الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

رومانيا

رومانيا

رومانيا

أنبأ الكتاب المقدس ان اضطهاد المسيحيين الحقيقيين سيصل الى ذروته خلال الايام الاخيرة.‏ (‏تكوين ٣:‏١٥؛‏ رؤيا ١٢:‏١٣،‏ ١٧‏)‏ ورومانيا هي احدى الدول التي شهدت اتماما بارزا لهذه النبوة.‏ ولكن،‏ كما يُظهِر هذا التقرير،‏ لم يسمح شهود يهوه في رومانيا لأي شيء بأن يطفئ شعلة الحق التي تتّقد في قلوب شعب اللّٰه.‏ (‏ارميا ٢٠:‏٩‏)‏ بل أوصوا بأنفسهم «كخدام اللّٰه،‏ باحتمال الكثير،‏ بضيقات،‏ باحتياجات،‏ بمصاعب،‏ بضربات،‏ [و] بسجون».‏ (‏٢ كورنثوس ٦:‏٤،‏ ٥‏)‏ نأمل ان يكون سجل امانتهم هذا مصدر تشجيع لكل الذين يرغبون في السير مع اللّٰه خلال هذه الاوقات العصيبة.‏

كانت السنة ١٩١٤ بداية الفترة الاكثر اضطرابا في التاريخ.‏ ففي الكثير من البلدان الاوروبية،‏ اتّسمت هذه الحقبة بحكم دكتاتوريين طغاة،‏ تبنّي ايديولوجيات سياسية متطرفة،‏ وحدوث مجازر مروِّعة.‏ وقد ألمّت هذه الصِّعاب برومانيا،‏ الامر الذي جعل شعبها يعاني الامرَّين.‏ كما عانى المشقّات الاشخاص الذين صمّموا ان يعطوا «ما للّٰه للّٰه» إطاعةً ليسوع المسيح ويمتنعوا عن تقديم العبادة للسلطات السياسية.‏ —‏ متى ٢٢:‏٢١‏.‏

قبل العام ١٩٤٥،‏ اخذ رجال الدين الارثوذكس والكاثوليك القيادة في محاربة شعب يهوه من على منابر الوعظ ومن خلال تحريض السياسيين ورجال الشرطة والتآمر معهم.‏ ثم اتى الشيوعيون الذين واصلوا حملاتهم الوحشية المنظمة على شعب اللّٰه طوال العقود الاربعة التالية تقريبا.‏

ولكن كيف كان من الممكن ان يزدهر عمل البشارة في ظل هذه الظروف العصيبة؟‏ حصل ذلك لأن يسوع وفى بوعده لتلاميذه.‏ فقد قال لهم:‏ «ها انا معكم كل الايام الى اختتام نظام الاشياء».‏ (‏متى ٢٨:‏٢٠‏)‏ والآن لنعد بالزمن حوالي مئة سنة الى الوقت الذي نُثر فيه بذار الملكوت للمرة الاولى في تربة البلدان التي تشكّل اليوم اوروبا الشرقية.‏

رومانيون يعودون الى مسقط رأسهم

سنة ١٨٩١،‏ زار تلميذ الكتاب المقدس تشارلز تاز رصل بعض انحاء اوروبا الشرقية خلال احدى جولاته التبشيرية.‏ لكنَّ النتائج التي حصل عليها كانت مخيِّبة الى حد ما.‏ ذكر في تقرير له:‏ «لم نرَ اي انفتاح او ميل الى الحق».‏ ولكن سرعان ما تغيَّر الوضع في رومانيا.‏ فقد لعب الاخ رصل دورا حيويا في بدء العمل هناك انما بطريقة غير مباشرة.‏ كيف ذلك؟‏

حين شارف القرن التاسع عشر على نهايته،‏ أرغمت الاحوال الاقتصادية والاجتماعية في رومانيا كثيرين من سكانها ان يسعوا وراء رزقهم في بلدان اخرى،‏ مثل الولايات المتحدة.‏ ولم يؤدِّ هذا الانتقال الى إفادة هؤلاء الاشخاص من الناحية المادية فقط.‏ فقد اكتسب بعض منهم المعرفة الدقيقة لحق الكتاب المقدس.‏ وهذا ما حصل مع كارولي سابو ويوجيف كيس،‏ رجلان متعطشان الى الحق سمعا عددا من محاضرات الكتاب المقدس التي ألقاها الاخ رصل.‏

لاحظ الاخ رصل اهتمام هذين الرجلين المخلص بالكتاب المقدس.‏ فقصد ان يتعرف بهما ويتحدث اليهما.‏ وفي معرض الحديث،‏ اقترح عليهما ان يفكّرا في العودة الى رومانيا لإخبار أقاربهما وأصدقائهما عن رسالة الملكوت.‏ فوافقا وأبحرا عائدَين الى رومانيا سنة ١٩١١،‏ واستقرا في مدينة تيرغو موريش الواقعة في منطقة ترانسيلڤانيا.‏

وفي طريق العودة،‏ صلّى الاخ سابو ان يقبل الحق احد افراد عائلته.‏ ولدى وصوله،‏ عمل بموجب صلاته وكرز لأقاربه،‏ بمن فيهم قريبته الكاثوليكية جوجنا إنييدي التي اقام في بيتها.‏ وقد امتلك زوج جوجنا حديقة ازهار،‏ وكانت هي تبيع الازهار في السوق.‏

كان من عادة جوجنا ان تحضر القدّاس كل صباح قبل ان تباشر عملها.‏ وفي كل مساء بعد ان يخلد افراد عائلتها الى النوم،‏ تخرج الى الحديقة لتصلّي.‏ لاحظ الاخ كارولي ذلك،‏ فاقترب منها ذات مساء حين كانت في الحديقة،‏ وربّت على كتفها برفق قائلا:‏ «قلبك طيِّب يا جوجنا،‏ انا واثق انك ستجدين الحق».‏ وقد صحّت كلماته لأن رسالة الملكوت مسّت قلب هذه المرأة الطيِّبة وصارت اول شخص في تيرغو موريش ينذر حياته ليهوه.‏ وبقيت امينة حتى موتها عن عمر ٨٧ سنة.‏

شهد الاخ سابو ايضا لشاب اسمه شاندور يوجا يعمل لدى عائلة إنييدي.‏ فصار هذا الشاب يحضر كل الاجتماعات التي يعقدها الاخوَان سابو وكيس وتعلّم الحق بسرعة.‏ وبعد فترة وجيزة،‏ بدأ هذا الشاب البالغ من العمر ١٨ سنة يشهد للناس ويلقي محاضرات بنّاءة مؤسسة على الاسفار المقدسة في مسقط رأسه،‏ قرية ساراتزِني الواقعة ضمن مقاطعة موريش.‏ ومع الوقت،‏ باتت ‹رسائل توصيته› تشمل ستة رجال وزوجاتهم بالاضافة الى اولادهم الـ‍ ٢٤ (‏١٣ فتاة و ١١ صبيّا)‏.‏ —‏ ٢ كورنثوس ٣:‏١،‏ ٢‏.‏

بدأ الاخوَان كيس وسابو كرازتهما في تيرغو موريش ولاحقا في كل ارجاء ترانسيلڤانيا.‏ وفيما كانا يكرزان في منطقة دومبراڤا التي تبعد ٣٠ كيلومترا عن كلوج-‏ناپوكا،‏ التقيا رجلا معمدانيا يُدعى ڤاسيلي كوستيا.‏ كان ڤاسيلي رجلا قصير القامة،‏ قوي الشخصية،‏ وتلميذا نهِمًا للكتاب المقدس.‏ وبما انه كان مشوَّشا بشأن حكم المسيح الالفي،‏ أصغى باهتمام شديد فيما راح يوجيف وكارولي يوضحان له حق الكتاب المقدس.‏ ولأن ڤاسيلي يتكلم الهنغارية،‏ استطاع بعد معموديته ان يقدّم شهادة شاملة للرومانيين والهنغاريين المقيمين في منطقته.‏ وفي ما بعد،‏ خدم ڤاسيلي حتى آخر حياته كموزِّع مطبوعات جائل (‏خادم كامل الوقت)‏.‏

وصل الاخ سابو في كرازته بالبشارة الى مدينة ساتوماري الواقعة في اقصى شمال غرب رومانيا حيث التقى پارَسكيڤا كولمار،‏ امرأة تقية قبلت الحق بسرعة وعلّمت اولادها التسعة ان يحبوا يهوه.‏ واليوم،‏ تضمّ عائلتها خمسة اجيال من الشهود.‏

وثمة روماني آخر يُدعى ألِكسا روموتشيا تعلّم حق الكتاب المقدس في الولايات المتحدة وعاد الى رومانيا قبل الحرب العالمية الاولى.‏ استقرّ ألِكسا في قريته بِنِسات الواقعة في شمال غرب ترانسيلڤانيا.‏ وسرعان ما تأسس هناك فريق صغير من تلاميذ الكتاب المقدس،‏ كما كان شهود يهوه يُدعَون آنذاك،‏ وبدأوا يعقدون الاجتماعات في المنطقة.‏ وقد اشتمل هذا الفريق على ابنَي أخي ألِكسا المدعوَّين إلِك وڠاڤريلِه روموتشيا.‏ واليوم،‏ تضمّ ايضا عائلة ألِكسا الكبيرة خمسة اجيال من الشهود.‏

بعد ان تعرّض إلِك لاضطهاد مرير بسبب حياده المسيحي،‏ هاجر الى الولايات المتحدة حيث حضر سنة ١٩٢٢ محفلا خصوصيا لتلاميذ الكتاب المقدس في سيدر پوينت بأوهايو.‏ وحظي بامتياز الترجمة للإخوة الرومانيين الحاضرين.‏ اما ڠاڤريلِه فبقي في رومانيا ورافق الاخوَين سابو وكيس فيما كانا يكرزان في ترانسيلڤانيا ويزوران الجماعات والفرق الجديدة.‏ كما انه خدم لاحقا في اول مكتب فرع.‏

خلال الحرب العالمية الاولى،‏ اعتُقل رجل روماني يُدعى إيمانويل كينتسا وأُرسل الى سجن عسكري في ايطاليا بعيدا عن موطنه.‏ وهناك التقى بعض تلاميذ الكتاب المقدس الذين كانوا مسجونين بسبب رفضهم حمل السلاح،‏ وقبِل على الفور رسالتهم المؤسسة على الاسفار المقدسة.‏ وعندما أُطلق سراحه سنة ١٩١٩،‏ عاد الى بايا ماري في مقاطعة ماراموريس حيث كرز بغيرة بالبشارة وساهم في تأسيس فريق آخر لدرس الكتاب المقدس.‏

وهكذا،‏ تضاعف عدد تلاميذ الكتاب المقدس وتكاثرت الفرق الصغيرة لدرس الاسفار المقدسة في رومانيا.‏ والسبب يعود الى الغيرة وروح التضحية بالذات التي اعرب عنها الاخوة الذين افتتحوا عمل البشارة والاشخاص الذين تجاوبوا مع رسالتهم.‏ ففي سنة ١٩١٩،‏ اي بعد مجرد ثماني سنوات من عودة كارولي سابو ويوجيف كيس الى رومانيا،‏ كان اكثر من ٧٠٠‏,١ ناشر ومهتم منظَّمين ضمن ١٥٠ صفًّا لدرس الكتاب المقدس،‏ ما يُعرَف اليوم بالفرق او الجماعات.‏ وقد خدم الاخ كيس كفاتح في بلده حتى وفاته عن عمر ٨٦ سنة.‏ اما الاخ سابو،‏ فعاد سنة ١٩٢٤ الى الولايات المتحدة لكي ينسّق العمل في الحقل الهنغاري هناك.‏

إنتاج الطعام الروحي

لعبت الصفحة المطبوعة دورا بارزا في نشر رسالة الملكوت وإطعام الجياع روحيا.‏ لذلك بغية سدّ الحاجة الى الطعام الروحي،‏ رتّب الاخوة لإنتاج المطبوعات محليا في مطابع تجارية.‏ وهكذا ابتداء من سنة ١٩١٤،‏ أنتجت مطبعة خاصة في تيرغو موريش تُدعى اوڠليندا،‏ اي «المرآة»،‏ طبعة شهرية مؤلفة من ١٦ صفحة من مجلة برج المراقبة وبشير حضور المسيح باللغة الهنغارية بالاضافة الى كتب ونشرات بالهنغارية ايضا.‏

وفي سنة ١٩١٦،‏ بدأت المطبوعات بالرومانية تُطبَع في مطابع محلية ايضا.‏ وقد شملت هذه المطبوعات:‏ كراس ظلال من المسكن «للذبائح الافضل»،‏ مجلة مؤلفة من ثماني صفحات دُعيت مختارات من «برج المراقبة»،‏ كتاب المنّ السماوي اليومي لأهل الايمان (‏الآن فاحصين الاسفار المقدسة يوميا‏)‏،‏ وكتاب ترانيم الفجر الالفي.‏ وبدءا من السنة ١٩١٨،‏ صارت مطبعة في ديتْرويت بميشيڠان،‏ الولايات المتحدة الاميركية،‏ تطبع وتشحن الى رومانيا طبعة باللغة الرومانية لـ‍ برج المراقبة وبشير حضور المسيح بالاضافة الى النشرة الشهرية منبر الشعب التي شهّرت بجرأة الدين الباطل.‏

وبما ان عمل البشارة كان يحرز تقدما ملحوظا،‏ فقد عُيِّن الاخ ياكوب ب.‏ شيما،‏ تلميذ للكتاب المقدس روماني الاصل،‏ ليساعد في تنسيق العمل وتثبيته شرعيا.‏ وبعيد وصوله الى كلوج-‏ناپوكا سنة ١٩٢٠،‏ التقى شيما كارولي سابو ثم يوجيف كيس.‏ والمسألة التي أُعطيت الاولوية آنذاك هي ايجاد بيت ملائم في كلوج-‏ناپوكا ليُستعمل كمكتب فرع.‏ ولكن بسبب ازمة السكن في تلك الفترة،‏ جهّز الاخوة مكتبا وقتيا في شقة احد الاخوة.‏ وهكذا تأسس في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٢٠ اول مكتب فرع.‏ كما تأسست المؤسسة الشرعية لجمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس.‏ وطوال فترة من الوقت،‏ اشرف فرع رومانيا ايضا على العمل في ألبانيا،‏ بلغاريا،‏ هنغاريا،‏ وما كان يُدعى سابقا يوغوسلافيا.‏

في تلك الاثناء،‏ بدأت رياح الثورة التي عصفت بدول البلقان تكتسح رومانيا.‏ وبالاضافة الى الاضطرابات السياسية،‏ انتشر التحامل على اليهود انتشار النار في الهشيم،‏ وخصوصا في الجامعات.‏ فبدأ الطلاب في عدد من المدن يثيرون الشغب.‏ فما كان من الحكومة إلا ان حظرت التجمعات العامة.‏ ومع ان موزعي المطبوعات الجائلين لا علاقة لهم بهذه الاضطرابات،‏ اعتُقل اكثر من ٢٠ منهم،‏ عوملوا بفظاظة،‏ وصودرت مطبوعاتهم.‏

رغم كل ذلك،‏ واصل الاخوة نشاطهم الدؤوب في الحقل وظل الطلب على المطبوعات يزداد.‏ وبما ان الطباعة في المطابع التجارية باتت مكلفة للغاية،‏ بدأ الفرع يبحث عن خيارات اخرى.‏ وفي تلك الفترة بالذات،‏ عُرضت للبيع مطبعة تقع في ٣٦ شارع رِجينا ماريا في كلوج-‏ناپوكا كان الاخوة يطبعون فيها مطبوعاتهم.‏ فحصل الاخوة في الفرع على موافقة المركز الرئيسي العالمي،‏ واشتروا هذه المطبعة التي كانت ملائمة تماما.‏ وقد ضمّت مبنيَين،‏ واحد مؤلف من اربعة طوابق والآخر من طابقين.‏

بدأ الاخوة يعملون على تجديد المطبعة في آذار (‏مارس)‏ ١٩٢٤.‏ فأتى متطوعون من اماكن بعيدة مثل بايا ماري وبيستريتا ورودنا.‏ ولكي يتمكن البعض من المساهمة في المشروع،‏ باعوا قسما من مقتنياتهم الشخصية.‏ أما البعض الآخر فتبرعوا بالطعام ومواد البناء.‏ وكانوا يحملون معظم هذه الاشياء في اكياس تُدعى دِساجي تُعلَّق بالكتف او توضَع على ظهر الاحصنة.‏

سعى الاخوة في الفرع الى تحسين العمل في المطبعة.‏ فقاموا بشراء معدات كثيرة اشتملت على ثلاث آلات لينوتيپ،‏ آلتَي طبع بألواح مستوية،‏ مطبعة دوّارة،‏ آلة طيّ اوتوماتيكية،‏ وآلة لإبراز الحروف بالذهب.‏ وهكذا،‏ صارت مطبعة الجمعية المطبعة الرائدة في البلاد.‏

تولى احد الاخوة الثمانية في عائلة بيت ايل مهمة الاشراف على العمال الاربعين غير الشهود الذين قُسِّموا الى ثلاث فرق تتناوب على العمل في المطبعة.‏ ويشهد التقرير حول الانتاج في سنة العمل الاولى،‏ اي سنة ١٩٢٤،‏ انهم كانوا مجتهدين جدا في عملهم.‏ فقد أنتج الاخوة ٠٧٥‏,٢٢٦ كتابا،‏ ٠٠٠‏,١٠٠ كراس،‏ و ٠٠٠‏,١٧٥ مجلة باللغتين الرومانية والهنغارية.‏ وتضمنت الكتب كتاب قيثارة اللّٰه الذي يساعد على درس الكتاب المقدس،‏ والمجلد الاول من المجلدات السبعة لـ‍ دروس في الاسفار المقدسة التي تحمل العنوان نظام الدهور الالهي.‏

وبعد سنتين من الاستعداد،‏ طبع الفرع ايضا باللغة الرومانية كتاب سيناريو رواية الخلق المصوَّرة.‏ وكما يوحي اسمه،‏ تأسس هذا الكتاب على «رواية الخلق المصوَّرة»،‏ محاضرة تضمنت فيلما سينمائيا وصورا زجاجية ملوَّنة تتزامن معها تسجيلات صوتية.‏ وهو يغطي الحوادث من زمن خلق الارض حتى نهاية حكم المسيح الالفي ويشتمل على ٤٠٠ صورة وعلى دروس وجيزة حول مسائل عقائدية وتاريخية وعلمية.‏ ومع انه ليس مؤثرا بقدر «رواية الخلق المصوَّرة»،‏ فقد دفع كثيرين من القرّاء الى تفحص الكتاب المقدس.‏

صفوف درس الكتاب المقدس تزداد عددا

سنة ١٩٢٢،‏ حثّ الاخ جوزيف رذرفورد الحضور المجتمعين في محفل عُقد في سيدر پوينت بأوهايو:‏ «أعلنوا،‏ أعلنوا،‏ أعلنوا الملك وملكوته!‏».‏ وقد أثّر هذا الحض تأثيرا كبيرا في شعب اللّٰه حول العالم ودفعهم الى الاعراب عن المزيد من الغيرة.‏ وفي رومانيا،‏ افتتح الاخوة مقاطعات جديدة وتلمذوا كثيرين من الناس.‏

ولكن كيف تعلَّم الجدد في تلك الايام حق الكتاب المقدس؟‏ كانوا يحضرون معا صفوفا دُعيت الدروس البيرية للكتاب المقدس.‏ فكانت الجمعية تزوِّدهم بالاسئلة،‏ اما المواد التي ستُدرَس فكانت تؤخَذ من مطبوعات عديدة يمكن طلبها بالبريد.‏ وكان برنامج الدرس يرد في برج المراقبة.‏ والتلاميذ الاكثر تقدما استفادوا من دروس مدرسة الاحد الاممية التي درّبتهم على تعليم الناس كلمة اللّٰه.‏

كان ممثلون من الفرع يزورون فرق الدرس،‏ يلقون الخطابات،‏ ويقدّمون العون الروحي بطرائق اخرى.‏ اما عمل الرعاية والتعليم فقام بهما بانتظام نظار جائلون بلغ عددهم ستة اشخاص سنة ١٩٢١،‏ وبعد سنتين فقط صاروا ثمانية.‏ وقد عقد هؤلاء الاخوة الغيورون الاجتماعات في مئات المدن والبلدات والقرى،‏ وأوصلوا البشارة الى عشرات الآلاف من الجياع روحيا.‏

كان إيمانويل كينتسا،‏ الذي ورد ذكره سابقا،‏ وأونيسيم فيليپويو اثنين من هؤلاء النظار الجائلين.‏ وفي احدى المناسبات في بوكوڤينا الواقعة في الشمال،‏ حضر خطابَ الأخ كينتسا عددٌ كبير من المجيئيين والمعمدانيين.‏ فتجاوب البعض منهم مع الحق.‏ ولاحقا،‏ عُيِّن الاخوان كينتسا وفيليپويو في بخارست حيث ساعدا كثيرين ايضا على نيل المعرفة الدقيقة من كلمة اللّٰه.‏ كتب رجل قدّر جهودهما:‏ «اشكر اللّٰه لأنه ارسل الي الاخوين كينتسا وفيليپويو اللذين عملا جاهدين على إقناعي بالمبادئ وإطلاعي على الحقائق الروحية المنوِّرة.‏ لا شك ان الرب سينجز عملا عظيما في هذه المدينة،‏ ولكن يلزم ان نتحلى بالصبر».‏

عام ١٩٢٠،‏ عقد الاخوة للمرة الاولى محفلين:‏ الاول في بلدة برِبي الواقعة في مقاطعة سالاي،‏ والثاني في بلدة اوكنا دِجولو ضمن مقاطعة كلوج.‏ وكان بإمكان الاخوة الوصول الى الموقعَين بواسطة القطار.‏ اما المنامة فاهتم بتأمينها الناشرون والاشخاص المهتمون الذين يعيشون في المنطقة.‏ فتقاطر الى الموقعَين حوالي ٥٠٠ مندوب من كل انحاء رومانيا.‏ وقدّم سلوكهم الحسن شهادة رائعة لسكان البلدتَين.‏

لفت النمو السريع في اعداد المنادين بالملكوت انتباه المقاومين.‏ ومنذ بداية الحرب العالمية الاولى،‏ بدأ الاخوة يواجهون الاضطهاد على يد رجال الدين والسياسة.‏

الاعداء يستغلون حمّى الحرب

بسبب الروح القومية السائدة وتحريض رجال الدين،‏ رفضت السلطات السياسية تقبُّل موقف الذين لم يجتمعوا تحت راية الوطن ويقاتلوا من اجله.‏ لذلك،‏ عندما اندلعت الحرب العالمية الاولى،‏ اعتُقل عدد كبير من الاخوة وحُكم عليهم بالسجن.‏ حتى ان البعض أُعدموا بسبب موقفهم،‏ ومنهم يوان روس،‏ اخ من قرية پِترِشتي دي ميجلوك في جنوب كلوج-‏ناپوكا كان قد تزوج حديثا.‏

يروي دانيال،‏ حفيد شقيقة يوان:‏ «سنة ١٩١٤،‏ اختير يوان روس بالقرعة ليؤدي الخدمة العسكرية.‏ وبعد ان رفض الاشتراك في الحرب،‏ أُخذ الى بخارست حيث حُكم عليه بالاعدام.‏ وعند تنفيذ الحكم،‏ أُجبر ان يحفر قبره ويقف قربه في وجه فرقة الاعدام.‏ وقد سمح له الضابط المسؤول بأن يقول كلماته الاخيرة.‏ فاختار يوان ان يصلّي بصوت عالٍ.‏ وعند سماع صلاته،‏ تأثر الجنود كثيرا حتى انهم غيّروا رأيهم ولم يريدوا ان ينفذوا الحكم فيه.‏ فأخذ الضابط جانبا احد هؤلاء الرجال ووعده بإجازة مدفوعة لثلاثة اشهر اذا اطلق النار على السجين.‏ فقبِل الرجل العرض وحصل على مراده بعد ان أعدم يوان».‏

وفي عام ١٩١٦،‏ أُلقي القبض ايضا على الاخوين كيس وسابو وحُكم عليهما بالسجن خمس سنوات.‏ وبما انهما اعتُبرا من السجناء «الخطرين»،‏ فقد وُضعا ١٨ شهرا تحت الحراسة المشدَّدة في سجن انفرادي في أيود.‏ ولكن لماذا اعتُبر هذان الاخوان سجينَين «خطرَين»؟‏ لأنهما على حدّ قول القاضي «كانا ينشران تعاليم مخالفة للتعاليم المعتَرف بها».‏ وببسيط العبارة،‏ لم يُسجنا فقط لأنهما رفضا ان يقتلا،‏ بل لأنهما علّما حقائق الكتاب المقدس التي تتعارض مع التعاليم اللاهوتية التقليدية.‏

وكتب الاخوان كيس وسابو من خلف جدران السجن رسائل تشجيعية الى الاخوة في الجماعات والفرق.‏ وقد ورد في احداها:‏ «نودّ ان نعبّر عن فرحنا لأن ابانا السماوي المحب الذي ندين له بالشكر والتسبيح والاكرام يسمح لنور برج المراقبة بأن يشعّ.‏ ونحن على ثقة ان اخوتنا يقدّرون برج المراقبة ويحرصون عليها حرص المرء على شمعة تتلاعب بها الرياح العاصفة».‏ أُطلق سراح هذين الرجلين سنة ١٩١٩،‏ وذلك في الوقت المناسب تماما لأنهما ساهما في السنة التالية في تأسيس مكتب الفرع.‏

مقاومة رجال الدين تزداد حدّة

بعد ان وضعت الحرب العالمية الاولى أوزارها سنة ١٩١٨،‏ واصل رجال الدين مقاومتهم لشعب اللّٰه.‏ فقد انتقد احدهم علنا نظرة تلاميذ الكتاب المقدس الى خلود النفس ودور مريم،‏ قائلا:‏ «ان توق [تلاميذ الكتاب المقدس] الى حياة افضل على الارض يقودهم الى الجنون .‏ .‏ .‏ وهم يؤكدون اننا جميعا اخوة وأخوات وأن الناس من مختلف القوميات متساوون».‏ ثم تذمر قائلا انه من الصعب اتخاذ اجراء قانوني ضد تلاميذ الكتاب المقدس لأنهم «يتظاهرون بأنهم اشخاص متدينون ومسالمون ومتواضعون ويحبون الحق».‏

وفي العام ١٩٢١،‏ كتب رجال دين من مقاطعة بوكوڤينا رسالة الى وزارتَي الشؤون الداخلية والعدل يطالبون فيها بحظر عمل تلاميذ الكتاب المقدس.‏ كما كان رجال الدين الحنقون في كل المناطق حيث انتشرت البشارة يستشيطون غضبا على شعب اللّٰه.‏ فرتّبت الكنائس الارثوذكسية والكاثوليكية وغيرها حملات بغض حرّضت فيها الافراد والرعاع على مهاجمة الاخوة.‏ كتب مكتب الفرع في رسالة الى المركز الرئيسي العالمي:‏ «يتولى رجال الدين في هذا البلد الكثير من المناصب الحكومية،‏ لذلك فإن عملنا هو الى حد ما تحت رحمتهم.‏ لو انهم يطبّقون القانون لكان كل شيء على خير ما يُرام.‏ لكنهم يسيئون استعمال سلطتهم».‏

تجاوبت وزارة الاديان مع وابل الانتقادات التي اطلقها رجال الدين ووافقت على استخدام الشرطة لإعاقة عمل كرازة شعب يهوه واجتماعاتهم.‏ وهكذا تحوّلت الشرطة الى اداة في يد الكنيسة.‏ فراحت تعتقل الاخوة وتتّهمهم زورا بأنهم يعكّرون السلام.‏ وبما ان القانون لم يكن واضحا في هذا المجال،‏ فقد اختلفت الاحكام الصادرة في حقّ الاخوة.‏ وشكّل حسن سلوكهم عقبة في وجه مضطهديهم.‏ ذكر احد القضاة:‏ «لا يمكن ادانة تلاميذ الكتاب المقدس لأنهم في الغالب اشخاص مسالمون للغاية».‏

رغم ذلك،‏ ازدادت حدّة الاضطهاد وحُظرت برج المراقبة في آخر سنة ١٩٢٦.‏ لكنَّ هذا الحظر لم يمنع تدفق الطعام الروحي.‏ فقد وجد الاخوة حلّا بسيطا:‏ اسم جديد للمجلة نفسها!‏ فابتداء من عدد ١ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٢٧،‏ صارت الطبعة الرومانية تُدعى الحصاد ثم دُعيت نور الكتاب المقدس،‏ وأخيرا الفجر.‏ وسُمّيت الطبعة الهنغارية الزائر المسيحي ثم الانجيل وأخيرا مجلة المؤمنين بدم المسيح.‏

ولكن من المؤسف انه في تلك الاثناء،‏ ترك ياكوب ب.‏ شيما الحق.‏ وبسبب اعماله،‏ خسر الاخوة سنة ١٩٢٨ كامل ممتلكات الفرع بالاضافة الى كل التجهيزات.‏ ذكر الكتاب السنوي لعام ١٩٣٠ ان الاخوة «تشتّتوا وتزعزعت ثقتهم كثيرا».‏ ونظرا الى هذه التطورات المؤسفة،‏ صار فرع المانيا يشرف على العمل سنة ١٩٢٩،‏ ولاحقا تولى هذه المهمة مكتب اوروبا الوسطى الواقع في بِرن بسويسرا.‏ وعمل الفرعان كلاهما من خلال مكتب اسّسه الاخوة لاحقا في بخارست.‏

‏‹أرجوك الّا تحرق كتابي!‏›‏

رغم هذه المحن الاضافية،‏ أعاد الاخوة الامناء تنظيم العمل وثابروا على الشهادة،‏ حتى انهم افتتحوا مقاطعات جديدة.‏ ذكر مكتب رومانيا في ٢٤ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٣٣:‏ «الناس متعطشون الى الحق.‏ يكتب الينا اخوتنا في الحقل قائلين ان اهل القرى يتجمعون حولهم حين يكونون في الخدمة ويلحقون بهم من بيت الى بيت لكي يسمعوا المزيد عن الحق».‏

ذات مرة،‏ طلبت امرأة فقيرة كتابا كان الاخوة يعرضونه وقدّمت تبرعا متواضعا لعمل الملكوت.‏ ولكن عندما عرف كاهن القرية بالامر،‏ توجه مباشرة الى بيتها وقال لها:‏ «أعطيني هذا الكتاب لألقيه في النار».‏

فتوسلت اليه المرأة قائلة:‏ «أرجوك يا أبتي الّا تحرقه!‏ فهو يمنحني العزاء ويساعدني على تحمّل البؤس الذي اعيش فيه».‏ ولم تتخلَّ المرأة عن الكتاب.‏

وثمة دوقة يعمل لديها اشخاص من شهود يهوه قدّرت هي ايضا تقديرا عميقا مطبوعات الشهود.‏ وذات يوم،‏ قالت لهؤلاء الاشخاص:‏ «من الآن فصاعدا،‏ انتم لستم خدما عندي بل اخوة لي!‏».‏ وفي قرية اخرى،‏ اخبر اخ مجموعة من الاولاد الفضوليين انه ينادي بملكوت اللّٰه.‏ فما كان من الاولاد الا ان بدأوا يحثّون المارّة على اخذ المطبوعات قائلين:‏ «هذه الكتب تتحدث عن اللّٰه».‏ وهكذا،‏ وقف الاخ صامتا فيما راح الاولاد بكل طوعية وحماس يتحدثون الى الناس بالنيابة عنه.‏ وسرعان ما وزّع كل المطبوعات التي في حوزته!‏

نيكو پالويس هو فاتح لطيف اتى من اليونان الى رومانيا لكي يشارك في العمل.‏ وبعد ان خدم في بخارست،‏ انتقل الى مدينة ڠالاتي التي تُعتبَر مرفأ هاما على نهر الدانوب.‏ وفي نهاية سنة ١٩٣٣،‏ كتب نيكو:‏ «كرزت للرومانيين طوال شهرين ونصف تقريبا.‏ ورغم انني لا اتكلم لغتهم،‏ فقد باركني يهوه اللّٰه كثيرا.‏ وشهدت بعد ذلك لليونانيين والارمن وزرت بمساعدة اللّٰه ٢٠ بلدة.‏ وقد تجاوب اليونانيون خصوصا مع الرسالة».‏

حقا،‏ رغم حملات البغض التي شنّها رجال الدين ضد شعب اللّٰه،‏ اراد كثيرون من المستقيمي القلوب ان يسمعوا البشارة.‏ وكان بينهم عمدة بلدة قرأ بنهم عدة كراسات وأعلن لاحقا انه ينتظر بشوق قدوم العالم الجديد.‏ وفي بلدة اخرى،‏ طلب رجل نسخا عديدة من مطبوعاتنا ووعد بأن يوزِّعها على الذين يودّون قراءتها.‏

إعادة تنظيم العمل

في السنة ١٩٣٠،‏ اي بعد ان ترك شيما الحق بسنتين،‏ تولّى الاشراف على العمل مارتن ماجروشي،‏ اخ روماني من اصل هنغاري كان يعيش في مدينة بيستريتا ضمن مقاطعة ترانسيلڤانيا.‏ وبعد ان تلقّى الاخ مارتن تدريبا مدته ستة اسابيع في فرع المانيا،‏ اسّس مكتبا في بخارست.‏ وبعد فترة وجيزة،‏ صارت النسخة الرومانية من برج المراقبة تُطبَع من جديد في رومانيا بعد ان كانت تُطبَع مؤقتا في النمسا وألمانيا.‏ وهذه المرة في دار نشر في بخارست تُدعى «الكتاب الذهبي».‏

وبعدما بذل الاخوة جهودا مضنية،‏ تمكنوا سنة ١٩٣٣ من تأسيس مؤسسة شرعية جديدة دُعيت جمعية شهود يهوه للكتاب المقدس والكراريس.‏ وكان موقعها في شارع ٣٣ كريشانا في بخارست.‏ ولكن بسبب المقاومة من رجال الدين والسياسة،‏ لم يتسجل الاخوة الا كمؤسسة تجارية.‏

غير ان هذه الجهود ساعدت على استعادة ثقة الاخوة وتقدُّم عمل البشارة.‏ فانخرط ناشرون كثيرون في عمل الفتح وزاد آخرون نشاطهم،‏ وخصوصا خلال فصل الشتاء حين يكون الناس في القرى اقل انشغالا.‏ كما سمع الاخوة محاضرات مؤسسة على الكتاب المقدس تُبَث من الخارج وتُنقَل عبر الاذاعة الوطنية.‏ فكان لهذه الخطابات اثر كبير في الذين لم يحضروا الاجتماعات خوفا من جيرانهم او من رجال الدين.‏ كما اعلنت برج المراقبة اوقات البرامج،‏ عناوين المحاضرات،‏ والموجات الراديوية التي تُبَثّ عليها هذه المحاضرات.‏

وساهم تدبير آخر في تقدُّم عمل البشارة،‏ وهو الفونوغراف القابل للحمل الذي صنعته هيئة يهوه.‏ فخلال الثلاثينات،‏ كان بإمكان الجماعات والافراد ان يطلبوا الفونوغرافات وكذلك المحاضرات المسجَّلة.‏ وهذه الاخيرة لم تساعد على تشجيع «الاخوة فحسب بل ايضا العائلات التي لديها فونوغراف وتحب الحق»،‏ حسبما ذكر اعلان في النشرة (‏الآن خدمتنا للملكوت‏)‏.‏

تمحيص الاخوة من الداخل

في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين،‏ أُلقي المزيد من الضوء على كلمة اللّٰه وعلى واجب كافة المسيحيين ان يشهدوا للحق.‏ ففي السنة ١٩٣١،‏ تألّق نور جديد حين اعتنق تلاميذ الكتاب المقدس الاسم شهود يهوه.‏ فهذا الاسم المؤسس على الكتاب المقدس ليس مجرد لقب،‏ بل دليل يؤكد ان حامليه يؤيدون ويعلنون على السواء ان يهوه هو الاله الوحيد.‏ (‏اشعيا ٤٣:‏١٠-‏١٢‏)‏ فسبَّب ذلك عثرة لتلاميذ الكتاب المقدس الذين عارضوا عمل الكرازة.‏ فتركوا الهيئة،‏ حتى ان البعض ارتدوا ودعوا انفسهم الالفيين.‏ ولكن هل كان ايمان الاولياء سيصمد امام هذا الامتحان؟‏ وهل يواصلون القيام بتفويضهم الكرازي حتى في وجه المقاومة من رجال الدين والمرتدين على حدّ سواء؟‏

مع ان البعض استسلموا للضغط،‏ واصل كثيرون خدمتهم ليهوه بأمانة وغيرة.‏ ورد في تقرير عن سنة ١٩٣١:‏ «هنالك ٠٠٠‏,٢ اخ تقريبا في رومانيا.‏ ومع انهم يحتملون مشقات كبيرة،‏ فقد وزّعوا خلال هذه السنة ٥٤٩‏,٥ كتابا و ٨١١‏,٣٩ كراسا».‏ وفي السنة التالية،‏ تقدّم العمل اكثر ايضا اذ وزّع الاخوة ٦٣٢‏,٥٥ كتابا وكراسا.‏

وفي بعض الاحيان،‏ كان للاضطهاد ايضا ردّ فعل عكسي.‏ مثلا،‏ قرر كل الشهود في احدى المناطق ان يعلنوا امام المجتمع انفصالهم عن «بابل العظيمة».‏ (‏رؤيا ١٨:‏٢،‏ ٤‏)‏ فطوال خمسة ايام متتالية،‏ تدفق هؤلاء الاخوة والاخوات الشجعان على مبنى البلدية لكي يُعِدّوا وثائق انسحابهم من الكنيسة التي انتموا اليها.‏

عندما علم وجهاء المجتمع بما يحصل،‏ أُصيبوا بالذهول.‏ كما ارتاع الكاهن المحلي وهرع الى مركز الشرطة طالبا المساعدة،‏ لكنه لم يلقَ أذنا صاغية.‏ فسارع مجددا الى مبنى البلدية واتّهم كاتب العدل بأنه شيوعي لأنه يساعد الشهود على إعداد الوثائق.‏ فاغتاظ كاتب العدل وأجاب بغضب انه لو قصده كل افراد المجتمع فسيساعدهم في تحضير وثائق انسحابهم من الكنيسة.‏ وهكذا أُحبطت مساعي الكاهن وتمكن الاخوة من تحقيق مرادهم.‏

‏«هل تنوي إطلاق النار علي؟‏»‏

راح رجال الدين يوجّهون في مواعظهم انتقادات لاذعة الى شهود يهوه.‏ كما واصلوا الضغط على الحكومة لكي تحظر عملهم.‏ واستمرت وزارة الاديان،‏ الاداة السياسية في يد رجال الدين،‏ تستعمل رجال الشرطة لمضايقة الاخوة.‏ وذات مرة،‏ انتهك ضابط مسؤول في الشرطة وزميل له قانون الدولة ودخلا بيتا كان الاخوة يعقدون اجتماعا فيه.‏

قال الضابط لصاحب البيت الذي سندعوه جورج:‏ «اريد ان ارى إن كان لديكم اذن بعقد اجتماعات دينية».‏

توقّع جورج ان الضابط لا يملك اذنا بدخول المنزل،‏ فأجابه:‏ «بأي حقّ دخلت بيتي؟‏».‏

لم يعرف الرجل ماذا يجيب،‏ فطلب منه جورج ان يرحل.‏ فاتّجه على مضض نحو الباب وأمر زميله بأن يقف حارسا عند البوابة الخارجية ويعتقل الاخ اذا حاول مغادرة المكان.‏ وفي وقت لاحق،‏ عندما خرج جورج من المنزل،‏ اعتقله الضابط «باسم القانون».‏

فسأله جورج:‏ «باسم اي قانون؟‏».‏

اجابه الضابط بثقة:‏ «لدي مذكّرة بتوقيفك».‏

وبما ان جورج كان في السابق يعمل في المجال نفسه ويعرف القانون جيدا،‏ طلب ان يرى المذكّرة.‏ وكما ظنّ جورج،‏ لم يكن رجل الشرطة هذا يملك واحدة.‏ وبما ان القانون لا يسمح له باعتقال جورج،‏ اعتقد ان بإمكانه إخافته بتهديده بالمسدس.‏

فسأله جورج:‏ «هل تنوي إطلاق النار علي؟‏».‏

اجابه الضابط:‏ «كلا.‏ وهل انا احمق لأُقدِم على عمل كهذا؟‏».‏

فقال له جورج:‏ «اذًا لماذا تهدّدني بمسدسك؟‏».‏

عندئذ ادرك الرجل حماقة تصرفاته وغادر المكان.‏ لم يرد جورج ان يتكرر ما حصل،‏ لذلك رفع دعوى على الضابط المسؤول في الشرطة واتّهمه بانتهاك حرمة ممتلكاته الخاصة.‏ والمدهش انه ربح الدعوى ودفع الضابط غرامة مالية وحُكم عليه بالسجن ١٥ يوما.‏

وفي مناسبة اخرى،‏ قدّم اخ مسنّ شهادة رائعة في المحكمة.‏ فقد امسك القاضي بيده كتابين من اصدار شهود يهوه وراح يلوّح بهما امام الاخ متَّهما اياه بالترويج لأفكار دينية خاطئة.‏

فأجابه الاخ:‏ «اذا كنت ستدينني لأنني انادي بحق كلمة اللّٰه،‏ فلن اعتبر ذلك عقابا بل وسام شرف يُعلَّق على صدري.‏ فقد قال الرب يسوع لأتباعه ان يفرحوا عندما يُضطهَدون من اجل البر لأن الانبياء هكذا عُوملوا في الماضي.‏ وفي الواقع،‏ يسوع نفسه اضطُهد وصُلب لا لأنه ارتكب خطية بل لأنه تكلم بالحق الذي ناله من اللّٰه».‏

وتابع الاخ:‏ «لذلك اذا حكمت هذه المحكمة بإدانتي لأنني انادي برسالة المسيح عن الملكوت مستعملا هذين الكتابين،‏ تكون قد ادانت رجلا لم يرتكب اي جرم».‏ وعلى الاثر،‏ اسقط القاضي التهم الموجهة ضد الاخ.‏

‏‹لا احد من الاخوة يحتمل صعوبات اعظم›‏

بعد سنة ١٩٢٩،‏ شهدت اسعار المحاصيل الزراعية انخفاضا حادًّا وتفشّت البطالة في البلاد وعمّ الاضطراب السياسي،‏ الامر الذي ادّى الى ازدياد سريع في عدد الكتل السياسية المتطرفة،‏ ومنها الفاشية.‏ وخلال الثلاثينات،‏ صارت رومانيا تدريجيا تحت سيطرة المانيا النازية.‏ لم تبشّر هذه التطورات شهود يهوه بالخير.‏ ذكر الكتاب السنوي لعام ١٩٣٦:‏ «لا يواجه الاخوة في اي جزء من الارض صعوبات تضاهي ما يواجهه الشهود في رومانيا».‏ ومن السنة ١٩٣٣ الى ١٩٣٩،‏ رُفعت ٥٣٠ دعوى قضائية ضد شهود يهوه.‏ طبعا،‏ كان المدّعون العامون يطالبون تكرارا بحظر العمل وإقفال مكتب بخارست.‏

وقد تحقق مبتغاهم في آخر الامر.‏ ففي ١٩ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٣٥ عند الساعة الثامنة مساء،‏ وصل الى المكتب رجال الشرطة حاملين معهم اذنا تبيَّن لاحقا انه غير شرعي.‏ فصادروا الملفات وأكثر من ٠٠٠‏,١٢ كراس وعيَّنوا حارسا للمكان.‏ غير ان احد الاخوة انسلّ من الباب الخلفي واتصل بمحامٍ متعاطف كان ايضا عضوا في مجلس الشيوخ.‏ فاتصل المحامي بالسلطات المختصة وألغى الإقفال غير الشرعي وأُعيدت كل الملفات الى المكتب.‏ لكنَّ فرحة الاخوة لم تدم طويلا.‏

ففي ٢١ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٣٧،‏ أصدرت وزارة الاديان قرارا نُشر في الجريدة الرسمية وسائر الصحف ورد فيه ان نشاط شهود يهوه محظور كليا في رومانيا،‏ وكل مَن يوزّع او حتى يقرأ مطبوعاتهم يعرّض نفسه للسجن والعقاب،‏ وسوف تُصادَر كل المطبوعات التي في حوزته.‏

لكنّ الاخوة استأنفوا الحكم.‏ وبما ان الوزير المعنيّ كان يعلم ان قضيته خاسرة،‏ أجّل جلسة السماع ثلاث مرات.‏ وقبل ان يحين موعد الجلسة الاخيرة،‏ أعلن الملك كارول الثاني رومانيا حكومة دكتاتورية.‏ وفي حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٣٨،‏ صدر حكم جديد بحقّ شهود يهوه.‏ ومجددا رفع الاخوة دعوى قضائية وكتبوا مذكّرة رسمية للملك يقولون فيها ان مطبوعات الشهود تلعب دورا تعليميا لا تخريبيا،‏ وإنها لا تحرّض القراء على اعمال الشغب.‏ كما اشارت المذكّرة الى قرار سابق في هذا الخصوص اتخذته المحكمة العليا.‏ فحوَّل الملك المذكّرة الى وزارة الاديان.‏ والنتيجة؟‏ في ٢ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٣٨،‏ أقفلت الوزارة مكتب بخارست وختمته بالشمع الاحمر.‏

خلال هذه الفترة العصيبة،‏ اعتُقل عدد من الاخوة بمن فيهم عائلات بأكملها وحُكم عليهم بالسجن.‏ وكان جرمهم الوحيد في بعض الاحيان انهم سُمعوا في حرمة بيوتهم ينشدون ترانيم الملكوت.‏ وتراوحت الاحكام بين ثلاثة اشهر وسنتين.‏ ولكن كيف سُمعوا ينشدون هذه الالحان؟‏ استخدم رجال الدين اشخاصا لكي يتجسسوا على الاخوة.‏ فكانوا يتظاهرون بأنهم عمال او باعة متجولون او غير ذلك.‏

واعتُقل ايضا كل مَن وُجدت لديه مطبوعاتنا.‏ مثلا،‏ اعتاد اخ يعمل في قطع الاخشاب ان يأخذ معه الى الغابة كتابه المقدس و الكتاب السنوي‏.‏ ولكن في احد الايام،‏ فتّش رجال الشرطة أغراض جميع العمال الشخصية وعثروا على المطبوعتين بين أغراض الاخ.‏ فاعتقلوه وأرغموه على السير معهم مسافة ٢٠٠ كيلومتر الى المحكمة حيث حُكم عليه بالسجن ستة اشهر.‏ وفي الحديث عن السجون،‏ كانت هذه الاماكن تغصّ بالسجناء وتعجّ بالقمل والقذارة.‏ وكان الحساء،‏ الذي يحتوي على الكثير من الماء والقليل من المواد المغذِّية،‏ الطعام الوحيد المتوفر هناك.‏

المزيد من المحن مع بداية الحرب العالمية الثانية

عندما بزغ فجر الاول من ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٣٩،‏ كانت الفيالق الالمانية تجتاح بولندا.‏ فشكّل ذلك الشرارة التي أشعلت نيران صراع عالمي جديد،‏ صراع كان سيترك آثارا بالغة وطويلة الامد في رومانيا.‏ فقد سعى الاتحاد السوفياتي وألمانيا،‏ اللذان وقّعا سابقا معاهدة عدم اعتداء،‏ الى فرض سيطرتهما على المنطقة.‏ فجزّآ اوروبا الشرقية الى مناطق نفوذ وقطّعا رومانيا كما يُقطَّع قالب الحلوى.‏ فأخذت هنغاريا ترانسيلڤانيا الواقعة في الشمال واستولى الاتحاد السوفياتي على بسارابيا وشمال بوكوڤينا،‏ في حين سيطرت بلغاريا على جنوب دوبروجا.‏ فخسرت رومانيا بذلك حوالي ثلث سكانها وأراضيها.‏ وفي السنة ١٩٤٠،‏ تولّت الحكومة الدكتاتورية الفاشية زمام السلطة.‏

علّقت الحكومة الجديدة الدستور وأصدرت مرسوما تعترف فيه بتسعة اديان فقط.‏ وكانت الكنائس الارثوذكسية والكاثوليكية واللوثرية الابرز بينها.‏ واستمر الحظر على شهود يهوه،‏ كما كثرت الاعمال الارهابية.‏ وفي تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٤٠،‏ احتلت الفيالق الالمانية البلاد.‏ في ظل هذه الظروف العصيبة،‏ انقطعت كليا الاتصالات بين رومانيا ومكتب اوروبا الوسطى في سويسرا.‏

وبما ان غالبية الشهود في البلاد يعيشون في ترانسيلڤانيا،‏ انتقل الاخ مارتن ماجروشي من بخارست الى هناك واستقرّ في تيرغو موريش.‏ وكانت زوجته ماريا قد سبقته الى تلك المنطقة لأسباب صحية.‏ وانتقل پامفيل ويِلينا ألبو،‏ اللذان خدما ايضا في مكتب بخارست،‏ الى بايا ماري في اقصى الشمال.‏ فعمل الاخوان ماجروشي وألبو من هاتين المدينتين على إعادة تنظيم عمل الكرازة وطبع برج المراقبة بشكل سري.‏ وبقي زميلهما تيودور مورِساش في بخارست حيث نسّق العمل في الاجزاء المتبقية من رومانيا الى ان اعتُقل سنة ١٩٤١.‏

في كل تلك الفترة،‏ بقي الاخوة مشغولين بالخدمة،‏ واغتنموا كل فرصة ليوزّعوا ولكن بحذر شديد المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس.‏ على سبيل المثال،‏ كانوا يتركون الكراريس في الاماكن العامة،‏ من المقاهي حتى مقصورات القطار،‏ راجين ان تلفت انتباه الناس.‏ كما استمروا في اتّباع مشورة الاسفار المقدسة ان يجتمعوا معا من اجل تبادل التشجيع الروحي،‏ مع الحرص التام ألّا يثيروا الشبهات.‏ (‏عبرانيين ١٠:‏٢٤،‏ ٢٥‏)‏ مثلا،‏ استغل الاخوة الذين يعيشون في الارياف الحفلات التقليدية التي تُقام ايام الحصاد،‏ حين يتعاون المزارعون على جمع المحاصيل ثم يحتفلون معا ويروون النكات والقصص المسلية.‏ فكان الاخوة يستبدلون هذه الحفلات بالاجتماعات المسيحية.‏

‏«من كل وجه يُضيَّق علينا»‏

أُلقي القبض على الاخ ماجروشي في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٤٢ لكنه واصل من السجن تنسيق عمل الكرازة.‏ واعتُقل ايضا الزوجان ألبو مع حوالي ٠٠٠‏,١ اخ وأخت أُطلق سراح كثيرين منهم بعد ان ضُربوا واحتُجزوا ستة اسابيع تقريبا.‏ وحُكم على مئة شاهد،‏ بمن فيهم عدة اخوات،‏ بالسجن مدة تراوحت بين سنتين وخمس عشرة سنة بسبب حيادهم المسيحي.‏ كما حُكم على خمسة اخوة بالاعدام.‏ لكنَّ هذه الاحكام خُفِّفت لاحقا الى السجن المؤبد.‏ وكانت الشرطة المسلَّحة تقتحم البيوت تحت جنح الظلام وتطرد الامهات والاولاد الصغار الذين كانوا يتركون وراءهم مواشيهم وبيوتهم لقمة سائغة للسارقين.‏

وفي معسكرات الاعتقال،‏ استقبل الاخوةَ مجموعة من الحراس مهمّتهم «الترحيب» بالسجناء.‏ فكانوا يربطون رجلَي السجين معا ويمدّدونه على الارض فيما يجلد جندي آخر رجليه الحافيتين بهراوة مطاطية مقوّاة بأسلاك معدنية.‏ نتيجة لذلك،‏ كانت العظام تتكسر وأظافر الأرجل تُقتلَع والجلد يسودّ ويتقشّر احيانا مثل لحاء الشجر.‏ وكان رجال الدين الذين يقومون بجولات تفقدية في المعسكرات ويشهدون هذه الاعمال الوحشية يقولون باستهزاء:‏ «اين هو إلهكم يهوه ليخلّصكم من يدنا؟‏».‏

حقا،‏ كان المضطهِدون ‹يضيِّقون على الاخوة من كل وجه›،‏ لكنَّ الاخوة لم يكونوا «مخذولين».‏ (‏٢ كورنثوس ٤:‏٨،‏ ٩‏)‏ وفي الواقع،‏ كانوا يُعَزّون السجناء الآخرين برجاء الملكوت.‏ وقد قبِل هذا الرجاء سجناء عديدون.‏ خذ على سبيل المثال تيودور ميرون من قرية توپليتزا في شمال شرق ترانسيلڤانيا.‏ قبل الحرب العالمية الثانية،‏ توصل تيودور الى الاستنتاج ان اللّٰه يحرّم على البشر ان يسلبوا حياة الآخرين.‏ وعلى هذا الاساس،‏ رفض الانخراط في الجيش.‏ فحُكم عليه في ايار (‏مايو)‏ ١٩٤٣ بالسجن خمس سنوات.‏ وسرعان ما التقى الاخ مارتن ماجروشي وپامفيل ألبو وغيره من الاخوة السجناء وقبِلَ درسا في الكتاب المقدس.‏ وقد احرز تقدما روحيا سريعا اذ نذر حياته ليهوه في غضون اسابيع.‏ ولكن كيف كان سيعتمد؟‏

أُتيحت له الفرصة حين أُخذ هو ونحو ٥٠ شاهدا رومانيا عبر طريق فرعية الى معسكر الاعتقال النازي في بلدة بور الواقعة في صِربيا.‏ وفي الطريق،‏ توقف السجناء في مدينة ياسبيريني بهنغاريا حيث انضمّ اليهم اكثر من مئة اخ يتكلمون الهنغارية.‏ وخلال هذه الاستراحة،‏ ارسل الحراس عدة اخوة الى النهر كي يملأوا برميلا بالماء.‏ وبما انهم كانوا قد كسبوا ثقة الحراس،‏ فلم يرافقهم اي من هؤلاء.‏ فذهب تيودور مع الاخوة واعتمد في النهر.‏ ومن ياسبيريني،‏ أُخذ السجناء بالقطار ثم بالمركب الى بلدة بور.‏

في تلك الفترة،‏ تضمن معسكر بور ٠٠٠‏,٦ سجين يهودي،‏ ١٤ مجيئيا،‏ و ١٥٢ شاهدا ليهوه.‏ يتذكر الاخ ميرون:‏ «كانت الظروف مريعة لكنَّ يهوه اعتنى بنا.‏ فقد تعاطف معنا حارس كان يذهب تكرارا الى هنغاريا وراح يُدخل المطبوعات الى المعسكر.‏ وكان بعض الشهود الذين يعرفهم ويثق بهم يعتنون بعائلته في غيابه،‏ فصار مثل اخ لهم.‏ فبات هذا الرجل،‏ الذي حمل رتبة ملازم اول،‏ يحذّرنا حين يعرف ان شيئا ما سيحصل.‏ وبين المعتقلين في المعسكر،‏ كان هنالك ١٥ شيخا كما يُدعَون اليوم.‏ وقد رتّبوا لعقد ثلاثة اجتماعات في الاسبوع.‏ وكمعدل،‏ كان ٨٠ شخصا تقريبا يحضرونها حين تسمح لهم نوبات عملهم.‏ وقد احتفلنا ايضا بذِكرى موت المسيح».‏

في بعض المعسكرات،‏ سُمح للشهود خارج السجن بأن يجلبوا الطعام وحاجيات اخرى لإخوتهم المحتجَزين.‏ وبين السنة ١٩٤١ و ١٩٤٥،‏ أُرسل الى معسكر الاعتقال في شيبوت بترانسيلڤانيا حوالي ٤٠ شاهدا من بسارابيا،‏ ترانسيلڤانيا،‏ ومولدوفا.‏ وكان هؤلاء السجناء يذهبون يوميا للعمل في مصنع محلي للاخشاب.‏ وبما ان الطعام قليل في المعسكر،‏ فقد جلب الشهود الذين يقيمون في الجوار الطعام واللباس الى المصنع كل اسبوع.‏ وكان الاخوة يوزِّعون هذه الاشياء حسب الحاجة.‏

قدّمت هذه الاعمال الحسنة شهادة رائعة للسجناء الآخرين والحراس على السواء.‏ كما لاحظ الحراس ان شهود يهوه اشخاص جديرون بالثقة وأهل للمسؤولية.‏ لذلك تساهلوا معهم في امور لا تحقّ عموما للسجناء العاديين،‏ حتى ان احد الحراس في شيبوت اعتنق الحق.‏

بركات ما بعد الحرب

عندما وضعت الحرب أوزارها في اوروبا في ايار (‏مايو)‏ ١٩٤٥،‏ أُطلق سراح جميع شهود يهوه الذين كانوا محتجَزين في السجون ومعسكرات العمل الالزامي.‏ فعاد الى بخارست مارتن ماجروشي الذي كان عمره آنذاك ٦٢ سنة ووجد المكتب القديم فارغا مكنَّسا.‏ فلم يبقَ لدينا حتى آلة كاتبة واحدة!‏ قال احد التقارير:‏ «بدأنا عمل الرب مجددا من الصفر».‏ ولم يكتفِ الاخوة بتنظيم العمل،‏ بل سعوا ايضا الى تسجيله شرعيا،‏ وسرعان ما اثمرت جهودهم.‏ ففي ١١ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٤٥،‏ جرى تسجيل جمعية شهود يهوه في رومانيا.‏

سهّلت هذه الخطوة تنظيم الاجتماعات العامة والمحافل وإنتاج المطبوعات،‏ مما ساهم في تنشيط العمل وإزالة الكثير من التشويش والانشقاقات التي نشأت مع مرور الوقت.‏ فخلال السنة الاولى بعد الحرب،‏ أنتج الاخوة،‏ رغم النقص في كمية الورق الذي عانت منه البلاد،‏ نحو ٠٠٠‏,٨٧٠ كراس وأكثر من ٥٠٠‏,٨٥ نسخة من برج المراقبة‏،‏ كما اعتمد ٦٣٠‏,١ شخصا.‏

بدأ الاخوة يكرزون علنا حتى قبل ان يحصلوا على الاعتراف الشرعي.‏ كما رتّبوا لعقد اجتماعات وإلقاء خطابات عامة خصوصية.‏ يخبر احد الاخوة عن الامور التي شهدها في مقاطعة ماراموريس:‏ «حين كانت الجيوش في طور الانسحاب،‏ بدأ الاخوة يعقدون اجتماعاتهم.‏ فكنا نراهم يتقاطرون بمنتهى الشجاعة من كل القرى في المنطقة.‏ حقا،‏ اتّسمت هذه الفترة بالحماس والفرح.‏ حتى ان بعض الذين حضروا الاجتماعات قطعوا مسافة ٨٠ كيلومترا وهم يرنمون ويشهدون للناس الذين يلتقونهم.‏ وفي كل يوم أحد،‏ كان العريف يعلن عن مكان الاجتماع يوم الاحد المقبل».‏

وكان الاخوة يعلنون عن الخطابات العامة ويلقونها في البلدات والقرى حيث هنالك عدد قليل من الشهود او لا شهود على الاطلاق.‏ فكانوا يبدأون رحلتهم في منتصف الليل تقريبا سائرين مسافة قد تصل الى مئة كيلومتر.‏ ونظرا الى كلفة الاحذية الباهظة،‏ كثيرا ما قطع الاخوة هذه المسافة حفاة الاقدام واضعين احذيتهم على اكتافهم.‏ اما في ايام البرد القارس والحرّ اللاذع فكانوا ينتعلونها.‏ وفي اليوم نفسه قبل الاجتماع،‏ كانوا يوزِّعون المطبوعات ويعلنون محور الخطاب ثم يدعون الناس الى حضوره.‏ وبعد الخطاب،‏ يعودون الى بيوتهم.‏

عقد الاخوة عشرات المحافل في بايا ماري،‏ كلوج-‏ناپوكا،‏ تيرغو موريش،‏ وأوكنا موريش.‏ وقد حضرها مئات الشهود والاشخاص المهتمين.‏ وأحد الاوجه البارزة في محفل نظّمه الاخوة في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٤٥ في بايا ماري هو المعمودية التي عُقدت في حديقة يملكها احد الاخوة تبعد عن البلدة مسافة عشرة كيلومترات.‏ وبعد خطاب المعمودية الذي أُلقي هناك،‏ جرى تغطيس ١١٨ مرشحا في مياه نهر لَپوشول الذي يجري بمحاذاة الحديقة.‏ حقا،‏ كانت هذه المعمودية حدثا لا يُنسى في ذلك الموقع الطبيعي الخلّاب!‏

وفي تيرغو موريش،‏ استأجر الاخوة مسرحا يتّسع لثلاثة آلاف شخص.‏ وفي اليوم الذي سبق المحفل،‏ ابتدأ المندوبون يتقاطرون الى المكان مستقلين القطار،‏ او راكبين الدراجات الهوائية او العربات التي تجرّها الاحصنة،‏ او حتى سيرا على الاقدام.‏ وعلى الفور،‏ شرع البعض منهم يكرزون ويدعون الناس الى المحاضرة العامة التي تناولت موضوع فلك نوح.‏ وحين رأى الاخوة الاعلانات عن الخطاب مكتوبة بطريقة فنية جميلة ومعلَّقة في كل انحاء البلدة،‏ فاضت عيونهم بدموع الفرح.‏ فلم يخطر في بالهم قط انهم سينعمون يوما بحرية الكرازة بالبشارة!‏

وقد بارك يهوه بسخاء الجهد الدؤوب الذي بذله الاخوة،‏ اذ حضر المحفل عدد كبير من الناس بحيث لزم تثبيت مكبِّرَين للصوت خارج المسرح من اجل الحشود المتجمِّعة هناك.‏ وبهذه الطريقة استطاع ايضا كثيرون من الجيران ان يستمعوا الى البرنامج من خلف نوافذ بيوتهم.‏ ودُعي ايضا الوجهاء والمسؤولون في المدينة لكي يروا ويسمعوا هم بأنفسهم شهود يهوه.‏ وما يثير الدهشة ان هؤلاء المدعوين ملأوا كافة المقاعد المخصصة لهم!‏ حتى انهم شاركوا في إنشاد ترانيم الملكوت.‏

اول محفل على صعيد البلد

في نهاية الاسبوع الواقعة في ٢٨ و ٢٩ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٤٦،‏ عقد شهود يهوه في المدرَّجات الرومانية في بخارست اول محفل على صعيد البلد.‏ وقد وافقت شركة السكك الحديدية الرومانية على تأمين قطار خصوصي لنقل الاخوة وعلى خفض ثمن التذكرة ايضا ٥٠ في المئة!‏ فأقلَّ هذا القطار اكثر من الف مندوب توافد بعضهم من اقاصي البلاد على العاصمة بخارست.‏ وحمل كثيرون منهم لافتات اثارت الى حد كبير فضول الناس على طول الطريق.‏ لكنَّ الرحلة لم تمرّ دون مشاكل.‏

فقد سمع رجال الدين عن المحفل وحاولوا ايقاف القطار.‏ ففي نهار الجمعة قبل المحفل بيوم،‏ بدأ الشهود المحليون عند الساعة التاسعة صباحا يتجمعون في محطة القطار للترحيب بالاخوة الذين كان متوقَّعا ان يصلوا في غضون ساعة.‏ لكنَّهم انتظروا بصبر حتى الساعة السادسة مساء الى ان وصل القطار اخيرا الى المحطة.‏ ويعجز اللسان عن وصف الفرح والحماس اللذين غمرا الاخوة الزائرين والمستقبِلين فيما راحوا يعانقون واحدهم الآخر!‏ ومع ان افرادا من الشرطة المسلَّحة كانوا موجودين ليحافظوا على النظام،‏ فقد وقفوا مكتوفي الايدي لأنه لم يحصل ما يستدعي تدخلهم.‏

بما ان الحرب دمّرت قسما كبيرا من بخارست،‏ بما في ذلك نحو ٠٠٠‏,١٢ منزل،‏ فقد كانت اماكن المنامة محدودة.‏ لكنَّ الاخوة تدبّروا المسألة بكل مهارة.‏ فقد اشتروا كومة من القش وفرشوها في حقل يملكه اخ يعيش في ضاحية تُدعى بِرتشِني.‏ وبما ان الطقس كان دافئا بعكس ما هو معتاد في اواخر شهر ايلول (‏سبتمبر)‏،‏ استطاعت العائلات والاولاد ان ينعموا بالراحة على فراش من القش تحت السماء المرصَّعة بالنجوم.‏ اما اليوم فقد شُيِّدت في الموقع نفسه قاعة ملكوت جميلة جدا.‏

يوم السبت صباحا،‏ فرح الحاضرون البالغ عددهم ٤٠٠‏,٣ شخص بسماع الخبر ان برج المراقبة عادت تصدر مرتين في الشهر بالرومانية والهنغارية كلتيهما.‏ وقد وُزِّعت على الاخوة في ذلك الصباح الف نسخة من العدد الاول.‏ وطوال فترة من الوقت،‏ تضمنت هذه المجلة اربع مقالات درس لكي يتمكن جميع الاخوة من تعويض المعلومات التي خسروها خلال الحرب.‏

خُصِّص صباح يوم الاحد لعمل الشهادة.‏ فتوزَّعت فرق الناشرين في كل ارجاء المنطقة وراحوا يعلنون عن الخطاب العام.‏ وقد حملت لافتاتهم صورة مطرقة وسيف وسندان،‏ بالاضافة الى هذه الكلمات:‏ «‹السيوف تُطبَع سككا› كلمات اوحى بها اللّٰه الى اثنين من انبيائه.‏ ولكن من سيطبّقها؟‏».‏ ووزّع الناشرون على الناس الدعوات والمجلات التي حملوها في حقائب قماشية بيضاء تُعلَّق بالكتف.‏ وقد كُتب عليها «شهود يهوه» او «منادون بملكوت اللّٰه» او «منادون بالثيوقراطية».‏

وبعد الظهر،‏ استهلّ الاخ مارتن ماجروشي المحاضرة العامة قائلا:‏ «في هذا اليوم،‏ تعقد الدول العظمى مؤتمرا للسلام في باريس.‏ وهنا في محفلنا هذا تجتمع ٠٠٠‏,١٥ نسمة.‏ وإذا فتّشتم كل شهود يهوه الحاضرين،‏ فلن تجدوا سيفا او سلاحا.‏ والسبب؟‏ لأننا سبق ان طبعنا سيوفنا سككا!‏».‏ وبما ان آثار الحرب كانت لا تزال بادية في كل مكان،‏ فقد اتى هذا الخطاب في حينه وترك اثرا بالغا في الحاضرين.‏

وكان بين الحضور يوم الاحد المدّعي العام،‏ احد امناء سر وزير الشؤون الداخلية،‏ بالاضافة الى عدد من المسؤولين في الشرطة ومجموعة من الكهنة الارثوذكس.‏ وقد توقع الاخوة والمسؤولون في الشرطة ان ينفِّذ الكهنة تهديدهم ويُحدِثوا تشويشا في المحفل.‏ لكنَّ واحدا فقط حاول ان يقاطع البرنامج.‏ وحين رآه الاخوة يتجه نحو منبر الخطيب خلال الخطاب العام،‏ أوقفوه وتأبطوا ذراعيه بإحكام وأعادوه الى مكانه هامسين في أذنه:‏ «لا داعي ان يخاطب كاهن ارثوذكسي الحضور في هذا المحفل.‏ ولكن اذا اردت ان تجلس وتستمع الى البرنامج،‏ فأنت على الرحب والسعة».‏ فلم يُعِد الكَرّة مطلقا.‏ وقال لاحقا المدّعي العام انه استمتع بالخطابات وأُعجب بالتنظيم الموجود بين شهود يهوه.‏

وفي ما بعد،‏ كتب اخ عن ذلك المحفل:‏ «أُحبطت تماما كل مؤامرات العدو وعاد الاخوة الى بيوتهم يفيضون فرحا وسرورا».‏ كما ان روح السلام والوحدة التي اعرب عنها مجددا الحاضرون شجّعت كثيرين ممن اتوا الى المحفل وفي داخلهم مشاعر متضاربة سبَّبتها الانقسامات التي نشأت خلال الحرب.‏

في تلك الفترة،‏ لم تعد الامور تجري كما يشاء رجال الدين.‏ فلم يعد بإمكانهم في اماكن كثيرة ان يعتمدوا على السلطات لتحقِّق مآربهم المتعلقة بشهود يهوه.‏ لكنهم لم يتوقفوا عن انتقاد الاخوة من على منابر الوعظ.‏ وذهب بعض رجال الدين الى ابعد من ذلك اذ استأجروا عصابات من المشاغبين لضرب ناشري الملكوت —‏ الذكور والاناث على السواء —‏ عند رؤيتهم في الخدمة.‏ وذات مرة،‏ هجمت زوجة كاهن ارثوذكسي على اخت فاتحة وراحت تضربها بعصا تحملها الى ان انكسرت العصا!‏ ذكر تقرير حول تلك الفترة:‏ «اتّخذنا الكثير من الاجراءات القانونية ضد رجال الدين هؤلاء».‏

المزيد من الجهود لردّ الوحدة

سنة ١٩٤٧،‏ أتى الاخ ألفرايت روتيمان من فرع سويسرا وأمضى شهرين في رومانيا.‏ وكان من المقرَّر ان يُعقَد محفل آنذاك وأن يترافق الاخ روتيمان مع الاخ هايدن ك.‏ كوڤنڠتن القادم من المركز الرئيسي العالمي في جولة في انحاء البلاد.‏ لكنَّ السلطات لم تسمح للإخوة بأن يعقدوا المحفل،‏ كما رفضت إعطاء الاخ كوڤنڠتن تأشيرة دخول.‏ غير انها منحت ألفرايت روتيمان تأشيرة مدتها شهران،‏ مما أتاح له ان يقضي آب وأيلول (‏اغسطس وسبتمبر)‏ في رومانيا.‏

كانت محطته الاولى في بخارست حيث استقبله في المطار فريق من الاخوة والاخوات ارتسمت على وجوههم ابتسامات عريضة.‏ وقدموا له باقة جميلة من الازهار عبّرت بالطريقة التقليدية عن ترحيبهم بالضيف الزائر.‏ بعد ذلك،‏ اصطحبه الاخوة الى مكتب بخارست الواقع في ٣٨ شارع ألْيون في منزل رجل مهتم.‏ كان المكتب قد نُقل الى هناك في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٤٧.‏ ولكن بسبب التهديدات المتزايدة من الشيوعيين،‏ ظلّ العنوان الرسمي للاخوة في المكتب الواقع في ٣٨ شارع بيسَرابيا الذي حصلوا عليه في تموز (‏يوليو)‏ ١٩٤٥.‏ وكان كل ما احتواه هذا المكتب طاولة وأريكة قديمتين،‏ آلة كاتبة مكسورة،‏ وخزانة مليئة بكراريس ومجلات مصفرّة —‏ اشياء لا تعيق العمل في حال صادرتها الشرطة.‏ وبين الحين والآخر،‏ كانت احدى الاخوات تعمل هناك.‏

التقى الاخ روتيمان الأخ پامفيل ألبو الذي كان رئيس المؤسسة الشرعية والأخ مارتن ماجروشي الذي تولى آنذاك الاشراف على العمل في البلد.‏ وقد خدم الأخَوان ايضا كناظرَي كورة.‏ وبما ان الاتصالات كانت صعبة خلال عدد من السنوات،‏ فرح الاخوة الرومانيون كثيرا بمعرفة التطورات الاخيرة في هيئة يهوه،‏ مثل تأسيس مدرسة الخدمة الثيوقراطية في الجماعات ومدرسة جلعاد التي تمنح التدريب للمرسلين.‏ وبالطبع،‏ كان الجميع متحمسين للابتداء بعقد المدرسة الثيوقراطية في رومانيا.‏ لذلك رتّب الاخوة على الفور ان تُطبَع على مراحل وباللغتين الرومانية والهنغارية الدروس التسعون في الكتاب الدراسي مساعِد ثيوقراطي لناشري الملكوت.‏

كان الهدف الرئيسي الذي سعى الاخ روتيمان الى تحقيقه هو زيارة اكبر عدد ممكن من الجماعات والفرق لإلقاء الخطابات الرئيسية التي كانت سترد في المحفل الذي لم يُسمَح بعقده.‏ لذلك انطلق هو والاخ ماجروشي الذي لعب دور المترجم في جولة تألفت من مرحلتين وشملت المناطق التي ترسخت فيها جذور الحق.‏ وكانت المحطة الاولى في ترانسيلڤانيا.‏

زيارة ترانسيلڤانيا ومناطق اخرى

في ترانسيلڤانيا كما في معظم المناطق الاخرى،‏ بذل الناشرون جهودا جبارة لحضور الاجتماعات الخصوصية.‏ فقد كانوا مستعدين ان يسهروا حتى وقت متأخر من الليل بسبب برنامج الزائرَين المكثف.‏ مثلا،‏ في قرية ڤاما بوزَولوي،‏ بدأ البرنامج الساعة العاشرة مساء وانتهى في الساعة الثانية من صباح اليوم التالي دون ان يتفوه الحضور البالغ عددهم ٧٥ شخصا بكلمة تذمر واحدة.‏

كتب لاحقا الاخ ألفرايت روتيمان:‏ «الناس هنا لديهم مفهومهم الخاص في ما يتعلق بالوقت.‏ فهم لا يمانعون ان يستيقظوا في الساعة الثانية او الثالثة صباحا لاستقبال الزوار.‏ كما انهم لا يقلقون حيال الدقائق او حتى الساعات التي تمرّ.‏ ورغم انهم يتنقلون سيرا على الاقدام —‏ وفي بعض الاحيان يسيرون حفاة مسافات طويلة —‏ يبدو ان لديهم متسعا من الوقت وأنهم لا يشعرون بإجهاد كبير بخلافنا نحن.‏ في البداية،‏ شعرت انه من الجنون ان نرتّب لعقد اجتماع في وقت متأخر من الليل،‏ لكنّ الاخ ماجروشي أكّد لي العكس».‏

كانت محطتنا التالية في مدينة تيرغو موريش التي بلغ عدد سكانها آنذاك ٠٠٠‏,٣١ نسمة.‏ وقد عانت هذه المدينة ايضا الكثير اثناء الحرب،‏ حتى ان المرء يكاد لا يجد فيها جسرا غير متهدم.‏ رغم ذلك،‏ قطع ٧٠٠ اخ وأخت من ٢٥ جماعة نحو خمسين كيلومترا للوصول الى مكان الاجتماع الذي كان عبارة عن قطعة ارض أُزيلت منها الاشجار في غابة مجاورة للمدينة.‏

سافر الأخَوان ايضا الى كلوج-‏ناپوكا حيث اجتمعا مع ٣٠٠ شخص يمثلون ٤٨ جماعة.‏ وأثناء الزيارة،‏ اخذ الاخ ماجروشي الاخ روتيمان الى المطبعة التي خسرها الاخوة سنة ١٩٢٨ بسبب ما فعله ياكوب شيما.‏ وماذا حلّ بهذا الرجل؟‏ كتب الاخ روتيمان في تقريره:‏ «لقد صار شخصا سكّيرا ومات السنة الفائتة».‏

توقف الأخَوان ايضا في مدينتَي ساتوماري وسيڠيت مارماتييه الواقعتين بالقرب من اوكرانيا.‏ وقد تضمنت هاتان المنطقتان اكثر من ٤٠ جماعة ناطقة باللغات الرومانية والهنغارية والاوكرانية.‏ وفي تلك البقعة من رومانيا،‏ كان المزارعون والقرويون ينعمون باكتفاء ذاتي جعلهم يستغنون تقريبا عن اي شيء من الخارج.‏ فقد زرعوا هم بأنفسهم كل المحاصيل التي تزوّدهم بالطعام،‏ بالاضافة الى الكتّان والقنَّب.‏ واعتادوا على تربية مواشيهم الخاصة،‏ وخصوصا الخراف.‏ كما انهم صنعوا الملابس والحرامات ودبغوا جلود حيواناتهم.‏ وكان سكّاف القرية يصنع الاحذية للسكان.‏ وفي الاجتماعات الخصوصية،‏ حضر كثيرون من الاخوة والاخوات لابسين ازياءً تقليدية مطرّزة صنعوها هم بأنفسهم من خيوط الكتّان والقنَّب.‏

في المرحلة الثانية من الجولة،‏ قصد الأخَوان روتيمان وماجروشي مولداڤيا الواقعة في شمال شرق رومانيا.‏ فتوقفا اولا في منطقة فرَتاوتزي حيث الاخوة المحليون مضيافون للغاية رغم كونهم فقراء.‏ فعلى ضوء المصابيح الزيتية الخافت،‏ راحوا يقدّمون لضيفَيهم الحليب الطازج،‏ الخبز،‏ دقيق الذرة المطبوخ،‏ والبيض المسلوق المقشَّر والمغمَّس جزئيا في الزبدة الذائبة.‏ وكان الجميع يأكلون في اوعية صغيرة.‏ كتب الاخ روتيمان:‏ «كان الطعام لذيذا للغاية!‏».‏ وفي تلك الليلة،‏ نام الأخَوان الزائران في المطبخ على أسرّة وُضعت قرب الفرن ليستدفآ،‏ في حين نام اهل البيت بالقرب منهما على اكياس من القشّ.‏

اعرب الشهود في هذه المنطقة عن غيرة كبيرة في الخدمة،‏ فأغدق يهوه عليهم بركاته السخية.‏ ففي ربيع سنة ١٩٤٥،‏ اخبر احد التقارير ان ٣٣ ناشرا يخدمون في تلك المنطقة.‏ اما تقرير سنة ١٩٤٧،‏ فذكر ان هذا العدد ازداد عشرة اضعاف خلال سنتين فقط حتى وصل الى ٣٥٠ ناشرا!‏

ولكي يضفي الأخَوان على رحلتهما طابعا ريفيا،‏ استقلّا عربة يجرّها حصانان اقلّتهما مسافة ١٢٠ كيلومترا الى بالكاوتزي وإيڤَنكاوتزي.‏ كتب احد الاخوة:‏ «الاحصنة الرومانية ممتازة رغم صغر حجمها.‏ فهي تسير على كل الطرقات مهما كانت وعرة،‏ وفي اي وقت من اليوم سواء في الليل او النهار».‏ تألفت جماعة بالكاوتزي التي تأسست سنة ١٩٤٥ من ناشرين كانوا ينتمون الى احدى الكنائس الانجيلية.‏ وكان خادم الجماعة هو الكارز العلماني في كنيستهم السابقة.‏ أما في ايڤَنكاوتزي فقد عُقد الاجتماع داخل بيت احد الاخوة بسبب تساقط الامطار.‏ لكنَّ ذلك كان مجرد عائق صغير تخطاه بسهولة الحضور البالغ عددهم ١٧٠ شخصا الذين سار بعض منهم ٣٠ كيلومترا حفاة الاقدام للوصول الى هناك.‏

وفي الحصيلة العامة،‏ خاطب الأخَوان في ١٩ موقعا ما مجموعه ٥٠٤‏,٤ اشخاص،‏ من ناشرين ومهتمين،‏ اتوا من ٢٥٩ جماعة.‏ وفي طريق العودة الى سويسرا،‏ ألقى ايضا ألفرايت روتيمان خطابات في مدينتَي أراد وأوراشتيه حيث سار عدد من الاخوة بين ٦٠ و ٨٠ كيلومترا للوصول الى مكان الاجتماع.‏ حتى ان مزارعا عمره ٦٠ سنة سار ١٠٠ كيلومتر حافي القدمين.‏ فما اعمق تقديره لتلك المناسبة!‏

شكّلت هذه الاجتماعات الخصوصية حدثا بارزا في تاريخ العمل في رومانيا.‏ فقد عُقدت في الوقت المناسب لأن الاخوة كانوا آنذاك بحاجة الى التشجيع والحصاد الروحي كان قد نضج.‏ فالرومانيون سئموا استبداد الحكام والشقاء الذي سبّبته الحرب،‏ وخاب امل كثيرين بالدين.‏ كما ان انهيار عملة البلاد التي تُدعى اللَّو في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٤٧ حوّل كثيرين بين ليلة وضحاها الى اشخاص مفلسين.‏ لذلك اظهر كثيرون ممَّن قاوموا سابقا رسالة الملكوت استعدادا للاستماع الى الشهود.‏

كما أتت الاجتماعات الخصوصية في حينها لسبب آخر ايضا.‏ فقد كانت غيوم الاضطهاد القاسي تتلبد من جديد في سماء رومانيا استعدادا لعاصفة اشد قسوة.‏ ودامت هذه العاصفة الهوجاء التي سبّبتها الايديولوجيات الالحادية والحكام القساة المتعصبون زهاء اربعة عقود.‏

الستار الحديدي يطوِّق رومانيا

في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٤٦،‏ اي قبل عام من زيارة ألفرايت روتيمان،‏ تسلّم الشيوعيون زمام السلطة في رومانيا.‏ وخلال السنوات القليلة التالية،‏ ازال حزبهم كل آثار المقاومة وسرّع عملية إخضاع البلاد للسيطرة السوفياتية،‏ بحيث تبعت المؤسسات الثقافية والسياسية النهج السوفياتي.‏

استغل الاخوة كاملا الهدوء الذي يسبق العاصفة وطبعوا مئات الآلاف من المجلات والكراريس وغيرها من المطبوعات،‏ ووزّعوها على ٢٠ مخزنا في كل أرجاء البلاد.‏ وكثّف كثيرون نشاطهم وانخرط آخرون في عمل الفتح،‏ مثل ميهاي نيستور وڤاسيلي سابادَش.‏

عُيِّن ميهاي في وسط وشمال غرب ترانسيلڤانيا حيث واصل عمل الفتح حتى بعد فرض الحظر الشيوعي.‏ ففي تلك الفترة،‏ لاحقه المقاومون مدة طويلة بنيَّة القبض عليه.‏ ولكن كيف تجنَّب الوقوع في قبضتهم؟‏ يروي:‏ «صنعت حقيبة تشبه تلك التي يستعملها باعة النوافذ ولبست ثياب العمل وحملت معي عدّة وبعض اطارات النوافذ.‏ ورحت اسير في ساحات القرى والبلدات في مقاطعتي.‏ وحين كنت ألمح الشرطة او اي شخص يثير الشكوك،‏ كنت أنادي بأعلى صوتي ان لديّ نوافذ للبيع.‏ واستعمل اخوة آخرون اساليب متعددة لتضليل المقاومين.‏ ومع ان عملنا جلب لنا فرحا كبيرا،‏ فقد شكّل خطرا علينا وعلى العائلات التي استقبلتنا في بيوتها.‏ لكنَّ فرحنا كان يزداد برؤية تلاميذ الكتاب المقدس يتقدمون وينضمون الى صفوف الناشرين المتزايدة».‏

وواصل ڤاسيلي سابادَش ايضا خدمة الفتح رغم اضطراره في كثير من الاحيان الى التنقل بين عدة مناطق.‏ وقد لعب دورا بارزا في معرفة اماكن الاخوة الذين شتّتتهم «السيكيوريتات»،‏ القوى التي شكّلت الجزء الاهم في الشبكة الامنية الكبيرة التابعة للنظام الشيوعي الجديد.‏ كما انه ساهم مساهمة فعالة في تقديم العون لهؤلاء الاخوة.‏ قال ڤاسيلي:‏ «كان عليّ ان أتّصف بالحذر وأبتكر اساليب جديدة لكيلا يلقوا القبض عليّ.‏ مثلا،‏ حين اردت التوجه الى ناحية اخرى من البلاد،‏ كنت ابحث دوما عن حجة مقنعة تبرِّر سفري.‏ فقد ادّعيت مرة ان الطبيب وصف لي علاجا في احد المنتجعات الصحية.‏

‏«وإذ أبعدت الشبهات عني،‏ استطعت ايجاد سبل اكثر تنظيما للاتصال بين الاخوة بحيث يتلقّون بانتظام الطعام الروحي.‏ وكان شعاري كلمات اشعيا ٦:‏٨ التي تقول ‹هأنذا أرسلني› ومتى ٦:‏٣٣ التي تحثّنا ان ‹نداوم اولا على طلب الملكوت›.‏ وقد منحتني هاتان الآيتان فرحا وقوة مكّناني من مواصلة عملي».‏ وبالفعل،‏ كان ڤاسيلي سيحتاج الى هاتين الصفتين.‏ فرغم حذره الشديد،‏ ألقت الشرطة القبض عليه اخيرا على غرار كثيرين من الاخوة.‏

هجمات عنيفة على هيئة اللّٰه

بحلول سنة ١٩٤٨،‏ ازدادت صعوبة الاتصال بالمركز الرئيسي العالمي.‏ فلجأ الاخوة في كثير من الاحيان الى استعمال البطاقات البريدية لكتابة رسائل تحتوي على ألغاز.‏ مثلا،‏ في ايار (‏مايو)‏ ١٩٤٩،‏ بعث مارتن ماجروشي رسالة كتبها پيتره رانكا الذي كان يعمل في مكتب بخارست.‏ وقد جاء فيها:‏ «جميع افراد العائلة بخير.‏ لكنَّ عاصفة هوجاء هبّت في المنطقة واشتد البرد كثيرا،‏ فلم نتمكن من العمل في الحقل».‏ وكتب اخ آخر في وقت لاحق ان «العائلة لا تستطيع ان تتلقى الحلويات» وأن «كثيرين يعانون من المرض».‏ وعنى بذلك انه لا مجال لإرسال الطعام الروحي الى رومانيا،‏ وأن كثيرين من الاخوة وُضعوا في السجن.‏

وفي ٨ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٤٩،‏ صدر قرار عن وزارة العدل يقضي بإقفال مكتب بخارست والاماكن السكنية ومصادرة كل التجهيزات،‏ بما فيها الممتلكات الشخصية.‏ وفي السنوات اللاحقة،‏ أُلقي القبض على مئات الاخوة وصدر في حقّهم العديد من الاحكام.‏ في ظل الحكم الفاشي،‏ كان شهود يهوه يُتَّهمون بأنهم شيوعيون،‏ ولكن حين استلم النظام الشيوعي السلطة،‏ اتُّهموا بأنهم «امبرياليون» و «مروِّجون للدعاية الاميركية».‏

اندسّ الجواسيس والمخبرون في كل مكان.‏ يخبر الكتاب السنوي لعام ١٩٥٣ ان الاجراءات التي اتّخذها الشيوعيون كانت «جدّ صارمة حتى ان كل مَن كان يتلقى في رومانيا رسالة من الغرب يوضَع اسمه على اللائحة السوداء ويخضع لمراقبة مشدَّدة».‏ ويضيف التقرير:‏ «الرعب السائد هنا يفوق كل التصورات.‏ حتى افراد العائلة نفسها فقدوا ثقتهم واحدهم بالآخر.‏ لقد ذهبت حريتنا أدراج الرياح».‏

في مستهلّ سنة ١٩٥٠،‏ قُبض على پامفيل ويِلينا ألبو وپيتره رانكا ومارتن ماجروشي وكثيرين غيرهم،‏ واتُّهموا زورا بأنهم جواسيس للغرب.‏ وخضع البعض للتعذيب لعلّهم يفشون معلومات سرية ويعترفون بأنهم «جواسيس».‏ لكنَّ الامر الوحيد الذي اعترفوا به هو انهم يعبدون يهوه ويروِّجون مصالح ملكوته.‏ وبعد العذاب المرير الذي عانوه،‏ زُجّ ببعض الاخوة في السجن وأُرسل البعض الآخر الى معسكرات الاشغال الشاقة.‏ ولكن كيف كان تأثير موجة الاضطهاد هذه على عملنا؟‏ في تلك السنة عينها،‏ اي سنة ١٩٥٠،‏ شهدت رومانيا زيادة في عدد الناشرين بلغت ٨ في المئة!‏ فيا لهذه الزيادة من دليل دامغ على قوة روح اللّٰه!‏

أُرسل الاخ ماجروشي الذي كان في اواخر ستيناته الى سجن ڠيرلا في ترانسيلڤانيا حيث مات في اواخر سنة ١٩٥١.‏ ذكر احد التقارير:‏ «لقد عانى الأمرَّين في سبيل الحق،‏ وخصوصا منذ اعتقاله في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٥٠.‏ اما الآن فقد انتهت آلامه هذه».‏ نعم،‏ احتمل الاخ مارتن طوال ٢٠ سنة تقريبا الهجمات الوحشية التي شنّها رجال الدين والفاشيون والشيوعيون.‏ ومثاله في الامانة يذكّرنا بكلمات الرسول بولس:‏ «جاهدت الجهاد الحسن،‏ أنهيت الشوط،‏ حفظت الايمان».‏ (‏٢ تيموثاوس ٤:‏٧‏)‏ ومع ان زوجته ماريا لم تُسجن،‏ فقد رسمت هي ايضا مثالا رائعا للاحتمال في وجه المحن.‏ وصفها احد الاخوة بأنها «اخت ذكية كرّست نفسها كاملا لعمل الرب».‏ وبعد اعتقال مارتن،‏ اعتنى بها اقرباؤها،‏ بمن فيهم ابنتها المتبناة مَريوارا التي امضت فترة في السجن ثم أُطلق سراحها في خريف سنة ١٩٥٥.‏

‏«شهود يهوه شعب جدير بالثناء»‏

اصدرت الحكومة سنة ١٩٥٥ عفوا عاما شمل معظم الاخوة.‏ لكنَّ هذه الحرية لم تعمّر طويلا.‏ فبين السنة ١٩٥٧ و ١٩٦٤،‏ جرت ملاحقة شهود يهوه ثانية واعتُقل كثيرون منهم،‏ حتى ان البعض حُكم عليهم بالسجن المؤبَّد.‏ لكنَّ هؤلاء الاخوة السجناء لم يستسلموا لليأس بل شجّعوا بعضهم بعضا على البقاء ثابتين،‏ الامر الذي جعلهم يُعرَفون بمبادئهم وأمانتهم.‏ يتذكر احد السجناء السياسيين:‏ «شهود يهوه شعب جدير بالثناء،‏ فهم لا يستسلمون تحت الضغط وينكرون دينهم».‏ وأضاف ان الشهود الذين اعتُقلوا معه اعتُبروا «السجناء الاكثر حظوة».‏

صدر عفو آخر سنة ١٩٦٤،‏ لكنه كان ايضا قصير الامد لأن الاعتقالات الجَماعية ازدادت بين السنتين ١٩٦٨ و ١٩٧٤.‏ كتب احد الاخوة:‏ «اننا نتعرّض للتعذيب والاهانات لأننا ننشر البشارة.‏ نناشدكم ان تذكروا دوما في صلواتكم اخوتنا المسجونين.‏ نحن نعلم ان كل هذا امتحان علينا ان نحتمله،‏ وسنمضي قدُما بكل شجاعة في عمل الكرازة بالبشارة الذي أنبأت به متى ٢٤:‏١٤‏.‏ لكننا مرة ثانية نرجوكم من كل قلوبنا الّا تنسونا ابدا!‏».‏ وكما سنرى لاحقا،‏ استجاب يهوه الصلوات المخلصة التي قدَّمها اولياؤه بدموع،‏ وقوّاهم بطرائق متنوعة.‏

الشيطان يزرع بذور الشك

لا يكتفي ابليس بمحاربة خدام اللّٰه من الخارج بل يهاجمهم من الداخل ايضا.‏ مثلا،‏ بعد ان خرج من السجن سنة ١٩٥٥ بعض الاخوة الذين كانوا قبل اعتقالهم يشغلون مراكز اشراف في الجماعة،‏ لم ينالوا مجددا امتيازاتهم السابقة.‏ فاغتاظوا وراحوا يزرعون بذور الخلافات بين الاخوة.‏ فيا له من امر محزن ان يسقط هؤلاء الاخوة في فخ الكبرياء بعد ان وقفوا بثبات الى جانب الحق عندما كانوا في السجن!‏ حتى ان واحدا على الاقل من الاخوة البارزين وصل به الامر الى حدّ التعاون مع السيكيوريتات خوفا من العقاب.‏ فألحق اذى كبيرا بالاخوة الامناء وبعمل الكرازة.‏ —‏ متى ٢٤:‏١٠‏.‏

واجه شعب اللّٰه ايضا مشكلة الاختلاف في وجهات النظر حول مسائل تعود الى الضمير.‏ مثلا،‏ عند اعتقال الاخوة،‏ غالبا ما سُمح لهم ان يختاروا بين السجن والعمل في مناجم الملح.‏ لكنَّ بعض الاخوة اعتبروا ان الذين انتقوا الخيار الثاني يسايرون على مبادئ الكتاب المقدس.‏ واعتقد آخرون انه لا يليق بالاخوات ان يستعملن مستحضرات التجميل،‏ ولا يجوز ان يذهب المسيحيون الى السينما او المسرح،‏ او حتى ان يقتنوا جهاز راديو.‏

لكنَّ الوجه الايجابي هو ان الاخوة عموما لم تغب عن بالهم قط القضية الاكثر اهمية:‏ ضرورة المحافظة على ولائهم للّٰه.‏ وقد ظهر ذلك بشكل جليّ في تقرير سنة الخدمة ١٩٥٨ الذي اظهر ان ٢٨٨‏,٥ ناشرا اشتركوا في خدمة الحقل بزيادة عن السنة الفائتة تخطّت الالف شخص.‏ كما حضر الذِّكرى ٥٤٩‏,٨ واعتمد ٣٩٥ شخصا.‏

بدأ امتحان آخر سنة ١٩٦٢ بعد ان اوضحت برج المراقبة ان ‹السلطات الفائقة› المذكورة في روما ١٣:‏١ هي السلطات الحكومية البشرية وليس يهوه اللّٰه ويسوع المسيح كما كان الاخوة يظنون سابقا.‏ ولكن بما ان كثيرين في رومانيا عانوا الأمرَّين على يد الحكام المستبدين،‏ صعُب عليهم تقبُّل المفهوم الجديد.‏ حتى ان البعض ظنّوا حقا ان هذه الفكرة هي خدعة ماكرة من تلفيق النظام الشيوعي،‏ وأن الهدف منها جعلهم يقدِّمون للدولة خضوعهم التام،‏ وذلك بعكس المبدإ في متى ٢٢:‏٢١‏.‏

تحدث احد الاخوة مع رفيق شاهد كان قد سافر الى برلين وروما وغيرهما من المدن.‏ يتذكر:‏ «اكَّد لي هذا الاخ ان المفهوم الجديد ليس خدعة من ابتكار الشيوعيين،‏ بل جزء من الطعام الروحي الذي يزوِّدنا به صف العبد.‏ رغم ذلك بقيت متردِّدا في تقبُّل الفكرة.‏ فسألت ناظر كورتنا ماذا يجب ان نفعل الآن».‏

فأجاب:‏ «ما علينا إلّا ان نواصل العمل بدأب —‏ هذا ما يجب ان نفعله».‏

‏«كانت هذه النصيحة في محلها.‏ وأنا سعيد لأنني لا ازال ‹أواصل العمل بدأب›».‏

رغم العقبات الكبيرة في الاتصال،‏ بذل الاخوة في المركز الرئيسي العالمي والفرع المشرف على العمل في رومانيا كل ما في وسعهم لإطلاع الاخوة دائما على الحقائق التي تتضح لهم ومساعدتهم على العمل معا كعائلة روحية موحَّدة.‏ ولتحقيق هذا الهدف،‏ كتب الاخوة رسائل وأعدّوا مقالات ملائمة نُشرت في خدمتنا للملكوت.‏

ولكن كيف كان الطعام الروحي يصل الى شعب يهوه؟‏ كان لدى كل عضو في لجنة البلد وسيلة سرية للاتصال بالنظار الجائلين وشيوخ الجماعات.‏ وهذه الاتصالات كانت تتم من خلال سعاة مؤتمَنين حملوا ايضا الرسائل والتقارير من وإلى المكتب في سويسرا.‏ وهكذا استطاع الاخوة ان ينالوا على الاقل بعض الطعام الروحي والتوجيهات الثيوقراطية.‏

وعمل الاخوة والاخوات الاولياء بكل اجتهاد على تعزيز روح الانسجام في جماعاتهم وفرقهم.‏ وكان احدهم الاخ يوسيف جوكان الذي طالما ردّد الكلمات التالية:‏ «لا أمل لنا بالنجاة من هرمجدون ما لم نستمر في تناول الطعام الروحي بانتظام ونبقَ على اتصال وثيق ‹بالأم›».‏ وكان بذلك يشير الى البقاء على اتصال بالجزء الارضي من هيئة يهوه.‏ حقا،‏ كان هؤلاء الاخوة عونا كبيرا لشعب اللّٰه وحصنا منيعا في وجه كل مَن حاول تمزيق وحدتهم.‏

تكتيك العدو

سعى الشيوعيون الى إضعاف ايمان خدام يهوه او إرغامهم على الخضوع.‏ ولتحقيق هدفهم هذا،‏ لجأوا الى طرائق عديدة مثل الجواسيس،‏ الاخوة الخونة،‏ التعذيب،‏ الدعاية الكاذبة،‏ والتهديد بالموت.‏ وكان هؤلاء الجواسيس والمخبرون من بين الجيران وزملاء العمل والمرتدين وأعضاء العائلة،‏ بالاضافة الى عملاء السيكيوريتات.‏ وقد تسلل هؤلاء العملاء الى الجماعات بالاعراب عن اهتمام بالحق وتعلُّم التعابير الثيوقراطية.‏ فألحق هؤلاء ‹الاخوة الدجالون› اذى بالغا بالاخوة وكانوا السبب وراء العديد من الاعتقالات.‏ وأحد هؤلاء هو شاڤو ڠابور الذي تولى مركز مسؤولية في الجماعة،‏ لكنَّ أمره افتُضح سنة ١٩٦٩.‏ —‏ غلاطية ٢:‏٤‏.‏

وعمد عملاء الدولة ايضا الى التجسس على الافراد والعائلات بدسّ اجهزة تنصُّت في بيوتهم.‏ يقول تيموتاي لازَر:‏ «فيما كنت مسجونا بسبب حيادي المسيحي،‏ استدعت السيكيوريتات تكرارا والديّ وأخي الاصغر الى مركزهم الرئيسي حيث استُجوبوا ست ساعات تقريبا.‏ وفي احدى هذه المرات،‏ زرعت السيكيوريتات بيتنا بجهازَي تنصُّت.‏ في تلك الامسية،‏ لاحظ اخي الذي يعمل في مجال الكهرباء ان العداد الكهربائي يدور بسرعة غير اعتيادية.‏ وعندما تفحص المكان وجد الجهازَين.‏ فصوّرهما ثم انتزعهما من مكانهما.‏ وفي الغد،‏ أتى عملاء السيكيوريتات وسألوا عن ‹لُعبتَيهم›،‏ وكانوا يقصدون بذلك الجهازين اللذين زرعوهما في بيتنا».‏

غالبا ما اتت الدعاية الكاذبة على شكل مقالات أُعدّت في بلدان شيوعية اخرى وأُعيد نشرها من جديد في رومانيا.‏ مثلا،‏ ثمة مقالة تحمل العنوان «البدعة اليهوهية ومواصفاتها الرجعية» كانت مقتبَسة من صحيفة روسية.‏ وقد اتهمت شهود يهوه بأنهم يتمتعون «بمواصفاتِ منظمة سياسية نموذجية» هدفها «القيام بنشاطات تخريبية في البلدان الاشتراكية».‏ كما حثّت القراء ان يشوا بكل مَن يروِّج تعاليم الشهود.‏ لكنّ هذه الدعاية السياسية كانت في نظر الاشخاص العميقي التفكير اعترافا ضمنيا بفشل المقاومين،‏ لأنها كشفت للجميع ان شهود يهوه ما زالوا افرادا ناشطين لا يلزمون الصمت ابدا.‏

عندما كان عملاء السيكيوريتات يلقون القبض على احد الاخوة او الاخوات،‏ كانوا يعاملونه بوحشية كبيرة متّبعين اساليب متقنة للتعذيب.‏ فبغية إرغام الضحايا على التكلم،‏ لجأوا الى استعمال مواد كيميائية تؤثر على العقل والجهاز العصبي.‏ يروي سامويلا بَرَيان الذي وقع ضحية هذا التعذيب:‏ «بعد ان باشروا تحقيقهم معي،‏ أجبروني على تناول عقاقير تؤذي اكثر من الضرب.‏ وسرعان ما لاحظت انني لست على ما يُرام.‏ فلم اعد استطيع السير بشكل قويم او صعود السلالم.‏ ثم أُصبت بأرق مزمن ولم اعد قادرا على التركيز وصرت اتلعثم في الكلام.‏

‏«تدهورت حالتي الصحية اكثر فأكثر.‏ وبعد شهر تقريبا،‏ فقدت حاسة الذوق وأُصيب جهازي الهضمي بأذى بالغ وصرت اشعر بأن كل مفاصلي مخلَّعة.‏ ويا للألم المبرِّح الذي احسست به!‏ كما ان قدميَّ صارتا تتصببان عرقا حتى ان حذائي بلي خلال شهرين واضطررت الى رميه.‏ وأثناء الاستجواب،‏ كان المحقِّق يصرخ في وجهي قائلا:‏ ‹لماذا تستمر في الكذب؟‏ ألا ترى ما آلت اليه حالك؟‏›.‏ اردت ان انفجر غضبا لكنني بذلت كل ما في وسعي لأحافظ على رباطة جأشي».‏ مع الوقت،‏ تعافى الاخ بَرَيان كاملا من المشاكل الصحية التي عانى منها خلال محنته هذه.‏

ولجأت السيكيوريتات ايضا الى التعذيب العقلي.‏ يتذكر ألِكسا بويتشوك:‏ «أصعب ليلة مرّت علي حين أيقظوني من النوم وأخذوني الى صالة حيث استطعت سماع صوت اخ يتعرّض للضرب.‏ ثم سمعت بكاء احدى الاخوات وبعد ذلك صوت امي.‏ كنت افضّل الضرب على احتمال هذا النوع من التعذيب».‏

أخبرت الشرطة الإخوة انها ستعفي عنهم اذا أفشوا اسماء الشهود الآخرين بالاضافة الى زمان ومكان الاجتماعات.‏ كما حثّت الزوجات على التخلّي عن ازواجهن المسجونين لكي يحظى اولادهن بمستقبل افضل.‏

وبما ان الدولة كانت قد استولت على املاك العديد من الاخوة،‏ اضطروا الى العمل في مزارع تعاونية تشرف عليها الدولة.‏ لم يكن العمل هناك سيئا جدا،‏ ولكن وجب على الرجال ان يحضروا الاجتماعات السياسية التي كانت تُعقَد تكرارا.‏ والرجال الذين لم يحضروها تعرّضوا للسخرية ودُفع لهم اجر زهيد جدا.‏ ولا شك ان هذا الوضع كان صعبا جدا على شهود يهوه الذين لا يشتركون في الاجتماعات والنشاطات السياسية.‏

وبالاضافة الى ذلك،‏ كان عملاء الحكومة يقتحمون بيوت الشهود ويستولون على الممتلكات الشخصية،‏ وخصوصا الاشياء التي يمكن بيعها.‏ وفي منتصف الشتاء،‏ غالبا ما حطّموا المواقد التي شكّلت المصدر الوحيد للتدفئة في البيوت.‏ ولِم كل هذه الوحشية؟‏ لأن المواقد،‏ كما ادّعوا،‏ هي مخابئ آمنة للمطبوعات.‏ رغم كل ذلك،‏ لا شيء كان سيسكت الاخوة.‏ فحتى الذين احتملوا الاساءات والحرمان في السجون ومعسكرات العمل الالزامي،‏ كما سنرى الآن،‏ واظبوا على الشهادة ليهوه وتشجيع واحدهم الآخر.‏

تسبيح يهوه في المعسكرات والسجون

بالاضافة الى السجون،‏ كان هنالك في رومانيا ثلاثة معسكرات كبيرة للعمل الالزامي:‏ الاول في دلتا الدانوب،‏ الثاني في جزيرة براييلا الكبرى،‏ والثالث في القناة التي تصل الدانوب بالبحر الاسود.‏ ومنذ بداية الحكم الشيوعي،‏ غالبا ما وجد الشهود انفسهم مسجونين الى جانب مضطهِديهم السابقين الذين اعتُقلوا بسبب علاقتهم بالنظام المنحلّ.‏ وذات مرة،‏ وجد ناظر دائرة نفسه برفقة ٢٠ كاهنا!‏ ولا حاجة الى القول ان هؤلاء المعتقَلين أثاروا الكثير من المحادثات الشيّقة التي دارت خلف جدران ذلك السجن.‏

على سبيل المثال،‏ دارت ذات مرة في احد السجون محادثة مطوَّلة بين احد الاخوة وبروفسور في اللاهوت كان في السابق يمتحن المرشحين للانضمام الى الكهنوت.‏ وسرعان ما اكتشف الاخ ان البروفسور يكاد لا يعرف شيئا عن الكتاب المقدس.‏ وكان بين المسجونين هناك احد القواد في جيش النظام السابق.‏

فسأل القائد البروفسور:‏ «كيف يُعقَل ان يعرف مجرد ‹حرفيين بسطاء› الكتاب المقدس اكثر مما تعرفه انت؟‏».‏

فأجاب البروفسور:‏ «نحن لا نتعلم في معاهد اللاهوت الكتاب المقدس بل التقاليد الكنسية وأمورا مشابهة».‏

لم يَرُق الجواب للقائد فقال له:‏ «لقد وثقنا بما لديكم من معرفة،‏ لكنني أرى الآن اننا وبكل أسف في ضلال تام».‏

ومع الوقت،‏ نال عدد من السجناء المعرفة الدقيقة للحق ونذروا حياتهم ليهوه.‏ وكان بينهم رجل أُدين بتهمة السرقة وحُكم عليه بالسجن ٧٥ سنة.‏ وقد قام هذا الرجل بتغييرات جذرية في شخصيته لفتت انتباه المسؤولين في السجن.‏ فأوكلوا اليه عملا جديدا لا يُعطى عادة لشخص سُجن بسبب السرقة.‏ فكان يقصد البلدة وحده ويبتاع الاغراض اللازمة للسجن.‏

كانت الحياة في السجن صعبة جدا والطعام قليلا للغاية.‏ حتى ان السجناء كانوا يطلبون ألّا تُقشَّر حصتهم من البطاطا ليكون لديهم شيء اضافي يأكلونه.‏ كما انهم راحوا يأكلون الشمندر والعشب وأوراق الاشجار وغيرها من النباتات لكي يسدّوا رمقهم.‏ ومع الوقت مات البعض منهم بسبب سوء التغذية،‏ وعانوا جميعا من الزُّحار.‏

خلال الصيف،‏ كان الاخوة في دلتا الدانوب يجرفون التراب وينقلونه الى موقع يُبنى فيه احد السدود.‏ وفي الشتاء،‏ كانوا يقطّعون القصب فيما يقفون على الجليد.‏ كما كانوا ينامون في عبّارات حديدية قديمة حيث احتملوا البرد والقذارة والقمل،‏ بالاضافة الى الحراس العديمي الرحمة الذين لم يحرّكوا ساكنا حتى عند موت احد السجناء.‏ ولكن رغم كل الظروف العصيبة التي مرّ بها الاخوة،‏ فقد شجّعوا وساعدوا واحدهم الآخر على البقاء اقوياء روحيا.‏ لنتأمل في اختبار ديونيسييه ڤَرتشو.‏

قبيل إطلاق سراح ديونيسييه،‏ سأله احد الضباط:‏ «ڤَرتشو،‏ هل نجح السجن في تغيير ايمانك؟‏».‏

فأجاب ديونيسييه:‏ «عفوا يا حضرة الضابط،‏ هل يُعقل ان تستبدل بدلتك ذات النوعية الجيدة بأخرى اقل جودة؟‏».‏

‏«كلا»،‏ قال الضابط.‏

تابع ديونيسييه:‏ «خلال سجني لم يقدّم لي احد شيئا افضل.‏ فلماذا اغيّر ايماني؟‏».‏

عندئذ صافح الضابط ديونيسييه،‏ قائلا:‏ «انت حرّ يا ڤَرتشو.‏ حافِظ على ايمانك».‏

لم يكن ديونيسييه والاخوة والاخوات الآخرون اشخاصا خارقين للطبيعة.‏ فقد استمدّوا شجاعتهم وقوّتهم الروحية من ايمانهم بيهوه،‏ هذا الايمان الذي حافظوا عليه بطرائق مذهلة.‏ —‏ امثال ٣:‏٥،‏ ٦؛‏ فيلبي ٤:‏١٣‏.‏

الدرس من الذاكرة

يتذكر اندراش مولنوش:‏ «كان الوقت الذي امضيته في السجن فترة من التدريب الثيوقراطي».‏ ولماذا قال ذلك؟‏ لأنه ادرك اهمية الاجتماع مع اخوته كل اسبوع لدرس كلمة اللّٰه.‏ يقول اندراش:‏ «غالبا ما استقينا معلوماتنا من الذاكرة وليس من صفحة مطبوعة.‏ فقد كان الاخوة يتذكرون مقالات برج المراقبة التي سبق ان درسوها قبل سجنهم.‏ حتى ان بعض الاخوة تمكَّنوا من تذكُّر محتويات مجلة بأكملها،‏ بما فيها اسئلة مقالات الدرس!‏».‏ والسبب في بعض الحالات هو ان البعض منهم كانوا قبل اعتقالهم ينسخون بخط يدهم هذا الطعام الروحي.‏ —‏ انظر الاطار «أساليب النَّسخ» في الصفحتين ١٣٢-‏١٣٣.‏

عند التخطيط لعقد اجتماع مسيحي،‏ كان الاخوة المسؤولون يعلنون عن الموضوع الذي سيجري تناوله،‏ وكل سجين يحاول تذكُّر كل المعلومات التي يعرفها عن هذا الموضوع،‏ من الآيات الى النقاط التي تعلّمها من المساعِدات على درس الكتاب المقدس.‏ وفي آخر الامر،‏ يجتمع الجميع لمناقشة المواد.‏ وبعد افتتاح الاجتماع بكلمة صلاة،‏ كانوا يختارون شخصا يدير المناقشة بطرح اسئلة ملائمة.‏ وبعد ان يقدِّم الجميع تعليقاتهم،‏ يذكر المدير افكاره ثم ينتقل الى النقطة التالية.‏

في بعض السجون،‏ كانت المناقشة الجماعية ممنوعة.‏ لكنّ ابداع الاخوة لم يكن له حدود.‏ يتذكر احدهم:‏ «كنا نُخرِج نافذة الحمام من مكانها ونطلي الزجاج بمزيج من الصابون الرطب والكلس الذي كنا نقشّره عن الجدران.‏ وعندما يجفّ،‏ كنا نستعمله كلوح لكتابة درس ذلك اليوم.‏ فكان احد الاخوة يملي بصوت منخفض الكلمات على اخ آخر يكتبها هو بدوره على اللوح.‏

‏«وُضعنا في عدة زنزانات اصبحت كل واحدة منها فريقا لدرس الكتاب المقدس.‏ فكان كل درس يتناقله الافراد ضمن الزنزانة.‏ وبما ان اللوح لا يمكن نقله الى الزنزانات الاخرى،‏ كان الاخوة هناك يتلقّون المعلومات بواسطة نظام مورس للرموز الصوتية.‏ كيف؟‏ كان احدنا ينقر بصوت منخفض مواد المقالة على الحائط او على انابيب التدفئة.‏ وفي الوقت نفسه،‏ كان الاخوة في الزنزانات الاخرى يضعون كؤوسهم على الحائط او على الانابيب ثم يقرّبون آذانهم من هذه الكؤوس التي تنقل الصوت اليهم.‏ بالطبع،‏ وجب على الذين لا يعرفون نظام مورس ان يتعلّموه».‏

في بعض السجون،‏ تمكّن الاخوة من الحصول على طعام روحي جديد من خارج السجن بواسطة اخوات لسن اقل ابداعا وذكاء.‏ مثلا،‏ اثناء صنع الخبز،‏ كانت الاخوات يخبئن المطبوعات داخل العجين.‏ وقد اعتبر الاخوة هذا الطعام الخبز النازل من السماء.‏ حتى ان الاخوات استطعن إدخال اجزاء من الكتاب المقدس الى السجون بطيّ الصفحات حتى تصير صغيرة جدا ووضعها في كرات بلاستيكية صغيرة ثم تغليف هذه الكرات بالشوكولاتة الذائبة وبودرة الكاكاو.‏

ولكن من سلبيات هذا التدبير ان الاخوة اضطروا الى قراءة المواد في الحمام،‏ المكان الوحيد الذي قضوا فيه دقائق قليلة دون مراقبة الحراس.‏ وعند انتهاء الاخ من القراءة،‏ كان يخبئ الصفحات خلف كرسي الحمام.‏ وقد عرف بالمخبإ ايضا السجناء غير الشهود،‏ فكان كثيرون منهم يتمتعون بهذه القراءة الهادئة.‏

النساء والاولاد يحافظون على أمانتهم

على غرار كثيرين من الشهود،‏ تعرّضت الشقيقتان ڤيوريكا وأَوريكا فيليپ لاضطهاد سبَّبه لهما اعضاء عائلتهما.‏ وكان لهاتين الاختين سبعة اخوة وأخت واحدة.‏ تروي ڤيوريكا:‏ «رغبَتْ أَوريكا في خدمة يهوه،‏ فتركت الجامعة في كلوج-‏ناپوكا سنة ١٩٧٣ واعتمدت بعيد ذلك.‏ فأثار اخلاصها وغيرتها اهتمامي بالحق وبدأت أتفحص كلمة اللّٰه.‏ وعندما عرفت ان اللّٰه يعدنا بحياة ابدية على ارض فردوسية،‏ قلت في نفسي:‏ ‹وهل هنالك شيء افضل من هذا الوعد؟‏!‏›.‏ وفيما رحت أتقدّم في درسي للكتاب المقدس،‏ بدأت اطبِّق المبادئ المتعلقة بالحياد المسيحي ورفضت الانضمام الى الحزب الشيوعي».‏

تتابع ڤيوريكا:‏ «سنة ١٩٧٥،‏ نذرت حياتي ليهوه.‏ وكنت قد انتقلت من مسقط رأسي الى مدينة سيڠيت مارماتييه،‏ حيث سكنت مع زوجين من أنسبائي وعملت كمدرِّسة.‏ وبما انني قرَّرت ان أبقى على الحياد في المسائل السياسية،‏ أعلمتني إدارة المدرسة انني سأُصرَف من عملي في نهاية العام الدراسي.‏ وعندما علم افراد عائلتي بالامر،‏ راحوا يضطهدوننا انا وأختي لكي أعدِل عن رأيي وأحافظ على وظيفتي».‏

حتى الاولاد في المدارس تعرّضوا للتهويل،‏ وأحيانا من قِبَل السيكيوريتات.‏ فبالاضافة الى الكلام المهين والعذاب الجسدي الذي عانوا منه،‏ طُرد كثيرون من مدارسهم واضطروا الى الالتحاق بمدارس اخرى وحُرم البعض الآخر كليا من متابعة تعليمهم.‏ حتى ان عملاء السيكيوريتات حاولوا إقناع الاولاد بالتجسس لحسابهم!‏

تتذكر دانييلا مَلوتزان التي تخدم الآن كفاتحة:‏ «غالبا ما تعرَّضت للإهانات امام رفقاء صفّي لأنني رفضت الانضمام الى اتحاد الشبيبة الشيوعية الذي كان أداة لتلقين الشبّان المبادئ السياسية الخاصة بالحزب.‏ وعندما صرت في الصف التاسع،‏ عانيت محنا كثيرة سبَّبها لي عملاء السيكيوريتات بالاضافة الى الاساتذة وغيرهم من الموظفين في المدرسة الذين عملوا كمخبرين.‏ ومن سنة ١٩٨٠ الى ١٩٨٢،‏ كنت أُستجوب في مكتب المدير يوم الأربعاء مرة كل اسبوعين تقريبا.‏ وبالمناسبة،‏ لم يُسمَح للمدير قط بحضور هذه الجلسات.‏ وكان المحقِّق كولونيلا في السيكيوريتات اشتهر بين الاخوة في مقاطعة بيستريتا-‏ناسود بكرهه الشديد لنا وحَمِيّته في ملاحقتنا.‏ حتى انه أتى اليّ ذات مرة حاملا رسائل تثبت تورّط اخوة مسؤولين في اعمال مخالفة للقانون.‏ وكان هدفه زعزعة ثقتي بهم وتقويض ايماني،‏ بالاضافة الى إقناعي انا التلميذة الصغيرة بالتجسس لحساب السيكيوريتات.‏ لكنه فشل فشلا ذريعا في مسعاه هذا.‏

‏«رغم ذلك،‏ حصلت معي ايضا اختبارات مفرحة.‏ مثلا،‏ أراد استاذ التاريخ الذي كان عضوا في الحزب معرفة سبب استجوابي تكرارا.‏ فألغى في احدى المرات درس التاريخ وراح يطرح عليّ طوال ساعتين امام الصف بأكمله العديد من الاسئلة حول معتقداتي الدينية.‏ وقد تأثر بأجوبتي وشعر انه من الظلم ان أتعرض لهذه المعاملة القاسية.‏ وصار بعد هذه المحادثة يحترم آراءنا ويقبل مطبوعاتنا ايضا.‏

‏«لكنَّ إدارة المدرسة واصلت مقاومتها لي،‏ حتى انهم أرغموني على ترك المدرسة بعد إنهاء الصف العاشر.‏ رغم ذلك،‏ وجدت وظيفة على الفور ولم أندم قط على بقائي وليّة ليهوه.‏ وأنا أشكره من صميم قلبي لأنني تربيت في كنف والدَين مسيحيين حافظا على امانتهما رغم الإساءات التي تعرَّضا لها تحت الحكم الشيوعي.‏ ولا يزال مثالهما الرائع حيًّا في مخيّلتي».‏

الشبّان يُمتحَنون

شنّت السيكيوريتات حملة ضد شهود يهوه استهدفت بشكل خاص الشبّان الذين حافظوا على حيادهم المسيحي.‏ فكانوا يقبضون عليهم ويلقونهم في السجن ثم يطلقون سراحهم ليعودوا بعد ذلك ويعتقلوهم من جديد.‏ والهدف من هذه العملية المتكررة هو تحطيم معنوياتهم.‏ وأحد هؤلاء الاخوة هو يوجيف سابو الذي حُكم عليه فور معموديته بالسجن مدة اربع سنوات.‏

وبعد ان أمضى سنتين في السجن،‏ أُطلق سراحه سنة ١٩٧٦.‏ وبعيد ذلك،‏ التقى الاخت التي صارت لاحقا زوجته.‏ يروي يوجيف:‏ «عقدنا خطوبتنا وحدّدنا موعد الزفاف.‏ لكنني تلقيت بعد ذلك استدعاء جديدا من محكمة كلوج العسكرية.‏ فكان عليّ المثول امام المحكمة في يوم زفافنا بالضبط!‏ مع ذلك لم نتراجع عن قرارنا انا وخطيبتي بل تزوّجنا وذهبت فورا الى المحكمة.‏ ومع انه لم يمضِ على زفافي سوى دقائق معدودة،‏ حكمت عليّ المحكمة بثلاث سنوات اخرى في السجن.‏ ويا للألم العميق الذي طعن قلبي خلال سنوات الفراق هذه!‏».‏

يتذكر شاهد شاب آخر يُدعى تيموتاي لازَر:‏ «سنة ١٩٧٧ أُطلق سراحنا انا وأخي الاصغر.‏ وكان أخونا الاكبر الذي خرج من السجن قبل سنة قد أتى الى البيت ليحتفل معنا بهذه المناسبة.‏ لكنه وقع في الفخ.‏ فقد كان عملاء السيكيوريتات بانتظاره.‏ في وقت سابق،‏ كنا قد أُرغمنا على الانفصال عن بعضنا بعضا طوال سنتين وسبعة اشهر و ١٥ يوما،‏ وها قد حُرمنا مجددا من اخينا اذ أُرسل مرة اخرى الى السجن بسبب حياده المسيحي.‏ فشعرنا انا وأخي الاصغر بأن قلبنا ينفطر حزنا».‏

الاحتفال بالذِّكرى

في الامسيات التي كانت تُعقد فيها الذِّكرى،‏ كثّف المقاومون جهودهم لتعقُّب شهود يهوه.‏ فاقتحموا البيوت وفرضوا الغرامات وألقوا القبض على البعض ايضا.‏ فارتأى الاخوة على سبيل الاحتياط ان يحتفلوا بموت يسوع في فرق صغيرة،‏ وأحيانا كل عائلة على حدة.‏

يخبر تيودور پامفيليي:‏ «ذات مرة في امسية الذِّكرى،‏ كان رئيس شرطة المنطقة يشرب الخمر مع اصدقائه حتى وقت متأخر من الليل.‏ وعندما اراد ان يذهب لاقتحام بيوت الاخوة،‏ طلب من احد الاشخاص ان يُقِلّه في سيارته،‏ غير ان السيارة تعطلت.‏ ولكن في آخر الامر،‏ دار المحرك وانطلق الرجلان الى بيتنا حيث كان فريق صغير يحتفل بالذِّكرى.‏ ولكن بما اننا غطّينا كاملا جميع النوافذ،‏ فقد خيَّم الظلام على المكان.‏ فظنّا ان لا احد في البيت وانطلقا مجددا الى بيت آخر.‏ ولكن حين وصلا الى وجهتهما،‏ كان الاحتفال بالذِّكرى قد انتهى والجميع غادروا الى بيوتهم.‏

‏«في تلك الاثناء،‏ أنهينا نحن ايضا برنامجنا وغادر الاخوة بسرعة.‏ وعندما وصل الشرطيان واقتحما المكان،‏ لم يكن هناك احد سوانا انا وشقيقي.‏ فوقفا في وسط الغرفة وصاحا بأعلى صوتهما:‏ ‹ماذا يجري هنا؟‏›.‏

‏«أجبته:‏ ‹لا شيء،‏ كنا نتحدث انا وشقيقي›.‏

‏«فقال احدهما:‏ ‹نحن نعلم ان اجتماعا عُقد هنا.‏ فأين الباقون؟‏›.‏ ثم نظر الى شقيقي وأضاف:‏ ‹وأنت ماذا تفعل هنا؟‏›.‏

‏«فأشار اليّ وأجاب:‏ ‹أتيت لرؤيته›.‏ فشعر الشرطيان بالخيبة واندفعا بغضب الى الخارج.‏ وفي اليوم التالي،‏ عرفنا ان رجال الشرطة لم يتمكّنوا من اعتقال احد رغم الجهود الحثيثة التي بذلوها».‏

المركز الرئيسي العالمي يناشد السلطات الرومانية

ان المعاملة القاسية التي تعرّض لها شهود يهوه دفعت المركز الرئيسي ان يكتب في آذار (‏مارس)‏ ١٩٧٠ رسالة من اربع صفحات الى السفير الروماني في الولايات المتحدة.‏ كما ارسل في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٧١ رسالة من ست صفحات الى الرئيس الروماني نيقولاي شاوشسكو.‏ وقد ذكر الاخوة في رسالتهم الى السفير ان «محبتنا المسيحية لإخوتنا في رومانيا وقلقنا عليهم دفعانا الى الكتابة اليكم».‏ وبعد ذكر اسماء سبعة اخوة سُجنوا بسبب ايمانهم،‏ تابعت الرسالة:‏ «علمنا ان بعض الاشخاص المذكورين سابقا عوملوا بوحشية في السجن.‏ .‏ .‏ .‏ شهود يهوه ليسوا مجرمين.‏ فهم لا يشتركون في اي نشاط سياسي او تخريبي في كل انحاء العالم.‏ وجميع نشاطاتهم تقتصر على عبادتهم الدينية».‏ وخُتمت الرسالة بمناشدة الحكومة ان «تريح شهود يهوه من العذاب الذي يعانونه».‏

كما جاء في الرسالة الموجَّهة الى الرئيس شاوشسكو ان «شهود يهوه في رومانيا لا يتمتعون بالحرية الدينية التي ينصّ عليها الدستور الروماني»،‏ بل يتعرضون للاعتقال والمعاملة القاسية حين يخبرون الناس عن معتقداتهم ويجتمعون لدرس الكتاب المقدس.‏ كما أشارت الرسالة الى عفو عام صدر مؤخرا وحُرِّر بموجبه كثيرون من الاخوة.‏ وذكرت:‏ «كنا نرجو ان تُفتَح صفحة جديدة ايضا في ما يتعلق .‏ .‏ .‏ بشهود يهوه.‏ ولكن من المؤسف ان آمالنا ذهبت أدراج الرياح.‏ فكل الاخبار التي نتلقاها اليوم من كل انحاء رومانيا تكشف ان القصة المأساوية نفسها تتكرر يوما بعد يوم:‏ لا تزال الدولة تضطهد شهود يهوه.‏ فبيوتهم تُفتَّش،‏ مطبوعاتهم تُصادَر،‏ الرجال والنساء يُعتقَلون ويُستجوَبون،‏ والبعض يُحكَم عليهم بالسجن سنوات طويلة وآخرون يلقون معاملة وحشية.‏ وكل ذلك لأنهم يقرأون ويبشرون بكلمة يهوه اللّٰه.‏ ان هذه الاعمال تشوّه سمعة الدولة التي تقوم بها،‏ ونحن قلقون جدا حيال وضع شهود يهوه في رومانيا».‏

وأُرفق بالرسالة كتابان هما:‏ الحق الذي يقود الى الحياة الابدية باللغة الرومانية و الحياة الابدية في حرية ابناء اللّٰه باللغة الالمانية.‏

بعد سنة ١٩٧٥،‏ بدأت أوضاع شهود يهوه تتحسّن قليلا لأن رومانيا وقَّعت في تلك السنة اتفاقية مؤتمر هلسنكي حول الامن والتعاون في اوروبا.‏ وقد ضمِن هذا المؤتمر حقوق الانسان والحريات الاساسية،‏ بما فيها حرية الدين.‏ وبعد ذلك،‏ لم تعد السلطات تعتقل سوى الذين يرفضون الخدمة العسكرية.‏

وفي سنة ١٩٨٦،‏ صدر قانون جديد حُظر بموجبه على الجميع،‏ بمن فيهم الرسميون،‏ ان يدخلوا منزلا خاصا دون موافقة صاحب البيت إلا في بعض الحالات التي يجيزها القانون.‏ وبناء على ذلك،‏ صار بإمكان الاخوة اخيرا ان يعقدوا بسلام في البيوت الخاصة كل الاجتماعات المسيحية،‏ بما فيها الذِّكرى.‏

الطباعة في السرّ

خلال الحظر،‏ كان الطعام الروحي يُهرَّب الى رومانيا على شكل مواد مطبوعة او ستانسِل او غير ذلك ثم يعاد إنتاجه محليا.‏ وفي بعض الاحيان،‏ كانت هذه المواد تُترجَم الى الرومانية والهنغارية قبل ان تصلنا.‏ ولكن في اغلب الاوقات،‏ لزم ترجمتها محليا من الالمانية او الانكليزية او الايطالية او الفرنسية.‏ وقد تألّف سعاة البريد من السيّاح الاجانب،‏ التلاميذ الذين يطلبون العلم في رومانيا،‏ والرومانيين العائدين من السفر.‏

بذلت السيكيوريتات كل ما في وسعها لكي تعترض سبيل السعاة وتكتشف اين يجري انتاج المطبوعات في رومانيا.‏ لكنّ الاخوة،‏ الذين اتّصفوا بالحذر الشديد،‏ كانوا يستخدمون عدة بيوت خاصة مزوَّدة بعازل للصوت في عدد من البلدات والمدن.‏ فقد بنوا داخل هذه البيوت غرفا سرية وضعوا فيها معدات النَّسخ.‏ وبعض هذه الغرف أُخفي خلف المواقد التي تكون عادة ملتصقة بالجدار.‏ لكنّ الاخوة صنعوا مواقد متحركة لكي يتمكنوا من ازاحتها والعبور الى المخابئ السرية.‏

شاندور پورويدي هو احد الذين عملوا في مطبعة سرية في تيرغو موريش حيث جرى انتاج الآية اليومية،‏ خدمتنا للملكوت،‏ برج المراقبة،‏ و استيقظ!‏.‏ يتذكر:‏ «عملنا احيانا ٤٠ ساعة في نهايات الاسابيع.‏ فكنا نتناوب على النوم ساعة ثم نقوم الى عملنا.‏ وكانت رائحة المواد الكيميائية تفوح من ثيابنا وبشرتنا.‏ حتى ان ابني البالغ من العمر ثلاث سنوات قال لي ذات مرة حين وصلت الى البيت:‏ ‹بابا،‏ رائحتك مثل الآية اليومية!‏›».‏

ساهم ايضا الاخ ترايان كيرا الذي كان متزوجا ولديه اولاد في نسخ ونقل المطبوعات في مقاطعة كلوج.‏ فأُعطي آلة نسخ يدوية قديمة جدا أُطلق عليها اسم «الطاحونة».‏ وكانت هذه «الطاحونة» تفي بالغرض رغم انها لم تنتج مطبوعات ذات نوعية جيدة.‏ لذلك طلب ترايان من اخ ميكانيكي ان يحاول إصلاحها.‏ وبعد ان تفحصها،‏ دلّت تعابير وجهه المتجهمة انه لا يمكن إصلاحها.‏ ولكن بعد لحظات اشرق وجهه وقال بحماس:‏ «بإمكاني ان اصنع لكم آلة جديدة!‏».‏ وبالفعل،‏ تمّم الاخ ما وعد به وأكثر ايضا.‏ فقد اقام مشغلا ومخرطة في الطابق السفلي في بيت احدى الاخوات.‏ وبدل الآلة الواحدة،‏ صنع هذا الاخ اكثر من عشر آلات!‏ وأُرسلت هذه «الطواحين» الجديدة الى مختلف انحاء البلاد وساهمت في إنتاج مطبوعات ذات نوعية جيدة.‏

في ثمانينات القرن العشرين،‏ تعلّم عدد من الاخوة كيف يشغّلون آلات نسخ أوفست متطورة.‏ وكان أولهم الاخ نيقولاي بِنتارو الذي تعلّم كيف يشغِّلها وعلّم بدوره باقي الاخوة.‏ وعلى غرار معظم العائلات،‏ كان جميع افراد عائلة بِنتارو يشتركون في انتاج المطبوعات،‏ اذ يؤدي كل منهم مهمّة معيّنة.‏ وبالطبع،‏ كان التحدي الكبير هو المحافظة على سرية هذا العمل،‏ وخصوصا خلال الفترة حين راح عملاء السيكيوريتات يتجسسون على الناس ويداهمون البيوت.‏ لذلك كانت السرعة مطلبا اساسيا.‏ فراح الاخوة يعملون ساعات طويلة في نهاية الاسبوع بكاملها لطبع المواد وإرسالها الى الاخوة.‏ ولماذا في نهايات الاسابيع؟‏ لأنهم كانوا يقومون بأعمالهم الدنيوية في بحر الاسبوع.‏

بالاضافة الى ذلك،‏ كان على الاخوة ان يتّصفوا بالحذر عند شراء الورق.‏ فحتى لو طلب الزبون مجرد رزمة ورق واحدة،‏ وهي عبارة عن ٥٠٠ ورقة تقريبا،‏ كان عليه ان يشرح السبب.‏ لكنَّ المطابع كانت تستهلك احيانا ٠٠٠‏,٤٠ ورقة في الشهر!‏ لذلك لزم ان يتوخّى الاخوة الحذر الشديد عند التعامل مع موظفي المتاجر.‏ وبما ان حواجز التفتيش كانت كثيرة آنذاك،‏ فقد وجب عليهم ايضا ان ينتبهوا كثيرا عند نقل المطبوعات.‏

تحدّيات الترجمة

اهتمّ عدد صغير من الاخوة والاخوات العائشين في اماكن مختلفة من رومانيا بترجمة المطبوعات الى اللغات المحلية،‏ مثل الاوكرانية التي تنطق بها اقلية إثنية في شمال البلاد.‏ وكان بعض هؤلاء المترجمين اساتذة لغة تعرّفوا بالحق،‏ والبعض الآخر اشخاصا بذلوا مجهودا شخصيا وتعلّموا لغة اجنبية ربما بمساعدة مقرَّر لغوي.‏

في البداية،‏ كان المترجمون يكتبون النصوص على دفاتر ويأخذونها الى مدينة بيستريتا في الشمال حيث يقوم آخرون بتصحيحها.‏ وكان المترجمون والمصحِّحون يلتقون مرة او مرتين في السنة لحلّ المسائل المتعلقة بعملهم.‏ وحين كانت الشرطة تكتشف امر هؤلاء الاخوة والاخوات،‏ كان من الطبيعي ان تفتشهم،‏ تستجوبهم،‏ تضربهم،‏ وتعتقلهم.‏ والذين يُعتقَلون كانوا يوضَعون في السجن ساعات او اياما قليلة ثم يُطلَق سراحهم ولكن لكي يُعتقَلوا من جديد.‏ والهدف من هذه العملية المتكررة هو إخافة الاخوة.‏ كما وُضع البعض الآخر تحت الاقامة الجبرية او اضطروا ان يمثلوا يوميا امام الشرطة.‏ وقد جرى اعتقال عدد لا بأس به مثل دوميترو ودوينا تشيپَنارو وپيتره رانكا.‏

كان دوميترو تشيپَنارو أستاذا في التاريخ واللغة الرومانية،‏ اما زوجته دوينا فكانت طبيبة.‏ بعد عدة محاولات،‏ اعتقلتهما السيكيوريتات وأرسلتهما الى سجنين منفصلين مدة سبع سنوات ونصف أمضت دوينا خمسا منها في سجن انفرادي.‏ وقد ذُكر اسمها هي وزوجها في الرسالة المشار اليها سابقا التي بعثها المركز الرئيسي الى السفير الروماني في الولايات المتحدة.‏ وخلال فترة سجنها،‏ كتبت دوينا ٥٠٠ رسالة تشجيعية الى زوجها وإلى عدد من الاخوات المسجونات.‏

بعد سنة من اعتقال دوميترو ودوينا،‏ اعتُقلت سابينا تشيپَنارو والدة دوميترو،‏ وأمضت في السجن ست سنوات إلّا شهرين.‏ والفرد الوحيد في العائلة الذي بقي حرًّا رغم ان السيكيوريتات وضعته تحت المراقبة المشدَّدة هو زوج سابينا الذي كان هو ايضا شاهدا ليهوه.‏ وقد خاطر بحياته وزار بانتظام السجناء الثلاثة في عائلته.‏

سنة ١٩٣٨،‏ عُيِّن الاخ پيتره رانكا امين سر مكتب شهود يهوه في رومانيا.‏ وقد جعله تعيينه هذا،‏ إضافة الى عمله كمترجم،‏ في رأس قائمة المطلوبين من السيكيوريتات.‏ فأمسكوا به سنة ١٩٤٨ وسجنوه عدة مرات،‏ ثم حاكموه سنة ١٩٥٠ الى جانب الاخوين مارتن ماجروشي وپامفيل ألبو.‏ وكانت التهمة الموجَّهة اليه انه عضو في عصابة تجسُّس انكلواميركية.‏ فاضطر ان يحتمل ١٧ سنة في سجون تُعَدّ من اسوإ سجون البلاد،‏ وهي سجون أيود وڠيرلا وجيلاڤا،‏ بالاضافة الى ٣ سنوات تحت الاقامة الجبرية في مقاطعة ڠالاتي.‏ ولكن رغم كل ذلك،‏ بذل هذا الاخ الامين نفسه كاملا في خدمة يهوه حتى نهاية مسلكه الارضي في ١١ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩١.‏

ان هذه الجهود الحبية التي بذلها هؤلاء الاخوة الامناء تذكّرنا بالكلمات التالية:‏ «اللّٰه ليس فيه إثم حتى ينسى عملكم والمحبة التي أظهرتموها نحو اسمه في انكم خدمتم القديسين ولا تزالون تخدمونهم».‏ —‏ عبرانيين ٦:‏١٠‏.‏

محافل في الهواء الطلق

خلال الثمانينات،‏ بدأ الاخوة يجتمعون في فرق اكبر ضمّت احيانا آلاف الاشخاص،‏ وذلك حين تسنح لهم الفرص في مناسبات كالاعراس والمآتم.‏ ففي الاعراس،‏ كان الاخوة ينصبون خيمة كبيرة في موقع ملائم في الريف ويزيّنونها من الداخل بقطع من السجاد الجميل حيكت عليها صور وآيات من الكتاب المقدس.‏ كما أُعدَّت الطاولات والكراسي من اجل «المدعوين» الكُثر،‏ وعُلِّقت خلف المنبر صورة مكبَّرة لشعار برج المراقبة بالاضافة الى الآية السنوية.‏ وغالبا ما اهتمّ الناشرون المحليون بتوفير الطعام وفقا لإمكانياتهم.‏ وهكذا تمتع الجميع بمأدبة مزدوجة:‏ مادية وروحية.‏

كان البرنامج يبدأ بخطاب الزواج او الدفن تليه محاضرات حول مواضيع متنوعة من الكتاب المقدس.‏ وبما ان الظروف كانت تحول احيانا دون وصول الخطباء في الوقت المحدّد،‏ كان اخوة اكفاء آخرون مستعدين دائما لملء الفراغ.‏ وفي اغلب الاحيان كانوا يستعينون بالكتاب المقدس وحده اذ لم تكن لديهم نسخ من المواد المعدَّة مسبقا.‏

خلال فصل الصيف،‏ كان سكان المدن يتوافدون على الارياف من اجل الاستجمام.‏ وقد حذا شهود يهوه حذوهم،‏ لكنهم اغتنموا هذه الفرص لعقد محافل صغيرة في التلال والغابات.‏ حتى انهم كانوا يمثّلون مسرحيات من الكتاب المقدس باللباس التاريخي القديم.‏

وأحد الاماكن المفضّلة لقضاء العطل هو البحر الاسود الذي شكّل ايضا موقعا مثاليا للمعمودية.‏ ولكن كيف كان الاخوة يغطّسون الجدد في الماء دون ان يلفتوا الانظار؟‏ احدى الطرق هي التظاهر «باللَّعب» في الماء.‏ فقد كان المرشحون وبعض الناشرين المعتمدين يشكّلون حلقة في الماء ويرمون الكرة واحدهم الى الآخر.‏ وكان الخطيب يقف في الوسط ويلقي الخطاب ثم يُغطَّس المرشحون بحذر شديد.‏

قاعة مربّي النحل

سنة ١٩٨٠،‏ ابتكر الاخوة في بلدة نِڠرشتي أُواش الواقعة في شمال غرب رومانيا وسيلة رائعة لنيل موافقة السلطات على بناء قاعة ملكوت.‏ ففي تلك الاثناء،‏ كانت الدولة تشجّع على تربية النحل.‏ لذلك خطرت في بال فريق من الاخوة الذين امتلكوا خلايا نحل فكرة تأسيس اتحاد محلي لمربّي النحل،‏ الامر الذي يعطيهم سببا شرعيا لبناء مكان يجتمعون فيه.‏

بعد استشارة شيوخ الدائرة،‏ تسجّل الاخوة لدى «اتحاد مربّي النحل في رومانيا» ثم قصدوا دار البلدية لكي يقدّموا طلبا لبناء مكان يجتمعون فيه.‏ وعلى الفور،‏ وافقت السلطات على تشييد مبنى خشبي طوله ٣٤ مترا وعرضه ١٤ مترا.‏ وقد أكمل بفرح مربّو النحل هؤلاء ومساعدوهم الكُثُر مشروعهم هذا خلال ثلاثة اشهر.‏ حتى انهم حظوا بتنويه خاص من المسؤولين في البلدة.‏

وبما ان عددا كبيرا من الشهود كانوا سيحضرون التدشين الذي تضمّن برنامجا يستغرق عدة ساعات،‏ سعى الاخوة الى الحصول على موافقة لاستعمال القاعة من اجل الاحتفال بموسم حصاد الحبوب.‏ وقد وافقت السلطات على طلبهم.‏ فاجتمع اكثر من ٠٠٠‏,٣ شاهد من كل انحاء البلاد.‏ وذهل الرسميون في البلدة لأن هذا العدد الكبير من الناس أتوا للمساعدة في الحصاد و «الاحتفال» بعد ذلك.‏

طبعا،‏ كان هذا الاحتفال عبارة عن محفل غني بالمعلومات الروحية المفيدة.‏ ونظرا الى الهدف الرسمي من المبنى،‏ تضمن البرنامج اشارات كثيرة الى النحل انما بمعنى روحي.‏ مثلا،‏ أشار الخطباء الى اجتهاد هذه الحشرة،‏ مهاراتها الملاحية والتنظيمية،‏ شجاعتها التي تصل الى حدّ التضحية بنفسها من اجل حماية قفيرها،‏ وغيرها من المزايا العديدة التي تتمتع بها.‏

وبعد التدشين،‏ استمر الاخوة في استخدام هذا المكان،‏ الذي دُعي «قاعة النحل»،‏ خلال السنوات الباقية من الحظر وبعد ثلاث سنوات من رفعه.‏

نظار الاقاليم يعزّزون الوحدة

طوال عقود،‏ بذل الشيوعيون كل ما في وسعهم لزرع بذور الشك والانشقاقات بين شعب اللّٰه وعرقلة الاتصالات في ما بينهم.‏ وكما ذُكر سابقا،‏ نجحت مساعيهم الى حدّ ما.‏ وفي الواقع،‏ استمرت بعض الانقسامات حتى الثمانينات.‏ لكنّ زيارات نظار الاقاليم بالاضافة الى التغييرات في المناخ السياسي العام ساعدت على حل المشكلة.‏

ابتداء من أواسط السبعينات،‏ زار رومانيا في عدد من المناسبات الاخ ڠِريت لوش،‏ الذي كان آنذاك عضوا في لجنة فرع النمسا وهو الآن عضو في الهيئة الحاكمة.‏ وفي سنة ١٩٨٨،‏ أتى الى رومانيا مرتين ممثلان للهيئة الحاكمة هما الاخوَان ثيودور جارس ومِلتون هنشل.‏ وكان برفقتهما الاخ لوش والمترجم الاخ جون بْرِنكا الذي كان آنذاك عضوا في عائلة بيت ايل في الولايات المتحدة.‏ وبعد هذه الزيارات البناءة،‏ عاد الى الحظيرة بثقة كبيرة آلاف الاخوة الذين سبق ان ابتعدوا عن جماعة شعب يهوه.‏

في تلك الفترة،‏ كانت التطورات السياسية المتفاقمة تهدّد استقرار اوروبا الشيوعية وتزعزع أساساتها.‏ وبلغت الاحداث أوجها حين انهارت معظم انظمة الحكم هذه في أواخر الثمانينات.‏ وفي رومانيا،‏ بلغت هذه التطورات ذروتها سنة ١٩٨٩ حين ثار الشعب على النظام الشيوعي،‏ وأُعدم رئيس الحزب نيقولاي شاوشسكو وزوجته في ٢٥ كانون الاول (‏ديسمبر)‏.‏ وفي السنة التالية،‏ تأسست حكومة جديدة.‏

الحرية اخيرا!‏

كالعادة،‏ حافظ شهود يهوه على حيادهم التام فيما كان المشهد السياسي في رومانيا يتغير بسرعة.‏ وقد جلبت هذه التغييرات للشهود،‏ البالغ عددهم آنذاك ٠٠٠‏,١٧ شخص،‏ حريةً كانت في نظر معظمهم مجرد حلم صعب المنال.‏ كتبت لجنة البلد:‏ «بعد ٤٢ سنة مرّت كأنها دهر،‏ يسرّنا ان نرسل اليكم تقريرا مفرحا عن النشاط في رومانيا.‏ نحن شاكرون جدا لأبينا المحب يهوه اللّٰه الذي أصغى الى الصلوات الحارة التي رفعها ملايين الاخوة ووضعَ حدّا للاضطهاد العديم الرحمة».‏

وفي ٩ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٩٠،‏ نال الاخوة الاعتراف الشرعي بصفتهم «هيئة شهود يهوه الدينية».‏ فنظّموا على الفور محافل دائرية في كل انحاء البلاد.‏ وحضر هذه المحافل اكثر من ٠٠٠‏,٤٤ شخص،‏ اي اكثر بكثير من ضعف عدد الناشرين الذي كان قد وصل آنذاك الى ٠٠٠‏,١٩ تقريبا.‏ وأظهر تقرير خدمة الحقل انه من ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٨٩ الى ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٩٠،‏ حقّق شهود يهوه زيادة بلغت ١٥ في المئة!‏

وفي تلك الفترة،‏ كانت لجنة البلد تنسّق العمل تحت اشراف فرع النمسا.‏ ولكن في سنة ١٩٩٥،‏ بعد حقبة امتدت ٦٦ سنة،‏ اصبح لرومانيا من جديد مكتب فرع خاص بها.‏

نيل المساعدة في الضيقات الاقتصادية

في الثمانينات،‏ ضعف اقتصاد رومانيا وصار الحصول على المواد الاستهلاكية امرا صعبا.‏ وعندما انقلب الحكم الشيوعي،‏ انهار معه الاقتصاد تاركا الناس في حالة يُرثى لها.‏ فما كان من شهود يهوه في النمسا وهنغاريا والبلدين المعروفَين آنذاك بتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا إلا ان أرسلوا اكثر من ٧٠ طنًّا من الطعام والملابس الى إخوتهم في رومانيا.‏ وقد استطاع هؤلاء الاخوة الفقراء تقديم جزء من هذه المساعدات لجيرانهم الذين ليسوا شهودا.‏ يقول احد التقارير:‏ «كلما قُدِّم العون للإخوة،‏ كانوا يستغلون الفرصة لتقديم شهادة شاملة للآخرين».‏

الى جانب التدابير المادية،‏ نال الاخوة الطعام الروحي بوفرة،‏ الامر الذي جعل دموع الفرح تفيض من عيون كثيرين منهم.‏ وذلك لأن فريقا بأكمله كان في السابق يحصل على نسخة واحدة من برج المراقبة.‏ وكم فرح الاخوة ايضا عندما صارت برج المراقبة بالرومانية تصدر ابتداء من عدد ١ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩١ بالالوان الطبيعية وبالتزامن مع النسخة الانكليزية!‏ وقد أدّت هذه التغييرات الى زيادة كبيرة وسريعة في التوزيعات ضمن المقاطعة.‏

من فِرَق للمناقشة الى اجتماعات منظَّمة

خلال فترة الاضطهاد،‏ لم يستطع الاخوة ان يعقدوا بالطريقة المعتادة بعض الاجتماعات مثل مدرسة الخدمة الثيوقراطية.‏ بدلا من ذلك،‏ كانوا يجتمعون في فرق صغيرة،‏ يقرأون المواد،‏ ثم يناقشونها.‏ وفي اغلب الاحيان،‏ كان لديهم مجرد نسخ قليلة او نسخة واحدة من المواد التي تُناقَش.‏

يقول الاخ جون بْرِنكا الذي يخدم الآن كعضو في لجنة فرع رومانيا:‏ «سنة ١٩٩٢،‏ طُبع كتاب دليل مدرسة الخدمة الثيوقراطية باللغة الرومانية.‏ ولكن قبل ذلك الحين،‏ امتلك عدد صغير من الاخوة نسخا منه مطبوعة محليا.‏ وفي سنة ١٩٩١،‏ بدأنا ندرّب الشيوخ على إدارة مدرسة الخدمة الثيوقراطية وإعطاء النصائح.‏ لكنهم غالبا ما تردَّدوا في اسدائها لأنها كانت تُعطى آنذاك من على المنبر.‏ وقال البعض:‏ ‹سيتضايق الاخوة اذا قدّمنا لهم النصائح على مسامع الآخرين›».‏

كما كانت هنالك امور اخرى أُسيء فهمها.‏ مثلا،‏ عندما زار احد خرِّيجي مدرسة تدريب الخدام احدى الجماعات سنة ١٩٩٣،‏ اقترب منه شيخ يحمل نسخة من برنامج المدرسة تذكر ان بإمكان الجماعات الكبيرة ان تعقد مدرسة ثانية.‏ وبما انه كان يظن ان هذا التدبير مُعَدّ للتلاميذ المتقدمين،‏ سأل:‏ «أتساءل متى سنتمكن من الابتداء بتقديم المواضيع في تلك المدرسة.‏ فلدينا اخوة اكفاء يستحقون ان ينتقلوا الى مستوى اعلى».‏ لكنّ الاخ أوضح له المسألة بلطف.‏

يخبر الاخ بْرِنكا:‏ «لعبت المحافل الدائرية دورا مهمّا في تعليم الاخوة،‏ إذ تخلَّلتها مدرسة خدمة ثيوقراطية نموذجية يديرها ناظر الكورة.‏ ورغم ذلك،‏ مرّت بضع سنوات ريثما تمكّن الاخوة من تطبيق الترتيب بشكل كامل».‏

وفي سنة ١٩٩٣،‏ بدأت مدرسة خدمة الفتح تُعقَد في رومانيا.‏ وقد ساعدت آلاف الفاتحين على التقدم روحيا وزيادة فعاليتهم في الخدمة.‏ ولا يمكننا ان ننكر ان الانخراط في خدمة الفتح في رومانيا هو تحدٍّ كبير لأن ايجاد عمل بدوام جزئي امر يكاد يكون مستحيلا.‏ غير ان اكثر من ٥٠٠‏,٣ اخ وأخت اشتركوا سنة ٢٠٠٤ في احد أوجه خدمة الفتح.‏

عون للنظار الجائلين

سنة ١٩٩٠،‏ عُيِّن في رومانيا الأخوان روبرتو فرانتشيسكيتي وأندريا فابي من فرع ايطاليا لكي يساعدا في إعادة تنظيم العمل هناك.‏ يوضح الاخ فرانتشيسكيتي:‏ «كان عمري آنذاك ٥٧ سنة.‏ وبسبب الاوضاع الاقتصادية السائدة في تلك الفترة،‏ لم يكن التعيين الجديد سهلا علي وعلى زوجتي إيميلدا.‏

‏«حين وصلنا الى بخارست في ٧ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٩٠ في الساعة السابعة مساء،‏ كانت الحرارة ١٠ درجات فهرنهايت [١٢ درجة مئوية تحت الصفر] والمدينة مغطاة بثوب من الثلج.‏ التقينا بعض الاخوة في وسط المدينة وسألناهم اين سنبيت الليلة.‏ فأجابوا:‏ ‹لا نعرف بعد›.‏ وبالصدفة،‏ سمعت محادثتنا شابة أمّها وجدّتها شاهدتان ودعتنا على الفور الى بيتها.‏ فأقمنا عندها بضعة اسابيع حتى وجدنا شقة مناسبة في المدينة.‏ وقد قدّم لنا الاخوة المحليون ايضا الدعم العاطفي والتشجيع،‏ الامر الذي ساعدنا على التكيّف مع تعييننا».‏

تخرَّج الاخ روبرتو سنة ١٩٦٧ من الصف الثالث والاربعين من مدرسة جلعاد.‏ وقد أمضى هو وزوجته تسع سنوات تقريبا في رومانيا،‏ وساعدا الاخوة بكل ما أُوتيا من قوّة على الاستفادة من سنوات خبرتهما الطويلة في خدمة يهوه.‏ يتابع روبرتو:‏ «في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩١،‏ رتّبت لجنة البلد لاجتماع مع كل النظار الجائلين البالغ عددهم ٤٢ أخا.‏ وكان معظمهم يخدم دوائر صغيرة يتألف كل منها من ست او سبع جماعات.‏ وكانوا عادة يخدمون الجماعة دون زوجاتهم خلال نهايتَي اسبوعين متتاليتين.‏ ففي تلك الايام،‏ كان على نظار الدوائر ان يقوموا بعمل دنيوي لكي يعيلوا عائلاتهم ويتجنبوا إثارة شكوك السلطات.‏ اما الآن فقد صار باستطاعة هؤلاء الاخوة ان يتّبعوا نفس البرنامج الذي يتّبعه زملاؤهم في سائر البلدان بخدمة الجماعات من الثلاثاء الى الاحد.‏

‏«بعد ان اوضحتُ هذا الترتيب،‏ قلت للإخوة النظار الاثنين والاربعين:‏ ‹اذا كنتم ترغبون في مواصلة خدمتكم كنظار جائلين،‏ فارفعوا ايديكم من فضلكم›.‏ فلم ترتفع ولا حتى يد واحدة!‏ وهكذا،‏ خسرنا في ثوانٍ كل النظار الجائلين في البلاد!‏ ولكن بعد ان فكّر الاخوة في المسألة بروح الصلاة،‏ غيّر البعض رأيهم.‏ كما وصلتنا مساعدة اضافية من المتخرجين من مدرسة تدريب الخدام الذين اتوا من المانيا،‏ ايطاليا،‏ فرنسا،‏ النمسا،‏ والولايات المتحدة».‏

عُيِّن في رومانيا ايضا الاخ جون بْرِنكا الروماني الاصل الذي خدم ١٠ سنوات في بيت ايل في بروكلين.‏ في البداية،‏ خدم جون كناظر دائرة وناظر كورة.‏ يتذكر:‏ «في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٩١،‏ بدأت اعمل كناظر كورة مع نظار الدوائر الذين كانوا مستعدين ان يخدموا كامل الوقت وفقا للترتيب الجديد.‏ وسرعان ما اكتشفت انهم ليسوا الوحيدين الذين عليهم ان يصنعوا تغييرات جذرية في تفكيرهم،‏ فالجماعات ايضا وجدت صعوبة في التكيف مع الترتيب الجديد.‏ قال بعض الشيوخ:‏ ‹يستحيل ان يدعم الناشرون خدمة الحقل على اساس يومي›.‏ لكنّ الجميع تعاونوا معا وأجروا التعديلات اللازمة».‏

بالاضافة الى ذلك،‏ ساعدت مدرسة خدمة الملكوت ومدرسة تدريب الخدام في تعليم الاخوة.‏ فخلال احدى مدارس خدمة الملكوت التي عُقدت في بايا ماري،‏ اقترب شيخ من احد الاساتذة والدموع تفيض من عينيه وقال له:‏ «صحيح انني شيخ منذ سنوات عديدة،‏ لكنني الآن فقط أدرك تماما كيف يلزم ان تُعقَد الزيارات الرعائية.‏ أشكر الهيئة الحاكمة على هذه المعلومات الرائعة».‏

كان الاخوة قد سمعوا بمدرسة تدريب الخدام،‏ لكنَّ فكرة عقدها في بلدهم بدت مجرد حلم.‏ ولا يمكن تصوّر الفرح الذي غمرهم حين تحقَّق هذا الحلم سنة ١٩٩٩ عندما عُقد الصف الاول من هذه المدرسة!‏ ومذّاك،‏ عُقدت ثمانية صفوف اخرى حضرها اخوة يتكلمون الرومانية من مولدوفا وأوكرانيا المجاورتين.‏

‏«وجدتُ الحق!‏»‏

في حين ان الاخوة في رومانيا يقدّمون الشهادة بانتظام لعدد كبير من السكان،‏ يعيش سبعة ملايين تقريبا —‏ اي ثلث السكان —‏ في مقاطعات غير معيَّنة.‏ وبما ان الناس في عدد من المناطق لم يسمعوا قط بالبشارة،‏ فلا يزال الحصاد كثيرا.‏ (‏متى ٩:‏٣٧‏)‏ لذلك تجاوب فاتحون عاديون وخصوصيون وشيوخ في الجماعات مع هذه الحاجة وانتقلوا الى هذه المناطق غير المعيَّنة.‏ فكانت النتيجة ان تأسس المزيد من الفرق والجماعات هناك.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ دعا الفرع الجماعات الى الاشتراك في حملات خصوصية للخدمة في المقاطعات غير المعيَّنة.‏ وكما هي الحال في العديد من البلدان،‏ أسفرت هذه الحملات عن نتائج رائعة.‏

ثمة امرأة عمرها ٨٣ سنة تعيش في احدى القرى النائية أعطتها احدى بناتها نسخة من برج المراقبة بعد ان وجدتها مرمية في مكبّ للنفايات في بخارست.‏ فقرأت السيدة المجلة وفتحت كل الآيات في كتابها المقدس ووجدت فيها بالصدفة الاسم الالهي.‏ وفي المرة التالية حين تكلمت الى ابنتها،‏ قالت لها بحماس:‏ «عزيزتي،‏ لقد وجدتُ الحق!‏».‏

كما انها تحدثت الى كاهن القرية وسألته لماذا لا يخبر الناس عن اسم اللّٰه.‏ فلم يجبها بل طلب منها ان تعيره الكتاب المقدس والمجلة لكي يتفحصهما.‏ فأعطته ما طلب بكل احترام،‏ لكنه لم يعدهما اليها قط!‏ ولاحقا،‏ حين اتى شهود يهوه الى قريتها ليبشروا هناك،‏ دعتهم الى بيتها وبدأت تدرس كلمة اللّٰه بمساعدة كتاب المعرفة.‏ ومع الوقت،‏ أحرزت هذه السيدة تقدما رائعا،‏ واعتنقت الحق هي وكل بناتها.‏

اخيرا صار بالامكان عقد المحافل!‏

ابتهج شهود يهوه كثيرا في رومانيا حين اجتمعوا سنة ١٩٩٠ لعقد محافل «اللغة النقية» الكورية.‏ فبالنسبة الى كثيرين،‏ كانت تلك المناسبة اول محفل يحضرونه.‏ وقد عُقدت هذه المحافل في مدينتَي براشوڤ وكلوج-‏ناپوكا.‏ قبل اسبوعين،‏ حضر اكثر من ٠٠٠‏,٢ مندوب محفلا باللغة الرومانية في بودابست بهنغاريا.‏ ومع ان المحافل في رومانيا دامت يوما واحدا فقط،‏ فرح الاخوة بسماع خطابات الاخوين مِلتون هنشل وثيودور جارس اللذين مثّلا الهيئة الحاكمة.‏ وقد تجاوز عدد الحضور ٠٠٠‏,٣٦ واعتمد ٤٤٥‏,١ شخصا،‏ اي نحو ٨ في المئة من عدد الناشرين.‏

وفي سنة ١٩٩٦،‏ كان من المقرَّر ان تستضيف بخارست احد محافل «رسل السلام الالهي» الاممية.‏ لكنَّ رجال الدين الأرثوذكس لم يألوا جهدا لإيقاف المحفل.‏ فعلّقوا هم وأتباعهم في كل ارجاء المدينة ملصقات كُتبت عليها شعارات تنمّ عن كرههم للشهود.‏ فكانت هذه الملصقات تُرى على المباني العامة والابنية الخاصة بالكنيسة بالاضافة الى الممرات والجدران.‏ وقد نصّ احدها:‏ «الارثوذكسية او الموت»،‏ وكُتب على آخر:‏ «سنطلب من السلطات ان تلغي هذا المحفل.‏ تعالوا لكي ندافع عن ايمان اجدادنا!‏ ليكن اللّٰه عونا لنا!‏».‏

في ظل هذه الظروف،‏ غيّر الرسميون في المدينة رأيهم ولم يسمحوا بعقد المحفل في بخارست.‏ لكنّ الاخوة استطاعوا ان يؤمِّنوا اماكن لعقد المحفل في براشوڤ وكلوج-‏ناپوكا من ١٩ الى ٢١ تموز (‏يوليو)‏،‏ واستطاعوا ايضا ان ينظّموا محافل اصغر بكثير في بخارست وفي بايا ماري من اجل الذين لا يستطيعون السفر الى المواقع الاخرى.‏

تأثر المراسلون الصحفيون لأن الاخوة استطاعوا ان يحافظوا على هدوئهم ويعيدوا تنظيم الامور في فترة وجيزة.‏ ورغم انتقادات رجال الدين،‏ كانت التغطية الاعلامية في اليوم الذي سبق المحفل ايجابية جدا.‏ ولكن حتى التقارير السلبية السابقة جلبت بعض الفوائد اذ عرّفت الناس باسم يهوه.‏ قال اخ في بخارست:‏ «في غضون ثلاثة اسابيع،‏ حصلنا على دعاية توازي سنوات من الشهادة في كل انحاء البلاد.‏ فالامور التي ظنت الكنيسة الارثوذكسية الرومانية انها ستعيقنا كان لها ردّ فعل عكسي اذ ساهمت في تقدُّم البشارة».‏ وقد حضر المحافل ما مجموعه ٢٠٦‏,٤٠ اشخاص واعتمد ٦٧٩‏,١ شخصا.‏

شعر الاخوة بفرح غامر في محافل «العاملون بكلمة اللّٰه» الكورية التي عُقدت سنة ٢٠٠٠ عندما تسلّموا الاسفار اليونانية المسيحية —‏ ترجمة العالم الجديد باللغة الرومانية.‏ عبَّر اخ شاب عن تقديره العميق قائلا:‏ «اقتربت اكثر الى يهوه حين قرأت اسمه في نسختي الخاصة من هذه الترجمة.‏ أشكر يهوه وهيئته من اعماق قلبي».‏

من قاعة النحل الى قاعة محافل

لم تُبنَ خلال الحقبة الشيوعية قاعات ملكوت باستثناء «قاعة النحل» المشار اليها سابقا.‏ لذلك عندما رُفع الحظر،‏ كانت هنالك حاجة ماسّة الى بناء قاعات جديدة.‏ ولكن بفضل ترتيب صندوق قاعات الملكوت،‏ استطاع الاخوة في السنوات الاخيرة ان يبنوا كمعدل قاعة واحدة كل عشرة ايام!‏ وقد بُنيت هذه القاعات وفق تصاميم نموذجية وبمواد يسهل الحصول عليها،‏ فغدت أبنية بسيطة وعملية.‏ وكما في البلدان الاخرى،‏ أعطى التنظيم الجيد والروح الطوعية اللذان تجليا خلال البناء،‏ وخصوصا خلال بناء القاعات بسرعة كبيرة،‏ شهادة رائعة للجيران ورجال الاعمال والرسميين في المدينة.‏

في مقاطعة موريش،‏ طلب الاخوة من السلطات ان تأذن لهم بإيصال التيار الكهربائي الى قاعة الملكوت التي كانت قيد البناء.‏ فسأل احد المسؤولين:‏ «لماذا انتم على عجلة من أمركم؟‏ ان الحصول على الاذن يتطلب شهرا على الاقل،‏ وحتى ذلك الحين لن تكونوا قد أنهيتم جزءا كبيرا من البناء».‏ فطرح الاخوة المسألة على المدير.‏

فسأل هو ايضا:‏ «ولِمَ العجلة؟‏ ألم تضعوا لتوّكم اساسات البناء؟‏».‏

أجاب الاخوة:‏ «بلى،‏ ولكن كان ذلك في الاسبوع الفائت.‏ نحن الآن نعمل على السطح!‏».‏ فأدرك المدير عندئذ سبب استعجالهم وأصدر الاذن في اليوم التالي.‏

شُيِّدت اول قاعة محافل في رومانيا في نِڠرشتي أُواش،‏ وكانت تتسع لألفَي شخص في القاعة الرئيسية وستة آلاف في المدرَّج المكشوف.‏ وسُرَّ الأخ لوش كثيرا بإلقاء خطاب التدشين باللغة الرومانية.‏ وقد ساهمت اكثر من ٩٠ جماعة من خمس دوائر في عمل البناء.‏ وقبل تدشين القاعة،‏ عُقد فيها خلال شهر تموز (‏يوليو)‏ ٢٠٠٣ محفل كوري حضره ٥٧٢‏,٨ شخصا.‏ ولا عجب ان قاعة المحافل هذه كانت محور احاديث الناس في المجتمع المحلي الارثوذكسي!‏ لكنّ التعليقات لم تكن كلها سلبية.‏ فحتى بعض رجال الدين مدحوا الاخوة على روحهم الطوعية.‏

ما من سلاح ضد خدام اللّٰه سيحقِّق نجاحا

عندما عاد كارولي سابو ويوجيف كيس الى موطنهما سنة ١٩١١،‏ لم يدركا الى اي حدّ سيبارك يهوه العمل الذي بدآ به.‏ ففي السنوات العشر الماضية،‏ اعتمد نحو ٥٠٠‏,١٨ شخص جديد في رومانيا،‏ فصار بذلك عدد الناشرين ٤٢٣‏,٣٨ شخصا.‏ وفي سنة ٢٠٠٥،‏ حضر الذِّكرى ٣٧٠‏,٧٩ شخصا!‏ وبهدف مجاراة هذا النمو،‏ دُشِّن بيت ايل جديد رائع سنة ١٩٩٨ ثم وُسِّع سنة ٢٠٠٠.‏ كما بُني في العقار نفسه مجمَّع مؤلف من ثلاث قاعات ملكوت.‏

ان هذا النمو الكبير بدأ خلال فترة من الاضطهاد المرير يعجز القلم عن وصفها بكل تفاصيلها.‏ لذلك يعود كل الفضل في هذه الزيادة الى يهوه،‏ الإله الذي يحتمي بظلّه شهوده الاولياء.‏ (‏مزمور ٩١:‏١،‏ ٢‏)‏ فقد وعد خدامه الامناء:‏ «كل سلاح يُصوَّر ضدكِ لا ينجح،‏ وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه.‏ هذا هو ميراث خدام يهوه».‏ —‏ اشعيا ٥٤:‏١٧‏.‏

وللمحافظة على هذا ‹الميراث› النفيس،‏ سيتذكر شهود يهوه في رومانيا على الدوام وبكل إعزاز الدموع التي ذرفها جميع الذين عانوا المشقات من اجل البر وذلك حين يقتدون بإيمانهم الذي لا يُقدَّر بثمن.‏ —‏ اشعيا ٤٣:‏١٠؛‏ عبرانيين ١٣:‏٧‏.‏

‏[الاطار في الصفحة ٧٢]‏

لمحة عن رومانيا

اليابسة:‏ تبلغ مساحة رومانيا ٠٠٠‏,٢٣٨ كيلومتر مربع.‏ ويمتدّ قطرها من الشرق الى الغرب حوالي ٧٢٠ كيلومترا،‏ وهي ذات شكل بيضوي الى حد ما.‏ يحدّها من الشمال بحسب دوران عقارب الساعة:‏ اوكرانيا،‏ مولدوفا،‏ بلغاريا،‏ صِربيا والجبل الاسود،‏ وهنغاريا.‏

الشعب:‏ يتألف سكان رومانيا البالغ عددهم ٢٢ مليون نسمة من مجموعات متنوعة،‏ مثل:‏ الرومانيين،‏ الهنغاريين،‏ الالمان،‏ اليهود،‏ الاوكرانيين،‏ الغجَر،‏ وغيرها.‏ وتتبع نسبة لا تقلّ عن ٧٠ في المئة من السكان الكنيسة الارثوذكسية الرومانية.‏

اللغة:‏ الرومانية هي اللغة الرسمية.‏ وقد نشأت من اللاتينية التي كانت لغة الرومانيين القدماء.‏

سُبُل العيش:‏ ينهمك حوالي ٤٠ في المئة من الطبقة العاملة في الزراعة،‏ ادارة واستغلال الاراضي الحرجية،‏ وصيد الاسماك؛‏ ٢٥ في المئة في الصناعة،‏ التعدين،‏ والبناء؛‏ و ٣٠ في المئة في قطاع الخدمات.‏

الطعام:‏ تشتمل المحاصيل الزراعية على الذرة،‏ البطاطس،‏ الشمندر السكري،‏ القمح،‏ والعنب.‏ ويربي الرومانيون المواشي مثل الابقار والخنازير والدجاج،‏ وبشكل خاص الخراف.‏

المناخ:‏ تختلف درجات الحرارة وكمية الامطار باختلاف المناطق.‏ ولكن بشكل عام،‏ تنعم رومانيا بمناخ معتدل وأربعة فصول متنوعة.‏

‏[الاطار في الصفحة ٧٤]‏

تنوُّع الاقاليم في رومانيا

تتألف رومانيا في معظمها من مناطق ريفية.‏ وهي تنقسم الى عدة اقاليم ذات طابع تاريخي او غير ذلك مثل ماراموريس،‏ مولداڤيا،‏ ترانسيلڤانيا،‏ ودوبروجا.‏ تقع ماراموريس في الشمال،‏ وهي المقاطعة الوحيدة التي لم يغزها الرومان قط.‏ ويعيش الناس هناك في قرى جبلية نائية ويحافظون على حضارة اجدادهم الداسيين.‏ وفي الشرق،‏ هنالك مولداڤيا التي تشتهر بمعامل النبيذ،‏ الينابيع المعدنية،‏ والأديرة التي تعود الى القرن الخامس عشر.‏ وفي الجنوب تقع منطقة والاشيا التي تضم بخارست،‏ عاصمة رومانيا وكبرى مدنها.‏

وفي وسط رومانيا،‏ تمتد مقاطعة ترانسيلڤانيا المؤلفة في معظمها من هضبة تزنّرها سلسلة جبال الكربات المهيبة.‏ وهذه المقاطعة،‏ التي تزخر بالقلاع والمدن والخرائب من القرون الوسطى،‏ هي موطن دراكولا،‏ الرجل الاسطوري الذي يُصوَّر في الروايات الخيالية انه مصّاص دماء.‏ وشخصية دراكولا مستوحاة من شخصية الاميرَين في القرن الخامس عشر ڤلاد دراكول او ڤلاد الشيطان وڤلاد تيپيس،‏ الذي عُرف بأنه يستعمل الخازوق كأداة لقتل اعدائه.‏ وطبعا،‏ عندما يتجول السيّاح في هذه المنطقة،‏ يشاهدون الاماكن حيث اقام هذان الاميران.‏

أما اقليم دوبروجا فهو يعانق البحر الاسود ممتدّا بمحاذاته مسافة ٢٥٠ كيلومترا تقريبا.‏ وفي هذا الاقليم نجد دلتا نهر الدانوب الرائعة.‏ ويشكِّل هذا النهر،‏ الذي يُعتبر ثاني اطول انهار اوروبا،‏ الحدود الجنوبية لرومانيا.‏ كما ان معظم انهار البلاد تصبّ فيه.‏ وتبلغ مساحة دلتا نهر الدانوب ذات التنوع البيئي الكبير ٣٠٠‏,٤ كيلومتر مربَّع.‏ وهي تُعتبَر اكبر محمية للأراضي الرطبة في اوروبا.‏ ويعيش فيها اكثر من ٣٠٠ نوع من الطيور،‏ ١٥٠ نوعا من الاسماك،‏ و ٢٠٠‏,١ صنف من النباتات:‏ من اشجار الصفصاف الباسقة الى أزهار الزنبق الصغيرة التي تعيش في الماء.‏

‏[الاطار في الصفحة ٨٧]‏

من عبادة الإله زامولسيس الى الدين الارثوذكسي الروماني

قبل عصرنا الميلادي،‏ قطنت في هذه المنطقة التي تُعرَف اليوم باسم رومانيا قبيلتان تجمع بينهما صلة قرابة هما الجيتيون والداسيون.‏ وحسبما يُظَن،‏ كان معبودهم زامولسيس إله السماء والاموات.‏ اما الآن،‏ فتدّعي الغالبية الساحقة من الرومانيين بأنهم مسيحيون.‏ فكيف حدث هذا التغيير الجذري؟‏

خلال هيمنة روما على شبه جزيرة البلقان،‏ شكّل اتحاد الجيتيين والداسيين تهديدا كبيرا لنفوذها،‏ وخصوصا لأن الملك ديسِبلِس الذي حكم الشعبين المتحدَين هزم جيوش روما مرتين.‏ ولكن في مستهل القرن الثاني للميلاد،‏ بسطت روما سيطرتها على المنطقة وحوّلتها الى مقاطعة تابعة لها دُعيت مقاطعة داسيا.‏ وقد نعمت هذه المقاطعة بازدهار كبير جعلها تستقطب عددا كبيرا من المستوطنين الرومان.‏ فتزوجوا من الشعب الداسي وعلّموهم اللغة اللاتينية وأنجبوا اسلاف الشعب الروماني الموجود اليوم.‏

ان المستوطنين والباعة والتجار هم الذين جلبوا المسيحية الاسمية الى المنطقة.‏ وفي العام ٣٣٢ ب‌م،‏ تعاظم نفوذ المسيحية حين وقّع الامبراطور قسطنطين معاهدة سلام مع القوطيين الذين شكّلوا اتحادا من القبائل الجرمانية التي عاشت شمال نهر الدانوب.‏

وبعد الانشقاق الكبير سنة ١٠٥٤،‏ حين انفصلت الكنيسة الشرقية عن الكنيسة الرومانية،‏ وقعت المنطقة تحت سيطرة الكنيسة الارثوذكسية الشرقية،‏ أم الكنيسة الأرثوذكسية الرومانية.‏ وفي اواخر القرن العشرين،‏ بلغ عدد أتباع هذه الاخيرة اكثر من ١٦ مليون شخص،‏ مما يجعلها اكبر كنيسة ارثوذكسية مستقلة في البلقان.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٩٨]‏

رنّمنا فيما القنابل تنهمر كالمطر

تيودور ميرون

تاريخ الولادة:‏ ١٩٠٩

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٣

لمحة عن حياته:‏ تعلّم حق الكتاب المقدس وهو في السجن.‏ قضى ١٤ سنة في معسكرات الاعتقال النازية وفي السجون ومعسكرات الاشغال الشاقة التابعة للنظام الشيوعي.‏

في ١ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٤٤ عندما انسحبت القوات الالمانية،‏ كنت بين الشهود الـ‍ ١٥٢ والسجناء الآخرين الذين أُخذوا من معسكر الاعتقال في بور بصِربيا الى المانيا.‏ في بعض الايام،‏ لم يكن لدينا اي طعام نقتات به.‏ وعندما كنا نحصل على القليل من بقايا الطعام —‏ مثل الشمندر الملقى على جانب الطريق قرب الحقول —‏ كنا نتقاسم كل شيء بالتساوي.‏ وعندما يشعر احدنا انه اضعف من ان يسير،‏ كان الاقوياء يضعونه في عربة يد ثم يجرّون العربة.‏

بعد جهد جهيد،‏ وصلنا الى محطة قطار حيث استرحنا حوالي اربع ساعات،‏ ثم افرغنا حمولة مقطورتين مكشوفتين لكي يتّسع لنا مجال للركوب.‏ ومع ذلك،‏ بقيت العربات مكتظة جدا بحيث اضطررنا الى الوقوف طوال الوقت.‏ ولم تكن لدينا اية ثياب تقينا من البرد،‏ بل مجرد حرام لكل منا غطينا به رؤوسنا عندما انهمر المطر.‏ وبقينا على هذه الحال طوال الليل.‏ وفي اليوم التالي حين وصلنا الى احدى القرى عند العاشرة صباحا،‏ قصفت طائرتان قاطرتنا وأوقفت سير القطار.‏ ومع ان مقطورتينا كانتا مباشرة خلف القاطرة المتضررة،‏ لم يُقتل احد منا.‏ بعد الحادث،‏ عُلِّقت مقطورتنا بقاطرة اخرى وتابعنا رحلتنا.‏

حين توقفنا نحو ساعتين في محطة تبعد عن مكان الحادث مسافة ١٠٠ كيلومتر تقريبا،‏ رأينا رجالا ونساء يحملون سلالا من البطاطا.‏ فظننا انهم ‹بائعو بطاطا›،‏ لكننا كنا على خطإ.‏ فقد كانوا اخوتنا وأخواتنا الروحيين الذين عرفوا بأمرنا واستنتجوا اننا سنكون جائعين دون شك.‏ فأعطوا كل واحد منا ثلاث حبّات كبيرة من البطاطا المسلوقة مع قطعة من الخبز وبعض الملح.‏ ولا شك ان هذا ‹المنّ من السماء› سدّ جوعنا خلال الـ‍ ٤٨ ساعة التالية الى ان وصلنا في اوائل كانون الاول (‏ديسمبر)‏ الى بلدة سومباتيلي في هنغاريا.‏

امضينا الشتاء في سومباتيلي نقتات بشكل رئيسي بالذرة الموجودة تحت الثلج.‏ وخلال آذار ونيسان (‏مارس وأبريل)‏ ١٩٤٥،‏ قُصفت هذه البلدة الجميلة وتناثرت أشلاء الجثث في الشوارع.‏ وعلِق كثيرون تحت الانقاض،‏ فكنا نسمع احيانا استغاثاتهم.‏ وقد تمكنّا بواسطة الرفوش ومعدات اخرى من رفع الانقاض وإنقاذ البعض منهم.‏

أصابت القنابل المباني المجاورة،‏ لكنَّ المبنى الذي نقيم فيه لم يتضرَّر.‏ وعندما كانت تُسمع الصفارات التي تنذر بغارة جوية،‏ كان الجميع يُصابون بالذعر ويركضون بحثا عن مكان يحتمون به.‏ في البداية،‏ كنا نحن ايضا نركض معهم،‏ ولكن سرعان ما ادركنا ان الركض لا يجدي نفعا لأنه لم تكن هنالك ملاجئ آمنة حقا.‏ لذلك صرنا نلازم اماكننا ونحاول ان نحافظ على رباطة جأشنا.‏ وبعد فترة وجيزة،‏ صار الحراس يلازموننا قائلين ان إلهنا قد يحميهم هم ايضا.‏ وفي ليلة ١ نيسان (‏ابريل)‏،‏ اي الليلة الاخيرة التي امضيناها في سومباتيلي،‏ انهمرت القنابل كالمطر وبشكل لم يسبق له مثيل.‏ ومع ذلك،‏ بقينا في مكاننا نرنِّم ليهوه ونشكره على هدوء القلب الذي نعمنا به.‏ —‏ فيلبي ٤:‏٦،‏ ٧‏.‏

في الغد،‏ أمرنا الحراس بالرحيل الى المانيا.‏ كانت لدينا عربتان تجرّهما الاحصنة،‏ فركبناهما وقطعنا مسافة ١٠٠ كيلومتر تقريبا حتى وصلنا الى غابة تبعد ١٣ كيلومترا عن الحدود الروسية.‏ امضينا الليل في أملاك احد الاثرياء،‏ وفي اليوم التالي أطلق الحراس سراحنا.‏ فشكرنا يهوه لأنه قدَّم لنا الدعم المادي والروحي وودّعنا واحدنا الآخر والدموع تملأ عيوننا.‏ بعد ذلك توجهنا جميعا الى بيوتنا،‏ البعض سيرا على الاقدام والبعض الآخر بالقطار.‏

‏[الاطار في الصفحة ١٠٧]‏

شاهِد على المحبة المسيحية

سنة ١٩٤٦،‏ ضربت مجاعة الجزء الشرقي من رومانيا.‏ ومع ان شهود يهوه المقيمين في المناطق الاخرى الاقل تأثرا بالحرب العالمية الثانية وذيولها هم اشخاص فقراء،‏ فقد تبرعوا بالطعام واللباس والمال لإخوتهم المحتاجين.‏ مثلا،‏ قام شهود كانوا يعملون في منجم للملح في بلدة سيڠيت مارماتييه الواقعة قرب حدود اوكرانيا بشراء الملح من المناجم وبيعه في المدن والبلدات المجاورة،‏ ثم استخدموا الارباح التي جنوها لشراء الذرة.‏ كما ان شهود يهوه في السويد وسويسرا والولايات المتحدة وغيرها من البلدان مدّوا يد المساعدة،‏ اذ تبرعوا بحوالي خمسة اطنان من الطعام.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ١٢٤،‏ ١٢٥]‏

تذكّرنا ٦٠٠‏,١ آية من الكتاب المقدس

ديونيسييه ڤَرتشو

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٦

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٨

لمحة عن حياته:‏ امضى ابتداء من سنة ١٩٥٩ اكثر من خمس سنوات في عدة سجون ومعسكرات العمل الالزامي.‏ توفّي سنة ٢٠٠٢.‏

خلال فترة السجن،‏ سُمح لنا ان نتصل بعائلاتنا،‏ وسُمح لعائلاتنا ان ترسل الينا شهريا طردا وزنه خمسة كيلوغرامات.‏ لكنَّنا لم نُعطَ الطرد الذي يخصّنا ما لم نتمّم المهام الموكلة الينا.‏ وكنا على الدوام نتقاسم الطعام بالتساوي،‏ اي كنا نقطِّعه عموما الى ٣٠ حصة تقريبا.‏ وفي احدى المرات،‏ تقاسمنا تفاحتين فقط.‏ ومع ان القطع كانت صغيرة جدا،‏ فقد خفّفت عنا وطأة الجوع.‏

صحيح اننا لم نكن نملك كتبا مقدسة او مساعِدات على درس الكتاب المقدس،‏ لكننا حافظنا على قوّتنا الروحية بتذكُّر الامور التي تعلّمناها قبل اعتقالنا وتبادُل هذه المعلومات في ما بيننا.‏ فقد رتّبنا ان يتذكر احد الاخوة كل صباح آية من الكتاب المقدس.‏ وخلال فترة المشي الالزامية التي تتراوح بين ربع وثلث الساعة،‏ كنا نردد هذه الآية بصوت منخفض ونتأمل فيها.‏ وحين نعود الى زنزاناتنا،‏ حيث حُشر كل عشرين منا في غرفة عرضها متران وطولها اربعة امتار،‏ كنا نعلّق على الآية طوال نصف ساعة تقريبا.‏ وكمجموع،‏ تمكنّا نحن السجناء الشهود من تذكُّر ٦٠٠‏,١ آية من الكتاب المقدس.‏ وعند الظهر،‏ كنا نتطرق الى مواضيع شتى،‏ ونذكر بين ٢٠ و ٣٠ آية مرتبطة بالموضوع.‏ وكان الجميع يحفظون المواد عن ظهر قلب.‏

في البداية،‏ شعر احد الاخوة انه اكبر من ان يستظهر عددا كبيرا من الآيات،‏ لكنه كان يستخفّ بقدراته.‏ فبعد ان سمعَنا نكرّرها بصوت مرتفع ٢٠ مرة تقريبا،‏ استطاع هو ايضا ان يحفظ ويذكر عددا كبيرا منها،‏ الامر الذي أفرحه كثيرا.‏

صحيح اننا كنا جائعين وضعفاء جسديا،‏ لكنّ يهوه قوّانا وزوّدنا بالطعام الروحي.‏ حتى بعد إطلاق سراحنا،‏ كان علينا ان نحافظ على روحيات جيدة لأن السيكيوريتات بقيت تضايقنا راجية ان تقوِّض ايماننا.‏

‏[الاطار في الصفحتين ١٣٢،‏ ١٣٣]‏

أساليب النَّسخ

خلال خمسينات القرن العشرين،‏ اعتُبر النَّسخ يدويا،‏ باستعمال ورق الكربون في اغلب الاحيان،‏ أبسط وأنسب وسيلة لإعادة إنتاج المساعِدات على درس الكتاب المقدس.‏ ورغم ان هذه الوسيلة تستنزف الكثير من الوقت والجهد،‏ كان لها ميزة خصوصية هي مساعدة النسّاخ ان يحفظوا عن ظهر قلب جزءا كبيرا من المعلومات.‏ وهكذا عندما يُزجّون في السجن،‏ كانوا يتمكنون من منح الآخرين الكثير من التشجيع الروحي.‏ كما استخدم الاخوة الآلات الكاتبة مع انه لزم تسجيلها لدى الشرطة وكان الحصول عليها امرا صعبا.‏

في أواخر الخمسينات،‏ صارت آلات النَّسخ بالستانسِل متوفرة.‏ ولصنع الستانسِل،‏ كان الاخوة يمزجون الغراء والجيلاتين والشمع،‏ ثم يمدّون طبقة رقيقة ومتساوية من هذا المزيج على سطح مستطيل أملس يُفضَّل ان يكون من الزجاج.‏ ثم يستعملون حبرا خصوصيا أعدّوه هم بأنفسهم ويطبعون النص على الورقة بحروف نافرة.‏ وعندما يجفّ الحبر،‏ يضغطون الورقة بالتساوي على السطح المستطيل،‏ فيحصلون بذلك على الستانسِل.‏ لكنَّ أوراق الستانسِل هذه عمرها قصير،‏ لذلك اضطر الاخوة ان يصنعوا تكرارا أوراقا جديدة.‏ وعلى غرار النسخ المكتوبة بخطّ اليد،‏ كانت اوراق الستانسِل خطرة هي ايضا اذ يمكن ان يميِّز المرء من خلال الخطّ هوية الكاتب او الكاتبة.‏

من السبعينات وحتى السنوات الاخيرة من الحظر،‏ صنع الاخوة واستخدموا اكثر من عشر آلات نَسخ يدوية محمولة،‏ وأطلقوا عليها لقب «الطاحونة».‏ وقد صُمِّمت على نسق احدى آلات النَّسخ النمساوية وعملت باستخدام ألواح طباعية مغلَّفة بطبقة من البلاستيك.‏ وفي أواخر السبعينات تقريبا،‏ حصل الاخوة في رومانيا على بعض مطابع الأوفست التي تُلقَّم بصحائف من الورق،‏ غير انهم لم يستفيدوا منها لأنهم لم يتمكنوا من صنع الألواح.‏ ولكن في بداية سنة ١٩٨٥،‏ أتى أخ هو مهندس كيماوي من البلد المعروف آنذاك بتشيكوسلوفاكيا،‏ وعلّم الاخوة المهارات اللازمة.‏ ومنذ ذلك الحين،‏ تحسّنت الى حدّ بعيد نوعية الانتاج وكمّيته.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٣٦،‏ ١٣٧]‏

يهوه درّبني

نيقولاي بِنتارو

تاريخ الولادة:‏ ١٩٥٧

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٧٦

لمحة عن حياته:‏ عمل في الطباعة خلال الحكم الشيوعي وهو يخدم الآن كفاتح خصوصي مع زوجته ڤيرونيكا.‏

بدأت ادرس الكتاب المقدس سنة ١٩٧٢ في بلدة سَسيلي واعتمدت بعد اربع سنوات بعمر ١٨ سنة.‏ كان العمل آنذاك تحت الحظر والاجتماعات تُعقَد في فرق صغيرة.‏ ورغم ذلك،‏ كنا نحصل دوما على الطعام الروحي الذي اشتمل على مسرحيات الكتاب المقدس،‏ وهي عبارة عن تسجيلات سمعية مع صور منزلقة بالالوان.‏

كان تعييني الاول بعد معموديتي ان اشغّل آلة عرض الصور المنزلقة.‏ وبعد سنتين،‏ حصلت على امتياز اضافي ان أبتاع الورق لعمل الطباعة السري الذي يجري محليا.‏ وفي سنة ١٩٨٠،‏ تعلّمت الطباعة وساهمت في إنتاج برج المراقبة و استيقظ!‏ وغيرهما من المطبوعات.‏ كنا آنذاك نستعمل آلة نَسخ بالستانسِل بالاضافة الى آلة طباعة يدوية صغيرة.‏

في تلك الاثناء،‏ التقيت ڤيرونيكا،‏ اخت رائعة برهنت عن امانتها ليهوه،‏ وسرعان ما تزوجنا.‏ كانت ڤيرونيكا دعما كبيرا لي في عملي.‏ وسنة ١٩٨١،‏ علّمني الاخ أُوتو كوڠليتش القادم من فرع النمسا كيف اشغّل اول آلة نَسخ أوفست حصلنا عليها،‏ وكانت تُلقَّم بصحائف من الورق.‏ وفي العام ١٩٨٧،‏ أسسنا في كلوج-‏ناپوكا مطبعة ثانية وعُيِّنت انا لتدريب العمال.‏

بعد رفع الحظر سنة ١٩٩٠،‏ تابعنا انا وڤيرونيكا وابننا فلورين عمل الطباعة وتوزيع المطبوعات طوال ثمانية اشهر.‏ كما ساعد فلورين في مراجعة المَلازم قبل طبعها،‏ تشذيبها،‏ تدبيسها،‏ وتوضيبها ثم شحنها.‏ وسنة ٢٠٠٢،‏ عُيِّنا نحن الثلاثة فاتحين في بلدة ميزيل الواقعة على بعد ٨٠ كيلومترا تقريبا في شمال بخارست والتي يبلغ عدد سكانها ٠٠٠‏,١٥ نسمة.‏ ونخدم أنا وڤيرونيكا كفاتحَين خصوصيَّين وفلورين كفاتح عادي.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٣٩،‏ ١٤٠]‏

يهوه أعمى عيون الاعداء

آنا ڤيوسنكو

تاريخ الولادة:‏ ١٩٥١

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٦٥

لمحة عن حياتها:‏ ساعدت والدَيها منذ اوائل مراهقتها في نسخ المطبوعات.‏ وشاركت لاحقا في ترجمة المطبوعات الى الاوكرانية.‏

ذات يوم سنة ١٩٦٨،‏ كنت انسخ يدويا برج المراقبة على ورق ستانسِل.‏ ودون انتباه،‏ ذهبت الى الاجتماع ونسيت ان اخبِّئ الاوراق.‏ وحالما وصلت الى البيت عند منتصف الليل،‏ سمعت صوت سيارة تتوقف في الجوار.‏ وقبل ان اتمكن من معرفة هوية القادمين،‏ دخل بيتنا خمسة من عملاء السيكيوريتات يحملون معهم اذنا بتفتيش المنزل.‏ فاعتراني خوف شديد لكنني تمكّنت من المحافظة على رباطة جأشي.‏ وتوسّلت الى يهوه ان يغفر لي غلطتي ووعدته ألّا اترك ابدا الاشياء السرية بادية للعيان.‏

جلس الضابط المسؤول الى الطاولة بالقرب من أوراقي التي كنت قد غطيتها بعجلة بقطعة قماش حين سمعت صوت السيارة.‏ وبقي جالسا هناك حتى انتهى التفتيش بعد بضع ساعات.‏ وفيما كان يكتب تقريره على أوراقه التي تبعد عن أوراقي مجرد سنتيمترات قليلة،‏ أعاد عدة مرات ترتيب قطعة القماش الموضوعة على الطاولة.‏ وذكر في تقريره ان العملاء لم يجدوا مطبوعات محظورة في البيت او في حوزة احد من سكانه.‏

رغم ذلك،‏ اخذ رجال الشرطة ابي معهم الى بايا ماري.‏ صلّينا انا وأمي بحرارة من اجله وشكرنا يهوه ايضا لأنه حمانا في تلك الليلة.‏ وكم شعرنا بالراحة بعد بضعة ايام حين عاد ابي سالما الى البيت!‏

بعيد ذلك،‏ فيما كنت انسخ بعض المطبوعات يدويا،‏ سمعت ايضا صوت سيارة تتوقف في الخارج.‏ فأطفأت النور واسترقت النظر من وراء الستائر المسدَلة.‏ فرأيت عدة رجال لابسين بدلات عسكرية وعلى اكتافهم شارات لامعة يترجلون من السيارة ويدخلون البيت الذي يقع في الجهة المقابلة من الطريق.‏ وفي الليلة التالية،‏ اخذ دورهم فريق آخر،‏ الامر الذي اكّد شكوكنا بأنهم جواسيس للسيكيوريتات.‏ لكننا واصلنا عمل النَّسخ وكنا نُخرِج الاوراق عبر حديقة منزلنا الخلفية خوفا من ان يُفضَح امرنا.‏

كان ابي يقول دائما:‏ «ان الطريق الذي يفصل بيننا وبين العدو أشبه بعمود السحاب الذي فصل الاسرائيليين عن المصريين».‏ (‏خروج ١٤:‏١٩،‏ ٢٠‏)‏ ومع الوقت،‏ لمست من خلال تجاربي الشخصية صحة كلمات ابي.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٤٣،‏ ١٤٤]‏

أنقذَنا أنبوب العادِم المكسور!‏

ترايان كيرا

تاريخ الولادة:‏ ١٩٤٦

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٦٥

لمحة عن حياته:‏ كان احد الاخوة الذين تولّوا إنتاج المطبوعات ونقلها خلال سنوات الحظر.‏

في صبيحة يوم احد من ايام الصيف،‏ حمّلت سيارتي ثماني حقائب مليئة بالمطبوعات.‏ وبما ان صندوق السيارة لم يتّسع لها كلها،‏ نزعت المقعد الخلفي ووضعت مكانه الحقائب الباقية ثم غطيتها بحرامات وألقيت عليها وسادة.‏ فكان كل مَن ينظر الى داخل السيارة يستنتج ان عائلتنا ذاهبة في نزهة الى الشاطئ.‏ وكتدبير احتياطي اضافي،‏ وضعت حراما على الحقائب في صندوق السيارة.‏

بعد ان طلبنا بركة يهوه،‏ انطلقنا نحن الخمسة —‏ انا وزوجتي وابنينا وابنتنا —‏ الى تيرغو موريش وبراشوڤ لتسليم المطبوعات.‏ وفي الطريق رحنا ننشد ترانيم الملكوت.‏ وبعد ١٠٠ كيلومتر تقريبا،‏ وصلنا الى طريق مليء بالحُفَر.‏ ولأن السيارة كانت مثقلة بحملها،‏ ارتطم أنبوب العادِم بالارض وانكسرت قطعة منه.‏ فتوقفتُ الى جانب الطريق ووضعت القطعة المكسورة في صندوق السيارة قرب العجلة الاحتياطية وفوق الحرام.‏ ثم تابعنا طريقنا فيما السيارة تصدر هديرا يصمّ الآذان.‏

عندما وصلنا الى بلدة لودُش،‏ استوقفَنا احد رجال الشرطة لكي يتفحّص السيارة ويتأكد انها صالحة للسير.‏ وبعد ان تفقّد رقم المحرك وجرّب البوق ومسّاحتَي الزجاج الامامي والمصابيح وغيرها،‏ طلب مني ان يرى العجلة الاحتياطية.‏ وفيما توجهت نحو مؤخرة السيارة،‏ انحنيت قرب النافذة وهمست الى زوجتي وأولادي:‏ «ابدأوا بالصلاة.‏ فيهوه وحده قادر على مساعدتنا الآن».‏

عندما فتحت الصندوق،‏ وقع نظر الشرطي فورا على أنبوب العادِم المكسور.‏ فسألني:‏ «ما هذا؟‏ عليك ان تدفع غرامة!‏».‏ وإذ شعر بالرضى لأنه اكتشف عطلا في السيارة،‏ توقف عن التفتيش.‏ فأقفلتُ الصندوق وتنفست الصعداء،‏ ولم اكن قط فرحا بدفع غرامة كما فرحت آنذاك.‏ كانت تلك الحادثة العقبة الوحيدة التي اعترضت سبيلنا،‏ ثم تابعنا رحلتنا وأوصلنا المطبوعات بسلام الى الاخوة.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحات ١٤٧–‏١٤٩]‏

مواجهة مع السيكيوريتات

ڤيوريكا فيليپ

تاريخ الولادة:‏ ١٩٥٣

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٧٥

لمحة عن حياتها:‏ بدأت الخدمة كامل الوقت سنة ١٩٨٦ وهي الآن عضو في عائلة بيت ايل.‏

عندما صرنا انا وأختي أَوريكا من شهود يهوه،‏ عاملتنا عائلتنا بقسوة شديدة.‏ ومع ان ذلك آلمنا كثيرا،‏ فقد قوّانا لاحتمال المواجهات اللاحقة مع السيكيوريتات،‏ كما حصل في احدى امسيات كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٨٨.‏ كنت أعيش آنذاك مع أختي وعائلتها في مدينة أوراديا قرب الحدود مع هنغاريا.‏

في تلك الامسية فيما كنت ذاهبة الى بيت الاخ الذي يشرف على عمل الترجمة،‏ كان في حقيبة يدي مجلة أعمل على تصحيحها.‏ لم اكن اعلم ان عملاء السيكيوريتات يفتشون المكان ويستجوبون السكان والزائرين على السواء.‏ وحين رأيت ما يحصل،‏ سارعت الى احراق المجلة التي كانت في حقيبتي.‏ ومن المفرح انني استطعت فعل ذلك دون ان يفتضح امري.‏ بعد ذلك،‏ اخذني العملاء انا وشهودا آخرين الى مقرّ السيكيوريتات لكي يتابعوا الاستجواب.‏

راح رجال السيكيوريتات يستجوبونني طوال الليل.‏ وفي الغد،‏ فتّشوا المكان الذي ظنّوا انني اقيم فيه،‏ وهو عبارة عن بيت صغير في قرية أويْلِياكو دي مونتي المجاورة.‏ لم اكن اقيم في ذلك البيت،‏ غير ان الاخوة كانوا يخزنون هناك مواد استُخدِمت في عملنا السرّي.‏ وبعد ان وجدوا هذه الاشياء،‏ أخذوني من جديد الى مقرّ السيكيوريتات وضربوني بهراوة مطاطية لكي أكشف لهم هوية اصحابها او مَن له علاقة مباشرة بها.‏ فتوسّلت الى يهوه ان يساعدني على احتمال الجَلد.‏ فبدأت اشعر بالطمأنينة ولم أعد احس بالالم سوى لحظات قصيرة بعد كل ضربة.‏ ولكن سرعان ما تورَّمت يداي وبدأت أتساءل إن كنت سأتمكن من الكتابة مجددا.‏ في تلك الامسية،‏ أطلقوا سراحي وتركوني دون اي مال وقد أضناني الجوع والتعب.‏

سرت حتى محطة الباص الرئيسية فيما كان احد عملاء السيكيوريتات يتعقبني.‏ وبما انني لم اكن قد أخبرت مستجوبيَّ اين أسكن،‏ فلم استطع ان أذهب مباشرة الى بيت أَوريكا خوفا من تعريضها للخطر هي وعائلتها.‏ لم اعرف اين أذهب وماذا أفعل،‏ فتوسّلت الى يهوه وأخبرته انني بحاجة ماسّة الى الطعام والنوم في سريري.‏ وفكّرت في نفسي:‏ ‹هل أطلب الكثير؟‏›.‏

وصلت الى المحطة حين كان الباص على وشك الانطلاق.‏ فركضت وركبته رغم انني لم أكن أملك ثمن التذكرة.‏ واتّفق انه كان متَّجها الى القرية حيث كنت أقيم من قبل.‏ وبعد لحظات،‏ وصل الى المحطة ايضا عميل السيكيوريتات وسألني الى اين يتجه الباص ثم ترجّل منه.‏ فاستنتجت ان عميلا آخر سيكون بانتظاري في أويْلِياكو دي مونتي.‏ وكم فرحت حين سمح لي السائق بأن ابقى في الباص دون ان أدفع الاجرة!‏ لكنني فكرت في نفسي:‏ ‹لماذا أذهب الى أويْلِياكو دي مونتي؟‏›.‏ فلم أكن اريد ان أذهب الى بيتي لأنني لم أمتلك اي طعام هناك ولا حتى سريرا أنام فيه.‏

كنت لا أزال أشكو همّي ليهوه حين توقف الباص في احدى ضواحي أوراديا ليُنزِل راكبا هناك.‏ فاغتنمت الفرصة لأترجّل انا ايضا.‏ وعندما أقلع الباص من جديد،‏ غمرني شعور بالفرح.‏ ثم اتّجهت بحذر نحو شقة احد الاخوة الذين أعرفهم.‏ وعندما وصلت كانت زوجته تُخرِج من الفرن الڠولاش،‏ احد الاطباق المفضّلة عندي.‏ فدعاني الاخ وعائلته الى تناول العشاء معهم.‏

وفي وقت لاحق من تلك الامسية حين شعرت بالامان،‏ اتّجهت الى بيت أَوريكا لكي أنام في سريري.‏ نعم،‏ لقد منحني يهوه الأمرَين اللذين صلّيت من اجلهما:‏ وجبة طعام لذيذة ونوم هنيء في سريري.‏ فيا له من أب رائع!‏

‏[الاطار في الصفحة ١٥٥]‏

أحداث يواصلون التركيز على الامور الروحية

خلال فترة الاضطهاد،‏ صنع الاحداث المسيحيون سجلا جديرا بالمدح يشهد على امانتهم،‏ كما خاطر كثيرون منهم بحرّيتهم من اجل البشارة.‏ وفي ايامنا،‏ يواجه هؤلاء الاحداث محنا من نوع آخر.‏ ومع ان البعض منهم تخلَّوا مع الاسف عن حذرهم،‏ يواصل آخرون التركيز على الامور الروحية.‏ مثلا،‏ يناقش فريق من طلّاب المدرسة الثانوية في كامپيا تورزي الآية اليومية معا خلال الاستراحة الصباحية في باحة المدرسة او في ملعب الرياضة.‏ وفي بعض الاحيان،‏ ينضمّ اليهم تلامذة آخرون.‏

ذكرت اخت شابة:‏ «ان مراجعة الآية اليومية مع أصدقائي هي ملجأ لي،‏ متنفَّس يتيح لي ولو لفترة وجيزة فرصة الهرب من رفقة التلاميذ الذين لا يخدمون يهوه.‏ وأنا أتشجع حين أدرك انني لست الشاهدة الوحيدة ليهوه».‏ وقد نال هؤلاء الشبان الرائعون المدح من مديرة المدرسة وبعض الاساتذة.‏

‏[الاطار في الصفحة ١٦٠]‏

تثبيت البشارة شرعيا

يوم الخميس الواقع فيه ٢٢ ايار (‏مايو)‏ ٢٠٠٣،‏ أصدرت وزارة الثقافة والاديان في رومانيا مرسوما وزاريا أكّدت فيه مجددا ان «هيئة شهود يهوه الدينية» التي تأسست في ٩ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٩٠ هي مؤسسة شرعية تعترف بها الدولة.‏ ويحقّ بالتالي لشهود يهوه ان ينتفعوا من كل الفوائد القانونية المعطاة للاديان التي تعترف بها الدولة،‏ مثل الحق في الكرازة وبناء قاعات الملكوت.‏ وقد حسم هذا الاعتراف العديد من المعارك القانونية التي جرى خوضها على مرّ السنوات.‏

‏[الجدول/‏الرسم البياني في الصفحتين ٨٠،‏ ٨١]‏

رومانيا —‏ نبذة تاريخية

١٩١٠

١٩١١:‏ كارولي سابو ويوجيف كيس يعودان من الولايات المتحدة.‏

١٩٢٠:‏ مكتب الفرع يتأسس في كلوج-‏ناپوكا.‏ وهو يتولّى الاشراف على العمل في ألبانيا،‏ بلغاريا،‏ رومانيا،‏ هنغاريا،‏ ويوغوسلافيا السابقة.‏

١٩٢٤:‏ الاخوة يشترون املاك الفرع في كلوج-‏ناپوكا،‏ بما فيها المطبعة.‏

١٩٢٩:‏ فرع المانيا يباشر الاشراف على العمل،‏ ثم يتولّى هذه المهمة مكتب اوروبا الوسطى الواقع في سويسرا.‏

١٩٣٨:‏ الحكومة تقفل وتختم بالشمع الاحمر مكتب رومانيا الذي يقع الآن في بخارست.‏

١٩٤٠

١٩٤٥:‏ جمعية شهود يهوه في رومانيا تُسجَّل شرعيا.‏

١٩٤٦:‏ نحو ٠٠٠‏,١٥ شخص يحضرون اول محفل على صعيد البلد عُقد في بخارست.‏

١٩٤٧:‏ الأخوان ألفرايت روتيمان ومارتن ماجروشي يجولان في انحاء رومانيا في آب وأيلول (‏اغسطس وسبتمبر)‏.‏

١٩٤٩:‏ الحكومة الشيوعية تحظر عمل شهود يهوه وتضع يدها على كل املاك الفرع.‏

١٩٧٠

١٩٧٣:‏ الاشراف على العمل يتحوّل من فرع سويسرا الى فرع النمسا.‏

١٩٨٨:‏ ممثلون للهيئة الحاكمة يزورون رومانيا.‏

١٩٨٩:‏ النظام الشيوعي ينهار.‏

١٩٩٠:‏ شهود يهوه ينالون الاعتراف الشرعي والمحافل تُعقد.‏

١٩٩١:‏ برج المراقبة بالرومانية تصدر بالالوان الطبيعية وبالتزامن مع النسخة الانكليزية.‏

١٩٩٥:‏ مكتب فرع رومانيا يُعاد تأسيسه في بخارست.‏

١٩٩٩:‏ رومانيا تعقد اول مدرسة لتدريب الخدام.‏

٢٠٠٠

٢٠٠٠:‏ الاسفار اليونانية المسيحية —‏ ترجمة العالم الجديد تصدر بالرومانية.‏

٢٠٠٤:‏ اول قاعة محافل تُدشَّن في مدينة نِڠرشتي أُواش.‏

٢٠٠٥:‏ هنالك ٤٢٣‏,٣٨ ناشرا نشيطا في رومانيا.‏

‏[الرسم البياني]‏

‏(‏انظر المطبوعة)‏

مجموع الناشرين

مجموع الفاتحين

٠٠٠‏,٤٠

٠٠٠‏,٢٠

١٩١٠ ١٩٤٠ ١٩٧٠ ٢٠٠٠

‏[الخرائط في الصفحة ٧٣]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسق في المطبوعة)‏

بولندا

سلوفاكيا

هنغاريا

اوكرانيا

مولدوفا

رومانيا

ساتوماري

أوراديا

أراد

نِڠرشتي أُواش

بايا ماري

ماراموريس

برِبي

بيستريتا

توپليتزا

كلوج-‏ناپوكا

تيرغو موريش

أوكنا موريش

ترانسيلڤانيا

جبال الكربات

فرَتاوتزي

بالكاوتزي

ايڤَنكاوتزي

پروت

مولداڤيا

براشوڤ

سَسيلي

ميزيل

بخارست

والاشيا

ڠالاتي

براييل

الدانوب

دوبروجا

صِربيا والجبل الاسود

بلغاريا

مقدونية

‏[صورة تغطي كامل الصفحة ٦٦]‏

‏[الصور في الصفحة ٦٩]‏

سنة ١٩١١،‏ عاد كارولي سابو ويوجيف كيس الى موطنهما لكي يكرزا ببشارة الملكوت

‏[الصورة في الصفحة ٧٠]‏

پارَسكيڤا كولمار (‏السيدة الجالسة)‏ مع زوجها وثمانية من اولادها

‏[الصورة في الصفحة ٧١]‏

ڠاڤريلِه روموتشيا

‏[الصورة في الصفحة ٧١]‏

إلِك وإليزابيث روموتشيا

‏[الصورة في الصفحة ٧٧]‏

سنة ١٩٢٤،‏ اثناء تشييد المكتب الجديد في كلوج-‏ناپوكا

‏[الصورة في الصفحة ٨٤]‏

بعد ان ازدادت حدّة الاضطهاد،‏ حملت المطبوعات عدة اسماء

‏[الصورة في الصفحة ٨٦]‏

اتى نيكو پالويس من اليونان لكي يشارك في العمل

‏[الصورة في الصفحة ٨٩]‏

سنة ١٩٣٧،‏ اثناء الاستماع الى محاضرة مسجَّلة مؤسسة على الكتاب المقدس

‏[الصورة في الصفحة ٩٥]‏

مارتن وماريا ماجروشي (‏في الامام)‏ وپامفيل ويِلينا ألبو

‏[الصورة في الصفحة ١٠٢]‏

محفل دائري في بايا ماري سنة ١٩٤٥

‏[الصورة في الصفحة ١٠٥]‏

إعلان عن المحفل الذي عُقد على صعيد البلد سنة ١٩٤٦

‏[الصورة في الصفحة ١١١]‏

ميهاي نيستور

‏[الصورة في الصفحة ١١٢]‏

ڤاسيلي سابادَش

‏[الصورة في الصفحة ١١٧]‏

جهاز تنصُّت استعملته السيكيوريتات

‏[الصورة في الصفحة ١٢٠]‏

معسكر پِريپراڤا للعمل الالزامي الواقع في دلتا الدانوب

‏[الصورة في الصفحة ١٣٣]‏

‏«الطاحونة»‏

‏[الصور في الصفحة ١٣٤]‏

نيقولاي وڤيرونيكا بِنتارو في القبو السرّي تحت بيتهما

‏[الصورة في الصفحة ١٣٨]‏

دوميترو ودوينا تشيپَنارو

‏[الصورة في الصفحة ١٣٨]‏

پيتره رانكا

‏[الصور في الصفحة ١٤١]‏

المحافل التي عُقدت في الثمانينات

‏[الصورة في الصفحة ١٥٠]‏

مدرسة خدمة الفتح الاولى التي عُقدت في رومانيا سنة ١٩٩٣

‏[الصورة في الصفحة ١٥٢]‏

روبرتو وإيميلدا فرانتشيسكيتي

‏[الصور في الصفحتين ١٥٦،‏ ١٥٧]‏

رغم مقاومة رجال الدين،‏ حضر الآلاف محافل «رسل السلام الالهي» الاممية لسنة ١٩٩٦

‏[الصور في الصفحة ١٥٨]‏

‏(‏١)‏ مجمَّع من سبع قاعات ملكوت في تيرغو موريش

‏(‏٢)‏ فرع رومانيا في بخارست

‏(‏٣)‏ قاعة المحافل في نِڠرشتي أُواش

‏[الصورة في الصفحة ١٦١]‏

لجنة الفرع،‏ بحسب دوران عقارب الساعة ابتداء من اعلى اليسار:‏ دانيال دي نيكولا،‏ جون بْرِنكا،‏ ڠابريال نيڠروي،‏ دوميترو أُول،‏ ويون رومَن