الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

ايسلندا

ايسلندا

ايسلندا

حين يسمع المرء باسم ايسلندا قد تتبادر الى ذهنه صوَر الثلج والجليد وبيوت الإسكيمو المقبَّبة.‏ ويترسخ هذا الانطباع في مخيِّلته حين يلقي نظرة على الخريطة.‏ فهذا البلد هو من البلدان القليلة الواقعة في اقصى شمال الكرة الارضية،‏ ويكاد طرفه الشمالي يلامس الدائرة القطبية الشمالية.‏

لكنَّ الحقيقة هي ان ايسلندا ليست باردة قدر ما يوحي اسمها وموقعها.‏ فتيار الخليج الدافئ الذي يهبّ من شمال خط الاستواء يساعد على جعل المناخ معتدل البرودة.‏ ولا توجد في الجزيرة بيوت مقبَّبة مصنوعة من الثلج.‏ فالمجتمع الايسلندي متحضِّر للغاية،‏ والناس يعيشون في بيوت عصرية مجهَّزة بأنظمة تدفئة تعتمد على المياه الجوفية الحارة.‏

ايسلندا هي بلد التناقضات.‏ ففي منتصف فصل الشتاء،‏ تطلّ الشمس بخجل من وراء الافق ساعات قليلة في النهار.‏ فيبدو انها تأبى الشروق على تلك البقعة من الارض،‏ في حين ان الاضواء المدهشة للشفق القطبي الشمالي غالبا ما تنير ليالي الشتاء الطويلة والدامسة.‏ أما في اشهر الصيف فيسطع نور الشمس طوال النهار والليل،‏ مما يعوِّض عن ظلمة الشتاء.‏ وفي اقصى شمال البلاد،‏ تبقى الشمس طوال اسابيع اعلى بقليل من الافق،‏ حتى ان المرء يراها في منتصف الليل.‏

تُدعى ايسلندا ارض الصقيع والنار،‏ وهي اسم على مسمّى.‏ فالانهار الجليدية تغطي عُشر مساحتها.‏ كما انها زاخرة بالينابيع الحارة والمياه الجوفية الحارة والبراكين الناشطة.‏ ففي القرون الاخيرة،‏ ثارت عشرات البراكين،‏ بمعدل بركان كل خمس او ست سنوات.‏

يتمتع هذا البلد القليل السكان بجمال طبيعي أخّاذ ووفرة من الحياة البرية.‏ فالهواء النقي،‏ الشلالات المهيبة،‏ الجبال الوعرة،‏ والبراري الشاسعة تجذب اعدادا كبيرة من الزوّار.‏ وفي اوائل الربيع،‏ تعود الطيور المهاجرة الى مقرّها الصيفي في الجروف الساحلية والاراضي الرطبة.‏ وأحد هذه الطيور هو خرشنة القطب الشمالي التي تهاجر سنويا الى القارة القطبية الجنوبية في الطرف الآخر من الكرة الارضية.‏ كما تتقاطر طيور البَفَن والنورس والبط القطبي الى الجروف والشواطئ.‏ وفي الارياف،‏ ترعى الخراف العشب الاخضر وتجول خيول الپوني الصغيرة الشديدة الاحتمال في المناطق الجبلية.‏ وفي اوائل الصيف،‏ تعود الى ايسلندا حشود من اسماك السلمون التي تسبح وتقفز بعكس التيار في الانهار والشلالات لتصل الى المكان الذي تضع فيه بيوضها.‏

يتحدر سكان ايسلندا البالغ عددهم ٥٧٠‏,٢٩٠ نسمة من الڤايكنڠ الذين استقروا في البلاد منذ اكثر من ١٠٠‏,١ سنة.‏ وقد اتى معظم هؤلاء المستعمِرين من النَّروج.‏ وكانوا يتكلمون اللغة الاسكندينافية القديمة التي تحدَّرت منها اللغة الايسلندية.‏ وقد ساهم التراث الادبي العريق بالاضافة الى بُعد البلاد في احتفاظ اللغة بميزاتها القديمة.‏ لذلك فإن الناس اليوم ما زالوا قادرين على قراءة القصص البطولية القديمة التي كُتبت في معظمها خلال القرن الثالث عشر.‏ والايسلنديون يفتخرون بلغتهم ويرفضون ان يُدخِلوا عليها اية كلمات من اصل اجنبي.‏

كان معظم سكان البلاد الاوائل اشخاصا اعتُبروا «وثنيين».‏ وفي الجزء الاخير من القرن العاشر،‏ حاول البعض هدايتهم الى الدين المسيحي.‏ وقبيل نهاية ذلك القرن،‏ اهتدى بعض القادة البارزين في ايسلندا.‏ وفي سنة ١٠٠٠،‏ طلب الألثينڠ،‏ اي البرلمان الايسلندي،‏ من احد ابرز القادة الدينيين الوثنيين ان يحكم ايّا من الدينَين هو الافضل.‏ فاتّخذ قرارا يثير العجب مفاده ان الدين الوحيد الذي يلزم اتّباعه هو الدين المسيحي،‏ وتقبَّل الناس قراره دون اية معارضة.‏ ولكن رغم اختياره الدين المسيحي،‏ فقد سمح لهم بعبادة الآلهة الوثنية سرًّا والاستمرار في ممارسة عاداتهم الوثنية.‏ ومع ان الدافع وراء هذا القرار كان سياسيا اكثر منه دينيا،‏ فلربما ساهم في جعل الشعب الايسلندي مستقلا في تفكيره وبالتالي منفتحا في المسائل الدينية.‏

في الوقت الحاضر،‏ ينتمي حوالي ٩٠ في المئة من السكان الى الكنيسة اللوثرية الانجيلية التي تُعتبَر دين الدولة الرسمي.‏ ومع ان الكتاب المقدس موجود في كل بيت تقريبا،‏ يؤمن قليلون انه كلمة اللّٰه.‏

البشارة تصل الى ايسلندا

بحلول بداية القرن العشرين،‏ كان كثيرون من الايسلنديين قد هاجروا الى كندا هربا من ثوران البراكين والبرد القارس.‏ وهناك،‏ سمع البعض منهم للمرة الاولى بشارة ملكوت اللّٰه.‏ وأحد هؤلاء الاشخاص هو چِيورڠ فيولنير ليندال،‏ الذي نذر حياته ليهوه اللّٰه وصار فاتحا بعد فترة قصيرة.‏ وبما انه يتكلم اللغة الايسلندية،‏ فقد قرر سنة ١٩٢٩ —‏ بعمر ٤٠ سنة —‏ ان ينتقل الى ايسلندا.‏ وفي الاول من حزيران (‏يونيو)‏ في تلك السنة،‏ وصل الى ريكياڤيك وصار اول كارز بالبشارة في هذا البلد.‏

انتظر الاخ ليندال ثلاثة اشهر حتى وصلته اول شحنة من المطبوعات.‏ ولكن ما إن استلمها حتى باشر بالشهادة لكل الناس في البلد.‏ وفي نهاية تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٢٩،‏ كان قد وزَّع ٨٠٠ نسخة من كتاب قيثارة اللّٰه باللغة الايسلندية.‏ كتب في تلك السنة:‏ «منذ وصولي الى هنا،‏ كرزت في بلدات يبلغ مجموع عدد سكانها حوالي ٠٠٠‏,١١ نسمة.‏ لكنَّ عدد سكان ايسلندا هو حوالي ٠٠٠‏,١٠٠ نسمة او اكثر بقليل.‏ لذلك عليَّ ان ابشِّر بعد نحو ٠٠٠‏,٩٠ شخص.‏ وبما انني اكرز وحدي في المقاطعة،‏ فإن تغطيتها تتطلب وقتا طويلا،‏ وخصوصا لأن التنقلات صعبة للغاية.‏ فإيسلندا بلد تكثر فيه الجبال والشواطئ المتعرجة.‏ ولا وجود فيه للسكك الحديدية.‏ كما ان الطرقات التي يمكن ان تسير عليها السيارات قليلة جدا.‏ لذلك فأنا استعمل المركب في معظم تنقلاتي».‏

لا يلاحظ المرء اي اثر للتشكي في الرسائل القليلة المكتوبة بخط اليد والموضوعة في ملف صُنع من ورق المانيلّا المتين وكُتب عليه كلمة «ايسلندا».‏ قال ليندال في الرسالة نفسها التي كتبها سنة ١٩٢٩:‏ «يفرحني كثيرا ان اروي لكم اختبارا مشجِّعا حصل معي مؤخرا.‏ فقد سنحت لي الفرصة ان اعود الى احد الاماكن حيث كرزت سابقا.‏ وهناك،‏ التقيت عدة اشخاص اشتروا مني كتبا في المرة الاولى.‏ قال لي احد الرجال:‏ ‹قرأت كتاب قيثارة اللّٰه مرتين،‏ وأنا الآن اقرأه للمرة الثالثة.‏ يا له من كتاب رائع!‏ شكرا على زيارتك›.‏ وذكر شخص آخر:‏ ‹ها قد عدتَ من جديد!‏ لقد اعجبني الكتاب كثيرا.‏ لِمَ لا تنشرون كل كتب القاضي رذرفورد باللغة الايسلندية؟‏›.‏ فأخبرته ان بإمكانه الحصول على معظمها باللغة الدانماركية.‏ فقال:‏ ‹أرسِل اليَّ كل ما لديك من مطبوعات،‏ بالاضافة الى كل مجلدات القسّ رصل.‏ وهكذا يكون لدي ما يكفي لدرسه خلال الشتاء›.‏ وقد عبّر اشخاص آخرون ايضا عن تقديرهم للكتب.‏ وأنا اشكر اللّٰه لأنه سمح لي ان انقل رسالة الحق الى اشخاص لديهم آذان صاغية».‏

كان ايصال البشارة الى كل سكان هذه الجزيرة مهمة شاقة للغاية،‏ وخصوصا لأن مساحتها اكبر من نصف مساحة انكلترا.‏ فطول ايسلندا من الشمال الى الجنوب يبلغ ٣٠٠ كيلومتر تقريبا وعرضها نحو ٥٠٠ كيلومتر.‏ اما طول الخط الساحلي المتعرج،‏ الذي يشتمل على عدد من الخلجان والمداخل الضيقة،‏ فيبلغ حوالي ٤٠٠‏,٦ كيلومتر.‏ ولكن في غضون عشر سنوات،‏ غطّى الاخ ليندال كل انحاء الجزيرة،‏ كارزا ببشارة الملكوت وموزِّعا المطبوعات.‏ وقد تنقّل على طول الخط الساحلي بواسطة المركب.‏ أما عند زيارة المزارع في الجزء الداخلي من الجزيرة،‏ فكان يستخدم اثنين من خيول الپوني الايسلندية،‏ واحد ليمتطيه وآخر ليضع عليه مطبوعاته وأمتعته.‏ يقول الاخوة الذين حظوا بامتياز العمل مع الاخ ليندال بعض الوقت قبل ان يغادر ايسلندا انه كان شخصا مخلصا،‏ رزينا،‏ خجولا،‏ كتوما،‏ وقليل الكلام.‏ كما كان طويل القامة الى حد ان طوله لم يتناسب مع حجم خيول الپوني الصغيرة التي امتطاها خلال رحلاته.‏ وعندما كان يتنقل دون حصانه،‏ كانت بنيته القوية تساعده على حمل كتبه وأغراضه.‏

لم يدرك الاخ ليندال حين بدأ مهمّته في ايسلندا سنة ١٩٢٩ كم ستكون شاقّة وكم يلزمه من الاحتمال والمثابرة من اجل إذابة الجليد بينه وبين الناس ليبدأوا بالتجاوب مع كرازته.‏ فطوال ١٨ سنة تقريبا،‏ بقي الاخ ليندال الشاهد الوحيد في ايسلندا.‏ ورغم جهوده الدؤوبة،‏ لم يرَ احدا يتخذ موقفا الى جانب الملكوت.‏ كتب سنة ١٩٣٦:‏ «خلال فترة إقامتي هنا،‏ وزّعت على الناس كتبا يتراوح عددها بين ٠٠٠‏,٢٦ و ٠٠٠‏,٢٧ كتاب.‏ وكثيرون من الناس قرأوا هذه الكتب.‏ وفي حين ان البعض اتخذوا موقفا ضد الحق،‏ فإن الغالبية الساحقة لا تزال غير مبالية».‏

رغم ذلك،‏ قدّر البعض الرسالة التي حملها اليهم الاخ ليندال.‏ على سبيل المثال،‏ قبِل احد المسنين نسخة من كتاب قيثارة اللّٰه.‏ وعندما اتى الاخ ليندال لزيارته بعد عدة اشهر،‏ التقى ابنته التي اخبرته ان اباها أُعجب كثيرا بالكتاب ودرسه بإمعان قبل ان يموت.‏ حتى إنه طلب،‏ وفقا لإحدى العادات الوثنية المتّبعة هناك،‏ ان يوضَع الكتاب في تابوته بعد ان يموت.‏ وقد لبّى اقرباؤه طلبه هذا.‏

بقي الاخ ليندال الشاهد الوحيد المقيم في ايسلندا حتى ٢٥ آذار (‏مارس)‏ ١٩٤٧،‏ تاريخ وصول خرِّيجي مدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس.‏ وقد واصل خدمته في الجزيرة حتى عاد الى كندا سنة ١٩٥٣.‏ وبعد ١٦ سنة،‏ قرر پول هاين پيثرسن،‏ الذي كان يخدم آنذاك كفاتح خصوصي في ايسلندا،‏ ان يسافر الى مدينة وينِّيپيڠ في كندا لكي يلتقي الاخ ليندال،‏ ويسمع منه مباشرة بعض المعلومات عن خدمته في ايسلندا.‏ فالمرسلون الذين عملوا مع الاخ ليندال في الجزيرة كانوا قد غادروها.‏ وعندما كان الاخ پيثرسن يقضي عطلته في الولايات المتحدة،‏ سافر بالباص الى وينِّيپيڠ.‏ لكنه علِم حين وصل الى هناك ان الاخ ليندال انهى مسلكه الارضي في ذلك الصباح.‏ لقد خدم يهوه بأمانة حتى موته.‏

المزيد من العمال يشاركون في الحصاد

مع وصول مرسلَين دانماركيَّين من مرسلي جلعاد الاوائل سنة ١٩٤٧،‏ بدأت حقبة جديدة في تاريخ عمل البشارة في ايسلندا.‏ وكان احد هذين المرسلَين ليو لارسن.‏ في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٤٨ وصل مرسلان آخران هما:‏ إنڠڤارد ينسن من الدانمارك وأوليڤر ماكدونالد من انكلترا.‏ وقد واصل هؤلاء العمال الجدد عمل الحصاد الذي بدأ به الاخ ليندال ووزّعوا كميات كبيرة من المطبوعات.‏ فكانوا يكرزون خلال الشتاء في ريكياڤيك وضواحيها.‏ اما خلال فصل الصيف القصير،‏ فكانوا يخدمون في المقاطعات البعيدة عن المدن على طول الخط الساحلي.‏ يتذكر إنڠڤارد ينسن احدى الحملات التبشيرية المميزة،‏ قائلا:‏ «خلال الصيف الاول الذي قضيته في ايسلندا،‏ رافقت احد المرسلين الآخرين في رحلة الى المناطق البعيدة عن المدن.‏ وللوصول الى مقاطعاتنا،‏ كنا نستقل عموما الباص او المركب حاملَين معنا ما احتجنا اليه من دراجات وخيم وأكياس نوم ومطبوعات ومؤن.‏ وفي احدى الامسيات،‏ ابحرنا باتجاه بلدة ستايكسهولمر على الساحل الغربي،‏ ووصلنا الى هناك بعد ظهر اليوم التالي.‏ كنا ننوي ان نزور كل البيوت في البلدة ثم ننتقل بالدراجة الى بلدة بورغارنس التي تبعد حوالي ١٠٠ كيلومتر.‏ ومن هناك،‏ كنا نخطط للعودة على متن احدى العبّارات التي تبحر يوميا الى ريكياڤيك.‏ في اول يوم من الرحلة،‏ كرزنا في جزء من بلدة ستايكسهولمر.‏ وقد سار كل شيء على ما يُرام.‏ فالشمس كانت مشرقة لأننا في منتصف شهر حزيران (‏يونيو)‏.‏ وفي المساء،‏ اندسّ كلٌّ منا في كيس النوم الخاص به.‏ ولكن طوال الليل،‏ لم نشعر بالدفء.‏ وفي الصباح التالي عرفنا السبب.‏ فقد تساقط الثلج في الليل بسماكة ١٠ سنتيمترات!‏ كان من المستحيل ان نقطع رحلتنا ونعود لأن المراكب لم تكن لتُبحِر من ستايكسهولمر قبل اسبوع.‏ لذلك كان علينا ان نتابع رحلتنا،‏ نكرز في البلدة،‏ ونقود دراجتينا على الطريق الجبلي كارزين في المزارع الواقعة على طول الطريق،‏ وصولا الى البلدة التالية».‏

وصل المرسلان الى بورغارنس بعد ان قادا دراجتيهما طوال اربعة ايام في البرَد والمطر والرياح التي وصلت سرعتها الى ١١٠ كيلومترات في الساعة.‏ ولكنهما نسيا رداءة الطقس لأن المزارعين على طول الطريق كانوا يستقبلونهما بحفاوة ويدعونهما الى تناول القهوة والطعام.‏ يتذكر الاخ ينسن انهما كانا يتناولان بين ثماني وعشر وجبات يوميا!‏ ويقول:‏ «كنت اشعر ان الناس سيتضايقون اذا لم نقبل دعواتهم اللطيفة.‏ وقد اتاح لنا ذلك الفرصة ان نشهد لهم كاملا عن ملكوت يهوه».‏

خلال السنوات الثلاث الاولى من النشاط الارسالي في ايسلندا،‏ وزّع الاخوة اكثر من ٠٠٠‏,١٦ مطبوعة.‏ غير ان الزيارات المكررة والدروس لم تزدد كثيرا.‏ فالناس كانوا يقبلون المطبوعات بسرور ولكن دون ان يتجاوبوا مع الرسالة.‏ مثلا،‏ ذهب الاخ لارسن وزوجته ميسّي —‏ التي اتت من الدانمارك سنة ١٩٥٠ لكي تتزوجه —‏ الى الشاطئ الشرقي حيث خدما في بلدات اسكفجوردور،‏ سيديسفجوردور،‏ نسكايوبستادور،‏ وهوفن.‏ وخلال هذه الرحلة المجهِدة،‏ وزّعا ٣٠٠ كتاب ونحو ٣٠٠ كراس ايضا.‏ وقد وضعا في كل الكتب علامات لتحديد الصفحة طُبع على كلٍّ منها عبارة من الكتاب المقدس وعنوان المرسلين في ريكياڤيك.‏ ودُعي جميع الذين اخذوا المطبوعات ان يكتبوا الى هذا العنوان للحصول على المزيد من المعلومات عن الحق.‏ لكنَّ احدا لم يكتب اية رسالة!‏

رأى الاخوة سنة ١٩٥٢ ان المقاطعة الواقعة على الساحل الشمالي تستأهل المزيد من الاهتمام.‏ لذلك في حزيران (‏يونيو)‏ من تلك السنة،‏ عُيِّن أوليڤر ماكدونالد وزوجته سالي،‏ التي كانت قد اتت من انكلترا سنة ١٩٤٩ لكي تتزوجه،‏ كفاتحَين خصوصيَّين في مدينة اكوريري.‏ وقد واجها هناك مقاومة شرسة سبَّبتها احدى الفئات البروتستانتية بقيادة القنصل البريطاني في المنطقة.‏ وكان لهذا القنصل أتباع كُثُر،‏ وأصغى العديد من الناس الى محاضراته وقرأوا مقالاته التي هاجمت الشهود.‏ ومع ان الزوجين الفاتحين لم يكونا معتادَين على هذا النوع من المقاومة في ريكياڤيك،‏ فقد واجهاها ببسالة اذ تابعا عملهما كالمعتاد وانتهزا كل فرصة مناسبة للرد على الاتهامات الكاذبة.‏ وقد نشرت بعض الصحف ردودهما هذه.‏

بالاضافة الى العمل في البلدة،‏ ذهب هذان الزوجان الفاتحان في رحلات تبشيرية الى المناطق النائية.‏ ومع انهما وزّعا المطبوعات واستُقبلا بحفاوة،‏ لم يجدا اهتماما اصيلا برسالة الملكوت.‏ وفي تموز (‏يوليو)‏ ١٩٥٣،‏ غادر الاخ والاخت ماكدونالد مدينة اكوريري وعادا الى ريكياڤيك،‏ بعد ان غرسا بذور الحق التي كانت ستنمو لاحقا.‏

وضع الاساس

اخيرا،‏ بعد ٢٧ سنة من الغرس والسقي،‏ بدأ الاخوة في ايسلندا يحصدون ثمار جهودهم.‏ ففي اوائل سنة ١٩٥٦،‏ اتّخذ سبعة اشخاص جدد موقفهم الى جانب الحق ونذروا حياتهم ليهوه.‏ وحتى ذلك الوقت،‏ لم يكن معظم الذين اظهروا اهتماما بالحق قد ثبتوا على موقفهم،‏ باستثناء الاخت آيرس أوبرڠ الانكليزية الاصل التي غادرت البلاد في وقت لاحق.‏ أما في تلك السنة فقد وُضع اساس روحي متين بمعمودية هؤلاء الاشخاص السبعة.‏ ولكن في سنة ١٩٥٧،‏ كان المرسلون والفاتحون الذين عملوا بدأب لكي يروا الحق يترسخ في ايسلندا قد اضطروا الى مغادرتها،‏ وفي الغالب لأسباب صحية.‏

فلم يبقَ آنذاك مع الاخوة السبعة في الجماعة الصغيرة سوى فاتحة خصوصية واحدة:‏ الاخت إديد ماركس التي وصلت في السنة السابقة من الدانمارك.‏ لذلك نشأت الحاجة الى حصّادين يدعمون اعضاء هذا الفريق الذين حُرموا فجأة من الفاتحين الذين ساعدوا الجدد ان يتعلّموا المبادئ المسيحية ويتقوّوا في الحق.‏ ولكن بعد فترة وجيزة،‏ وصل فاتحون خصوصيون من الدانمارك والسويد وألمانيا.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ انتقل كثيرون من الناشرين والفاتحين الى ايسلندا لكي يشتركوا في نشر بشارة الملكوت.‏ ومذّاك بدأ عدد الشهود في الجزيرة يزداد ببطء انما بشكل متواصل.‏

ادّى نموّ عمل الملكوت الى تطورات رائعة شملت زيارات منتظمة لنظار الدوائر ومحافل كورية سنوية.‏ ونشأت الحاجة الى المزيد من المطبوعات باللغة الايسلندية.‏ وكان اول عدد من برج المراقبة صدر بالايسلندية هو عدد ١ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٦٠.‏ وحين أُعلن في محفل دائري عُقد في ريكياڤيك ان برج المراقبة ستصدر بالايسلندية،‏ عُرضت وراء الخطيب صورة مكبَّرة للمجلة.‏ وكم ابتهج الاخوة بهذه الهدية الجديدة التي قدَّمها لهم يهوه!‏ وقد اعطى ذلك زخما كبيرا للعمل.‏ ويا للفرح الذي شعر به الاخوة لأنه صار بإمكانهم تقديم هذه المطبوعة الى الايسلنديين بلغتهم الأم!‏ وكم تقوّى ايمانهم بعد ان صاروا يستفيدون شهريا من الطعام المغذّي روحيا!‏

حين وصل الاخ پيثرسن الى ايسلندا في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٥٩،‏ كانت كراسة ‏«بشارة الملكوت هذه»‏ المطبوعة الايسلندية الوحيدة التي يوزِّعها الناشرون في الحقل،‏ وكثيرون من اصحاب البيوت امتلكوا نسخة منها.‏ اما برج المراقبة و استيقظ!‏ فكانوا يقدِّمونهما باللغة الالمانية،‏ الانكليزية،‏ الدانماركية،‏ او السويدية للأشخاص الذين يستطيعون قراءة احدى هذه اللغات.‏ ومع ان كثيرين كانوا يفهمون احداها،‏ فقد مسّت قلوبهم قراءة برج المراقبة بلغتهم الأم.‏ فهذه المطبوعة باللغة الايسلندية كان لها تأثير كبير في عمل الكرازة.‏ فقد حصل الناشرون والفاتحون البالغ عددهم ٤١ شخصا على ٨٠٩ اشتراكات ووزّعوا ٤٧٩‏,٢٦ مجلة خلال سنة الخدمة تلك.‏ كما شهد الاخوة زيادة في عدد دروس الكتاب المقدس.‏

شهدت ايسلندا نقطة تحول ثانية عندما تأسس مكتب الفرع في ١ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٦٢.‏ ففي السابق،‏ كانت ايسلندا تحت اشراف فرع الولايات المتحدة وقبله فرع الدانمارك.‏ وفي سنة ١٩٦٩،‏ حصل شهود يهوه على الاعتراف الشرعي وتسجَّلوا في وزارة العدل والشؤون الكنسية.‏ والآن يتمتع الشهود في ايسلندا بالحقوق نفسها التي تحظى بها كل الفئات الدينية الاخرى.‏ كما سُمح لهم بإجراء عقود الزواج وتأدية مراسم الدفن.‏

رجال الدين يقاومون العمل

في الشهر نفسه الذي شهد تأسيس مكتب الفرع،‏ عانى الاخوة المقاومة الشديدة على يد رجال الدين.‏ فذات صباح،‏ اوردت العناوين الرئيسية في احدى الصحف الكبرى ان اسقف الكنيسة الرسمية في البلد اصدر كتيِّبا بعنوان:‏ تحذير من شهود يهوه.‏ وذلك ليحذِّر الناس من الشهود وينصحهم بعدم الاصغاء اليهم.‏ وقد تابعت بعض الصحف الموضوع.‏ مثلا،‏ نشرت الصحيفة المسائية الرائدة ڤيزير مقابلة مع اخ يخدم في مكتب الفرع،‏ وقد اوضح من خلالها وجهات نظرنا.‏ وسرعان ما حذت حذوها صحف اخرى اذ نشرت مقالات عن الشهود.‏ وهكذا قُدِّمت شهادة شاملة واطَّلع كثيرون على طبيعة عملنا.‏ كما ارسل بعض القراء رسائل يؤيِّدون فيها الشهود.‏ وقد نُشرت هذه الرسائل على صفحات الجرائد.‏ نتيجة لذلك،‏ شنّ الاسقف هجوما مضادّا بنشر «ردّ» على الشهود في احدى الصحف.‏ لكنَّ الاخوة اوضحوا بالتفصيل ماهية عملهم ومعتقداتهم من خلال مقالة على صفحة كاملة في جريدة مورغنبلاديد،‏ ابرز صحيفة في ايسلندا.‏

وُزِّع الكتيِّب الذي يحذِّر الناس من شهود يهوه في كل انحاء البلاد،‏ فشكَّل ذلك دعاية واسعة لنا.‏ وبقي الاخوة يلمسون طوال سنوات اثر هذه الدعاية على عملنا في المقاطعة.‏ وبسبب ذلك،‏ ذكرت احدى الصحف:‏ «اصبح الاسقف مدير الاعلانات لدى شهود يهوه».‏ وغدا شهود يهوه معروفين جيدا في المناطق النائية التي لم تكن البشارة قد وصلت اليها.‏ وفي حين اصغى البعض الى نصيحة الاسقف،‏ فقد أُثير فضول الاكثرية.‏ ولكن في مدينة اكوريري الشمالية،‏ اتخذ كثيرون موقفا عدائيا من الاخوة.‏ وفي بعض الاحيان،‏ كان الشبان يرمون الحجارة على هاينريخ وكاتارين كارخ اللذين خدما هناك كفاتحَين.‏ وبعد سنوات،‏ أذِن الاسقف لبعض المقاومين الدينيين في اكوريري ان يطبعوا محليا الكتيِّب الذي الّفه لكي يوزعوه على الناس.‏ ثم حذا الخمسينيون حذوهم في ريكياڤيك،‏ ظنًّا منهم انهم سيتمكنون من ايقاف كرازتنا او عرقلة عملنا.‏

تحدّي تنظيم المحافل

لطالما كانت المحافل مناسبات مفرحة لشعب اللّٰه في ايسلندا.‏ لذلك حتى عندما كان الناشرون قلائل،‏ لم يتردد الاخوة في تنظيمها.‏ وقد عُقد اول محفل في تموز (‏يوليو)‏ ١٩٥١،‏ حين زار ايسلندا الاخ پيرسي تشاپمن من كندا والاخ كلاوس جنسن من بروكلين قبل ان يذهبا الى اوروبا لعقد سلسلة من المحافل في ذلك الصيف.‏ ومع ان الناشرين في ايسلندا كانوا آنذاك مجرد مجموعة صغيرة،‏ فقد بلغت ذروة حضور المحفل ٥٥ شخصا.‏ وبعد سبع سنوات في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٥٨،‏ عُقد المحفل التالي خلال زيارة ناظر الاقليم،‏ الاخ فيليپ هوفمان.‏ وقد اصغى الى الخطاب العام ٣٨ شخصا.‏ ومنذ ذلك الحين،‏ بدأت المحافل تُعقَد سنويا.‏

كان فريذرك ڠيِيسلاسون احد الاخوة القلائل الذين ألقوا خطابات في المحافل خلال الخمسينات.‏ يخبر:‏ «اتذكر اني كنت مسؤولا عن قسم الطعام في المحافل الاولى.‏ ومع انني قمت بمعظم العمل انا بنفسي،‏ كانت تُعيَّن لي ثلاثة او اربعة خطابات في البرنامج كل يوم.‏ فكنت اعمل في المطبخ مرتديا المئزر،‏ ثم عندما يحين وقت القاء الخطاب،‏ كنت ارتدي سترتي فيما أُسرع الى القاعة.‏ ولكن كان على الاخوة ان يذكِّروني احيانا بنزع المئزر.‏ أما الآن فيتراوح عدد الحضور في المحافل بين ٤٠٠ و ٥٠٠ شخص.‏ وهنالك عدد كبير من الشيوخ الاكفاء المؤهلين لإلقاء الخطابات».‏

ان مسرحيات الكتاب المقدس هي وجه بارز وتعليمي في المحافل الكورية.‏ ولكن بسبب عدد الناشرين الصغير في ايسلندا،‏ كانت المسرحيات تُقدَّم بالصوت فقط.‏ وكان فرع الدانمارك يساعد على جعل المسرحيات اكثر فعّالية بتزويد صور منزلقة بالالوان يمكن عرضها بالتزامن مع التسجيلات الصوتية.‏ ومع ذلك،‏ فقد تطلبت المسرحيات الكثير من الاستعداد.‏ ففي البداية،‏ وجب ترجمتها الى الايسلندية ثم تسجليها بأصوات الاخوة المحليين.‏ علاوة على ذلك،‏ كانت الموسيقى والمؤثرات الصوتية تُضاف اليها من خلال نقلها عن الكاسيتات الانكليزية.‏ وكان على البعض ان يلعبوا عدة ادوار بتغيير اصواتهم وفق الشخصية المطلوبة.‏ ولكن مع الوقت،‏ صارت بعض المسرحيات تُمثَّل باللباس القديم.‏

وكانت أُولاها مسرحية عن الملكة استير عُرضت في المحفل الكوري سنة ١٩٧٠.‏ فقد انكبّ الاخوة على إتمام هذا المشروع وتدرَّبوا عليه بحماس شديد.‏ وكان اختبارا جديدا بالنسبة اليهم ان يلبسوا ثيابا كالتي لبسها الناس في ازمنة الكتاب المقدس وأن يلصقوا لحًى على وجوههم.‏ لم يعلم الاخوة آنذاك ان المحفل سيتضمن مسرحية حيّة.‏ فكان ذلك مفاجأة سارّة لهم.‏ في المحافل الصغيرة،‏ يعرف الجميع تقريبا واحدهم الآخر ويكون الكل جالسين بالقرب من المسرح.‏ لذلك يحاول البعض ان يحزروا مَن هم الاخوة الذين يلعبون الادوار.‏ قالت اخت بعد مشاهدة احدى المسرحيات:‏ «تخيَّلوا انني لم اعرف سوى اخ واحد من الممثلين،‏ وكان يلعب دور نبوخذنصر!‏».‏ وكم تفاجأت عندما ذكرت اسم الاخ وعلمَت انها مخطئة!‏ حقا،‏ يقدِّر الاخوة كثيرا الجهد الدؤوب الذي يبذله عدد كبير من الاخوة لكي يقدِّموا المسرحيات في المحافل الصغيرة.‏ ولا شك ان الجميع يستفيدون من الدروس القيّمة التي تتضمنها المسرحيات المعروضة بلغتهم الأم.‏

المحافل الاممية تبهج القلب

على مرّ السنوات،‏ تمتّع الاخوة في ايسلندا بحضور المحافل في بلدان اخرى.‏ فقد حظي خمسة مندوبين بامتياز حضور محفل «المشيئة الالهية» الاممي الذي عُقد في نيويورك سنة ١٩٥٨.‏ وحضر كثيرون محافل «العبّاد المتحدون» في اوروبا سنة ١٩٦١ ومحافل «البشارة الابدية» سنة ١٩٦٣.‏ كما تمتع آخرون برفقة الاخوة من عدة بلدان في محافل «الانتصار الالهي» الاممية سنة ١٩٧٣.‏ وحضر اكثر من مئة ناشر من ايسلندا محفل «السلام على الارض» الاممي الذي عُقد في كوبنهاغن بالدانمارك من ٥ الى ١٠ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٦٩.‏ وكان هذا الفريق اكبر مجموعة ايسلنديين تحضر محفلا امميا في بلد اجنبي.‏ ففي ذلك الصيف،‏ حضر ٨٠ في المئة من الناشرين الايسلنديين هذا المحفل خارج بلدهم.‏

بما ان عددا كبيرا من الاخوة في ايسلندا خططوا لحضور هذا المحفل سنة ١٩٦٩،‏ فقد رتّب فرع الدانمارك ان يجلسوا كلهم في قسم واحد في المحفل.‏ وفي صباح كل يوم من ايام المحفل،‏ كان هؤلاء الاخوة يجتمعون قبل ان تبدأ الفترات في القسم المخصَّص لهم ليتمتعوا بسماع خلاصة عن البرنامج بلغتهم الأم.‏

كان احد الذين حضروا هذا المحفل شاب يُدعى بيادني يونسون،‏ وهو ابن المحامي الذي يملك المبنى الذي استأجره الاخوة في ريكياڤيك ليستعملوه كبيت للمرسلين ومكتب للفرع.‏ كان بيادني لا يعرف سوى القليل عن الحق،‏ ولم يكن هدفه من هذه الرحلة الى كوبنهاغن ان يحضر المحفل هناك.‏ فكيف حدث ذلك؟‏

كان تشيل ڠيلنارد،‏ خادم الفرع آنذاك،‏ يريد ان يناقش بعض الامور مع والد بيادني.‏ فأخبره عن المحفل الاممي في كوبنهاغن وعن الاخوة الذين يخططون لحضوره.‏ وعندما سمع المحامي بالامر،‏ طلب ان يرافقهم ابنه البكر.‏ وأخبر الاخَ ان ابنه انهى لتوّه تعليمه الثانوي،‏ وهو يريد ان يرسله في رحلة،‏ وقد تكون كوبنهاغن مكانا مناسبا.‏ فراقت للاخ تشيل هذه الفكرة،‏ وقال للمحامي ان بإمكان الاخوة في كوبنهاغن ان يؤمِّنوا لابنه المنامة في حال اراد ان يحضر المحفل ليرى ما يحدث في اجتماع كهذا.‏ فسُرّ المحامي باقتراح الاخ وسأل ابنه إنْ كان يريد ان يرافق فريق الشهود ويحضر المحفل،‏ فرحَّب الشاب بالفكرة.‏

اتّصل الاخوة بقسم المنامة في كوبنهاغن ليؤمّنوا مكانا يقيم فيه بيادني.‏ فوجدوا له غرفة في بيت عائلة من الشهود كان من المفترَض ان ينزل فيها مندوب اميركي وأخ ايسلندي يُدعى ياكوب.‏ لكنَّ الاخ الاميركي ألغى حجزه،‏ فحلّ بيادني محلّه.‏ غير ان ياكوب ايضا لم يأتِ الى المحفل.‏ فكان بيادني الشخص الوحيد الذي قصد بيت الاخوة.‏ وبما ان قسم المنامة لم يخبر العائلة المضيفة ان بيادني اتى بدلا من الاخ الاميركي،‏ فقد افترضوا ان ضيفهم هو ياكوب.‏

عادة،‏ يتبادل الاخوة الاختبارات حين يلتقون برفقائهم المؤمنين الذين اتوا من بلدان اخرى.‏ لكنَّ الاخوة الدانماركيين تفاجأوا لأن «ياكوب» لم يروِ لهم اية اختبارات.‏ وبالمقابل،‏ استغرب بيادني ان الاخ والاخت المضيفَين كانا يدعوانه ياكوب.‏ وبما ان ياكوب (‏اي يعقوب)‏ هو اسم من الكتاب المقدس،‏ فقد ظن بيادني ان شهود يهوه اعتادوا ان يلقِّبوا واحدهم الآخر بأسماء من الكتاب المقدس.‏ لكنَّ سوء الفهم هذا زال حين التقى احد افراد العائلة التي تستضيف بيادني بأخ دانماركي يخدم كفاتح في ايسلندا.‏ فسأله إنْ كان «ياكوب» جديدا في الحق لأنه لم يخبرهم شيئا عن العمل في ايسلندا.‏ فأوضح الاخ الدانماركي ان «ياكوب» هو في الحقيقة بيادني،‏ طالب من ايسلندا سافر مع الاخوة الى كوبنهاغن.‏ ومع ان مضيفي بيادني عرفوا انه ليس اخا،‏ فقد عاملوه بمودة ودعوه الى البقاء في ضيافتهم اسبوعا اضافيا ليزور بعض المواقع في كوبنهاغن.‏ فمسّ هذا اللطف قلب بيادني.‏

حضر بيادني برنامج المحفل الاممي.‏ ومع انه لم يملك ادنى فكرة عن الحق تمكِّنه من التمتع كاملا بالبرنامج،‏ فقد تأثر كثيرا بما رأه وسمعه.‏ وما ان عاد الى ايسلندا حتى بدأ هو وعائلته يدرسون الكتاب المقدس.‏ فأحرز تقدما ملحوظا واعتمد سنة ١٩٧١.‏ وهو يخدم منذ سنة ١٩٧٩ كعضو في لجنة الفرع في ايسلندا.‏

يخدم سڤانبرڠ ياكوبسون كمترجم في فرع ايسلندا منذ سنوات عديدة،‏ وهو اليوم المسؤول عن قسم الترجمة.‏ عندما كان سڤانبرڠ ناشرا شابا،‏ حضر محفل «الانتصار الالهي» الاممي في لندن بإنكلترا سنة ١٩٧٣.‏ يروي:‏ «لا ازال اذكر كم شعرت بالفرح حين رأيت الآلاف يتقاطرون الى المدرَّج حيث عُقد المحفل.‏ وقد سررت برؤية العديد من الاخوة والاخوات الذين اتوا من افريقيا وهم يرتدون ازياء بلدهم الغنية بالالوان.‏ لن انسى البتة هذا المحفل الذي حضرته مع عشرات الآلاف من الاخوة.‏ فقد استمعنا الى البرنامج معا،‏ رنّمنا وصلّينا معا،‏ اكلنا سويًّا،‏ وتمتعنا بمعاشرة واحدنا الآخر».‏

قامت سولبورڠ سڤاينسدوتير،‏ اخت اعتمدت سنة ١٩٥٨،‏ برحلة بحرية دامت ستة ايام لتحضر مع اولادها الاربعة المحفل في كوبنهاغن بالدانمارك سنة ١٩٦١.‏ عادة،‏ كانت سولبورڠ تحضر الاجتماعات مع فريق صغير منعزل في كيفلاڤيك.‏ فأي أثر تركه فيها هذا المحفل الاممي الضخم؟‏ تقول:‏ «اذهلني سماع اكثر من ٠٠٠‏,٣٠ اخ ينشدون معا ترانيم الملكوت بخمس لغات،‏ وهذا ما حرَّك مشاعري.‏ فالمحفل بكامله كان منظَّما ادقّ تنظيم».‏

مع ان الرحلات الى المحافل الاممية كانت مكلفة للغاية،‏ شعر الاخوة ان الامر يستحق العناء.‏ فحضور هذه المأدبة السخية التي اعدَّها يهوه ومعاشرة الآلاف ممن يشاطرونهم ايمانهم هما بركة حقيقية للحاضرين.‏

زيارة من «نادل» يقدِّم الطعام الروحي

انتقل كثيرون الى ايسلندا ليخدموا حيث الحاجة اعظم.‏ وقد عنى ذلك صراعا طويلا في سبيل تعلّم اللغة الايسلندية المعقَّدة.‏ ولكن في بعض الاحيان،‏ كان لسوء التفاهم اللغوي وجه ايجابي.‏ لنأخذ على سبيل المثال ما حدث مع هاينريخ كارخ حين كان يخدم من بيت الى بيت ويعرِّف بنفسه انه خادم ديني.‏ فعند احد الابواب،‏ ما ان سمعته السيدة الشابة يعرِّف بنفسه حتى دعته الى الداخل.‏ فلأن كلمة خادم بالايسلندية تعني ايضا نادلا،‏ فقد ظنّت انه احد زملاء زوجها الذي يعمل كنادل في الفندق المحلي.‏ وبما ان زوجها كان على وشك الوصول الى البيت،‏ فقد طلبت من الاخ ان يدخل وينتظر مجيء زوجها.‏ وكم ضحِكا عندما زال سوء التفاهم هذا!‏

وبعد ان وصل الزوج،‏ قدَّم هذا «النادل» الروحي للزوجين الشابين وجبة روحية لذيذة.‏ فأعجبتهما كثيرا،‏ حتى انهما طلبا من هاينريخ ان يعود ثانية برفقة زوجته.‏ وسرعان ما بدآ يدرسان بانتظام الكتاب المقدس ويشهدان للآخرين.‏ وكان الزوج يغتنم الفرصة في عمله للتحدث عن الحق مع كل الذين يصغون اليه.‏ بعد فترة،‏ اتّخذ الزوجان خطوة المعمودية.‏ وهما سعيدان لأن هذا «النادل» الروحي قرع بابهما ولم يتردد في تقديم الشهادة بلغة غير لغته الأم.‏

على مرّ السنين،‏ حصل العديد من الحوادث المضحكة فيما كان الاخوة الاجانب يتعلمون اللغة المحلية.‏ مثلا،‏ بعيد وصول سالي ماكدونالد الى ايسلندا،‏ تدرَّبت على هذه المقدمة:‏ «انا أزور الناس في الجوار لأخبرهم بعض الامور المشوِّقة من الكتاب المقدس».‏ لكنها في احدى المرات،‏ خلطت بين كلمة أزور (‏هايمْسكيا‏)‏ وكلمة أضطهد (‏أُوفْسكيا‏)‏،‏ حين قالت باسمة:‏ «انا اضطهد الناس في الجوار».‏

من بيت الى بيت برفقة قسّ لوثري

خدم الزوجان هولڠور وتوڤه فريذركسن من الدانمارك بأمانة سنوات عديدة كفاتحَين خصوصيَّين في ايسلندا.‏ كما خدما فترة من الوقت في العمل الجائل.‏ ومع ان إتقان اللغة الايسلندية لم يكن سهلا على توڤه،‏ فقد ساعدت كثيرين على اعتناق الحق بسبب غيرتها وحماسها.‏

ذات مرة حين كان هولڠور يقوم بالعمل الجائل،‏ اشترك مع ناشر شاب في الخدمة من بيت الى بيت في احدى القرى الصغيرة.‏ وكم تفاجآ حين انضمّ اليهما القسّ اللوثري المحلي!‏ فكيف حدث هذا الامر؟‏

قبيل ذلك،‏ كان الأخوان قد زارا القسّ في بيته.‏ فتظاهر باللطف ودعاهما الى مكتبه.‏ وبعد ان ألقى نظرة على الكتب التي يعرضانها،‏ قال لهما:‏ «هذه الكتب تحتوي على تعاليم باطلة!‏».‏ ثم وقف فجأة ورفع يديه الاثنتين وبدأ يلعنهما.‏ ثم صرخ:‏ «امنعكما من الكرازة ضمن ابرشيتي!‏».‏ فقال هولڠور للقسّ انه لا يحقّ له ان يمنعهما من الكرازة وأنهما سيواصلان عملهما التبشيري.‏ عندئذ اجاب القسّ:‏ «حسنا،‏ اذا اردتما ان تواصلا الكرازة ضمن ابرشيتي فسأرافقكما».‏ فقال له هولڠور مندهشا انهما لا يمانعان.‏

وبعد ان تبعهما الى البيتين الاقرب الى بيته،‏ التقوا بتوڤه ومعها اخت اخرى.‏ ففوجئت الاختان حين رأتا مَن يقوم بالعمل من بيت الى بيت.‏ عندئذ دعاهم القسّ جميعا الى بيته لاحتساء القهوة،‏ ودارت بينهم محادثة ودية.‏ وقد شعر هولڠور ان الهدف من ضيافة القسّ غير المتوقَّعة هو اعاقتهم عن الكرازة للجميع في المقاطعة.‏ لذلك عادوا في اليوم التالي وكرزوا في كل انحاء القرية.‏ كما وزّعوا الكثير من المطبوعات والتقوا عددا كبيرا من الناس الذين اعاروهم اذنا صاغية.‏

انهيار ثلجي يقطع الطريق

غالبا ما تستلزم الكرازة للعائشين في الارياف عبور ممرات جبلية يكسوها الجليد وتتجمع فيها اكوام الثلج خلال اشهر الشتاء المظلمة.‏ في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٧٤،‏ زار تشيل وإيرِس ڠيلنارد اثناء العمل الجائل مدينة اكوريري الواقعة على الساحل الشمالي.‏ وخلال الاسبوع الذي قضياه مع الجماعة هناك،‏ قطعا مسافة تزيد على ٨٠ كيلومترا ليصلا الى مدينة هوساڤيك،‏ آخذَين معهما هولڠور وتوڤه فريذركسن.‏ وقد خدم الاربعة خلال بضعة ايام المقاطعة في هوساڤيك ومحيطها،‏ وخُتمت الزيارة بخطاب عام مع عرض للصور المنزلقة في احدى المدارس.‏ عندما بدأ الاجتماع،‏ هبَّت على المنطقة عاصفة حملت معها الرياح القارسة والمطر المحمَّل بالثلج.‏ وبعد الاجتماع،‏ حين اخذ الحاضرون يستعدون للعودة الى بيوتهم،‏ انقطعت الكهرباء في كل المدينة بسبب العاصفة الثلجية.‏ فغادر الاخوة المدرسة في الظلام،‏ لكنهم كانوا جميعا سعداء لأنهم تمكنوا من مشاهدة عرض الصور المنزلقة قبل انقطاع الكهرباء.‏

كان لا بد للاخوة ڠيلنارد وفريذركسن ان يعودوا الى اكوريري.‏ فسألوا الشرطة المحلية وبعض سائقي الباصات والشاحنات عن حال الطرق،‏ فقيل لهم انه لا مشاكل تُذكر في الطريق.‏ فقرروا ان يغادروا بأسرع ما يمكن،‏ لكنَّ حزم الامتعة على ضوء الشموع استغرق بعض الوقت.‏ وعندما ذهبوا لشراء الوقود للسيارة،‏ كان على العامل في المحطة ان يضخ لهم الوقود يدويا.‏ وأخيرا انطلقوا في رحلة العودة نحو الساعة التاسعة مساء.‏

قال تشيل واصفا الرحلة:‏ «في البداية جرى كل شيء على ما يرام،‏ ثم بدأ الثلج يتساقط بأكثر غزارة.‏ وفي بعض الاحيان كان من المستحيل ان نرى الطريق،‏ لذا اضطر هولڠور الى الترجل من السيارة ليوجّه سيرنا بواسطة مشعل كهربائي.‏ بعد ذلك علقنا في اكوام الثلج،‏ وإنما تمكنّا من عبورها بالدفع والجرف.‏ لكنَّ جدارا ضخما من الثلج اجبرَنا على التوقف في ما بعد.‏ وعلِمنا لاحقا ان هذا الجدار الثلجي انهار من الجبل فوقنا.‏ في الظروف العادية،‏ تستغرق الرحلة من هوساڤيك الى اكوريري ساعتَين،‏ ولكن كان قد مضى على انطلاقنا ست ساعات ولم نقطع سوى نصف المسافة.‏

‏«كانت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ونحن مبلَّلون ومتعَبون ونرتجف بردًا.‏ لكن تخيَّل فرحتنا عندما رأينا الانوار مضاءة في مزرعة قريبة.‏ فأعطانا ذلك الشجاعة لنذهب الى هناك وندقّ الباب.‏ كان هولڠور،‏ المعروف بكياسته ومراعاته للمشاعر،‏ هو من طرق الباب الامامي.‏ وعندما لم يُجِب احد،‏ فتحه وصعد الى الطابق العلوي وطرق باب غرفة النوم بهدوء.‏ فوجئ المزارع وزوجته بدخولنا بيتهما دون استئذان،‏ لكنهما تقبَّلا الامر برحابة صدر.‏ وقالا لنا انهما ذهبا للنوم عندما انقطعت الكهرباء ونسيا إطفاء الانوار!‏

‏«ذقنا في هذا البيت طعم الضيافة الايسلندية.‏ فقد نقل المزارع وزوجته اولادهما النائمين الى غرفة اخرى لكي نتمكن نحن الاربعة من النوم في غرفتين،‏ وبعد وقت قصير قدَّما لنا القهوة الساخنة والخبز الشهي على مائدة المطبخ.‏ وفي الصباح التالي،‏ بعد الفطور،‏ اصرّ المزارع ان نبقى للغداء.‏ وبعد تناول الغداء مع العائلة،‏ استأنفْنا رحلتنا الى اكوريري بعدما فتحت جرَّافتا ثلج الطريق.‏ وقد اتاحت لنا ضيافة المزارع وزوجته ان نكلّمهما عن حق الكتاب المقدس».‏

الكرازة على متن سفينة لصيد السمك

قبل بضع سنوات،‏ وفيما كان تشيل ڠيلنارد يخدم في الحقل،‏ التقى بفريذرك،‏ شاب هو البكر في عائلته.‏ وبما انه مهتم بالامور الروحية،‏ فقد أحبّ ان يجري مناقشات حول الكتاب المقدس.‏ وكانت لديه اسئلة كثيرة ورغبة شديدة في نيل معرفة الكتاب المقدس.‏ ولكن لم يكن من السهل معاودة زيارته،‏ لأنه يعمل مهندسا على متن سفينة لصيد السمك.‏ فقد كان يقضي معظم ايامه في عرض البحر،‏ ولا يعود الى البيت الا لأيام معدودة بين الرحلة والرحلة.‏ ومع ذلك،‏ استمر تشيل يتحقق من جدول رحلات السفينة ويسأل والدة فريذرك عن وقت رجوعه المتوقع الى البيت.‏ وهكذا تمكّن من الالتقاء به،‏ احيانا في الميناء وأحيانا اخرى في البيت.‏ وبهذه الطريقة ساعده الاخوة على التقدم روحيا.‏

نحو اواخر سنة ١٩٨٢،‏ دُعي فريذرك لحضور محفل في ريكياڤيك.‏ وفي ذلك الوقت كان ايمانه قد بدأ يقوى،‏ فصلى الى يهوه لكي تُتاح له فرصة حضور المحفل.‏ وكان قد سُمح لأحد افراد الطاقم بأخذ عطلة من العمل خلال احدى رحلات السفينة،‏ لكنه قرر فجأة ألا يأخذ هذه العطلة.‏ فأتاح ذلك الفرصة لفريذرك ان يطلب إذنا بالتغيب عن العمل،‏ وهكذا تمكّن من حضور المحفل.‏ وقد اثَّر البرنامج كثيرا في فريذرك،‏ وصار مقتنعا بأنه يريد ان يخدم يهوه.‏

عندما عاد فريذرك الى مسقط رأسه،‏ اخبر خطيبته بقراره وبتأثير هذا القرار في حياته.‏ وقال لها انه يريد ان يتزوجها،‏ ولكن اذا كانت لا تريد ان تتزوج شخصا من شهود يهوه،‏ فعليها ان تلغي خطوبتهما.‏ وفي الصباح التالي طُرِق باب بيت المرسَلين،‏ وإذا بفريذرك وخطيبته واقفان عند الباب.‏ وبجملة قصيرة وأسلوب حازم،‏ قال فريذرك:‏ «هلڠا تريد ان تدرس الكتاب المقدس».‏ وهكذا صنع المرسَلون الترتيبات ليدرسوا مع هلڠا.‏ وفي وقت لاحق من ذلك اليوم،‏ طلب احد اخوة فريذرك الاصغر سنا درسا في الكتاب المقدس.‏ وفي نفس الاسبوع،‏ جلب فريذرك اخته الصغرى الى الاجتماع وقال:‏ «أنُّور تريد ان تدرس الكتاب المقدس».‏

اراد فريذرك ان يرمز الى انتذاره ليهوه بمعمودية الماء.‏ ولكن كان عليه اولا ان يزيد معرفته ثم ان يدرس اسئلة المعمودية.‏ والمشكلة هو انه كان يقضي معظم وقته في البحر.‏ وبما انه لا مجال ان يجد تشيل فريذرك في بيته،‏ فالحل الوحيد هو الذهاب الى مكان عمله.‏ ولكن كيف؟‏ جعل فريذرك تشيل يعمل لديه في غرفة المحركات على متن سفينة صيد السمك.‏ وهكذا ركب تشيل،‏ في اوائل سنة ١٩٨٣،‏ سفينة سْڤالباكور،‏ حاملا معه الكتاب المقدس والمطبوعات اللازمة للدرس.‏

يتذكر تشيل:‏ «كان العمل والخدمة على متن سْڤالباكور تجربة لا تُنسى.‏ فيوم العمل يبدأ الساعة ٣٠:‏٦ صباحا وينتهي الساعة ٣٠:‏٦ مساء.‏ وعند الظهر نتناول الغداء،‏ وقبل الظهر وبعده نأخذ استراحة لتناول القهوة.‏ أما الوقت خارج ساعات العمل فكان يُخصَّص للدرس مع فريذرك،‏ وقد سنحت لي فرص عديدة لأشهد لأفراد الطاقم الآخرين.‏ كنا في الامسيات ندرس ونناقش مواضيع روحية.‏ وأحيانا كنا نسهر الى ما بعد منتصف الليل.‏ وخلال فترة الغداء،‏ كنا نحاول البقاء فترة قصيرة في غرفة الطعام لكي نتمكن من مناقشة الآية اليومية في حجرة فريذرك».‏

طبعا،‏ استغرب الرجال على متن السفينة وجود مرسَل بين افراد الطاقم.‏ وفي الايام القليلة الاولى،‏ كان الرجال يأخذون حذرهم منه لأنهم لم يعرفوا ماذا يريد.‏ لكنَّ بعض افراد الطاقم اخذوا يستمعون اليه بحماسة.‏ وأظهر احدهم اهتماما كبيرا،‏ وعندما علِم اننا نناقش الآية اليومية في ساعة الغداء،‏ اراد ان ينضم الينا.‏ وفي احد الايام،‏ عندما طالت المحادثة في غرفة الطعام،‏ نفد صبره وقال لتشيل وفريذرك امام الجميع:‏ «ألا يجب ان نصعد الآن ونقرأ الآية اليومية؟‏».‏

في احدى الامسيات،‏ دعا تشيل وفريذرك افراد الطاقم لمناقشة موضوع الكحولية الصادر في احد اعداد مجلة استيقظ!‏.‏ فأتى الى حجرة فريذرك سبعة من افراد الطاقم،‏ وعقدنا هناك اجتماعا لا يُنسى.‏ وقد بلغت اخبار هذا الاجتماع مسامع طواقم سفن صيد السمك الاخرى ايضا.‏

يقول تشيل:‏ «عدنا الى الميناء بعد اسبوعين تقريبا من الخدمة والعمل على متن سْڤالباكور.‏ وخلال هذه الفترة راجعتُ مع فريذرك اسئلة المعمودية بالاضافة الى درس مواضيع كثيرة اخرى في الكتاب المقدس.‏ كما اني شهدتُ لأفراد آخرين من الطاقم ووزّعت عليهم المجلات والمطبوعات».‏ اعتمد فريذرك في ربيع سنة ١٩٨٣،‏ وأخذت خطيبته هلڠا وأمه وأخته موقفهن الى جانب الحق.‏

دروس عبر الهاتف

ليس سهلا على المرء ان يكرز بالبشارة للذين يسكنون في المناطق النائية من هذه الجزيرة الكبيرة.‏ لذا يُستخدم الهاتف كوسيلة فعالة لإيصال البشارة الى المهتمين ومواصلة الاهتمام بهم.‏

كثيرون استفادوا من هذه الوسيلة لنشر البشارة.‏ فقبل بضع سنوات،‏ قامت امرأة تدعى اودني هلڠادوتير بزيارة ابنها وكنّتها اللذين كانا يدرسان مع شهود يهوه.‏ وعندما اخبراها بما يتعلمانه،‏ ارادت هي ايضا ان تدرس الكتاب المقدس.‏ لكنها كانت تعيش في منطقة نائية على ساحل ايسلندا الشمالي الغربي،‏ على بُعد اكثر من ٣٠٠ كيلومتر من اقرب جماعة.‏ فعرضت عليها اخت تدعى ڠْڤَذرن أولافْسدوتير ان تدرس معها عبر الهاتف،‏ فوافقت بسرور.‏ خلال الدرس،‏ وبعد تقديم صلاة افتتاحية،‏ كانت اودني تجيب بسهولة عن الاسئلة المطبوعة في الكتاب.‏ وبما انها كانت تستعد جيدا وتفتح الآيات وتدوِّنها،‏ فقد سهل عليها قراءتها حالما يؤتى على ذكرها.‏ ولذلك لم تكن تصرف الوقت في البحث عن الآيات خلال الدرس.‏ وفي احدى المرات،‏ عُقد الدرس عند ڠْڤَذرن حين كانت اودني في زيارة الى المنطقة.‏ فانتابهما كلتَيهما شعور غريب لأنها كانت المرة الاولى التي تدرسان فيها وجها لوجه،‏ لذا اقترحت ڠْڤَذرن مازحةً ان تذهب الى الغرفة المجاورة حيث يوجد هاتف آخر!‏

عندما صارت اودني تفهم الحق،‏ بدأت تشهد لزوجها يون.‏ فأظهر اهتماما بما تخبره اياه،‏ لكنها لم تكن تعرف إن كان يجوز ان تعقد درسا معه.‏ فقيل لها ان بإمكانها عقد الدرس،‏ ولكن من اللائق ان تضع غطاء على رأسها خلال ادارته.‏ بالاضافة الى الدرس مع زوجها،‏ بدأت اودني تشهد للجيران.‏ بعد ذلك عبَّرت عن رغبتها في ان تعتمد.‏ فرتَّبت ڠْڤَذرن الامور لكي تدرس اودني الاسئلة في كتاب منظمين لاتمام خدمتنا عبر الهاتف مع احد الشيوخ،‏ وذلك ليُعرَف إن كانت مؤهلة ام لا.‏ وكان واضحا انها صارت مؤهلة،‏ ولكن كان ينقصها شيء واحد:‏ الاستقالة رسميا من الكنيسة.‏

بعد اسبوع تقريبا،‏ اتصلت اودني بڠْڤَذرن لتخبرها انها استقالت من الكنيسة.‏ كما فعل زوجها الامر نفسه،‏ مع ان اتخاذ هذا القرار لم يكن سهلا عليه لأنه رئيس مجلس الابرشية المحلي.‏ وفي وقت لاحق اعتمدت اودني في محفل دائري.‏ وقد فرحت كثيرا بالمحفل لأنه لم يسبق لها ان اجتمعت بمجموعة صغيرة من الشهود إلا مرة واحدة.‏ وأثناء مقابلة ضمن برنامج المحفل،‏ سُئلت إن كان صعبا عليها ان تكون معزولة.‏ فأجابت انها لم تشعر قط بالوحدة لأنها تعرف ان يهوه حاضر ايضا في ساحل ايسلندا الشمالي الغربي.‏ ثم اضافت انها حزينة لأن زوجها لم يتمكن من حضور المحفل،‏ لكنه اكد لها انه سيحضر المحافل حين يصير جاهزا للمعمودية.‏ وقد وفى بوعده!‏ وبعد وقت قصير انتقلا ليعيشا في منطقة ذات كثافة سكانية اكبر لكي يتمكنا من حضور الاجتماعات بانتظام.‏

الحاجة الى بيوت مرسَلين وقاعات ملكوت

عندما زار ناثان ه‍.‏ نور،‏ من المركز الرئيسي العالمي لشهود يهوه،‏ ايسلندا سنة ١٩٦٨،‏ اراد ان يُعثَر على بناء انسب ليكون مكتب فرع ومسكنًا للمرسَلين.‏ قبل ذلك الحين،‏ كان الاخوة يستأجرون البيوت.‏ فصار عليهم الآن ان يبحثوا عن ارض يشيّدون عليها بناءً فيه قاعة ملكوت وبيت للمرسَلين ومكتب فرع.‏ ولكن ريثما يتحقق ذلك،‏ استُؤجر منزل مناسب في شارع هربْنڠاتا ٥ في ريكياڤيك،‏ وفي ١ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٦٨ انتقل المرسَلون الستة للعيش فيه.‏ وقد استُخدم هذا البناء كمركز للعمل في ايسلندا خلال السنوات الخمس التالية.‏ ثم اشترى الاخوة قطعة ارض مناسبة في سوڠاڤيڠر ٧١ في ريكياڤيك.‏ وفي ربيع سنة ١٩٧٢،‏ بدأ العمل على بناء الفرع الجديد.‏ لم يكن ذلك سهلا على الاخوة القليلي العدد هناك،‏ الذين لا يملكون خبرة بالهندسة والبناء.‏ فلا يوجد بينهم معماريون ولا مقاوِلو بناء،‏ لذا اضطروا الى استخدام مقاوِلين من غير الشهود.‏ وأعرب هؤلاء المقاوِلون عن كامل استعدادهم للتعاون مع الشهود،‏ وسمحوا للاخوة بأن يعملوا معهم في المشروع.‏ وقد استأجر الاخوة جزءا من بيت قديم مجاور لورشة البناء وصاروا يأكلون فيه.‏ وكانت الاخوات يتناوبن على طبخ الطعام في بيوتهن وأخذه الى الورشة لكي يتناوله العمّال.‏

ادى عمل البناء الى شهادة حسنة في المنطقة.‏ فقد سنحت للمقاوِلين ولسلطات المدينة فرصة جيدة ليتعرَّفوا بشهود يهوه.‏ وكان آخرون يتوقفون عند الورشة ليروا اين اصبح العمل.‏ وعندما حان الوقت لتغطية الجدران الداخلية بالجصّ،‏ حصل الاخوة على المساعدة من اخ معماريّ محترف قادم من الدانمارك.‏ كما ساهمت الاخوات كثيرا في العمل.‏ فعندما اتى بعض المشرفين من المدينة لزيارة الورشة،‏ لاحظوا ان الاخوات يستعملن خلاطة الاسمنت.‏ فقال احدهم:‏ «اظن ان بإمكان النساء في كنيستنا ان يتعلمن شيئا من هذا.‏ فمن الاجدى ان تُبنى الكنائس بالعمل النشيط لا بالذهاب من مكان الى آخر حاملات الصناديق لاستجداء المال».‏ تم تدشين البناء في ايار (‏مايو)‏ ١٩٧٥ حين زار مِلتون ج.‏ هنشل ايسلندا وألقى خطاب التدشين.‏ وبقي البناء يُستخدم لسنين طويلة كبيت المرسَلين الاساسي في البلد،‏ بالاضافة الى استخدامه كقاعة ملكوت للجماعات في ريكياڤيك.‏ وهو اليوم يُستعمل كمكتب فرع.‏

في سنة ١٩٨٧،‏ شُيِّد مبنى جديد ليكون قاعة ملكوت وبيت مرسَلين في مدينة اكوريري.‏ وتجلَّت روح الوحدة والاخوّة العالمية القائمة بين شعب يهوه عندما اتى اكثر من ٦٠ اخا وأختا من فنلندا والسويد لمساعدة الاخوة الايسلنديين في مشروع البناء.‏

‏«افضل نوع خشب»‏

على مر السنين،‏ قام ممثِّلون للهيئة الحاكمة لشهود يهوه بزيارة ايسلندا،‏ وكانت هذه الزيارات مصدر تشجيع كبير للاخوة.‏ تميَّزت سنة ١٩٦٨ بزيارة الاخ نور المذكورة سابقا.‏ وقد ألقى على الاخوة خطابا حماسيا وروى اختبارات وناقش تقدم عمل الكرازة بالملكوت في ايسلندا.‏

كانت اول زيارة للاخ هنشل الى ايسلندا في ايار (‏مايو)‏ ١٩٧٠.‏ وقد استقبله بعض المرسَلين الذين كانوا نعسانين.‏ لم يكن السبب وصول الاخ هنشل في الصباح الباكر فحسب،‏ بل ايضا ابتداء بركان هيكلا بالثوران في اليوم السابق،‏ وقد قضى المرسَلون الليل كله يتفرجون عليه!‏

ركّز الاخ هنشل اهتمامه على المرسَلين والفاتحين الخصوصيين.‏ ودعاهم جميعا الى اجتماع خاص حيث روى عليهم اختبارات من ايام خدمته كفاتح خلال الازمة الاقتصادية الكبرى.‏ وذكر كيف كان الفاتحون يبادلون المطبوعات بالدجاج والبيض والزبدة والخضر والنظارات،‏ حتى بجرو كلب!‏ بهذه الطريقة استمر العمل خلال الفترات الصعبة،‏ ولم ينقص الفاتحين شيء من ضرورات الحياة.‏

سرعان ما يلاحظ زوار ايسلندا ان الطعام هناك مختلف عما هم معتادون عليه.‏ وأحد الاطباق الايسلندية المميزة يدعى سڤيذ،‏ وهو عبارة عن رأس خروف قُطع الى نصفَين وسُلق.‏ تخيَّل نفسك تنظر الى صحنك،‏ فترى فيه نصف رأس خروف مع الاسنان وعين واحدة!‏ كثيرون من الاجانب لا يقوون على النظر الى سڤيذ عينا بعين.‏ طبعا،‏ يوجد دائما سمك طازج كبديل لهذا الطبق.‏ وأحد الاطعمة الايسلندية الفاخرة يدعى هارذفيسكر،‏ وهو سمك يُقطَّع شرائح ويُجفَّف.‏ يؤكل هذا السمك نيئا،‏ ويفضّل البعض تناوله مع بعض الزبدة.‏ لكنه سمك قاسٍ،‏ ويجب ان يُدَقّ ليصير طريا.‏ لذلك كان المرسَلون متلهِّفين ليروا رد فعل الاخ هنشل عندما قُدِّم له هذا السمك.‏ فبعد ان ذاقه،‏ سأله المرسَلون عن رأيه فيه.‏ ففكر قليلا ثم اعطى هذا الجواب الدبلوماسي:‏ «أظن ان هذا افضل نوع خشب أكلته في حياتي».‏

قام ممثِّلون للهيئة الحاكمة بالعديد من الزيارات المشجِّعة للاخوة في ايسلندا.‏ وقد اكَّدت هذه الزيارات للاخوة في البلد انهم جزء من معشر الاخوة العالمي المتَّحد بربُط المحبة المسيحية،‏ حتى لو كانت اعدادهم قليلة ويعيشون في مكان منعزل.‏

التعاون مع الاطباء ووسائل الاعلام

في سنة ١٩٩٢،‏ بدأت لجنة اتصال بالمستشفيات مؤلفة من اربعة اخوة بالعمل في ايسلندا.‏ ومن اجل تدريبهم،‏ حضر اثنان من الاخوة حلقة دراسية للجنة الاتصال بالمستشفيات في انكلترا،‏ وحضر الآخران حلقة دراسية عُقدت في الدانمارك.‏ عندما بدأت لجنة الاتصال بالمستشفيات المتشكلة حديثا بتنظيم اعمالها،‏ عقدت اجتماعا مع الفريق الطبي في احد المستشفيات الجامعية الكبرى.‏ وقد حضر الاجتماع ١٣٠ شخصا بينهم اطباء وممرضون ومحامون ومديرو مستشفيات.‏ وبما انه كان اول اجتماع تعقده اللجنة مع اخصائيين طبيين،‏ فلا عجب ان انتاب الاخوة شعور بالقلق.‏ لكنَّ الاجتماع كان ناجحا،‏ وأُعِدَّت الترتيبات بعد ذلك للاجتماع بأعداد اصغر من الاطباء وغيرهم من الاخصائيين في مختلف المستشفيات.‏ كما اقام الاخوة علاقات طيبة مع بعض الجراحين وأطباء التبنيج البارزين.‏ وقد ساعدهم ذلك على تفادي وحلّ المشاكل المتعلقة بتوفير العلاجات دون دم.‏

في سنة ١٩٩٧ أُقِرَّ قانون جديد حول حقوق المريض.‏ وقد نصّ هذا القانون ألّا يعطى المريض ايّ علاج بدون موافقته؛‏ وأن تُحترَم ارادة المريض الفاقد الوعي اذا كانت معروفة.‏ كما نصَّ القانون على ضرورة التناقش مع الاولاد بعمر ١٢ سنة فصاعدا بشأن علاجهم.‏ ذكر ڠْڤَذمندر ه‍.‏ ڠْڤَذمندرسون،‏ رئيس لجنة الاتصال بالمستشفيات:‏ «الاطباء عموما متعاونون جدا،‏ ونادرا ما تنشأ المشاكل.‏ حتى العمليات الكبرى تُجرى دون دم».‏

عندما صدر عدد ٨ كانون الثاني (‏يناير)‏ ٢٠٠٠ من استيقظ!‏ حول موضوع المعالجة والجراحة دون دم،‏ شجع مكتب الفرع الاخوة على بذل الجهد لتوزيع هذه المجلة على اكبر عدد ممكن من الناس.‏ وقدَّم الفرع اقتراحات حول كيفية عرضها والاجابة عن الاسئلة المتعلقة بمسألة الدم.‏ في البداية تردد البعض في تقديم المجلة،‏ ولكن سرعان ما لاحظوا ان الناس يريدون ان يعرفوا عن هذا الموضوع.‏ فوُزِّع اكثر من ٠٠٠‏,١٢ نسخة،‏ اي ما يعادل مجلة واحدة لكل ٢٢ شخصا من سكان البلد.‏ قال احد الاخوة:‏ «لاقيتُ صعوبة في تغطية المقاطعة لكثرة المناقشات الجادة التي كانت تدور».‏ وقالت اخت:‏ «شخصان فقط رفضا اخذ المجلة مني!‏».‏

كما ان سيدة تقدِّم برنامجا اسبوعيا عبر محطة اذاعية وطنية حصلت على نسخة من هذه المجلة حول المعالجة دون دم.‏ فروت في برنامجها كيف حصلت عليها،‏ ثم اخذت تراجع تاريخ نقل الدم كما ورد في استيقظ!‏.‏ وأنهت مناقشتها بالقول انه اذا اراد احد المزيد من المعلومات حول المعالجة دون دم،‏ يمكنه ان يطلب من شهود يهوه مطبوعة تعالج هذا الموضوع.‏

هذه الحملة الخصوصية التي استُخدم فيها هذا العدد من استيقظ!‏ جعلت كثيرين يرون ان موقفنا الرافض لنقل الدم انما هو منطقي.‏ كما صاروا يعرفون ان شهود يهوه لا يريدون ان يموتوا،‏ بل يطلبون ان يعالَجوا بأفضل الوسائل الطبية الممكنة.‏ وهكذا فإن بعض الذين كانت لديهم معلومات خاطئة حول موقفنا من الدم صاروا يتقبّلون رسالة الملكوت.‏

قاعتان في اربعة ايام

احد ابرز الاحداث التي شهدها الاخوة في ايسلندا خلال سنة الخدمة ١٩٩٥ هو بناء قاعتَي ملكوت في شهر حزيران (‏يونيو)‏،‏ واحدة في كيفلاڤيك والاخرى في سيلفوس.‏ كانت هاتان اولى قاعات الملكوت في ايسلندا التي تُشيَّد بطريقة البناء السريع.‏ فلم يستغرق بناؤهما سوى اربعة ايام.‏ وما كانت المهمة لتتحقق لولا المساعدة الحبية التي قدّمها الاخوة في النَّروج.‏ فقد ارسل فرع النَّروج معظم مواد البناء،‏ وأتى اكثر من ١٢٠ اخا وأختا من ذلك البلد للمساعدة في اتمام المشروع.‏ وإحدى العبارات التي سُمعت كثيرا في ورشتَي البناء هي:‏ «هذا مذهل فعلا!‏».‏ فقد سبق ان قرأ وسمع الاخوة في ايسلندا عن بناء قاعات الملكوت بسرعة،‏ أما الآن فهم يرون ذلك بأمّ عينهم.‏ كان الامر مذهلا دون شك،‏ وخصوصا ان عدد قاعات الملكوت في ايسلندا بلغ الضعف في ايام قليلة!‏

بالاضافة الى قاعتَي الملكوت الجديدتَين،‏ تشجَّع الاخوة في ايسلندا بالمعاشرة الطيبة للاخوة والاخوات الذين اتوا من النَّروج على نفقتهم الخاصة ليقضوا اياما من عطلتهم في بناء القاعتَين.‏ فيا له من دليل رائع على روح اخوّتنا العالمية!‏ كما ساهم الاخوة في ايسلندا في مشروعَي البناء.‏ فأكثر من ١٥٠ ناشرا محليا شاركوا في العمل،‏ اي نحو نصف عدد الناشرين في البلد.‏

كما ادى مشروع قاعتَي الملكوت الى اعطاء شهادة حسنة بين الناس.‏ فاثنتان من محطات التلفزة الوطنية غطَّتا القصة في برامجهما الاخبارية وعرضتا صورا من الورشتَين.‏ ووردت تقارير عن المشروع في بعض المحطات الاذاعية وفي الصحف.‏ لكنَّ هذا الاهتمام الذي لقيه الشهود لم يرق قسيس احدى الكنائس المحلية في سيلفوس.‏ فقد نشر في الصحيفة المحلية مقالة يحذِّر فيها مما سمّاه التعاليم الباطلة الخطرة لشهود يهوه.‏ وذكر ان ضعفاء العقل وسريعي التأثر هم اكثر مَن يجب ان يحذروا منهم.‏ وكرَّر نفس التحذيرات في مقابلة اذاعية.‏ ولكن لم يكن لكلمات القسيس الاثر الذي كان يرجوه.‏ فمعظم الناس أُعجبوا بمشروع قاعتَي الملكوت،‏ وكثيرون ممَّن التقاهم الاخوة في الخدمة قالوا ان رد فعل القسيس فاجأهم.‏

بعد اسبوع تقريبا من نشر تحذيرات القسيس،‏ قامت الصحيفة بطبع رسم كاريكاتوري.‏ ففي الجهة الامامية من الرسم توجد الكنيسة،‏ وفي الجهة الخلفية قاعة الملكوت،‏ وبين البناءَين يجري نهر.‏ وثمة جسر يعبره اخوة انيقون ومبتسمون وفي ايديهم حقائب الخدمة،‏ وهم يتوجهون من قاعة الملكوت الى الكنيسة.‏ خارج الكنيسة تقفز امرأة من كرسيها المتحرك وهي مذعورة.‏ ويهرع رجل قَدَمُه مجبَّرة وآخر اعمى على الارجح وهما يصيحان:‏ «اهربوا،‏ اهربوا،‏ الشهود قادمون!‏».‏ وعلى درج الكنيسة يقف القسيس وقد استولت عليه الدهشة.‏ كثيرون احبوا هذا الرسم الكاريكاتوري.‏ وقد اختارته هيئة التحرير في الصحيفة ليكون افضل رسم كاريكاتوري للسنة،‏ ثم كبَّرته وعَرَضته على جدار مكتبها.‏ وبقي هناك طوال عدة سنوات.‏

معرض يؤدي الى شهادة حسنة

خلال سنة الخدمة ٢٠٠١،‏ أُنشئ معرض ركَّز على الموقف الحيادي الذي اتخذه شهود يهوه قبل وخلال الحرب العالمية الثانية نتيجة الاضطهاد النازي.‏ افتُتح المعرض في ثلاثة اماكن،‏ وبلغ مجموع الزائرين ٨٩٦‏,٣ شخصا.‏ وخلال نهاية الاسبوع الاخيرة،‏ احتشد اكثر من ٧٠٠ زائر في صالة المعرض في ريكياڤيك.‏ وكان الفيديو شهود يهوه يثبتون في وجه الاعتداء النازي باللغة الايسلندية يُعرض طوال فترة المعرض في الاماكن الثلاثة.‏ وانتهز كثيرون من الزوار هذه الفرصة ليجلسوا ويشاهدوه بالكامل.‏

ان موقف الشهود الثابت في معسكرات الاعتقال ترك اثره في الزوار الذين لم يكونوا عالمين ان هذه الامور حدثت معنا.‏ وقالت بروفسورة زارت المعرض مرارا انه اثَّر فيها كثيرا وغيَّر نظرتها الى شهود يهوه.‏ وما لفت نظرها خصوصا هو ايمان الشهود القوي في معسكرات الاعتقال.‏ فبخلاف السجناء الآخرين،‏ كان بإمكانهم ان يخرجوا احرارا اذا نكروا معتقداتهم.‏

لاقى المعرض تغطية ايجابية من قِبل احدى محطات التلفزة الوطنية ومحطات الاذاعة والتلفزة المحلية.‏ وعندما افتُتح المعرض،‏ زاره قسيس لوثري مع زوجته وابنته.‏ وفي وقت لاحق،‏ دعا اخٌ القسيس الى زيارة بيت ايل،‏ فقبِل الدعوة.‏ وبعد ايام من الزيارة،‏ جاءت امرأة الى القسيس وطرحت عليه سؤالا يتعلق بآية في الكتاب المقدس.‏ فشجّعها القسيس على الاتصال بمكتب فرع شهود يهوه،‏ لأنه كان متيقِّنا انهم سيجيبونها عنه.‏ وبعد فترة بدأ اخ يعقد درسا في الكتاب المقدس مع هذا القسيس.‏

الترجمة على مر السنين

لم يكن سهلا على الناشرين القليلين في ايسلندا ان يترجموا بالايسلندية كل الطعام الروحي الذي يزوده «العبد الامين الفطين».‏ (‏متى ٢٤:‏٤٥‏)‏ في البداية،‏ كان الشهود الايسلنديون الذين يعيشون في كندا يقومون بمعظم عمل الترجمة،‏ ثم صار هذا العمل يُنجَز في ايسلندا.‏ وبعد ان وصل اول مرسَلَين سنة ١٩٤٧،‏ تعرَّفا الى شاعر مسنّ كان يعيش معهما في نفس البيت.‏ كان هذا الشاعر يجيد الانكليزية،‏ وقد ساعد المرسَلَين على تعلّم اللغة.‏ كما عرض ان يترجم بعض النصوص،‏ لذا استخدمه الاخوة لترجمة كتاب ‏«ليكن اللّٰه صادقا»‏ وكراس فرح كل الشعب.‏ لكنَّ الشاعر ترجم بأسلوب شعري قديم واستعمل كلمات وتعابير مهجورة كثيرة.‏ ومع ان احد المرسَلين والاخ ليندال دقَّقا في الترجمة وأعادا طباعتها،‏ لم يحقّق الكتاب قط الهدف المرجوّ كمساعِد على الدرس.‏ ومع ذلك،‏ وُزّعت الطبعة الاولى منه على عدد كبير من الاشخاص،‏ وطُبع منه ما مجموعه ٥٦٨‏,١٤ نسخة.‏ كما طُبع اكثر من ٠٠٠‏,٢٠ نسخة من ذلك الكراس سنة ١٩٤٩.‏ ولاحقا،‏ استخدم الاخوة مترجما آخر لترجمة كتاب ماذا فعل الدين للجنس البشري؟‏.‏

خلال تلك السنوات،‏ قام فريق صغير من الاخوة بترجمة بعض الكراريس.‏ وأحدها هو كراس ‏«بشارة الملكوت هذه»‏ الذي صدر سنة ١٩٥٩.‏ وقد ساعد هذا الكراس الاخوة على الابتداء بالعديد من الدروس الجديدة في الكتاب المقدس.‏ وبعد ذلك جرت الموافقة على إصدار مجلة برج المراقبة بالايسلندية.‏

وفي السنوات التي تلت،‏ تُرجم وأُصدِر عدد من الكتب الجيدة:‏ ‏«هذه هي الحياة الابدية»‏ الصادر سنة ١٩٦٢،‏ من الفردوس المفقود الى الفردوس المردود سنة ١٩٦٦،‏ الحق الذي يقود الى الحياة الابدية سنة ١٩٧٠،‏ يمكنكم ان تحيوا الى الابد في الفردوس على الارض سنة ١٩٨٤،‏ وكتاب المعرفة التي تؤدي الى الحياة الابدية سنة ١٩٩٦.‏ وفي سنة ١٩٨٢ أُضيفت طبعة فصلية لمجلة استيقظ!‏ الى قائمة المطبوعات الايسلندية.‏

مرت سنون عديدة دون ان يحظى الاخوة بكتاب ترانيم بالايسلندية.‏ وفي سنة ١٩٦٠ تُرجمت اربع ترانيم وطُبعت نسخ منها لأجل احد المحافل.‏ وفي المحفل الكوري الذي عُقد في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٦٣،‏ صدر كتاب ترانيم صغير يتضمن ٣٠ ترنيمة بالايسلندية.‏ ففرح الاخوة به كثيرا.‏

حتى ذلك الوقت،‏ كان الترنيم في الجماعات يجري بعدد من اللغات.‏ وهذا ما يشهد عليه ڠنتر و روت هوبتس اللذان وصلا الى ايسلندا من المانيا سنة ١٩٥٨ كفاتحَين خصوصيَّين.‏ فلا تزال روت تتذكر كيف كان الاخوة الاجانب يستعملون كتب الترانيم المتوفرة بلغاتهم،‏ مثل الالمانية او الانكليزية او الدانماركية او السويدية او الفنلندية او النَّروجية.‏ أما الايسلنديون فكانوا يرافقونهم بالترنيم باللغة التي يعرفونها.‏ تقول:‏ «كان هذا اشبه بجوقة غنائية متعددة اللغات».‏ ولكن على مر السنين تُرجِم المزيد من ترانيم الملكوت،‏ وفي سنة ١٩٩٩ صدر بالايسلندية كتاب الترانيم الذي يتضمن كل الترانيم الـ‍ ٢٢٥.‏ فكم الاخوة شاكرون على هذه الوسيلة لتسبيح يهوه!‏

تميَّز المحفل الكوري المعقود في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩٩ بشيء جديد في ايسلندا،‏ وهو صدور كتاب انتبهوا لنبوة دانيال!‏ بالايسلندية في نفس الوقت مع الطبعة الانكليزية.‏ فعندما اعلن الخطيب في المحفل عن صدور الكتاب بالانكليزية،‏ صفَّق جميع الحضور متوقّعين ان يقول لهم ان هذا الكتاب سيصدر لاحقا بالايسلندية.‏ لكنه عاد وأراهم الطبعة الايسلندية للكتاب،‏ وفيما الاثارة تغمر الجميع قال ان هذا الكتاب متوفر حاليا باللغة الايسلندية!‏ وبعد ذلك صدر ايضا كتاب نبوة اشعيا —‏ نور لكل الجنس البشري،‏ الجزءان ١ و ٢،‏ في نفس الوقت مع الطبعتَين الانكليزيتَين.‏

توسيع بيت ايل والزيادة المستمرة

في سنة ١٩٩٨ بدأ العمل على تجديد الفرع.‏ واشتُريت شقتان في الجهة المقابلة من الشارع لإيواء اعضاء بيت ايل ولتوفير مساحة اكبر في مكتب قسم الترجمة.‏ كما استفاد المترجمون في السنوات الاخيرة من زيارات قام بها اخوة من المركز الرئيسي العالمي في نيويورك.‏ فقد علَّمهم هؤلاء الاخوة طريقة استعمال برامج كمبيوتر طوَّرها شهود يهوه لتُستعمل في عمل الترجمة.‏

وأتى مؤخرا ممثِّلون من المركز الرئيسي الى الفرع لتدريب المترجمين على «مقرَّر لتحسين فهم اللغة الانكليزية».‏ ويساعد هذا المقرَّر المترجمين على زيادة فهمهم للنص الانكليزي قبل الشروع في الترجمة.‏

كتب مكتب الفرع:‏ «عندما ترجع بنا الذاكرة الى السنين الماضية،‏ نشعر بالسعادة لأن بعض الاشخاص تحلّوا بالشجاعة وبدأوا بالترجمة الى اللغة الايسلندية رغم ظروف العمل البدائية والمعرفة المحدودة للغة.‏ صحيح ان نوعية الترجمة في الماضي ليست بجودة ما هي عليه اليوم،‏ لكننا ‹لا نحتقر يوم الامور الصغيرة›.‏ (‏زكريا ٤:‏١٠‏)‏ فنحن نفرح عندما نرى ان اسم يهوه وملكوته يُعلَنان في ايسلندا وأن كثيرين يتعلّمون الحق».‏

يوجد حاليا ثمانية خدام كامل الوقت في مكتب الفرع.‏ ويأتي آخرون الى بيت ايل ليقدموا المساعدة بدوام جزئي.‏ وقد حلّت قاعة ملكوت جديدة محل قاعة الملكوت هناك لتلبية حاجة الجماعات في ريكياڤيك.‏ لذا يجري التخطيط لتجديد مبنى الفرع لإيواء المزيد من خدام بيت ايل.‏

استلزمت الكرازة بالبشارة في ايسلندا المواظبة والتضحية بالذات والمحبة.‏ ولا شك ان الجهد الشاق الذي بذله المنادون بالملكوت الغيورون في ايسلندا طوال السنوات الـ‍ ٧٦ الماضية لم يذهب سدى.‏ فكثيرون من الاخوة والاخوات الامناء شاركوا في عمل الحصاد.‏ وعدد كبير منهم جاءوا من بلدان اخرى ليخدموا لبعض السنين،‏ ولن تُنسى جهودهم ابدا.‏ وقرَّر البعض البقاء في ايسلندا واتخذوا منها موطنا دائما لهم.‏ كما يُمدح كثيرون من الناشرين الايسلنديين الغيورين على روح المثابرة لديهم.‏

صحيح ان معدل ناشري الملكوت قليل،‏ لكنَّ شهود يهوه صاروا معروفين جيدا في البلد.‏ وهناك حاليا سبعة مرسَلين يخدمون في المناطق الريفية وفي الجماعات الصغيرة على الجزيرة.‏ وفي سنة الخدمة الماضية،‏ حضر ٥٤٣ شخصا ذِكرى موت المسيح،‏ ويُعقد نحو ١٨٠ درسا بيتيا في الكتاب المقدس.‏

ربما سيأتي يوم يشهد فيه الاخوة في ايسلندا زيادة تشبه ما هو موصوف في اشعيا ٦٠:‏٢٢‏:‏ «الصغير يصير ألفا،‏ والحقير أمة قوية.‏ انا يهوه أُسرع بذلك في وقته».‏ وفي هذه الاثناء،‏ يعقد شهود يهوه في ايسلندا العزم على اتمام العمل الذي ائتمنهم عليه الملك يسوع المسيح:‏ الكرازة ببشارة الملكوت.‏ وهم واثقون بأن يهوه سيجعل بذور الحق تنمو في القلوب المتقبلة والشاكرة!‏ —‏ متى ٢٤:‏١٤؛‏ ١ كورنثوس ٣:‏٦،‏ ٧؛‏ ٢ تيموثاوس ٤:‏٥‏.‏

‏[الاطار في الصفحة ٢٠٥]‏

حيث يُستبدَل اسم العائلة باسم الاب

ليس للإيسلنديين اسم عائلة،‏ بل لكل منهم اسم اول يُضاف اليه اسم ثانٍ هو الاسم الاول للأب يليه كلمة «ابن» للذكر وكلمة «ابنة» للأنثى.‏ على سبيل المثال،‏ فإن الاسم الكامل لابن وابنة رجل يُدعى هرالدور هو اسمهما الاول يُضاف اليه اسم والدهما،‏ اي هرالدور،‏ ثم كلمة ابن او ابنة.‏ ولأنه لا توجد اسماء عائلة،‏ فإن الايسلنديين ينادون بعضهم بعضا بالاسم الاول،‏ ولا يتغير اسم المرأة عند الزواج.‏ وبما ان للكثير من الناس الاسم نفسه،‏ فإن دليل الهاتف يذكر مهنة الشخص بالاضافة الى اسمه وعنوانه ورقم هاتفه.‏ وبإمكان الايسلنديين ان يعودوا الى سجلات النسب ويعرفوا هوية اجدادهم منذ اكثر من الف سنة.‏

‏[الاطار في الصفحة ٢٠٨]‏

لمحة عن ايسلندا

اليابسة:‏ تقع هذه الجزيرة مباشرة تحت الدائرة القطبية الشمالية بين المحيط الاطلسي الشمالي وبحر غرينلندا والبحر النَّروجي.‏ وتكثر فيها البراكين والينابيع والفوارات الحارة.‏ وتغطي الانهار الجليلدية عُشر مساحة البلد.‏

الشعب:‏ يتحدر من الڤايكنڠ الذين اتى معظمهم من النَّروج.‏ عموما،‏ الشعب الايسلندي هو شعب مجتهد وخلّاق ومنفتح.‏ ويعيش معظمهم في المناطق الساحلية.‏

اللغة:‏ رغم ان الايسلندية هي اللغة الرسمية،‏ يتكلم كثيرون من الايسلنديين لغتين اجنبيتين او اكثر،‏ مثل الالمانية والانكليزية وإحدى اللغات الإسكندينافية.‏

سُبُل العيش:‏ تلعب صناعة صيد السمك دورا حيويا في اقتصاد ايسلندا.‏ وغالبا ما تُصاد اسماك الكبلين والقُدّ والحَدوق والرنكة،‏ فيُصنَّع جزء كبير منها ويُصدَّر الى الخارج.‏

الطعام:‏ يأكل الايسلنديون السمك ولحم الخراف.‏ وأحد اشهر الاطباق في ايسلندا هو رأس الخروف المسلوق.‏

المناخ:‏ المناخ معتدل اجمالا بسبب تيار الاطلسي الدافئ.‏ ففصل الشتاء لا يكون عادة قارسا رغم هبوب الكثير من الرياح.‏ أما الصيف فهو معتدل البرودة نوعا ما.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٢١٠]‏

٦ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٤٢:‏ «لا يزال هنالك فاتح واحد في هذا البلد،‏ لذلك ليس هنالك الكثير من الاخبار.‏ يبلغ عدد سكان ايسلندا حوالي ٠٠٠‏,١٢٠ نسمة،‏ وهي تضم نحو ٠٠٠‏,٦ مزرعة.‏ والوسيلة الوحيدة للوصول الى هذه المزارع هي على متن خيول الپوني المحمَّلة.‏ وللوصول الى كل هذه البيوت،‏ من الضروري ان يسافر المرء حوالي ٠٠٠‏,١٦ كيلومتر،‏ ويقطع عددا كبيرا من الجبال والانهار.‏ حتى الآن،‏ قليلون فقط يهتمون بالرسالة».‏

هذه الكلمات كتبها الاخ چِيورڠ ف.‏ ليندال بعد ان كرز في ايسلندا طوال ١٣ سنة.‏ وكان سيبقى الناشر الوحيد في هذا البلد طوال خمس سنوات اضافية.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٢١٣ و ٢١٤]‏

سجل من الخدمة الامينة

تخرَّج أوليڤر ماكدونالد من الصف الـ‍ ١١ لمدرسة جلعاد،‏ وكان بين المرسلين الاوائل الذين عُيِّنوا في ايسلندا.‏ وقد اتى من نيويورك في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٤٨ برفقة إنڠڤارد ينسن بعد رحلة دامت ١٤ يوما على متن احدى سفن الشحن.‏ وطوال الرحلة،‏ كان المحيط الاطلسي الشمالي هائجا للغاية،‏ فأُصيبا كلاهما بدوار البحر.‏

وفي آذار (‏مارس)‏ ١٩٥٠،‏ تزوج الاخ ماكدونالد اختا انكليزية تُدعى سالي وايلد كانت تعمل في فرع بريطانيا.‏ كانت سالي وماك،‏ كما دُعي الاخ ماكدونالد تحبُّبا،‏ مبشرَين نشيطين للغاية في تلك السنوات الباكرة.‏ ولا يزال الاشخاص الذين درسا معهم يخدمون يهوه بأمانة.‏

سنة ١٩٥٧،‏ عاد ماك وسالي الى انكلترا،‏ حيث ماتت سالي بالسرطان الذي شخَّص الاطباء انها مصابة به حين كانت في ايسلندا.‏ وبعد وفاة سالي،‏ انخرط ماك مجددا في الخدمة كامل الوقت وخدم كفاتح عادي ثم كناظر جائل طوال ١٣ سنة.‏ وفي سنة ١٩٦٠،‏ تزوج فاتحة خصوصية تُدعى ڤاليري هارڠريڤز.‏ وقد خدما سويًّا في دوائر عديدة في بريطانيا،‏ من شمالي اسكتلندا الى جزر القناة الواقعة غربي الساحل البريطاني.‏ وفيما كانا يخدمان في الدائرة الشمالية ثم في جزر شتلند الواقعة شمالي الساحل الاسكتلندي،‏ كان ماك يقول:‏ «ستكون محطتنا التالية في ايسلندا»،‏ مع انه لم يكن يتوقع انهما سيذهبان الى هناك.‏

ولكن في سنة ١٩٧٢،‏ عُيِّن ماك وڤاليري مرسلَين في ايسلندا.‏ وقد عُيِّن خادم الفرع وبعد ذلك منسِّق لجنة الفرع.‏ وقد بقي هو وڤاليري في ايسلندا طوال سبع سنوات،‏ ثم عُيِّنا كمرسلين في ايرلندا،‏ اولا في دبلن ثم في ايرلندا الشمالية.‏ وبعد ان خدما في ايرلندا ٢٠ سنة،‏ مات ماك بالسرطان في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٩٩ بعد ان امضى ٦٠ سنة في الخدمة كامل الوقت.‏ ولا تزال ڤاليري تخدم كفاتحة عادية في بلفاست الواقعة في ايرلندا الشمالية.‏

‏[الصورة]‏

ڤاليري وأوليڤر ماكدونالد في ريكياڤيك في السبعينات

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٢١٨]‏

ريكياڤيك

ريكياڤيك التي يعني اسمها «الخليج العابق بالدخان» هي عاصمة ايسلندا.‏ وقد اطلق عليها هذا الاسم اول شخص استقر فيها،‏ وهو إينڠولفور أردنارسون،‏ وذلك بسبب البخار المتصاعد من ينابيعها الحارة.‏ واليوم،‏ ريكياڤيك هي مدينة عصرية ناشطة يبلغ عدد سكانها حوالي ٠٠٠‏,١٨٠ نسمة.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٢٢٣ و ٢٢٤]‏

اتّخذا ايسلندا موطنا لهما

پول هاين پيثرسن هو اخ دانماركي عُيِّن فاتحا خصوصيا في ايسلندا سنة ١٩٥٩.‏ وفي سنة ١٩٦١،‏ حضر پول اثنين من محافل «العبَّاد المتحدون» الاممية في اوروبا حيث التقى ڤيوليت التي اتت من كاليفورنيا في الولايات المتحدة لحضور عدد من هذه المحافل.‏

وبعد المحافل،‏ عاد پول الى ايسلندا وڤيوليت الى كاليفورنيا،‏ لكنهما ظلا يتراسلان طوال خمسة اشهر.‏ وفي كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٦٢،‏ اتت ڤيوليت الى ايسلندا لتتزوج به.‏ وفي تلك الفترة كان پول الشاهد الوحيد في منطقة قليلة السكان في شمال غرب ايسلندا حيث خدم كفاتح.‏ وقد تزوجا وعاشا في بلدة صغيرة حيث تبقى الشمس مختبئة طوال شهرين من اشهر فصل الشتاء.‏ وفي بعض الاحيان،‏ كان الزوجان يجتازان خلال خدمتهما في المقاطعة طرقات جبلية شديدة الانحدار ومكسوة بالجليد.‏ وكانت وسيلة النقل الوحيدة المتوفرة لهما هي الدراجة النارية التي جلبها پول من الدانمارك.‏ وبما ان ڤيوليت وُلدت وتربّت في منطقة كاليفورنيا المشمسة،‏ فقد ظنّ كثيرون من الاخوة انها لن تبقى طويلا في ايسلندا.‏ لكنهم كانوا مخطئين لأن ڤيوليت احبّت الجزيرة وسكانها.‏

خدم پول وڤيوليت كفاتحين الى ان وُلدت ابنتهما إليسابيت سنة ١٩٦٥.‏ بعد ذلك،‏ استمر پول يخدم حتى سنة ١٩٧٥،‏ كما خدمت ڤيوليت كفاتحة بين الحين والآخر خلال هذه السنوات.‏ وفي سنة ١٩٧٧،‏ قررا ان ينتقلا الى كاليفورنيا بسبب صحة پول.‏ لكنهما شعرا بعد فترة برغبة قوية في الخدمة حيث الحاجة اعظم الى ناشرين للملكوت،‏ فانخرطا في الفتح من جديد.‏ وعندما انهت ابنتهما تعليمها وأصبحت راشدة،‏ عُيِّنا ثانية كمرسلين في ايسلندا.‏ وقد خدما سنوات قليلة في الحقل الارسالي والعمل الجائل.‏ وفي سنة ١٩٨٩،‏ طُلب من پول ان يخدم كعضو في لجنة الفرع.‏ وحين افتُتح بيت ايل رسميا في ايسلندا سنة ١٩٩١،‏ كان پول وڤيوليت اول عضوين في عائلة بيت ايل،‏ ولا يزالان حتى الآن يخدمان هناك.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٢٢٨ و ٢٢٩]‏

عُرفا بضيافتهما

كان فريذرك ڠيِيسلاسون وزوجته آدا بين الاشخاص السبعة الذين اعتمدوا سنة ١٩٥٦ بعد ان عرّفهما بالحق أوليڤر وسالي ماكدونالد.‏ في البداية،‏ عُقد درس الكتاب المقدس مع فريذرك في حين بقيت آدا منشغلة مع فريق يقوم بعمل الخياطة خلال فصل الشتاء.‏ وعندما اتى الربيع وانتهت آدا من عملها بالخياطة،‏ صارت تجلس في المطبخ خلال الدرس.‏ وفي آخر الامر،‏ دفعها فضولها ان تطلب حضور الدرس والمناقشات التي تدور خلاله دون ان تشارك فيها.‏ ولكن سرعان ما بدأت تشارك كاملا.‏

لاحقا،‏ صار درس برج المراقبة بالانكليزية يُعقَد بانتظام في بيتهما.‏ كما بدآ يحضران الاجتماعات في بيت المرسلين.‏ يقول فريذرك:‏ «اذكر اننا كنا نعقد الاجتماعات في غرفة صغيرة في عليّة منزل المرسلين.‏ وكانت هذه الغرفة تتسع لـ‍ ١٢ كرسيا.‏ ولكن في بعض الاحيان،‏ حين كان عدد الحضور يزيد على ١٢ شخصا،‏ كنا نفتح بابا يؤدي الى الغرفة الصغيرة المجاورة.‏ وشتّان ما بين اجتماعاتنا الصغيرة تلك وبين اجتماعات الجماعات الثلاث التي تملأ قاعة الملكوت في ريكياڤيك!‏».‏

عُرف فريذرك وآدا بضيافتهما.‏ ورغم انهما ربّيا ستة اولاد،‏ كان بيتهما مفتوحا دائما للاخوة.‏ وخلال السنوات الاولى بعد تأسيس الجماعة،‏ كان كثيرون ممن يأتون الى ايسلندا يتمتعون بضيافة فريذرك وآدا الى ان يتمكنوا من ايجاد منزل خاص بهم.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٢٣٢]‏

الكتاب المقدس باللغة الايسلندية

ان اول ترجمة للكتاب المقدس باللغة الايسلندية هي كتاب يُدعى سْتيوردن يعود الى القرن الرابع عشر.‏ وهو يحتوي على ترجمة وإعادة صياغة لأجزاء من الاسفار العبرانية.‏ وفي سنة ١٥٤٠،‏ طُبع اول «عهد جديد» كامل باللغة الايسلندية.‏ وقد ترجمه ابن اسقف هولار،‏ أُودر ڠوهتسكاولكسون،‏ الذي كان قد انضمّ الى الكنيسة اللوثرية في النَّروج والتقى بمارتن لوثر في المانيا.‏ وتذكر المراجع التاريخية انه واجه صعوبات جمّة حين قام بعمل الترجمة بعد عودته الى ايسلندا.‏ فقد عمل في حظيرة خوفا من إغضاب ربّ عمله الكاثوليكي،‏ اسقف سكاولهولت.‏ وترجم أُودر النص من الڤولڠات اللاتينية،‏ ثم اخذ هو بنفسه مخطوطاته الى الدانمارك من اجل طباعتها.‏ وفي سنة ١٥٨٤،‏ رتّب الاسقف ڠڤثبراندور ثورلاوكسون لطباعة اول كتاب مقدس كامل باللغة الايسلندية.‏ وطُبعت اول ترجمة كاملة للكتاب المقدس من اللغتين الاصليتين العبرانية واليونانية سنة ١٩٠٨،‏ ثم طُبعت نسخة منقَّحة سنة ١٩١٢.‏

‏[الصورة]‏

‏«ڠڤثبراندسبيبليا»،‏ اول كتاب مقدس كامل باللغة الايسلندية

‏[الجدول/‏الرسم البياني في الصفحتين ٢١٦ و ٢١٧]‏

ايسلندا —‏ نبذة تاريخية

١٩٢٩:‏ وصل چِيورڠ ف.‏ ليندال،‏ اول ناشر في البلد.‏

١٩٤٠

١٩٤٧:‏ وصل مرسلو جلعاد الاوائل.‏

١٩٥٠:‏ تأسست جماعة صغيرة.‏

١٩٦٠

١٩٦٠:‏ بدأت برج المراقبة تصدر بالايسلندية.‏

١٩٦٢:‏ تأسس مكتب الفرع في ريكياڤيك.‏

١٩٧٥:‏ تمّ تدشين مكتب الفرع الجديد والموسَّع.‏

١٩٨٠

١٩٩٢:‏ شُكِّلت لجنة الاتصال بالمستشفيات.‏

١٩٩٥:‏ جرى بناء قاعتَي ملكوت خلال اربعة ايام في شهر حزيران (‏يونيو)‏.‏

٢٠٠٠

٢٠٠٤:‏ هنالك ٢٨٤ ناشرا نشيطا في ايسلندا.‏

‏[الرسم البياني]‏

‏(‏انظر المطبوعة)‏

مجموع الناشرين

مجموع الفاتحين

٣٠٠

٢٠٠

١٠٠

١٩٤٠ ١٩٦٠ ١٩٨٠ ٢٠٠٠

‏[الخريطتان في الصفحة ٢٠٩]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسق في المطبوعة)‏

ايسلندا

هوساڤيك

هولار

اكوريري

سيديسفجوردور

نسكايوبستادور

اسكفجوردور

ستايكسهولمر

بورغارنس

هوفن

ريكياڤيك

كيفلاڤيك

سكاولهولت

سيلفوس

‏[صورة تغطي كامل الصفحة ٢٠٢]‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٠٧]‏

الى اليمين:‏ چِيورڠ ف.‏ ليندال سنة ١٩٤٧

‏[الصورة في الصفحة ٢٠٧]‏

في الاسفل:‏ الاخ ليندال مع حصانه الايسلندي في اوائل الثلاثينات

‏[الصورة في الصفحة ٢١٢]‏

بعض المرسلين الاوائل في ايسلندا،‏ من اليسار الى اليمين:‏ إنڠڤارد ينسن،‏ أوليڤر ماكدونالد،‏ وليو لارسن

‏[الصورة في الصفحة ٢٢٠]‏

مبنى مكتب الفرع من سنة ١٩٦٢ الى ١٩٦٨

‏[الصورة في الصفحة ٢٢٧]‏

اكثر من مئة ناشر من ايسلندا حضروا محفل «السلام على الارض» الاممي في كوبنهاغن بالدانمارك سنة ١٩٦٩

‏[الصورة في الصفحة ٢٣٥]‏

ايرِس وتشيل ڠيلنارد في اكوريري،‏ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٣

‏[الصورة في الصفحة ٢٣٨]‏

الى اليمين:‏ سفينة صيد السمك «سْڤالباكور»‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٣٨]‏

الى الاسفل:‏ فريذرك وتشيل

‏[الصورة في الصفحة ٢٤١]‏

الى اليمين:‏ اودني هلڠادوتير

‏[الصورة في الصفحة ٢٤١]‏

الى الاسفل:‏ ڠْڤَذرن أولافْسدوتير

‏[الصورة في الصفحة ٢٤٣]‏

الى اليمين:‏ قاعة الملكوت وبيت المرسَلين في اكوريري

‏[الصورة في الصفحة ٢٤٣]‏

الى الاسفل:‏ بيادني يونسون امام الفرع

‏[الصورة في الصفحة ٢٤٩]‏

الى الاعلى:‏ بناء قاعة الملكوت في سيلفوس،‏ سنة ١٩٩٥

‏[الصورة في الصفحة ٢٤٩]‏

الى اليمين:‏ البناء بعدما اكتمل

‏[الصورة في الصفحة ٢٥٣]‏

عائلة بيت ايل في ايسلندا

‏[الصورة في الصفحة ٢٥٤]‏

لجنة الفرع،‏ من اليسار الى اليمين:‏ بيادني يونسون،‏ ڠْڤَذمندر ه‍.‏ ڠْڤَذمندرسون،‏ پول ه‍.‏ پيثرسن،‏ وَ بيرڠثور ن.‏ بيرڠثورسون