لاتفيا
لاتفيا
ينتصب في شارع بْريڤيباس (شارع الحرية) وسط ريغا عاصمة لاتفيا نصبُ الحرية التذكاري البالغ ارتفاعه ٤٢ مترا. رُفع الستار عن رمز الحرية السياسية هذا سنة ١٩٣٥. إلّا ان اللاتفيين يتمتعون منذ عشرينات القرن الماضي بنوع اسمى من الحريات: الحرية التي تنجم عن معرفة حق الكتاب المقدس. يذكر احد التقارير متحدثا عن هذه الحرية: «يتلقى عامة الناس، . . . الرجال والنساء على حدّ سواء، هذه الرسالة ودموع الفرح تترقرق في عيونهم». غير ان الاعداء حاولوا طوال عقود وقف عمل المناداة بهذه الرسالة القيّمة، وقد حققوا مقدارا من النجاح. ولكن كما يُظهر التقرير نفسه، ما من قوة على الارض يمكن ان تكبّل يد القادر على كل شيء او يد ابنه، لأن سلطتهما تتجاوز كل الحدود السياسية. — رؤيا ١١:١٥.
من زمن الفرسان التيوتونيين الذين اسسوا ريغا سنة ١٢٠١ حتى حقبة الشيوعية السوفياتية، غزت لاتفيا وسيطرت عليها قوى سياسية عديدة، منها المانيا وبولندا وروسيا والسويد. وفي سنة ١٩١٨، اعلنت لاتفيا استقلالها للمرة الاولى. ولكن سنة ١٩٤٠، بسط الاتحاد السوفياتي سيطرته على هذا البلد. وبقي الوضع على حاله لغاية سنة ١٩٩١، حين استعادت لاتفيا استقلالها وباتت تُعرف باسم جمهورية لاتفيا.
غير ان الاستقلال السياسي لا يمنح الحرية الحقيقية. فيهوه وحده قادر على تحرير البشر كاملا، ووعده بالحرية هو احد الاوجه الرائعة لبشارة لوقا ٤:١٨؛ عبرانيين ٢:١٥) فكيف وصلت البشارة الى لاتفيا؟ تبدأ قصتنا بصلاة البحَّار آنس إنسبرغ.
ملكوت اللّٰه. (كتب آنس: «فيما كنت في عرض البحر في احدى الليالي المرصعة بالنجوم، سكبتُ قلبي امام الرب وطلبت منه ان يهديني الى الناس الذين يعبدونه بالروح والحق. (يوحنا ٤:٢٤) فقد رأيت الكثير من الرياء بين مرتادي الكنائس في بلدي لاتفيا ولم أرد الانضمام اليهم. ثم في سنة ١٩١٤، شاهدتُ في كليڤلنْد بولاية أوهايو الاميركية ‹رواية الخلق المصوَّرة› المؤسسة على الكتاب المقدس، والتي اصدرها تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم، كما دُعي شهود يهوه آنذاك. وهكذا استُجيبت صلاتي ووجدت الحق اخيرا. فاعتمدت في ٩ كانون الثاني (يناير) ١٩١٦ وانخرطت في عمل الكرازة. ولم اعُد ازاول عملي كبحار إلّا بشكل متقطع كلما احتجت الى المال».
بُعيد الحرب العالمية الاولى، نشر آنس رسالة الملكوت على نطاق واسع في لاتفيا. ووضع على نفقته الخاصة اعلانات تنادي بملكوت اللّٰه في الصحف اللاتفية. نتيجة ذلك، تعلم الحق استاذ متقاعد من عائلة كراستينيش. وهذا الاستاذ هو على الارجح اول تلميذ للكتاب المقدس مقيم في لاتفيا ينذر حياته ليهوه. وفي سنة ١٩٢٢، انضم الاخ آنس الى العاملين في المركز الرئيسي العالمي لتلاميذ الكتاب المقدس في بروكلين بنيويورك. وهناك، صار يتردد على ارصفة الميناء بانتظام لنقل حق الكتاب المقدس الى البحَّارة. وقد دعا آنس هذه الارصفة: «منبري الجميل». انهى الاخ آنس مسلكه الارضي في ٣٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٦٢.
سنة ١٩٢٥، تأسس مكتب فرع في شمال اوروبا، وتحديدا في كوبنهاغن بالدانمارك. وقد اشرف هذا المكتب على العمل في ثلاث من دول البلطيق، هي أستونيا ولاتفيا وليتوانيا، بالاضافة الى الدانمارك والسويد وفنلندا والنَّروج. وفي تموز (يوليو) ١٩٢٦، عُيِّن ريس تايلور من بريطانيا للاشراف على العمل في لاتفيا. فأنشأ مكتبا في ريغا ونظّم محفلا صغيرا حضره ٢٠ شخصا. وقد اشترك ١٤ منهم في اول حملة كرازية في البلد. بعد فترة، استحصل الاخوة من الشرطة على اذن بعقد اجتماعات عامة، فسمع ٩٧٥ شخصا محاضرات الكتاب المقدس في ريغا ولييپايا ويلڠاڤا. وقد أُلقيت هذه الخطابات بالالمانية، اللغة الثانية للكثير من اللاتفيين. وقد طلب عدد كبير من الحضور عقد المزيد من الاجتماعات.
«حرية للشعوب»
في ايلول (سبتمبر) سنة ١٩٢٧، اجتمع نحو ٦٥٠ مندوبا من أستونيا وإسكندينافيا ولاتفيا في كوبنهاغن للاصغاء الى جوزيف ف. رذرفورد، القادم من المركز الرئيسي العالمي، وهو يلقي خطابا بعنوان: «حرية للشعوب». وفي السنة التالية، تُرجم الى اللاتفية كراس يحمل العنوان نفسه، وكان موزعو المطبوعات الجائلون (او الفاتحون) في طليعة مَن وزّعوا هذا الكراس.
وكان بين هؤلاء الفاتحين الاوائل ١٠ اخوة على الاقل اتوا من المانيا الى لاتفيا للمساعدة في عمل الملكوت. أحدهم هو يوهانس بِرڠِه الذي كان آنذاك في الثانية والعشرين من عمره. كتب: «كان إلقاء الخطابات العامة اول امر قام به الفاتحون حين وصلوا الى المدينة التي عُيِّنوا للخدمة فيها. وهكذا قدَّمنا خطابات في كل مدن لاتفيا تقريبا. كما استأجرنا صالة سينما في مدينة سلوكا، وصرت خلال فصل الشتاء أُلقي خطابا في هذه الصالة كل يوم اثنين. وكان الناس يأتون من اماكن بعيدة راكبين احصنتهم الصغيرة». ثم أضاف الاخ يوهانس متذكرا تلك الايام الماضية: «حصلتُ على امتيازات كبيرة في الخدمة رغم ثقافتي المحدودة».
سنة ١٩٢٨، اشترك نحو ٤٠ مناديا بالملكوت في عمل الكرازة، وكان ١٥ شخصا منهم معتمدين. وفي سنة ١٩٢٩، السنة التي انتقل فيها المكتب الى شارع شارلوتس في ريغا، اعتمد ٩ اشخاص، ووزّع الاخوة اكثر من ٠٠٠,٩٠ كتاب وكراس في خدمة الحقل.
كان الشاب فرديناند فروك وأمه إميلي قد اعتمدا في السنة السابقة،
اي سنة ١٩٢٧. وبعد اربع سنوات، وجد فرديناند رفيقه المستقبلي في عمل الفتح، اثناء تقديمه الشهادة في احد الافران في بلدته الام لييپايا. فعندما سمع الفرَّان ما يقوله فرديناند ركض مسرعا الى دكان الحلاقة المجاور الذي يملكه اخوه، وقال له: «هاينرخ، تعال بسرعة! ثمة رجل في فرني يقول اشياء لا تُصدَّق». إلَّا ان الحلاق هاينرخ تْسيخ لم يستصعب تصديق حق الكتاب المقدس واعتمد بعد فترة وجيزة. ثم انضم الى فرديناند في عمل الفتح، فتنقلا معا على دراجتيهما من بلدة الى اخرى لإيصال رسالة الملكوت الى الناس.المقاومة تبدأ
كان عدد الاخوة قليلا، مع ذلك اثارت غيرتهم حفيظة رجال الدين. حتى ان رجل دين بارزا في ريغا هدد بحرم كلّ مَن يحضر اجتماعات تلاميذ الكتاب المقدس. وفي لييپايا، أصدر رجال الدين منشورات تتهم الاخوة بأنهم لا يؤمنون بيسوع المسيح وتطلب من الناس عدم قبول اي مطبوعة من مطبوعاتهم. فضلا عن ذلك، استخدموا صحيفة بارزة تابعة للكنيسة للقدح في تلاميذ الكتاب المقدس.
وفي سنة ١٩٢٩، خضعت الحكومة لضغط الكنيسة وطردت موزعي المطبوعات الجائلين من لاتفيا. وبحلول سنة ١٩٣١، حُظرت غالبية المساعِدات على درس الكتاب المقدس. فهل جعلت هذه الهجمات الاخوة يتقاعسون؟ كتب مكتب لاتفيا في تقرير عن نشاط الاخوة آنذاك: «تعطينا المقاومة التي يشنها ابليس حافزا اقوى لنحافظ على امانتنا. فمن المفرح جدا ان نشترك في العمل الجاري في هذا البلد . . . ونحن مصممون على المضي قُدُما».
سنة ١٩٣١، لبّى عدة اخوة من بريطانيا النداء ان ينتقل عدد من الفاتحين الى دول البلطيق. وقد ساهم بعض هؤلاء في جلب الطعام الروحي الى لاتفيا من استونيا وليتوانيا المجاورتين. كان إدوين ريدجْوِل في الثامنة عشرة من عمره حين عُيِّن للخدمة في ليتوانيا. وهو يتذكر الآن بعد ان
جاوز التسعين من عمره: «حظيت انا وشريكاي، أندرو جاك وجون سامپي، بتعيين خصوصي: نقل المطبوعات الى لاتفيا. فكنا نتوجه الى ريغا على متن قطار ليلي ونخبئ المطبوعات في رِزَم يمكن وضعها تحت المقاعد حيث تُحفظ البطانيات نهارا. وقبل نزولنا من القطار، كنا نضع الرِّزَم مع بعض الثياب في حقائب يمكن تعديل حجمها. كان نقل المطبوعات مهمة مرهقة، لذلك كنا دوما نحتفل بعد ايصال المطبوعات الى لاتفيا بأمان. فكان الاخ پِرسي دَنهام، المشرف على العمل آنذاك، يصطحبنا لتناول العشاء في مطعم في ريغا».اعتاد فرديناند فروك ان يلتقي بعض الإخوة على حدود ليتوانيا ليحصل منهم على مطبوعات، وكان يخبئها تحت التبن في القسم العلوي من حظيرته. لكنّ السلطات علمت بما كان يفعله، فصارت الشرطة تداهم مزرعته باستمرار بحثا عن اية مطبوعات محظورة. وفي احدى المداهمات، طلب الشرطي من فرديناند ان يصعد الى القسم العلوي من الحظيرة عوضا عنه. ولكي يكفّ الشرطي عن البحث، عاد فرديناند وبيده بعض الاعداد القديمة من برج المراقبة، فاكتفى بها الشرطي وغادر المكان.
المضي قُدُما رغم المقاومة
سنة ١٩٣١، عُيِّن الاسكتلندي پِرسي دَنهام، المذكور آنفا، كمشرف على العمل في لاتفيا. وبما ان دَنهام اصبح تلميذا للكتاب المقدس قبل سنة ١٩١٤، فقد تحلى بخبرة قيِّمة جدا. كتب مكتب الفرع في اواخر سنة ١٩٣١: «على الرغم من الصعوبات، يتواصل العمل الذي يقوم به مَن هم فقراء في هذا العالم لكنهم اغنياء في الايمان باللّٰه. . . . والناس يظهرون اهتماما متزايدا برسالتنا. . . . فكل اسبوع يأتي المهتمون الى المكتب طالبين الكتب، ويستعلمون عن الوقت الذي ستتوفر فيه مطبوعات اخرى». وأضاف التقرير متحدثا عن احد التطورات الثيوقراطية الهامة جدا: «في اجتماع عُقد مؤخرا في ريغا، قبِل الجميع بفرح قرار تبنّي الاسم الجديد [شهود يهوه]، الذي منحه الرب لشعبه».
سنة ١٩٣٢، نُقل المكتب الى شارع تْسيسو في ريغا. وفي تلك السنة عينها، انتقلتْ الى لاتفيا فاتحة اسكتلندية اسمها مرغريت (مادج) براون، وتزوجت الاخ پِرسي دَنهام. اعتمدت مادج سنة ١٩٢٣، وكانت تخدم في ايرلندا قبل قدومها الى لاتفيا. حين جاءت الى هذا البلد، كانت المقاومة قد اشتدت. تكتب: «في ٩ شباط (فبراير) ١٩٣٣، اتهمتنا احدى الصحف في ريغا اننا شيوعيون. وفي صباح اليوم التالي، سمعتُ جرس البيت يُقرع. فذهبتُ لأفتح الباب وإذا برجال الشرطة يقتحمون البيت شاهرين مسدساتهم في وجهي وصاحوا بأعلى صوتهم: ‹ارفعي يدَيك!›. استمروا طوال سبع ساعات يفتشون المكان بحثا عن مطبوعات محظورة. وعندما حان وقت الغداء قدمتُ لهم الشاي فقبلوه.
«كان المخزون الرئيسي من المطبوعات التي ستوزَّع على الاخوة مخبَّأ في العلية. وكان الشرطي المسؤول قد وجد بعض المفاتيح في جيوب زوجي، فسأله: ‹ما هذه المفاتيح؟›. أجابه پِرسي: ‹مفاتيح العلية›. مع ذلك، لم تصعد الشرطة قط الى العلية. حتى ان الشرطي المسؤول رجّع المفاتيح الى پِرسي قبل مغادرتهم. وبعد ان تفحصوا بعض المطبوعات، قالوا انه ما من سبب لمصادرتها.
«رغم ذلك، صادروا هذه المطبوعات وبعض الرسائل ومبلغا من المال، إضافة الى آلة نسخ وآلة كاتبة. كذلك داهم رجال الشرطة ستة من بيوت الشهود اللاتفيين دون ان يجدوا دليلا على اية انتهاكات للقانون. نتيجة لذلك، لم يرفعوا ضدنا اية دعوى».
في تلك الفترة، كان هنالك اقل من ٥٠ ناشرا للملكوت في البلد كله. غير ان الاخوة ارادوا تثبيت العمل شرعيا وقدّموا طلبا لتسجيل جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم في لاتفيا. ولا شك انهم شعروا بفرح غامر حين سُجلت هذه الجمعية رسميا في ١٤ آذار (مارس) ١٩٣٣. ومع انه لم يُسمح للاخوة باستيراد مطبوعات الكتاب المقدس، استفادوا من وضعهم الشرعي وطبعوا بعض الكراريس محليا. وقد قام بعمل الترجمة الى اللاتفية ألْيكساندر ڠرينس، كاتب مُعتَبر ورئيس تحرير صحيفة ريتس.
تسجيل قصير الامد
في ايار (مايو) ١٩٣٤، فُرضت الاحكام العرفية في البلاد بسبب الاشتباه بانقلاب عسكري. فاستغل اعداء الحق هذا الاضطراب السياسي واتهموا شعب اللّٰه بأنهم شيوعيون. فأقفل وزير الداخلية في ٣٠ حزيران (يونيو) مكتب جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم وصادَر اكثر من ٠٠٠,٤٠ كتاب وكراس، فضلا عن مبلغ صغير من المال. بالاضافة الى ذلك، أُوكلت الى بعض رجال الدين مهمة تصفية هذه الجمعية. ورُفضت كل طلبات الشهود لتسجيل الجمعية من جديد.
سنة ١٩٣٩، نشبت الحرب العالمية الثانية، وزحف الجيش الروسي الى لاتفيا في حزيران (يونيو) ١٩٤٠. وفي آب (اغسطس)، صارت لاتفيا احدى الجمهوريات الـ ١٥ التي تؤلف اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية وأُطلق عليها اسم جمهورية لاتفيا الاشتراكية السوفياتية. نتيجة هذه التطورات، اضطر الزوجان دَنهام في ٢٧ تشرين الاول (اكتوبر) الى مغادرة لاتفيا وتوديع اخوتهما وأخواتهما الاعزاء هناك. وقد أُعيد تعيينهما للخدمة في فرع اوستراليا، حيث انهى پِرسي مسلكه الارضي سنة ١٩٥١ ومادج سنة ١٩٩٨.
لقد شُلَّ عمل الشهود في لاتفيا بسبب اقفال المكتب، ترحيل الاخوة الذين كانوا يأخذون القيادة، ويلات الحرب، والحكم الشيوعي القاسي الذي دام طوال عقود. فأغلال هذا العصر الوحشي الذي ساده التعصب لم تُحلّ إلّا في اوائل تسعينات القرن العشرين.
يهوه يعزِّي اولياءه
لم يكن لدى الفريق الصغير من الشهود في لاتفيا اي اتصال بالمركز الرئيسي خلال الحرب العالمية الثانية. مع ذلك، أبقى هؤلاء الاخوة رجاءهم حيًّا بنيلهم «التعزية من الاسفار المقدسة». (روما ١٥:٤) وبعد انتهاء الحرب، اي نحو اواخر اربعينات القرن العشرين، تمكن اخيرا فرع المانيا من ارسال بريد الى الاخوة القلائل في ريغا، ڤينتسپيلس، كولديغا، ويلڠاڤا.
في بلدة كولديغا التي تقع على بُعد ١٦٠ كيلومترا غربي ريغا، كان ٢ اخبار الايام ١٦:٩ التي تقول ان «عيني يهوه تجولان في كل الارض ليظهر قوته لأجل الذين قلبهم كامل نحوه». ولا شك ان هذه الرسالة المشجعة أتت في وقتها.
يعيش أرنستس ڠروندمانِس الذي اعتنق الحق قبل ٢٠ سنة. وقد تلقى الاخ ڠروندمانِس عدة رسائل من المانيا احتوت طعاما روحيا في حينه. جاء في احدى هذه الرسائل: «ثقوا بيهوه اللّٰه، ابينا الصالح، في كل مجالات حياتكم. فهو سيدعمكم ويقويكم في الوقت المناسب». ثم اقتبست الرسالةلم يفوِّت الاخوة اية فرصة للكرازة للناس بطريقة غير رسمية. مثلا، اعتادت مارتا بالْدووني التي تعمل مدلِّكة في مركز صحي في ڤينتسپيلس ان تكرز لزبوناتها. وكانت احداهن ألكسندرا پْريكلونسكايا (الآن ريزيڤسكس). تتذكر ألكسندرا: «اخبرتني مارتا ان اسم اللّٰه هو يهوه، فأحببت هذا الاسم كثيرا».
وكان پيتر والد ألكسندرا (المولود عام ١٨٨٠) بين الذين تعلّموا حق الكتاب المقدس. تكتب ابنته: «انضم ابي الى الحزب الشيوعي قبل ثورة سنة ١٩١٧ وعاش في مدينة سانت بيترسبرغ [التي دعيت پتروڠراد من ١٩١٤ الى ١٩٢٤، ولينينغراد من ١٩٢٤ الى ١٩٩١]. لكن نتائج الثورة خيّبت آمال ابي، لذلك اعاد بطاقة عضويته في الحزب فأُجبر على مغادرة المدينة. فجاء الى لاتفيا حيث عرّفتُه بمارتا. وبما ان ابي رجل مستقيم ولطيف فقد اعتنق الحق على الفور. ثم في سنة ١٩٥١، عاد الى روسيا لكن هذه المرة كسجين بسبب ايمانه. ومات في سيبيريا سنة ١٩٥٣».
الترحيل الى سيبيريا
كما في سائر البلدان التي تحت سيطرة السوفيات، بدأت الحكومة الجديدة في لاتفيا بالعمل على تحقيق هدفها: ان تتبع كل المؤسسات الثقافية والسياسية النهج السوفياتي. فضلا عن ذلك، أمَّم السوفيات كل المزارع الخاصة. وبالتزامن مع هذه الحملة، رُحِّل كثيرون من البلد. وقد بلغت عمليات الترحيل ذروتها سنة ١٩٤٩ حين أُرسل نحو ٠٠٠,١٠٠ لاتفي الى شمال روسيا، بما في ذلك سيبيريا. وبعد سنتين، ركّز الشيوعيون انتباههم
على شهود يهوه، فرحّلوا آلاف الشهود من الاراضي المحتلة، بمن فيهم ٢٠ شخصا على الاقل من الثلاثين الباقين في لاتفيا.لم تكن ڤالييا لانڠيه من ڤينتسپيلس شاهدة معتمدة حين اعتقلتها لجنة امن الدولة السوفياتية (KGB) خلال المداهمات التي حصلت في ايلول (سبتمبر) ١٩٥٠. وأثناء استجوابها في ريغا في وقت متأخر من الليل، سُئلت: «انت مواطنة سوفياتية، فلماذا تورطين نفسك في اعمال مناهضة للدولة؟». فأجابت ڤالييا بهدوء واحترام: «هدفي الوحيد هو خدمة يهوه اللّٰه، فهْم تعاليمه، ونقلها الى الآخرين».
أُدرج اسم ڤالييا، فضلا عن اسماء ١٩ شاهدا آخر، في وثيقة مؤرَّخة في ٣١ تشرين الاول (اكتوبر) ١٩٥٠. وحُكم على كل هؤلاء بالاشغال الشاقة في سيبيريا مدة عشر سنوات، كما صودرت ممتلكاتهم. اما العدد القليل من الشهود الذين سُمح لهم بالعودة الى موطنهم، فقد اعتُقلوا مرة اخرى وأُلصقت بهم التهم مجددا. هذا ما حصل مع پولين سيروڤا. فقد أُعيدت الى سيبيريا لأربع سنين اضافية حين اكتشفت السلطات انها تحصل بالبريد على مطبوعات الكتاب المقدس.
واصل الاخوة في معسكرات الاشغال الشاقة عمل الكرازة وتلمذة الناس. وأحد هؤلاء التلاميذ كان يانيس ڠارشكْييس الذي اعتمد سنة ١٩٥٦. يقول يانيس الذي يعيش الآن في ڤينتسپيلس: «انا شاكر ليهوه سماحه لي بأن أُرسَل الى احد معسكرات الاشغال الشاقة. فلولا ذلك لما تعلمت الحق». يا له من موقف رائع حقا!
اتُّهمت تيكلا أونتسكولي، المولودة في لاتفيا، بإثارة اضطرابات سياسية وأُرسلت الى سيبيريا. وخلال اقامتها في مدينة أومْسك البعيدة، سمعت الحق من الشهود المنفيين. تخبر تيكلا: «لن انسى البتة يوم معموديتي. فقد
غُطِّست في وقت متأخر من الليل في نهر بارد جدا. ورغم ان بدني اقشعر من شدة البرد، كان الفرح يغمر قلبي». سنة ١٩٥٤، تزوجت تيكلا بألْيكْسيا تْكاتش الذي اعتمد سنة ١٩٤٨ في مولداڤيا (الآن مولدوفا) ورُحِّل بعد ذلك الى سيبيريا. وفي سنة ١٩٦٩، عاد هذان الزوجان مع قلة من الشهود الى لاتفيا. لكن من المحزن ان غالبية اللاتفيين المرحَّلين قضى عليهم الموت في المعسكرات.التخفي عن انظار لجنة امن الدولة في لاتفيا
استطاع عدد صغير من الشهود التخفي عن انظار لجنة امن الدولة السوفياتية (KGB). تكتب ألكسندرا ريزيڤسكس: «تفاديت الترحيل
بالتنقل المستمر من مكان الى آخر، العمل في عدة مزارع، والتخفي عن عيون لجنة امن الدولة. رغم ذلك، استمررت في الكرازة لكل من التقيتهم. وقد اصغى الناس إلي حتى ان البعض اعتنقوا الحق». لم يدَّخر عملاء لجنة امن الدولة اي جهد لإيجاد الشهود القلائل الباقين في لاتفيا، متهمين اياهم بأنهم مناهضون للسوفيات. حتى ان الدولة وزّعت كراسة مليئة بالأكاذيب تندد بالشهود مصنِّفة اياهم بأنهم جواسيس اميركيون. فتوجّب على الاخوة ان يمارسوا الحذر اثناء الكرازة ويعقدوا الاجتماعات سرًّا وفي اماكن مختلفة، وذلك لأن المُخبرين الشيوعيين كانوا يراقبونهم عن كثب.بعد ان تزوجت ألكسندرا بكارليس ريزيڤسكس، انتقلت هي وزوجها الى بيت ريفي يملكه والدا كارليس. وبما ان هذا البيت يقع في غابة قرب مدينة توكومس، على بعد ٦٨ كيلومترا من ريغا، فقد كان مكانا مثاليا لعقد الاجتماعات في الشتاء، وخصوصا ان لا منازل اخرى في الجوار. تتذكر ديتا ڠراسبيرڠا (اندريشاكا آنذاك): «عندما كانت عائلتنا تذهب لحضور الاجتماعات في بيت ريزيڤسكس، كنت انا لا ازال طفلة. وكانت الرحلة الى توكومس بالباص ثم السير في الغابة المغطاة بالثلج مغامرة رائعة بالنسبة الي. وعندما كنا نصل اخيرا الى ذلك البيت الريفي، غالبا ما كنا نجده عابقا برائحة الحساء الشهي الذي يغلي على المَوقِد».
اعتاد كارليس ان يخبئ المطبوعات في الغابة. وذات مرة، طمر حقيبتين مليئتين بالكتب ووضع علامة واضحة على ذلك الموقع. لكنّ عاصفة هوجاء هبّت في تلك الليلة ومحت العلامة. فحاول كارليس التفتيش عن الحقيبتين دون جدوى. ولا تزال الحقيبتان مطمورتين حتى اليوم في مكان ما من الغابة.
خلال فصل الصيف، عقد الاخوة الاجتماعات في الغابات وعلى شواطئ البحر والبحيرات. وعلى غرار الاخوة في سائر البلدان السوفياتية، اغتنموا الاعراس والمآتم لإلقاء محاضرات مؤسسة على الكتاب المقدس. خلال الستينات والسبعينات، كان اخوة مثل ڤليارد كارنا وسيلڤر سِليكسار ولمبت توم يأتون بشكل منتظم من استونيا الى لاتفيا لإلقاء الخطابات وجلب المطبوعات وجمع التقارير من الناشرين المعتمدين البالغ عددهم نحو ٢٥ شخصا. وكم كانت فرحة الاخوة المحليين كبيرة لأنهم تمكنوا من الحصول على مجلة برج المراقبة بالروسية! وقد ترجم هذه المجلة الى اللاتفية پاولس وڤالييا بيرڠمانيس، وكانا يدوّنان ترجمتهما على دفاتر مدرسية.
«لم نكن نملك سوى نسخة واحدة من برج المراقبة»
خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي، كان الاخوة في استونيا يأتون من روسيا بميكروفيلم لمجلة برج المراقبة ثم يهرِّبونه الى لاتفيا. وبما ان
التصوير الفوتوغرافي كان هواية شائعة آنذاك، تمكن الاخوة من تظهير المجلة في البيت، نسخها، وتوزيعها. فضلا عن ذلك، كان الاخوة في بعض البلدان الاخرى ولا سيما اوكرانيا وليتوانيا يرسلون من حين الى آخر مطبوعات اضافية الى لاتفيا بالطريقة نفسها.تتذكر ڤيدا ساكالاوسكياني التي كانت آنذاك في العاشرة من عمرها تقريبا: «لم نكن نملك سوى نسخة واحدة من برج المراقبة». وتضيف: «لفترة من الوقت، كان كل فريق يحصل على نسخة واحدة من المجلة التي تُظهَّر على ورق فوتوغرافي. فتُمرَّر هذه النسخة من عائلة الى اخرى بحيث يتمكن الجميع من قراءتها وأخذ الملاحظات. ولم يكن بإمكاننا ان نحتفظ بها لأكثر من ٢٤ ساعة. وفي الاجتماع، كان المدير يستعمل المجلة، في حين نجيب نحن عن الاسئلة مستندين الى ذاكرتنا او ملاحظاتنا». لقد ساعد هذا التدبير الروحي ڤيدا على اتخاذ موقف الى جانب الحق اثناء وجودها في المدرسة. كما ساعد اخاها، رومُوالداس، ان يحافظ على استقامته خلال سجنه بسبب الحياد المسيحي.
شتى الناس يقبلون الحق
لعبت ڤيرا پيتروڤا دورا فعالا في الحزب الشيوعي طوال ٢٧ سنة. تقول: «كانت احدى مهماتي الذهاب الى الكنيسة لمعرفة عدد اعضاء الحزب الشيوعي الموجودين هناك وإعلام المسؤول المحلي بذلك. في تلك الفترة، اعتنقت اختي الكبرى الحق وبدأت تشهد لي. فأثار كلامها اهتمامي، وطلبت كتابا مقدسا من كاهن ارثوذكسي روسي.
فسألني: ‹لماذا تحتاجين الى كتاب مقدس؟›.
اجبتُه: ‹اريد ان اعرف ما اذا كانت تعاليمكم تنسجم معه›. لكنه لم يتمكن من اعطائي كتابا مقدسا، فحصلت على نسخة من مصدر آخر وبدأت اقرأها. وسرعان ما اكتشفت ان تعاليم الكنيسة غير مؤسسة عليه. واستمررت في التقدم روحيا، فتركت الحزب الشيوعي واعتمدت سنة ١٩٨٥».
قبل الحرب العالمية الثانية، تزوجت الممرضة تيوفيليا كالڤيتيه محافظ دوغاڤپيلس. لكن من المؤسف ان زوجها فُقدَ خلال احدى المعارك في بداية الحرب. وواجهت تيوفيليا مشقات عديدة، كما رأت كثيرين يقاسون الالم والموت. بعد الحرب، اصبحت تيوفيليا رئيسة الصليب الاحمر في لاتفيا. وقد منحتها الدولة ما لا يقل عن ٢٠ جائزة خلال السنوات الـ ٦١ التي قضتها في الحقل الطبي. عندما كانت تيوفيليا في الـ ٦٥ من عمرها تقريبا، التقت بالاخت پولين سيروڤا التي اوضحت لها من الكتاب المقدس سبب سماح اللّٰه بالشر. فاعتنقت تيوفيليا الحق وحظيت بعد ذلك بالامتياز العظيم ان تساعد الناس على استعادة عافيتهم الروحية. وقد بقيت امينة حتى موتها سنة ١٩٨٢.
«هذا قاموس»
سنة ١٩٨١، حُكم على يوري كاپتولا البالغ من العمر ١٨ سنة بالسجن ثلاث سنوات بسبب حياده المسيحي. يخبر يوري: «قضيت سنتين في سيبيريا، حيث عشنا في الخِيَم وعملنا في الغابات حتى عندما كانت الحرارة تنخفض الى ما دون الـ ٢٢ درجة فهرنهايت [٣٠ درجة مئوية تحت الصفر]. * لكنّ يهوه كان يعتني بي دوما من الناحية الروحية. مثلا، وضعت امي ذات مرة نسخة من الاسفار اليونانية في صرّة الطعام التي ارسلتها الي. فرأى الحارس الكتاب فيما كان يتفحص الصرّة.
فسألني: ‹ما هذا؟›
«وقبل ان اجيب، بادر مفتش كان يقف على مسافة قريبة بالقول: ‹هذا قاموس›، وسمح لي بالاحتفاظ به.
«أُطلق سراحي سنة ١٩٨٤. وعوض ان استقر في بلدي اوكرانيا، انتقلت الى ريغا حيث انضممت الى فريق صغير من الشهود طوال سنتين تقريبا. ولكن بما ان لاتفيا كانت لا تزال جزءا من الاتحاد السوفياتي، دُعيتُ مجددا الى الخدمة في الجيش. فماذا حدث؟ في ٢٦ آب (اغسطس) ١٩٨٦، حُكم علي مرة ثانية بالاشغال الشاقة طوال اربع سنوات في لاتفيا. وبعد ان سُجنت فترة من الوقت في ريغا، نُقلت الى معسكر قرب مدينة ڤالميرا. وفي اوائل سنة ١٩٩٠، عُقدت جلسة استماع للنظر في قضية إطلاق سراحي. وخلال الجلسة، قال لي القاضي: ‹يوري، ان الحكم الذي صدر بحقك منذ اربع سنوات كان غير قانوني. ما كان عليهم ادانتك›. وهكذا صرت حرًّا فجأة».
سنة ١٩٩١، صار يوري عضوا في الجماعة الوحيدة في لاتفيا وكان احد الشيخين المعيَّنَين فيها. يكتب: «كان الحقل قد ابيضّ للحصاد».
حين وصل يوري الى لاتفيا اول مرة، تحدث الى امرأة كانت تنظف المكان حول احد المدافن. يتذكر يوري: «عندما سألتها لماذا تبدو الحياة قصيرة جدا، اقتربت مني بضع خطوات ورحنا نتحادث. وما هي إلّا دقائق قليلة حتى انقطع غصن كبير من احدى الاشجار وارتطم بالارض تماما حيث كانت تعمل. ولو بقيت واقفة مكانها لسُحقت لا محالة. اعطتني هذه المرأة عنوانها ورتبتُ أن تزورها احدى الاخوات. وفي سنة ١٩٨٧، اعتمدت هي وابنها وزوجته».
انهم يحبّون الناس لا التنعُّم بالحياة
بغية دعم عمل الملكوت، انتقل الى لاتفيا احداث كثيرون من مختلف انحاء الاتحاد السوفياتي. وكانوا مستعدين للقيام بالتضحيات رغم ان حياتهم لم تكن سهلة. على سبيل المثال، تمكنت آنّا باتْنيا، التي تخدم الآن كفاتحة خصوصية، من ايجاد عمل في معمل خياطة ومأوى في نزل صغير. تخبر:
«كانت ظروفنا صعبة جدا. فكنا نشهد بشكل غير رسمي للناس قرب الكنائس وفي القطارات والمحطات والحدائق والمقابر.«اثناء الكرازة في القطارات التي غالبا ما تكون مزدحمة جدا، كنا نذهب اثنين اثنين. فنتنقل من حافلة الى اخرى، يتحدث احدنا الى الناس فيما يراقب الآخر المكان. وفي غالبية الاوقات، كان الناس حولنا يشاركون في المناقشة. نتيجة لذلك، كانت تنهال علينا احيانا الاسئلة من كل الاتجاهات. وعندما يتوقف القطار، كنا ننتقل الى حافلة اخرى اذا لزم الامر. وكم كانت فرحتنا كبيرة عندما لمسنا بركة يهوه على خدمتنا!».
سمعت آنڠيلْيينا تْسڤيتكوڤا الحق للمرة الاولى بعدما انتهت من صلاة في الكنيسة. تروي: «سنة ١٩٨٤، اقتربت مني ألدْوونا دْرونيوكا، واحدة من شهود يهوه، وسألتني إن كنت قد قرأت الكتاب المقدس. فأجبتها: ‹لقد قرأت مقاطع منه. لكني لا افهمه ولديَّ اسئلة كثيرة›. فتبادلنا عنوانَي سكننا وصرنا نناقش كلمة اللّٰه بانتظام. بعد عدة اشهر دعتني ألدْوونا الى حضور حفل زفاف في ليتوانيا فلبّيت دعوتها. كان هنالك نحو ٣٠٠ شخص في الحفل. وأصغينا الى عدة خطابات مؤسسة على الكتاب المقدس الواحد تلو الآخر، مما اوقعني في الحيرة بعض الشيء.
«في تلك المناسبة علمت انني ادرس مع شهود يهوه وأن الزفاف الذي احضره هو في الواقع محفل. رغم هاتين المفاجأتين، مسّت محبة ووحدة
هؤلاء الناس المتواضعين قلبي. فاعتمدت سنة ١٩٨٥ وانخرطت في عمل الفتح سنة ١٩٩٤. والآن خمسة من اولادي الستة معتمدون، وولدي الاصغر هو ناشر غير معتمد».عقد الاجتماعات بشكل علني
في اواسط ثمانينات القرن العشرين، صارت السلطات في العديد من البلدان الشيوعية أقل تشددا من سابق عهدها، مما اتاح لشهود يهوه
الاجتماع معا بشكل علني. وفي سنة ١٩٨٩، حضر نحو ٥٠ مندوبا من لاتفيا محفل «التعبد التقوي» الكوري في بولندا. تقول مارييا اندريشاكا، التي تخدم الآن كفاتحة خصوصية: «شكّل وجودي بين كل هؤلاء الاخوة والاخوات نقطة تحول في تقدُّمي الروحي».وفي سنة ١٩٩٠، حضر ايضا اكثر من ٥٠ مندوبا من لاتفيا محفل «اللغة النقية» الكوري في بولندا. كانت آنّا مانتشينسكا بين الذين بذلوا
قصارى جهدهم ليتمكنوا من حضور ذلك المحفل. تتذكر قائلة: «وأنا في طريقي الى محطة القطار، اكتشفت انني نسيت بعض الوثائق التي احتاج اليها لعبور الحدود. لذلك ركبت سيارة اجرة وعدت الى البيت. جلبت الاوراق اللازمة ورجعت الى المحطة، لكنّ القطار كان قد انطلق. فأسرعت متوجهة الى المحطة التالية، وهذه المرة وصلت متأخرة ايضا. في النهاية، استقللت سيارة اجرة الى ليتوانيا وتمكنت من اللحاق بالقطار في محطة تبعد ١٥٥ ميلا [٢٥٠ كيلومترا] عن ريغا. كانت أُجرة السيارة مرتفعة جدا، لكنّ حضور المحفل استحق العناء». وآنّا هي اليوم عضو في عائلة بيت ايل في لاتفيا.سنة ١٩٩١، تمكن الاخوة اخيرا من عقد المحافل علنا في عدد من الجمهوريات السوفياتية السابقة. فسافرت عدة باصات مليئة بالمندوبين من لاتفيا الى تالين بأستونيا لحضور محفل «محبّو الحرية الالهية» الكوري. وكم كان محور هذا المحفل ملائما!
اقنعتْ روتا باراكاوسكا من فاينودي زوجها غير الشاهد أدولفس ان
يرافقها الى تالين. يقول أدولفس: «لم أنوِ حضور المحفل، بل كنت سأذهب لشراء قطع غيار لسيارتي. ولكن بعد حضور الفترة الاولى، تأثرت جدا بالخطابات، المودة التي يعرب عنها شهود يهوه، كلامهم البناء، والمحبة التي يظهرونها واحدهم نحو الآخر. فاندفعت الى حضور المحفل بكامله. وبعد العودة الى ديارنا بدأت ادرس الكتاب المقدس وعملت جاهدا على ضبط طبعي الحاد. وسنة ١٩٩٢، انضممت الى زوجتي في خدمة اللّٰه وصرت شاهدا ليهوه معتمدا».في اوائل التسعينات، لم يكن بإمكان الاخوة في لاتفيا استئجار مواقع ملائمة لعقد المحافل الكورية. لذلك كانوا يذهبون بشكل اساسي الى استونيا وليتوانيا لحضور المحافل. وكان محفل «طريق اللّٰه للحياة» اول محفل كوري يُعقد في لاتفيا. وقد عُقد هذا المحفل سنة ١٩٩٨ في قاعة كبيرة للالعاب الرياضية في ريغا. قُسمت القاعة الى ثلاثة اقسام: واحد للناطقين باللغة اللاتفية، والثاني للروسية، والثالث للغة الاشارات اللاتفية. وبعد الصلاة الختامية، صفّق الجميع وذرف كثيرون دموع الفرح تعبيرا عن شكرهم ليهوه على هذا الحدث البارز.
فترة من النمو السريع
بعد سقوط النظام الشيوعي، تقدم العمل في لاتفيا بشكل ملحوظ، مع ان الشهود هناك كانت تنقصهم المهارة في تقديم العروض في خدمة الحقل. ويعود ذلك الى ان خدمتنا للملكوت لم تكن متوفرة باللاتفية قبل سنة ١٩٩٥. لكنّ الاخوة عوّضوا عن هذا النقص بإعرابهم عن غيرة بارزة في الخدمة. تصف داتسي شْكييپْسنا كيف سمعت الحق للمرة الاولى: «سنة ١٩٩١، اشتريت من احد الاكشاك على جانب الطريق كتابا يتحدث عن الهاوية والحياة بعد الموت. وبعد ان سرت مسافة قصيرة سمعت صوتا ورائي يقول: ‹لقد اشتريتِ سمًّا›.
«عند سماع هذه الكلمات جمدتُ في مكاني. فاقترب مني رجل وزوجته
من شهود يهوه وعرّفاني بنفسيهما ثم تحدثنا عن الكتاب المقدس. وقد تطرّقنا الى مواضيع مختلفة: هادِس، نار وادي هنّوم، عيد الميلاد، الصليب، والايام الاخيرة. لا شك ان بعض النقاط كانت غامضة بالنسبة اليَّ لكني احببت ما سمعته، فتبادلنا ارقام الهاتف. وعلى مرّ الاسابيع التالية، اجاب هذان الزوجان عن الكثير من اسئلتي المتعلقة بالكتاب المقدس».«انني سعيد لأني لم اتراجع»
كان يانيس فولكمانِس بطلا في رفع الاثقال في الاتحاد السوفياتي، وفي مبارياته الاخيرة في آذار (مارس) ١٩٩٣ اصبح بطل لاتفيا. يروي يانيس: «سنة ١٩٩٢، دعاني زميلي في العمل يانيس تْسييلاڤس كي احضر درسه
في الكتاب المقدس. فغيّر هذا الدرس حياتي. وبعد ثلاثة اشهر من فوزي في بطولة لاتفيا في رفع الاثقال، صرت ناشرا للملكوت واعتمدت في آب (اغسطس) ١٩٩٣. كان مدرِّبي يستاء عندما اكرز في النادي الرياضي. غير انني سعيد لأني لم اتراجع وأتوقف عن الكرازة. وصديقاي إدواردس آيهنباومس وإدڠارس برانتسس سيوضحان السبب».يقول إدواردس: «عرض علي يانيس فولكمانِس درسا مجانيا في الكتاب المقدس. فأجبته: ‹اذا كان حقا درسا مجانيا، يمكننا ان نبدأ الآن›. وهذا ما حصل بالفعل. لقد راقني ما تعلمته، وخصوصا تعليم القيامة الذي بدا لي منطقيا اكثر من عقيدة خلود النفس. ثم بدأت زوجتي ايضا تدرس الكتاب المقدس، واعتمدنا كلانا سنة ١٩٩٥».
ويذكر إدڠارس: «كان يانيس يشهد بغيرة في النادي الرياضي. وقد عرض علي اربع مرات درسا في الكتاب المقدس لكني رفضت. إلّا انني قبلت مجلتَي برج المراقبة و استيقظ! وكتاب يمكنكم ان تحيوا الى الابد في الفردوس على الارض. في تلك الاثناء، كنت اسأل نفسي باستمرار: ‹لماذا يهتم رياضي مشهور مثل يانيس بالكتاب المقدس؟›. وفي النهاية، طغى عليّ فضولي فبدأت ادرس الكتاب المقدس. وماذا كانت النتيجة؟ اعتمدت سنة ١٩٩٥، وأنا اخدم الآن كفاتح خصوصي».
بالنسبة الى البعض، تطلّب ارضاء اللّٰه التغلب على عاداتهم السيئة. على سبيل المثال، عانى آيڤارس ياتسكيڤتشس من مشكلة الاسراف في الشرب. يقول: «كنت اسرف في الشرب في نهاية الاسبوع، فأبدأ بالبيرة صباحا تليها قنينة ڤودكا. وفي احدى امسيات كانون الثاني (يناير) ١٩٩٢، كنت جالسا في بيتي ويدي المضمّدة معلّقة برباط ملفوف حول رقبتي. فقد تعرضت للسرقة وأنا تحت تأثير المسكر. كنت اشعر في تلك الامسية باكتآب شديد حتى انني فكّرت في الانتحار. ثم سمعت قرعا على الباب. كان الطارق جاري، الذي ناقش معي في عدة مناسبات مواضيع من الكتاب المقدس. فتحدثنا معا، ثم عرض عليّ درسا في الكتاب المقدس فوافقت.
«كنت امتنع عن الشرب في الايام التي عقدنا فيها الدرس، الامر الذي ساعدني على التقدم. وبعد ان عرفت الحقيقة عن حالة الموتى وأنني لن احترق في نار الهاوية التي طالما أخافتني، بدأت ادرس ثلاث مرات في الاسبوع. وبعد اقل من اربعة اشهر، صرت ناشرا غير معتمد. لكنّ الكتاب المقدس يحذرنا: ‹مَن يظن انه قائم فليحترز لئلا يسقط›. وفي احدى المناسبات، انحمقت وقضيت امسية برفقة اشخاص طائشين، وأسرفت في الشرب. فراودتني مجددا فكرة الانتحار. لكنّ يهوه رحيم وصبور. فقد هبّ بعض الاخوة المحبين لمساعدتي. ويا للدرس الذي تعلمته آنذاك! سنة ١٩٩٢ اعتمدت، وأنا اليوم عضو في عائلة بيت ايل في لاتفيا». — ١ كورنثوس ١٠:١٢؛ مزمور ١٣٠:٣، ٤.
اضطر ماريس كرومِنيش، الذي يخدم حاليا في بيت ايل، ان يصنع
تغييرات جذرية في حياته بغية خدمة يهوه. يوضح ماريس: «بعد ان خدمت في القوات المسلحة، خاب املي بالحياة. ولاحقا، طُردت من الجامعة لأني فوتُّ بعض المحاضرات. فشعرت بالضياع، وتورطت في اعمال اجرامية. وذات ليلة، اعتُقلت بسبب اشتراكي في شجار نشب نتيجة الاسراف في الشرب. وفيما انا قابع في زنزانتي، فكّرت في القوانين التي انتهكتها واستنتجت ان العديد منها انبثق من قوانين اللّٰه. وللمرة الاولى في حياتي، صليت الى اللّٰه طالبا الغفران وأقسمت ان ابحث عنه.«بعد اطلاق سراحي من السجن، لجأت الى عدة كنائس لكنّ املي كان يخيب في كل مرة. لذلك بدأت اقرأ الكتاب المقدس وكتبا دينية اخرى. سنة ١٩٩٠، كنت مسافرا بالقطار حين التقيت زميلا لي من ايام المدرسة وعلمت انه اصبح واحدا من شهود يهوه. وخلال هذه الرحلة القصيرة، فتح يهوه قلبي وأصغيت الى صديقي القديم الذي اوضح لي قصد اللّٰه للبشر وسبب الالم الذي يعانيه الناس حول العالم. فبدأت ادرس وصرت ناشرا سنة ١٩٩١، ثم اعتمدت في سنة ١٩٩٢. وبعد سنة، اصبحت عضوا في
عائلة بيت ايل في لاتفيا. وفي سنة ١٩٩٥ تزوجت فاتحة فنلندية اسمها سيمونا».كان إدڠارس اندزِليس طالبا في كلية الحقوق. يقول: «في اوائل تسعينات القرن العشرين، كان التغيير السياسي يلوح في الافق. كنت آنذاك في كلية الحقوق في ريغا. ولاحظت ان تلاميذ كثيرين يبحثون في القصد من الحياة. فقرأت كتبا عن الفلسفة والاديان الشرقية. كما مارست فنا من فنون القتال يدعى الأيكيدو. ثم التقينا انا وزوجتي إليتا بشهود يهوه.
فيلبي ١:٧.
«حين حضرنا اجتماعا للمرة الاولى، رحّب بنا الاخوة الذين يتكلمون اللاتفية والروسية ترحيبا حارا. فتركَتْ فينا هذه المحبة الاصيلة اثرا كبيرا. في الفترة نفسها تقريبا، ذكر مدرِّبي ان لا احد يصل الى درجات متقدمة في فن الأيكيدو ما لم يكن من المنتمين الى البوذية الزنِّية. فصدمني كلامه وحدا بي الى التوقف عن ممارسة هذا الفن. بُعيد ذلك، قصصت شعري الطويل واعتمدت انا وإليتا في آذار (مارس) ١٩٩٣. ومذاك حظيت بامتياز استخدام خبراتي القانونية في ‹الدفاع عن البشارة وتثبيتها قانونيا› في لاتفيا». —الايمان المسيحي تحت الامتحان
سنة ١٩٩٣، امتُحن ايمان اربع تلميذات في مدرسة للموسيقى في يلڠاڤا. فقد طُلب من جوقتهن الغناء اثناء الاحتفال بعيد الاستقلال. ورغم ان هؤلاء الفتيات كنّ قد اعتنقن الحق حديثا، صممن على ارضاء اللّٰه. لذلك كتبن رسالة الى قائد الجوقة يطلبن فيها باحترام ان يعفيهن من هذه المهمة بسبب ضميرهن المسيحي. فماذا كان ردّ فعل القائد؟ كتب انذارا الى ذوي الفتيات مهدِّدا بطردهن من المدرسة ان لم يشاركن في الغناء. إلّا ان هؤلاء الفتيات أطعن يهوه على غرار العبرانيين الثلاثة. — دانيال ٣:١٤، ١٥، ١٧؛ اعمال ٥:٢٩.
كانت داتسي پونتسولي احدى هؤلاء الفتيات. تقول: «ان الصلاة للّٰه
ودعم الاخوة ساعدانا ان نبقى امينات. صحيح اننا طُردنا من المدرسة، لكني لم اندم قط على ثباتي الى جانب الحق. لقد اعتنى بي يهوه فعلا. فبعد اشهر قليلة وجدت عملا في مكتب محاماة أكسبني خبرة قيِّمة. وقد ساعدتني هذه الخبرة لاحقا في بيت ايل، حيث اخدم منذ سنة ٢٠٠١».بالاضافة الى ذلك، امتُحنت استقامة البعض في مسألة الدم. ففي ٦ ايلول (سبتمبر) ١٩٩٦، صدمت احدى السيارات يلْيينا ڠودلييڤْسكايا البالغة من العمر ١٧ سنة، فأصيبت بكسور عديدة في حوضها. وطبعا، قررت يلْيينا الناضجة روحيا ان تمتنع عن الدم. (اعمال ١٥:٢٩) لكنّ غالبية الاطباء في لاتفيا في تلك الفترة كانوا يجهلون تقنيات الجراحة دون دم. لذلك رفض اطباؤها اجراء العملية لها. وبعد اسبوع تقريبا، قام طبيبان بنقل الدم اليها عنوة في وقت متأخر من الليل، وماتت يلْيينا بعد ذلك.
لم تكن مارينا، والدة يلْيينا، شاهدة آنذاك. تقول: «كان من المدهش رؤية ايمان ابنتي القوي بيهوه ووعوده. فهي لم تساير البتة». والآن، مارينا هي شاهدة ليهوه معتمدة، وهي وعائلتها يتوقون الى الوقت الذي فيه سيعانقون يلْيينا عند قيامتها. — اعمال ٢٤:١٥.
رجال ناضجون روحيا يسدّون حاجة مهمة
ان النمو السريع في عدد الناشرين انشأ الحاجة الى رجال ناضجين روحيا يتولون القيادة. وفي سنة ١٩٩٢، عُرض على ثلاثة اخوة نشأوا في الولايات المتحدة ويتكلمون اللاتفية ان يخدموا كمرسلين في لاتفيا. وهؤلاء الاخوة هم ڤالدِس پورِنيش الذي رافقته زوجته ليندا، وألفردس إلكْسْنس الذي رافقته ايضا زوجته دوريس، وإڤارس إلكْسْنس اخو ألفردس. وصل هؤلاء الخمسة جميعهم الى ريغا في تموز (يوليو) ١٩٩٢. وأصبحت شقتهم المؤلفة من اربع غرف بيتا للمرسلين، مخزنا للمطبوعات، ومركزا للترجمة.
من المساعد ان يتحلى المرء بروح الفكاهة عند تعلم لغة جديدة. تروي دوريس إلكْسْنس: «كنت اعقد درسا في الكتاب المقدس مع شابتين. وحاولت اثناء الدرس ان اوضح لهما كيف تكلم الشيطان مع حواء من خلال حية. لكنني استعملت كلمة لاتفية لفظها مشابه للفظ كلمة ‹حية›. فكانت النتيجة انني جعلت ابليس يتحدث من خلال خنزير».
سنة ١٩٩٤، اتى پيتر وجين لوترس من اوستراليا الى لاتفيا. وُلد پيتر الذي اعتمد سنة ١٩٥٤ في لاتفيا ونشأ في اوستراليا. لكن من المحزن ان جين التي استمالت قلوب الجميع بمحبتها ولطفها فارقت الحياة سنة ١٩٩٩. فقرر پيتر ان يبقى في لاتفيا، وهو يخدم الآن في لجنة الفرع. يخبر: «عندما وصلنا، وجدنا ان الاخوة في لاتفيا كارزون غيورون. لكنّ المقاطعات لم تكن قد قُسّمت ولا عُيّنت للجماعات. حتى ان بعض اجزاء ريغا لم تكن قد خُدمت بعد. كما ان جماعات قليلة فقط كانت تُلقى فيها خطابات عامة بشكل منتظم. فعولجت هاتان المسألتان على الفور».
خريجو جلعاد يدعمون عمل الكرازة
في مستهل سنة ١٩٩٣ وصل المرسلون الاوائل المدرَّبون في جلعاد. فقد عُيِّن زوجان من السويد، هما اندِرس بيريلوند وزوجته أڠنْيتا وتوريني فريدلوند وزوجته لْيينا، للخدمة في مدينة يلڠاڤا التي تضم اكثر من ٠٠٠,٦٠ نسمة بينهم ٢٨ ناشرا. يقول اندِرس الذي يخدم حاليا كعضو في لجنة الفرع: «لدى وصولنا، رافقنا الاخوة في خدمة الحقل، وقد أبقونا منشغلين. ففي بعض الايام، كنا نتنقل معهم من درس الى آخر طوال سبع او ثماني ساعات دون التوقف لتناول الطعام حتى. كانت غيرتهم مشجعة للغاية. وكثيرون من هؤلاء التلاميذ هم الآن في الخدمة كامل الوقت».
ويتذكر توريني فريدلوند قائلا: «بعد اخذ مقرر لغوي دام ثلاثة اشهر شعرنا اننا جاهزون للابتداء بمحادثة بمفردنا. فاخترنا مقاطعة لم تُخدم منذ الحرب العالمية الثانية، إلّا ان الناس لم يهتموا برسالتنا. فهل كانت المشكلة في اسلوبنا؟ بعد مناقشة المسألة جرّبنا اسلوبا آخر. فصرنا نقرأ آية عند كل باب، الامر الذي أدّى الى تأسيس عدة دروس».
في نيسان (ابريل) ١٩٩٥، وصل الى لاتفيا المزيد من خريجي جلعاد. كان بينهم باسي بريمان وزوجته هايدي من فنلندا، اللذان يخدمان حاليا في العمل الجائل في دائرة ناطقة بالروسية. يقول باسي: «طلبت من الاخوة المحليين ان يصححوا الاخطاء التي ارتكبها اثناء التحدث في الخدمة. وقد فعلوا ذلك بحماسة، مصححين اخطائي على الفور ليس فقط في الحقل بل ايضا خلال الاجتماعات. وكم اشعر بالفرح الآن عندما اسمع الاخوة يقولون: ‹لقد اصبح باسي واحدا منا›!».
خدم كارستن وياني ايستروپ جنبا الى جنب في لاتفيا، الى ان خسرت ياني معركتها مع السرطان وهي لا تزال في ثلاثيناتها. يقول كارستن: «ان افضل طريقة لإكرام يهوه هي مواصلة تعييني الارسالي بأمانة». فيا للمثال الذي يرسمه اخوة كهؤلاء!
وصول خريجي مدرسة تدريب الخدام
ابتداءً من سنة ١٩٩٤، عُيِّن للخدمة في لاتفيا اكثر من ٢٠ شخصا تخرجوا من مدرسة تدريب الخدام. وقد اتى هؤلاء من ألمانيا، بريطانيا، وبولندا. وأول الواصلين كان ميكال اوزْسن وياس كْيير نيلسن من الدانمارك. وقد عيِّنا في مدينة دوغاڤپيلس الصناعية، ثاني اكبر مدينة في لاتفيا.
يذكر ياس: «بعد ظهر احد ايام كانون الثاني (يناير) الباردة، انطلقنا الى دوغاڤپيلس التي تقع على بعد نحو ١٥٠ ميلا [٢٤٠ كيلومترا] جنوب شرق ريغا. كان الثلج يتساقط في ريغا حين صعدنا الى الشاحنة القديمة المليئة بالمطبوعات. ولم يكن الاخ الذي يقود الشاحنة يتكلم الانكليزية ولم نكن نحن نتكلم اللاتفية ولا الروسية. وكان الاخ يتوقف كل ٣٠ ميلا [٥٠ كيلومترا] تقريبا ويعبث بالمحرك. لم ندرِ ماذا كان يحاول فعله، لكنه بالتأكيد لم يصلح جهاز التدفئة. فقد كان الجو باردا داخل الشاحنة تماما كخارجها. وفي آخر هذه الرحلة المتعبة جدا، وصلنا الى دوغاڤپيلس نحو منتصف الليل. كان هناك آنذاك ١٦ ناشرا في المدينة. ولكن بحلول نهاية السنة التالية، تضاعف هذا العدد تقريبا».
الترجمة الى اللاتفية
قبل سنة ١٩٩٢، كانت المطبوعات متوفرة بشكل رئيسي بالروسية، لغة كانت تتكلمها غالبية اللاتفيين. لكنّ كثيرين فضَّلوا لغتهم الام. يذكر احد التقارير: «من الجدير بالملاحظة انه بين المئات القليلة من الناشرين الجدد امتلك البعض مهارات في الترجمة. وقد لمسنا كيف وجّه اللّٰه بواسطة روحه القدس عمل هؤلاء الشبان والشابات الطوعيين».
وبفضل العمل الدؤوب الذي قام به هؤلاء المترجمون، صارت تصدر طبعات شهرية من برج المراقبة باللاتفية بدءا من كانون الثاني (يناير) ١٩٩٥. ثم في كانون الثاني (يناير) ١٩٩٦، صارت هذه المجلة نصف شهرية. والمطبوعات الاخرى المتوفرة حاليا باللاتفية تشمل عددا من الكتب والكراسات، فضلا عن مجلة استيقظ!.
في اوائل سنة ١٩٩٣، انتقل فريق الترجمة من مقره الصغير في بيت المرسلين في ريغا الى شقة في شارع بْريڤيباس. ثم في آب (اغسطس) ١٩٩٤، انتقلوا الى مكاتب مرممة حديثا في ٤٠ مييرا ستريت. فكيف حصل الاخوة على هذه المكاتب الجديدة؟
هبة سخية
كان جورج هاكمانِس وزوجته زيڠرد بين اللاجئين الذين غادروا لاتفيا خلال الحرب العالمية الثانية. تعلّم هذان الزوجان الحق في لندن بإنكلترا، واعتمدا سنة ١٩٥١. وفي السنة التالية هاجرا الى الولايات المتحدة ليعودا سنة ١٩٩٢ الى لاتفيا ويبقيا في هذا البلد مدة خمس سنوات.
بعد ان استقلت لاتفيا عن الاتحاد السوفياتي سنة ١٩٩١، تمكن الناس من استرداد ملكياتهم التي استولت عليها الدولة. وقد احتفظت زيڠرد وأختها، وهي ايضا شاهدة، بوثائق ممتلكات العائلة طوال اكثر من ٥٠ سنة. وهكذا تمكنتا من استعادة ملكيتهما في ٤٠ مييرا ستريت. بعد ذلك، تبرعتا بها لهيئة يهوه. لاحقا، حوّل الاخوة المبنى الى مركز للترجمة مؤلف من خمسة طوابق وجهّزوه ليقيم فيه ٢٠ شخصا.
حضر مِلتون ج. هنشل من الهيئة الحاكمة التدشين في ٢٠ آب (اغسطس) ١٩٩٤. وخلال وجوده هناك، نصح الاخوة بشراء الملكية المحاذية في ٤٢ مييرا ستريت، التي تضمنت مبنى مؤلفا من ستة طوابق. ووافق صاحب الملكية الذي يعيش في الولايات المتحدة على بيعها. فرُمِّم ايضا هذا المبنى بالكامل، وأصبحت عائلة بيت ايل مؤلفة من ٣٥ عضوا. وبفضل التوسع الاضافي الذي حدث منذ ذلك الحين، صار بيت ايل يضم مكاتب وغرفا تتسع لـ ٥٥ شخصا يخدمون اليوم هناك.
الاعتراف الشرعي
لا يزال هنالك عقبات كثيرة تقف في سبيل تسجيل العمل شرعيا في لاتفيا. ففي سنة ١٩٩٦، استخدم المسؤولون تعليقات الصحفيين السلبية على ما حدث مع يلْيينا ڠودلييڤْسكايا كأساس لرفض التسجيل الشرعي. حتى ان احد اعضاء البرلمان لمّح ان عملنا يمكن ان يُحظر. مع ذلك، استمر الاخوة يجتمعون مع المسؤولين ليوضحوا لهم ماهية عملهم كشهود ليهوه. وأخيرا، في ١٢ تشرين الاول (اكتوبر) ١٩٩٨، أعلن مدير المكتب الوطني لحقوق الانسان التسجيل الشرعي لجماعتين من شهود يهوه هما: ريغا سنتر وريغا توورْنياكالنس، وذلك كتجربة مدتها سنة واحدة. وبعد شهر، حصلت الجماعة في يلڠاڤا على تسجيل مماثل.
يتطلب القانون اللاتفي ان يُعاد تسجيل الجماعات الجديدة كل سنة. وللحصول على تسجيل دائم، يلزم ان تتسجل عشر جماعات على الاقل لمدة عشر سنوات. وفي غضون ذلك، تتمكن الجماعات التي تنتظر الحصول على التسجيل من عقد اجتماعاتها دون اي تدخل من الحكومة.
ايجاد اماكن للاجتماع
تطلَّب النمو السريع خلال التسعينات ايجاد اماكن اكبر لعقد الاجتماعات. سنة ١٩٩٧، عُرض مكان مناسب للبيع في المزاد العلني في دوغاڤپيلس. وكان الاخوة الوحيدين الذين تقدموا لشرائه، وهكذا حصلوا على المبنى. وفي كانون الاول (ديسمبر) ١٩٩٨ بدأت عمليات الترميم. وبعد ثمانية اشهر، ابتهج الناشرون في تلك المدينة الذين يفوق عددهم الـ ١٤٠ شخصا بالاجتماع في قاعة ملكوت خاصة بهم.
اكتمل بناء اول قاعة ملكوت في جورمالا سنة ١٩٩٧. وقد اندهش احد السكان الذين يدرسون الكتاب المقدس عندما رأى عمل البناء المتقن، حتى انه طلب من الشهود ان يبنوا له بيتا. طبعا، رفض الاخوة تلبية طلبه موضحين له الهدف الروحي من عملهم. في تلك الاثناء، اشترى الاخوة
بسعر مخفّض صالة سينما محروقة في توورْنياكالنس بريغا. وفي آب (اغسطس) ١٩٩٨، كان هذا المبنى المتفحِّم قد تحول الى قاعة ملكوت مزدوجة جميلة.فنلندا تمد يد العون
لعب الاخوة في فنلندا دورا كبيرا في تقدم العمل في لاتفيا، كما انهم اشرفوا على العمل هناك من سنة ١٩٩٢ حتى سنة ٢٠٠٤. علاوة على ذلك، تطبع فنلندا كل المجلات للاتفيا، وقد ارسلت على مرّ السنين عدة اخوة اكفاء لمنح التوجيهات الى الجماعات هناك. وكان بينهم يوها هوتّونن وزوجته تاينا، اللذان اتيا الى لاتفيا سنة ١٩٩٥. ويخدم يوها الآن كعضو في لجنة الفرع. وهنالك ايضا روبن وأُولّا ليند اللذان قضيا معا اكثر من ٨٠ سنة في الخدمة كامل الوقت. وقد منح هذان الزوجان دعما كبيرا للعمل في لاتفيا. كما خدم الاخ ليند في لجنة البلد طوال اربع سنوات قبل العودة الى فنلندا.
فضلا عن ذلك، قدّم اكثر من ١٥٠ اخا من فنلندا المساعدة في تنفيذ عدة مشاريع بناء. وبفضل كل هذه الاعمال التي تنم عن المحبة وبفضل بركة يهوه السخية على خدمة الناشرين والفاتحين والمرسلين، أُنشئ في ١ ايلول (سبتمبر) ٢٠٠٤ فرع في لاتفيا للاشراف على عمل شهود يهوه هناك.
حملات كرازية خصوصية
يعيش معظم الناشرين في لاتفيا في المدن والبلدات الكبيرة او ضواحيها. وفي اوائل سنة ٢٠٠١، تسلمت الجماعات رسالة تدعو الناشرين الى تخصيص جزء من عطلتهم للاشتراك في حملة خصوصية للكرازة في المناطق المنعزلة. فتطوع ٩٣ ناشرا قُسِّموا الى تسع فرق وعُيِّنوا للخدمة في عدد من البلدات والقرى الريفية.
اخذ ڤْياتشسلاڤس زايتْسڤس، وهو عضو في بيت ايل، عطلة للاشتراك في هذه الحملة. يقول: «كانت هذه فرصة رائعة للتعرف جيدا بالاخوة
والاخوات الآخرين. فبعد الانتهاء من عمل الكرازة، كنا نجلس معا لتناول وجبة طعام، نروي الاختبارات، ونخطط لليوم التالي. بعد ذلك كنا نلعب كرة القدم، ثم نحاول الهرب من شدّة الحر بالسباحة في احدى البحيرات. كان هذا كله لمحة مسبقة عن الفردوس».صرف الاخوة اكثر من ٢٠٠,٤ ساعة في الخدمة، اي ما يفوق الـ ٤١ ساعة للناشر الواحد. كما وزّعوا اكثر من ٨٠٠,٩ مطبوعة، وعقدوا اكثر من ٦٢٥,١ زيارة مكررة و ٢٢٧ درسا في الكتاب المقدس. ومذاك، تنظَّم حملات مماثلة كل سنة.
كثيرون يجدون السبيل الى الحرية الحقيقية
بدأت قصتنا مع آنس إنسبرغ، رجل من لاتفيا سكب قلبه امام اللّٰه فيما كان في عرض البحر في احدى الليالي المرصعة بالنجوم. اراد آنس ان يجد الناس الذين يعبدون اللّٰه «بالروح والحق». (يوحنا ٤:٢٤) وقد لبّى يهوه طلبه الصادق هذا. ومذاك، تعرّف اكثر من ٤٠٠,٢ شخص من المستقيمي القلب في لاتفيا على حق الكتاب المقدس، وتُعقد حاليا دروس مجانية مع عدد مماثل تقريبا. مع ذلك، لا يزال هنالك عمل كثير. — متى ٩:٣٧، ٣٨.
يفرح شهود يهوه في لاتفيا بمساعدة الذين يتوقون الى الحرية الحقيقية. لكنهم لا يوجهونهم الى ما يمثله نصب الحرية التذكاري في شارع بْريڤيباس بل الى ملكوت اللّٰه. فعما قريب، جميع الذين ينتظرون الملكوت بفارغ الصبر ويعبدون يهوه «بالروح والحق» سيتحررون من المآسي والآلام بكل ألوانها. نعم، سيختبرون الحرية الكاملة، «الحرية المجيدة لأولاد اللّٰه». — روما ٨:٢١.
[الحاشية]
^ الفقرة 53 نُشرت قصة حياة يوري كاپتولا في برج المراقبة، عدد ١ ايلول (سبمتبر) ٢٠٠٥.
[النبذة في الصفحة ١٩٠]
«لن انسى البتة يوم معموديتي. فقد غُطِّست في وقت متأخر من الليل في نهر بارد جدا. ورغم ان بدني اقشعر من شدة البرد، كان الفرح يغمر قلبي».
[النبذة في الصفحة ٢٠٣]
«سمعت صوتا ورائي يقول: ‹لقد اشتريتِ سمًّا›».
[الاطار/الخرائط في الصفحتين ١٨٤ و ١٨٥]
لمحة عن لاتفيا
اليابسة:
يبلغ عرض لاتفيا من الشرق الى الغرب نحو ٤٥٠ كيلومترا وطولها من الشمال الى الجنوب ٢١٠ كيلومترات. وتغطي الغابات حوالي ٤٥ في المئة من اراضيها. ومن الحيوانات التي تقطن هذا البلد هنالك القنادس، الايائل، الألكة، حيوانات الوَشَق، ثعالب الماء، الفقمات، الخنازير البرية، والذئاب. كما تحلّق في سمائه انواع كثيرة من الطيور مثل اللقلق الاسود، مالك الحزين، العندليب، والنقَّار.
الشعب:
يعيش اكثر من ثلث السكان البالغ عددهم ٤,٢ مليون نسمة في العاصمة ريغا. وينتمي معظم السكان إما الى المذهب اللوثري او الكاثوليكي الروماني او الكنيسة الارثوذكسية الروسية. إلّا ان غالبية اللاتفيين يدّعون انهم غير متديّنين.
اللغة:
اللاتفية والروسية هما اللغتان الرسميتان. الاولى ينطق بها نحو ٦٠ في المئة من الشعب، والثانية اكثر من ٣٠ في المئة. وكثيرون يجيدون التحدث بأكثر من لغة واحدة.
سُبُل العيش:
يعمل نحو ٦٠ في المئة في قطاع الخدمات، اما الباقون فيعملون في المصانع والمزارع.
الطعام:
تشمل المحاصيل الزراعية البطاطا، الشعير، الشمندر السكري، الحبوب، والعديد من انواع الخضر. ويربي اللاتفيون المواشي مثل الابقار، الماعز، الخنازير، والخراف. ومن الشائع ايضا تربية الطيور الداجنة.
المناخ:
مستوى الرطوبة مرتفع والسماء غائمة في غالبية الاوقات. صيف لاتفيا معتدل الحرارة، وشتاؤها ليس قاسيا جدا.
[الخريطة]
(اطلب النص في شكله المنسق في المطبوعة)
أستونيا
روسيا
لاتفيا
ڤالميرا
ريغا
جورمالا
سلوكا
توكومس
ڤينتسپيلس
كولديغا
لييپايا
فاينودي
يلڠاڤا
دوغاڤپيلس
ليتوانيا
بحر البلطيق
خليج ريغا
[الصورة]
ريغا
[الاطار/الخريطة في الصفحة ١٨٦]
اقاليم لاتفيا الاربعة
تنقسم لاتفيا بالاجمال الى اربعة اقاليم جغرافية وحضارية، لكل منها طابع مميز ورونق خاص. يتاخم الاقليمُ الاكبر ڤيدزيميه خليجَ ريغا ويضم العاصمة ريغا، فضلا عن مدينتَي سيجولدا وسيسيس المشهورتَين بقصورهما وتاريخهما العريق. وفي الشرق، يقع اقليم لاتڠايل بمنخفضاته وبحيراته الزرقاء، بالاضافة الى دوغاڤپيلس ثاني اكبر مدينة في البلد. ويقع زمڠاليه الغني بمحاصيل الحبوب جنوب غرب نهر دوجافا، الذي ينبع من روسيا البيضاء ويصب في خليج ريغا مرورا بلاتفيا. نرى في هذا الاقليم قصرَين فخمين بُنيا على الطراز الباروكي من تصميم المهندس المعماري الايطالي راستريللي، الذي صمم ايضا القصر الشتوي في سانت بيترسبرغ في روسيا. اما الاقليم الرابع فهو اقليم كورزيميه الذي يتميز بمزارعه وغاباته وشواطئه، وهو يضم ساحل بحر البلطيق، مدينتَي ڤينتسپيلس ولييپايا، والكثير من قرى صيد السمك.
[الخريطة]
(اطلب النص في شكله المنسق في المطبوعة)
١ ڤيدزيميه
٢ لاتڠايل
٣ زمڠاليه
٤ كورزيميه
[الاطار/الصورتان في الصفحتين ١٩٢ و ١٩٣]
الشهادة لرجل دين غيَّرت حياتي وحياته
آنّا باتْنيا
تاريخ الولادة: ١٩٥٨
تاريخ المعمودية: ١٩٧٧
لمحة عن حياتها: تربَّت في عائلة مسيحية في اوكرانيا وتمكنت من مساعدة ما لا يقل عن ٣٠ شخصا على اتخاذ خطوة المعمودية. وهي تخدم حاليا كفاتحة خصوصية.
انتقلتُ الى لاتفيا سنة ١٩٨٦ بعد ان علمت بالحاجة الى ناشرين في ذلك البلد. لم يكن بإمكاننا آنذاك الكرازة بشكل علني، لذا كنت اخبِّئ كتابي المقدس في كيس يحتوي بعض المشتريات وأتحدث الى الناس في المنتزهات وغيرها من الاماكن العامة. كان حديثنا يرتكز على رجاء الملكوت ولم نكن نستخدم كتبنا المقدسة إلّا عندما يُظهر الشخص اهتماما. وبما ان الناس نادرا ما دعونا الى بيوتهم خوفا من الاقارب او الجيران، كنا نلتقي المهتمين في اماكن اخرى مناسبة لعقد الدروس معهم.
كانت المطبوعات قليلة جدا، فلم يكن لدى جماعتنا سوى نسخة واحدة من كتاب الحق الذي يقود الى الحياة الابدية بالروسية، وهو احد المساعِدات على درس الكتاب المقدس. وقد استمر الوضع على هذه الحال بضع سنوات. ومع اننا استخدمنا في خدمة الحقل المعلومات التي يتضمنها هذا الكتاب، لم نستطع توزيعه على الناس الذين التقيناهم.
ذات يوم، كنت انا ورفيقتي في الخدمة نشهد قرب كنيسة حين التقينا رجل دين يدعى پْيُوتر باتْنيا. وبغية البدء بمحادثة معه، سألناه من اين يمكننا شراء كتاب مقدس. فأجاب: «انا ايضا مهتم بالكتاب المقدس»، وتلا ذلك مناقشة ممتعة. وفي اليوم التالي، التقينا پْيُوتر في حديقة قريبة، اريناه قائمة محتويات كتاب الحق، وسألناه عن الموضوع الذي يرغب في مناقشته. فاختار الفصل: «العادات الشائعة التي لا ترضي اللّٰه». وبما ان المناقشة كانت مثمرة جدا، رتَّبنا ان يعقد احد الاخوة مع پْيُوتر درسا منتظما في الكتاب المقدس.
بعد التسلّح بالمعرفة الدقيقة من الكتاب المقدس، بدأ پْيُوتر يطرح الاسئلة على رجال دين آخرين. فوجد انهم عاجزون عن الاجابة، حتى انهم لا يستطيعون شرح تعاليم الكتاب المقدس الرئيسية. بُعيد ذلك، استقال من الكنيسة ونذر حياته ليهوه.
سنة ١٩٩١، تزوجنا انا وپْيُوتر وبدأنا بعمل الفتح معا. لكن من المحزن انه مات في حادث بعد سنوات قليلة. فكيف واجهتُ هذه المحنة؟ انهمكت بشكل رئيسي في الخدمة ومساعدة الآخرين على التعرف ‹بإله كل تعزية›. (٢ كورنثوس ١:٣، ٤) وقد حظيت سنة ١٩٩٧ بامتياز الخدمة كفاتحة خصوصية.
[الصورة]
پْيُوتر
[الاطار/الصور في الصفحتين ٢٠٠ و ٢٠١]
توقي الى حكومة عادلة
إندرا رايتوپي
تاريخ الولادة: ١٩٦٦
تاريخ المعمودية: ١٩٨٩
لمحة عن حياتها: كانت شيوعية في السابق، انخرطت في خدمة الفتح سنة ١٩٩٠ وساعدت اكثر من ٣٠ شخصا على اتخاذ خطوة المعمودية.
خلال نشأتي، لم اكن أُومن باللّٰه ولا بالكتاب المقدس. مع ذلك، غالبا ما دافعت عن الصواب وتساءلتُ لماذا يفشل البشر على الدوام في تأسيس حكومة جيدة وعادلة.
عندما التقيت شهود يهوه للمرة الاولى، ادهشني ما أروني اياه من الكتاب المقدس. فقد بدت كلماتهم منطقية بالنسبة الي! وقد مسّت قلبي المعرفة عن حكومة الملكوت والعدل الذي نادى به يسوع. فاعتمدت سنة ١٩٨٩ في احدى البحيرات وبدأت بالفتح العادي بعد ستة اشهر. في ذلك الوقت، كان لدي انا وزوجي ولد واحد. وبعد فترة رُزقنا بتوأمين. مع ذلك، تمكنت من مواصلة خدمتي كامل الوقت بدعم من زوجي المحب ايڤان الذي يخدم يهوه هو ايضا.
حين كان الاولاد صغارا، غالبا ما كنت اشهد بطريقة غير رسمية في الشوارع والحدائق العامة. وفي الواقع، سهّل التوأمان عليّ ايجاد الفرص للشهادة بطريقة غير رسمية، لأنهما اثارا فضول الناس وجعلاهم يشعرون بالارتياح ويرغبون في التحدث اليَّ.
ذات يوم، التقيت سيدة تدعى آنّا اثناء الشهادة في حديقة عامة في ريغا. كانت هذه السيدة تجلس على مقعد بانتظار ان يحين موعد حفلة موسيقية سبق ان اشترت تذكرة لحضورها. إلّا ان رغبتها في معرفة المزيد عن الرجاء الذي يمنحه الكتاب المقدس للبشر طغت عليها، فلم تذهب الى الحفلة الموسيقية. قرأنا آيات عديدة معا ورتّبنا للقاء آخر في الحديقة. وبعد ستة اشهر، صارت آنّا (الى اليسار) اختا لنا، وهي تخدم الآن ضمن فريق الترجمة في الفرع. نعم، يطفح قلبي فرحا عندما اتأمل كيف يبارك يهوه خدمتي.
[الصورة]
مع عائلتي
[الاطار/الصورة في الصفحتين ٢٠٤ و ٢٠٥]
لا بد انهما عرفتا ما يجول في ذهني
اندريه ڠيڤلييا
تاريخ الولادة: ١٩٦٣
تاريخ المعمودية: ١٩٩٠
لمحة عن حياته: هذه صورته مع زوجته يلْيينا. هو يخدم كفاتح، ناظر دائرة بديل، وناظر مدينة.
كنت متوجها الى ريغا على متن قطار في كانون الثاني (يناير) ١٩٩٠ حين سألتني امرأتان هل قرأتُ الكتاب المقدس يوما. ولا بد انهما عرفتا ما يجول في ذهني لأني لطالما اردت قراءة الكتاب المقدس، لكني لم اتمكن من الحصول على نسخة منه. فأعطيت واحدة منهما تدعى إندرا رايتوپي عنواني ورقم هاتفي. (انظر الاطار في الصفحتين ٢٠٠-٢٠١.) بعد بضعة ايام، جاءتا الى منزلي وكنت انتظر زيارتهما بفارغ الصبر. لقد اعجبتني كثيرا مهارتهما في استخدام الكتاب المقدس للاجابة عن اسئلتي. بُعيد ذلك، بدأ پْيُوتر باتْنيا يدرس الكتاب المقدس معي، وهو خادم كامل الوقت كان في السابق رجل دين. — انظر الاطار في الصفحتين ١٩٢-١٩٣.
بعد اربعة اشهر، حضرت الاجتماع للمرة الاولى. خلال فصل الصيف، كانت الاجتماعات تُعقد مرة واحدة في الشهر في احدى الغابات. وكان الاجتماع يدوم من العاشرة صباحا حتى السادسة مساء وتناقَش خلاله اجزاء مختارة من مدرسة الخدمة الثيوقراطية وبرامج اجتماعات الخدمة. وفي غالبية المرات، كان يعتمد شخص ما في هذه الاجتماعات، لذلك كنا نستمع الى خطاب معمودية قبل استراحة الغداء.
فرحت جدا بالمعرفة التي نلتها حديثا وبالمحبة الاخوية التي سادت الاجتماعات. لذلك اردت ان اعتمد في اقرب وقت ممكن. وأتت الفرصة المناسبة في اواخر آب (اغسطس) من السنة نفسها، وقد اعتمدت في احدى البحيرات.
في اوائل تسعينات القرن العشرين، درست الكتاب المقدس مع عدة اشخاص في محترَفي الفني. وقد اصبح البعض منهم اخوتي الروحيين. وفي سنة ١٩٩٢، باركني يهوه بأمر اضافي ملأ قلبي سرورا، فقد اصبحت زوجتي العزيزة يلْيينا اختي الروحية.
[الاطار/الصورتان في الصفحتين ٢٠٨ و ٢٠٩]
العودة الى دياري بعد ٥٠ سنة
آرييا ب. لايڤرز
تاريخ الولادة: ١٩٢٦
تاريخ المعمودية: ١٩٥٨
لمحة عن حياتها: ولدَت في لاتفيا، وعاشت في عدة بلدان قبل عودتها الى لاتفيا للخدمة حيث الحاجة اعظم الى مبشرين.
خلال الحرب العالمية الثانية، قرّر ابي ان تحزم العائلة امتعتها وتغادر لاتفيا. بعد فترة، تزوجتُ وانتقلت انا وزوجي للعيش في فنزويلا. وهناك التقيت شهود يهوه للمرة الاولى وقبلت درسا بيتيا في الكتاب المقدس مع اخت مرسلة، وكان الدرس يُعقد بالالمانية. ولاحقا، عندما بدأت احضر الاجتماعات تعلمت الاسبانية، اللغة الرسمية في فنزويلا.
سنة ١٩٥٨، انتقلَت عائلتنا الى الولايات المتحدة حيث اعتمدتُ بعد شهرين. عندما مات زوجي، انتقلت انا وابنتي الى اسبانيا وخدمت هناك كفاتحة. كانت اسبانيا في تلك الاثناء خاضعة لحكم الجنرال فرانكو الدكتاتوري، وكان الناس الخائفون اللّٰه والمتواضعون متعطشين الى الحق. بقيت في اسبانيا ١٦ سنة حظيت خلالها بامتياز مساعدة نحو ٣٠ شخصا على اتخاذ خطوة المعمودية.
بعد انهيار الشيوعية السوفياتية سنة ١٩٩١، زرت لاتفيا وأدركت كم كانت الحاجة ماسة الى منادين بالملكوت في ذلك البلد! وفي سنة ١٩٩٤، اي بعد ٥٠ سنة تماما من مغادرتي البلد، تحقق اخيرا حلمي ان اعود الى دياري وأقوم بعمل الفتح هناك.
كان الحقل في لاتفيا قد نضج وحان وقت حصاده. مثلا، كرزت ذات يوم لرجل فطلب احد كتبنا لأن ابنته كانت مهتمة بالامور الروحية وأراد اعطاءها الكتاب. فحصلتُ منه على عنوانها وبدأت ادرس الكتاب المقدس معها، وفي غضون سنة اعتمدتْ. اشكر يهوه على منحي امتياز الخدمة كفاتحة، بالاضافة الى القوة اللازمة للقيام بهذا التعيين في بلدي الام بعد غياب دام طويلا.
[الصورة]
حين كنت في العشرين من عمري
[الجدول/الرسم البياني في الصفحتين ٢١٦ و ٢١٧]
نبذة تاريخية — لاتفيا
١٩١٦: معمودية البحار آنس إنسبرغ. بعد الحرب العالمية الاولى، يضع آنس في الصحف اللاتفية اعلانات تنادي بملكوت اللّٰه.
١٩٢٠
١٩٢٦: تأسيس مكتب في ريغا.
١٩٢٨: صدور كراس حرية للشعوب، اول مطبوعة باللاتفية. وصول موزعي المطبوعات الجائلين من المانيا.
١٩٣١: تعيين پِرسي دَنهام مديرا للمكتب.
١٩٣٣: تسجيل جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم.
١٩٣٤: الحكومة تقفل مكتب جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم.
لم نحصل على اية تقارير خلال السنوات ١٩٣٩ الى ١٩٩٢.
١٩٤٠
١٩٤٠: لاتفيا تصبح جزءا من الاتحاد السوفياتي؛ يضطر الزوجان دَنهام الى مغادرة البلد.
١٩٥١: ترحيل الشهود الى سيبيريا.
١٩٦٠
١٩٨٠
١٩٩١: لاتفيا تستعيد استقلالها السياسي.
١٩٩٣: وصول المرسلين الاوائل المدرَّبين في جلعاد.
١٩٩٥: صدور طبعات شهرية من برج المراقبة باللاتفية.
١٩٩٦: انشاء لجنة للبلد في ريغا.
١٩٩٧: بناء اول قاعة ملكوت جديدة بالكامل في جورمالا.
١٩٩٨: التسجيل الشرعي لجماعتَين في ريغا.
٢٠٠٠
٢٠٠١: تنظيم اول حملة كرازية خصوصية.
٢٠٠٤: انشاء فرع في لاتفيا في ١ ايلول (سبتمبر).
٢٠٠٦: اكمال بناء الاقسام التي أُضيفت الى الفرع؛ يخدم في لاتفيا اكثر من ٤٠٠,٢ ناشر.
[الرسم البياني]
(انظر المطبوعة)
مجموع الناشرين
مجموع الفاتحين
٠٠٠,٢
٠٠٠,١
١٩٢٠ ١٩٤٠ ١٩٦٠ ١٩٨٠ ٢٠٠٠
[صورة تغطي كامل الصفحة ١٧٦]
[الصورة في الصفحة ١٧٨]
ضمّ هذا المبنى اول مكتب لتلاميذ الكتاب المقدس تأسس في ريغا عام ١٩٢٦
[الصورة في الصفحة ١٧٨]
حمل كراس «حرية للشعوب» الذي تُرجم الى اللاتفية سنة ١٩٢٨ رسالة فرح للناس
[الصورة في الصفحة ١٧٨]
ريس تايلور
[الصورة في الصفحة ١٨٠]
فرديناند فروك، اعتمد سنة ١٩٢٧
[الصورة في الصفحة ١٨٠]
هاينرخ تْسيخ وزوجته إلسا، امام دكانهما في لييپايا
[الصور في الصفحة ١٨٣]
نقل إدوين ريدجْوِل (الى اليسار) وأندرو جاك المطبوعات الى لاتفيا سرًّا
[الصورة في الصفحة ١٨٣]
پِرسي ومادج دَنهام
[الصورة في الصفحة ١٨٣]
العاملون في المكتب وشهود آخرون في ثلاثينات القرن العشرين
[الصورة في الصفحة ١٩١]
قائمة لجنة امن الدولة التي تضم اسماء الشهود الذين أوقفوا سنة ١٩٥٠. كثيرون من هؤلاء الشهود أُرسلوا الى سيبيريا
[الصورة في الصفحة ١٩١]
سيبيريا في اوائل خمسينات القرن العشرين
[الصورة في الصفحة ١٩٤]
كان الاخوة يصغون الى المحاضرات الروحية في التجمعات الكبيرة، مثل هذا المأتم
[الصورة في الصفحة ١٩٤]
ترجم پاولس وڤالييا بيرڠمانيس «برج المراقبة» الى اللاتفية، وكانا يدوّنان ترجمتهما على دفاتر مدرسية
[الصورة في الصفحة ١٩٤]
كان الاخوة يأتون بميكروفيلم (هذا هو حجمه الفعلي) لمجلة «برج المراقبة». فيُظهِّرونها، ينسخونها، ويوزعونها
[الصورتان في الصفحة ١٩٧]
نقلت پولين سيروڤا الحق الى الممرضة تيوفيليا كالڤيتيه
[الصورة في الصفحة ١٩٩]
يوري كاپتولا عام ١٩٨١
[الصورة في الصفحة ١٩٩]
اليوم امام السجن الذي احتُجز فيه
[الصورتان في الصفحة ٢٠٢]
سنة ١٩٩٨، عُقد اول محفل كوري في لاتفيا بمحور «طريق اللّٰه للحياة»، وقد تضمن قسما بلغة الاشارات اللاتفية
[الصورتان في الصفحة ٢٠٧]
اصبح يانيس فولكمانِس ناشرا للملكوت بعد ثلاثة اشهر من فوزه في بطولة لاتفيا في رفع الاثقال
[الصورتان في الصفحة ٢٠٧]
كان ماريس كرومِنيش في السجن عندما صلّى للّٰه للمرة الاولى
[الصورة في الصفحة ٢١٠]
طُردت داتسي پونتسول من المدرسة لأنها رفضت ان تنشد اغاني وطنية
[الصورة في الصفحة ٢١٠]
ماتت يلْيينا ڠودلييڤْسكايا بعد ان نُقل اليها الدم عنوة
[الصورة في الصفحة ٢١٠]
ساهم النظار الجائلون وزوجاتهم في بنيان الجماعات
[الصورة في الصفحة ٢١٥]
عائلة بيت ايل في لاتفيا
[الصورة في الصفحة ٢١٥]
لجنة الفرع سنة ٢٠٠٦
پيتر لوترس
اندِرس بيريلوند
هانّو كانكانپا
يوها هوتّونن
[الصورة في الصفحة ٢١٥]
مباني الفرع الثلاثة في مييرا ستريت بريغا
[الصورتان في الصفحة ٢١٨]
شعب يهوه في لاتفيا يكرزون الآن بشكل علني
[الصورتان في الصفحة ٢١٨]
تحوّلت صالة السينما المتفحِّمة هذه (الى اليسار) الى قاعتَي ملكوت (ادناه)