نفوذهم ليشوّهوا سمعة خدام يهوه.‏ فكان ابناء ابرشيتهم إما يرفضون الإخوة بازدراء او يخافون التكلم معهم.‏ وإحدى الطرائق المفضلة لدى رجال الدين هي استغلال العداوة السياسية.‏ فعلى سبيل المثال،‏ كان الناس في مولدوڤا آنذاك يخافون ويرتابون من «التهديد» الشيوعي عبر حدود الاتحاد السوڤياتي.‏ فاستغلّ الكهنة الارثوذكس هذا الخوف ونسبوا رفض تلاميذ الكتاب المقدس رسم اشارة الصليب الى دوافع سياسية،‏ قائلين انهم شيوعيون.‏

لكن لم يكن هذا كل ما فعله رجال الدين الماكرون هؤلاء.‏ فقد اساءوا استعمال سلطتهم اكثر بتحريض رسميي الحكومة على مقاومة شعب اللّٰه،‏ تماما كما فعل الكتبة والفريسيون في ايام يسوع.‏ —‏ يوحنا ١٨:‏٢٨-‏٣٠؛‏ ١٩:‏٤-‏٦،‏ ١٢-‏١٦‏.‏

من سنة ١٩١٨ الى ١٩٤٠،‏ خضعت مولدوڤا لرومانيا التي كانت مملكة آنذاك،‏ يسودها نظام ملكي.‏ عيّنت الحكومة في رومانيا وزيرا للشِّيَع يملك سلطة القضاء في شؤونها الدينية.‏ ولأن هذا الرجل كان مذعنا للارثوذكس،‏ قاوم تلاميذ الكتاب المقدس وبذل جهدا لحظر عملهم وتوزيع مطبوعاتهم المؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وكما تتوقع،‏ كانت التهمة ان الاخوة يتحالفون مع الشيوعيين.‏

ونتيجة لهذا الازدراء الرسمي،‏ بعث المفتش العام في مولدوڤا تعليمات حكومية الى رئيس الشرطة بتاريخ ٢٥ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٢٥.‏ ذكرت هذه التعليمات:‏ «بناء على التوجيهات الامنية للشرطة رقم ٩٢٥/‏١٧٢٧٤،‏ يسرّنا ان نعلمكم ان وزارة الشؤون الداخلية قرّرت منع وايقاف الدعاية التي يقوم بها ‹تلاميذ الكتاب المقدس› من جميع الامم،‏ ونتمنى عليكم اتخاذ الاجراءات اللازمة لتحقيق هذا الهدف».‏

ان الاثر الذي خلّفته هذه المقاومة الرسمية على الاخوة انعكس في تقرير بعث به مكتب الفرع في رومانيا الى المركز الرئيسي العالمي في ١٧ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٢٧.‏ وباختصار،‏ ذكر هذا التقرير انه تم ايقاف ومنع الاجتماعات في كل مكان وأنه ‹تم استدعاء مئات الاخوة الى المثول امام المحاكم العسكرية والمدنية›.‏ كما افاد ايضا:‏ ‹لا يُعقَد الّا القليل من الاجتماعات في الصيف لأن المخابرات والشرطة ما زالوا يراقبون الجماعات عن كثب وخصوصا في القرى،‏ حيث توجد اغلب الجماعات.‏ وتُعقد معظم الاجتماعات في الغابات،‏ في اماكن مخفية جيدا›.‏

تابع التقرير:‏ ‹ابتداء من آذار (‏مارس)‏،‏ توقف عمل النظار الجائلين ايضا.‏ وفي ذلك الشهر عينه،‏ اصدر وزير الداخلية اوامر صارمة وسرية للبحث عن مُوزّعي المطبوعات الجائلين واعتقال جميع «مُروّجي الدعايات» هؤلاء.‏ وخلال وقت قصير،‏ سُجِن معظم مُوزّعي المطبوعات الجائلين.‏ وبالرغم من اننا والاخوة لم نُصب بالخوف اذ تحمّلنا المقاومة منذ بداية العمل في هذا البلد،‏ فإن الطريقة المنظمة لتشتيتنا هذه المرة شاملة جدا بحيث يصعب علينا القيام بأي عمل›.‏

فيما دنت عشرينات الـ‍ ١٩٠٠ من نهايتها،‏ استمر افراد وعائلات شجعان في الانفصال عن الكنيسة الارثوذكسية وأخذ موقف ثابت الى جانب حق الكتاب المقدس.‏ وقد انعكس هذا الواقع في رسالة كتبها كاهن قرية الى المسؤول عنه سنة ١٩٢٨.‏ تضمنت هذه الرسالة اسماء ٤٣ شخصا من الراشدين والاولاد كانوا تابعين لأبرشية هذا الكاهن في شيراوتس.‏ ذكرت الرسالة:‏ «نتشرف ان نرفق لكم لائحة بأسماء اعضاء الفرقة الدينية ‹تلاميذ الكتاب المقدس›.‏ فبالرغم من جهودهم،‏ لم يحققوا ايّ نجاح ولم يمتلكوا مكانا للصلاة.‏ وبدلا من ذلك،‏ يجتمعون في منازل خاصة».‏

في الواقع،‏ ان لائحة الاسماء التي ذكرها الكاهن كذّبت تأكيده ان تلاميذ الكتاب المقدس «لم يحققوا ايّ نجاح»،‏ وذلك لأن معظم الاسماء الـ‍ ٤٣ المذكورة كانوا سابقا اعضاء في الكنيسة الارثوذكسية.‏ وأحد الاولاد المذكورين في اللائحة كان اڠْريپينا باربوتسي التي يزيد عمرها الآن عن ٨٠ عاما ولا تزال نشيطة في خدمة يهوه.‏

عندما اصبح من الصعب الكرازة علانية،‏ ركّز الاخوة على الشهادة غير الرسمية وخصوصا للاقارب.‏ ففي تلك الفترة،‏ كان الاقارب يمضون وقتا كبيرا في المعاشرة اجتماعيا.‏ فاستفاد الاخوة من هذه العادة لنقل البشارة للآخرين.‏ وبطبيعة الحال،‏ لا يوجد اي تشريع يمنع اعضاء العائلة من التحدث واحدهم مع الآخر.‏

جهود لجعل عمل الكرازة شرعيا

بعد حظر عمل الكرازة سنة ١٩٢٥،‏ قدّم الاخوة في مكتب الفرع في كلوج-‏ناپوكا،‏ رومانيا،‏ تقريرا لوزير الشِّيَع مؤلّفا من ٥٠ صفحة ومطبوعا على الآلة الكاتبة.‏ اشتمل التقرير على طلب رسمي لرفع الحظر،‏ بالإضافة الى بيان موجز بتعاليمنا ومعتقداتنا.‏ بعد ذلك،‏ سُمح لواحد من الاخوة في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٢٧،‏ بمقابلة الوزير في ثلاث مناسبات منفصلة.‏ وفي آخر مقابلة له مع الوزير،‏ خرج آملا تغيير القانون لصالح حرية العبادة.‏ ولكن من المؤسف ان الحكومة تجاهلت مناشدة الاخوة.‏ وفي الواقع،‏ استمر الرسميون في اختلاق الاثم بواسطة القانون جاعلين الامور تزداد سوءًا على شعب يهوه.‏ (‏مزمور ٩٤:‏٢٠‏،‏ ترجمة الملك جيمس؛‏ دانيال ٦:‏٥-‏٩‏)‏ وفي هذا الخصوص،‏ ذكرت وثيقة رسمية بتاريخ ٢٩ ايار (‏مايو)‏ ١٩٣٢ ان «كل نشاط مهما كان نوعه» يقوم به تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم «ممنوع منعا باتا».‏

على الرغم من ذلك،‏ لم يكن الهجوم على شعب اللّٰه في مولدوڤا ورومانيا يحمل ميزات حملة موحدة ومنظمة.‏ فإلى حدٍّ ما،‏ اتخذ الرسميون والحكومات المحلية قرارات شخصية في ما يتعلق بتلاميذ الكتاب المقدس.‏ لذلك قصد الاخوة هؤلاء الرسميين ليدافعوا عن البشارة ويثبّتوها قانونيا على الاقل في مناطقهم المحلية.‏ —‏ فيلبي ١:‏٧‏.‏

أثمرت هذه الجهود في بعض الاماكن.‏ وهذا ما حدث في بخارست،‏ رومانيا،‏ بعد ان انتقل مكتب الفرع من كلوج-‏ناپوكا الى هناك.‏ ففي سنة ١٩٣٣ وبعد صراع طويل،‏ حصل الفرع اخيرا على وثيقة تسجيل شرعية لجمعية الكتاب المقدس والكراريس التابعة لشهود يهوه في بخارست.‏

والمثير للاهتمام ان قضاة بارزين عارضوا علنا القيود المفروضة على شعب اللّٰه.‏ مثلا،‏ وفي ٨ ايار (‏مايو)‏ ١٩٣٥،‏ اصدرت محكمة استئناف كلوج-‏ناپوكا بجرأة حكما بأن الحظر المفروض على شهود يهوه مخالف للدستور.‏ وقد ذكر الحكم ايضا:‏ «ان الكراريس المصادرَة [اصدار شهود يهوه] تشجع على محبة واحدنا الآخر والايمان باللّٰه والمسيح.‏ لهذا السبب،‏ من الخطإ ان نصرّح بأن لهذه الكراريس دورا مخرّبا؛‏ فهي لا تشكل خطرا على امن الدولة».‏

صوت الحق لا يلقى اذنا صاغية

على الرغم من ذلك الرأي القضائي العادل،‏ بقيت السلطات بشكل عام مقاومةً لعمل شعب اللّٰه.‏ مثلا،‏ قام رئيس مكتب امن بلدة سوروكي في مولدوڤا في ٢٨ آذار (‏مارس)‏ ١٩٣٤ بكتابة رسالة الى المسؤول عنه،‏ مفتش الشرطة الاقليمية في كيشيناو.‏ وقد تشكّى في هذه الرسالة قائلا انه في سنة ١٩٢٧ كان هنالك في احدى القرى قرب سوروكي «عائلتان فقط من انصار هذه الفرقة الدينية لكنهم تمكنوا من هداية .‏ .‏ .‏ ٣٣ عائلة اخرى».‏ كما كتب ايضا ان الشهود «يرفضون الكنيسة» و «تقاليدها وعاداتها الدينية» وانهم «بدلا من طلب خدمات الكاهن،‏ يقومون بعبادتهم الخاصة».‏ واختتم رسالته قائلا:‏ «يستمر [الشهود] في هداية اشخاص آخرين وهذا يهدد النظام القائم وأمن الدولة».‏

في ٦ ايار (‏مايو)‏ ١٩٣٧،‏ كتب الاخوة في سوروكي الى المأمور مطالبين بشطب شهود يهوه من لائحة الفرق الدينية غير الشرعية.‏ فجاء الجواب الرسمي في رسالة بعثها رئيس المقاطعة في منطقة سوروكي الى مأمور المنطقة نفسها.‏ ذكرت الرسالة المؤرخة في ١٥ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٣٧:‏ «ان نشاط [شهود يهوه] ممنوع بأمر .‏ .‏ .‏ من وزارة الشِّيَع والفنون.‏ لذلك،‏ لا يمكننا تلبية طلبهم بشطب اسمهم من لائحة الفرق الدينية [غير الشرعية]،‏ وذلك لأنهم مستمرون في العمل بنشاط من اجل مصالح تلك الفرقة».‏

ولتأكيد ذلك الموقف العدائي،‏ ذكرت الصحيفة الحكومية الرسمية،‏ مونيتورول اوفيشيال‏،‏ في ١٢ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٣٩ ان شهود يهوه وأيّة مؤسسات شرعية يمكن ان يستخدموها «ممنوعون منعا باتا».‏ فكما ذُكر سابقا،‏ كانت مولدوڤا خاضعة لسلطة رومانيا الارثوذكسية الشرقية والتي يسودها نظام ملكي.‏ من المؤسف ان التعصب الديني الاعمى دفع رسميين كثيرين الى معاملة شعب يهوه معاملة اسوأ مما يقتضيه الحظر الشرعي.‏

الرسميّون يصبحون وحوشا

يُظهِر اختبارَا دوميترو ڠوروبتس وكازيمير شيسلينسكي ان نار مقاومة عمل الكرازة كان يؤججها في غالبية الاوقات الكره الديني من قِبَل الرسميين الأرثوذكس الغيورين.‏ فقد تعلّم دوميترو وكازيمير حق الكتاب المقدس لأول مرة في قرية تاباني.‏ وبسبب صفاتهما الجيدة وغيرتهما للخدمة،‏ اصبحا معروفَين جيدا ومحبوبَين من قبل الاخوة.‏ ثم في سنة ١٩٣٦،‏ اعتُقلا وأُحضرا الى مركز شرطة في بلدة خوتين (‏الآن في اوكرانيا)‏.‏

في البداية،‏ ضربت الشرطة دوميترو وكازيمير بوحشية.‏ ثم حاولوا إجبارهما على رسم اشارة الصليب.‏ لكن،‏ بقي الرجلان ثابتَين بالرغم من الضرب المستمر.‏ وفي آخر الامر،‏ قطعت الشرطة الامل حتى انهم سمحوا لدوميترو وكازيمير بالرجوع الى بيتيهما.‏ لكنّ ذلك لم يكن نهاية المحن التي عاناها هذان الاخَوان الأمينان.‏ فقد تحمّلا مشقات كثيرة من اجل البشارة تحت نظامَي الحكم الفاشي والشيوعي.‏ مات دوميترو في اوائل سنة ١٩٧٦ في تومْسْك،‏ روسيا.‏ امّا كازيمير فقد مات في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٩٠ في مولدوڤا.‏

خلال ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ اشرف فرع رومانيا على العمل في مولدوڤا.‏ كان مارتن ماجروشي،‏ الذي اعتمد سنة ١٩٢٢،‏ خادم الفرع في ذلك الوقت.‏ والاهتمام الحبي بالإخوة،‏ وخصوصا في ظل المحن التي كانوا يمرّون بها،‏ دفع مارتن وصهره،‏ پامفيل ألبو،‏ الى زيارة العديد من الجماعات في شمال مولدوڤا لتقوية وتشجيع شعب اللّٰه.‏ فكم كانت تلك الزيارات في حينها!‏ ولماذا؟‏ لأن اوروپا اوشكت ان تصبح بؤرة الحرب العالمية الثانية.‏ ومولدوڤا،‏ محطّ انظار دول عديدة،‏ كانت ستخضع تباعا للحكومات المجاورة الاكثر قوة.‏

الحرب العالمية الثانية تعصف بأوروپا

في ٢٣ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٣٩،‏ وقّع الاتحاد السوڤياتي وحكومة المانيا النازية معاهدة عدم اعتداء.‏ وبعد اسبوع،‏ في الاول من ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٣٩،‏ اجتاحت المانيا پولندا مشعلة فتيل الحرب العالمية الثانية.‏ ثم في ٢٦ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٤٠،‏ تقدّم وزير الخارجية السوڤياتي،‏ ڤياتسلاڤ مولوتوڤ،‏ بطلب من الحكومة الرومانية ان تتنازل للاتحاد السوڤياتي ودون شروط عمّا كان معروفا آنذاك ببسارابيا.‏ أذعنت رومانيا لهذا الطلب،‏ وفي ٢٨ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٤٠ زحفت القوات السوڤياتية الى مولدوڤا.‏ ثم في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٤٠،‏ أسّس السوڤيات جمهورية مولداڤيا الاشتراكية السوڤياتية وعاصمتها كيشيناو.‏

مع ذلك،‏ دامت سيطرة السوڤيات على مولدوڤا فترة قصيرة.‏ ففي ٢٢ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٤١،‏ انتهكت المانيا معاهدة عدم الاعتداء التي أُبرِمت سنة ١٩٣٩ واجتاحت روسيا.‏ استغلّت رومانيا تحوّل الاحداث هذا وأعلنت وقوفها الى جانب المانيا.‏ وشرعت تحاول استعادة جمهورية مولداڤيا من السوڤيات.‏

كانت الخطة ناجحة.‏ فبحلول ٢٦ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٤١،‏ دَحَر الجيش الروماني الروسَ الى الخلف حتى نهر دنيستر.‏ وهكذا،‏ عادت مولدوڤا تحت سيطرة رومانيا بعد اكثر من سنة بقليل من الحكم السوڤياتي.‏ لكن هذه المرة،‏ تولى حكم رومانيا في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٤٠ حكومةٌ فاشيّة ووطنية متطرفة ترأسها القائد الدكتاتور أيون انتونيسكو.‏ ولم يتسامح نظام حكم هذا القائد مع هؤلاء الذين بقوا حياديين سياسيا لأنهم يدعمون ملكوت اللّٰه بولاء.‏

محنة قاسية في ظل الفاشيّة

حاولت حكومة انتونيسكو الفاشيّة،‏ بالتحالف مع هتلر ودول المحور،‏ فرضَ ارادتها على شهود يهوه.‏ تأمل في مثال أنتون پانتيا الذي ولد في سنة ١٩١٩.‏ تعلّم أنتون الحق في مراهقته وكان غيورا في الخدمة من بيت الى بيت.‏ تعرّض أنتون للضرب في عدة مناسبات،‏ لكنّه دافع بجرأة عن حقه الشرعي كمواطن روماني في التحدث عن ايمانه وهكذا تجنّب الاساءة الجسدية لوقت قليل.‏ غير ان الشرطة اعتقلته اخيرا.‏ فجَرّته الشرطة الفاشية الى مركز شرطة وضربوه طيلة الليل.‏ وما يثير الدهشة انهم اطلقوا سراحه بعد ذلك.‏ يبلغ الاخ پانتيا من العمر الآن ٨٤ سنة،‏ ولا يزال مصمما على البقاء امينا ليهوه.‏

پارفين پالامارتشوك،‏ أخ آخر حافظ على استقامته،‏ كان قد تعلّم حق الكتاب المقدس في مولدوڤا في عشرينات الـ‍ ١٩٠٠.‏ اصبح پارفين ايضا مناديا غيورا بالبشارة،‏ وكثيرا ما كان يترك بيته لأسابيع ليكرز في المدن والقرى الممتدة من تشيرنوڤتسي الى لْڤوف في اوكرانيا.‏ اعتقل الفاشيون پارفين سنة ١٩٤٢ لأنه رفض ان يحمل السلاح وحوكم محاكمة عسكرية في تشيرنوڤتسي.‏

روى نيكولاي،‏ ابن پارفين،‏ تلك الاحداث قائلا:‏ «اصدرت هذه المحكمة العسكرية حكما بالموت على ١٠٠ اخ.‏ وكان يجب تنفيذ الحكم فورا.‏ فجمع الضباط كل الاخوة واختاروا اول عشرة منهم ليطلقوا النار عليهم.‏ لكن أُجبِر هؤلاء العشرة في البداية على حفر قبورهم هم بأنفسهم فيما كان الـ‍ ٩٠ الآخرون يراقبونهم.‏ وقبل اطلاق النار عليهم،‏ منحهم الضباط فرصة اخرى لإنكار ايمانهم والالتحاق بالجيش.‏ فساير اثنان،‏ فيما أردتْ النار الثمانية الآخرين قتلى.‏ بعد ذلك،‏ اصطفّ عشرة آخرون.‏ لكن قبل اطلاق الرصاص عليهم،‏ كان يجب ان يدفنوا الموتى الذين سبقوهم.‏

‏«بينما كان الاخوة يملأون القبور،‏ وصل ضابط رفيع المنصب.‏ وسأل عن عدد الشهود الذين غيّروا رأيهم.‏ وعندما اخبروه انهم اثنان فقط،‏ ذكر انه اذا لزم ان يموت ٨٠ ليلتحق ٢٠ بالجيش يكون من المفيد اكثر ارسال الـ‍ ٩٢ الباقين الى معسكرات العمل الالزامي.‏ نتيجة لذلك،‏ خُفِّفت احكام الموت الى ٢٥ سنة من العمل الالزامي.‏ ولكن بعد ثلاث سنوات تقريبا،‏ تحرَّر الشهود من المعسكرات الرومانية على يد القوات السوڤياتية الزاحفة.‏ لقد نجا ابي من هذه المحنة ومن محن اخرى كثيرة.‏ ومات امينا ليهوه سنة ١٩٨٤».‏

عدم الاذعان للارثوذكسية:‏ جريمة؟‏!‏

كان ڤاسيل ڠرمَن شابا متزوجا.‏ وكانت زوجته قد انجبت طفلة لتوّها عندما اعتقله الفاشيّون في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٤٢.‏ اتُّهِم ڤاسيل «بجريمتين»:‏ رفضه اداء الخدمة العسكرية وعدم تعميده ابنته لدى الكنيسة الارثوذكسية.‏ يتذكر ڤاسيل ما حدث:‏ «في شباط (‏فبراير)‏ ١٩٤٣،‏ كان سيُنظر في قضيتي امام محكمة عسكرية في تشيرنوڤتسي بالاضافة الى قضايا ٦٩ أخا أمينا آخر.‏ وقبل تنفيذ الحكم،‏ اجبرتنا السلطات على مشاهدة تنفيذ حكم الاعدام في ستة مجرمين.‏ وهكذا،‏ كنا على يقين اننا اللاحقون في تلقّي عقوبة الموت.‏

‏«ناقشنا الموضوع في ما بيننا وعزمنا على البقاء اقوياء في الايمان وبذل كل جهد للمحافظة على حالة نفسية فرِحة حتى نهاية المحاكمة.‏ وقد نجحنا بمساعدة يهوه.‏ فعندما تلقينا نحن الـ‍ ٧٠ جميعا كما كان متوقعا الحكم بالموت،‏ شعرنا فعلا اننا نتعذب من اجل البرّ.‏ ولم يشعر ايٌّ منا بالتثبط مما اغاظ اعداءنا.‏ ثم حدثت مفاجأة.‏ فبدلا من اطلاق النار علينا،‏ غيّرت السلطات الاحكام الى ٢٥ سنة من العمل الالزامي في معسكر أيود في رومانيا.‏ لكن حتى هذا الحكم لم يتم تنفيذه بالكامل.‏ فقد حرّر الجيش السوڤياتي المتقدّم المعسكرَ في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٤٤،‏ اي بعد ثمانية عشر شهرا فقط».‏

في سنة ١٩٤٢،‏ جنّد الفاشيون الزاميا نحو ٨٠٠ رجل من قرية شيراوتس في مولدوڤا ليخدموا في جيش القائد انتونيسكو.‏ كان بينهم عدد من الشهود مثل نيكولاي آنيسكيڤيتش.‏ ذكر نيكولاي:‏ «في البداية،‏ امرتنا الشرطة ان نشارك في مراسم دينية.‏ فرفضنا نحن الشهود فعل ذلك.‏ كما رفضنا حمل الاسلحة.‏ فكانت النتيجة ان الشرطة اتهمتنا اننا شيوعيون واعتقلتنا.‏ ولكن قبل زجّنا في السجن،‏ سمحوا لنا ان نوضح لجميع الحاضرين سبب موقفنا الحيادي.‏

‏«نُقِلنا في اليوم التالي الى بريشيني،‏ المركز القضائي للمنطقة.‏ وهناك،‏ جُرّدنا من ثيابنا وفُتّشنا بالكامل.‏ ثم استجوبنا كاهن يحمل رتبة عسكرية عالية.‏ كان لطيفا وتفهّم موقفنا الذي يمليه علينا ضميرنا ورتّب ان يتم إطعامنا.‏ وعلاوة على ذلك،‏ كتب ان سبب رفضنا حمل السلاح هو ايماننا بيسوع.‏

‏«انتقلنا من بريشيني الى مركز الشرطة في ليپكاني.‏ وهناك،‏ اشبعتنا الشرطة ضربا دون رحمة حتى بعد هبوط الظلام.‏ ثم وضعونا في زنزانة مع اثنَين من الاخوة وامرأة تبيّن في ما بعد انها جاسوسة.‏ كنا نُضرَب يوميا ولعدّة ايام.‏ وفي آخر الامر،‏ أُرسِلتُ الى تشيرنوڤتسي لأُحاكَم محاكمة عسكرية.‏ وهناك،‏ عُيِّن لي محامٍ تبيَّن انه مفيد جدا.‏ ولكن مع هذا،‏ تدهورت صحتي كثيرا من سوء المعاملة حتى ان السلطات العسكرية ظنّت انني سأموت.‏ وفي النهاية،‏ قرّروا ان يعيدوني الى بيتي دون ان يُنزلوا بي العقوبة».‏

الاخوات الشجاعات يحافظْن على الاستقامة

اختبرت الاخوات ايضا قساوة حنق الفاشيّة.‏ كانت احداهن ماريّا ڠرمَن (‏ليست من اقارب ڤاسيل ڠرمَن لكن من نفس الجماعة)‏.‏ اعتُقِلت ماريّا سنة ١٩٤٣ وأُخذت الى مركز الشرطة في بالاسينشتي.‏ تتذكر:‏ «اعتقلتني الشرطة لأنني رفضت الذهاب الى الكنيسة الارثوذكسية.‏ نقلوني في البداية الى ليپكاني في مولدوڤا ثم الى تشيرنوڤتسي في اوكرانيا حيث حُكم عليّ.‏

‏«سألني القاضي لماذا رفضتُ الذهاب الى الكنيسة.‏ فأخبرته انني اعبد يهوه فقط.‏ وبسبب هذه ‹الجريمة›،‏ حُكم عليّ مع ٢٠ أختا اخرى بالسجن ٢٠ سنة.‏ حُشِر البعض منا في زنزانة صغيرة مع ٣٠ نزيلة اخرى.‏ لكن،‏ كانوا يرسلونني خلال النهار لأقوم بالاعمال المنزلية في بيوت الاغنياء.‏ ويمكنني القول ان هؤلاء الاغنياء عاملوني بطريقة افضل من رسميّي السجن،‏ فعلى الاقل اعطوني ما يكفي من الطعام!‏

‏«مع الوقت،‏ اتصلنا بالاخوة الذين كانوا في جناح آخر من السجن.‏ كان هذا الاتصال مفيدا لأننا تمكنّا من مساعدتهم على الحصول على الطعام الروحي والجسدي».‏

مثل الكثير من الشهود المولدوڤيين،‏ احتمل المحافظون على الاستقامة هؤلاء حنقَ الفاشيّة ليواجهوا هجوما آخر على ايمانهم.‏ وقد قامت بهذا الهجوم الدولة الاقليمية التالية:‏ روسيا الشيوعية.‏

التكتيك السوڤياتي:‏ الترحيل

في سنة ١٩٤٤،‏ عندما اوشكت الحرب على نهايتها،‏ وانعكس التيار ضد المانيا،‏ قامت عناصر في الحكومة الرومانية بقيادة الملك ميهاي بالاطاحة بنظام حكم انتونيسكو.‏ وحوّلت رومانيا ولاءها من دول المحور الى روسيا.‏ في تلك السنة عينها،‏ وطّد الجيش السوڤياتي المتقدّم سلطة روسيا على المنطقة موحِّدا مولدوڤا ثانية مع الاتحاد السوڤياتي كجمهورية مولداڤيا الاشتراكية السوڤياتية.‏

في البداية،‏ لم يتدخل حكام مولدوڤا الشيوعيون بشؤون شهود يهوه.‏ إلّا ان هذه الفترة من الهدوء كانت قصيرة الامد.‏ فالحياد المسيحي،‏ بما فيه رفض الشهود التصويت في انتخابات الاحزاب،‏ سرعان ما اصبح ثانية مثار جدل.‏ فالنظام السوڤياتي لم يسمح بالحياد السياسي.‏ ولحلّ المشكلة،‏ خططت الحكومة لترحيل شهود يهوه و «غير المرغوب فيهم» ابتداء من سنة ١٩٤٩.‏

أعلنت وثيقة رسمية «قرار المكتب السياسي للّجنة المركزية للحزب الشيوعي» المتعلق بمن ينبغي ترحيلهم من جمهورية مولداڤيا الاشتراكية السوڤياتية.‏ وقد شمل هؤلاء «مالكي أراضٍ سابقين،‏ تجارا كبارا،‏ شركاء نشيطين للغزاة الالمان،‏ اشخاصا كانوا يتعاونون مع قوات الشرطة الالمانية والرومانية،‏ اعضاء الاحزاب والهيئات التي تؤيد الفاشيّة،‏ الاعضاء الذين لا ينتمون الى المجموعة الاشتراكية،‏ اعضاء الفرق الدينية غير الشرعية،‏ اضافة الى عائلات الفئات المذكورة».‏ وكان هؤلاء سيرسَلون جميعا الى سيبيريا الغربية «الى وقت غير محدَّد».‏

ابتدأت موجة ترحيل ثانية سنة ١٩٥١،‏ لكن هذه المرة استُهدف شهود يهوه وحدهم.‏ وقد اصدر ستالين شخصيا أمْر هذا الترحيل الذي دُعي عملية الشمال.‏ فما يزيد على ٧٢٠ عائلة من الشهود،‏ اي ٦٠٠‏,٢ شخص تقريبا،‏ رُحِّلوا من مولدوڤا الى تومْسْك التي تبعد نحو ٥٠٠‏,٤ كيلومتر في سيبيريا الغربية.‏

ذكرت التعليمات الرسمية انه سيُعطى الافراد وقتا كافيا لجمع ممتلكاتهم الشخصية قبل أخذهم الى القطارات التي كانت ستقلّهم.‏ كما كان من المفترض ان تكون حافلات السكة الحديدية «معدّة جيدا للنقل البشري».‏ لكنّ الحقيقة كانت مختلفة تماما.‏

ففي منتصف الليل،‏ يحضر نحو ثمانية جنود ورسميين الى كل بيت من بيوت الشهود.‏ يوقظون افراد العائلة ويطلعونهم على امر الترحيل.‏ ويسمحون لهم ببضع ساعات لجمع ما يمكنهم من الممتلكات قبل أخذهم الى قطارات الترحيل.‏

كانت حافلات الركاب عبارة عن مقطورات شحن مغلقة.‏ وكان يُحشر في كل مقطورة نحو ٤٠ شخصا من كل الاعمار وينطلقون في رحلة تستغرق اسبوعين.‏ كما لم يكن فيها مقاعد ولا عزل حراري.‏ وفي احدى زوايا الحافلة،‏ كان يوجد ثقب في الارض يُستعمل كمرحاض.‏ اضافة الى ذلك،‏ وقبل ترحيل الاخوة،‏ كان من المفترض ان يسجّل الرسميون المحليون ممتلكات كل شخص.‏ وكثيرا ما كانوا يسجّلون ما قيمته قليلة،‏ أمّا الاشياء الثمينة فكانت «تختفي» ببساطة.‏

ولكن بالرغم من كل هذه المظالم والمشقات،‏ لم يفقد الاخوة فرحهم المسيحي.‏ فكلما تقاربت القطارات التي تقلّ الشهود عند مفترق طرق السكة الحديدية،‏ سُمعت ترانيم الملكوت تدوّي في المقطورات الاخرى.‏ وهكذا،‏ عرف الاخوة في كل قطار انهم ليسوا وحيدين،‏ وأن المئات من اخوتهم الشهود رُحِّلوا معهم.‏ ان رؤية وسماع واحدهم الآخر يعبّرون عن الفرح في هذه الظروف الشاقة شجّعهم وقوّى تصميمهم على البقاء امناء ليهوه مهما حدث.‏ —‏ يعقوب ١:‏٢‏.‏

ايمان جدير بالاقتداء

كان إيڤان ميكيتكوڤ احد المولدوڤيين المرَحّلين الى سيبيريا.‏ فقد اعتُقل للمرة الاولى مع شهود آخرين في مولدوڤا سنة ١٩٥١ ونُفي الى تومْسْك.‏ كانت مهمّته قطع الاشجار في احراج الصنوبر السيبيرية.‏ وبالرغم من انه لم يُحجز في معسكر للعمل الالزامي،‏ كانت حريته مقيّدة والبوليس السري يراقبه عن كثب.‏ مع ذلك،‏ اغتنم وإخوته الروحيون كل فرصة للشهادة للآخرين.‏

يذكر إيڤان:‏ «نظّمنا انفسنا في جماعات في هذه الظروف الحالكة الجديدة.‏ حتى اننا ابتدأنا بإنتاج مطبوعاتنا الخاصة.‏ وبمرور الوقت،‏ قَبِل الحق بعض الذين كرزنا لهم واعتمدوا.‏ إلّا ان السلطات علمت في آخر الامر بنشاطاتنا وحكمت على البعض منا بالذهاب الى معسكرات العمل الالزامي.‏

‏«حُكِم عليّ مع رفقاء شهود آخرين مثل پاڤْيل داندارا،‏ مينا ڠوراش،‏ وڤاسيل شارْبان بقضاء ١٢ سنة من العمل الالزامي تحت مراقبة صارمة.‏ كانت السلطات تأمل ان تُسكت هذه الاحكام القاسية الآخرين،‏ إلّا ان هذا لم يحدث.‏ فقد استمرّ اخوتنا في الكرازة أينما أُرسلوا.‏ أُطلق سراحي سنة ١٩٦٦ بعد ان خدمت مدة الحكم بأكملها.‏ فعدت الى تومْسْك ومكثت هناك ثلاث سنوات.‏

‏«انتقلت الى حوض الدونتز سنة ١٩٦٩ حيث التقيت بماريّا وتزوجتها.‏ انها اخت امينة وغيورة.‏ وفي سنة ١٩٨٣،‏ اعتُقلت ثانية.‏ لكنني تلقّيت هذه المرة حكما مزدوجا:‏ السجن مدة خمس سنين والترحيل خمس سنين اخرى.‏ وكان من الطبيعي ان اجد هذا الحكم اصعب بكثير من سابقه،‏ لأنه عنى الانفصال عن زوجتي وطفلي اللذَين كان عليهما ايضا تحمل المشقات.‏ ولكن من المفرح انني لم أقضِ كامل المدة.‏ فقد أُطلق سراحي سنة ١٩٨٧ بعد ان تولّى ميخائيل ڠورباتشوف مهام الامين العام للحزب الشيوعي السوڤياتي.‏ وسُمح لي بالعودة الى اوكرانيا ثم الى مولدوڤا.‏

‏«عندما عدت الى بلتسي،‏ ثاني اكبر مدينة في مولدوڤا،‏ كان فيها ٣٧٠ ناشرا وثلاث جماعات.‏ امّا اليوم،‏ ففيها ما يزيد عن ٧٠٠‏,١ ناشر و ١٦ جماعة!‏».‏

‏«هل تريد ان ينتهي بك الامر مثل ڤاسيل؟‏»‏

قام المسؤولون في المعسكر وعملاء الـ‍ KGB (‏لجنة امن الدولة السوڤياتية)‏ باستخدام طرائق سادية في محاولاتهم لتقويض استقامة الاخوة.‏ يتذكر كونستانتين ايڤانوڤيتش شوبه ما حدث لجدّه،‏ كونستانتين شوبه:‏ «سنة ١٩٥٢،‏ كان جدي يقضي حكمه في احد معسكرات العمل الالزامي في منطقة تشيتا،‏ شرق بحيرة بيكال في سيبيريا.‏ هدّده المسؤولون في المعسكر بإطلاق النار عليه وعلى الشهود الآخرين اذا لم ينكروا ايمانهم.‏

‏«ولأن الاخوة رفضوا المسايرة،‏ جمعهم المسؤولون خارج المعسكر عند طرف غابة.‏ كان الظلام قد بدأ يحلّ عندما اخذوا صديق جدي المفضَّل،‏ ڤاسيل،‏ مسافة قليلة داخل الغابة معلنين انهم سيطلقون النار عليه.‏ فانتظر الاخوة بقلق.‏ وسرعان ما مزّقت طلقات البنادق سكون الليل.‏

‏«عاد الحرس ليرافقوا الشاهد التالي،‏ جدي،‏ الى الغابة.‏ وبعد السير مسافة قصيرة،‏ توقفوا عند فسحة خالية من الاشجار.‏ كان هنالك عدة قبور محفورة وقد طُمر واحد منها.‏ فالتفت الضابط القائد الى جدي مشيرا الى القبر المطمور وقال:‏ ‹هل تريد ان ينتهي بك الامر مثل ڤاسيل ام تريد العودة الى عائلتك رجلا حرا؟‏ لديك دقيقتان لتحسم امرك›.‏ لم يكن جدي بحاجة الى دقيقتين.‏ فقد اجاب مباشرة:‏ ‹عرفتُ ڤاسيل الذي اطلقتم عليه النار لسنوات عدة.‏ والآن اتطلع بشوق الى الاتحاد به عندما يقام من الموت في العالم الجديد.‏ لديّ ملء الثقة انني سأكون في العالم الجديد مع ڤاسيل.‏ لكن هل ستكون انت هناك؟‏›.‏

‏«لم يتوقع الشرطي تلك الاجابة.‏ فعاد مع جدي والآخرين الى المعسكر.‏ وكما تبيّن،‏ لم يكن على جدي ان ينتظر القيامة حتى يرى ڤاسيل.‏ فالامر برمّته كان خدعة قاسية هدفها تقويض عزيمة الاخوة».‏

فشل الدعاية الشيوعية

بهدف زرع البغض والارتياب في شهود يهوه،‏ اصدر الشيوعيون الكتب،‏ الكراريس،‏ والافلام مفترين على شعب اللّٰه.‏ كان اسم احدى هذه الكراسات القعر المزدوج‏،‏ مصطلح يشير الى قسم سري للمطبوعات أضافه الاخوة الى اسفل الحقائب.‏ يتذكر نيكولاي ڤولوشانوڤسْكي كيف حاول قائد المعسكر استعمال هذه الكراسة لاذلاله امام السجناء الآخرين.‏

يذكر نيكولاي:‏ «جمع قائد المعسكر كل النزلاء معا في احدى الثكنات.‏ ثم بدأ باقتباس فقرات من القعر المزدوج بما فيها الفقرات التي تضمنت عبارات افترائية عليّ شخصيا.‏ وعندما انتهى،‏ طلبتُ إذنا لطرح بعض الاسئلة.‏ فظن القائد انه اذا لبّى طلبي،‏ فسيتيح له ذلك فرصة ليسخر مني.‏

‏«سألت قائد المعسكر اذا كان يتذكر المرة الاولى التي قابلني فيها عندما جُنّدت للخدمة في معسكر العمل الالزامي.‏ فتذكر ذلك.‏ ثم سألته اذا كان يتذكر الاسئلة التي طرحها عليّ وهو يملأ اوراق التجنيد في ما يتعلق بمكان ولادتي،‏ جنسيتي وما الى ذلك.‏ فأجاب ثانية بنعم،‏ حتى انه اخبر الحاضرين ماذا كانت اجاباتي.‏ ثم طلبت منه ان يروي ما كتبه في الحقيقة على النماذج.‏ فأقرّ ان ما كتبه لم ينسجم مع اجاباتي.‏ عندها،‏ استدرت الى الجمهور قائلا:‏ ‹بهذه الطريقة نفسها كُتِبت هذه الكراسة›.‏ فصفّق السجناء فيما انصرف القائد غاضبا».‏

خطة فرِّق تسُد

خلال ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ استخدمت السلطات السوڤياتية المحبَطة اساليب جديدة في محاولاتها لتمزيق وحدة شهود يهوه.‏ ان كتاب السيف والترس‏،‏ الذي صدر سنة ١٩٩٩،‏ يوضح جزءا ممّا عُرف سابقا بسجلات الـ‍ KGB السرية الموجودة في ارشيف الحكومة.‏ يذكر الكتاب:‏ «في آذار (‏مارس)‏ ١٩٥٩،‏ عُقد مؤتمر للمسؤولين في الـ‍ KGB الذين يقودون ‹الكفاح ضد أتباع يهوه [شهود يهوه]›.‏ واستنتجوا ان الاستراتيجية المثلى هي ‹الاستمرار في استعمال اساليب القمع واثارة الفوضى›.‏ فقد صمّم الـ‍ KGB على تفريق الشهود،‏ إيقاع الفوضى في صفوفهم،‏ وتشويه سمعتهم فضلا عن اعتقال قادتهم الاكثر نفوذا بتُهم ملفّقة».‏

اشتملت «اساليب اثارة الفوضى» على حملة مدبّرة لزعزعة الثقة بين الاخوة في الاتحاد السوڤياتي.‏ ولتحقيق ذلك،‏ بدأ الـ‍ KGB بنشر اشاعات خبيثة مدّعين ان عددا من الاخوة الذين يتولّون القيادة بدأوا بالتعاون مع سلك امن الدولة.‏ لقد موّه الـ‍ KGB اكاذيبهم ببراعة حتى ان شهودا كثيرين تساءلوا عمّن يمكنهم الوثوق به.‏

استعمل الـ‍ KGB حيلة اخرى تمثّلت في تدريب عملاء خصوصيين ليتظاهروا اولا بأنهم شهود «نشيطون» ثم يحاولوا الحصول على مراكز مسؤولية في الهيئة.‏ وبالطبع،‏ زوّد هؤلاء الجواسيس الـ‍ KGB بما يريدون من معلومات جعلتهم واسعي الاطلاع.‏ كما حاول الـ‍ KGB سرا رشوة شهود حقيقيين بمبالغ كبيرة من المال مقابل التعاون معهم.‏

من المؤسف ان هذه الاساليب الخدّاعة نجحت الى حد ما في تمزيق وحدة الاخوة،‏ بمن فيهم الذين في مولدوڤا.‏ ونتيجة لذلك،‏ نشأ جوٌّ من الرَّيبة.‏ فانسحب بعض الاخوة من الهيئة وشكلوا فريقا منشقّا عُرِف بالمعارضة.‏

قبل وقوع هذه الاحداث،‏ كان الاخوة في الاتحاد السوڤياتي يصفون هيئة يهوه،‏ والطعام الروحي الذي تزوّده،‏ والاخوة المسؤولين الذين تعيّنهم بالقناة التي يستخدمها اللّٰه.‏ ولكن ازداد التشويش والشك بشأن تلك القناة.‏ فكيف استطاع الاخوة ازالة التشويش؟‏ من المدهش انهم فعلوا ذلك بمساعدة الدولة السوڤياتية.‏ فمدبّرو المكائد انفسهم ساعدوا على حلّ المشاكل نفسها التي خلقوها.‏ فكيف ذلك؟‏

لم يأخذوا روح اللّٰه في الحسبان

في اوائل ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ جمعت السلطات السوڤياتية العديد من «قادة» الشهود من كل الاتحاد السوڤياتي ووضعتهم معا في معسكر واحد يبعد نحو ١٥٠ كيلومترا عن مدينة سارانسك في جمهورية موردڤينا بروسيا الغربية.‏ في السابق،‏ فصلت بين الاخوة مسافات كبيرة اعاقت الاتصال وعزّزت سوء الفهم.‏ امّا الآن فقد اجتمع معا المنضمون الى المعارضة المزعومة والشهود الآخرون.‏ وهكذا،‏ تكلّموا معا وجها لوجه وميّزوا الواقع من الخيال.‏ فلماذا جمعت السلطات كل هؤلاء الاخوة معا؟‏ من الواضح انهم ظنّوا ان الاخوة سيصطدمون بعضهم مع بعض،‏ وهكذا تتوسّع فجوة الانقسام.‏ لكن بالرغم من دهاء الخطة،‏ فشلت في اخذ روح يهوه الموحِّد في الحسبان.‏ —‏ ١ كورنثوس ١٤:‏٣٣‏.‏

كان ڠيورڠي ڠوروبتس احد الاخوة المسجونين في موردڤينا.‏ يتذكر:‏ «بعيد اعتقالي وارسالي الى السجن،‏ التحق بنا اخ منضم الى المعارضة.‏ وعندما رأى ان الاخوة المسؤولين لا يزالون محتجزين،‏ استولت عليه الدهشة.‏ فقد قيل له اننا جميعا احرار طليقون ونعيش حياة رفاهية تحت رعاية الـ‍ KGB!‏».‏

يتابع الاخ ڠوروبتس:‏ «اثناء سنتي الاولى في السجن،‏ احتُجز اكثر من ٧٠٠ شخص لأسباب دينية.‏ ومعظمهم كانوا من شهود يهوه.‏ عمِلنا جميعا في مصنع واحد وكان لدينا الوقت للتحدث مع هؤلاء المنضمين الى الفريق المنشق.‏ نتيجة لذلك،‏ توضحت امور كثيرة خلال السنتين ١٩٦٠ و ١٩٦١.‏ وأخيرا،‏ سنة ١٩٦٢،‏ كتبت لجنة البلد التي تشرف على الاتحاد السوڤياتي رسالة من داخل معسكر العمل الالزامي.‏ بُعِثت الرسالة الى كل الجماعات في الاتحاد السوڤياتي وبدأت بإصلاح الاضرار الكثيرة التي سبّبتها حملة اكاذيب الـ‍ KGB».‏

تحديد هوية القناة الصحيحة

حُرِّر الاخ ڠوروبتس من معسكر العمل الالزامي في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٦٤ وعاد فورا الى مولدوڤا.‏ لدى وصوله الى تاباني،‏ اكتشف ان الكثير من الشهود المحليين لا يزالون مشوشين بشأن مَن يستخدم يهوه لتزويد الطعام الروحي وتوجيه شعبه.‏ فكان عدد من الاخوة يقرأون الكتاب المقدس فقط.‏

فشُكِّلت لجنة من ثلاثة اخوة ناضجين روحيا للمساعدة في توضيح الامور.‏ وأحد الامور الاولى التي فعلوها،‏ زيارة الجماعات في شمال مولدوڤا حيث يعيش معظم الشهود.‏ ان الامانة المستمرة لهؤلاء الاخوة والنظار المسيحيين الآخرين،‏ بالرغم من مكابدتهم الاضطهاد،‏ اقنعت كثيرين ان يهوه ما يزال يستخدم نفس الهيئة التي علّمتهم الحق في بداية الامر.‏

في اواخر ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ اصبح واضحا للـ‍ KGB استمرار تقدم عمل الكرازة بالرغم من الاضطهاد والخطط الاخرى.‏ علّق كتاب السيف والترس واصفا رد فعل الـ‍ KGB:‏ «كان يتم ازعاج مركز [الـ‍ KGB] بتقارير تبيّن انه حتى في معسكرات العمل الالزامي،‏ ‹لم يرفض قادة وسلطات شهود يهوه معتقداتهم المعادية للعقيدة السوڤياتية واستمروا في اتمام عملهم اليَهوَهي بالرغم من ظروف المعسكر›.‏ كما عُقد مؤتمر في [كيشيناو] في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٦٧ ضمّ شرطة الـ‍ KGB الذين يدبرون العمليات ضد شهود يهوه.‏ ناقش هذا المؤتمر اساليب جديدة ‹لمنع عمل الطائفيين العدائي› و ‹التدمير الايديولوجي الذي يقومون به›».‏

المضايقة من اخوة سابقين

من المؤسف ان بعض الافراد وقعوا ضحية هذه «الاساليب الجديدة» واصبحوا رهن اشارة الـ‍ KGB.‏ فقد استسلم البعض للجشع او الخوف من الانسان،‏ فيما نمّى آخرون كانوا اخوة سابقين كرها للشهود.‏ فبدأت السلطات باستخدامهم محاوِلةً كسر استقامة الاخوة الامناء.‏ ذكر شهود تحملوا السجن ومعسكرات العمل الالزامي ان اكثر المواقف ايلاما التي واجهوها،‏ كان تعرّضهم للمضايقة من اخوة سابقين اصبح بعضهم الآن مرتدين.‏

كان العديد من المرتدين اعضاء في المعارضة المذكورة سابقا.‏ فقد اشتمل فريق المعارضة هذا في البداية على من شوَّشتهم اكاذيب الـ‍ KGB.‏ لكن كان بين الذين بقوا منضمين الى هذا الفريق حتى اواخر ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ اشخاص برهنوا على الروح الشرير لصف العبد السيِّئ.‏ فبتجاهلهم تحذير يسوع،‏ بدأوا ‹يضربون العبيد رفقاءهم›.‏ —‏ متى ٢٤:‏٤٨،‏ ٤٩‏.‏

مع ذلك،‏ فشلت مؤامرة تقسيم واخضاع شعب اللّٰه بالرغم من كل الضغوط التي شكّلها الـ‍ KGB وأتباعهم مدة طويلة.‏ فعندما بدأ الاخوة الامناء في بداية ستينات الـ‍ ١٩٠٠ بتوحيد الهيئة ثانية في مولدوڤا،‏ كان معظم الاخوة هناك اعضاء في المعارضة.‏ لكن بحلول سنة ١٩٧٢،‏ عادت الاغلبية للعمل بولاء مع هيئة يهوه.‏

مضطَهِد يتصف بالتقدير

ان الاشخاص الامناء الذين بقوا في مولدوڤا اثناء العهد الشيوعي استمروا في عمل الكرازة بأقصى جهودهم.‏ فكانوا يشهدون بطريقة غير رسمية للعائلة،‏ الاصدقاء،‏ والزملاء في المدرسة والعمل.‏ لكنهم كانوا حذرين لأن العديد من رسميي الاحزاب في مولدوڤا كانوا ملتزمين بشدة بالايديولوجية الشيوعية.‏ ومع ذلك،‏ لم يزدرِ جميع الشيوعيين بشهود يهوه.‏

يتذكر سْيمْيون ڤولوشانوڤسْكي:‏ «فتّشت الشرطة بيتنا وصادرت مقدارا كبيرا من المطبوعات،‏ أدرجها الشرطي المسؤول في لائحة.‏ ثم عاد لاحقا وطلب مني التحقق من بنود اللائحة.‏ واثناء مراجعتها،‏ لاحظت حذف احدى مجلات برج المراقبة التي ناقشت موضوع العائلة وكيفية جعل الحياة العائلية اسعد.‏ سألت الشرطي عنها.‏ فأجابني وهو مرتبك خجلا:‏ ‹لقد اخذتها الى البيت وقرأناها معا كعائلة›.‏ سألته:‏ ‹هل اعجبك ما قرأت؟‏›.‏ فقال:‏ ‹بالطبع!‏ لقد احببناها!‏›».‏

المقاومة تخفّ والنمو يستمر

خلال سبعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ تخلّت السلطات الشيوعية عن سياستها في اعتقال ونفي شعب يهوه.‏ مع ذلك،‏ اعتُقل بعض الاخوة وحوكِموا بسبب الشهادة او حضور الاجتماعات المسيحية.‏ إلّا ان الاحكام كانت اقل صرامة.‏

شهدت السنة ١٩٧٢ في مولدوڤا كما في كل مكان،‏ بداية ترتيب الشيوخ.‏ يتذكر ڠيورڠي ڠوروبتس:‏ «تقبّلَ الاخوة الترتيب الجديد بفرح كبير معتبرينه دليلا اضافيا على عمل روح يهوه.‏ علاوة على ذلك،‏ ان الزيادة في عدد الرجال المعيّنين ساعدت الجماعات في مولدوڤا على النمو روحيا وعدديّا».‏

بحلول ذلك الوقت،‏ كان الاخوة قد اكتسبوا خبرة كبيرة في تنظيم عمل الكرازة وطبع المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس بحذر.‏ فعندما ابتدأ الاضطهاد الشيوعي،‏ جُهِّزت المطبوعات في موقعَين في مولدوڤا.‏ وكان العمل يتم اثناء الليل فقط خلال عقود الاضطهاد الشديد.‏ لذلك كان لدى العمال وظيفتان:‏ واحدة في النهار عندما كانوا يشرعون في القيام بنشاطاتهم الاعتيادية مثل المواطنين الآخرين،‏ وواحدة في الليل عندما كانوا يعملون حتى ساعات الصباح الاولى منتجين المطبوعات للجماعات.‏

لكن هذا الوضع تغيّر عندما خفّت المقاومة والمراقبة.‏ فقد صار بإمكان الاخوة الآن ادارة المطابع تحت الارض بفعالية اكبر وتعيين متطوعين اضافيين للاهتمام بالعمل.‏ ونتيجة لذلك،‏ ازداد الانتاج.‏

ادخل الاخوة ايضا تحسينات على اساليبهم في الطباعة.‏ مثلا،‏ اعدّوا صفائح معينة للآلة الكاتبة.‏ كما عدّلوا آلات الطبع بحيث تتم الطباعة على جانبَي الورقة في آن واحد.‏ فزاد الانتاج اكثر نتيجة لهذه التحسينات.‏ واصبحت مساعِدات درس الكتاب المقدس المنسوخة باليد جزءا من الزمن الغابر!‏

من الطبيعي ان تؤدي زيادة المطبوعات الى قيام الاخوة بدرس شخصي اكثر في الكتاب المقدس.‏ وقد ساعد هذا،‏ بالاضافة الى الاتصال الجيد بينهم،‏ على توضيح ما تبقّى من آثار التشويش السابق.‏ ومع كل ذلك،‏ كانت هذه التطورات مجرّد عيّنة للامور الافضل الآتية على شعب يهوه في مولدوڤا.‏

العبادة الحقة تزدهر

فشل النظام الشيوعي السوڤياتي في إخماد العبادة الحقة بالرغم من انه كان في اوج جبروته السياسي والعسكري آنذاك.‏ وفي الواقع،‏ ساهم برنامج الترحيل الذي اتّبعه النظام الشيوعي في نشر البشارة عن غير قصد «الى اقصى الارض».‏ (‏اعمال ١:‏٨‏)‏ فقد وعد يهوه من خلال اشعيا:‏ «كل آلة صُوِّرت ضدك لا تنجح .‏ .‏ .‏ هذا هو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندي».‏ (‏إشعياء ٥٤:‏١٧‏)‏ وكم تبرهنت صحة هذه الكلمات!‏

طرأ تغيير في الحكومة سنة ١٩٨٥ جعل الحياة اسهل بالنسبة الى شهود يهوه في الاتحاد السوڤياتي.‏ فتوقّف البوليس السري عن مراقبتهم ولم تعد تُفرَض عليهم غرامات بسبب حضور التجمعات المسيحية.‏ فاستمر الاخوة بمولدوڤا في الاجتماع قانونيا في فرق صغيرة من عشرة اشخاص او اقل،‏ لكنهم بدأوا بانتهاز مناسبات خصوصية مثل الاعراس والمآتم لعقد محافل دائرية صغيرة.‏

نال عمل الكرازة دعما قويا في صيف سنة ١٩٨٩ عندما عُقدت ثلاثة محافل اممية في المدن الپولندية التالية:‏ كوجُوف (‏قرب كاتوڤيتسي)‏،‏ پوزنان،‏ ووارسو.‏ لقد حضرها مئات المندوبين من مولدوڤا.‏ ويا له من اختبار أثار مشاعر هؤلاء الاخوة الامناء الذين اعتادوا على الاجتماع سرا وبأعداد قليلة!‏ فقد وجدوا انفسهم بين حشود اممية من الشهود الفرحين يعبدون جميعهم يهوه معا!‏

اختبر الاخوة في مولدوڤا فرحا روحيا آخر.‏ ففي سنة ١٩٩١،‏ تمكنوا من عقد محافل دائرية علانية وللمرة الاولى في تاريخ عمل الكرازة في هذا البلد.‏ امّا سنة ١٩٩٢ فقد شهدت حدثا مهما آخر:‏ محفلا امميا في سانت پيترسبرڠ في روسيا.‏ كان عدد المندوبين المولدوڤيين الذين حضروا هذا المحفل اكبر من المولدوڤيين الذين حضروا المحافل الثلاثة في پولندا سنة ١٩٨٩.‏ فعلا،‏ لقد فتح يهوه كوى السموات وبدأ يفيض البركة تلو الاخرى على خدامه الاولياء الشاكرين.‏

تدريب النظار الجائلين

ان توفّر حرية اكبر سهّل الاتصال بين لجنة البلد في الاتحاد السوڤياتي والنظار الجائلين.‏ ففي كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٨٩،‏ اجتمع هؤلاء الاخوة الناضجون روحيا،‏ والذين كان عددهم ٦٠ آنذاك،‏ لتلقّي الارشاد في لْڤوف بأوكرانيا.‏ وكم كان هذا الصفّ مفرّحا ومقوّيا نظرا الى ان جميع الحاضرين تحملوا سابقا السجون،‏ معسكرات العمل الالزامي،‏ واشكالا اخرى من الاضطهاد!‏ ففعليا،‏ كان العديد منهم قد اسس صداقات حميمة خلال تلك الاوقات الصعبة.‏

حضر ذلك الصف اربعة من النظار الجائلين في مولدوڤا.‏ وعند عودتهم،‏ نقلوا الى الجماعات المشورة الحكيمة التي تلقّوها في لْڤوف وخصوصا تلك المتعلقة بعمل الكرازة.‏ مثلا،‏ حضّوا الاخوة على الاستمرار في توخي الحذر اثناء الكرازة بكلمة اللّٰه رغم الحريات الجديدة.‏ (‏متى ١٠:‏١٦‏)‏ فلمَ الحاجة المستمرة الى توخي الحذر؟‏ لأن العمل فعليا كان ما يزال تحت الحظر.‏

حاجة ملحّة الى قاعات ملكوت

منذ تأسس عمل الكرازة في مولدوڤا،‏ ادرك الاخوة حاجتهم الى قاعات للاجتماع خاصة بهم.‏ وفي الواقع،‏ شيّد تلاميذ الكتاب المقدس في قرية كورجوتس سنة ١٩٢٢ قاعةً باستخدام مواردهم الخاصة.‏ عُرِفت هذه القاعة ببيت الاجتماعات،‏ وقد لبّت احتياجات الاخوة لسنوات عدّة.‏

عندما اصبحت المقاومة الرسمية اقل حدّة في اواخر ثمانينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ كان هنالك جماعات تضم المئات من الناشرين في الكثير من المدن والقرى.‏ كانوا يجتمعون في فرق صغيرة في البيوت الخاصة.‏ فهل حان الوقت للمضي قدما في بناء قاعات للملكوت؟‏ لمعرفة ذلك،‏ قصد الاخوة المسؤولين في قرى مختلفة.‏

كان بعض هؤلاء الرسميين متعاونا جدا.‏ وهذا ما حدث في فِتشت،‏ قرية في شمال مولدوڤا يقطنها ١٥٠‏,٣ شخصا.‏ ففي كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٠،‏ قابل الاخوة المحليون رئيس البلدية الذي أخبرهم ان بإمكانهم اعتبار عملهم في قريته حرا من القيود الرسمية.‏ وبسبب توخّيهم الحذر،‏ صَعُب على الاخوة تصديق ذلك.‏ فطلبوا منه اذنا لإجراء تعديلات في بيت احد الاخوة لتستعمله الجماعة كقاعة ملكوت صغيرة رغم انها كانت تضم ١٨٥ ناشرا!‏

وافق رئيس البلدية على المشروع وباشر الاخوة العمل.‏ ولكن سرعان ما واجهوا عقبة كبيرة.‏ فلإنجاز المشروع،‏ كان عليهم ان يزيلوا حائطا معيّنا،‏ الامر الذي كان سيؤدي الى انهيار البيت!‏ فتوقف العمل فجأة.‏ فماذا كانوا سيفعلون؟‏ قرر الاخوة ان يقصدوا رئيس البلدية ثانية ليشرحوا له المشكلة.‏ وكم كانوا فرحين عندما سمح لهم ببناء قاعة ملكوت جديدة!‏ عندئذٍ،‏ انهمكت الجماعة في المشروع منجزة اياه في ٢٧ يوما فقط.‏

ولكي تفي قاعة الملكوت الجديدة بحاجات الجميع،‏ قُسِّمت جماعة فِتشت الى اثنتين.‏ من ناحية ثانية،‏ لم يكن العديد من الناشرين الجدد قد اعتمد بعد.‏ فلِمَ لا يشتمل برنامج التدشين على المعمودية؟‏ نفّذ الاخوة هذه الفكرة.‏ وهكذا،‏ ذهب الجميع بعد خطاب المعمودية الى نهر قريب حيث رمز ٨٠ شخصا الى انتذارهم ليهوه.‏

بالطبع،‏ كان لدى جماعات اخرى كثيرة حاجة ملحّة الى قاعة ملكوت.‏ فقررت بعض الجماعات بناء قاعات شبيهة بصور قاعات الملكوت التي كانوا يرونها في المطبوعات.‏ لذلك جمعوا ما لديهم من موارد،‏ شدَّدوا الهمم،‏ وذهبوا الى العمل.‏ ولم تكن هذه حالات نادرة.‏ فخلال السنوات ١٩٩٠ الى ١٩٩٥،‏ شيّد الاخوة بجهودهم الخاصة ومواردهم المحلية ما يزيد عن ٣٠ قاعة ملكوت.‏

اختيرت بعض قاعات الملكوت لعقد المحافل الدائرية ايضا.‏ وقد حضر هذه المحافل اعداد كبيرة حتى ان البعض اضطروا ان يصغوا الى البرنامج من خارج القاعة.‏ لهذا السبب،‏ بدأ الاخوة بالتفكير مليا في بناء قاعة محافل.‏ ومرة اخرى لم يؤجلوا الامر.‏ ففي سنة ١٩٩٢،‏ وفي غضون ثلاثة اشهر فقط،‏ شيّدوا اول قاعة محافل في كورجوتس بمولدوڤا تتسع لـ‍ ٨٠٠ شخص.‏ في السنة التالية،‏ وباستخدام جهودهم ومواردهم الخاصة هذه المرة ايضا،‏ بنى الشهود في فِتشت قاعة محافل تتسع لـ‍ ٥٠٠‏,١ شخص.‏

بدا التوقيت الذي تم فيه عمل البناء تدبيرا الهيا.‏ ففي منتصف تسعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ سبّب تغيير سياسي وتدهور اقتصادي هبوطا سريعا في قيمة العملة المولدوڤية.‏ ونتيجة لذلك،‏ لم يعد المال اللازم لبناء قاعة ملكوت في اوائل تسعينات الـ‍ ١٩٠٠ كافيا لشراء كراسٍ بعد عدة سنوات!‏

بناء قاعات الملكوت في الجنوب

كان لدى الجماعات في جنوب مولدوڤا عدد قاعات ملكوت اقل من منطقة الشمال.‏ لهذا السبب ونتيجة لتوسّع العمل السريع خلال تسعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ واجه العديد من الجماعات الجديدة في الجنوب صعوبات في ايجاد اماكن مناسبة للاجتماع.‏ فاستُخدمت المدارس العامة لهذا الغرض،‏ إلّا انه اصبح من الصعب استئجارها مع مرور الوقت.‏

مرة اخرى،‏ مدّ يهوه يد المساعدة للاخوة عن طريق هيئته.‏ ففي الوقت المناسب وبواسطة ترتيب صندوق قاعات الملكوت،‏ وفّرت الهيئة الحاكمة الاموال لبناء قاعات ملكوت في البلدان حيث موارد الجماعات محدودة كما هي الحال في مولدوڤا.‏

استفاد الاخوة من هذا التدبير الى حد كبير.‏ وكيشيناو مثال جيد لذلك.‏ ففي سنة ١٩٩٩،‏ لم يكن في العاصمة قاعة ملكوت واحدة.‏ لكن بحلول تموز (‏يوليو)‏ ٢٠٠٢،‏ كان هنالك عشر قاعات تلبّي حاجات ٣٠ جماعة من اصل ٣٧ في المدينة بالاضافة الى ثلاث قاعات قيد البناء.‏

اعتراف شرعي اخيرا!‏

اصبحت مولدوڤا جمهورية مستقلة في ٢٧ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩١.‏ لذلك لم يعد الحظر الذي فرضه سابقا الاتحاد السوڤياتي على عمل شهود يهوه ساري المفعول.‏ ومع ذلك،‏ لم يكن شهود يهوه البالغ عددهم ٠٠٠‏,٤ شخص آنذاك،‏ قد سُجِّلوا شرعيا كهيئة دينية.‏

لذلك تلقّى المكتب في مولدوڤا ارشادا مساعدا من الهيئة الحاكمة.‏ وعلى اساسه،‏ قصد الاخوة فورا الاقسام الحكومية المناسبة ملتمسين اعترافا شرعيا بشهود يهوه.‏ كانت الحكومة الجديدة ايجابية في تلبية الطلب.‏ واستغرق انهاء الاوراق اللازمة بعض الوقت.‏ لكن اخيرا في ٢٧ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٩٤،‏ حصل المكتب على وثيقة تسجيل رسمية.‏

كم كان ذلك اليوم ذكرى لا تنسى لشهود يهوه في مولدوڤا!‏ فبعد تحمّل الحظر،‏ الاضطهاد،‏ والسجن لستة عقود تقريبا،‏ يمكنهم الآن عبادة يهوه والكرازة بالبشارة علانية.‏ كما يمكنهم ايضا الابتداء بعقد محافلهم الكورية.‏ وبالفعل اجتمع شهود يهوه في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩٤،‏ اي بعد شهر من حصولهم على الاعتراف الشرعي،‏ في اكبر مدرَّج في كيشيناو لحضور اول محفل كوري يُعقد في مولدوڤا.‏ وكم كان ذلك مناسبة مفرحة!‏

توسيع بيت ايل

بحلول سنة ١٩٩٥،‏ تجاوز عدد ناشري الملكوت الـ‍ ٠٠٠‏,١٠ ناشر.‏ وقد اهتمّ مكتب صغير في كيشيناو بأوجه معينة من العمل في مولدوڤا،‏ ولكن تولّى الاشراف العام مكتب الفرع في روسيا الذي يبعد ٠٠٠‏,٢ كيلومتر تقريبا.‏ أمّا فرع رومانيا فكان يبعد ٥٠٠ كيلومتر فقط عن مولدوڤا،‏ ومعظم المولدوڤيين يتكلمون الرومانية.‏ وفي الواقع،‏ اصبحت الرومانية اللغة الرسمية في الجمهورية.‏ لذلك بعد التفكير مليّا في كل هذه الوقائع،‏ عهدت الهيئة الحاكمة الى فرع رومانيا بمسؤولية الاشراف على العمل في مولدوڤا.‏

في الوقت نفسه،‏ صار النمو المتزايد يشكل ضغطا على المكتب في كيشيناو الذي كان عبارة عن شقة صغيرة.‏ فمن الواضح انه حان الوقت لتأسيس عائلة بيت ايل.‏ وكان يون ويوليا روسو بين اول الاعضاء.‏ خدم الاخ روسو كناظر دائرة بديل من سنة ١٩٩١ الى ١٩٩٤.‏ وثمة عضو آخر في عائلة بيت ايل هو ڠيورڠي ڠوروبتس الذي خدم كناظر كورة الى ان تلقّى هذا التعيين الجديد.‏ كان يعيش خارج بيت ايل ويخدم كمساعد هناك يوميا.‏ كما انضم الى العائلة في الاول من ايار (‏مايو)‏ ١٩٩٦ ڠوَنتر وروزاريا ماتْزورا،‏ خرّيجا الصف الـ‍ ٦٧ من مدرسة جلعاد،‏ بعد ان خدما عدة سنوات في رومانيا.‏

فيما استمر عدد الناشرين في النمو،‏ ازدادت الحاجة الى عمال اكثر في بيت ايل.‏ لكنَّ المكان كان محدودا.‏ وفضلا عن ذلك،‏ كان بيت ايل في مولدوڤا بحلول سنة ١٩٩٨،‏ مقسّما الى خمس شقق في مواقع مختلفة!‏ لهذا السبب،‏ بدأ البحث عن موقع ملائم لبناء مجمَّع بيت ايل موحَّد.‏ فقبِلَ الاخوة شاكرين ملكيةً في قلب العاصمة تبلغ مساحتها ٠٠٠‏,٣ متر مربَّع منحتهم ايّاها عن طيب خاطر السلطات الحكومية في كيشيناو.‏ ولأن الاخوة توقّعوا توسّعا اكبر في المستقبل،‏ قاموا بشراء ملكية محاذية.‏

تم التعاقد مع شركة محلية لبناء الهيكل الخارجي.‏ وقام بما تبقّى من العمل المتطوعون الامميون يعاونهم الاخوة والاخوات المحليون.‏ بدأ البناء في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٩٨،‏ وبعد ١٤ شهرا فقط،‏ انتقلت عائلة بيت ايل بشوق الى منزلها الجديد فرحة بأن يكون اعضاؤها معا في مكان واحد.‏

عُقِد برنامج تدشين المجمّع الجديد لبيت ايل في ١٦ ايلول (‏سبتمبر)‏ ٢٠٠٠.‏ وحضره ضيوف من ١١ بلدا.‏ وفي اليوم التالي،‏ خاطب ڠِريت لوش من الهيئة الحاكمة جمهورا فاق عدده الـ‍ ٠٠٠‏,١٠ شخص في المدرج الرياضي المحلي.‏ وشعر جميع الحاضرين برباط المحبة القوي الذي يوحّد شعب يهوه في كل انحاء العالم.‏

تتألف عائلة بيت ايل في الوقت الحالي من ٢٦ عضوا.‏ جاء بعضهم،‏ مثل دايڤيد وميريام ڠْروزسكو،‏ من خارج البلد ليخدموا في بيت ايل في بلد اجنبي.‏ والبعض الآخر مثل إينّو شْلنتسڠ،‏ حضروا مدرسة تدريب الخدام في بلدهم الأم ثم قبلوا تعيينا اجنبيا في مولدوڤا.‏ لذلك تعوّض عائلة بيت ايل عن صغر حجمها بما تضمّه من جنسيات متنوعة.‏

تدريب عمال الحصاد

خلال عقود الحظر والاضطهاد،‏ نقل شعب يهوه في مولدوڤا البشارة الى الآخرين بحذر وبطريقة غير رسمية.‏ ولكن آن الاوان للاشتراك في العمل العلني من بيت الى بيت والشهادة في الشوارع.‏ انخرط الاخوة طوعا في اوجه الخدمة هذه وخصوصا الشهادة في الشوارع التي اصبحت شائعة جدا.‏ ولكن بازدياد عدد الناشرين،‏ نمت الحاجة الى وجه آخر من الخدمة.‏ وهكذا،‏ شُجِّعت الجماعات على التركيز على الخدمة من بيت الى بيت،‏ الامر الذي فعلوه بأمانة.‏

ادرك الناشرون اكثر من اي وقت مضى مدى تعطّش جيرانهم الى الطعام الروحي الحقيقي.‏ ولإشباع تلك الحاجة،‏ زوّدت هيئة يهوه الجماعات ببرج المراقبة،‏ استيقظ!‏‏،‏ ومساعِدات اخرى على درس الكتاب المقدس باللغتين الروسية والرومانية.‏ وفي الوقت نفسه،‏ عمل الناشرون بجدٍّ على تحسين نوعية خدمتهم بتطبيق العروض المقترحة في خدمتنا للملكوت.‏ كما استفادوا من التدريب التقدمي المزوّد بواسطة مدرسة الخدمة الثيوقراطية.‏

مُنحت مساعدة اضافية،‏ وخصوصا من الناحية التنظيمية،‏ بواسطة اخوة ناضجين ذوي خبرة اتوا من بلدان اخرى.‏ وكما تدعم العرائش الكروم المثمرة،‏ زوّد هؤلاء الاخوة الامميون الاكفاء والطوعيون الجماعات بالدعم والثبات.‏

فترة من النمو السريع

ان النمو السريع في عدد التلاميذ بمولدوڤا يتضح جليّا في العاصمة،‏ كيشيناو،‏ التي يبلغ عدد سكانها ٠٠٠‏,٦٦٢ نسمة.‏ ففي كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩١،‏ وقبل ان يحصل شهود يهوه على اعتراف شرعي،‏ كان يوجد في كيشيناو جماعتان فقط ونحو ٣٥٠ ناشرا.‏ ولكن بحلول كانون الثاني (‏يناير)‏ ٢٠٠٣،‏ ازداد العدد الى ٣٧ جماعة وأكثر من ٨٧٠‏,٣ ناشرا!‏ وفي احدى الجماعات،‏ اصبح ١٠١ تلميذ للكتاب المقدس ناشرين جددا في غضون تسعة اشهر فقط!‏ فليس مستغربا في ضوء هذا النمو السريع ان تُقسّم الجماعات في كيشيناو بعد سنتين فقط او نحو ذلك.‏

في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩٣،‏ كان يوجد في كل انحاء مولدوڤا ٥٥١‏,٦ ناشرا.‏ ولكن بحلول آذار (‏مارس)‏ ٢٠٠٢،‏ تكاثر العدد ليصبح ٤٢٥‏,١٨ ناشرا،‏ زيادة ٢٨٠ في المئة خلال تسع سنوات!‏ وخلال هذه الفترة نفسها،‏ زاد عدد الفاتحين القانونيين من ٢٨ الى ٢٣٢‏,١ فاتحا.‏

نائب رئيس بلدية يصبح فاتحا

كان بين الاشخاص الذين نالوا المعرفة عن يهوه الكثير من الشيوعيين السابقين الذين كان لبعضهم في الماضي مركز سياسي.‏ وأحد هؤلاء الاشخاص كان ڤاليريو مارزا،‏ نائب رئيس بلدية سوروكي سابقا،‏ بلدة يقطنها ٠٠٠‏,٣٩ نسمة.‏ فعندما كانت المواكب تسير في المناسبات الخصوصية،‏ كان ڤاليريو يجلس مع اصحاب المقامات الرفيعة في الشرفة لِتُلقى عليهم التحية من قبل السائرين في الموكب.‏ لهذا السبب،‏ كان معروفا في المدينة.‏

ولكن ابتدأ ڤاليريو اخيرا بدرس الكتاب المقدس واعتمد.‏ فكيف تجاوب الناس عندما كان يشهد لهم؟‏ يقول الاخ مارزا:‏ «دعاني الجميع تقريبا الى الدخول.‏ وكم حظيت بفرص رائعة للكرازة!‏ وكم وجدنا انا وزوجتي بلدتنا مقاطعة مثمرة!‏».‏ سرعان ما عُيِّن الاخ مارزا فاتحا خصوصيا.‏ كما خدم هو وزوجته في بيت ايل مدة سنة.‏ والآن لديهما امتياز الانهماك في العمل الدائري.‏

الفاتحون يساعدون

تُعدُّ نسبة الناشرين الى عدد السكان في مولدوڤا الآن من افضل النسب في اوروپا.‏ مع ذلك،‏ لا يوجد شهود في الكثير من القرى والبلدات الصغيرة حتى الآن.‏ فمعظم الناشرين والفاتحين غير قادرين على الخدمة حيث الحاجة اعظم بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.‏ لذلك عيّن فرع رومانيا نحو ٥٠ فاتحا خصوصيا في مولدوڤا لضمان وصول البشارة الى الناس في كل المقاطعة.‏ كان قد استفاد ما يزيد عن ٢٠ شخصا من هؤلاء الفاتحين من التدريب المزوّد بواسطة مدرسة تدريب الخدام التي عُقِدت في أوكرانيا،‏ روسيا،‏ ورومانيا.‏

يحصد هؤلاء المبشرون المجتهدون نتائج رائعة.‏ مثلا،‏ عندما عُيِّن الفاتحان الخصوصيان،‏ سرڠاي وأُكسانا زيڠل في كاوشيني سنة ١٩٩٥،‏ كان يوجد في البلدة فريق واحد فقط يضم ١٥ ناشرا.‏ ساعد الزوجان الاخوة المحليين على الابتداء بالكثير من الدروس الجديدة في الكتاب المقدس.‏ كما عبّرا عن روح فتح فرحة نتج عنها التحاق كثيرين بالخدمة كامل الوقت.‏ يوجد الآن في كاوشيني جماعتان ونحو ١٥٥ ناشرا،‏ زيادة تبلغ عشرة اضعاف خلال سبع سنوات فقط!‏ في الوقت الحالي،‏ ينهمك الزوجان زيڠل في العمل الدائري الذي يمكّنهما من مساعدة جماعات اخرى كثيرة.‏

حرية لا تخلو من صعوبات

ترافق المشاكل ايّ حكم بشري بغض النظر عن اسلوب الحكم.‏ فتحْت اشراف النظام الملكي الروماني،‏ الديكتاتورية الفاشيّة،‏ والحكم الشيوعي،‏ كان على شعب يهوه في مولدوڤا تحمّل مقاومة رجال الدين،‏ الحظر،‏ الاضطهاد،‏ والترحيل.‏ واليوم،‏ يواجه شهود يهوه كغيرهم الصعوبات الاقتصادية التي تجبر كلا الوالدين على العمل او تقلّص الفرص في ايجاد وظيفة.‏

في الوقت نفسه،‏ تؤثر المادية والانحطاط الادبي سلبا على الناس مما يؤدي الى ازدياد الجريمة والفساد.‏ فهل يمكن لشعب يهوه ان يقفوا في وجه هذه التهديدات الماكرة لروحيّاتهم؟‏ نعم،‏ بالطبع!‏ فقد عرفوا من خلال الخبرة ان يهوه لا يتخلى عن اوليائه الذين يلتمسون مساعدته عندما تعترضهم المحن والاغراءات.‏ —‏ ٢ تيموثاوس ٣:‏١-‏٥؛‏ يعقوب ١:‏٢-‏٤‏.‏

يذكرنا الوضع الحالي بالاصحاح ١٤ من سفر الكشف الذي يناقش حصادَين رمزيَّين.‏ يشير احدهما الى حصاد «كرمة الارض»:‏ محصول سيّئ يتكاثر خلال هذه الايام الاخيرة وفقا للنبوة.‏ (‏كشف ١٤:‏١٧-‏٢٠؛‏ مزمور ٩٢:‏٧‏)‏ وسرعان ما ستُستأصَل هذه ‹الكرمة› وكل ثمارها الفاسدة وتُطرَح «في معصرة خمر غضب اللّٰه العظيمة».‏ فكم يتوق خدام يهوه الى ذلك الوقت!‏

في الوقت الحاضر،‏ يفرح المسيحيون الممسوحون ورفقاؤهم بازدهارهم الروحي.‏ فستستمر ‹كرمة يهوه المشتهاة› في انتاج وفرة من الطعام الروحي المغذي جاذبةً بذلك المشبهين بالخراف.‏ فَلِم شعب اللّٰه على ثقة من ذلك؟‏ لأن يهوه نفسه يحرس كرمته العزيزة.‏ (‏اشعياء ٢٧:‏٢-‏٤‏)‏ وكم تبرهنت صحة ذلك في مولدوڤا!‏ فمكائد الشيطان،‏ سواء كانت اضطهادا،‏ ترحيلا،‏ دعاية كاذبة،‏ او اخوة دجالين،‏ سبّبت المشقات لشعب اللّٰه لكن لم تلحق بهم قط هزيمة روحية.‏ —‏ اشعياء ٥٤:‏١٧‏.‏

حقا،‏ «سعيد هو الإنسان الذي يداوم على احتمال المحنة،‏ لأنه متى رُضي عنه ينال تاج الحياة،‏ الذي وعد به [يهوه] للذين يبقون على محبته».‏ (‏يعقوب ١:‏١٢‏)‏ وبإبقاء هذه الكلمات الثمينة في الذهن،‏ ليدفعك تاريخ شهود يهوه في مولدوڤا الى ‹البقاء على محبة› يهوه،‏ ‹المداومة على احتمال المحنة›،‏ و ‹المداومة على حمل ثمر كثير›.‏ —‏ يوحنا ١٥:‏٨‏.‏

‏[الحاشية]‏

^ ‎الفقرة 6‏ سيُستعمل الاسم مولدوڤا بدلا من بسارابيا ومولداڤيا إلّا اذا اقتضى السياق غير ذلك.‏ ولكن أبقِ في ذهنك ان حدود مولدوڤا الحالية لا تماثل حدود بسارابيا ومولداڤيا القديمتين.‏ فمثلا،‏ يقع الآن جزء من بسارابيا القديمة في اوكرانيا وقسم من مولداڤيا السابقة في رومانيا.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٧١]‏

مخزون من الخمر يُصدَّر الى روسيا وأوروپا الشرقية

ان فصول الصيف الطويلة في مولدوڤا وأراضيها الخصبة توفّر بيئة مثالية لإنتاج الخمر:‏ صناعة يعود تاريخها الى آلاف السنين.‏ فقد ازدهرت صناعة الخمر في اواخر القرن الثالث ق‌م،‏ عندما اسّس السكان المحليون خطوط اتصال مع اليونان ولاحقا مع الرومان في نهاية القرن الثاني ق‌م.‏

واليوم،‏ تُعدّ صناعة الخمر عِماد مولدوڤا الزراعي،‏ اذ يوجد فيها نحو ١٣٠ مصنعا للخمر يساهم في انتاج ٣٧ مليون ڠالون في السنة.‏ ويُصدَّر بشكل رئيسي نحو ٩٠ في المئة من الخمر الى روسيا وأوكرانيا اللتَين تستوردان ٨٠ و ٧ في المئة تقريبا على التوالي.‏

‏[الاطار في الصفحة ٧٢]‏

لمحة عن مولدوڤا

اليابسة:‏ ان وسط وشمال مولدوڤا منطقة مكسوة بالغابات تحتوي على سهوب ومرتفعات خضراء او سهول عشبية.‏ اما جنوبها،‏ فتشكّل معظمه سهوب مزروعة.‏

الشعب:‏ يشكّل الشعب المولدوڤي ثلثي السكان.‏ امّا الباقي فهم بشكل رئيسي من الروس،‏ الاوكرانيين،‏ التوركيين،‏ البلغاريين،‏ واليهود.‏ وهم مذكورون بالترتيب حسب كثافة سكان كل فئة.‏ ينتمي معظم المولدوڤيين الى الكنيسة الارثوذكسية الشرقية.‏

اللغة:‏ الرومانية هي اللغة الرسمية.‏ يتكلم اناس كثيرون الروسية ايضا،‏ وخصوصا في المدن،‏ مما جعل استعمال لغتين شائعا جدا.‏

سبل العيش:‏ تُعدّ الزراعة وتصنيع المواد الغذائية عمادَي الاقتصاد.‏ امّا القطاع الصناعي فهو قيد التوسع.‏

الطعام:‏ تشتمل المحاصيل على العنب،‏ القمح،‏ الذرة الصفراء،‏ الشمندر السكري،‏ ودوّار الشمس.‏ امّا المواشي فتتكوّن بشكل اساسي من الابقار،‏ الاغنام والماعز،‏ والخنازير.‏

المناخ:‏ تتراوح درجات الحرارة بين ٤ درجات مئوية تحت الصفر في كانون الثاني (‏يناير)‏ و ٢١ درجة مئوية في تموز (‏يوليو)‏.‏ وعموما،‏ تمتاز مولدوڤا بمناخ دافىء مع شتاء بارد نسبيا.‏ امّا معدل هطول الامطار فيبلغ حوالي ٥٠ سنتيمترا.‏

‏[الاطار في الصفحات ٨٣-‏٨٥]‏

امثلة رائعة للحياد المسيحي

جورج ڤاكارتشوك:‏ تربّى الاخ ڤاكارتشوك كواحد من شهود يهوه.‏ استدعاه الفاشيّون في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٤٢ لأداء الخدمة العسكرية.‏ رفض ان يحمل السلاح،‏ فسُجن في زنزانة مظلمة تماما مدة ١٦ يوما مع القليل جدا من الطعام.‏ استدعته السلطات ثانية واعدة ايّاه بإلغاء الحكم الذي لم يكن قد عرفه بعد اذا نَفّذ ما أُمر به في السابق.‏ فرفض مرة اخرى.‏

لذلك،‏ حُكِم على جورج بقضاء ٢٥ سنة في السجن.‏ لكن أُطلِق سراحه عندما وصلت القوات السوڤياتية في ٢٥ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٤٤.‏ وبعد اقل من شهرين،‏ حاول السوڤيات ثانية ان يجنّدوه الزاميا.‏ ولأنه صمّم على اتّباع ضميره المدرّب على الكتاب المقدس،‏ حُكِم عليه بعشر سنين من العمل الالزامي في معسكرات مختلفة.‏ فلم تعرف عائلته مكان وجوده لسنة كاملة.‏ وبعد ان خدم الاخ ڤاكارتشوك خمس سنين،‏ أُطلِق سراحه في ٥ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٤٩.‏ فعاد الى بيته في كورجوتس وبقي امينا ليهوه حتى موته في ١٢ آذار (‏مارس)‏ ١٩٨٠.‏

پارفين ڠورياتشوك:‏ وُلد الاخ ڠورياتشوك سنة ١٩٠٠،‏ وتعلّم حق الكتاب المقدس في قرية خْلينا خلال السنوات ١٩٢٥ الى ١٩٢٧.‏ فإن داميان وألكسندرو روشو،‏ اول تلميذَين للكتاب المقدس في القرية،‏ درسا معه ومع اخوَيه،‏ نيكولاي ويون.‏

في سنة ١٩٣٣،‏ اعتُقل پارفين مع شهود آخرين وأُخِذوا الى بلدة خوتين.‏ استُجوِب پارفين هناك وفُرِضت عليه غرامة بسبب قيامه بالكرازة.‏ في سنة ١٩٣٩ وبتحريض من كاهن القرية،‏ أُخِذ پارفين الى مركز الشرطة في قرية ڠيلاڤيتس المجاورة حيث قيّده رجال الشرطة على لوح خشبي ووجهه الى اسفل وأشبعوه ضربا على باطن قدميه.‏

عندما تسلّم الفاشيون السلطة،‏ اعتُقِل پارفين ثانية وأُرسِل الى السجن.‏ ولكن في نفس السنة،‏ حرّره السوڤيات ليعتقلوه مرة اخرى بسبب رفضه اداء الخدمة العسكرية.‏ فبقي في السجن في كيشيناو عدة اشهر ثم اطلقوا سراحه.‏

أعاد السوڤيات اعتقال پارفين سنة ١٩٤٧،‏ لكنهم حكموا عليه هذه المرة بالنفي مدة ثماني سنين لأنه يكرز بملكوت اللّٰه.‏ كما رُحِّل اولاده الى سيبيريا سنة ١٩٥١.‏ إلّا انهم لم يجتمعوا بوالدهم.‏ وفي الواقع،‏ لم يروه ثانية.‏ فقد اصبح پارفين مريضا جدا في المنفى ومات امينا سنة ١٩٥٣.‏

ڤاسيل پيدوريتس:‏ وُلد الاخ پيدوريتس سنة ١٩٢٠ في كورجوتس وتعلّم الحق سنة ١٩٤١ خلال عهد الفاشيّة.‏ لهذا السبب،‏ تعذّب هو ايضا على يدي الفاشيّين والسوڤيات على السواء.‏ فقد قال للسوڤيات بجرأة:‏ «انا لم اطلق النار على الشيوعيين،‏ ولن اقوم بقتل الفاشيين».‏

وبسبب هذا الموقف الذي أملاه عليه ضميره المؤسس على الكتاب المقدس،‏ حُكم على ڤاسيل بعشر سنين من العمل الالزامي في معسكر للسوڤيات.‏ ولكن خُفِّف الحكم الى خمس سنين.‏ وعاد ڤاسيل الى بيته في ٥ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٤٩.‏ وعندما اعتُقل للمرة الثالثة،‏ كانت عملية الشمال قد ابتدأت.‏ لذلك استقلّ وعائلته مقطورة مغلقة وتوجّهوا الى سيبيريا في الاول من نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥١.‏ وبعد ان امضوا هناك حوالي خمس سنوات،‏ سُمح لهم بالعودة الى كورجوتس في مولدوڤا.‏ مات ڤاسيل امينا ليهوه في ٦ تموز (‏يوليو)‏ ٢٠٠٢ اثناء اعداد هذا التقرير.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٨٩،‏ ٩٠]‏

‏‹لم اكن لأستبدل حياتي في الخدمة بأيّ شيء›‏

يون ساڤا أورسوي

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٠

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٣

لمحة عن حياته:‏ خدم كناظر دائرة اثناء العهد الشيوعي.‏

وُلدتُ في كاراكوشيني،‏ مولدوڤا.‏ وتعلّمت الحق قبل نشوب الحرب العالمية الثانية.‏ ماتت زوجتي سنة ١٩٤٢.‏ وفي مأتمها،‏ طاردني من المقبرة حشد من الناس.‏ ولماذا؟‏ لأنني غيّرت ديني.‏ لاحقا في تلك السنة،‏ حاولت الحكومة الفاشية إلحاقي بالجيش.‏ ولأنني رغبت في البقاء حياديا من الناحية السياسية،‏ رفضت الخدمة فيه.‏ فحُكِم عليّ بالموت ثم خُفِّف الحكم لاحقا الى ٢٥ سنة في السجن.‏ تنقّلت من معسكر الى آخر.‏ وبينما كنت سجينا في كرايوڤا برومانيا،‏ وصل الجيش الروسي وأطلق سراحنا.‏

لم اكن قد ذقت بعد طعم الحرية عندما زجّ بي الشيوعيون ثانية في السجن.‏ فأرسلوني الى كالينين في روسيا.‏ ثم اطلقوا سراحي سنة ١٩٤٦ اي بعد سنتين.‏ فعدت الى قريتي حيث ساهمت في اعادة تنظيم عمل الكرازة.‏ في سنة ١٩٥١،‏ اعتقلني السوڤيات مرة اخرى.‏ لكنهم عملوا هذه المرة على ترحيلي الى سيبيريا مع الكثير من الشهود الآخرين.‏ ولم ارجع الى بيتي ثانية حتى سنة ١٩٦٩.‏

عندما انظر الى الوراء،‏ اتذكر الكثير من المواقف التي منحني فيها يهوه القوة لأحافظ على استقامتي.‏ فأنا لم اكن لأستبدل حياتي في خدمة خالقي بأيّ شيء في العالم.‏ امّا الآن،‏ فأنا اصارع الشيخوخة والصحة المتدهورة.‏ ولكنّ الرجاء الاكيد بحياة في عالم جديد،‏ حين يستعيد جسدي قوة شبابه،‏ يقوّي تصميمي الّا ‹يفتر عزمي في فعل ما هو حسن›.‏ —‏ غلاطية ٦:‏٩‏.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحات ١٠٠-‏١٠٢]‏

لديّ الكثير لأرنّم عنه

أليكساندرا كوردن

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٩

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٥٧

لمحة عن حياتها:‏ تعذّبتْ تحت نظام الحكم السوڤياتي.‏ وهي تخدم الآن كناشرة في الجماعة.‏

ان شغفي بالترنيم ساعدني على ايجاد الحق والبقاء قوية روحيا عندما امتُحِن ايماني لاحقا.‏ تبدأ قصتي في اربعينات الـ‍ ١٩٠٠ عندما تعرّفت،‏ وأنا مراهقة،‏ بفريق من الاحداث في كورجوتس.‏ كان هؤلاء الاحداث يستمتعون بقضاء اوقات فراغهم في إنشاد ترانيم الملكوت ومناقشة الكتاب المقدس.‏ ان الحقائق الروحية التي تعلّمتها من تلك المناقشات والترانيم تركت فيّ انطباعا عميقا.‏

سرعان ما أصبحتُ ناشرة للبشارة.‏ فأدّى ذلك الى اعتقالي سنة ١٩٥٣ مع عشرة شهود آخرين.‏ وبينما كنت انتظر المحاكمة،‏ سُجِنت في كيشيناو.‏ وحافظت على قوّتي الروحية بإنشاد ترانيم الملكوت،‏ الامر الذي بدا انه أغضب احد الحراس.‏ فقال لي:‏ «انتِ في السجن.‏ هذا ليس مكانا للترنيم!‏».‏

فأجبته قائلة:‏ «لقد كنت ارنّم طوال حياتي.‏ فَلِمَ اتوقف الآن؟‏ أنت تستطيع ان تغلق عليّ الباب لكنك لا تستطيع اغلاق شفتيّ.‏ ان قلبي حرٌّ وأنا احب يهوه.‏ لذلك لديّ الكثير لأرنّم عنه».‏

حُكِم عليّ بقضاء ٢٥ سنة في معسكر للعمل الالزامي في إنتِه قرب الدائرة القطبية الشمالية.‏ كنت اعمل خلال فصول الصيف القصيرة مع الشهود الآخرين في الغابات المجاورة.‏ ومرة اخرى ساعدتنا ترانيم الملكوت التي حفظنا معظمها عن ظهر قلب،‏ على البقاء اقوياء روحيا والشعور بالحرية في اعماقنا.‏ علاوة على ذلك،‏ شجّعنا حرّاسنا على الترنيم بخلاف ذلك الحارس في كيشيناو.‏

مكثتُ بمعسكر إنتِه ثلاث سنوات،‏ ثلاثة اشهر،‏ وثلاثة ايام.‏ ثم أُطلق سراحي عندما صدر عفوٌ عام.‏ فذهبت الى تومْسْك بروسيا لأنه لم يكن قد سُمح لي بعد بالعودة الى مولدوڤا.‏ اجتمعت هناك ثانية بزوجي الذي قضى هو ايضا مدّة في السجن.‏ فقد كنا بعيدين واحدنا عن الآخر مدة أربع سنوات.‏

بسبب اعتقالي،‏ لم اكن قد رمزت بعد الى انتذاري ليهوه بمعمودية الماء.‏ فسألت الاخوة في تومْسْك عن ذلك.‏ وبما ان كثيرين غيري ارادوا ايضا ان يعتمدوا،‏ رتّب الاخوة فورا لإجراء معمودية.‏ ولكن بسبب الحظر،‏ قرروا القيام بها ليلا عند بحيرة في الغابة المجاورة.‏

وفي الوقت المعين،‏ تركنا ضواحي تومْسْك وذهبنا الى الغابة اثنين اثنين كي لا نثير الشك.‏ كان على كل اثنين ان يتبعا الزوج الذي سبقهما حتى يصل الجميع بأمان الى البحيرة.‏ كانت هذه هي الخطة المتفق عليها في البداية.‏ لكن من المؤسف ان الاختَين المسنّتَين السائرتَين امامنا انا ورفيقتي،‏ تاهتا عن الطريق.‏ فتبعناهما تلقائيا وكذلك فعل بثقة الاثنان السائران خلفنا.‏ وسرعان ما أصبح عشرة منا يتخبّطون في الظلام مبتلّين تماما من النباتات الرطبة ومرتعشين من البرد.‏ ان تصوّر الدببة والذئاب،‏ المعروف انها تجول خلسة في تلك المنطقة،‏ استحوذ على مخيّلتنا.‏ وبسبب توترنا الشديد،‏ كنّا نجفل من كل صوت غريب.‏

  أدركت كم من المهم ألّا نفقد الامل او نرتعب.‏ فاقترحت ان نقف بهدوء ونصفر لحنا للملكوت راجين ان يسمعنا الآخرون.‏ وصلّينا بحرارة ايضا.‏ فتخيّل فرحنا عندما سمعنا اللحن نفسه يحمله الهواء الينا عبر الظلام!‏ نعم،‏ لقد سمعَنا اخوتنا!‏ فأضاؤوا المشعل الكهربائي بسرعة حتى نجد طريقنا اليهم.‏ بعد ذلك بفترة قصيرة،‏ غُطِّسنا في الماء الجليدي الذي كدنا لا نشعر ببرودته من فرط سعادتنا.‏

عمري الآن ٧٤ سنة وأسكن في كورجوتس حيث عرفت الحق اول مرة.‏ وبالرغم من تقدمي في السن،‏ لا يزال لديّ الكثير لأرنم عنه وخصوصا عندما أسبّح ابانا السماوي.‏

‏[الاطار/‏الصور في الصفحات ١٠٤-‏١٠٦]‏

حاولتُ ان أحذوَ حذو والديّ

ڤاسيل أُرسو

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٧

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤١

لمحة عن حياته:‏ عُيِّن خادما للجماعة وعمل في انتاج المطبوعات سرّا تحت الارض.‏

اعتمد والداي،‏ سْيمْيون وماريّا أُرسو،‏ سنة ١٩٢٩.‏ كنت الاكبر سنّا بين اولادهما الخمسة.‏ وخلال عهد الفاشيّة،‏ اعتُقِل ابي وأمي وحُكِم عليهما بقضاء ٢٥ سنة في العمل الالزامي بسبب موقفهما الحيادي.‏ فقام اخوة وأخوات روحيّون من جماعة كورجوتس المجاورة بالاعتناء بنا والاهتمام بمزرعة العائلة.‏ لهذا السبب،‏ كان لدينا دائما ما يكفي من الطعام.‏ كما ساعدتْ جدتي المسنّة التي ليست في الحق على الاعتناء بنا ايضا.‏ وكنت في الـ‍ ١٤ من عمري آنذاك.‏

بسبب مثال والديّ الجيد،‏ حاولت بجدٍّ الاهتمام روحيا بإخوتي.‏ ولتحقيق ذلك،‏ كنت أوقظهم باكرا كل يوم لمناقشة جزء من المطبوعة المؤسسة على الكتاب المقدس التي ندرسها معا.‏ لم يتحمّسوا دائما للنهوض لكنني لم أسمح لهم بغير ذلك.‏ فقد أدركت اهمية حيازة عادات درس جيدة.‏ والنتيجة انه عندما عاد والداي سنة ١٩٤٤ بعد ان أُطلِق سراحهما باكرا،‏ كانا مسرورَين جدا لرؤية كم كنا اصحّاء روحيا.‏ فكم كان ذلك اتحادا مفرحا!‏ لكنَّ سعادتنا لم تدمْ طويلا.‏

فقد اعتقل السوڤيات ابي في السنة التالية وسجنوه في نوريلسك بسيبيريا فوق الدائرة القطبية الشمالية.‏ وبعد ثلاث سنوات،‏ تزوجتُ بإميليا،‏ أخت ناضجة روحيا ومفعمة بالحيوية.‏ كنا قد تربَّينا معا تقريبا،‏ لذلك عرفتها جيدا.‏ ولكن بعد سنة واحدة من زواجنا،‏ اعتُقلت انا وأمي وأُرسلنا الى كيشيناو حيث حُكم علينا بقضاء ٢٥ سنة في العمل الالزامي.‏ اعتنت إميليا بمحبة بإخوتي الذين صاروا مسلوبين الآن من والديهم وشقيقهم الاكبر.‏

أُرسلت في آخر الامر الى مناجم الفحم في ڤوركوتا،‏ معسكر للعمل الالزامي سيّىء السمعة يقع شمال الدائرة القطبية الشمالية.‏ وفي سنة ١٩٥١،‏ اي بعد سنتين،‏ نُفيَت إميليا مع اشقائي الثلاثة وشقيقتي الى تومْسْك في سيبيريا الغربية.‏ طلبت إميليا نقلها الى ڤوركوتا سنة ١٩٥٥ لتكون معي.‏ وهناك أنجبتْ اول اولادنا الثلاثة،‏ طفلة سمّيناها تمارا.‏

أُطلق سراحنا في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٥٧ بعد صدور عفوٍ عام.‏ إلّا انني اعتُقلت ثانية بعد شهر واحد.‏ وحُكم عليّ هذه المرة بسبع سنوات في معسكر للعمل الالزامي في موردڤينا بالقرب من سارانسك بروسيا.‏ سُجِن هناك ايضا اخوة كثيرون.‏ وكان سيتم احتجاز المزيد منهم.‏ عندما جاءت زوجاتنا لزيارتنا،‏ كنَّ يهرّبن لنا المطبوعات بانتظام،‏ الامر الذي قدّرناه عميقا.‏ انتقلت إميليا في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٥٧ الى كورڠان في سيبيريا الغربية للاعتناء بابنتنا تمارا التي كانت تقيم مع والدَي إميليا.‏ نتيجة لذلك،‏ افترقنا واحدنا عن الآخر سبع سنوات.‏ فقد كانت تلك الطريقة الوحيدة للحيلولة دون ارسال تمارا الى مؤسسة حكومية.‏

أُطلق سراحي سنة ١٩٦٤،‏ لكن لم يُسمَح لي بالعودة الى مولدوڤا.‏ وبالرغم من ان تحرّكاتي كانت لا تزال محدودة بصورة رسمية،‏ تمكنت من الالتحاق بزوجتي وابنتي في كورڠان حيث خدمتُ هناك كمدير درس الكتاب في الجماعة.‏ انتقلنا سنة ١٩٦٩ الى كراسنودار في القوقاز.‏ وبعد الخدمة هناك ثماني سنوات،‏ انتقلنا الى تْشرتشيك في اوزبكستان.‏ عملت هناك في المطبعة تحت الارض.‏ ثم سُمح لنا اخيرا بالعودة الى مولدوڤا سنة ١٩٨٤.‏ فاستقررنا في تيڠينا،‏ مدينة تضم ٠٠٠‏,١٦٠ نسمة و ١٨ ناشرا فقط.‏ نما هذا الفريق الصغير عبر السنين وصار تسع جماعات تضم نحو ٠٠٠‏,١ ناشر وفاتح.‏

فهل أندم على السنوات الكثيرة التي قضيتها في معسكرات العمل الالزامي والسجون من اجل الرب؟‏ كلا على الاطلاق!‏ فبالنسبة إليّ،‏ كانت الامور واضحة حتى عندما كنت معتمدا حديثا بعمر ١٤ سنة:‏ إمّا ان تحب اللّٰه او تحب العالم!‏ ولأنني قررت خدمة يهوه،‏ لم افكر في المسايرة.‏ —‏ يعقوب ٤:‏٤‏.‏

‏[الصور]‏

الى اليمين:‏ ڤاسيل أُرسو

الى اقصى اليمين:‏ ڤاسيل وزوجته إميليا وابنتهما تمارا

‏[الاطار/‏الصور في الصفحات ١٠٨-‏١١٠]‏

ولد صغير يحمل نبتة أثّر فيَّ

ڤالينتينا كوجوكارو

تاريخ الولادة:‏ ١٩٥٢

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٩٧

لمحة عن حياتها:‏ كانت معلمة خلال نظام الحكم السوڤياتي.‏ وقد شملت في دروسها افكار الالحاد.‏

سنة ١٩٧٨،‏ كنت معلمة لروضة الاطفال في فِتشت بمولدوڤا.‏ وكنت ايضا ملحدة.‏ وفي اجتماع لهيئة المعلمين،‏ طُلب منا التركيز على اولاد شهود يهوه بهدف تعليمهم الالحاد.‏ فراقتني هذه الفكرة.‏ لذلك حاولت ابتكار اساليب ابداعية للوصول الى قلوب تلاميذي الشهود.‏ وتوصلت الى ما ظننته فكرة جيدة.‏

طلبت من الصف جلب حوضَي زهور.‏ في احدهما،‏ كان على الاولاد زراعة الازهار،‏ سقْيها،‏ وإزالة اية اعشاب ضارة قد تنمو.‏ اما الثاني،‏ فعليهم ألّا يلمسوه.‏ فهذا الحوض يخص اللّٰه كما أخبرتهم.‏ وهو الذي سيعتني به بنفسه.‏ فتحمّس التلاميذ للمشروع.‏ وفي الوقت الذي كانوا فيه يزرعون،‏ يسقون،‏ ويزيلون الاعشاب الضارة من احواضهم الخاصة،‏ كانت «حديقة اللّٰه الصغيرة» قد امتلأت بتلك الاعشاب.‏

وفي يوم مشمس ساطع،‏ جمعتُ الصف امام حوضَي الزهور.‏ وأثنيت على الجهود الرائعة التي بذلوها.‏ ثم ابتدأت بقول عباراتي المدروسة جيدا.‏ وسألتهم:‏ «هل لاحظتم ان اللّٰه لم يفعل شيئا لحوض ازهاره؟‏ ألا ترون ان هذا الحوض لا يخص احدا؟‏».‏

وافق الاولاد من غير ريب على تلك الفكرة.‏ فوجّهت لهم مباشرة العبارة التي تصيب الهدف قائلة:‏ «كما ترون ايها الاولاد،‏ ان حوض الزهور يبدو بهذا الشكل لأن اللّٰه موجود فقط في خيال الناس.‏ فلو كان اللّٰه موجودا حقا،‏ لاعتنى على الاقل بالازهار او الاشياء الاخرى».‏

وبينما كنت اتكلم،‏ راقبت الاولاد لمعرفة تجاوبهم.‏ فلاحظت ولدا صغيرا واحدا،‏ اهله من الشهود،‏ ينزعج اكثر فأكثر.‏ وفي النهاية،‏ لم يعد يتمالك نفسه.‏ فركض الى حقل مجاور،‏ التقط نبتة هندباء برية،‏ وقدّمها لي قائلا:‏ «اذا لم يكن اللّٰه موجودا،‏ فمن الذي نمّى هذه النبتة؟‏ لا أحد منا اعتنى بها».‏ كان كلامه المنطقي صفعة لي.‏ وأدركت في اعماقي مدى اهمية الفكرة التي قالها.‏

بسبب تربيتي الشيوعية،‏ مرت سنوات كثيرة قبل ان اتخذ الخطوة التالية،‏ خطوة فحص الكتاب المقدس.‏ مع ذلك،‏ اقتربت من الشهود المحليين سنة ١٩٩٥ وطلبت درسا.‏ فتخيّل فرحي عندما رأيت احد تلاميذي السابقين يصبح الآن واحدا من معلميَّ!‏

صحيح ان النظام الشيوعي منحني تعليما دنيويا جيدا.‏ لكنه فشل في تعليمي اهم الدروس في الحياة.‏ واليوم،‏ بفضل يهوه وذاك الولد الصغير الشجاع،‏ استطيع استعمال معرفتي الروحية والدنيوية لأساعد الآخرين ان يدركوا ان هنالك الها حقيقيا يهتم جدا بخليقته البشرية.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحات ١١٣-‏١١٥]‏

وُلدتُ في المنفى

ليديا سڤاستيان

تاريخ الولادة:‏ ١٩٥٤

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٩٥

لمحة عن حياتها:‏ بعد ان تربّت في كنف أمّها الشاهدة وأبيها غير المؤمن،‏ فقدت الاتصال بشهود يهوه عدة سنوات.‏

اصبحت أمي وجدتي من شهود يهوه في بداية اربعينات الـ‍ ١٩٠٠.‏ أما ابي،‏ فلم يقبل حق الكتاب المقدس آنذاك رغم انه كان رجلا فاضلا.‏ بحلول سنة ١٩٥١،‏ كان لأمي ولدان وفي الوقت نفسه حبلى بتوأمين.‏ حاولت السلطات في نيسان (‏ابريل)‏ تلك السنة عينها ان تفرّق عائلتنا.‏ فبينما كان ابي في عمله،‏ أخذوا امي،‏ التي كانت على وشك الانجاب،‏ مع شقيقيّ الاكبر سنا ليستقلوا قطارا متجها الى سيبيريا.‏ ولكن قبل الرحيل،‏ تمكنت امي من ايصال الخبر الى ابي الذي أسرع في العودة الى البيت.‏ وبالرغم من انه لم يكن شاهدا،‏ ركب القطار وذهب الى المنفى مع عائلته.‏

خلال الرحلة الى سيبيريا،‏ سُمِح لأمي بالمكوث قليلا ببلدة اسينو لتنجب التوأمين.‏ وذهبت بقية العائلة الى منطقة تومْسْك حيث أمّن لها ابي مكانا للسكن.‏ أُعطيَ ابي تعيينا للعمل جنبا الى جنب مع الاخوة.‏ وبعد بضعة اسابيع،‏ انضمت امي والتوأمان المولودان حديثا الى العائلة.‏ من المؤسف ان التوأمين ماتا بسبب الظروف المعيشية القاسية التي مررنا بها.‏

مع ذلك،‏ انجبت امي في المنفى اربعة اولاد آخرين بمن فيهم انا وأخي التوأم.‏ لقد اعتنى ابي بنا جميعا بإخلاص.‏ وأخيرا في سنة ١٩٥٧،‏ سُمِح لنا بالعودة الى قريتنا الأم.‏ كما استمرت امي في غرس مبادئ الكتاب المقدس في قلوبنا رغم ان البوليس السري كان يتعقبها خلسة.‏

من ناحية ثانية،‏ كان ابي مهتما بشكل رئيسي بحصول اولاده على تعليم دنيوي جيد.‏ لذلك ذهبتُ الى كيشيناو بعمر ١٦ سنة لأدرس في الجامعة.‏ ثم تزوجت وانتقلت الى قازاخستان حيث اصبحت معزولة ليس فقط عن والديّ بل عن هيئة يهوه ايضا.‏ عدت الى كيشيناو سنة ١٩٨٢ وبدأت فورا بالبحث عن جماعة لشعب يهوه ولكن دون فائدة.‏ وشعرت طوال ثماني سنوات انني الوحيدة في المدينة الراغبة في عبادة يهوه.‏

في يوم من الايام وفيما كنت انتظر في موقف للباص،‏ سمعت امرأتَين تتحدثان عن يهوه.‏ فاقتربت منهما اكثر لأسمع بوضوح.‏ فغيّرَتا الموضوع ظنا منهما انني عميلة للـ‍ KGB.‏ وعندما ابتدأتا بالابتعاد،‏ لحقت بهما،‏ الامر الذي كان واضحا انه أرعبهما.‏ فاقتربت منهما بسرعة وأقنعتهما بصدقي بعد مناقشة قصيرة.‏ وأخيرا رأيت حلمي بالانضمام الى هيئة يهوه يتحقق!‏ لكن من المؤسف ان زوجي عارض موقفي.‏

كان لنا ولدان في ذلك الوقت.‏ وفي سنة ١٩٩٢،‏ خضعت لجراحة في عمودي الفقري.‏ وكان عليّ ان ابقى مستلقية دون حراك ستة اشهر في المستشفى.‏ خلال تلك المرحلة البائسة من حياتي،‏ حدث امر رائع.‏ فقد اتخذ ابني،‏ پاڤْيِل،‏ موقفا الى جانب يهوه واعتمد سنة ١٩٩٣ في المحفل الاممي في كييڤ.‏ بمرور الوقت،‏ استعدت عافيتي وتمكنت من المشي ثانية.‏ وهكذا رمزت انا ايضا الى انتذاري ليهوه سنة ١٩٩٥.‏

ان اعضاء كثيرين من عائلتي هم اليوم شهود.‏ والفضل في ذلك هو ليهوه وأمي التي بقي مثالها الراسخ يلازمني دائما.‏ امّا بالنسبة الى والدي المخلص جدا،‏ فأنا سعيدة انه اصبح هو ايضا واحدا من خدام يهوه قبل موته.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١١٧،‏ ١١٨]‏

تضحياتنا تبدو زهيدة مقارنة بتضحيات يهوه

ميهاي أورسوي

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٧

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٥

لمحة عن حياته:‏ تعرّض للاضطهاد من الفاشيين والشيوعيين.‏

أصبحتُ ناشرا للبشارة سنة ١٩٤١.‏ وفي سنة ١٩٤٢،‏ عندما كنت في الـ‍ ١٥ من عمري،‏ وجب عليّ ان اتلقى تدريبا عسكريا في المدرسة المحلية.‏ كانت صور الملك الروماني مايكل،‏ القائد انتونيسكو،‏ والعذراء مريم معلقة في الصف.‏ وكان علينا الانحناء امام تلك الصور ورسم اشارة الصليب في كل مرة ندخل فيها الغرفة.‏ فرفض ثلاثة منا فعل ذلك.‏

لهذا السبب،‏ ضربنا البوليس المحلي بوحشية.‏ وقضينا الليلة في المدرسة.‏ وفي الصباح،‏ أُرسلنا الى كورجوتس حيث ضُربنا ثانية.‏ نُقِلنا من كورجوتس الى عدة اماكن اخرى قبل ارسالنا مشيا على الاقدام مسافة ١٠٠ كيلومتر تقريبا لتتم محاكمتنا محاكمة عسكرية.‏ لقد نزفت قدماي إثرَ السير كل تلك المسافة.‏ لكن أخيرا،‏ ونظرا الى صغر سني،‏ أُرسِلت الى بيتي دون الحكم عليّ.‏

عندما كنت في الـ‍ ١٨ من عمري،‏ جنّدتني السلطات السوڤياتية الزاميا.‏ فرفضت مرة ثانية المسايرة في قضية الحياد،‏ وضُرِبنا بوحشية انا وصديقي ڠيورڠي نيمنكو.‏ في الواقع،‏ مات صديقي بعد ستة اسابيع متأثرا بإصاباته.‏ أما انا فعدت الى بيتي مرة اخرى بسبب سنّي.‏ اعتقلني السوڤيات سنة ١٩٤٧ وهدّدوني هذه المرة بإطلاق النار اذا رفضت الخدمة العسكرية.‏ لكنهم بدلا من ذلك،‏ وضعوني في سجن انفرادي مدة شهرين ثم أرسلوني الى العمل الالزامي في مشروع قناة الڤولڠا-‏دون.‏ كان عملا محفوفا بالمخاطر وقُتل الكثيرون بسببه.‏ لقد نجوت بشق النفس من الاصابة في حادث مات فيه كثيرون وأُرسِلت الى بيتي في مولدوڤا.‏

تزوجت في مولدوڤا.‏ وفي سنة ١٩٥١،‏ نُفينا انا وزوجتي،‏ ڤيرا،‏ التي كانت حبلى آنذاك.‏ سافرنا في البداية بالقطار ثم بالقارب الى احراج الصنوبر السيبيرية،‏ منطقة غابات ضخمة مجاورة للقطب الشمالي،‏ حيث كان عليّ ان اقطع الاشجار.‏ كما اضطررنا الى السكن مع ١٦ عائلة اخرى في كوخ.‏ ومن المفرح انه في سنة ١٩٥٩،‏ سُمِح لنا بالعودة الى مولدوڤا.‏

لقد شجّعتني امور كثيرة خلال تلك السنوات الصعبة وما زلت اتشجّع بها حتى الآن.‏ أحدها المثال الذي رسمه اخي يون للايمان.‏ (‏انظر الصفحة ٨٩.‏)‏ فقد حُكِم عليه بالموت،‏ وبالرغم من انه لم يعلم بتخفيض حكمه،‏ رفض ان يساير.‏ كما يقوِّيني التأمل في طريقة اعتناء يهوه بي ولاحقا بزوجتي خلال المحن التي تحملناها من اجل اسمه.‏ مع ذلك،‏ تبدو تضحياتنا زهيدة مقارنة بتضحيات يهوه.‏ فقد أرسل ابنه ليموت فدية عنا.‏ ويساعدني التأمل في هذا التدبير الرائع على مواجهة كل يوم بفرح.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحات ١٢١-‏١٢٣]‏

شعرتُ بعناية يهوه الرقيقة

ميهايلينا ڠِيورڠيتسا

تاريخ الولادة:‏ ١٩٣٠

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٧

لمحة عن حياتها:‏ عملتْ ساعيةً للبريد ومترجمة خلال سنوات الحظر.‏

تعلمت الحق سنة ١٩٤٥ وكنت فرحة بنقل البشارة الى جيراني في قريتي الأم،‏ ڠلوديني،‏ والقرية المجاورة،‏ پترونيا.‏ ولأنني كنت اشهد في المدرسة،‏ رفضت السلطات المدرسية اعطائي الدبلوم.‏ مع هذا،‏ تمتعت باستعمال ثقافتي للمساعدة في ترجمة المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس من الرومانية والاوكرانية الى الروسية.‏

بُعيد معموديتي،‏ أُمسك بي وأنا اترجم.‏ وحُكِم عليّ بـ‍ ٢٥ سنة من العمل الالزامي في ڤوركوتا،‏ شمال الدائرة القطبية الشمالية حيث سبق ان سُجنت اخوات كثيرات.‏ استمررنا في الكرازة بالرغم من الظروف الشاقة.‏ كما تدبرنا أمر الحصول على مطبوعات.‏ وفي الواقع،‏ تمكنّا من نسخ بعض المطبوعات داخل المعسكر نفسه.‏

التقيت ذات يوم امرأة شابة اعتُقلت لأن السلطات ظنت خطأ انها شاهدة.‏ فاقترحت عليها ان تفحص كلمة اللّٰه موضحةً لها ان يهوه لديه القدرة على تحرير شعبه اذا قصد ذلك.‏ قبلتْ في النهاية درسا في الكتاب المقدس وأصبحت اختا لنا.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى أُطلِق سراحها باكرا من المعسكر.‏

نُقلتُ بعد ذلك الى كاراڠاندا في قازاخستان.‏ ثم أُطلِق سراحي اخيرا في ٥ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٥٦.‏ فذهبت الى تومْسْك حيث التقيت بألكسندرو ڠِيورڠيتسا وتزوجنا.‏ كان قد قضى ست سنوات في السجن بسبب ايمانه.‏ استمر كلانا في الكرازة في مقاطعة سيبيريا الشاسعة رغم معرفتنا ان البوليس السري كان ما يزال يراقبنا.‏ انتقلنا بعد ذلك الى إركوتْسْك الواقعة الى الغرب قليلا من بحيرة بيكال.‏ واستمررنا هناك في انتاج المطبوعات سرّا.‏ خدمنا لاحقا في بيشكَك في قيرغيزستان.‏ وبالرغم من توخّينا الحذر اثناء الشهادة،‏ قُبض على ألكسندرو وحُكِم عليه مدة ١٠ سنوات.‏

سمح لي محامي الادّعاء بزيارة ألكسندرو وهو في السجن بانتظار المحاكمة.‏ وبما ان هذا لم يكن مسموحا في العادة،‏ سألته عن سبب لطفه.‏ فقال:‏ «انتما زوجان شابان،‏ ولديكما ولد.‏ وقد تعيدان النظر في قراركما».‏ فأخبرته اننا انا وألكسندرو اتخذنا قرارنا في خدمة يهوه منذ زمن بعيد وأننا مصممان على البقاء امينين.‏ فأجابني:‏ «لكنّ كتابكم المقدس يقول ان الكلب الحي خير من الاسد الميت».‏ (‏جامعة ٩:‏٤‏)‏ فقلت له:‏ «هذا صحيح،‏ لكن هذا الكلب الحي الذي تتكلم عنه لن يرث عالم اللّٰه الجديد».‏

قضى ألكسندرو مدة ١٠ سنوات كاملة في السجن وسنة اضافية في الاقامة الجبرية.‏ انتقلنا بعد اطلاق سراحه الى قازاخستان ثم الى اوزبكستان للمساعدة في العمل.‏ وفي النهاية،‏ عدنا الى مولدوڤا سنة ١٩٨٣.‏ كنا فرحين بامتيازنا الذي لا يُضاهى ان نساعد ذوي القلوب المستقيمة في اماكن كثيرة مختلفة على التعلم عن يهوه.‏

عندما اتأمل في الماضي،‏ اعترف ان حياتي لم تكن سهلة دائما.‏ لكن الامر نفسه ينطبق على جيراني الذين ليسوا شهودا.‏ فعليهم هم ايضا ان يتغلبوا على مشاكل كثيرة.‏ لكن الفرق هو اننا نتألم من اجل البشارة.‏ لهذا السبب،‏ شعرنا بعناية يهوه الرقيقة وحمايته.‏ وعلاوة على ذلك،‏ نحن نتطلع الى ما وراء تلك المحن:‏ مستقبل ابدي رائع.‏

‏[الجدول/‏الرسم البياني في الصفحتين ٨٠،‏ ٨١]‏

مولدوڤا —‏ نبذة تاريخية

١٨٩١:‏ ت.‏ ت.‏ رصل يزور كيشينڤ،‏ بسارابيا (‏الآن كيشيناو،‏ مولدوڤا)‏.‏

١٨٩٥

١٩٢١:‏ التقرير السنوي يشير الى ان اكثر من ٢٠٠ شخص قبلوا حق الكتاب المقدس.‏

١٩٢٢:‏ تشييد اول «بيت للاجتماعات» في كورجوتس.‏

١٩٢٥:‏ حظْر عمل تلاميذ الكتاب المقدس.‏

١٩٣٠

١٩٤٠:‏ رومانيا تتنازل عن بسارابيا للاتحاد السوڤياتي ليُعاد تسميتها جمهورية مولداڤيا الاشتراكية السوڤياتية.‏

١٩٤١:‏ رومانيا تعيد الاستيلاء على مولدوڤا.‏ الفاشيّة وهستيريا الحرب يؤدّيان الى اضطهاد الشهود.‏

١٩٤٤:‏ الاتحاد السوڤياتي يعيد احتلال مولدوڤا.‏ الاضطهاد يستمر.‏

١٩٤٩:‏ السوڤيات يبدأون بترحيل شهود يهوه وآخرين غيرهم.‏

١٩٥١:‏ ستالين يبدأ عملية الشمال.‏

ستينات الـ‍ ١٩٠٠:‏ لجنة امن الدولة السوڤياتية تسبّب الفوضى والانقسام في صفوف شعب اللّٰه.‏

١٩٦٥

١٩٨٩:‏ الشهود يتمتعون بحرية دينية اكبر.‏ المندوبون المولدوڤيون يحضرون المحافل في پولندا.‏

١٩٩١:‏ جمهورية مولداڤيا الاشتراكية السوڤياتية تسمّى من جديد جمهورية مولدوڤا.‏ انعقاد المحافل الدائرية للمرة الاولى.‏ اول زيارة للمنطقة يقوم بها ممثّل للمركز الرئيسي.‏

١٩٩٤:‏ شهود يهوه يحصلون على وثيقة تسجيل شرعية.‏ اول محفل كوري يُعقَد في كيشيناو.‏

٢٠٠٠

٢٠٠٠:‏ تدشين بيت ايل جديد في كيشيناو.‏

٢٠٠٣:‏ ٤٧٣‏,١٨ ناشرا نشيطا في مولدوڤا.‏

‏[الرسم]‏

‏(‏انظر المطبوعة)‏

مجموع الناشرين

مجموع الفاتحين

٠٠٠‏,٢٠

٠٠٠‏,١٠

١٨٩٥ ١٩٣٠ ١٩٦٥ ٢٠٠٠

‏[الخرائط في الصفحة ٧٣]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسق في المطبوعة)‏

اوكرانيا

مولدوڤا

بريشيني

تاباني

ليپكاني

شيراوتس

كورجوتس

تْسول

فِتشت

سوروكي

بلتسي

پترونيا

كاوشيني

كيشيناو

نهر دنيستر

نهر پروت

رومانيا

اياشي

‏[صورة تغطي كامل الصفحة ٦٦]‏

‏[الصورة في الصفحة ٧٤]‏

إيلي ڠروزا،‏ من اوائل الشهود في مولدوڤا

‏[‏الصورة في الصفحة ٧٥]‏

تودور ڠروزا

‏[الصورة في الصفحة ٧٨]‏

يووانا ڠروزا

‏[‏الصورتان في الصفحة ٩٢]‏

پارفين پالامارتشوك وابنه نيكولاي

‏[‏الصورة في الصفحة ٩٣]‏

ڤاسيل ڠرمَن

‏[الصورة في الصفحة ٩٤]‏

نيكولاي آنيسكيڤيتش

‏[الصورة في الصفحة ٩٥]‏

ماريّا ڠرمَن

‏[الصورتان في الصفحة ٩٦]‏

مقطورات الشحن المغلقة المستخدمة في نقل الشهود الى سيبيريا

‏[الصورة في الصفحة ٩٨]‏

إيڤان ميكيتكوڤ

‏[الصورة في الصفحة ٩٩]‏

كونستانتين شوبه

‏[الصور في الصفحة ١٠٧]‏

نيكولاي ڤولوشانوڤسْكي وكراسة «القعر المزدوج»‏

‏[‏الصورة في الصفحة ١١١]‏

ڠيورڠي ڠوروبتس

‏[الصورة في الصفحة ١٢٦]‏

قاعة المحافل في فِتشت

‏[الصورة في الصفحة ١٣١]‏

لجنة البلد في مولدوڤا،‏ من اليسار الى اليمين:‏ دايڤيد ڠْروزسكو،‏ اناتولي كراڤسيوك،‏ وتيبِريو كوڤاكس