الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

ريونيون

ريونيون

ريونيون

ان التجار العرب هم على الارجح اول مَن وقع نظرهم بالصدفة على جزيرة ريونيون.‏ فهذه الجنة المدارية تتألق كزمردة وسط زرقة المحيط الهندي وتزدان بجمال طبيعي وتنوُّع يضاهيان جمال وتنوُّع القارات كافة.‏ فالشواطئ ذات الرمال البركانية،‏ الشلالات التي لا تُعدّ ولا تُحصى،‏ الغابات المطيرة،‏ الازهار البرية الوافرة،‏ الوديان السحيقة،‏ القمم البركانية الوعرة،‏ البركان الناشط،‏ والفوَّهات المكسوَّة بالنباتات التي يمتد قطرها عدة كيلومترات هي مجرد غيض من فيض.‏

ورغم ان كثيرين ممَّن يعيشون في هذه الجزيرة يستمتعون بجمالها الساحر،‏ إلا انهم يقدِّرون ما هو اجمل بكثير من مناظرها الخلابة.‏ فهم يقدِّرون الحقائق الثمينة لكلمة اللّٰه.‏ وأول منادٍ بالملكوت وطئت قدماه ارض ريونيون كان المرسل روبرت نيزبِت،‏ الذي عُيِّن في جزيرة موريشيوس المجاورة.‏ فخلال إقامته القصيرة بريونيون في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٥٥،‏ اثار اهتمام عدد كبير من الناس بالكتاب المقدس.‏ فوزَّع الكثير من المطبوعات وأجرى عددا من الاشتراكات في مجلة استيقظ!‏.‏ وبقي على اتصال بالمهتمين عن طريق المراسلة.‏

بين عامَي ١٩٥٥ و ١٩٦٠،‏ قام روبرت وناظر الاقليم هاري ارنوت بزيارات قصيرة للجزيرة.‏ وفي سنة ١٩٥٩،‏ طلب فرع فرنسا من اخ فرنسي،‏ بولندي الاصل،‏ يُدعى آدام ليسياك ان يزور ريونيون.‏ كان آدام قد تقاعد من عمله في منجم للفحم ويخدم كفاتح في مدغشقر.‏ فبقي في الجزيرة طيلة شهر كانون الاول (‏ديسمبر)‏ من سنة ١٩٥٩.‏ كتب:‏ «تسعون في المئة من السكان كاثوليك متديِّنون،‏ لكنّ كثيرين يحبون ان يعرفوا المزيد عن كلمة اللّٰه والعالم الجديد.‏ يحاول الكهنة وقف نشر الحق.‏ فقد اخبر شخص احد المشتركين في مجلة استيقظ!‏ ان الكاهن المحلي يريد استعارة كتاب ‏‹ليكن اللّٰه صادقا›.‏ فردَّ عليه قائلا:‏ ‹لن اعيره الكتاب ما لم يأتِ اليَّ شخصيا›.‏ لكنّ الكاهن لم يأتِ قط».‏

المساعدة تأتي من فرنسا

كان فرع فرنسا آنذاك يشرف على عمل الكرازة في ريونيون،‏ فوجّه الدعوة الى الناشرين الاكفاء للذهاب الى الجزيرة.‏ فلبَّت الطلب عائلة پيڠو —‏ اندريه وجانين وابنهما كريستيان البالغ من العمر ست سنوات —‏ الى جانب قريبتهم نُوِيمي دوريه.‏ وفي كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٦١،‏ رست سفينتهم في ريونيون.‏ لقد خدمت نُوِيمي،‏ او ميمي،‏ هناك كفاتحة خصوصية طوال سنتين قبل ان تعود الى فرنسا.‏

ولم يمضِ وقت طويل على وصولهم حتى وجدوا الكثير من المهتمين وبدأوا بعقد الاجتماعات في غرفتهم في احد فنادق العاصمة سان دوني.‏ وحين انتقلوا للسكن في منزل خاص بهم،‏ عقدوا الاجتماعات هناك.‏ وبعد سنة تقريبا،‏ استأجر الفريق الذي تشكَّل حديثا في سان دوني بناء خشبيا له سقف من الحديد المتموِّج وباب واحد ونافذتان يسع نحو ٣٠ شخصا.‏ وبعد ان حصل الاخوة على ترخيص من السلطات للاجتماع في تلك القاعة الصغيرة،‏ هدموا الجدران الداخلية،‏ بنوا منصة صغيرة،‏ وركَّبوا مقاعد خشبية من دون مسند للظهر.‏

في صباح ايام الآحاد المدارية الصافية،‏ كان سقف القاعة الحديدي يصير جهاز تدفئة فعّالا.‏ فيتصبَّب جميع الحضور،‏ وخصوصا الخطباء،‏ عرقا لأن رؤوسهم تبعد سنتيمترات قليلة فقط عن السقف.‏ وما زاد الطين بلّة هو ان القاعة في اغلب الاحيان كانت تكتظ بالحضور،‏ فيضطر كثيرون الى الوقوف خارجا والاصغاء الى البرنامج من النافذتين والمدخل.‏

‏‹محمَّلون فوق طاقتنا!‏›‏

بالرغم من هذا الوضع المزعج في مكان الاجتماع،‏ كان يُرحَّب بالجميع ترحيبا حارا.‏ وعند نهاية سنة ١٩٦١،‏ صار نحو ٥٠ شخصا يحضرون الاجتماعات بانتظام.‏ وارتفع عدد ناشري الملكوت الى سبعة اشخاص وبلغ عدد دروس الكتاب المقدس ٤٧ درسا.‏ وكان بعض الجدد يدرسون مرتين في الاسبوع.‏ كتب الاخوة قائلين:‏ «نحن فرحون،‏ فرحون جدا،‏ لكننا محمَّلون قليلا فوق طاقتنا».‏

كانت ميريام أندريان،‏ التي ابتدأت بدرس الحق في مدغشقر سنة ١٩٦١،‏ واحدة من تلاميذ الكتاب المقدس الجدد.‏ وهي تتذكر ان القاعة المذكورة سابقا استُخدمت ايضا كقاعة محافل مؤقتة.‏ فكان الاخوة آنذاك يضيفون اليها سقيفة من سعف النخيل ليستظلوا تحتها.‏ وكان عدد الحضور في تلك التجمعات الكبيرة الباكرة يصل الى ١١٠ اشخاص.‏

وبين الذين لعبوا دورا كبيرا في تقدُّم عمل الكرازة في ريونيون كان داڤيد سوري،‏ ماريان لانڠو،‏ ولوسيان ڤيشو الذين اعتمدوا في محفل في موريشيوس في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٦١.‏ فشهدت السنة الثانية زيادة في عدد الناشرين بلغت ٣٢ ناشرا،‏ وكان كل فاتح يعقد ٣٠ درسا في الكتاب المقدس.‏ كما ازداد عدد الحضور في اجتماعات ايام الآحاد الى ١٠٠ شخص مثَّلوا مختلف المجموعات العرقية.‏

يمارس كثيرون من سكان ريونيون الهنود خليطا من ديانتين،‏ الكاثوليكية والهندوسية.‏ وقد وجد البعض صعوبة في التخلي عن نمط حياتهم السابق.‏ لكنّ الاخوة اعربوا عن الصبر وأظهروا لطفا وموقفا حازما الى جانب ما هو صائب،‏ وهذا ما ادّى في الغالب الى نتائج جيدة.‏ على سبيل المثال،‏ درست امرأة الكتاب المقدس مع فاتحة طوال سنتين،‏ لكنَّها لم تتخلَّ عن ممارسة الدين الباطل.‏ وقد استمرت في مزاولة التبصير ومساكنة رجل دون زواج.‏ فقرَّرت الفاتحة ان تسلِّم الدرس لإحدى الاخوات علّها تستطيع مساعدتها.‏ تكتب الاخت التي تسلَّمت الدرس:‏ «بعد اشهر قليلة ابتدأ تقدير المرأة يزداد،‏ وفرحتُ كثيرا حين توقفت عن ممارسة الارواحية.‏ لكنَّها لم تجعل زواجها شرعيا مدَّعية ان الرجل يرفض الالتزام.‏ وبما انها اتخذت قرارها بالبقاء معه،‏ فلم يكن امامي خيار سوى ان اوقف الدرس.‏

‏«وفي احد الايام التقيتها في الشارع،‏ فطلبت مني ان نعاود الدرس.‏ وافقت على طلبها شرط ان تُظهِر إخلاصها بتطبيق الامور التي سبق وتعلَّمتها.‏ ونصحتها ان تصلّي الى يهوه بشأن موضوع الزواج.‏ فصلَّت الى يهوه وبعد ذلك استجمعت الجرأة وتحدثت الى شريكها بصراحة عن هذا الموضوع.‏ وكم فرحت عندما وافق ان يتزوجها!‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ ابتدأ هو ايضا يحضر الاجتماعات معها».‏

شهدت سنة الخدمة ١٩٦٣ احدى عشرة ذروة في عدد ناشري الملكوت بلغت الاخيرة منها ٩٣ ناشرا.‏ فأصبح في ريونيون جماعتان وفريق واحد.‏ وقد جرت اول معمودية في البلد على شاطئ سان جيل ليه بان في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٦٢،‏ وكان عدد المعتمدين ٢٠ شخصا.‏ وجرت المعمودية الثانية في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٦٣،‏ وبلغ عدد المعتمدين آنذاك ٣٨ شخصا.‏ في سنة ١٩٦١،‏ كانت نسبة الناشرين واحدا الى ٦٦٧‏,٤١ من السكان.‏ اما بعد ثلاث سنوات فصارت تلك النسبة ١ الى ٢٨٦‏,٢.‏ نعم،‏ لقد ‹نمَّى› يهوه الكلمة في هذه الجزيرة الخصبة روحيا.‏ —‏ ١ كورنثوس ٣:‏٦‏.‏

نشر رسالة الملكوت في مقاطعات بعيدة

بحلول سنة ١٩٦٥ —‏ بعد اربع سنوات فقط من وصول اول عائلة من الشهود —‏ ارتفع عدد الاخوة في الجماعة في سان دوني الى اكثر من ١١٠ ناشرين.‏ وكانوا يغطون مقاطعتهم كل ثلاثة اسابيع.‏ ولكن كانت هنالك مناطق اخرى لم تسمع قط بالبشارة.‏ فما الحل اذًا؟‏ استأجر الاخوة باصات وراحوا يكرزون في المدن الساحلية الاخرى،‏ بما فيها سان لو وسان فيليپ وسان پيير.‏

تطلَّب الوصول الى بعض هذه المقاطعات ساعات كثيرة.‏ لذلك كان الاخوة ينطلقون في الصباح الباكر ويسلكون في اغلب الاحيان طرقات ضيقة،‏ متعرِّجة،‏ وشديدة الانحدار.‏ فالرحلة،‏ مثلا،‏ التي تستغرق اليوم ١٥ دقيقة من سان دوني الى مدينة لو پور،‏ كانت تستغرق ساعتين من العذاب.‏ يقول احد الاخوة:‏ «كانت الثقة بيهوه ضرورية لسلوك ذلك الطريق».‏ حتى الطريق الجديد اليوم لا يخلو من المخاطر بسبب انهيار الصخور.‏ ففي بعض الاماكن ترتفع الجبال المحاذية له بشكل عمودي،‏ وأحيانا يؤدي المطر الغزير الى انهيار الصخور العالية التي يزن البعض منها عدة اطنان فتسقط على المارّة.‏ وقد تسبَّبت هذه الصخور بمقتل عدد من الناس عبر السنين.‏

يقول كريستيان پيڠو:‏ «حين كنت في الثامنة من عمري تقريبا،‏ كان فريقنا يوزِّع بين ٤٠٠ و ٦٠٠ مجلة من استيقظ!‏ في المقاطعات المنعزلة.‏ اما برج المراقبة فكانت محظورة في ذلك الوقت.‏ ولأن بعض الازواج غير المؤمنين انما الوديين كانوا يحبون التنزه،‏ اعتادوا مرافقة زوجاتهم خلال هذه الرحلات دون ان يقوموا بعمل الشهادة.‏ وكنا بعد خدمة الحقل نتناول الطعام في الهواء الطلق،‏ امر كنا نحن الاولاد نتمتع به كثيرا.‏ وفي الواقع،‏ كان لهذه النشاطات الخصوصية تأثير كبير في حياتي».‏

تعديلات تنظيمية عزَّزت العمل

في ايار (‏مايو)‏ ١٩٦٣،‏ زار مِلتون ج.‏ هنشل،‏ اول ممثِّل من المركز الرئيسي العالمي،‏ ريونيون وألقى خطابا خصوصيا امام حضور بلغ عدده ١٥٥ شخصا.‏ وعقب زيارته هذه،‏ عُيِّن اربعة فاتحين خصوصيين لمساعدة الجماعات والخدمة في المناطق التي لم تصل اليها البشارة بعد.‏ وهؤلاء الفاتحون هم:‏ داڤيد سوري في لو پور،‏ لوسيان ڤيشو في سان اندريه،‏ وماريان لانڠو ونُوِيمي دوريه (‏الآن تيسُّران)‏ في سان پيير.‏

في ١ ايار (‏مايو)‏ ١٩٦٤،‏ انتقلت مسؤولية الاشراف على العمل في ريونيون من فرنسا الى موريشيوس.‏ وأُقيم مخزن للمطبوعات في ريونيون.‏ في هذه الاثناء،‏ دُعي الناشرون ان يخدموا في المزيد من المقاطعات غير المعيَّنة،‏ وشُجِّع الاخوة الذكور على ابتغاء المسؤوليات في الجماعة ليجري الاعتناء جيدا بالجدد الذين يتقاطرون الى الحق.‏ وفي الواقع،‏ اعتمد في سنة الخدمة ١٩٦٤ ما مجموعه ٥٧ شخصا،‏ ٢١ منهم في محفل واحد.‏

في السنة السابقة،‏ قدَّم الفريق في سان اندريه طلبا ليصير جماعة.‏ يذكر الطلب:‏ «في نهاية حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٦٣،‏ سيكون هنالك ١٢ ناشرا معتمدا،‏ مع احتمال ان يصير خمسة او ستة اشخاص ناشرين جددا في الشهرين المقبلين.‏ والاخوة يعقدون ٣٠ درسا في الكتاب المقدس».‏ فجرت الموافقة على الطلب،‏ وعُيِّن اخوان للاعتناء بالجماعة هما:‏ خادم الجماعة،‏ او الناظر المشرف،‏ جان ناسّو ومساعده لوسيان ڤيشو.‏ وكانا كلاهما قد اعتنقا الحق منذ اقل من سنتين.‏

كان الاخ جان،‏ البالغ من العمر ٣٨ سنة والذي اعتمد سنة ١٩٦٢،‏ طيب القلب وقوي البنية.‏ كما كان استاذا في مدرسة تقنية وبنّاء ماهرا،‏ وقد تحلّى بالمهارة والمقدرة لإنجاز الامور من اجل تقدُّم عمل الملكوت.‏ وفي الواقع،‏ بنى قاعة الملكوت الثانية في ريونيون على نفقته الخاصة وفي ارضه في سان اندريه.‏ كانت هذه القاعة بناء خشبيا متينا وجميلا يسع بشكل مريح اكثر من ٥٠ مقعدا.‏ وقد تشكلت منذ ذلك الحين ثماني جماعات في المقاطعة التي كان يهتم بها اصلا الفريق في سان اندريه.‏ توفي الاخ جان امينا ليهوه سنة ١٩٩٧.‏

والفريق الآخر الذي نما في اوائل ستينات القرن العشرين كان في مدينة لو پور.‏ وقد ضمَّ الاشخاص المهتمين في سان پول،‏ التي تبعد نحو ثمانية كيلومترات الى الجنوب.‏ تميَّزت لو پور ببيوتها الخشبية البسيطة التي يحيط بها نوع من النبات شبيه بالصبّار انما لا شوك له.‏ فاستأجر داڤيد سوري بيتا وعقد الاجتماعات فيه.‏ وفي كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٦٣،‏ قدَّم هذا الفريق طلبا الى الفرع ليصير جماعة.‏ فقد كان مؤلَّفا من ١٦ ناشرا للملكوت (‏٨ منهم معتمدون)‏ يبلغ معدل ساعات خدمتهم ٥‏,٢٢ ساعة في الشهر.‏ وكان داڤيد ومساعده يعقدان وحدهما ٣٨ درسا في الكتاب المقدس.‏ وعندما زارهم ناظر الدائرة في ذلك الشهر نفسه،‏ بلغ عدد الحضور في الخطاب العام ٥٣ شخصا.‏

عُيِّن ايضا في لو پور فاتحان خصوصيان هما كريستيان وجوزيت بونكاس.‏ اعتمد كريستيان في غيانا الفرنسية وأتى الى ريونيون في اوائل ستينات القرن العشرين.‏ كان آنذاك عازبا والشخص الوحيد الذي اعتنق الحق في عائلته.‏ ولكي يتسنى لكريستيان وجوزيت السكن في البيت الذي كانت تُعقد فيه الاجتماعات تكرَّم الاخ سوري عليهما وانتقل الى منزل آخر.‏ ولاحقا،‏ نمت الجماعة كثيرا الى حد ان هذين الزوجين اضطرا هما ايضا الى الانتقال.‏

في هذه الاثناء،‏ راح رجال الدين في هذه المنطقة التي يدين معظم سكانها بالكاثوليكية يحرِّضون الناس ضد الشهود.‏ وغالبا ما كان الاولاد والاحداث يرشقون الناشرين بالحجارة في النهار،‏ وفي الليل يرمون الحجارة على سطوح بيوت الاخوة.‏

كانت رافاييلا أورو،‏ وهي تلميذة جديدة للكتاب المقدس،‏ تعرف بعض هؤلاء الاحداث.‏ لذلك لحقت بهم في احدى المرات الى بيوتهم وقالت لهم:‏ «اذا استمررتم ترشقون اخي بالحجارة،‏ فستضطرون الى مواجهتي».‏

فأجابوها:‏ «نحن متأسفون سيدة أورو.‏ لم نكن نعلم انه اخوك».‏

اعتنقت رافاييلا الحق هي وبناتها الثلاث.‏ وقد تزوجت إحداهن،‏ وتُدعى يولِن،‏ بالأخ لوسيان ڤيشو.‏

بالرغم من التحامل الذي حرَّض عليه رجال الدين،‏ ادَّت غيرة الاخوة وبركة اللّٰه الى تأسيس جماعة غيورة في لو پور،‏ وسرعان ما غصَّت القاعة بالحضور.‏ وفي الواقع،‏ غالبا ما كان عدد الحضور خارج القاعة يتجاوز العدد داخلها.‏ وكانت الكراسي توضع في كل زاوية،‏ حتى على المنصة.‏ كما كان الاولاد يجلسون على طرف المنصة مواجهين الحضور.‏ ولاحقا،‏ بنى الاخوة قاعة ملكوت ملائمة.‏ أما اليوم،‏ فتوجد ست جماعات في هذه المنطقة.‏

الفاتحون يأخذون القيادة

كانت أنيك لاپيير واحدة من الفاتحين الاوائل في ريونيون.‏ تتذكر ميريام توما:‏ «درست أنيك الحق معنا انا وأمي،‏ وكانت تشجِّعني دائما ان اعمل باجتهاد في الخدمة،‏ فعبَّرتُ لها عن رغبتي في الصيرورة فاتحة.‏ وقد اعتمدت بعد ستة اشهر.‏ شملت مقاطعتنا آنذاك الجزيرة كلها،‏ وكثيرا ما كنا نذهب سيرا على الاقدام بسبب قلة السيارات وعدم وجود الباصات.‏ لكنّ الاخ ناسّو كان يملك سيارة،‏ فصار يأخذنا الى الخدمة كلما سنحت له الظروف.‏ لقد أدخلت الكرازة الفرح الى قلوبنا،‏ وكنا جميعا نتوق الى القيام بها».‏

يتذكر رب عائلة يُدعى هنري-‏لوسيان ڠروندان:‏ «شجَّعنا اولادنا دائما على الانخراط في خدمة الفتح.‏ وكان نظار الدوائر يشدِّدون على اهمية اعطاء يهوه افضل ما لدينا.‏ فاتخذ ابننا البكر هنري-‏فْرِد،‏ الذي يبلغ من العمر الآن ٤٠ سنة،‏ خدمة الفتح مهنة له».‏

يتذكر هنري-‏فْرِد:‏ «كان في جماعتنا فريق كبير من الاحداث الغيورين،‏ بعضهم معتمدون والبعض الآخر مثلي غير معتمدين.‏ رغم ذلك،‏ كنا جميعا أثناء العطل المدرسية نقضي ٦٠ ساعة في الخدمة.‏ لم ننسَ قط اهدافنا الروحية.‏ واليوم،‏ اخدم كناظر دائرة وترافقني في هذا العمل زوجتي إيڤلين».‏

مقاومة الابالسة

تشيع ممارسة الارواحية في ريونيون.‏ تتذكر جانين كورينو (‏پيڠو سابقا)‏:‏ «في قرية لا مونتانْي،‏ التقيت رجلا قال لي انه سيُنزِل بي اللعنة عندما يغرز دبابيس في دمية.‏ لم افهم ما قصد بكلامه،‏ لذلك سألت تلميذتي للكتاب المقدس ان تشرح لي.‏ فقالت:‏ ‹ان الرجل طبيب مشعوذ،‏ وسيطلب من الارواح ان تؤذيك›.‏ فأكَّدتُ لها ان يهوه يحمي الاشخاص الذين يضعون ثقتهم التامة فيه.‏ ولا حاجة الى القول انني لم أُصَب بأي اذى».‏

يتذكر احد الاخوة انه حين كان صغيرا كانت عائلته تعقد جلسات لتحضير الارواح.‏ وفي سنة ١٩٦٩،‏ التقى شهود يهوه وبدأ يدرس الكتاب المقدس.‏ إلا ان الابالسة حاولت ان تثنيه عن ذلك بجعله اصمّ حين يأتي الى الاجتماعات.‏ رغم ذلك،‏ واصل حضور الاجتماعات وكان يسجل الخطابات ايضا ليسمعها في منزله.‏ وبعد فترة وجيزة،‏ تركته الابالسة بسلام،‏ وسرعان ما صار يشترك في خدمة الحقل.‏ —‏ يعقوب ٤:‏٧‏.‏

عام ١٩٩٦،‏ ابتدأت امرأة تنتمي الى الكنيسة الخمسينية اسمها روزيدا كارو تدرس الكتاب المقدس مع الشهود.‏ كانت هذه المرأة قد فقدت بصرها لأنها عملت بنصيحة اصدقائها في الكنيسة وتوقفت عن تناول دوائها لمعالجة الداء السكري.‏ كذلك كان الناس في بلدتها يهابون زوجها كْليدو بسبب طبعه العنيف.‏ وكان زوجها ينتمي الى الحزب الشيوعي المحلي ويمارس السحر ويشترك في الطقوس الهندوسية.‏ ولاحقا،‏ صار عضوا في الكنيسة الخمسينية.‏

عندما ابتدأت روزيدا تدرس الكتاب المقدس،‏ قاومها كْليدو بشدة حتى انه هدَّد شيوخ الجماعة.‏ لكنها لم تخفْ منه قط.‏ بعد عدة اشهر،‏ أُدخل كْليدو الى المستشفى حيث دخل في غيبوبة.‏ وحين استعاد وعيه،‏ احضرت له شاهدتان الحساء،‏ لكنه ظنّ ان الطبق هو لزوجته.‏

فأجابت الشاهدتان:‏ «كلا سيد كارو،‏ لقد اعددنا هذا الحساء لك».‏

يتذكر كْليدو قائلا:‏ «اثّرت فيَّ محبتهما كثيرا.‏ فلم يزرني احد من الكنيسة الخمسينية.‏ لكنّ هاتين الشاهدتين،‏ اللتين تنتميان الى فئة قاومتها بعنف،‏ جلبتا لي وجبة طعام.‏ فقلت في نفسي:‏ ‹ان يهوه اله زوجتي هو حقا موجود›.‏ لذلك صلَّيت بصمت طالبا ان نتّحد انا وروزيدا في الايمان نفسه».‏

لم يكن طلب كْليدو المتواضع وليد ساعته.‏ فقبل ان يمرض،‏ لان موقفه بعض الشيء وصار يسمح لزوجته ان تدرس الكتاب المقدس في منزل احد الجيران.‏ وذات يوم،‏ قال لروزيدا وللاخت التي تدرس معها:‏ «ليس مناسبا ان تدرسا هناك.‏ لمَ لا تدرسان في منزلنا؟‏».‏ وهذا ما فعلتاه.‏ ولكن من دون علمهما،‏ راح يسترق السمع من الغرفة المجاورة وقد أحبّ ما سمعه.‏ لذلك،‏ بعد ان تعافى كْليدو من مرضه،‏ طلب ان يدرس مرتين في الاسبوع مع انه اميّ،‏ واعتمد سنة ١٩٩٨.‏ وهو لا يزال مع روزيدا يخدمان اللّٰه بأمانة بالرغم من المشاكل الصحية بسبب تقدُّمهما في السن.‏

الكرازة في المناطق الداخلية

تعيش نسبة قليلة من سكان ريونيون بعيدا عن الساحل في الوديان السحيقة المحاطة بجبال شديدة الانحدار يبلغ ارتفاعها ٢٠٠‏,١ متر وأكثر.‏ أما الآخرون فيعيشون في المرتفعات،‏ في الفوَّهات الشاسعة المكسوَّة بالنباتات لبراكين ضخمة خامدة.‏ بعض هؤلاء الناس لم يروا المحيط قط.‏ ففوَّهة سيرك دو مافات،‏ مثلا،‏ لا يمكن الوصول اليها إلا سيرا على الاقدام او بواسطة طائرة مروحية.‏

ترعرع لْوي نيلوپ الذي يتحدَّر من العبيد الافريقيين في سيرك دو مافات.‏ وقد كان في حداثته يشارك في حمل الاريكة التي يجلس عليها الكاهن الكاثوليكي.‏ انتقل لْوي للعيش في سان دوني،‏ وهناك تعرَّف بالحق.‏ فأراد ان يخبر اقرباءه في سيرك دو مافات عن ايمانه الجديد.‏ لذلك شرع ذات يوم في سنة ١٩٦٨ هو وزوجته آن وشاهدتان تبلغان من العمر ١٥ و ٦٧ سنة في رحلة سيرا على الاقدام الى داخل البلاد.‏ وحملوا معهم حقيبة ظهر،‏ وأخرى للثياب،‏ وحقيبة ثالثة ملآنة بالمطبوعات.‏

في البداية،‏ ساروا بمحاذاة مجرى نهر ثم سلكوا طريقا جبليا ضيقا ومتعرِّجا.‏ وفي بعض الاماكن،‏ كانت تحدّ هذا الطريق من جهة صخورٌ عمودية ومن جهة اخرى جرفٌ شديد الانحدار.‏ وكانوا على طول الطريق يكرزون للناس حيثما وُجدوا.‏ يقول لْوي:‏ «في تلك الليلة،‏ زوَّدنا يهوه بكل ما نحتاج اليه.‏ فقد اعطانا صاحب الدكان الوحيد في المنطقة مسكنا مؤلَّفا من غرفتين ومجهَّزا بأسرّة ومطبخ.‏ وفي الصباح التالي،‏ تابعنا طريقنا وعبرنا حرف جبل ارتفاعه ٤٠٠‏,١ متر للوصول الى الفوَّهة،‏ وهي عبارة عن مدرَّج طبيعي فسيح.‏

‏«وأخيرا،‏ وصلنا الى منزل صديق قديم استضافنا تلك الليلة.‏ وفي اليوم التالي،‏ تركنا عنده بعض امتعتنا وتابعنا السير نحو وجهتنا.‏ كنا في الطريق نقتات بالغوافة البرية الصغيرة ونكرز للناس المتواضعين الذين لم يسمعوا من قبل برسالة الملكوت.‏ وعند الساعة السادسة مساء،‏ وصلنا الى منزل احدى قريباتي.‏ فسُرَّت كثيرا برؤيتنا وأعدَّت لنا وجبة دجاج شهية،‏ مذكِّرةً ايانا بإبراهيم وسارة اللذين استضافا ملائكة اللّٰه.‏ (‏تكوين ١٨:‏١-‏٨‏)‏ طبعا،‏ قدَّمنا لها الشهادة اثناء إعدادها الطعام.‏ وأخيرا،‏ تناولنا العشاء عند الساعة الحادية عشرة ليلا.‏

‏«وفي اليوم التالي،‏ اي يوم الخميس،‏ تابعنا سيرنا حول الفوَّهة نقتات بالغوافة ونزور كل الناس الذين نجدهم في بيوتهم.‏ وفي احد البيوت،‏ قدَّم لنا رجل لطيف القهوة،‏ ما ساعدنا ان نستريح قليلا —‏ لكننا بالطبع ارحنا أقدامنا فقط وليس ألسنتنا!‏ وقد تمتع هذا الرجل كثيرا بالمناقشة المؤسسة على الكتاب المقدس الى حد انه رافقنا الى كل البيوت الواقعة على بعد كيلومتر من بيته،‏ وكان يعزف الهرمونيكا على طول الطريق.‏

‏«عند نهاية ذلك النهار،‏ عدنا ادراجنا الى حيث تركنا امتعتنا،‏ ومكثنا الليلة هناك.‏ ويوم الجمعة،‏ وصلنا الى منازلنا في ساعة متأخرة.‏ وهكذا سرنا نحن الاربعة،‏ ومعنا اختنا الحبيبة البالغة من العمر ٦٧ سنة،‏ مسافة ١٥٠ كيلومترا تقريبا وزرنا ٦٠ منزلا ووزَّعنا اكثر من ١٠٠ مطبوعة.‏ ورغم تعبنا الجسدي شعرنا بالانتعاش الروحي.‏ فالرحلة الى سيرك دو مافات كانت في نظري بمثابة العودة الى جذوري».‏

من ناشرَين الى خمس جماعات

عام ١٩٧٤،‏ انتقل كريستيان پيڠو وأمه الى مدينة لا ريڤيير في الجنوب،‏ التي لم يكن فيها آنذاك ايّ جماعة.‏ يقول كريستيان الذي كان في ذلك الوقت في العشرين من عمره:‏ «عقدنا الاجتماعات في مرأب بيتنا،‏ وسرعان ما بلغ عدد الحضور ٣٠ شخصا».‏ ويضيف:‏ «بدأت ادرس مع امرأة وابنتها التي تُدعى سيلين.‏ كانت سيلين مخطوبة لعضو ناشط في الحزب الشيوعي اسمه أوليس ڠروندان.‏ لم يرد هذا الشاب ان تدرس خطيبته معنا.‏ لكنّ سيلين اقنعته بالاستماع الينا،‏ وقامت امي بزيارته هو ووالدَيه.‏ وكم فرحنا حين أصغوا الى امي وأحبوا ما سمعوه!‏ وقد بدأت العائلة بكاملها بدرس الكتاب المقدس.‏ وفي سنة ١٩٧٥،‏ اعتمد أوليس وسيلين وتزوَّجا،‏ وعُيِّن أوليس في وقت لاحق شيخا في الجماعة».‏

يتابع كريستيان:‏ «شملت مقاطعتنا،‏ بالاضافة الى لا ريڤيير،‏ المناطق الداخلية مثل سيلاوس،‏ ليه زاڤيرون،‏ ليه ماك،‏ وليتان ساليه.‏ وقد وجدنا الكثير من المهتمين في ليه ماك.‏ وتشرف على هذه القرية قريةُ لو كاپ،‏ التي تقع على حافة بركان خامد.‏ ومن هناك،‏ يمكن للمرء ان يرى في الاسفل في صباح يوم صاف مدرَّجا فسيحا مخضوضرا يمتد مسافة تفوق الثلاثمئة متر».‏

وقرب سفح لو كاپ،‏ تعيش عائلة پودْرو في ارض صغيرة مستأجَرة.‏ يتذكر ابنهما البكر جان-‏كلود:‏ «كنا انا وإخوتي الاربعة وأخواتي الخمس نساعد ابانا في زراعة الخضر لبيعها في السوق.‏ كما كان ابي يزرع ايضا نبتة ابرة الراعي ويقطِّرها لاستخراج سائل مركَّز يُستخدم في صنع العطور.‏ وأثناء ذهابنا الى المدرسة في القرية،‏ كنا نسير خمسة كيلومترات حاملين معنا في اغلب الاحيان محصولنا الزراعي.‏ وعند عودتنا،‏ كنا احيانا نحمل على رؤوسنا حوالي ١٠ كيلوغرامات من المواد الغذائية.‏

‏«عُرف ابي باجتهاده في العمل،‏ لذلك كنا نكنّ له احتراما عميقا.‏ لكنه ككثيرين غيره كان يسرف في شرب الكحول ويصير عنيفا تحت تأثيرها.‏ وغالبا ما كنا انا وإخوتي نواجه اوضاعا سيِّئة في البيت.‏ لذلك انتابنا القلق على مستقبل عائلتنا».‏

يتابع جان-‏كلود:‏ «عام ١٩٧٤،‏ التقيت احد الفاتحين.‏ كنت اعمل آنذاك استاذا في لا ريڤيير.‏ وبسبب الرياء والمظالم التي رأيتها في الكنائس،‏ كدت اصير ملحدا.‏ رغم ذلك،‏ تأثرت كثيرا حين اجاب الاخ عن كل اسئلتي من الكتاب المقدس.‏ فبدأنا انا وزوجتي نيكول بالدرس.‏ وأخبرنا ايضا عائلتي بحق الكتاب المقدس،‏ فكانت المناقشة تستمر في احيان كثيرة حتى وقت متأخر من الليل.‏ وأحيانا كان والداي يصغيان الينا.‏

‏«ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأ اخواي جان-‏ماري وجان-‏ميشال وأختي روزلين بحضور الدرس معنا بشكل منتظم.‏ وأحرزنا جميعا تقدُّما روحيا،‏ صرنا ناشرين،‏ واعتمدنا معا سنة ١٩٧٦.‏ ومن المؤسف ان ابي اتهمني بأنني اؤثر تأثيرا سلبيا في اخوتي وما عاد يتكلم معي.‏ حتى انه صار عدائيا جدا بحيث اضطررت الى تجنُّبه في الاماكن العامة.‏

‏«اما امي فبدأت تدرس الكتاب المقدس مع انها كانت اميَّة.‏ ومن المفرح ان ابي لان في النهاية.‏ وفي الواقع،‏ بدأ يدرس الكتاب المقدس سنة ٢٠٠٢.‏ واليوم،‏ فإن ٢٦ عضوا من عائلتنا هم شهود معتمدون ليهوه.‏ وهم يشملون:‏ انا وأشقائي التسعة،‏ رفقاء زواجنا،‏ وأمي التي ما زالت غيورة بالرغم من تقدُّمها في السن.‏ وقد خدم جان-‏ميشال وجان-‏إيڤ فترة قصيرة كناظرَي دائرة،‏ لكنهما اضطرّا الى التوقف عن هذا العمل لأسباب صحية.‏ وهما الآن شيخان في الجماعة،‏ فضلا عن ان جان-‏إيڤ يخدم كفاتح مع زوجته روزيدا.‏ وأنا وابني البكر نخدم كشيخين في الجماعة».‏

حين وصل كريستيان پيڠو وأمه الى لا ريڤيير سنة ١٩٧٤،‏ لم تكن هنالك جماعات في لا ريڤيير والبلدات المجاورة لها.‏ اما الآن،‏ فهنالك خمس جماعات،‏ إحداها في بلدة سيلاوس،‏ الواقعة عاليا في سيرك دو سيلاوس والمشهورة بينابيعها الجبلية ومياهها المعدنية الحارة.‏ ولكن كيف تأسست الجماعة في سيلاوس؟‏ من سنة ١٩٧٥ وحتى سنة ١٩٧٦،‏ كان الناشرون من لا ريڤيير يقطعون كل يوم خميس للوصول الى سيلاوس مسافة ٣٧ كيلومترا من الطرقات الضيقة المتعرِّجة المعروفة بانهيار الصخور عليها.‏ وكانوا يكرزون هناك حتى الساعة الخامسة بعد الظهر.‏ وقد اثمرت جهودهم،‏ اذ يوجد في سيلاوس اليوم نحو ٣٠ ناشرا ولديهم قاعة ملكوت خاصة بهم.‏

التقدُّم الروحي في الجنوب

يطلق السكان المحليون على الجزء الجنوبي من ريونيون اسم «الجنوب الهائج»،‏ وذلك لسبب وجيه جدا.‏ فالامواج العاتية تتكسر مزبِدةً على الشاطئ الاجرد،‏ الذي يشرف عليه بركان ريونيون الناشط پيتون دو لا فورنيز (‏قمة الاتون)‏.‏ في اواخر ستينات القرن العشرين،‏ عُيِّنت في سان پيير،‏ المدينة الكبرى في ذلك الجزء من البلاد،‏ فاتحتان خصوصيتان هما دنيز ميلو وليليان پْيِپْشيك.‏ وبسبب ازدياد اهتمام الناس برسالة الملكوت،‏ انضم اليهما لاحقا الفاتح الخصوصي ميشال ريڤيير وزوجته رينيه.‏

كان كلِيُو لاپيير،‏ وهو بنّاء تعرَّف بالحق سنة ١٩٦٨،‏ اول تلميذ للكتاب المقدس في المنطقة.‏ يقول:‏ «عُقد اول اجتماع حضرته تحت شجرة كبيرة.‏ وقد هُدمت ‹قاعة الملكوت› هذه —‏ المؤلَّفة من سقيفة عرضها ٣ امتار وطولها ٣ امتار —‏ من اجل تشييد مبنى اكبر اشتركت في بنائه».‏

في تلك السنة،‏ استُدعي كلِيُو الذي كان من فوج الاحتياط الى تأدية الخدمة العسكرية.‏ يروي كلِيُو ما جرى قائلا:‏ «بعثت برسالة الى السلطات اوضحت فيها موقفي الحيادي رغم معرفتي القليلة بالكتاب المقدس.‏ لكنهم لم يردّوا على رسالتي،‏ لذلك ذهبت الى القاعدة العسكرية في سان دوني،‏ في الجانب الآخر من الجزيرة،‏ لأتحقق مما يجري.‏ فقال لي احد الضباط ان اذهب الى منزلي وأعدّ نفسي لدخول السجن.‏ فرُحت ادرس الكتاب المقدس بدأب وأصلّي الى يهوه.‏ وبعد مدة وجيزة،‏ استُدعيت ثانية الى القاعدة.‏ وحين وصلت،‏ طلبت من الاخ الذي رافقني ان ينتظرني مدة ساعة.‏ وقلت له:‏ ‹اذا لم اعد بعد ساعة،‏ فعلى الارجح لن اعود ابدا.‏ عندئذ بِعْ سيارتي وأعطِ المال لزوجتي›.‏

‏«وعندما دخلت،‏ لاحظت ان الضباط يتناقشون في ما سيفعلونه بي.‏ وبعد حوالي ٤٥ دقيقة اقترب مني رقيب في الجيش.‏

‏«وقال لي:‏ ‹اغربْ عن وجهي!‏ اذهبْ!‏›.‏

‏«ولكني لم اتجاوز مسافة ٤٥ مترا حتى ناداني ثانية وقال لي بلهجة لطيفة:‏ ‹انا معجب بشهود يهوه.‏ فقد سمعت عنهم في فرنسا،‏ لكنك اول شخص ألتقيه›.‏

‏«في تلك الفترة،‏ كنت الاخ الوحيد في سان پيير.‏ لذلك ادرت بمفردي اجتماعات الجماعة كلها.‏ لكنني كنت انال المساعدة من حين الى آخر.‏ وفي عام ١٩٧٩،‏ اتى الزوجان المرسلان انطوان وجيلبرت برانكا الى المدينة لتقديم المساعدة».‏

بناء قاعات الملكوت

في البداية،‏ كانت الجماعات والفرق تجتمع في بيوت خاصة وبيوت عُدِّلت لتكون قاعات ملكوت.‏ ولكن بسبب الاعاصير المتكررة،‏ نشأت الحاجة الى مبان اقوى.‏ لكنَّ هذه الابنية الحجرية كلفتها باهظة وبناؤها يتطلب وقتا طويلا.‏ إلا ان يد يهوه لم تقصُر،‏ ففي الوقت المناسب بدأ الاخوة ببناء قاعات كهذه في ريونيون.‏ —‏ اشعيا ٥٩:‏١‏.‏

على سبيل المثال،‏ كان احد الاخوة الشبان في مدينة سان لْوي يدرس مقرَّرا لتعلُّم البناء الحجري عندما تسلَّمت الجماعة خرائط القاعة الجديدة.‏ فقدَّم الاخ البشارة لأستاذه،‏ اخبره عن القاعة،‏ وأوضح له ان متطوِّعين سيساهمون في بنائها.‏ فكيف تجاوب الاستاذ؟‏ جلب تلامذته الى موقع البناء لينالوا بعض التدريب العملي.‏ فساعدوا في حفر الاساسات.‏ ولاحقا،‏ تبرَّع الاستاذ بالفولاذ اللازم للاساسات.‏

ولصبّ ارضية القاعة التي تبلغ مساحتها ١٩٠ مترا مربَّعا،‏ اختار الاخوة يوم عطلة رسمية.‏ فأتى في الصباح الباكر اكثر من مئة متطوِّع للمساهمة في العمل.‏ ولكن لسبب ما،‏ قطعت المدينة المياه عنهم.‏ وبما ان احد الاخوة كان يعرف مدير مركز الاطفاء،‏ أخذ المبادرة وأوضح لهذا الرجل اللطيف المشكلة.‏ فما كان منه إلّا ان ارسل على الفور سيارة اطفاء تحتوي على كمية كافية من الماء للمشروع.‏

عندما انتهى العمل في قاعة الملكوت،‏ أخرج احد المهتمين حديثا دفتر شيكاته وتبرَّع للاخوة بمبلغ يكفي لشراء جهاز صوت جديد،‏ لأنه أُعجب كثيرا بالاخوة وبعملهم.‏ وفيما كان كاري باربر،‏ عضو من الهيئة الحاكمة،‏ يزور جزيرة موريشيوس في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٨٨،‏ أتى الى ريونيون وقدَّم خطاب التدشين.‏ وفي عام ١٩٩٦،‏ شُيِّدت اول قاعة ملكوت بطريقة البناء السريع في سان جيل ليه بان.‏ واليوم،‏ هنالك ١٧ قاعة ملكوت في الجزيرة تستخدمها ٣٤ جماعة.‏

اين ستُعقد المحافل الدائرية؟‏

تقدَّم العمل في ريونيون بسرعة ونجاح كبيرين بحيث لم يكن من السهل العثور على اماكن كبيرة كفاية لعقد المحافل.‏ وفي سنة ١٩٦٤،‏ خطط الاخوة لعقد اول محفل دائري في البلد،‏ لذلك راحوا يبحثون عن مكان ملائم.‏ ولكن بعد اشهر من البحث،‏ وجدوا مكانا واحدا فقط،‏ مطعما في الطابق العلوي من مبنى خشبي في سان دوني.‏ وكان هذا المبنى قديما وإيجاره غاليا جدا.‏ وقد أخبر اصحابه الاخوة انه يتحمل وزن اكثر من ٢٠٠ شخص،‏ عدد الحضور المتوقَّع.‏

وإذ لم يكن للاخوة اي خيار آخر،‏ حجزوا المطعم.‏ وتبرَّع احد الرجال اللطفاء بمكبِّر للصوت.‏ وعندما اتى يوم المحفل وأخذ الاخوة يملأون المكان،‏ ابتدأت الارضية تصدر صريرا لكنها صمدت حتى نهاية المحفل.‏ وبلغ عدد الحضور يوم الاحد ٢٣٠ شخصا وعدد المعتمدين ٢١ شخصا.‏

بعيد ذلك،‏ قدَّم الاخ لْوي نيلوپ،‏ الذي ترعرع في سيرك دو مافات،‏ جزءا من ارضه في سان دوني ليبني الاخوة عليه قاعة محافل مؤقتة.‏ وكان تصميم القاعة بسيطا جدا:‏ هيكلها من خشب،‏ سقفها من حديد،‏ وجدرانها من سعف النخيل المجدولة.‏

وأول محفل عُقد فيها كان محفلا كوريا دام ثلاثة ايام.‏ تتذكر ميريام أندريان،‏ احدى المندوبات:‏ «في الصباح الاول،‏ ذهبنا في خدمة الحقل وحين عدنا تناولنا غداء ساخنا —‏ وجبة كرييولية محضا تتكوَّن من الارزّ والفاصولياء والدجاج يُضاف اليها الفلفل الحار.‏ وقد اعدّ الطبّاخون للاشخاص غير المعتادين على الفلفل الحار الروڠِل مارمايّ،‏ او صلصة الاولاد».‏

وُسِّعت قاعة المحافل هذه بسبب ازدياد عدد الحضور،‏ واستُخدمت ايضا كقاعة ملكوت لاجتماعات الجماعة.‏ ولاحقا،‏ انتقلت العائلات التي كانت تستأجر بيوتا في ارض الاخ نيلوپ للسكن في مكان آخر.‏ فتبرَّع الاخ لْوي بكل الارض للجماعة.‏ والآن،‏ توجد في ذلك الموقع قاعة ملكوت جميلة من الآجرّ تستخدمها جماعتان في سان دوني.‏

عام ١٩٩٧،‏ انتهى بناء قاعة للمحافل في مدينة لا پوسِّيسيون على قطعة ارض جرى شراؤها قبل خمس سنوات.‏ وكانت مفتوحة الجوانب وشملت منصتها بركة للمعمودية.‏ تسع هذه القاعة ٦٠٠‏,١ شخص،‏ وهي تُستخدم ١٢ مرة على الاقل في السنة للمحافل الدائرية والكورية.‏ ويوجد قربها بيت للمرسلين يمكن ان يأوي تسعة اشخاص،‏ ويشتمل على مخزن للمطبوعات ومكتب يهتم بعمل الكرازة في ريونيون.‏

اين ستُعقد المحافل الكورية؟‏

قبل ان يبني الاخوة قاعة للمحافل،‏ كانوا يستأجرون المدرَّج الاولمبي في سان پول لعقد محافلهم الكورية.‏ وغالبا ما كانوا يضطرون الى تغيير مكان الاجتماع في اللحظة الاخيرة بسبب الالعاب الرياضية او المناسبات الثقافية التي أُعطيت الاولوية.‏ وفي وقت لاحق،‏ طلبت البلدية من الاخوة ان يستخدموا باحة المعرض المجاور للملعب لعقد محافلهم.‏ ولأن هذه الباحة كانت مخصَّصة لعرض البضائع والسلع،‏ كانت بلا مقاعد وبلا سقف.‏ فكان المندوبون يجلبون معهم كراسيهم ومظلاتهم.‏ لذلك لم يكن الخطباء يرون وجوه الحضور بل بحرا من المظلات المتعددة الالوان.‏

يذكر المكتب في ريونيون:‏ «ذات يوم،‏ اجَّرت البلدية باحة المعرض لفرقة موسيقية في التاريخ نفسه الذي سيُعقد فيه محفلنا.‏ لقد أتت هذه الفرقة من جزيرة مارتينيك وكانت تعزف موسيقى الزوك،‏ وهي مزيج من الايقاعات الافريقية والريڠاي والكاليبسو.‏ ولأن الرسميين كانوا يفضِّلون فرقة الزوك،‏ عرضوا علينا ان نعقد محفلنا في منتجع يُدعى ‹مغارة الفرنسيين الاوائل›،‏ البقعة التي نزل فيها المستوطنون الفرنسيون الاوائل.‏ وكان الموقع جميلا جدا تطلّ من ورائه جروف عالية مكسوَّة بالاشجار المظلِّلة.‏ ولكن لم تكن هنالك مقاعد ولا منصة ولا عدد كاف من المراحيض.‏

‏«رغم ذلك،‏ فرحنا بعقد محفلنا هناك.‏ فقد هبَّت عاصفة مساء يوم السبت وعطَّل البرق شبكة الكهرباء كلها في المدرَّج،‏ فلم تكمل الفرقة الموسيقية حفلتها.‏ أما نحن الذين كنا على بعد ٥ كيلومترات فقط،‏ فلم نتأثر مطلقا.‏ حتى ان السكان المحليين اعتبروا ما حدث ‹دينونة من اللّٰه›».‏

تحسينات تنظيمية

في ٢٢ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٦٧،‏ سُجِّلت جمعية شهود يهوه كمؤسسة شرعية.‏ وفي شباط (‏فبراير)‏ ١٩٦٩،‏ زار اول ناظر دائرة يُدعى هنري زامي الجزيرة.‏ كان ناظر الدائرة هذا ريونيونيّ الاصل،‏ لكنّه وُلد في الجزائر وترعرع في فرنسا.‏ وقد شملت دائرته الجماعات الست في ريونيون والاربع في موريشيوس،‏ وأيضا عددا من الفرق المنعزلة.‏ اما اليوم فتوجد دائرتان في ريونيون وحدها.‏

عام ١٩٧٥،‏ رُفع في فرنسا الحظر عن مجلة برج المراقبة الذي دام ٢٢ سنة.‏ فراح الاخوة على الفور يستخدمون هذه المجلة في خدمة الحقل في ريونيون.‏ كان الاخوة في وقت سابق يستخدمون كراس بولتان آنتِريور.‏ وكان هذا الكراس،‏ الذي يُطبع في فرنسا،‏ يحتوي على المعلومات نفسها التي ترد في برج المراقبة،‏ لكنه لم يكن يُوزَّع على الناس.‏ وفي كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٨٠،‏ بدأ فرع فرنسا يطبع نسخة فرنسية من خدمتنا للملكوت معدَّلة بشكل خاص لتلائم حاجات ريونيون والجزر الاخرى المجاورة.‏ فضلا عن ذلك،‏ تُرجمت بعض المطبوعات —‏ بما فيها النشرات،‏ الكراسات،‏ وكتابَا المعرفة التي تؤدي الى الحياة الابدية و اعبدوا الاله الحق الوحيد —‏ الى اللغة الكرييولية الريونيونية لمساعدة الناس الذين يتكلمون هذه اللغة.‏ وقد ساعدت هذه المطبوعات الروحية الرائعة على تقدُّم البشارة في هذا المكان النائي من العالم.‏

نعم،‏ بالمقارنة مع الامتداد الشاسع للمحيط الهندي،‏ تبدو جزيرة ريونيون صغيرة جدا.‏ لكنّ اللّٰه يسمع صيحات التسبيح الجهيرة التي تصعد من هناك.‏ وهذا يذكِّرنا بكلمات النبي اشعيا:‏ ‹ليخبروا بتسبيح يهوه في الجزر›.‏ (‏اشعيا ٤٢:‏١٠،‏ ١٢‏)‏ فليواصل شهود يهوه في ريونيون تسبيح اللّٰه وليبقوا ثابتين وأمناء كالامواج الزرقاء الضخمة التي تتكسَّر باستمرار على شواطئ هذه الجزيرة البركانية.‏

‏[الاطار/‏الخرائط في الصفحتين ٢٢٨ و ٢٢٩]‏

لمحة عن ريونيون

اليابسة:‏

يبلغ طول ريونيون ٦٥ كيلومترا تقريبا وعرضها نحو ٥٠ كيلومترا،‏ لذلك فهي تُعتبر اكبر جزر مَسكارين التي تشمل ايضا رودريڠس وموريشيوس.‏ تقع في وسط الجزيرة تقريبا ثلاث فوَّهات بركانية مأهولة بالسكان وزاخرة بالحياة النباتية تُدعى سيرك (‏cirque)‏.‏ وهذه الفوَّهات،‏ او الاحواض المستديرة والعميقة ذات الجوانب الشديدة الانحدار،‏ تشكَّلت بفعل انهيار بركان ضخم قديم.‏

الشعب:‏

يبلغ عدد سكان ريونيون ٢٠٠‏,٧٨٥ نسمة.‏ وهم بمعظمهم خليط يتحدر من الافريقيين،‏ الصينيين،‏ الفرنسيين،‏ الهنود،‏ وشعوب جنوب شرق آسيا.‏ ويدين حوالي ٩٠ في المئة من سكانها بالكاثوليكية.‏

اللغة:‏

الفرنسية هي اللغة الرسمية،‏ لكنَّ الكرييولية الريونيونية هي اللغة الشائعة.‏

سبل العيش:‏

يعتمد اقتصاد ريونيون بشكل رئيسي على قصب السكر ومنتجاته،‏ كدبس السكر والرُّوم.‏ كما يعتمد على السياحة.‏

الطعام:‏

تتألف الاطباق الرئيسية في ريونيون من الارزّ،‏ اللحم،‏ السمك،‏ الفاصولياء،‏ والعدس.‏ وتشمل محاصيلها جوز الهند،‏ اللِّتْشيّة،‏ الپپّايا،‏ الأناناس،‏ الملفوف،‏ الخس،‏ البندورة،‏ الفانيليا،‏ بالاضافة الى قصب السكر.‏

المناخ:‏

بما ان ريونيون متاخمة لمدار الجدي من الجهة الشمالية،‏ فإن مناخها مداري رطب.‏ وتختلف درجة الحرارة ونسبة تساقط الامطار فيها باختلاف المنطقة.‏ وكثيرا ما تتعرض ريونيون للاعاصير.‏

‏[الخرائط]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسق في المطبوعة)‏

مدغشقر

رودريڠس

ريونيون

موريشيوس

ريونيون

سان دوني

لا مونتانْي

لا پوسِّيسيون

لو پور

سان پول

سان جيل ليه بان

سيرك دو مافات

سيرك دو سالازي

سيلاوس

سيرك دو سيلاوس

سان لو

لو كاپ

ليه ماك

ليه زاڤيرون

ليتان ساليه

لا ريڤيير

سان لْوي

سان پيير

سان فيليپ

سان بُنْوا

پيتون دو لا فورنيز

سان اندريه

‏[الصور]‏

صورة مأخوذة من الجو

سيل من الحمم

سان دوني

‏[الاطار في الصفحتين ٢٣٢ و ٢٣٣]‏

لمحة عن تاريخ ريونيون

دعاها البحّارة العرب الاوائل «الجزيرة الغربية».‏ ولاحقا،‏ عندما اكتشف الملاحون البرتغاليون هذه الجزيرة التي كانت لا تزال غير مأهولة في اوائل القرن السادس عشر،‏ دعوها سانتا أپولونيا.‏ وفي سنة ١٦٤٢،‏ اعلنها الفرنسي جاك پْرُوني مِلكية فرنسية عندما نفى اليها ١٢ ثائرا من مدغشقر.‏ وفي سنة ١٦٤٩،‏ أُطلق عليها اسم إيل بوربون،‏ تيمنًا بالاسرة الملكية الفرنسية.‏ ولكن،‏ عندما خُلع آل بوربون عن العرش خلال الثورة الفرنسية سنة ١٧٩٣،‏ سُمِّيت الجزيرة ريونيون،‏ احياءً لذكرى اتحاد الثوار الآتين من مرسيليا بالحرس الوطني في باريس.‏ وبعدما تغيَّر الاسم عدة مرات،‏ جرى اخيرا تبنّي الاسم ريونيون سنة ١٨٤٨.‏ وفي سنة ١٩٤٦،‏ صارت الجزيرة محافظة فرنسية وراء البحار.‏

في اوائل ستينات القرن السابع عشر،‏ جعلت فرنسا من هذه الجزيرة مستعمرة لها،‏ وأنشأت فيها مزارع للبُن والسكر.‏ وكان العمال في هذه المزارع عبيدا جُلبوا من افريقيا الشرقية.‏ وبعد إلغاء الرقّ سنة ١٨٤٨،‏ اصبحت فرنسا تجلب العمال بموجب عقد عمل،‏ وكانوا في معظمهم من الهند وجنوب شرق آسيا.‏ وسكان الجزيرة الآن هم في الغالب مزيج من هذه القوميات.‏ وفي اوائل القرن التاسع عشر،‏ تراجعت زراعة البُن وأصبح قصب السكر من الصادرات الرئيسية.‏

‏[الاطار/‏الصور في الصفحتين ٢٣٦،‏ ٢٣٧]‏

من متمرِّس برياضة كمال الاجسام الى فاتح خصوصي

لوسيان ڤيشو

تاريخ الولادة:‏ ١٩٣٧

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٦١

لمحة عن حياته:‏ اكتسب شهرة واسعة كمتمرِّس برياضة كمال الاجسام.‏ انخرط في خدمة الفتح الخصوصي من سنة ١٩٦٣ الى سنة ١٩٦٨.‏ وهو يخدم كشيخ منذ سنة ١٩٧٥.‏

لن انسى ابدا ذلك اليوم من سنة ١٩٦١ حين ذهبت الى منزل صديقي جان لكي «انقذه» من شهود يهوه.‏ فقد طلبت مني زوجته ان ازورهما خوفا من ان يتجادل الانبياء الكذبة،‏ كما دعت الشهود،‏ مع زوجها ويتهجَّمون عليه.‏

قلت في نفسي:‏ ‹اذا مسُّوه بأذى،‏ فسأوسعهم ضربا›.‏ لكنهم كانوا لطفاء ومنطقيين ولم يظهروا اي عداء.‏ وسرعان ما دخلت معهم في مناقشة حول موضوع الصليب اوضح الشهود خلالها من الكتاب المقدس ان يسوع مات على عمود او خشبة.‏

لاحقا،‏ سألت الشهود عما عناه النبي دانيال حين قال ان ميخائيل رئيس الملائكة «قائم» من اجل شعب اللّٰه.‏ (‏دانيال ١٢:‏١‏)‏ فأوضحوا لي من الاسفار المقدسة ايضا ان ميخائيل هو يسوع المسيح،‏ وهو «قائم» بمعنى انه يحكم كملك لملكوت اللّٰه منذ سنة ١٩١٤.‏ (‏متى ٢٤:‏٣-‏٧؛‏ رؤيا ١٢:‏٧-‏١٠‏)‏ فأذهلتني هذه الاجوبة،‏ كما ادهشتني معرفة الشهود للكتاب المقدس.‏ ومنذ ذلك الحين،‏ صرت أنتهز الفرص لأناقش كلمة اللّٰه معهم كلما كانوا في المنطقة.‏ حتى انني كنت أتبعهم من باب الى باب وأنضم اليهم في مناقشاتهم.‏ وبعد فترة قصيرة،‏ بدأت احضر الاجتماعات مع الفريق المنعزل الذي كان يجتمع في سان اندريه.‏

وفي اول اجتماع حضرته قرأت بعض الفقرات في كراس بولتان آنتِريور،‏ الذي كان يُستخدم بدلا من برج المراقبة،‏ مع انني لا اجيد القراءة.‏ وبعد معموديتي مباشرة،‏ طُلب مني ان ادير درس الكتاب بسبب عدم توفّر اخوة آخرين.‏ فتساءلت:‏ ‹لكن كيف عليّ ان اديره؟‏›.‏ لاحظتِ الاخت جانين پيڠو قلقي وحيرتي،‏ فاقترحت بلطف ان تقرأ هي الفقرات وأطرح انا اسئلة الدرس المطبوعة.‏ وهذا ما فعلناه،‏ فجرى الدرس بسلاسة.‏

عندما زار مِلتون هنشل ريونيون عام ١٩٦٣،‏ شجَّع الاخوة المؤهَّلين للخدمة كفاتحين خصوصيين ان ينخرطوا في هذا العمل.‏ ولأنني اردت ان اخصِّص وقتي بكامله لخدمة يهوه،‏ ملأت الطلب.‏ فتمَّ قبولي وعُيِّنت في مدينة سان اندريه،‏ حيث عقدت مع مرور الوقت تسعة دروس في الكتاب المقدس.‏

كانت الجماعة الجديدة تجتمع في بيت الاخ جان ناسّو.‏ وعندما كسر الاخ جان وركه من جراء حادث سيارة،‏ اعتنيت بالجماعة طوال ستة اشهر.‏ فكنت اقدِّم الخطابات،‏ ادير مدرسة الخدمة الثيوقراطية واجتماع الخدمة،‏ وأعدّ التقارير لمكتب الفرع.‏ فاكتسبت بذلك خبرة قيِّمة جدا.‏

وفي المقاطعة،‏ كان علينا ان ندحض المعتقدات الخرافية التي نشأت نتيجة مزج الدين الكاثوليكي بالدين الهندوسي.‏ وقد تجاوب الناس مع البشارة.‏ ففي عائلة واحدة فقط،‏ اعتنق الحقَّ ٢٠ فردا على الاقل.‏ واليوم،‏ هنالك خمس جماعات في سان اندريه.‏

‏[الاطار/‏الصور في الصفحة ٢٣٨]‏

الاستهزاء امتحن ايماني

ميريام توما

تاريخ الولادة:‏ ١٩٣٧

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٦٥

لمحة عن حياتها:‏ تخدم كفاتحة منذ سنة ١٩٦٦.‏

عندما ابتدأنا انا ونسيبي لْوي نيلوپ بالكرازة سنة ١٩٦٢،‏ كان الناس في كل بيت تقريبا يدعوننا الى الدخول.‏ وكانوا يقدِّمون لنا القهوة،‏ شراب الليمون،‏ والرُّوم ايضا.‏ ولكن بعد فترة قصيرة،‏ تغيَّر موقف كثيرين من اصحاب البيوت بسبب تأثير رجال الدين.‏ فكان البعض يهزأون بنا،‏ ويتعمَّدون في بعض الاحيان التفوُّه باسم اللّٰه بطريقة ازدرائية.‏ حتى ان الناس في احدى البلدات راحوا يرشقوننا بالحجارة.‏

لذلك توقف البعض منا عن استخدام اسم اللّٰه في الخدمة.‏ فلاحظ ذلك ناظر الدائرة واستفسر عن الامر.‏ وعندما اوضحنا له السبب،‏ شعرنا بالخجل قليلا.‏ لكنه قدَّم لنا المشورة اللازمة بأسلوب لطيف وشجَّعنا ان نكون اكثر جرأة.‏ فقدَّرنا كثيرا هذه المشورة واعتبرناها تأديبا من يهوه.‏ (‏عبرانيين ١٢:‏٦‏)‏ وفي الواقع،‏ لولا صبر اللّٰه ورحمته وروحه القدس،‏ لتوقفتُ عن خدمة الفتح منذ زمن بعيد.‏ بدلا من ذلك،‏ تمكنت من تكريس اكثر من ٤٠ سنة لهذه الخدمة التي أعزّها كثيرا.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٢٤٦ و ٢٤٧]‏

يهوه دعمني اثناء المحن

سولي إسپارون

تاريخ الولادة:‏ ١٩٤٧

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٦٤

لمحة عن حياته:‏ من اوائل المعتمدين في ريونيون.‏ وقد قضى ثلاث سنوات في السجن بسبب رفضه تأدية الخدمة العسكرية.‏

عندما اعتنقت الحق بعمر ١٥ سنة،‏ طردني والداي من البيت.‏ لكنّ ذلك لم يردعني عن خدمة يهوه.‏ فانخرطت في خدمة الفتح العادي سنة ١٩٦٤ والفتح الخصوصي سنة ١٩٦٥.‏ وحظيت ايضا بامتياز الاشتراك في الاشراف على الجماعتين في سان اندريه وسان بُنْوا.‏ فكنا انا وجان-‏كلود فورسي نتناوب على الذهاب الى هاتين الجماعتين.‏ وكان عدد الناشرين آنذاك ١٢ ناشرا في سان اندريه و ٦ ناشرين في سان بُنْوا.‏

عام ١٩٦٧،‏ تمَّ استدعائي الى الخدمة العسكرية.‏ فأوضحت للمسؤولين العسكريين انني كمسيحي لا استطيع حمل السلاح.‏ ولأن قضيتي كانت الاولى من نوعها في ريونيون،‏ لم يتفهموا موقفي ولم يوافقوا على قراري.‏ وفي الواقع،‏ راح احد الضباط يضربني امام نحو ٤٠٠ مجنَّد،‏ ثم اخذني الى مكتبه وأنا اعرُج من الألم.‏ ووضع بدلة عسكرية على طاولته وأمرني ان ارتديها وإلا فسيضربني ثانية.‏ لقد كان رجلا قوي البنية يفوقني طولًا،‏ اذ بلغ طوله حوالي مئة وثمانين سنتيمترا.‏ ومع ذلك،‏ استجمعت الجرأة وقلت له:‏ «اذا ضربتني ثانية،‏ فسأتقدَّم بشكوى رسمية ضدك لأن فرنسا تضمن الحرية الدينية».‏ فخطا نحوي وهو يلتهب غيظا،‏ لكنه تمالك نفسه.‏ ثم أخذني الى الضابط المسؤول عنه،‏ الذي اخبرني انه سيُحكَم عليّ بالاشغال الشاقة مدة ثلاث سنوات في فرنسا.‏

لكنّه كان مخطئا،‏ اذ لم يُحكم عليّ بالاشغال الشاقة ولم أقضِ مدة عقوبتي في فرنسا بل في ريونيون.‏ وبعد المحاكمة،‏ دعاني القاضي الى مكتبه.‏ وصافحني مبتسما وأعرب عن تعاطفه معي.‏ وقد اوضح لي ان واجباته كقاض تحتِّم عليه تطبيق القانون.‏ كما كان مساعد مدير السجن ودودا معي وقد رتَّب ان اعمل في قاعة المحكمة.‏ حتى انه كان يرافقني الى باحة الزوّار لمقابلة والديّ وأحد الاخوة في الجماعة.‏

في البداية،‏ وُضعت في زنزانة ضمَّت من ٢٠ الى ٣٠ سجينا.‏ بعد ذلك نُقلت الى زنزانة ضمَّت سجينين فقط،‏ الامر الذي منحني مزيدا من الحرية.‏ وفي وقت لاحق،‏ طلبت مصباحا كهربائيا.‏ وكم اندهشت عندما استُجيب طلبي،‏ اذ لا يُسمح عادةً بإعطاء اية اداة كهربائية للسجناء خوفا من إقدامهم على الانتحار بالكهرباء.‏ وهكذا،‏ تمكنت من درس الكتاب المقدس ومن إكمال مقرَّر في المحاسبة عن طريق المراسلة.‏ وعندما أُطلق سراحي سنة ١٩٧٠،‏ تكرَّم عليّ احد القضاة بإيجاد عمل لي.‏

‏[الاطار في الصفحة ٢٤٩]‏

خطر الاعاصير

في شباط (‏فبراير)‏ ١٩٦٢،‏ ضرب اعصار جيني جزيرتَي ريونيون وموريشيوس،‏ وحوَّل مياه المحيط الهندي الى امواج عملاقة مزبِدة غمرت المناطق الساحلية،‏ وخصوصا سواحل ريونيون.‏ فدُمِّرت المباني في مدينة سان دوني،‏ تجرَّدت الاشجار من الاوراق،‏ وغطَّت الاغصان المكسَّرة الطرقات.‏ كما مالت الاعمدة الكهربائية مهدِّدة السلامة العامة،‏ وتدلَّت الاسلاك الكهربائية الى الارض.‏ لكنّ الامر المدهش هو ان قاعة الملكوت الصغيرة لم تُصب بأضرار.‏ لقد اودى الاعصار بحياة ٣٧ شخصا،‏ اصاب ٢٥٠ آخرين بجروح،‏ وشرَّد الآلاف.‏ كان الاخوة آنذاك يحضرون محفلا في جزيرة موريشيوس التي لم يضربها الاعصار بالقوة التي ضرب بها ريونيون.‏ ومع انهم لم يتمكَّنوا من العودة الى منازلهم إلا بعد عدة ايام،‏ لكنهم على الاقل نجوا ولم يُصابوا بأذى.‏

عام ٢٠٠٢،‏ تسبَّب اعصار دينا بانزلاق ارضي قطع الطريق المؤدية الى سيلاوس طوال ثلاثة اسابيع.‏ فرتَّب المكتب في ريونيون على الفور ان يرسل سيارة ذات دفع رباعي محمَّلة بالمؤن للاخوة الثلاثين القاطنين هناك.‏ وقد انضمت سيارتهم الى موكب من ١٥ سيارة اخرى تترأسها الشرطة.‏ كانت اجزاء من الطريق المعبَّدة قد جرفها الاعصار وسقطت في النهر،‏ فكان عليهم ان يخوضوا في مجرى النهر ثم يصعدوا الى الطريق.‏ وكم فرح الاخوة في سيلاوس عندما وصلت سيارة الاخوة!‏

‏[الجدول/‏الرسم البياني في الصفحتين ٢٥٢ و ٢٥٣]‏

نبذة تاريخية —‏ ريونيون

١٩٥٥:‏ روبرت نيزبِت يزور ريونيون في ايلول (‏سبتمبر)‏.‏

١٩٦٠

١٩٦١:‏ عائلة من الشهود تصل من فرنسا وتجد عددا كبيرا من المهتمين.‏

١٩٦٣:‏ م.‏ ج.‏ هنشل،‏ من المركز الرئيسي العالمي،‏ يقدِّم خطابا لحضور مؤلَّف من ١٥٥ شخصا.‏

١٩٦٤:‏ مسؤولية الاشراف على العمل تنتقل من فرنسا الى موريشيوس؛‏ و ٢٣٠ شخصا يحضرون اول محفل دائري في البلد.‏

١٩٦٧:‏ تسجيل جمعية شهود يهوه كمؤسسة شرعية.‏

١٩٧٠

١٩٧٥:‏ رفع الحظر عن مجلة برج المراقبة في فرنسا.‏

١٩٨٠

١٩٨٥:‏ عدد الناشرين يتجاوز الـ‍ ٠٠٠‏,١.‏

١٩٩٠

١٩٩٢:‏ عدد الناشرين يتجاوز الـ‍ ٠٠٠‏,٢.‏ والفرع يشتري ارضا في لا پوسِّيسيون لبناء مكتب للفرع،‏ قاعة محافل،‏ وبيت للمرسلين.‏

١٩٩٦:‏ تشييد اول قاعة ملكوت بطريقة البناء السريع.‏

١٩٩٨:‏ اول محفل يُعقد في قاعة المحافل الجديدة في لا پوسِّيسيون.‏

٢٠٠٠

٢٠٠٦:‏ هنالك نحو ٥٩٠‏,٢ ناشرا نشيطا في ريونيون.‏

‏[الرسم البياني]‏

‏(‏انظر المطبوعة)‏

مجموع الناشرين

مجموع الفاتحين

٠٠٠‏,٣

٠٠٠‏,٢

٠٠٠‏,١

١٩٦٠ ١٩٧٠ ١٩٨٠ ١٩٩٠ ٢٠٠٠

‏[صورة تغطي كامل الصفحة ٢٢٣]‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٢٤]‏

سنة ١٩٥٩،‏ كرز آدام ليسياك طوال شهر في ريونيون

‏[الصورة في الصفحة ٢٢٤]‏

نُوِيمي دوريه مع جانين پيڠو وابنها كريستيان في طريقهم الى ريونيون سنة ١٩٦١

‏[الصورة في الصفحة ٢٢٧]‏

قاعة الملكوت في لو پور عام ١٩٦٥

‏[الصورة في الصفحة ٢٣٠]‏

استؤجرت باصات مكشوفة الجانبين للقيام برحلات كرازية عام ١٩٦٥

‏[الصورة في الصفحة ٢٣٠]‏

جوزيت بونكاس

‏[الصورة في الصفحة ٢٣٥]‏

جانين كورينو

‏[الصورة في الصفحة ٢٣٥]‏

الشهادة في سان پول عام ١٩٦٥

‏[الصورة في الصفحة ٢٤٣]‏

كلِيُو لاپيير

‏[الصور في الصفحتين ٢٤٤،‏ ٢٤٥]‏

كرز لْوي وآن نيلوپ في القرى المنعزلة واقتاتا بالغوافة على طول الطريق

سيرك دو مافات

‏[الصورة في الصفحة ٢٤٨]‏

قاعة الملكوت في سان لْوي بعد انتهاء العمل فيها سنة ١٩٨٨

‏[الصور في الصفحة ٢٥١]‏

المحافل الدائرية والكورية

اول محفل دائري في البلد عُقد سنة ١٩٦٤ في الطابق العلوي لأحد المطاعم

‏«مغارة الفرنسيين الاوائل» كانت موقعا لأحد المحافل الكورية

قاعة مؤقتة في سان دوني عام ١٩٦٥