الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

اراضي يوغوسلافيا السابقة

اراضي يوغوسلافيا السابقة

اراضي يوغوسلافيا السابقة

تتميَّز يوغوسلافيا السابقة بتنوُّع مذهل.‏ فهي بوتقة انصهرت فيها شتى الحضارات واللغات والاديان،‏ اذ تقع الى شمالها اوروبا الوسطى والشرقية وإلى جنوبها اليونان وتركيا وإلى غربها ايطاليا.‏ ولكنّ الاسم يوغوسلافيا يذكِّر كثيرين بالنزاعات والصراعات.‏ فمنذ اغتيال الأرشيدوق فرنسيس فرديناند عام ١٩١٤ الى التطهير العرقي الذي حدث في السنوات الاخيرة،‏ قلّما نعمت هذه المنطقة البلقانية بالسلام.‏ وبعدما تحاربت شعوبها لنيل استقلالها،‏ تحوَّلت جمهورياتها الى دول.‏ وفي النهاية تفككت يوغوسلافيا؛‏ وحلَّت محلها اليوم البوسنة والهرسك،‏ الجبل الاسود،‏ سلوفينيا،‏ صِربيا،‏ كرواتيا،‏ ومقدونية.‏

لكن هذا البلد شهد رغم كل النزاعات السياسية والإثنية والدينية اروع تاريخ على الاطلاق،‏ تاريخ من المحبة والوحدة والثقة.‏ فشهود يهوه هنا تغلَّبوا على التحامل والعداء اللذين مزَّقا دول البلقان.‏ وقد نجمت وحدتهم هذه،‏ رغم اختلافاتهم الحضارية،‏ عن ولائهم لأسمى حكومة:‏ ملكوت اللّٰه.‏

البداية

كيف بدأ عمل شعب يهوه في هذه المنطقة؟‏ تبدأ قصتنا مع حلّاق شاب اسمه فرانتز برانت،‏ مواطن من منطقة ڤويڤودينا في شمال يوغوسلافيا.‏ كان فرانتز قد سافر الى النمسا بحثا عن عمل.‏ وفيما هو هناك تعرَّف بالحق وجلبه معه حين عاد الى مسقط رأسه عام ١٩٢٥.‏ وانضم الى فريق صغير كان يقرأ ويناقش مساعدات على درس الكتاب المقدس بعنوان دروس في الاسفار المقدسة.‏ وكان هؤلاء قد حصلوا عليها من اقرباء لهم في الولايات المتحدة.‏

ادرك هذا الفريق ان هنالك حاجة الى الكرازة،‏ وكانت في حوزتهم نسخ من كراسين مترجمين الى اللغة الصربية يشرحان تعاليم الكتاب المقدس.‏ ولكن من المؤسف انه قبل ان يوزِّعوا هذه النسخ،‏ زارهم اخ بارز كان قد انقلب على الهيئة وشكَّل فريقا دينيا خاصا به.‏ وقد أقنع الجميع باستثناء فرانتز ان يتركوا تلاميذ الكتاب المقدس.‏

بعد ذلك انتقل فرانتز الى ماريبور في سلوفينيا،‏ حيث وجد عملا في صالون حلاقة.‏ فقدم الشهادة لصاحب الصالون ريخارت تاوتز،‏ الذي قبل الحق.‏ واستخدم فرانتز وريخارت صالون الحلاقة كمركز للكرازة،‏ فلُقِّبا بالحلّاقَين اللذين يؤمنان بالكتاب المقدس.‏ وكان زبائنهما يعيرونهما اذنا صاغية،‏ فهم لم يريدوا طبعا ان يتحركوا او يتكلموا فيما كان ذقنهم يُحلق!‏ احد هؤلاء رجل سياسة اسمه جورو جامُونْيِيه،‏ وآخر صاحب مشغل لتصليح الآلات الكاتبة اسمه رودولف كايل.‏ وقد أحرز جورو ورودولف تقدما سريعا واعتمدا.‏ فهجر جورو السياسة وساعد على تأسيس جمعية المنارة لتلاميذ الكتاب المقدس في مملكة يوغوسلافيا.‏ وهذه المؤسسة الشرعية مكَّنت الاخوة من الكرازة وعقد الاجتماعات بحرية.‏

‏«رواية الخلق المصوَّرة» تمهِّد السبيل

عام ١٩٣١،‏ ارسل مكتب فرع شهود يهوه في سويسرا اخوَين لعرض «رواية الخلق المصوَّرة» في المدن الكبرى في يوغوسلافيا.‏ فاكتظت الصالات بالمشاهدين الذين أصغوا بانتباه شديد فيما كان جورو يقدِّم المواد.‏ وقد اثارت هذه الرواية المصوَّرة اهتمام الناس بحق الكتاب المقدس في كل انحاء البلد.‏ في هذه الاثناء،‏ كان الاخوة في ماريبور يعقدون الاجتماعات باللغتين السلوفينية والالمانية،‏ والفِرَق في زغرب والمناطق المجاورة لها تجتمع لمناقشة المطبوعات التي تُرجمت الى الكرواتية.‏

بعدئذ قرَّر الاخوة البدء بترجمة برج المراقبة الى اللغتين السلوفينية والكرواتية،‏ مهمة عسيرة في تلك الايام.‏ وبعد ترجمة المجلة كانت اخت تطبعها على الآلة الكاتبة مستخدمة ورق الكربون،‏ فينتج في كل مرة ٢٠ نسخة فقط.‏ ولاحقا،‏ عندما حصل الاخوة على آلة نسخ،‏ ازداد الانتاج الى ٢٠٠ نسخة في كل مرة.‏

وإذ زُوِّد الاخوة والاخوات بهذه المجلات،‏ كانوا يذهبون بالقطار الى شتى انحاء يوغوسلافيا للكرازة.‏ وفي بعض الاحيان،‏ كان الاخوة في سلوفينيا يستأجرون شاحنة مكشوفة مع سائق من غير الشهود.‏ فكان السائق يقلّهم الى حيث يريدون وينتظرهم هناك طوال اليوم الى ان ينتهوا من الكرازة.‏ وفي تلك الايام لم يكن المنادون بالملكوت مدرَّبين جيدا،‏ فكانوا احيانا يتكلمون مع الناس بفظاظة.‏ مع ذلك بارك يهوه جهودهم وساعدهم على ايجاد «الذين قلوبهم مهيّأة للحياة الابدية».‏ —‏ اع ١٣:‏٤٨‏.‏

يتذكر فرانتز زاڠْمايستِر:‏ «سمعت سنة ١٩٣١عن الحق من خالتي تريزيا ڠراديتش وزوجها فرانتز الذي كان بين اوائل الناشرين في سلوفينيا.‏ فمع ان فرانتز كان في السابق يقاوم الدين بشدة،‏ بدأ يدرس الكتاب المقدس بحماسة.‏ فأثر ذلك فيّ تأثيرا كبيرا،‏ مما جعلني انضم اليه في درس الاسفار المقدسة.‏ وبالرغم من مقاومة عائلتي،‏ اردت ان اخبر الآخرين عن المعرفة الجديدة التي نلتها.‏ عندما علم كاهن الابرشية بذلك،‏ طلب رؤيتي بسرعة.‏ وقال انه لا يُسمح لي بامتلاك كتاب مقدس لأنه لا يمكنني فهمه.‏ فرفضت اعطاءه نسختي.‏ ولاحقا بعد موت ابي،‏ اقترب مني في الشارع والغضب يتملكه لأنني لم ادفع مالا لقاء إقامة ولو قداس واحد من اجل ابي.‏ فقلت له:‏ ‹ادفع المال لقاء مئة،‏ لا بل ألف،‏ قداس اذا كان ذلك يساعد ابي›.‏

‏«اجاب:‏ ‹بالتأكيد يساعده!‏›.‏

‏«فقلت له:‏ ‹اذا كان ابي في السماء،‏ فهو ليس بحاجة الى قداسك.‏ اما اذا كان في الهاوية،‏ فلا ضرورة لأي قداس›.‏

‏«عندئذ سألني:‏ ‹وماذا لو كان في المطهر؟‏›.‏

‏«اجبته:‏ ‹يا حضرة الكاهن،‏ انت تعلم جيدا ان لديّ الكثير من الممتلكات.‏ وأنا مستعد الآن ان اذهب معك الى مكتب المحامي وأسجِّلها كلها باسمك اذا برهنت لي من الكتاب المقدس ان للانسان نفسا خالدة تستمر في الحياة بعد الموت،‏ أن الهاوية والمطهر موجودان،‏ وأن اللّٰه جزء من ثالوث›.‏

‏«فرمقني بنظرة غضب،‏ ثم اشعل سيجارة وغادر».‏

ارسال فاتحين الى الحقل

في ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ مهد رجال ونساء غيورون السبيل امام انتشار نور الحق في يوغوسلافيا.‏ ففي ماريبور بسلوفينيا مثلا،‏ انخطرت ڠريت شتاوْدينڠر وكاتارينا كونيتشينيك ولاحقا كارولينا ستروپنك في ما صار يُعرف بخدمة الفتح اثناء العطل.‏ وفي اقصى الجنوب في موستار،‏ المدينة الرئيسية في الهرسك،‏ ميَّز قائد فرقة موسيقية اسمه ألفرد توتْشايك رنة الحق وابتدأ بعمل الفتح.‏ كما حصل دوشان ميكتش،‏ شاب عمره ٢٣ سنة من زغرب بكرواتيا،‏ على كراس اين هم الموتى؟‏.‏ وأحرز هو ايضا تقدما سريعا،‏ اعتمد،‏ وانخرط في الفتح.‏ وسرعان ما عُزِّزت صفوف الفاتحين حين اتى الى البلد اخوة وأخوات غيورون من المانيا.‏

فيما كانت جذور الحق تترسخ في يوغوسلافيا،‏ كان عملنا يُحظر في المانيا.‏ فرتَّب مكتب الفرع في سويسرا ان يرسل الى يوغوسلافيا نحو ٢٠ فاتحا ذا خبرة مثل مارتن پويتسنڠر،‏ ألفرت شْميت،‏ ڤينكو وجوزفين پلاتايس،‏ وڤيلي وإليزابيت ڤيلكي.‏ ومع ان هؤلاء الفاتحين ما كانوا يتكلمون السلوفينية او الصربية الكرواتية،‏ فقد دفعتهم روح التضحية بالذات الى الكرازة بجرأة باستخدام بطاقات الشهادة،‏ ممهّدين السبيل لمزيد من التقدم الروحي.‏

التحديات التي واجهها الفاتحون

استطاع هؤلاء الفاتحون ان يتخطوا مشكلة اللغة وقلة المال بفضل محبتهم ليهوه وللناس.‏ لكنهم واجهوا ايضا مشكلة المواصلات.‏ ففي اغلب الاحيان،‏ كانوا يقطعون مسافة ٤٠ كيلومترا سيرا على الاقدام في احوال جوية سيئة وعبر طرقات وعرة للوصول الى القرى النائية.‏ تتذكر اخت فاتحة انها كانت تخلع حذاءها اثناء ذهابها من قرية الى قرية لئلا يبلى بسرعة.‏ كما تذكَّر بإعزاز مارتن پويتسنڠر،‏ الذي صار لاحقا عضوا في الهيئة الحاكمة،‏ الوقت الذي قضاه وهو يتنقل في المناطق الريفية حاملا حقيبة ظهر ملآنة بالمطبوعات وكارزا لكل مَن يرغب في الاصغاء اليه.‏

خفَّت مشكلة المواصلات هذه حين حصل هؤلاء الفاتحون الامناء على دراجات اشتراها وتبرَّع بها اخ من سويسرا.‏ وبقيت هذه الدراجات تُستخدم في الخدمة طوال عقود.‏

لكن المشاكل لم تنتهِ عند هذا الحد.‏ فرغم حسن الضيافة التي اشتهر بها الشعب اليوغوسلافي،‏ حدثت مقاومة دينية وتعرَّض فاتحونا للكثير من الاضطهاد.‏ فقد كان للكهنة نفوذ كبير على اتباعهم،‏ وخصوصا في القرى الصغيرة.‏ فكانوا احيانا يحرِّضون تلاميذ المدارس على تعقُّب الفاتحين ورشقهم بالحجارة.‏ كما انهم حرَّضوا السلطات على مضايقة الفاتحين،‏ مصادرة مطبوعاتهم،‏ واعتقالهم.‏

وذات مرة،‏ كان ڤيلي ڤيلكي وزوجته والاخت الفاتحة ڠريت شتاوْدينڠر يكرزون كلٌّ بمفرده في قرية نائية بكرواتيا ويعرضون على القرويين كراس الحاكم البارّ الذي يُظهِر صورة يسوع المسيح على صفحة العنوان.‏ وفجأة سمع ڤيلي صوت جلبة عظيمة آتيا من ساحة القرية.‏ يتذكر قائلا:‏ «ارتعبتُ عندما رأيت حشدا غاضبا من ٢٠ شخصا تقريبا مسلَّحا بالمناجل وملتفًّا حول زوجتي.‏ وكان على مقربة منهم فريق آخر مشغول بحرق كراريسنا».‏

لم يكن لدى هؤلاء الفاتحين ادنى فكرة عن سبب غضب القرويين المتواضعين،‏ ولم تكن الاخت ڤيلكي تجيد اللغة لتعرف السبب.‏ لكنّ ڠريت كانت تتكلم الالمانية واللغات المحلية بطلاقة.‏ فتقدَّمت وسألتهم:‏ «ايها السادة،‏ ماذا تفعلون؟‏».‏

اجابوا بصوت واحد:‏ «لا نريد الملك پيتر!‏».‏

فقالت:‏ «ولا نحن نريده».‏

فأشاروا مندهشين الى الصورة في الكراس وسألوا:‏ «لماذا اذًا تقومون بالدعاية له؟‏».‏

عندئذ فهمت ڠريت سبب غضبهم.‏ فقبل سنة فقط،‏ في سنة ١٩٣٤،‏ اغتيل الملك اليوغوسلافي ألكسندر الاول وكان ابنه پيتر سيخلفه على العرش.‏ لكنّ القرويين فضَّلوا الاستقلال الذاتي على ان يحكمهم ملك من صِربيا.‏ وقد ظنّوا ان صورة يسوع المسيح هي صورة الملك پيتر.‏

أُزيل سوء الفهم وقُدِّمت شهادة شاملة عن الملك يسوع المسيح.‏ فما كان من بعض الذين أحرقوا الكراريس إلا ان طلبوا نسخا جديدة.‏ فغادر الفاتحون القرية سعداء،‏ شاعرين بأن يهوه قد حماهم.‏

وجب على الفاتحين ايضا ان يُراعوا العادات المحلية.‏ فكان عليهم ان يحرصوا حرصا شديدا لئلا يسيئوا الى الناس في قرى البوسنة التي يدين معظم سكانها بالاسلام.‏ مثلا،‏ كان النظر مباشرة الى عيني امرأة مسلمة متزوجة يثير غضب زوجها.‏

في ذلك الوقت،‏ كان هنالك عدد قليل من الجماعات والفِرَق في البلد.‏ لذلك صعب احيانا على الفاتحين ايجاد مكان للمبيت بعد الكرازة يوما كاملا في قرية نائية.‏ كما انه لم يكن بإمكانهم دفع اجرة غرفة ملائمة في نُزْل بسبب افتقارهم الى المال.‏ تتذكر جوزفين پلاتايس:‏ «في احدى القرى،‏ لم يرد احد من السكان ان نبيت عنده لأنهم خافوا من الكاهن الكاثوليكي.‏ وكان قد حلّ الظلام حين اوشكنا ان نغادر القرية.‏ فرأينا في طريقنا شجرة كبيرة تفترش تحتها الاوراق اليابسة،‏ فنمنا هناك تلك الليلة واتخذنا من حقيبة ثيابنا وسادة لنا.‏ اما الدراجة فربطها زوجي بحبل شدَّه الى كاحل رجله.‏ وحين استيقظنا صباح اليوم التالي وجدنا انفسنا نائمين قرب بئر،‏ وهكذا حصلنا على الماء للاغتسال.‏ فيهوه لم يحمنا فقط بل اعتنى ايضا بحاجاتنا الجسدية».‏

لقد لمس هؤلاء الفاتحون عناية يهوه بهم حتى في الامور الصغيرة.‏ وكان همّهم الاول تقدم عمل البشارة لا راحتهم الشخصية.‏

الكرازة في مقدونية

فيما كان الفاتحان ألفرد وفْريدا توتْشايك مسافرَين من سلوفينيا الى بلغاريا،‏ انتهزا الفرصة لنشر رسالة الملكوت.‏ فشهدا في مدينة ستروميكا بمقدونية لصاحب دكان اسمه ديميتار يوڤانوڤيتش وأعاراه بعض المطبوعات.‏ وبعد شهر عرَّجا عليه في طريق عودتهما من بلغاريا.‏ وعندما عرفا انه لم يقرإ المطبوعات،‏ طلبا منه ان يعيدها اليهما بغية إعطائها لشخص يقدِّرها.‏ فأثار ذلك فضول ديميتار الذي توسل اليهما ان يمنحاه فرصة اخرى لقراءتها.‏ وبعدما قرأها ادرك انه وجد الحق،‏ وأصبح اول شخص يعتمد كواحد من شهود يهوه في مقدونية.‏

بعد ذلك اشترك ديميتار في نشر الحق مع اخوَين هما ألكسي وكوستي أرسوڤ.‏ وسرعان ما اصبح هنالك ثلاثة شهود في مقدونية.‏ فبدأوا بالكرازة مزوَّدين بمجلات،‏ فونوغراف،‏ وأسطوانات تحتوي على مواعظ.‏ وقد وصلت احدى هذه المجلات الى يد قسيس في الكنيسة المنهجية الانجيلية،‏ الذي اعطاها بدوره لشاب ذكي في كنيسته اسمه توشو سارتْشيڤ.‏ أحبّ توشو ما قرأه وأقنع القسيس بتزويده المزيد.‏ وسرعان ما ادرك انه من غير اللائق ان يتقاضى المرء اجرا لقاء الكرازة بالبشارة،‏ وأخبر القسيس بذلك مبتهجا.‏ فما كان من هذا الاخير إلا ان توقف عن جلب اي منها.‏ لكن توشو وجد في المجلات عنوان مكتب فرع ماريبور،‏ فكتب طالبا إرسال المزيد اليه بالبريد.‏ فاتصل المكتب بديميتار وألكسي وكوستي طالبا منهم ان يزوروا توشو.‏ وسرعان ما شكَّلوا فريقا.‏

عام ١٩٣٥،‏ نقل الاخوة مكتب الفرع من ماريبور بسلوفينيا الى العاصمة اليوغوسلافية بلغراد في صِربيا.‏ وقد مُنح فرانتز برانت ورودولف كايل مسؤولية الاشراف.‏

حظر العمل

يمكن رؤية الدليل على النشاط الغيور لاخوتنا في تلك الايام في كراسة اصدرتها الكنيسة الكاثوليكية عام ١٩٣٣.‏ فقد شرحت فيها عمل الكرازة الذي يقوم به الشهود بتفصيل دقيق.‏ كما تكهَّنت ان عملنا سيتوقف قريبا.‏ وكم كانت على خطإ!‏

في شمال يوغوسلافيا،‏ أغضب النشاط الغيور لفريق الفاتحين الصغير رجال الدين.‏ وازداد غضبهم حين احبطت المحاكم جهودهم للحدّ من نشاط الكرازة بالملكوت.‏ ولكن في ما بعد،‏ اصبح كاهن يسوعي من سلوفينيا وزيرا للداخلية.‏ وأحد المراسيم الاولى التي اصدرها كان حلّ جمعية المنارة.‏ وحُظر العمل رسميا في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٣٦.‏ فقامت السلطات بإغلاق قاعات الملكوت ومصادرة كل المطبوعات.‏ ولكن لحسن التوفيق عرفت الجماعات بذلك مسبقا،‏ فلم تجد السلطات إلا القليل لمصادرته.‏ ولكي يستمر العمل،‏ افتُتح دار نشر صغير في بلغراد باسم كولا سْتْراجارا (‏برج المراقبة)‏؛‏ وبقيت الاجتماعات تُعقد في بيوت خاصة.‏

بعد فرض هذا الحظر الرسمي زادت الحكومة الضغط على الشهود لإيقاف عمل الكرازة.‏ وصار الخدام كامل الوقت هدفها الرئيسي،‏ مما صعَّب الوضع اكثر على اخوتنا الذين يتكلمون الالمانية.‏ فما دفع كثيرين من هؤلاء الفاتحين الى المجيء الى يوغوسلافيا هو حظر عمل الكرازة في البلدان الاوروبية الاخرى،‏ والآن صار هذا العمل محظورا هنا ايضا.‏ ورغم ان الفاتحين اعتُقلوا وسُجنوا،‏ لم تخمد غيرتهم.‏ قالت احدى الاخوات:‏ «كان من الصعب احيانا ان يزورنا احد في السجن،‏ لكنّ يهوه لم يتخلَّ عنا.‏ وذات مرة،‏ عندما لم يُسمح لأحد الاخوة برؤيتنا،‏ تكلم مع حارس السجن بصوت عال لنسمعه.‏ وقد منحنا مجرد سماع صوته تشجيعا كبيرا».‏

في هذه الفترة العصيبة،‏ لزم الشهود شجاعة كبيرة لترجمة وتوزيع كراس القاضي رذرفورد يكشف النقاب عن الطابور الخامس،‏ الذي فضح دور الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في دعم البرنامج السياسي للحكومة النازية.‏ وقد تُرجم الى اللغة الصربية والكرواتية والسلوفينية،‏ وطُبعت ٠٠٠‏,٢٠ نسخة من كل لغة.‏ حُظر هذا الكراس من بداية توزيعه،‏ وأدَّى الى ترحيل الفاتحين الاجانب وإدانة المدَّعي العام لناشريه مطالبا ان يُحكَم عليهم بالسجن من ١٠ الى ١٥ سنة.‏ وبالرغم من الخطر،‏ وزَّع الناشرون القلائل في يوغوسلافيا الـ‍ ٠٠٠‏,٦٠ نسخة بسرعة.‏

توضح لينا بابيتْش،‏ التي تعرَّفت بالحق نحو نهاية الحرب العالمية الثانية وكانت على صلة وثيقة بالاخوة والاخوات الامناء:‏ «كان الناس آنذاك جياعا الى حق الكتاب المقدس،‏ وكانوا يحبون المطالعة كثيرا».‏ وتروي:‏ «كان علينا دائما التزام الحيطة والحذر،‏ لذلك فضَّلت ان انسخ المطبوعات على مفكِّرتي الخاصة،‏ حتى إذا ما خضعت للتفتيش يُظنّ انها مجرد ملاحظات شخصية».‏

الخيار بين تولستوي ويهوه

فيما كانت الحرب تلوح في الافق،‏ حدث انقسام في احدى الجماعات الكبرى في يوغوسلافيا.‏ فقد ابتدأ البعض يروِّجون افكار الكاتب والفيلسوف الديني الروسي ليو تولستوي.‏ كان تولستوي عضوا في الكنيسة الارثوذكسية الروسية،‏ إلا انه بات مقتنعا ان كل الكنائس المسيحية هي مؤسسات فاسدة حرَّفت المسيحية كاملا.‏ فراح بعض الاخوة يرتابون في كل الهيئات الدينية،‏ بما فيها هيئة يهوه.‏ والاخ الذي كان يأخذ القيادة في جماعة زغرب خان الثقة التي مُنحت له ونجح في إقناع معظم الناشرين بقبول افكار تولستوي.‏ وكان تأثيره قويا جدا حتى ان غالبية افراد الجماعة،‏ الذين يزيد عددهم على ٦٠ شخصا،‏ تبنّوا القرار ان ينكروا هيئة يهوه.‏

لدى سماع رودولف كايل بذلك،‏ سافر على جناح السرعة من بلغراد الى زغرب للاجتماع بكامل الجماعة.‏ وناقش معهم حقائق الكتاب المقدس الرئيسية التي كشفها يهوه بواسطة صف العبد الامين الفطين.‏ (‏مت ٢٤:‏٤٥-‏٤٧‏)‏ ثم سألهم:‏ «مَن علَّمكم هذه الحقائق،‏ تولستوي ام هيئة يهوه؟‏».‏ وبعدما اقتبس يشوع ٢٤:‏١٥‏،‏ سأل الذين يريدون البقاء مع هيئة يهوه ان يرفعوا ايديهم.‏ فلم يفعل ذلك سوى اثنين.‏

قال رودولف:‏ «تعجز الكلمات عن وصف الالم الذي شعرت به».‏

لقد بدا ان كل الجهود الذي بُذلت في الجماعة ستضيع سدًى.‏

بعد ذلك طلب رودولف من الأخوين الأمينين ان يصعدا الى المنصة وقال:‏ «لم يبقَ سوى ثلاثتنا.‏ فنحن الآن نمثِّل شعب يهوه في هذه المدينة.‏ أطلبُ من الجميع ان يغادروا المكان ويذهبوا في طريقهم.‏ من فضلكم اتركونا وحدنا.‏ فنحن نريد ان نخدم الهنا يهوه،‏ اما انتم فاذهبوا واخدموا تولستوي.‏ لا نريد ان نقترن بكم بعد الآن».‏

ولعدة ثوان،‏ ساد المكان صمت مطبق.‏ ثم ابتدأوا الواحد بعد الآخر يرفعون يدهم ويقولون:‏ «انا ايضا اريد ان اخدم يهوه».‏ وأخيرا،‏ لم يغادر المكان إلا خادم الجماعة المرتد وعدد قليل من أتباعه.‏ لقد قوَّى امتحان الولاء هذا خدام يهوه الامناء على مواجهة التجارب الاقسى التي كانوا سيتعرَّضون لها قريبا.‏

المحن اثناء الحرب

في ٦ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٤١،‏ غزت الجيوش الالمانية يوغوسلافيا.‏ وأُصيب مكتب الفرع بأضرار جراء الغارات الجوية الكثيفة التي شُنَّت على بلغراد.‏ وقسَّمت القوات الالمانية يوغوسلافيا.‏ ولفترة من الوقت،‏ اعاق القتال التواصل بين الاخوة في بيت ايل بصِربيا من جهة والاخوة في سلوفينيا وكرواتيا ومقدونية من جهة اخرى.‏ وكان وضع الاخوة في اقصى جنوب مقدونية اسوأ ايضا،‏ فهم لم يتمكنوا من معاودة الاتصال بالاخوة في بيت ايل إلا بعد الحرب.‏

وفجأة،‏ واجه اخوتنا وأخواتنا الاعزاء تحديات جديدة وكبيرة.‏ فقد جلب عليهم العالم الذي زُجَّ في نزاع دولي فترة امتحان وغربلة عصيبة.‏ فإيمانهم ومحبتهم ليهوه وهيئته كانا سيوضعان تحت الامتحان.‏

أُغلق المكتب في بلغراد،‏ ونُظِّم في زغرب بكرواتيا توزيع الطعام الروحي على الاخوة.‏ وأصبح من المهم جدا توخِّي الحذر والمحافظة على السِّرية لأن عقوبات التغريم والسَّجن استُبدلت بالترحيل الى معسكرات الاعتقال وأحكام الاعدام.‏

عندما احتلت القوات الالمانية يوغوسلافيا وقسَّمتها،‏ اقامت فيها معسكرات للاعتقال.‏ فاستخدمت هذه المعسكرات في كرواتيا لعزل وإعدام الاقليات الاثنية المتعددة والاقليات غير الكاثوليكية،‏ بالاضافة الى كل الاعداء الدينيين لنظام الحكم.‏ وفي صِربيا،‏ اقامت معسكرات للاشغال الشاقة ومعسكرات للاعتقال،‏ منها معسكر في بور سجنت فيه اكثر من ١٥٠ اخا من هنغاريا بسبب موقف الحياد.‏ وفي يوغوسلافيا ايضا،‏ اصبح شهود يهوه هدف نظام الحكم النازي.‏ لذلك ركَّز الناشرون في كرازتهم على الشهادة غير الرسمية.‏ ونُصحوا بألّا يحملوا سوى كتابهم المقدس ونسخة واحدة من المطبوعات،‏ وأُخبروا بما عليهم ان يقولوا في حال اعتُقلوا.‏ وقد عقدوا اجتماعاتهم في فِرَق صغيرة وما كانوا يعرفون اين تُعقد الاجتماعات الاخرى.‏

لم يكن ممكنا ان يجلب الاخوة المطبوعات بأمان الى البلد،‏ فراحوا ينتجونها سرًّا.‏ وكانوا يعملون طوال الليل في عدة مواقع لطبع وجمع المجلات والكراريس،‏ وفي النهار يكدّون لكسب المال من اجل تمويل عمليات الطباعة.‏ وقد تمكنوا دائما من الحصول على المواد اللازمة للطباعة بسبب علاقاتهم التجارية العديدة.‏ وفيما تفشَّى التحامل القومي والديني داخل الحدود اليوغوسلافية،‏ حافظ اخوتنا على وحدتهم.‏ وكانوا يجمعون اموالهم الخاصة لتزويد الطعام الروحي المنقذ للحياة.‏ ولكن كيف كانوا ينقلون هذا الطعام الى الفرق المنعزلة من الناشرين الموجودين في مقاطعتهم؟‏

كان ستيڤان ستانكوڤيتش،‏ وهو عامل في سكة حديد من اصل صِربي،‏ مستعدا ان يقدِّم المساعدة لإخوته مهما كانت خلفيتهم.‏ فأخذ على عاتقه رغم الاخطار ان ينقل المطبوعات سرًّا من كرواتيا الى صِربيا المحتلة عسكريا.‏ ذات يوم،‏ اكتشفت الشرطة المطبوعات في حقيبته.‏ فطلبوا منه معرفة مصدر المطبوعات.‏ ولكن بسبب ولائه لإخوته رفض ستيڤان ان يفشي اية معلومات.‏ فأخذته الشرطة الى السجن من اجل استجوابه ثم الى معسكر الاعتقال المجاور في ياسينوڤاتْس.‏ وقد لقي هذا الاخ الامين مصرعه في هذا المعسكر الذي اشتهر بمعاملته الوحشية للسجناء.‏

وخلال هذه الاوقات العصيبة،‏ كان الاخ ميهوڤيل بالْكوڤيتْش المتميز بالفطنة وسعة الحيلة يعمل سمكريًّا في كرواتيا.‏ وبالاضافة الى عمله الدنيوي هذا،‏ كان يزور الاخوة لتشجيعهم وإيصال المطبوعات اليهم.‏ يروي حفيده قائلا:‏ «ذات مرة،‏ عرف ان القطار الذي يركبه سيُفتَّش في البلدة التالية.‏ لذلك ترجَّل منه قبل محطة من وصول القطار الى البلدة.‏ ورغم ان البلدة كانت مسيَّجة في معظمها بسلك شائك،‏ وجد مكانا للعبور اليها في احد الكروم.‏ فحمل المطبوعات في حقيبة ظهره ووضع قنينتين من الرَّاخييا (‏براندي بيتي الصنع)‏ في اعلى الحقيبة مع القليل من البقول.‏ وفيما كان يجتاز الكرم بحذر،‏ مرّ قرب مخبإ للجنود تحت الارض وفجأة سمع جنديا يصرخ:‏ ‹قِفْ!‏ مَن أنت؟‏›.‏ وحين تقدَّم،‏ سأله احد الجنود:‏ ‹ماذا تحمل؟‏›.‏

‏«اجاب:‏ ‹القليل من الطحين والفاصولياء والبطاطا›.‏

‏«ثم سأله عما تحتويه القنينتان،‏ ففتح احداهما وأجاب:‏ ‹شُمَّها وذُقْها›.‏

‏«وحين ذاق الجندي المشروب،‏ قال له ميهوڤيل:‏ ‹هذه القنينة لك يا بنيّ،‏ اما الاخرى فلي›.‏

‏«سُرَّ الجنود بكلامه و بالرَّاخييا وقالوا له:‏ ‹يمكنك الرحيل ايها العمّ!‏›».‏

ويختتم حفيد ميهوڤيل قائلا:‏ «وهكذا سُلِّمت المطبوعات بأمان».‏

كان ميهوڤيل حقا رجلا شجاعا.‏ فقد تطلبت رحلاته ان يمرّ بمناطق يسيطر عليها الطرفان المتنازعان في الحرب.‏ فكان يواجه جنود «الموالين الشيوعيين» تارة،‏ وتارة اخرى جنود الأوسْتاشي الفاشيين او جنود التْشيتْنيك *‏.‏ وبدل ان يتملكه الخوف،‏ انتهز هذه الفرص للشهادة ولشرح الرجاء الذي يمنحه الكتاب المقدس بالمستقبل.‏ ولأن حياة شاهد يهوه كانت دائما في خطر،‏ استلزم ذلك شجاعة كبيرة.‏ وقد اعتُقل ميهوڤيل واستُجوب وسُجن عدة مرات.‏

نحو نهاية الحرب،‏ في ليلة ٩ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٤٤،‏ داهم الموالون منزل ميهوڤيل وصادروا المطبوعات وأخذوه.‏ ومن المحزن انه لم يعد قط.‏ وقد عُرف لاحقا انهم اعدموه بقطع الرأس.‏

وكان يوسيپ سابو مجرد فتى حين نقل المطبوعات بدراجته في منطقة سلافونيا بكرواتيا.‏ ولتخبئتها،‏ وضعها في صندوق ثبّته على حاملة الامتعة في دراجته وغطاها بالإجاص الطازج.‏ وفي ذلك الحين،‏ كانت تُقام الحواجز لحراسة مدخل كل قرية تقريبا.‏

فكان الحرس عند كل حاجز يسألون يوسيپ:‏ «ماذا تحمل في الصندوق؟‏».‏

فيجيبهم:‏ «احمل إجاصا لخالي»،‏ فيأخذ الجنود إجاصة او اثنتين.‏ وهكذا لم يعد لديه سوى القليل من الإجاص لتغطية المطبوعات حين اقترب من وجهته.‏ لذلك سلك طريقا مهجورا لإنقاذ إجاصاته الاخيرة والمطبوعات الثمينة المخبَّأة تحتها.‏

امناء حتى الموت

شهد ليستان فابييان،‏ وهو بنّاء من زغرب،‏ عن حق الكتاب المقدس لإيڤان سيڤير وفرانْيو دْريڤين وفيليب هوزيك-‏ڠومبازير.‏ وفي غضون ستة اشهر اعتمدوا جميعا وراحوا يكرزون ويعقدون الاجتماعات.‏ وفي امسية ١٥ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٤٣،‏ اتت دورية عسكرية الى منزل إيڤان سيڤير واعتقلته هو وفرانْيو دْريڤين وأخا آخر اسمه فيليب إيليتش بعد ان فتَّشوا المنزل وصادروا كل المطبوعات.‏

بعدما سمع ليستان عن الاعتقال،‏ ذهب مع فيليب هوزيك-‏ڠومبازير لتعزية ام فرانْيو وأخته.‏ لكنّ الموالين عرفوا بزيارتهما،‏ فألقوا القبض عليهما.‏ فأوضح الاخوة الخمسة من الكتاب المقدس انهم يخدمون يهوه وحده وأنهم جنود للمسيح.‏ وبسبب رفضهم حمل السلاح والقتال في الحرب،‏ حُكم عليهم بالموت وزجّوا بعد ذلك في السجن.‏

ذات ليلة،‏ أيقظ الجنود الاخوة الخمسة من نومهم وجرَّدوهم من ثيابهم ثم اخذوهم الى الغابة.‏ وفيما هم سائرون منحوهم الفرصة ان يغيِّروا رأيهم.‏ وحاولوا إضعاف تصميمهم بإثارة مشاعر حبّهم لعائلاتهم.‏ فتحدثوا مثلا مع فيليب هوزيك-‏ڠومبازير عن زوجته الحبلى وأولاده الاربعة.‏ فكان ردّه ان لديه ملء الثقة بأن يهوه سيعتني بهم.‏ اما فرانْيو دْريڤين،‏ الذي لم يكن لديه زوجة وأولاد،‏ فسألوه عمَّن سيعتني بأمه وأخته.‏

وما ان وصلوا الى المكان المقصود حتى اوقف الجنود الاخوة في البرد القارس وبدأوا بإعدامهم الواحد تلو الآخر.‏ فأطلقوا النار اولا على فيليب هوزيك-‏ڠومبازير.‏ ثم توقفوا قليلا وسألوا الاخوة الآخرين عما اذا كانوا يريدون تغيير رأيهم.‏ لكنّ تصميم الاخوة كان ثابتا.‏ فأعدم الجنود فرانْيو ثم إيڤان ثم ليستان.‏ وأخيرا رضخ لهم فيليب إيليتش،‏ آخر شخص حيّ،‏ ووافق على الانضمام اليهم.‏ ولكن بعد ثلاثة اشهر،‏ عاد الى بيته بسبب المرض وروى ما حدث.‏ والحياة التي حاول انقاذها بالمسايرة على حساب مبادئه،‏ سلبه اياها المرض في سن مبكرة.‏

وفي سلوفينيا،‏ وقع الكثير من اخوتنا وأخواتنا ضحية الاضطهاد.‏ على سبيل المثال رفض فرانتس دروزڠ،‏ وهو حدّاد بعمر ٣٨ سنة،‏ ان يحمل السلاح ويحارب.‏ لذلك اعدمه الجنود النازيون في ماريبور في ٨ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٤٢.‏ ويروي بعض الذين كانوا هناك ان لافتة مكتوبا عليها «لستُ من العالم» عُلِّقت حول عنقه قبل ان يُطلَق النار عليه.‏ (‏يو ١٧:‏١٤‏،‏ الترجمة البروتستانتية‏)‏ وقد تجلَّى ايمانه القوي في الرسالة التي كتبها قبل دقائق من اعدامه.‏ يقول فيها:‏ «صديقي العزيز روپرت!‏ اليوم حكم عليّ بالاعدام.‏ لا تَنُح عليّ.‏ ارسل لك محبتي انت وجميع من في البيت.‏ اراكم في ملكوت اللّٰه».‏

لم تكفّ السلطات عن بذل الجهود لإيقاف عمل الكرازة،‏ لكنّ يهوه اظهر انه إله الخلاص.‏ مثلا،‏ كان رجال الشرطة يداهمون المناطق باستمرار ويصفُّون السكان لتفحُّص بطاقات هويتهم،‏ ثم يأخذون المشتبه بهم الى السجن.‏ وفي هذه الاثناء،‏ كان رجال شرطة آخرون يفتِّشون المنازل.‏ وكثيرا ما تجاوزوا منازل الشهود ظنًّا منهم انه قد جرى تفتيشها.‏ فلمس الاخوة لمس اليد حماية يهوه وعنايته بهم،‏ لأنه في مناسبتين على الاقل كان يوجد في بيوتهم الكثير من المطبوعات فضلا عن آلات النسخ.‏ نعم،‏ مرة بعد اخرى،‏ اختبر الكارزون في تلك الاوقات الخطرة صحة تأكيد الكتاب المقدس ان «يهوه حنون جدا ورؤوف».‏ —‏ يع ٥:‏١١‏،‏ حاشية ع‌ج (‏بالانكليزية)‏.‏

الحكم بالاعدام

عام ١٩٤٥،‏ انتهت الحرب العالمية الثانية وانتهت معها اسوأ فترة من سفك الدماء شهدها تاريخ الجنس البشري.‏ وبانهزام هتلر وحلفائه،‏ أمل الاخوة ان تُرفع القيود عنهم ويُمنحوا حرية الكرازة من جديد.‏ وقد كان سبب تفاؤلهم ان الحكومة الشيوعية الجديدة وعدت بحرية الصحافة والتعبير والعبادة.‏

ولكن في ١٥ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٤٦،‏ اعتُقل ١٥ اخا و ٣ اخوات.‏ من بينهم رودولف كايل،‏ دوشان ميكتش،‏ وإتْمونت ستروپنك.‏ ودام التحقيق معهم خمسة اشهر.‏ فقد اتّهمت السلطات الشهود بأنهم يعملون ضد الشعب والدولة ويشكِّلون خطرا على وجود يوغوسلافيا بحدّ ذاته.‏ كما ادَّعت ان عملنا يديره اشخاص من الولايات المتحدة وأننا نستخدم المناداة بملكوت اللّٰه كغطاء للقضاء على الاشتراكية وإعادة الرأسمالية.‏ وقد كان كاهن كاثوليكي في طليعة الذين اتّهمونا بأننا جواسيس اميركيون نعمل تحت ستار الدين.‏

تكلَّم الاخوة المتَّهَمون بكل جرأة امام المحكمة حين مُنحوا فرصة الدفاع عن انفسهم وقدَّموا شهادة حسنة عن يهوه وملكوته.‏ مثلا،‏ قال الاخ الشاب ڤْييكوسلاڤ كوس:‏ «ايها القضاة المحترمون،‏ لقد اعتنقتُ هذا الدين عن امي التي علَّمتني اياه من الكتاب المقدس وعبدتُ اللّٰه.‏ خلال الاحتلال الالماني،‏ زُجَّت امي في السجن.‏ وكانت اختاي وأخي الاكبر يعتنقون دين امي نفسه.‏ فأُخذوا الى داخاو وأُعدموا هناك رميا بالرصاص بتهمة انهم شيوعيون لأنهم عبدوا اللّٰه بحسب ايمانهم.‏ وأنا الآن اقف امامكم بتهمة انني فاشي بسبب اعتناقي هذا الدين نفسه».‏ فأطلقت المحكمة سراحه.‏

لم تكن المحكمة ليِّنة مع الآخرين كما كانت معه.‏ فقد حكمت على ثلاثة منهم بالاعدام رميا بالرصاص وعلى البقية بالسَّجن فترات تراوحت بين سنة و ١٥ سنة.‏ لكن هذا الظلم اثار استنكارا فوريا وشديدا من قبل اخوتنا حول العالم.‏ فبعث الشهود في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا آلاف رسائل الاحتجاج الى الحكومة اليوغوسلافية.‏ كما انهم ارسلوا مئات البرقيات.‏ حتى ان بعض الرسميين الحكوميين بعثوا رسائل يؤيِّدون فيها الاخوة.‏ فأسفر هذا الدعم القوي عن خفض احكام الاعدام الى السَّجن ٢٠ سنة.‏

لكنّ المقاومة لم تنتهِ.‏ فبعد سنتين،‏ اعتقلت السلطات السلوفينية يانِز روباس وزوجته مارييا،‏ بالاضافة الى يوجِيه مارولْت وفرانتْشِيشكا ڤِربِتز بسبب الكرازة.‏ وقد اوردت مذكِّرة الاتّهام جزئيا:‏ «ادخلت ‹البدعة اليهوَهية› .‏ .‏ .‏ اعضاء جددا حرَّضوا ضد نظامنا الاشتراكي الحاضر [و] ضد الخدمة العسكرية».‏ وإذ ادَّعت هذه السلطات ان الاخوة يحاولون إضعاف دفاع الدولة،‏ اصدرت بحقهم احكاما بالسَّجن من ثلاث الى ست سنوات مع الاشغال الشاقة.‏

وبسبب تغيير في النهج السياسي عام ١٩٥٢،‏ أُطلق سراح جميع الاخوة المسجونين واستمرت الكرازة برسالة الملكوت.‏ لقد تبرهنت صحة وعد يهوه:‏ «كل سلاح يُصَّور ضدك لا ينجح،‏ وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه».‏ —‏ اش ٥٤:‏١٧‏.‏

رغم ذلك،‏ واصلت الحكومة محاولاتها لإضعاف تصميم الاخوة على التمسك بقناعاتهم.‏ فوصفتهم وسائل الاعلام بأنهم «مرضى عقليا» وأنهم «متعصِّبون الى حد الجنون».‏ وراحت التقارير الاخبارية السلبية المتواصلة بالاضافة الى الخوف من المراقبة تقلق البعض.‏ فحين أُطلق سراح الشهود الامناء من السجن،‏ اعتبرهم الآخرون في الجماعات جواسيس.‏ لكنّ يهوه استمر يحصِّن الجماعات بواسطة اخوة اولياء وناضجين.‏

عندما تولَّى يوزيب بروز تيتو السلطة في نهاية الحرب العالمية الثانية،‏ بدا واضحا ان الجيش سيلعب دورا رئيسيا في يوغوسلافيا.‏ والذين رفضوا تأدية الخدمة العسكرية،‏ بصرف النظر عن السبب،‏ اعتُبروا معادين للحكومة.‏

امتحانات الولاء

اثناء الحرب العالمية الثانية،‏ كان لاديسلاڤ فورو من كرواتيا في التاسعة من عمره حين حضر تجمُّعا إلزاميا لسكان البلدة ألقى فيه احد الكهنة الكاثوليك موعظة.‏ بعد الموعظة،‏ احب لاديسلاڤ بدافع الفضول ان يعرف ما يجري خلف ستارة المسرح.‏ فرأى الكاهن ينزع جُبّته وقد ارتدى تحتها بزّة الأوستاشي وتزنَّر بحزام للرصاص عُلِّقت عليه قنبلة يدوية.‏ وإذ اخذ الكاهن سيفه،‏ خرج وامتطى جواده ثم صرخ:‏ «ايها الاخوة،‏ لنذهب ونهدِ الآخرين الى الدين المسيحي!‏ وإذا خالفنا احد،‏ تعرفون ما يجب ان تفعلوا!‏».‏

عرف لاديسلاڤ ان رجل اللّٰه لا يتصرف على هذا النحو.‏ فابتدأ بعيد هذه الحادثة يحضر مع عمّه اجتماعات الشهود سرًّا.‏ ومع ان ذلك اغضب والديه،‏ بقي يحضر الاجتمعات ويتقدم روحيا.‏

حين دُعي لاديسلاڤ الى الخدمة العسكرية عام ١٩٥٢،‏ اوضح موقفه الحيادي كشخص مسيحي.‏ فأخضعه الضباط المسؤولون للاستجواب مرارا عديدة محاولين اجباره على اداء قسَم التجنيد.‏ وذات مرة،‏ اخذوه الى الثكنة حيث كان قد حُشد ٠٠٠‏,١٢ مجنَّد لتأدية القسَم.‏ وأوقفوه امام المجنَّدين جميعا ووضعوا بندقية على كتفه.‏ فما كان منه إلا ان رماها الى الارض.‏ فقالوا مستخدمين مكبِّرات الصوت ليسمع الجميع ان لاديسلاڤ سيُعدَم رميا بالرصاص اذا فعل ذلك ثانية.‏ وعندما رفض لاديسلاڤ حمل البندقية وتأدية القسم ثانية اقتادوه ورموه في حفرة احدثها انفجار قذيفة عمقها عدة امتار.‏ بعد ذلك أُعطي الامر بتنفيذ الاعدام،‏ فأطلق احد الجنود النار على الحفرة مرتين وعاد الجميع الى الثكنة.‏ لكنّ الرصاصتين اخطأتا الهدف وبقي الاخ سالما!‏

في تلك الليلة،‏ اخرجه الضباط المسؤولون من الحفرة وأخذوه الى السجن في ساراييفو.‏ وأروه رسالة تذكر ان غيره ممَّن يعتنقون دينه اقدموا على بعض التنازلات فيما هو يُنتِن في السجن مع المجرمين.‏ وضغط هؤلاء الرسميون عليه تكرارا بمناقشات طويلة تتضمن حججا مماثلة.‏ لكن جواب لاديسلاڤ كان:‏ «انا لا اخدم يهوه من اجل شخص معين.‏ ولست هنا لإرضاء اي انسان.‏ كما ان حياتي لا تعتمد على ما يقوله الآخرون او يعتقدونه او يفعلونه».‏

لقد ساعد هذا التفكير الروحي لاديسلاڤ على البقاء امينا في السجن حتى اطلاق سراحه بعد اربع سنوات ونصف.‏ ولاحقا خدم كناظر دائرة بدعم من زوجته الوليّة ورفيقته في الخدمة أنيتْسا.‏

اعتراف شرعي مقيَّد

بعد انفصال تيتو عن الاتحاد السوفياتي سنة ١٩٤٨،‏ جعل الحكومة لا مركزية ومنح الشعب تدريجيا حرية اكبر.‏ ومع ان الحكومة بقيت اشتراكية شهد البلد المزيد من التسامح الديني.‏

دعت الحكومة ممثِّلين عن شهود يهوه للاجتماع معها واقترحت عليهم ان يعدّوا ميثاقا جديدا يمكِّنهم من جعل عملهم شرعيا.‏ فأعدّ الاخوة الميثاق،‏ وفي ٩ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٥٣ سُجِّل شهود يهوه شرعيا مرة اخرى في يوغوسلافيا.‏

بينما كانت الدول الشيوعية الاخرى ترحِّل اخوتنا،‏ تمتع الشهود في يوغوسلافيا بحرية سمحت لهم ان يجتمعوا في قاعات مرخَّص بها.‏ وقد اتاحت هذه الحرية ايضا ان يحصل الاخوة في مقدونية على المطبوعات وأن يتصلوا بالمكتب في زغرب.‏ ولكن رغم تسجيل شهود يهوه شرعيا كهيئة دينية سنة ١٩٥٣،‏ كانت ستمرّ ٣٨ سنة قبل ان يسمح لهم القانون بالخدمة من بيت الى بيت.‏

واستمرت المشاكل.‏ فبسبب موقف الاخوة الحيادي،‏ اعتبرت السلطات عملهم الكرازي دعاية دينية.‏ وما صعَّب الكرازة كثيرا هو شبكة البوليس السري بالاضافة الى رجال المخابرات.‏ فالاخوة الذين يُقبض عليهم وهم يكرزون كانوا يُعتقلون ويغرَّمون.‏ ذكر احد التقارير:‏ «تستمر الاعتقالات والمحاكمات.‏ ويحدث ذلك بشكل خصوصي في سلوفينيا،‏ حيث يوجد اقوى نفوذ للكنيسة الكاثوليكية وحيث يبقى كثيرون من شعب يهوه تحت مراقبة البوليس وعملائه.‏ فهدف هؤلاء هو القبض على الشهود وهم يدرسون كلمة اللّٰه مع المهتمين.‏ لكنّ الاخوة اظهروا انهم مصمِّمون على إفشال هدف الاضطهاد وعلى إطاعة اللّٰه لا الناس».‏

‏«حذرين كالحيّات»‏

اثناء الكرازة في المناطق الريفية في سلوفينيا،‏ كان الاخوة اولا يسألون اصحاب البيوت هل لديهم بيض للبيع.‏ وإذا وجدوا السعر مناسبا،‏ كانوا يشترون البيض لئلا يثيروا الشبهات.‏ وبعد ان يشتروا ما يكفي من البيض،‏ يسألون اصحاب البيوت التالية عن حطب للتدفئة.‏ وكانوا اثناء كل صفقة يحوِّلون الحديث الى موضوع من الكتاب المقدس اذا بدا الوضع ملائما.‏ —‏ مت ١٠:‏١٦‏.‏

وفي المناطق المحيطة بزغرب في كرواتيا،‏ كان الاخوة يخدمون في المقاطعة بشكل منظَّم،‏ انما بطريقة تُجنِّب اكتشافهم.‏ وأحد الاساليب التي اتَّبعوها هو ان يكرزوا لكل بيت عاشر.‏ مثلا،‏ حين يُعيَّن للناشر اول بيت فهذا يعني ان يذهب الى البيوت ١،‏ ١١،‏ ٢١،‏ ٣١،‏ وهلم جرا.‏ وقد عرف كثيرون عن يهوه بهذه الطريقة.‏ ولكن بسبب الصعوبات التي كانت تشكِّلها الخدمة من باب الى باب،‏ غالبا ما استُخدمت الشهادة غير الرسمية.‏

وفي صِربيا كان الاخوة يجتمعون في البيوت.‏ يروي دامير پوروبيتش كيف كانت تُعقد الاجتماعات في منزل جدّته بعد الحرب العالمية الثانية.‏ يوضح قائلا:‏ «كان عدد الحضور يتراوح بين خمسة وعشرة اشخاص.‏ وكان منزل جدتي مثاليا اذ يمكن الدخول اليه من شارعَين.‏ وهكذا استطاع الجميع ان يأتوا ويغادروا بحذر دون الاشتباه بهم».‏

وُلدت ڤيرونيكا بابيتْش في كرواتيا؛‏ وبدأت عائلتها تدرس الكتاب المقدس في اواسط الخمسينات.‏ اعتمدت سنة ١٩٥٧،‏ ثم انتلقت مع زوجها الى ساراييفو بالبوسنة.‏ اما ميليتسا راديشيتْش من منطقة سلافونيا بكرواتيا فاعتمدت سنة ١٩٥٠،‏ وانتقلت هي ايضا مع عائلتها الى البوسنة.‏ فراحت هاتان العائلتان تنشران حق الملكوت في البوسنة.‏ وكما هي الحال في انحاء يوغوسلافيا الاخرى،‏ كان عليهم ان يكرزوا بحذر.‏ تروي ڤيرونيكا:‏ «عرفت الشرطة بأمرنا.‏ فصادرت مطبوعاتنا،‏ اعتقلتنا،‏ استجوبتنا،‏ هدَّدتنا بالسجن،‏ وغرَّمتنا.‏ ولكن ما من شيء ثبَّط عزيمتنا او اخافنا،‏ بل على العكس قوَّى ذلك ايماننا بيهوه».‏

وتتذكر ميليتسا:‏ «ذات يوم،‏ اتى رجل الى قاعة الملكوت وأعرب عن اهتمام بالحق.‏ فرحَّب به الاخوة واستقبلوه في بيوتهم حيث مكث عندهم بعض الوقت.‏ وكان يعلِّق بحماس في الاجتماعات.‏ لكنّ ابنتنا رأته لاحقا في مكان عملها يحضر اجتماعا للبوليس السري.‏ فأدركنا ان الشرطة ارسلته ليتجسَّس علينا.‏ وإذ انكشف امره توقَّف عن المجيء».‏

قاعات الملكوت الاولى

قبل تسجيل شهود يهوه شرعيا،‏ كان عقد اجتماعاتهم في البيوت الخاصة مخالفا للقانون.‏ لذلك كانوا يعرِّضون انفسهم لخطر الاعتقال حين يفعلون ذلك.‏ ولكن حتى بعدما سُمح لهم بالاجتماع علانية،‏ وجدوا صعوبة في ايجاد مكان للاجتماع لأن كثيرين من الناس كانوا يكرهون شهود يهوه ويرفضون ان يؤجِّروهم مبانيهم.‏ لذلك قرَّروا ان يشتروا مباني لعقد الاجتماعات فيها.‏

وسرعان ما وجد الاخوة مشغلا في وسط زغرب بكرواتيا.‏ فحوَّلوه الى قاعة ملكوت جميلة تتَّسع لنحو ١٦٠ شخصا وأضافوا اليها مكتبا صغيرا لطبع المطبوعات.‏ استُخدمت هذه القاعة ايضا لعقد المحافل الدائرية والكورية،‏ وقد عُقد فيها عام ١٩٥٧ اول محفل كوري للشهود من كل انحاء يوغوسلافيا.‏ وبعد عدة سنوات،‏ اشترى الاخوة بيتا في وسط زغرب في شارع كاماوْفوڤا استخدمته عائلة بيت ايل حتى سنة ١٩٩٨.‏

عام ١٩٥٧،‏ اشترى الاخوة مبنى في بلغراد بصِربيا ليكون قاعة ملكوت وأيضا مكتبا لأعمال بيت ايل.‏ وبعد ذلك،‏ اشتروا اسطبلا في لْيوبلييانا بسلوفينيا وحوَّلوه الى قاعة ملكوت.‏ وفي عام ١٩٦٣،‏ حوَّلوا مرأب منزل في ساراييفو الى قاعة استخدمتها اول جماعة في البوسنة والهرسك.‏ لقد استلزم بعض هذه المباني الكثير من العمل،‏ لكن الاخوة كانوا اسخياء في تقديم انفسهم ومواردهم ويهوه بارك جهودهم.‏

ترتيب يساهم في النمو الروحي

عام ١٩٦٠،‏ عُيِّن نظار جائلون لمساعدة الجماعات وتشجيعها.‏ ودُعي بعض الاخوة الى الخدمة كنظار دوائر في نهايات الاسابيع.‏ وقد قبل هؤلاء طوعا ان يستخدموا ايام راحتهم من العمل للسفر وتشجيع الاخوة وتعزيز الوحدة في تلك الايام.‏

يتذكر هنريك كوڤاتْشيتْش،‏ عضو في لجنة الفرع في كرواتيا:‏ «خدمت مع زوجتي كناظر دائرة في نهايات الاسابيع سنة واحدة تقريبا،‏ ولاحقا كناظر جائل كامل الوقت.‏ كان الاخوة يعيشون في ظروف سيئة للغاية،‏ وغالبا ما مكثنا في بيوت ليست لها شبكات مياه او مراحيض بخزان مياه.‏ لكنّ الاخوة قدَّروا زياراتنا تقديرا عميقا وأعربوا عن محبة وضيافة مميَّزتين.‏ فكانوا دائما يتخلّون عن سريرهم لننام نحن عليه ويعدّون لنا وجبة طعام مع انهم فقراء جدا.‏ لذلك كنا في بعض الجماعات نبيت في منزل مختلف كل ليلة لكي لا نشكِّل عبئا على احد».‏

يقول شاندور پالْفي الذي يخدم الآن في لجنة البلد في صِربيا:‏ «كانت الخدمة كناظر دائرة في نهايات الاسابيع اروع اختبار في حياتي بالرغم من صعوبتها.‏ فكان الاخوة ينتظرون مجيئنا بشوق.‏ ورغم فقرهم،‏ فعلوا كل ما في وسعهم ليقدِّموا لنا افضل ما لديهم.‏ فقد اعتبروا زيارة ناظر الدائرة مناسبة خصوصية جدا».‏

وفيما كان ميلوش كنيجيڤيتش يخدم كناظر دائرة،‏ ادار ايضا عمل مكتب الفرع في يوغوسلافيا.‏ وقد كان له دور فعّال في معالجة الكثير من الشكاوى القضائية التي رُفعت ضد اخوتنا خلال عقود الحكم الشيوعي.‏

تقدُّم مبهج في مقدونية

عام ١٩٦٨،‏ تعرَّف شاب من كوشاني بمقدونية الى الحق حين كان في الجامعة في زغرب.‏ ولدى عودته الى مسقط رأسه،‏ اخبر اقرباءه وأصدقاءه عن البشارة.‏

يروي سْتويان بوڠاتينوڤ،‏ اول شخص يعتمد من كوشاني:‏ «كان هذا الشاب ابن خالتي».‏ ويضيف:‏ «كنت اعمل نادلا في مطعم،‏ وأتحدث احيانا مع زملائي عن الدين.‏ بعد احدى مناقشاتنا،‏ دخل عضو في الكنيسة الارثوذكسية لتناول وجبة طعام.‏ فسألته وأنا اقوم على خدمته هل استطيع الحصول على كتاب مقدس من كنيسته،‏ لأنني اردت حقا ان اعرف عن اللّٰه.‏ فقال انه سيحاول ان يجلب لي كتابا.‏ وسرعان ما حصلت على نسختي الخاصة من ‹العهد الجديد›.‏ ومن شدة فرحي به اسرعت بعد العمل الى البيت لأبدأ بقراءته.‏

‏«وفي طريقي فوجئت برؤية ابن خالتي الذي كان قد عاد من زغرب.‏ فدعاني الى بيته،‏ لكنني اعتذرت لأنني كنت متحمِّسا للذهاب الى البيت لأقرأ كتابي المقدس.‏ فقال:‏ ‹لديّ شيء يهمّك.‏ عندي كتب ستساعدك على فهم الكتاب المقدس›.‏ فذهبنا الى بيته وفرحت كثيرا حين وجدت ان لديه كتابا مقدسا كاملا وبعض الكراريس ومجلات برج المراقبة بالكرواتية.‏ عندما اعطاني المطبوعات بدأت على الفور بقراءتها،‏ وسرعان ما ادركت انني اقرأ معلومات مميّزة.‏ لم اكن اعرف احدا من شهود يهوه،‏ لكنني اردت ان اتعرَّف اليهم.‏

‏«حين عاد ابن خالتي الى زغرب ذهبت معه.‏ وهناك دعاني شاهد مضياف اسمه إيڤيتْسا پاڤلاكوڤيتش الى بيته حيث مكثت ثلاثة ايام.‏ وفي هذه الايام طرحت عليه اسئلة كثيرة كان يجيبني عنها دائما من الكتاب المقدس،‏ الامر الذي اثَّر فيّ كثيرا.‏ كما حضرت اجتماعا للجماعة وتشجَّعت بالجو الودّي هناك.‏

‏«اخذني إيڤيتْسا لزيارة بيت ايل في زغرب،‏ فغادرت المكان بعد الزيارة وقلبي يرقص فرحا وجعبتي ملآنة بالمطبوعات.‏ بعد ايام قليلة لن انساها ابدا،‏ عدت الى كوشاني وفي حوزتي الكنز الروحي الذي وجدته.‏ لم يكن هنالك شهود يسكنون على مقربة مني،‏ فأخذت اراسل إيڤيتْسا بانتظام.‏ وكانت رسائلي تتضمن الكثير من الاسئلة ورسائله تجيب عنها كلها.‏ وكلما تعلَّمت شيئا اخبرت به زوجتي وأولادي،‏ فبدأوا يظهرون الاهتمام بما اتعلَّمه.‏ وسرعان ما صرنا عائلة يوحِّدها الحق وتعلَّمنا الكثير عن الكتاب المقدس.‏ شعرنا بالسعادة نتيجة ذلك،‏ فأخذنا نتحدث بغيرة الى اقربائنا وأصدقائنا عن البشارة وأصغى كثيرون الينا.‏ ولكن مع الكرازة اتى الاضطهاد».‏

الاجتماع باتحاد في المانيا

مع ان اخوتنا في يوغوسلافيا لم يكونوا منعزلين كالاخوة في البلدان الشيوعية الاخرى،‏ إلا انهم كانوا قلائل ويتوقون الى اختبار محبة معشر الاخوة العالمي.‏ لذلك عندما عرفوا عن محفل «السلام على الارض» الاممي الذي خُطِّط ليُعقَد عام ١٩٦٩،‏ طلبوا من الحكومة منحهم الاذن لمغادرة البلد من اجل حضوره.‏ وتخيَّل فرحتهم عندما مُنحوا الاذن بذلك!‏

عُقد المحفل في مدرَّج كبير في نورمبورڠ بألمانيا حيث استعرض هتلر،‏ الذي هدَّد بإبادة شهود يهوه،‏ قواته العسكرية قبل بضعة عقود فقط.‏ وقُدِّم البرنامج بلغات عديدة.‏ ويا للفرح الذي شعر به المندوبون اليوغوسلافيون حين عرفوا ان فترات من المحفل ستُقدَّم بلغتَين من لغاتهم في ملعب رياضي محاط بالاشجار يقع قرب المدرَّج الرئيسي.‏ لقد قسمت منصّة كبيرة هذا الملعب الى قسمين.‏ جلس نصف المندوبين في القسم الاول ليسمعوا البرنامج باللغة الصربية الكرواتية،‏ والنصف الآخر في القسم الثاني ليسمعوا البرنامج باللغة السلوفينية.‏ وكم عمَّق هذا البرنامج الذي دام ثمانية ايام معرفتهم وقوَّى ايمانهم!‏

كانت القطارات والباصات قد حُجزت من كل انحاء يوغوسلافيا لأخذ المندوبين الى المانيا.‏ يروي اخ سافر الى هناك من كرواتيا:‏ «من شدة فرحتنا بأننا سنتحد مع اخوتنا وأخواتنا،‏ عرضنا بفخر على نوافذ عربة قطارنا لافتات تعلن عن المحفل».‏

ابتهج الاخوة لرؤية وسماع ناثان نور وفردريك فرانز من المركز الرئيسي العالمي.‏ يتذكر احد المندوبين:‏ «لم نستطع ضبط مشاعرنا عندما اتيا الى قسمنا من المدرَّج للترحيب بنا».‏ فالبركات التي تمتع بها اخوتنا اليوغوسلافيون فاقت الى حد كبير التضحيات الكثيرة التي قاموا بها لحضور المحفل.‏ تقول ميلوسييا سيميتش،‏ التي سافرت من صِربيا:‏ «كلَّفتني الرحلة الى المحفل راتب شهرين.‏ وكان من الصعب ان احصل على عشرة ايام عطلة.‏ كما كانت هنالك امكانية ان اخسر عملي حين اعود.‏ رغم ذلك،‏ صمَّمت على الذهاب.‏ وكم كان المحفل رائعا!‏ فإلى هذا اليوم،‏ بعد حوالي ٤٠ سنة،‏ تنهمر دموعي فرحا حين اتذكر تلك المناسبة».‏ واجتماع الرفقاء الشهود معا من كل انحاء يوغوسلافيا لاختبار الوحدة مع معشر اخوتنا العالمي،‏ حصَّنهم لمواجهة التحديات الكامنة امامهم.‏

الفاتحون المحليون يسدّون الحاجة

كان الفاتحون الالمان الذين اتوا في اوائل الثلاثينات قد انجزوا الكثير من العمل في نشر البشارة.‏ ولكن بازدياد عدد الناشرين الآن،‏ ازداد عدد الاخوة اليوغوسلافيين الذين انخرطوا في خدمة الفتح.‏ فكانت سلوفينيا مثلا،‏ على استعداد لإرسال فاتحين ذوي خبرة الى الانحاء النائية من يوغوسلافيا حيث الحاجة اعظم الى منادين بالملكوت.‏ وهؤلاء الفاتحون واجهوا بشجاعة تحدّي تعلُّم لغات جديدة وعادات حضارات جديدة.‏

تتذكر يولاندا كوتزيانتشيتش:‏ «ذهبت للخدمة في پريشتينا،‏ اكبر مدينة في كوسوفو.‏ وكان الناس هناك يتكلمون الألبانية والصربية.‏ ومع اننا انا ومينْكا كارلوڤْشيك لم نكن نتكلم ايًّا من هاتين اللغتين،‏ قرَّرنا ان نبدأ بالكرازة.‏ وبواسطة الكرازة تعلّمنا اللغتين.‏ قابلنا في اول منزل زرناه الابن البكر لأرملة تشيكية الاصل.‏ فبدأنا عرضنا بالسلوفينية مع بعض التعابير الصربية وقلنا:‏ ‹نودّ ان نتكلم الى عائلتك عن البشارة من الكتاب المقدس›.‏

‏«فأجاب:‏ ‹تفضَّلا بالدخول.‏ امي في انتظاركما›.‏

‏«حين دخلنا،‏ اسرعت الام روجيتسا لاستقبالنا.‏ وأوضحت انها قبل ١٤ يوما طلبت من يهوه في صلاتها ان يرسل احدا ليعلِّمها عنه.‏ فأختها الاكبر واحدة من شهود يهوه في ما هو الآن الجمهورية التشيكية،‏ وقد اقترحت عليها مرارا ان تصلِّي الى يهوه لنيل المساعدة.‏ وكانت روجيتسا مقتنعة ان زيارتنا هي استجابة لصلاتها.‏ وهكذا فيما علَّمتنا هي الصربية علَّمناها نحن حق الكتاب المقدس.‏ وقد انضم الينا في الدرس الطلاب المستأجرون عندها.‏ وأعطانا احدهم قاموسا ألبانيّا ساعدنا على تعلُّم هذه اللغة ايضا».‏

كان زوران لالوڤيتش،‏ في الجبل الاسود،‏ مجرد صبي حين حصل على كتاب مقدس من فاتح من مدينة زغرب بكرواتيا.‏ وبعد خمس سنوات،‏ في عام ١٩٨٠،‏ درس الحق مع فاتح خصوصي اتى من صِربيا.‏ يقول زوران:‏ «استصعبت في البداية قطع علاقتي برفقائي في الديسكو.‏ ولكن حين فعلت ذلك اخيرا،‏ احرزت تقدُّما سريعا واعتمدت بعد عدة اشهر في بلغراد بصِربيا.‏ وبعيد معموديتي،‏ عُيِّن لي ان ألقي خطابا عاما بسبب قلة الاخوة الذكور.‏ وابتدأنا ايضا نعقد كل الاجتماعات في مدينة پودغوريتسا».‏

المعموديات في حقول الارزّ

قال سْتويان بوڠاتينوڤ من مقدونية:‏ «كنت انا اعمِّد الاشخاص الذين يرغبون في المعمودية.‏ لم يكن لدينا حوض استحمام،‏ كما ان النهر المحلي صغير جدا.‏ ولكن هنالك في منطقتنا حقول ارزّ كثيرة ذات قنوات للريّ،‏ بعضها عميق ونظيف كفاية لإجراء المعموديات.‏ اتذكر اول معمودية اجريتها في حقل للارزّ.‏ ففيما كنا نسير في الحقل الى القناة،‏ ناداني شخص قائلا:‏ ‹أجلبت عمّالا جددا يا سْتويان؟‏!‏›.‏

‏«اجبته:‏ ‹اجل،‏ اجل.‏ هنالك الكثير من العمل›.‏ فما كانوا يعرفون اننا عمّال لحصاد روحي يجري في مقدونية».‏

كان الاخوة في مقدونية ينقصهم الكثير من المعرفة عن الترتيبات الثيوقراطية اذ قلَّما استطاعوا الاتصال بمكتب الفرع.‏ وقد فرح سْتويان سْتويْميلوڤ بإيجاد شهود في كوشاني حين عاد الى مقدونية من المانيا،‏ حيث كان قد ابتدأ بحضور الاجتماعات هناك.‏ يروي قائلا:‏ «حين اتيت وأخبرت الاخوة كيف تُعقد الاجتماعات في المانيا،‏ طلبوا مني على الفور ان ادير درس برج المراقبة وألقي خطابا عاما.‏ اوضحت لهم انني لم اعتمد بعد.‏ لكنهم أصرّوا على انني الشخص الاكثر اهلية لذلك،‏ فاستجبت لطلبهم.‏ وأخيرا احرزنا انا وزوجتي تقدُّما روحيا واعتمدنا كلانا في حقول الارزّ».‏

ويوضح ڤيسيلين إيلْيِيڤ،‏ الذي يخدم الآن كشيخ في كوشاني:‏ «لم نعرف إلا القليل عن الترتيبات الثيوقراطية،‏ لكننا احببنا الحق كثيرا».‏ ومع الوقت،‏ حرص يهوه على تقويم الامور.‏ فجعلُ المزيد من المطبوعات متوفرا باللغة المقدونية ساهم كثيرا في تقدم حق الملكوت وتقوية الجماعات.‏

استخدام المزيد من الحرية بحذر

بما ان يوغوسلافيا لم تكن تحت سيطرة روسيا،‏ تمتع شعبها بحريات استحال على الساكنين خلف الستار الحديدي التمتع بها.‏ ففي اواخر الستينات،‏ اصبحت يوغوسلافيا اول بلد شيوعي يلغي التأشيرات ويقلِّل من التشديد على الحدود.‏ وإذ ازدادت حرية التنقل،‏ تولّى الاخوة في شمال يوغوسلافيا مهمة نقل المطبوعات الى البلدان المتاخمة للاتحاد السوفياتي،‏ حيث كان عمل الكرازة لا يزال محظورا.‏

فكانوا اولا يجلبون المطبوعات من المانيا الى يوغوسلافيا بسيارات ڤان للشحن.‏ يتذكر جورو لانديتش،‏ الذي يخدم في لجنة فرع كرواتيا،‏ ان منزلهم كان مخزنا للمطبوعات حتى سقوط الاتحاد السوفياتي.‏ ويقول:‏ «احتوت سيارات عائلتنا على حجيرات مخفية في اسفلها وفي لوحة القيادة.‏ كنا نعرف انه اذا اكتُشف امرنا،‏ فسنخسر سياراتنا ونُزجّ في السجن.‏ ولكنّ الفرح الذي كان يعبِّر عنه اخوتنا حين يتسلَّمون المطبوعات استحق المجازفة».‏

تروي الاخت ميلوسييا سيميتش،‏ التي كانت تنقل المطبوعات من صِربيا الى بلغاريا:‏ «لم اعرف قط الى مَن سأسلِّم المطبوعات.‏ فقد كنت أُعطى عنوانا فقط.‏ ذات مرة ترجَّلت من الباص وقصدت العنوان،‏ فوجدت البيت لكنني لم اجد فيه احدا.‏ فدرت حول مجمّع البيوت هناك،‏ وأتيت الى البيت المقصود من اتجاه آخر وقرعت الباب ثانية ولم اجد احدا.‏ فعلتُ ذلك حوالي عشر مرات خلال النهار،‏ انما بحذر لئلا اثير الشبهات.‏ رغم ذلك لم اجد احدا هناك.‏ وقد تبيَّن لاحقا ان ما حصل هو للخير،‏ اذ اكتشفت ان العنوان المعطى لي ليس العنوان الصحيح.‏

‏«كنت قد عملت بكدّ في نسخ المطبوعات وطبعها عدة مرات على الآلة الكاتبة،‏ لذلك صعب عليّ ان اتخلص منها.‏ فقرَّرت ان اعيدها الى صِربيا حيث يمكن الاستفادة منها.‏ ورغم انني اشتريت تذكرة سفر ذهابا وإيابا،‏ كنت لا ازال بحاجة الى تذكرة لأصل الى المحطة التي سأعود منها الى صِربيا.‏ فعادة،‏ كان الاخوة الذين يتسلَّمون المطبوعات يعطونني المال لشراء تذكرة،‏ لأن القانون كان يحدِّد مبلغ المال الذي يُسمح بإدخاله الى البلد.‏ فصلَّيت حين اقتربت من شبّاك التذاكر ان اجد امرأة تعمل هناك.‏ وما ان وصلت حتى وجدت قاطع التذاكر يغادر وتأخذ مكانه امرأة.‏ عرضت عليها ان اقايض تذكرة السفر بالثيات التي كنا قد استخدمناها للفّ المطبوعات.‏ فقبلت عرضي،‏ وهكذا حصلت على تذكرة سفر».‏

في اوائل الثمانينات،‏ كان الاخوة يترجمون المطبوعات الى اللغتين الألبانية والمقدونية ويرسلون النسخ المكتوبة باليد الى المكتب الصغير في بلغراد.‏ وهناك تطبع ميلوسييا المواد على الآلة الكاتبة باستخدام ورق الكربون،‏ فتنتج ثماني نسخ كل مرة.‏ وقد كان هذا التعيين صعبا جدا لأن المواد مكتوبة باليد وهي لم تكن تعرف اللغتين.‏

الاخوة الشبان يتَّخذون موقفا ثابتا

صحيح اننا حصلنا رسميا على حرية العبادة،‏ لكنّ الحكومة اعتبرت موقفنا الحيادي تهديدا لوحدة يوغوسلافيا.‏ لذلك واجه اخوتنا المقاومة.‏ خلال الحرب العالمية الثانية بقي كثيرون منهم امناء حتى الموت بسبب حيادهم.‏ اما خلال العقود الثلاثة التالية،‏ فلم يعرب الجميع عن الايمان القوي نفسه.‏ فرغم ان البعض كانوا يحضرون الاجتماعات المسيحية ويدعمون عمل الملكوت،‏ إلا انهم حين دُعوا الى الخدمة العسكرية وجدوا مبرِّرات لتأديتها.‏

والاخوة الشبان الذين اتَّخذوا موقفا حياديا،‏ واجهوا احكاما بالسجن وصلت الى عشر سنوات.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ كان يمكن ان يحاكَموا عدة مرات قبل ان يبلغوا سنّ الثلاثين.‏ وقد كان بعض الذين واجهوا امتحانات الاستقامة هذه ورفضوا المسايرة جددا في الحق.‏ واليوم،‏ كثيرون منهم اخوة مسؤولون يأخذون القيادة في الجماعات.‏

محفل اممي مبهج

لم يكن شهود يهوه في يوغوسلافيا قد اختبروا بعد الفرح الناجم عن استضافة محفل اممي في بلدهم.‏ فتخيَّل فرحتهم عندما اعلنت الهيئة الحاكمة سنة ١٩٩١ ان احد محافل «محبّو الحرية» الاممية سيُعقد في زغرب بكرواتيا!‏

ولكن كانت هنالك عقبات.‏ فمنذ اعلان كرواتيا استقلالها عن يوغوسلافيا،‏ اخذت بوادر الحرب تلوح في الافق.‏ فراح الاخوة يتساءلون عما اذا كان من الحكمة ان يعقدوا محفلا هناك،‏ لأن سلامة المندوبين الاجانب والاخوة المحليين بالغة الاهمية.‏ وبعد الكثير من الصلوات والمداولات،‏ قرَّروا ان يباشروا استعداداتهم للمحفل.‏

قبل المحفل بعدة اسابيع سافر ثيودور جارس،‏ عضو في الهيئة الحاكمة،‏ الى كرواتيا لتقديم المساعدة على تنظيمه.‏ وبسبب إلغاء كل البرامج العامة الاخرى في زغرب،‏ تركَّز اهتمام الناس عامةً على ما سيجري في مدرَّج دينامو.‏ وحين اقترب موعد المحفل،‏ كان وضع البلد لا يزال غير مستقر.‏ وكان اخوتنا يفكرون يوميا في المخاطر ويطرحون السؤال نفسه مرارا وتكرارا:‏ هل نواصل استعداداتنا ام نلغي المحفل؟‏ كما انهم واظبوا على الصلاة الى يهوه ملتمسين ارشاده.‏ ومن المدهش ان الجو السياسي استقر وتمكَّنوا من عقد المحفل من ١٦-‏١٨ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩١.‏

ويا للتباين الكبير!‏ ففيما كانت البلدان المجاورة على شفير خوض حرب عنيفة،‏ كان شهود يهوه في كرواتيا يرحِّبون بآلاف الضيوف الى محفل «محبّو الحرية الالهية» الاممي.‏ * وفيما كان عدد كبير من الناس يهربون من البلد،‏ كان الاخوة والاخوات من ١٥ دولة يجتمعون معا بمحبة وحرية.‏ وقد اتت فرق كبيرة بالطائرات من الولايات المتحدة وكندا ودول غربية اخرى.‏ لكنّ المطار في زغرب كان مغلقا بسبب الوضع العسكري.‏ فاضطرت الطائرات ان تهبط في لْيوبلييانا بسلوفينيا.‏ ومن هناك انتقل المندوبون بالباصات الى زغرب.‏ لقد كانت شجاعة الاخوة الزائرين شهادة حسنة للناس هناك،‏ كما كان حضورهم مصدر تشجيع كبير للاخوة المحليين.‏ وأكبر فريق من المندوبين اتى من ايطاليا،‏ اذ بلغ عدده حوالي ٠٠٠‏,٣ شخص.‏ وقد اضرمت حرارة محبتهم وفيض حيويتهم روح الحماسة في المدرَّج.‏ —‏ ١ تس ٥:‏١٩‏.‏

وما قوَّى ايمان الاخوة بشكل خصوصي كان استضافة خمسة اعضاء من الهيئة الحاكمة.‏ فإلى هذا اليوم يتذكر كثيرون بإعزاز الخطابات التي ألقاها كاري باربر،‏ لويد باري،‏ مِلتون هنشل،‏ ثيودور جارس،‏ ولايْمَن سْوينڠل.‏ فهؤلاء الاخوة،‏ الذين لديهم سنوات طويلة من الخبرة،‏ لم يعقهم الوضع المضطرب في البلد بل دخلوه بجرأة لتقوية اخوتهم بخطاباتهم البنّاءة.‏

بسبب عدم الاستقرار السياسي،‏ خافت السلطات من حدوث اصطدامات إثنية بين المندوبين الآتين من مختلف انحاء يوغوسلافيا.‏ وكم شعروا بالراحة حين رأوا انهم لا يجتمعون معا بسلام فقط بل يعربون ايضا عن محبة اخوية حارة!‏ فصار عدد رجال الشرطة ينخفض يوما بعد يوم.‏

اثبت هذا المحفل الذي لا يُنسى ان شهود يهوه هم حقا معشر اخوة عالمي.‏ وتذكُّر الاخوة هذه المناسبة كان سيساعدهم على البقاء موحَّدين خلال المحن الكامنة امامهم.‏ لقد كانت الباصات التي أقلّت المندوبين الصربيين والمقدونيين الى موطنهم بين آخر العربات التي سُمح لها بالعودة عند حاجز التفتيش بين كرواتيا وصِربيا.‏ فبعد ان عبر اخوتنا بأمان أُغلقت الحدود.‏ وكثيرون يقولون ان الحرب ابتدأت في هذا الوقت.‏

في الاشهر والسنوات التالية،‏ اخذت الجمهوريات التي كانت سابقا جزءا من يوغوسلافيا تعلن استقلالها وتقيم حكوماتها الخاصة.‏ وقد اودى الصراع الشديد الذي تلا بحياة عشرات الآلاف من الناس وتسبَّب بآلام لا توصف.‏ فماذا حدث لاخوتنا في وقت الاضطراب هذا؟‏ وكيف بارك يهوه عمل الكرازة بالملكوت في هذه البلدان التي اصبحت مستقلة؟‏ هذا ما سنراه في ما يلي.‏

تاريخ البوسنة والهرسك الحديث

‏«في ١٦ ايار (‏مايو)‏ ١٩٩٢،‏ كنا نحو ١٣ شخصا قابعين في احدى الشقق فيما كانت قذائف الهاون المتفجِّرة تنثر شظاياها وتخردق ساراييفو.‏ وقد اصابت اثنتان منها المبنى الذي لجأنا اليه للحماية.‏ ومع اننا نتحدر من اصل كرواتي وصربي وبوسني —‏ الفرق الثلاث عينها التي تتحارب في الخارج —‏ كانت العبادة النقية توحِّدنا.‏ عندما خفَّت حدة القصف فجرًا،‏ غادرنا الشقة بحثا عن مكان اكثر أمانا.‏ وكما فعلنا في الليلة السابقة،‏ صلَّينا الى يهوه بصوت عال وهو استجاب لنا».‏ —‏ هَليم تْسوري.‏

كانت ساراييفو،‏ التي يزيد عدد سكانها على ٠٠٠‏,٤٠٠ نسمة،‏ تحت احد اعنف وأطول الحصارات في التاريخ الحديث.‏ فكيف واجه اخوتنا وأخواتنا الروحيون النزاعات الإثنية والدينية التي مزَّقت هذا البلد؟‏ قبل ان نروي قصتهم،‏ لنتعرَّف اكثر على البوسنة والهرسك.‏

يقع البلد المعروف بالبوسنة والهرسك في وسط يوغوسلافيا السابقة وتحيط به كرواتيا،‏ صِربيا،‏ والجبل الاسود.‏ وهو يتميز بروابط حضارية وعائلية قوية،‏ ويولي الضيافة اهمية كبيرة.‏ يُعدّ ارتشاف القهوة التركية في منزل الجيران او تمضية الوقت في الكافيتشي (‏المقاهي)‏ تسلية شائعة هناك.‏ ومع انه لا يمكن تمييز السكان جسديا واحدهم عن الآخر،‏ فهم يتألفون من بوسنيين وصربيين وكرواتيين.‏ صحيح ان كثيرين لا يعتبرون انفسهم متديِّنين جدا،‏ إلا ان الدين هو الذي قسَّم الناس.‏ ويدين معظم البوسنيين بالإسلام،‏ في حين ينتمي الصربيون الى الكنيسة الارثوذكسية والكرواتيون الى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.‏

ادَّى الازدياد الهائل للتعصب الديني والبغض الإثني في اوائل التسعينات الى اتِّباع سياسة مفجعة دُعيت التطهير العرقي.‏ فقد هجَّرت القوات المنتصرة المدنيين —‏ في القرى الصغيرة والمدن الكبيرة على السواء —‏ لتشكِّل مناطق من عرق واحد ينتمي الى فريقهم الديني.‏ فعرَّض ذلك اخوتنا وأخواتنا لامتحانات الحياد.‏ وفي البوسنة كما في بلدان يوغوسلافيا السابقة الاخرى،‏ يدين معظم الناس بدين والديهم،‏ وغالبا ما يكشف اسم العائلة عن دينها.‏ لذلك حين يصير المستقيمو القلوب خداما ليهوه،‏ يمكن ان يُعتبروا خَوَنة لعائلتهم وتقاليدهم.‏ لكنّ اخوتنا تعلَّموا ان الولاء ليهوه هو حماية.‏

مدينة تحت الحصار

كما رأينا سابقا،‏ تأثر اخوتنا اليوغوسلافيون عميقا بالمحبة والوحدة اللتين أُعرب عنهما في محفل «محبّو الحرية الالهية» الذي عُقد عام ١٩٩١ في زغرب بكرواتيا.‏ وهذا المحفل الذي لا يُنسى حصَّنهم لمواجهة المحن التي كانوا سيتعرَّضون لها.‏ ففيما كان البوسنيون والصربيون والكرواتيون يعيشون معا بسلام في ساراييفو،‏ احاطت فجأة قوات مسلَّحة بالمدينة واحتُجز الجميع فيها،‏ من بينهم اخوتنا.‏ وبالرغم من الوضع السياسي المضطرب،‏ لم يتوقع احد ان يدوم النزاع طويلا.‏

اخبر هَليم تْسوري،‏ شيخ في ساراييفو:‏ «الناس يتضوَّرون جوعا.‏ ففي كل شهر يحصلون فقط على كيلوغرامات قليلة من الطحين،‏ مئة غرام من السكر،‏ ونصف ليتر من الزيت.‏ وبسبب النقص في المواد الغذائية،‏ لا يوفِّرون قطعة ارض في المدينة إلا ويزرعونها بالخضر.‏ كما انهم يقطعون اشجار ساراييفو للحصول على الحطب.‏ وحين تنفد الاشجار،‏ ينزعون خشب الارضيات في شققهم ويستخدمونه كوقود للطبخ والتدفئة.‏ انهم يستعملون اي شيء يحترق،‏ حتى الاحذية القديمة».‏

عندما ضُرب الحصار على ساراييفو،‏ احتُجزت ليلييانا نينْكوڤيتش وزوجها نيناد في المدينة وفُصلا عن ابنتيهما.‏ تقول ليلييانا:‏ «كنا عائلة نموذجية لها ولدان وتملك شقة وسيارة.‏ وفجأة تغيَّر كل شيء».‏

لكنهما اختبرا حماية يهوه في احيان كثيرة.‏ تتابع ليلييانا قائلة:‏ «أُصيبت شقتنا مرتين بالقذائف بعيد مغادرتنا اياها.‏ ورغم المشقّات،‏ وجدنا الفرح في الامور البسيطة.‏ مثلا،‏ كنا نفرح بالذهاب الى الحديقة العامة والتقاط بعض اوراق الهندباء البرية لإعداد السَلَطة كيلا نتناول الارزّ الابيض وحده.‏ وتعلَّمنا ان نكتفي بما عندنا وأن نقدِّر قيمة اي شيء نحصل عليه».‏

التدابير المادية والروحية

كان الحصول على المياه احد اصعب المشاكل التي واجهها الناس لأنها نادرا ما كانت تصل الى البيوت.‏ فقد لزم ان يسيروا مسافة خمسة كيلومترات عبر مناطق يستهدفها القنّاصون لجلب المياه.‏ كما لزم عند مكان تعبئة المياه ان يقفوا في الصف ساعات حتى يأتي دورهم ليملأوا حاوياتهم،‏ وأن يرجعوا بخطوات مثقلة الى البيت وهم يحملونها.‏

يخبر هَليم:‏ «شكَّل وصول المياه الى البيوت لوقت قصير امتحانا لنا.‏ ففي هذا الوقت كان علينا ان نستحمّ،‏ نغسل الثياب،‏ ونخزِّن الماء في اكبر عدد ممكن من الحاويات.‏ ولكن ماذا لو تزامن هذا الوقت الذي طالما انتظرناه مع موعد الاجتماع؟‏ عندئذ كان علينا ان نقرِّر:‏ إما ان نذهب الى الاجتماع او نبقى في البيت لخزن المياه».‏

فيما كانت التدابير المادية ضرورية،‏ قدَّر الاخوة كثيرا اهمية التدابير الروحية.‏ وفي الاجتماعات لم يحصلوا على الطعام الروحي فقط بل ايضا على معلومات تفصيلية عن الذين سُجنوا،‏ أُصيبوا من جراء القصف،‏ او حتى قُتلوا.‏ يروي ميلوتين پاييتش الذي يخدم شيخا في الجماعة:‏ «كنا مثل عائلة.‏ فبعد الاجتماع،‏ لم يكن احد يرغب في المغادرة.‏ وغالبا ما بقينا ساعات ونحن نتحدث عن الحق».‏

لم تكن الحياة سهلة،‏ وكثيرا ما خاف الاخوة على انفسهم.‏ رغم ذلك،‏ وضعوا مصالح الملكوت اولا.‏ وفيما كانت الحرب تمزِّق البلد،‏ كان شعب يهوه يقتربون اكثر واحدهم الى الآخر وإلى إلههم السماوي.‏ وقد لاحظ الاولاد ولاء آبائهم ونمّوا هم ايضا ولاء لا يتزعزع ليهوه.‏

حوصرت مدينة بِهاتْش الواقعة قرب الحدود الكرواتية طوال اربع سنوات تقريبا.‏ ولم يتمكن الناس هناك من مغادرتها،‏ كما تعذَّر ادخال مؤن الاغاثة اليها.‏ يروي أوسمان شاتْشيرْبيڠوڤيتش،‏ الشاهد الذكر الوحيد الذي كان معتمدا في هذه المدينة:‏ «كانت بداية الحرب هي الاصعب.‏ والسبب في ذلك ليس لأن الوضع كان عسيرا فحسب بل لأننا كنا نواجه امرا جديدا،‏ امرا لم نختبره من قبل قط.‏ وما ادهشنا انه حين بدأ القصف،‏ خفّ توترنا لأننا ادركنا انه ليست كل القنابل تسبِّب الموت.‏ حتى ان بعضها لا ينفجر».‏

لم يعرف احد في البداية الى متى سيدوم القتال،‏ لذلك صنع بيت ايل في زغرب بكرواتيا وبيت ايل في فيينا بالنمسا الترتيبات لخزن مساعدات انسانية في قاعات الملكوت وبيوت الشهود في ساراييفو،‏ زينيكا،‏ توزلا،‏ موستار،‏ تراڤنيك،‏ وبِهاتْش.‏ ومع احتدام القتال،‏ كانت المدن تُحاصَر وتُعزل فجأة.‏ فتنقطع خطوط الامداد،‏ وتنفد المؤن الضرورية بسرعة.‏ ولكن رغم انقطاع عدة مدن في البوسنة عن باقي العالم،‏ لم ينقطع قط رباط الوحدة الاخوية بين شهود يهوه.‏ وكم تباين ذلك مع جحيم البغض الإثني والديني الذي اجتاح البلد!‏

غيورون لكن حذرون

الى جانب تحدّي العثور على ضرورات الحياة اليومية،‏ تعرَّض الناس لخطر القنّاصين المتمركزين حول ساراييفو الذين كانوا يطلقون النار عشوائيا على المدنيين الابرياء.‏ كما استمر وابل القذائف المدفعية يتساقط ويودي بحياة كثيرين.‏ فكان من الخطر احيانا التنقل في المدن المحاصرة.‏ لذلك عاش الناس في خوف دائم.‏ لكنّ اخوتنا وازنوا بين الحكمة والشجاعة،‏ واستمروا يكرزون ببشارة الملكوت للناس الذين كانوا بحاجة ماسة الى التعزية.‏

يروي احد الشيوخ:‏ «خلال احدى اعنف الهجمات على ساراييفو،‏ سقطت آلاف القذائف في مجرد يوم واحد.‏ ومع ذلك،‏ اتصل الاخوة في صباح ذلك السبت بالشيوخ وسألوهم:‏ ‹اين سيكون اجتماع خدمة الحقل؟‏›».‏

تقول احدى الاخوات:‏ «ان رؤية حاجة الناس الماسة الى الحق هي بالتحديد ما ساعدني ليس فقط على الاحتمال بل ايضا على الشعور بالفرح في الظروف الصعبة».‏

وقد ادرك كثيرون من السكان المحليين انهم بحاجة الى رجاء الكتاب المقدس.‏ قال احد الاخوة:‏ «يبحث الناس عنا ليحصلوا على المساعدة الروحية بدل ان نبحث نحن عنهم.‏ فكانوا يأتون الى قاعة الملكوت ويطلبون درسا».‏

يعود السبب الرئيسي لنجاح عمل الكرازة اثناء الحرب الى وحدة معشر اخوتنا المسيحي التي كانت واضحة جدا للناس.‏ تروي ندى بِشْكِر،‏ اخت خدمت سنوات كثيرة كفاتحة خصوصية:‏ «قدَّمت وحدتنا شهادة رائعة.‏ فكثيرون كانوا يرون اخوة بوسنيين وصربيين يعملون معا في الخدمة.‏ وعندما يرون اختا كرواتية وأختا من خلفية مسلمة تدرسان مع امرأة صربية،‏ يدركون فورا اننا مختلفون».‏

تُرى نتائج غيرة اخوتنا الى هذا اليوم،‏ لأن كثيرين ممَّن يخدمون يهوه الآن قبلوا الحق اثناء الحرب.‏ على سبيل المثال،‏ تضاعف عدد الناشرين في الجماعة في بانيا لوكا مع ان مئة ناشر انتقلوا منها الى جماعات اخرى.‏

عائلة امينة

توخَّى اخوتنا الحذر الشديد دائما.‏ رغم ذلك،‏ وقع البعض ضحية «الوقت والحوادث غير المتوقعة» بسبب وجودهم في المكان غير المناسب في الوقت غير المناسب.‏ (‏جا ٩:‏١١‏)‏ كان بوزو جورِم،‏ وهو من اصل صربي،‏ قد اعتمد في المحفل الاممي الذي عُقد في زغرب عام ١٩٩١.‏ وبعد عودته الى ساراييفو زُجّ عدة مرات في السجن بسبب موقفه الحيادي وعُومل معاملة سيئة.‏ وفي عام ١٩٩٤،‏ حُكم عليه بالسجن ١٤ شهرا.‏ غير ان الامر الاصعب عليه كان ابتعاده عن زوجته هينا وابنته ماڠدالينا البالغة من العمر خمس سنوات.‏

بعيد اطلاق سراحه من السجن،‏ حلَّت مأساة.‏ فبعد ظهر احد الايام الهادئة،‏ ذهب الثلاثة لعقد درس في الكتاب المقدس قرب منزلهم.‏ وفي طريقهم،‏ شقّ السكون فجأة انفجار قذيفة مدفعية.‏ فقُتلت هينا وماڠدالينا على الفور،‏ وفارق بوزو الحياة لاحقا في المستشفى.‏

الحياد المسيحي

بسبب ازدياد التحامل،‏ قلّما كان موقف الحياد مقبولا.‏ ففي بانيا لوكا،‏ كانت الجماعة مؤلّفة في معظمها من اخوة شبّان ارادت القوات العسكرية ان يحاربوا معها.‏ ولأنهم حافظوا على حيادهم،‏ تعرَّضوا للضرب.‏

يتذكر أوسمان شاتْشيرْبيڠوڤيتش:‏ «كثيرا ما كانت الشرطة تستجوبنا وتدعونا بالجبناء بحجة اننا لا ندافع عن عائلاتنا».‏

فكان يحاجّهم قائلا:‏ «أليست بندقيتكم هي التي تحميكم؟‏».‏

فيجيب رجال الشرطة:‏ «بالتأكيد!‏».‏

‏—‏ «هل تستبدلونها بمدفع لتنالوا المزيد من الحماية؟‏».‏

‏—‏ «اجل».‏

‏—‏ «هل تستبدلون المدفع بدبّابة؟‏».‏

‏—‏ «طبعا!‏».‏

عندئذ يقول أوسمان:‏ «تفعلون كل ذلك لتنالوا حماية افضل.‏ اما انا فحمايتي هي بيهوه الاله القادر على كل شيء،‏ خالق الكون.‏ وأية حماية هي افضل من حمايته؟‏».‏ فتصير النقطة التي يرمي اليها واضحة،‏ ويتركه رجال الشرطة وشأنه.‏

وصول المساعدات الانسانية

مع ان الاخوة في البلدان المجاورة عرفوا ان الشهود البوسنيين متضايقون،‏ استحال عليهم لمدة من الوقت نقل مؤن الاغاثة اليهم.‏ ولكن في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٣،‏ ذكرت السلطات انه يمكن ادخال مؤن الاغاثة.‏ فقرَّر اخوتنا،‏ رغم الاخطار،‏ ان يستفيدوا من هذه الفرصة الى اقصى حد.‏ وفي ٢٦ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏،‏ غادرت خمس شاحنات فيينا بالنمسا وتوجَّهت الى البوسنة محمَّلة ١٦ طنا من الطعام والحطب.‏ فكيف اجتازت قافلة الشاحنات هذه الكثير من المناطق التي كان القتال لا يزال محتدما فيها؟‏ *

في بعض الاحيان،‏ تعرَّض اخوتنا لخطر جسيم اثناء الرحلة.‏ يتذكر احد السائقين:‏ «انطلقتُ في وقت متأخر من ذلك الصباح وسرت خلف عدة شاحنات اخرى تنقل المساعدات الانسانية.‏ حين اقتربتُ من احد حواجز التفتيش،‏ كانت كل الشاحنات متوقِّفة فيما يدقِّق الضباط في الاوراق.‏ وفجأة سمعت صوت طلقة صادرة من بندقية قنّاص،‏ فأصابت سائقا من غير الشهود».‏

لم يُسمح إلا للسائقين وشاحناتهم بدخول ساراييفو،‏ لذلك وجب على الاخوة الآخرين الذين رافقوا الشاحنات ان ينتظروا خارج المدينة.‏ لكنهم كانوا مصمِّمين على تشجيع الاخوة هناك.‏ فوجدوا هاتفا واتصلوا بالناشرين في ساراييفو،‏ وقدَّم احدهم خطابا عاما مشجِّعا كان الاخوة بأمس الحاجة اليه.‏ وفي احيان كثيرة اثناء الحرب،‏ جازف النظار الجائلون وخدام بيت ايل وأعضاء في لجنة البلد بحياتهم من اجل مساعدة اخوتهم على البقاء احياء جسديا وروحيا.‏

اما بالنسبة الى بِهاتْش فقد استحال ادخال المساعدات الى اخوتنا هناك طوال اربع سنوات تقريبا.‏ ومع ان الطعام الجسدي لم يعبر الحواجز التي عزلت هذه المدينة،‏ استطاع اخوتنا الحصول على الطعام الروحي.‏ كيف؟‏ كان في وسعهم استخدام خط هاتفي وجهاز فاكس،‏ الامر الذي مكَّنهم ان يتسلَّموا دوريا خدمتنا للملكوت ونسخا من برج المراقبة.‏ فكانوا يطبعونها على الآلة الكاتبة ويعطون نسخة واحدة لكل عائلة.‏ في بداية الحرب،‏ كان في بِهاتْش فريق صغير من ثلاثة ناشرين معتمدين.‏ وكان معهم ١٢ ناشرا غير معتمد انتظروا بشوق سنتين مناسبةً ملائمة ليرمزوا الى انتذارهم ليهوه بالمعمودية.‏

وقد شكَّل الانعزال لسنوات كثيرة تحدِّيا.‏ يروي أوسمان:‏ «ان تلاميذي الذين يدرسون الكتاب المقدس لم يحضروا قط محفلا او زيارة لناظر الدائرة.‏ فكنا دائما نتحدث عن هذه المناسبات ونتمنّى ان يأتي الوقت الذي فيه سنتمكن من التمتع بمعاشرة عدد اكبر من اخوتنا».‏

تخيَّل فرحة الاخوة في ١١ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩٥ عندما دخلت الى بِهاتْش شاحنتان كُتب عليهما بجرأة «مؤن الاغاثة لشهود يهوه».‏ وكانتا اولى الشاحنات الخاصة التي تحمل مساعدات انسانية منذ حوصرت المدينة.‏ وقد وصلتا تماما حين شعر الاخوة بأنهم على شفير الانهيار جسديا ونفسيا.‏

لاحظ الجيران في بِهاتْش كيف اهتم الاخوة بحاجات واحدهم الآخر.‏ فقد قاموا مثلا بتغيير الزجاج المكسور في بيوتهم.‏ يقول أوسمان:‏ «ما فعلوه اثَّر في جيراني كثيرا لأنهم كانوا يعرفون اننا لا نملك المال.‏ فكان ذلك شهادة رائعة ما زال يُؤتى على ذكرها حتى الآن».‏ واليوم،‏ توجد في بِهاتْش جماعة غيورة تتألف من ٣٤ ناشرا و ٥ فاتحين.‏

رحلة لا تُنسى!‏

خاطر اخوتنا مرارا كثيرة بحياتهم لإيصال الطعام والمطبوعات الى المدن التي مزَّقتها الحرب في البوسنة.‏ لكنّ الرحلة التي قاموا بها في ٧ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٩٤ كانت مختلفة.‏ ففي وقت باكر من ذلك الصباح،‏ انطلقت من زغرب بكرواتيا قافلة من ثلاث شاحنات فيها اعضاء من لجنة البلد وعمّال آخرون.‏ وكان الهدف منها نقل مؤن الاغاثة،‏ بالاضافة الى تقديم برنامج يوم محفل خصوصي مختصر،‏ هو الاول بعد ثلاث سنوات.‏

كانت مدينة توزلا احد المواقع التي عُقد فيها هذا البرنامج الخصوصي.‏ في بداية الحرب،‏ كانت الجماعة هناك تتألف من نحو ٢٠ ناشرا معتمدا فقط.‏ ولكن لدهشة الاخوة،‏ اتى اكثر من ٢٠٠ شخص للاستماع الى برنامج المحفل!‏ كما اعتمد ثلاثون شخصا.‏ واليوم توجد في توزلا ثلاث جماعات وأكثر من ٣٠٠ ناشر.‏

وكانت زينيكا الموقع الثاني للمحفل.‏ وهناك وجد الاخوة مكانا ملائما للاجتماع معا لكنهم لم يجدوا حوضا ملائما للمعمودية.‏ وأخيرا بعد بحث كثير،‏ وجدوا برميلا يمكن استعماله.‏ وكانت مشكلته الوحيدة رائحته،‏ لأنه كان برميلا للسمك.‏ لكنّ ذلك لم يثنِ المرشحين للمعمودية الذين قبلوا دعوة يسوع ان يصيروا «صيّادي ناس».‏ (‏مت ٤:‏١٩‏)‏ وقد ألقى خطاب المعمودية الاخ هربرت فْرِنزِل،‏ الذي يخدم الآن كعضو في لجنة الفرع في كرواتيا.‏ يروي قائلا:‏ «انتظر المرشحون طويلا ليعتمدوا بحيث انهم ما كانوا ليدَعوا اي شيء يقف في طريقهم.‏ وبعد معموديتهم شعروا بالفرح اذ تغلبوا على العقبات التي اعترضتهم».‏ واليوم توجد في زينيكا جماعة غيورة تتألف من ٦٨ ناشرا.‏

اما الموقع الثالث للمحفل فكان ساراييفو.‏ لم يكن بالإمكان عقد البرنامج هناك إلا قرب مُفترَق طرق كان هدفا للقنّاصين.‏ ولكن بعيد وصول الجميع بسلام الى مكان المحفل،‏ واجه الاخوة مشكلة.‏ فقد كان عليهم ليس فقط ان يجدوا مكانا للمعمودية بل ايضا طريقة لتوفير الماء الثمين.‏ فماذا فعلوا ليضمنوا ان يبقى هنالك ماء كاف ليعتمد الجميع؟‏ أوقفوا كل المرشحين للمعمودية في صف بحسب حجمهم،‏ وعمَّدوهم من الاصغر الى الاكبر حجما!‏

وكم كان يوم المحفل هذا وقتا سعيدا لإخوتنا وأخواتنا!‏ فهم لم يسمحوا لأي من الحوادث المريعة حولهم ان يؤثِّر على فرحهم الغامر بتقديم العبادة معا ليهوه.‏ واليوم توجد في ساراييفو ثلاث جماعات نشيطة.‏

بعد الحرب

بعدما فُتحت طرق الامدادات،‏ صارت الحياة اسهل على اخوتنا وأخواتنا من بعض النواحي.‏ لكنّ التطهير العرقي استمر،‏ واستمر معه تهجير الناس من بيوتهم.‏ يخبر إيڤيتْسا أرابادْجيتش،‏ شيخ يخدم في كرواتيا،‏ انه أُجبر على إخلاء بيت العائلة في بانيا لوكا.‏ ويتذكر قائلا:‏ «اتى رجل يحمل بندقية وقال لنا ان نخلي البيت لأنه صار ملكه الآن.‏ وكان قد أُجبر هو ايضا على اخلاء بيته في شيبينيك بكرواتيا لأنه صربي،‏ ويريد الآن ان نخلي نحن بيتنا.‏ فتدخَّل لمساعدتنا ضابط في الجيش ادرس الحق معه.‏ ورغم اننا لم نتمكن من الاحتفاظ ببيتنا،‏ تمكنا من مقايضة بيتنا ببيت هذا الصربي.‏ وكم شقَّ علينا ان نترك بيتنا والجماعة التي ساعدتنا على تعلُّم الحق!‏ ولكن لم يكن امامنا خيار آخر.‏ وبعدما اخذنا القليل من الامتعة،‏ ذهبنا لنقيم ببيتنا ‹الجديد› في كرواتيا.‏ وحين وصلنا الى شيبينيك،‏ كان شخص آخر قد سكن في البيت الذي اصبح ملكنا.‏ فماذا نفعل؟‏ رحَّب بنا الاخوة على الفور،‏ واستضافنا شيخ في بيته طيلة سنة الى ان حُلَّت مشكلة بيتنا».‏

مع ان عدم الاستقرار السياسي لا يزال سائدا في البوسنة والهرسك الى هذا اليوم،‏ فإن الحق يزدهر في هذا البلد الذي يدين نحو ٤٠ في المئة من سكانه بالاسلام.‏ ومنذ نهاية الحرب،‏ يبني اخوتنا قاعات ملكوت جديدة.‏ وإحداها القاعة في بانيا لوكا التي لا تمثِّل فقط مكانا للاجتماع نحتاج اليه حاجة ماسة بل ايضا انتصارا قانونيا.‏ فطوال سنوات يحاول اخوتنا الحصول على رخصة لبناء قاعة ملكوت في هذه المنطقة حيث تمارس الكنيسة الارثوذكسية الصربية نفوذا كبيرا.‏ ومع ان السلطات في البوسنة منحتهم اعترافا شرعيا بعد الحرب،‏ لم يُمنحوا رخصة لبناء قاعة ملكوت في بانيا لوكا.‏ وأخيرا،‏ بعد الكثير من الصلوات والجهود الحثيثة،‏ حصلوا على الرخصة اللازمة.‏ وشكَّل هذا الانتصار سابقة قانونية يمكن الاستناد اليها في المستقبل لبناء قاعات ملكوت اخرى في تلك الناحية من البوسنة والهرسك.‏

اتاحت حرية العبادة ان يخدم ٣٢ فاتحا خصوصيا —‏ الكثير منهم اتوا من بلدان اخرى —‏ في المناطق حيث الحاجة اعظم.‏ وقد كانت غيرتهم في الخدمة بالاضافة الى التصاقهم الولي بالترتيبات الثيوقراطية بركة حقيقية.‏

قبل عقد فقط،‏ كان اخوتنا في ساراييفو يتعرَّضون دائما لنيران القنّاصين.‏ اما اليوم،‏ وبحلول السلام،‏ فإنهم يستضيفون مندوبين الى المحافل الكورية من كل انحاء يوغوسلافيا السابقة.‏ وفيما مزَّقت حروب القرن الماضي هذا البلد الجبلي الجميل،‏ قرَّب رباط ‹المودة الاخوية العديمة الرياء› شعب يهوه اكثر فأكثر بعضهم الى بعض.‏ (‏١ بط ١:‏٢٢‏)‏ واليوم هنالك ١٦٣‏,١ ناشرا في ١٦ جماعة في البوسنة والهرسك،‏ وهم يسبِّحون باتحاد الاله الحق يهوه.‏

تاريخ كرواتيا الحديث

بعد المحفل الاممي الذي عُقد في زغرب سنة ١٩٩١،‏ أُغلقت الحدود فجأة بين كرواتيا وصِربيا.‏ وراح الجيش يدمِّر الجسور والطرق الرئيسية او يقيم المتاريس عليها،‏ لذلك لم يستطع مندوبون كثيرون من شرق كرواتيا ان يعودوا الى بيوتهم.‏ فعرض شهود كثيرون من انحاء اخرى في البلد،‏ بدافع المحبة الاخوية الحارة،‏ ان يستضيفوهم رغم مواردهم المادية المحدودة.‏

وفي زغرب،‏ كانت صفّارات الانذار تدوِّي ليلا ونهارا محذِّرة من الهجمات المدفعية.‏ وحالما يسمعها الناس كانوا يتراكضون الى الملاجئ،‏ حتى ان البعض بقوا فيها اسابيع او اشهرا.‏ وبسبب الموقع الآمن للطابق السفلي في بيت ايل،‏ اتخذته سلطات المدينة ملجأ من القذائف.‏ فأتاح ذلك فرصا رائعة للشهادة جعلت الناس يحصلون على اكثر من الحماية الجسدية التي يطلبونها.‏ مثلا،‏ انطلقت صفّارات الانذار ذات يوم،‏ وهرع الناس كالعادة من عربة الترام الى الملجإ في الطابق السفلي لبيت ايل.‏ وفيما كان الجميع ينتظرون بقلق،‏ سألهم شيخ يخدم هناك هل يودّون مشاهدة عرض لصور منزلقة عن المحفل الاممي الذي عُقد في زغرب قبل بضعة اشهر.‏ فوافقوا جميعا،‏ وحين شاهدوا العرض عبَّروا عن إعجابهم به.‏

بسبب اشتداد القتال،‏ شكَّل الذهاب الى الاجتماعات تحدِّيا كبيرا.‏ ومن المؤسف ان بعض قاعات الملكوت أُصيبت بأضرار من جراء الرصاص والقنابل.‏ لكنّ الاخوة الاحبّاء قدَّروا الطعام الروحي آنذاك اكثر من اي وقت مضى و ‹لم يتركوا اجتماعهم›.‏ (‏عب ١٠:‏٢٥‏)‏ على سبيل المثال،‏ بقيت القذائف الصاروخية تنهال على شيبينيك طوال ستة اشهر وحالت دون اجتماع الاخوة في قاعة الملكوت.‏ ولكن،‏ يوضح احد الشيوخ:‏ «بما اننا كنا نسكن خارج المدينة،‏ عقدنا اجتماع درس الكتاب ودرس برج المراقبة في بيتي.‏ ورغم الاوضاع السيئة،‏ لم نتراخَ في عمل الكرازة بل كرزنا في الجوار وفي القرى القريبة ايضا.‏ وكان الجميع يدركون اننا من شهود يهوه وأننا مختلفون عن الآخرين».‏

المحبة الاخوية اثناء الحرب

لجأ كثيرون من الشهود الذين خسروا بيوتهم الى اخوتهم الآخرين،‏ فأسرعت الجماعات الى تقديم كل ما يلزم لمساعدتهم.‏ مثلا،‏ في أوسييِيك بكرواتيا،‏ رحَّب الاخوة ترحيبا حارا بعائلة جديدة في قاعة الملكوت كانت قد هربت لتوِّها من توزلا بالبوسنة في ظروف قاسية جدا.‏ وفرحوا كثيرا حين عرفوا ان الزوجة هي اختهم الروحية.‏

وقد أذنت السلطات لهذه العائلة بأن تسكن في احد البيوت،‏ لكنه كان قديما وخَرِبا.‏ ولما رأى الاخوة حالة البيت المزرية،‏ قدَّموا المساعدة على الفور.‏ فجلب احدهم موقدا،‏ وركَّب آخر نافذة،‏ وزوَّد آخرون ايضا بابا وسريرا.‏ كما جلب البعض مواد للبناء والبعض الآخر طعاما وحطبا للوقود.‏ وهكذا في اليوم التالي،‏ اصبحت غرفة واحدة ملائمة للسكن.‏ ومع ذلك،‏ كان البيت لا يزال غير صالح لإيواء العائلة في الشتاء.‏ فدوَّنت الجماعة قائمة بالحاجات اللازمة،‏ وقدَّم الناشرون كل ما في وسعهم تقديمه.‏ ورغم فقرهم جمعوا ما كانت العائلة بحاجة اليه،‏ من الملاعق الى مواد البناء.‏

مع استمرار الحرب نفدت المواد الغذائية بسرعة،‏ فسعى الفرع جاهدا لتأمين حاجات اخوتنا المادية والروحية على السواء.‏ ونظَّم بالتعاون مع الهيئة الحاكمة جمع المواد الغذائية والطبية والثياب والاحذية.‏ في البداية،‏ اتت المساعدات بشكل رئيسي من الاخوة المحليين،‏ لكنّ احوالهم الصعبة جعلت ما يمكنهم تقديمه محدودا.‏ وفي غضون ذلك،‏ تبرَّع بسخاء اخوتنا في المانيا وإيطاليا وسويسرا والنمسا بالثياب والمواد الطبية،‏ اضافةً الى المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وكانت الشاحنات تصل نهارا وليلا يقودها متطوِّعون وضعوا حاجات اخوتهم الكرواتيين قبل سلامتهم الشخصية.‏ وقد كانت المساعدات تُؤخذ الى الجماعات المحتاجة من المخزن الرئيسي في زغرب.‏

والآن بعد ان حصل اخوتنا في كرواتيا على المساعدات،‏ كيف كانوا سيتمكنون من إعانة اخوتهم في البوسنة؟‏ توجَّهت شاحنات محمَّلة ١٦ طنا من الطعام والحطب الى الحدود البوسنية.‏ وكانت الرحلة محفوفة بالمخاطر،‏ اذ تناقل الناس اخبارا عن قيام فِرق في الجيش بتعدّيات وحشية.‏ وأي لقاء بهؤلاء قد يعني خسارة المساعدات الانسانية وأيضا الموت للذين ينقلونها.‏

يروي احد الاخوة:‏ «قدنا الشاحنات عبر الغابات مارّين بحاجز تفتيش بعد آخر وسائرين احيانا على طول الخطوط الامامية.‏ ورغم الاخطار وصلنا سالمين الى تراڤنيك في البوسنة.‏ وحين سمع احد الجنود بوصولنا،‏ ركض الى البيت الذي كان الشهود مجتمعين فيه وصرخ قائلا:‏ ‹جماعتكم هنا مع شاحناتهم›.‏ تخيَّل الفرح الذي غمر الاخوة آنذاك.‏ فأنزلنا الطعام الى البيت،‏ تحدَّثنا قليلا مع الاخوة،‏ ثم غادرنا على جناح السرعة.‏ فقد كان علينا ان نتوجَّه الى اماكن اخرى بعد».‏

بعث اخوة كثيرون رسائل الى بيت ايل في زغرب يعبِّرون فيها عن شكرهم على المساعدة التي نالوها.‏ كتبت احدى الجماعات:‏ «نشكركم كثيرا على الجهد الكبير الذي تبذلونه لنحصل بانتظام على الطعام الروحي.‏ ونشكركم ايضا على مؤن الاغاثة التي وصلتنا،‏ فالاخوة كانوا بحاجة ماسة اليها.‏ نحن شاكرون لكم من صميم قلوبنا على كل كدِّكم واهتمامكم الحبي».‏

وذكرت رسالة اخرى:‏ «هنالك العديد من الشهود اللاجئين وبعض الذين ليس لديهم اي مورد مالي.‏ لذلك عندما حصلوا على الاعانة ورأوا وفرتها،‏ اغرورقت عيونهم بالدموع.‏ فاهتمام اخوتهم الحبي وسخاؤهم وعدم انانيتهم اثَّرت فيهم تأثيرا عميقا وشجَّعتهم».‏

خلال هذه الاوقات الصعبة،‏ بُذلت جهود خصوصية لإمداد اخوتنا بالطعام الروحي المقوِّي للايمان.‏ وكان واضحا ان روح يهوه ساعدهم ليس فقط على احتمال هذه المشقات الأليمة،‏ بل ايضا على الصيرورة اقوى روحيا.‏ —‏ يع ١:‏٢-‏٤‏.‏

رسالة رجاء مقوِّية

صحيح ان المؤسسات الخيرية قدَّمت ما في وسعها من المساعدات المادية،‏ لكنّ شهود يهوه هم الوحيدون الذين قدَّموا المساعدة التي تجلب راحة دائمة.‏ فقد بذلوا كل جهدهم لإخبار الآخرين ببشارة الملكوت عوض ان يقفوا مكتوفي الايدي منتظرين انتهاء الحرب.‏

لنأخذ على سبيل المثال مدينة ڤوكوڤار التي تقع قرب الحدود مع صِربيا والتي حلّ بها دمار جسيم.‏ فقد اضطر معظم سكانها،‏ بمن فيهم اخوتنا،‏ الى الهرب منها.‏ ولكن بقيت فيها اخت واحدة اسمها مارييا.‏ ورغم انقطاعها عن الاخوة في كرواتيا طوال اربع سنوات،‏ استمرت تكرز بغيرة للقليلين الذين بقوا في المدينة.‏ وكم كوفئت غيرتها!‏ تخيَّل دهشة الاخوة الكرواتيين حين رأوا ٢٠ شخصا من ڤوكوڤار يحضرون المحفل الكوري لعام ١٩٩٦.‏

بالاضافة الى ذلك،‏ بإمكان رسالة الرجاء التي نكرز بها ان تغيِّر شخصية الناس.‏ ففي بداية الحرب،‏ التحق شاب بإحدى الوحدات الخاصة للجيش الكرواتي وسرعان ما ارتقى الى رتبة عالية.‏ وفيما كان ينتظر القطار سنة ١٩٩٤،‏ حصل على نشرة مَن يحكم العالم حقا؟‏.‏ فقرأها بنهم وعرف ان الشيطان وليس يهوه اللّٰه هو المسؤول عن العنف الذي يُمارَس ضد البشر.‏ وهذه الحقائق تركت فيه اثرا بالغا.‏ فأحد الاسباب التي دفعته الى الالتحاق بالجيش هو الثأر لدم اخته التي قُتلت بعمر ١٩ سنة ولدم اثنين آخرين من اعضاء عائلته قُتلا في الحرب.‏ ومع انه كان قد خطَّط ليذهب الى القرية التي يعيش فيها القتلة،‏ اعاد التفكير في المسألة حين قرأ النشرة وبدأ يدرس الكتاب المقدس.‏ وبعد ان عمل لسنوات على تحسين شخصيته اعتمد سنة ١٩٩٧.‏ وأخيرا ذهب الى القرية التي يسكنها قتلة عائلته.‏ ولكن بدل ان يأخذ بثأره،‏ سُرَّ ان ينقل بشارة الملكوت الى الناس الذين كانوا بحاجة الى التعلم عن رحمة اللّٰه.‏

لقد ادَّت غيرة الناشرين في الخدمة،‏ حتى اثناء اعنف المعارك،‏ الى زيادات مبهجة في كرواتيا.‏ فمن بداية الحرب سنة ١٩٩١ الى نهايتها سنة ١٩٩٥،‏ ازداد عدد الفاتحين بنسبة ١٣٢ في المئة.‏ كما ازداد عدد دروس الكتاب المقدس بنسبة ٦٣ في المئة،‏ وعدد الناشرين بنسبة ٣٥ في المئة.‏ نعم،‏ نادى الاخوة المحليون بكلمة اللّٰه بكل جرأة وبارك يهوه جهودهم بسخاء.‏

عمّال تحلّوا بروح التضحية بالذات

قُبيل المحفل الاممي الذي عُقد عام ١٩٩١،‏ وصل الى كرواتيا اول مرسلَين،‏ وهما دانيال وهيلِن نيزان من كندا.‏ وقد دُعي ايضا الى الخدمة هناك عدد من الازواج من بلدان اوروبية اخرى كانوا قد تعلَّموا اللغة المحلية.‏

ومن بين هؤلاء هاينتس وإلكيه پولاخ من النمسا.‏ فقد كان هذان الزوجان يخدمان كفاتحين خصوصيين في الحقل اليوغوسلافي في الدانمارك عندما دُعيا الى كرواتيا عام ١٩٩١.‏ وما إن وصلا وبدأا بالعمل الجائل حتى اندلعت الحرب.‏ وكانت دائرتهما الاولى تشمل ساحل دالماشيا (‏دلماطية)‏ وأنحاء من البوسنة،‏ وهي مناطق نالت الحرب منها كلها.‏ قال هاينتس:‏ «كانت زيارة الجماعات في البوسنة خلال الحرب تحدِّيا كبيرا.‏ فبدل التنقل بسيارتنا اضطررنا بسبب المخاطر الى استخدام الباصات التي لا يمكن الاعتماد عليها كليا.‏ ولم نستطع اخذ الكثير من الامتعة معنا،‏ بل بعض الحقائب وآلة كاتبة.‏

‏«ولزم ان نكون واسعَي الحيلة.‏ فذات مرة،‏ فيما كنا مسافرين من توزلا الى زينيكا اوقف الجنود الباص ومنعونا من متابعة السير قائلين ان الطريق خطرة جدا.‏ فاضطر الجميع الى النزول من الباص.‏ ولكن بما اننا كنا نعلم ان اخوتنا في زينيكا بانتظارنا،‏ رحنا نسأل إن كان بإمكان احد ان يُقلّنا الى هناك.‏ وأخيرا،‏ وافق على طلبنا احد السائقين في قافلة شاحنات لنقل الغاز حائزة على تصريح بالمرور.‏ فانتهزنا الفرصة وقدَّمنا الشهادة لهذا السائق الذي اعرب عن اهتمام شديد.‏

‏«ومرة اخرى اضطررنا الى التوقف بسبب احتدام القتال،‏ فسلكنا طرقا فرعية.‏ لكنّ هذه الطرق كانت وعرة جدا.‏ وما زاد الامر سوءا هو تساقط الثلوج.‏ ففي احيان كثيرة وجب ان نتوقف لمساعدة الشاحنات الاخرى العالقة.‏ وفي احد الاماكن تعرَّضنا لإطلاق النيران،‏ فأُجبرنا على الهروب.‏ وبعد ذلك،‏ وصلنا الى ڤارِش التي تبعد نحو ٥٠ كيلومترا عن وجهتنا وبتنا ليلتنا فيها.‏

‏«اضطجع السائق على مقعدَي حجرة القيادة.‏ اما انا وإلكيه فقبعنا في الخلف متلاصقين لنبقى دافئين.‏ لقد بدت تلك الليلة اطول ليلة في حياتي.‏ لكننا في اليوم التالي وصلنا الى زينيكا.‏ وكم فرح الاخوة برؤيتنا!‏ نعم،‏ كان ذلك يستحق العناء.‏ وقد بذل الاخوة قصارى جهدهم ليُحسِنوا ضيافتنا رغم انقطاع الماء والكهرباء.‏ ولم يمنعهم فقرهم المادي ان يكونوا اغنياء روحيا ويظهروا محبة شديدة للحق».‏

منذ نهاية الحرب،‏ عُيِّن في كرواتيا نحو ٥٠ فاتحا خصوصيا من المانيا،‏ ايطاليا،‏ النمسا،‏ وبلدان اخرى.‏ ولاحقا،‏ منحت هيئة يهوه الكثير من الدعم والتشجيع بإرسال المزيد من المرسلين.‏ وقد قدَّم هؤلاء الخدام الغيورون مساعدة كبيرة في الحقل والجماعات على السواء.‏

‏«لا اصدِّق انني بقيت حيًّا لأرى هذا اليوم»‏

قبل اواخر ثمانينات القرن العشرين،‏ كان اخوة خارج بيت ايل يترجمون طبعة شهرية من مجلة برج المراقبة من الالمانية الى الكرواتية.‏ ولكن منذ سنة ١٩٩١،‏ بدأ فريق داخل بيت ايل يقوم بعمل الترجمة.‏ وبعد مدة،‏ وافقت الهيئة الحاكمة على البدء بمشروع ترجمة الاسفار اليونانية المسيحية —‏ ترجمة العالم الجديد.‏ فحتى ذلك الحين،‏ كانت تُستعمل ترجمة قديمة للكتاب المقدس عمرها ١٥٠ عاما تحتوي على مفردات بَطُل استعمالها وتعابير كثيرة غير مألوفة.‏ وهكذا،‏ اخذ الفريق الكرواتي القيادة في هذا المشروع الجديد،‏ متعاونا بشكل وثيق مع فريقَي الترجمة الصربي والمقدوني.‏ واستفاد كل فريق من عمل واقتراحات الآخر.‏

لن ينسى شهود يهوه في كرواتيا وكذلك في البوسنة والهرسك،‏ الجبل الاسود،‏ صِربيا،‏ ومقدونية يوم الجمعة في ٢٣ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٩٩.‏ ففي المواقع الاربعة التي عُقد فيها محفل «كلمة اللّٰه النبوية» الكوري،‏ أُعلن عن اصدار الاسفار اليونانية المسيحية —‏ ترجمة العالم الجديد باللغتين الكرواتية والصربية في آن واحد،‏ وقيل للحضور ان العمل في الترجمة المقدونية يجري على قدم وساق.‏ فدوَّى لعدة دقائق تصفيق حاد اعاق الخطباء عن إكمال خطابهم.‏ وغمر الفرح الجميع بحيث لم يستطع كثيرون ان يملكوا انفسهم عن البكاء.‏ قال احد الشيوخ القدماء:‏ «لا اصدِّق انني بقيت حيًّا لأرى هذا اليوم».‏ ثم في عام ٢٠٠٦،‏ صدر كامل الكتاب المقدس بكل من هذه اللغات الثلاث.‏

قبل عام ١٩٩٦،‏ كانت لجنة البلد تحت اشراف مكتب الفرع في النمسا تعتني بعمل شهود يهوه في كرواتيا والبوسنة والهرسك.‏ ولكن في عام ١٩٩٦،‏ عُيِّنت لجنة فرع من اربعة اعضاء للاشراف على عمل الكرازة في هذه المقاطعات.‏ وكان واضحا ان يهوه يبارك هذا الترتيب.‏

مباني الفرع وقاعات الملكوت الجديدة

كما في البلدان الاخرى،‏ لمست عائلة بيت ايل في زغرب بكرواتيا نتائج النمو الثيوقراطي.‏ فقد ازداد عدد اعضاء العائلة من ١٠ الى ٥٠ تقريبا.‏ ولكن بما ان بيت ايل كان مصمَّما لإيواء اربعة او خمسة ازواج فقط،‏ لزم استئجار غرف اضافية في الجوار.‏

بُعيد تشكيل لجنة الفرع،‏ طلبت الهيئة الحاكمة من الإخوة ان يشتروا ارضا لبناء بيت ايل جديد في زغرب.‏ وسرعان ما بنى المتطوِّعون المحليون والخدام الامميون مباني جميلة كانت ستساهم في تقدم مصالح الملكوت لسنوات كثيرة.‏ ويوم السبت في ٢٣ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٩،‏ دُشِّنت مباني الفرع وقاعة الملكوت الجديدة،‏ اضافة الى قاعة ملكوت مزدوجة في وسط زغرب.‏ حضر هذه المناسبة مندوبون من ١٥ بلدا،‏ بمن فيهم الاخ ڠِريت لوش من الهيئة الحاكمة الذي قدَّم خطاب التدشين.‏ وفي اليوم التالي،‏ اجتمع ٨٨٦‏,٤ شاهدا لحضور برنامج روحي مبهج في قاعة كبيرة للالعاب الرياضة.‏ ويا له من يوم رائع لن يُمحى من ذاكرة شعب يهوه في كرواتيا!‏ فالبعض منهم خدموا يهوه بأمانة طوال ٥٠ سنة او اكثر في أكلح ظروف شهدها تاريخنا العصري.‏

بالاضافة الى ذلك،‏ بدأ برنامج مكثف لبناء قاعات ملكوت جديدة.‏ فقبل سنة ١٩٩٠،‏ كانت جماعات كثيرة تجتمع في الاقبية او في شقق خاصة.‏ مثلا،‏ بقيت جماعة في سْپْليت تجتمع ٢٠ سنة في غرفة صغيرة في احد البيوت الخاصة.‏ ورغم انها تسع ٥٠ كرسيا فقط،‏ كان يحضر احيانا ضعف هذا العدد،‏ فيضطر كثيرون الى الوقوف في الخارج.‏ وكانت تُعقد ايضا المحافل الدائرية والكورية في الغرفة نفسها،‏ فيبلغ عدد الحضور ١٥٠ شخصا او اكثر.‏ اما اليوم فتوجد في سْپْليت اربع جماعات تستخدم قاعتين جميلتين.‏ وجراء ازدياد عدد الناشرين،‏ تُستخدم لعقد المحافل قاعة مؤتمرات في فندق.‏ ولا يزال «مكتب بناء قاعات الملكوت»،‏ تحت اشراف «مكتب الهندسة الاقليمي» في زلترس بألمانيا،‏ ينظم عمل بناء قاعات ملكوت جميلة وعملية.‏

لقد قام كل المتطوِّعين لبناء قاعات الملكوت،‏ كبارا وصغارا،‏ بعمل ضخم جدا.‏ فحتى الآن،‏ بنوا ٢٥ قاعة جديدة ورمَّموا ٧ قاعات،‏ ما ساهم في نمو عمل الملكوت.‏ وكل ذلك تسبيحا ليهوه.‏

عمل الملكوت يتقدم بسرعة

بعدما نالت كرواتيا استقلالها عام ١٩٩١،‏ اعتمدت حكومتها القوانين السابقة المتعلقة بالدين الى ان سُنَّت قوانين جديدة.‏ وبما ان ٩٠ في المئة تقريبا من سكان هذه الدولة الجديدة يدين بالكاثوليكية،‏ فقد كان لرجال الدين تأثير كبير في الحكومة.‏ ولكن بسبب الوضع الشرعي لشهود يهوه في الماضي وصيت اخوتنا الذي لا غبار عليه،‏ اصدرت وزارة العدل في ١٣ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ٢٠٠٣ مرسوما افاد بأنه قد تم تسجيل شهود يهوه كجمعية دينية في كرواتيا.‏ وكم فرح خدام يهوه بالحصول على الاعتراف الشرعي في كرواتيا بعد كل هذه السنوات العصيبة!‏

وفي اوائل التسعينات،‏ كان يُعقد في السنة صف واحد لمدرسة الفتح يضم الفاتحين من كل اراضي يوغوسلافيا السابقة،‏ اما الآن فتُعقد كل سنة عدة صفوف في كرواتيا وحدها.‏ وفي ايلول (‏سبتمبر)‏ ٢٠٠٨،‏ سُرَّت كرواتيا بأن يكون لديها ٤٥١‏,٥ ناشرا منظَّمين في ٦٩ جماعة.‏ وكم كان مفرحا عدد حضور الذِّكرى الذي بلغ ٧٢٨‏,٩ شخصا!‏ وكل ذلك يشير ان كرواتيا يمكن ان تشهد زيادة رائعة في المستقبل.‏

بالرغم من انتشار التعصب الديني وازدياد ضغوط الحياة اليومية،‏ فإن خدام يهوه في هذه المنطقة عاقدو العزم اكثر من اي وقت مضى على مواصلة الكرازة ببشارة الملكوت مهما سبَّب غضب الشيطان من ويلات.‏ (‏رؤ ١٢:‏١٢‏)‏ صحيح ان الهمّ الشاغل لغالبية الناس في هذا البلد هو تأمين لقمة العيش يوميا،‏ ولكن يوجد بينهم اشخاص يتنهّدون على الحالة الادبية المزرية السائدة ويشعرون بالجوع الروحي.‏ (‏حز ٩:‏٣،‏ ٤؛‏ مت ٥:‏٦‏)‏ وشعب يهوه يعثر على هؤلاء ويساعدهم ليأتوا الى عبادة الاله الحق الوحيد وليقولوا:‏ «هلم نصعد الى جبل يهوه،‏ الى بيت اله يعقوب،‏ فيعلِّمنا عن طرقه ونسلك في سبله».‏ —‏ اش ٢:‏٣‏.‏

تاريخ مقدونية الحديث

‏«اُعبر الى مقدونية وأعِنَّا»،‏ هذا ما قاله الرجل الذي تراءى للرسول بولس في رؤيا في القرن الاول.‏ (‏اع ١٦:‏٨-‏١٠‏)‏ وإذ استنتج بولس ورفقاؤه في الكرازة ان اللّٰه يرشدهم لإعلان بشارة الملكوت في هذه المقاطعة غير المخدومة،‏ لبّوا الدعوة طوعًا.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى ازدهرت المسيحية هناك.‏ ولكن ما القول في مقدونية الحالية،‏ هذه المنطقة الاصغر التي تقع شمالي مقدونية القديمة؟‏ كيف شهدت نموا مماثلا في العبادة الحقة؟‏

بعد الحرب العالمية الثانية،‏ صارت مقدونية جمهورية في يوغوسلافيا تقع في اقصى جنوبها.‏ وقد نالت استقلالها عام ١٩٩١.‏ ثم بعد سنتين،‏ عام ١٩٩٣،‏ فرح شهود يهوه بأن يُسجَّلوا شرعيا في هذه الدولة الجديدة.‏ وهكذا،‏ اصبح بإمكانهم تأسيس مكتب في مقدونية يعمل تحت اشراف لجنة الفرع في النمسا.‏ فاشتروا بيتا في شارع ألجيرسْكا في سكوپِيه عام ١٩٩٣،‏ وانتقل فريق الترجمة باللغة المقدونية من زغرب في كرواتيا الى بيت ايل الجديد هذا.‏

وقد اتى ميخاييل ودينا شيبِن من المانيا الى مقدونية للخدمة في العمل الدائري.‏ كما عُيِّن فيها الزوجان الكنديان دانيال وهيلِن نيزان بعد ان خدما في صِربيا.‏ وتشكَّلت ايضا لجنة للبلد،‏ فشرع بيت ايل في العمل.‏

فرض القيود على المطبوعات

بالرغم من تسجيل شهود يهوه شرعيا،‏ كان من الصعب جدا استيراد المطبوعات.‏ فبين سنتَي ١٩٩٤ و ١٩٩٨،‏ قصَرت الحكومة استيراد المجلات على نسخة واحدة فقط لكل ناشر.‏ لذلك اضطر الاخوة ان ينسخوا مقالات دروس برج المراقبة لتلاميذ الكتاب المقدس الذين يدرسون معهم.‏ وقد كان بإمكانهم ايضا الحصول على المجلات التي أُرسلت اليهم بالبريد من بلدان اخرى.‏ كما سُمح للوافدين الى مقدونية بإدخال اعداد قليلة منها.‏ وأخيرا،‏ بعد عدة سنوات من الدعاوى القضائية،‏ حكمت المحكمة العليا لصالح الشهود،‏ وسُمح لهم ان يستوردوا قدر ما يشاؤون من المطبوعات.‏

في آب (‏اغسطس)‏ ٢٠٠٠،‏ بلغ عدد الناشرين ٠٢٤‏,١ شخصا.‏ وهي اول مرة يتجاوز فيها عدد المشتركين في عمل الكرازة الألف.‏ ولكن مع ازدياد عدد الناشرين وعدد الاصدارات باللغة المقدونية،‏ اصبح البيت في شارع ألجيرسْكا اصغر من ان يسد حاجات عائلة بيت ايل الآخذة في النمو.‏ فتمّ في السنة التالية شراء ثلاثة بيوت صغيرة مجاورة،‏ ومن ثم هدمها لتشييد مبنيَين جديدَين مكانها.‏ واليوم،‏ فإن عائلة بيت ايل في مقدونية المؤلفة من ٣٤ عضوا تعمل وتسكن في ثلاثة مبان مجهَّزة بكل ما يلزم.‏ وكم فرحت باستضافة ڠاي پيرس من الهيئة الحاكمة لحضور برنامج التدشين في ١٧ ايار (‏مايو)‏ ٢٠٠٣!‏

بناء قاعات الملكوت

قدَّر الاخوة والاخوات في مقدونية تقديرا كبيرا ترتيب المساعدة على بناء قاعات الملكوت في البلدان ذات الموارد المحدودة.‏ فقد عُيِّن فريق بناء مؤلَّف من خمسة اخوة لمساعدة الجماعات المحلية على بناء قاعات الملكوت،‏ وبُنيت بين عامَي ٢٠٠١ و ٢٠٠٧ تسع قاعات جديدة.‏ وإذ ادَّى عمّال البناء المتعدِّدو الجنسيات عملهم بسلام ووحدة دون اي تحامل إثني،‏ قدَّموا شهادة حسنة جدا.‏ فبعدما زار احد التجار قاعة أُكمل بناؤها ولاحظ جودة العمل فيها قال:‏ «حقا،‏ شُيِّد هذا البناء بمحبة».‏

وعندما كان عمّال البناء يبنون قاعة ملكوت جديدة في مدينة شْتيپ،‏ شكّ احد الجيران في نجاح المشروع اذ بدا له ان هذا الفريق اليافع عديم الخبرة.‏ ولكن بعد انتهاء العمل في القاعة،‏ جلب خرائط البناء الخاصة بمنزله الى الموقع وطلب من الاخوة الشبان ان يبنوه له.‏ لقد أُعجب كثيرا بعملهم المتقن حتى انه عرض عليهم مبلغا كبيرا من المال.‏ لكنه فوجئ حين اخبروه انهم لا يبنون قاعة الملكوت لربح مادي بل لأنهم يحبون اللّٰه وقريبهم.‏

ترجمة العالم الجديد

في هذه الاثناء،‏ كان فريق صغير آخر من رجال ونساء منتذرين للّٰه ينهمكون في عمل مختلف:‏ ترجمة الكتاب المقدس —‏ ترجمة العالم الجديد الى اللغة المقدونية.‏ وقد حظي عملهم الدؤوب ببركة يهوه.‏ ففي خمس سنوات فقط انتهوا من ترجمة كامل ترجمة العالم الجديد.‏ وكم ابتهج المندوبون الذين حضروا محفل «الانقاذ قريب» الكوري لعام ٢٠٠٦ في سكوپِيه حين اعلن ڠِريت لوش من الهيئة الحاكمة اصدار هذه الترجمة الجديدة الرائعة!‏ فقد دوَّى في المكان تصفيق حار ومطوَّل،‏ ولم يتمكن كثيرون من حبس دموعهم.‏ حتى ان بعض الذين حصلوا على نسخة منها اثناء فترة الغداء،‏ جلسوا على الفور ليتمتعوا بقراءة هذه الترجمة الرائعة لكلمة اللّٰه بلغتهم الام.‏

يكنّ كثيرون من المقدونيين احتراما عميقا للكتاب المقدس.‏ مثلا،‏ ابتدأ أورهان يدرس الكتاب المقدس منذ ست سنوات.‏ ومع انه كان أمِّيًّا،‏ استطاع ان يتعلم القراءة والكتابة بمساعدة الاخ الذي درس معه.‏ ومنذ معموديته قبل ثلاث سنوات،‏ قرأ الكتاب المقدس ست مرات.‏

بقي أورهان لمدة من الوقت الشاهد الوحيد في مدينة ريزين.‏ وقد اشاد كثيرون بهذا الرجل الذي كان أُمِّيًّا،‏ حتى ان بعض الوالدين طلبوا من الاخوة ان يدرسوا مع اولادهم رغبةً منهم ان يحذوا حذو أورهان.‏ وأخذ اهتمام الناس بالحق يزداد في المدينة،‏ فصار يُعقد درس الكتاب الجَماعي هناك كل اسبوع.‏ ثم اصبح احد المهتمين ناشرا غير معتمد.‏ والآن،‏ يخدم أورهان كفاتح عادي وخادم مساعد.‏

العبور الى مقدونية

في تموز (‏يوليو)‏ ٢٠٠٤،‏ وصل زوجان من ألبانيا يخدمان كفاتحين خصوصيين للمساعدة في الكرازة للناس الذين يتكلمون الألبانية في مقدونية ويشكِّلون ٢٥ في المئة من السكان.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى اصبح واضحا ان الزوجين بحاجة الى المساعدة،‏ لأنهما الناشران الوحيدان لأكثر من نصف مليون شخص يتكلم الألبانية.‏ فأُرسل بعد سنة زوجان آخران من ألبانيا للانضمام اليهما.‏ وابتدأ هؤلاء الفاتحون الخصوصيون الاربعة يشجِّعون الفريق الصغير المؤلف من سبعة اشخاص مهتمين في مدينة كيسيڤو الواقعة وسط المنطقة التي تسكنها الجالية الألبانية في مقدونية.‏ وفي الربيع التالي،‏ سُرَّ هذا الفريق الصغير حين حضر ٦١ شخصا خطاب الذِّكرى الذي قُدِّم باللغتين الألبانية والمقدونية.‏ ومذّاك،‏ نما الفريق وأصبح يضم ١٧ ناشرا غيورا،‏ وبلغ معدل حضور الاجتماعات فيه ٣٠ شخصا او اكثر.‏

وبغية تقديم المساعدة لتغطية كل المقاطعة في مقدونية،‏ وافقت الهيئة الحاكمة على القيام بحملة خصوصية من نيسان (‏ابريل)‏ الى تموز (‏يوليو)‏ ٢٠٠٧.‏ والهدف منها الكرازة في المقاطعات غير المخدومة ونشر البشارة بين السكان الذين يتكلمون الألبانية.‏

تطوع بسرور وحماس شديد ٣٣٧ اخا وأختا من سبعة بلدان لتقديم المساعدة في هذه الحملة التي دامت اربعة اشهر.‏ والنتيجة؟‏ كُرز بالبشارة في اكثر من ٢٠٠ منطقة في مقدونية يبلغ عدد السكان فيها نحو ٠٠٠‏,٤٠٠ نسمة،‏ معظمهم لم يسمعوا برسالة الملكوت من قبل قط.‏ ووُزِّع ما يزيد على ٠٠٠‏,٢٥ كتاب وكراسة وأكثر من ٠٠٠‏,٤٠ مجلة.‏ كما صُرف نحو ٠٠٠‏,٢٥ ساعة في الخدمة،‏ وابتُدئ بأكثر من ٢٠٠ درس في الكتاب المقدس.‏

اخبر احد الاخوة:‏ «اغرورقت عيون البعض بالدموع حين عرفوا من اين اتينا ولماذا نزورهم.‏ كما بكى آخرون من شدة تأثرهم بما قرأوه في كلمة اللّٰه».‏

وما اكثر تعابير التقدير القلبية التي تفوه بها المشتركون في الحملة!‏ كتبت اخت:‏ «قالت لنا احدى المعلِّمات:‏ ‹ليبارككم اللّٰه!‏ فالعمل الذي تقومون به رائع جدا.‏ والامور التي تتحدثون عنها تنعشني حقا›».‏

كما ذكر احد الناشرين:‏ «استصعبنا كثيرا ترك هذه المقاطعة الشبيهة بالمقاطعات الارسالية.‏ فقد رأينا حاجة الناس الشديدة الى الحق،‏ وشعرنا بحزن شديد حين ودَّعنا التلاميذ الذين درسنا معهم الكتاب المقدس».‏

وقال زوجان:‏ «ندمنا لأننا لم نأخذ المزيد من ايام العطلة.‏ فقد ادركنا الآن كم الحاجة ماسة الى كارزين بالملكوت».‏

وإذ عبَّر احد الناشرين بإيجاز عن مشاعر كثيرين،‏ كتب قائلا:‏ «لا اذكر اننا سبق وشعرنا بمثل هذا الفرح كعائلة».‏

اثناء الحملة،‏ ذهب فريق من اربعة ناشرين الى قرية غير مخدومة تقع في منطقة جبلية قرب مدينة تيتوڤو.‏ وابتدأ اثنان منهم بالكرازة في جهةٍ من احد شوارعها واثنان في الجهة المقابلة.‏ وما ان قدَّموا الشهادة لثلاثة بيوت حتى عرف الشارع بأكمله ان شهود يهوه يزورون الناس.‏ وسرعان ما انتشرت اخبار زيارتهم في القرية كلها.‏ فاجتمع فريق كبير من النساء المهتمات حول الأختين.‏ وراح فريق من ١٦ رجلا ينتظرون الأخوَين بشوق في الشارع.‏ كما اخرج اصحاب البيوت فورا اربعة كراسٍ ليجلس الناشرون عليها،‏ وأعدّ احد الرجال القهوة لهم.‏ فقدَّم الناشرون المطبوعات للجميع،‏ موضحين الحق من الاسفار المقدسة.‏

طرح كثيرون من القرويين الاسئلة،‏ وأعار الجميع اذنا صاغية للاجوبة.‏ وفي الختام،‏ لم يشأ كثيرون المغادرة إلا بعد ان ودَّعوا الاخوة شخصيا.‏ غير ان امرأة عجوزا بغتت الاخوة حين اقتربت منهم وهي ترفع عكّازها وتوجِّهه نحوهم صارخةً:‏ «سأضربكم بهذا».‏ فما الذي أثار غضبها؟‏ اوضحت قائلة:‏ «أعطيتم كتبا للجميع ما عداي انا».‏ ثم اضافت وهي تشير الى كتاب كتابي الذي حصلت عليه جارتها:‏ «اريد الكتاب الاصفر الكبير».‏ وفي الحال،‏ أعطاها الاخوة آخِر نسخة كانت في حوزتهم.‏

الكرازة للغجر

يقطن في مقدونية كثيرون من الغجر الذين يتكلمون المقدونية،‏ لكنّ لغتهم الام هي لغة شفهية من لغة الروماني،‏ اي مزيج من لهجات الروماني العديدة.‏ وحسبما يقال،‏ توجد في العاصمة سكوپِيه اكبر منطقة للغجر في اوروبا اذ يناهز عدد سكانها ٠٠٠‏,٣٠ نسمة.‏ تستخدم الجماعات الغجرية الثلاث هناك مبنى مؤلَّفا من قاعتين للملكوت يُعرف بشاتو أوريزاري.‏ ويتمتع الناشرون الـ‍ ٢٠٠ بمقاطعتهم المثمرة التي لديها نسبة ناشر واحد الى كل ١٥٠ شخصا،‏ وهي احدى افضل المقاطعات في البلد.‏ وفي سنة ٢٠٠٨،‏ بلغ عدد حضور الذِّكرى ٧٠٨ اشخاص،‏ مما يدل على تجاوب الغجريين مع البشارة.‏

ماذا فعل الشهود من اجل مساعدة الغجريين المتواضعين والعطاش الى الحق ليتعلموا عن قصد اللّٰه بلغتهم الام؟‏ لقد تُرجم مجمل الخطاب الخصوصي لعام ٢٠٠٧ الى لغة الروماني،‏ وقدَّم الخطاب شيخ من اصل غجري امام حضور يتصف بالتقدير بلغ عدده ٥٠٦ اشخاص.‏ كما أُصدرت كراسة ماذا يطلب اللّٰه منا؟‏ بلغة الروماني في المحفل الكوري لعام ٢٠٠٧،‏ الامر الذي افرح الناشرين من كل الخلفيات العرقية:‏ الغجر والمقدونيون والألبان.‏ فحتى ذلك الحين،‏ غالبا ما كان الناشرون يعقدون دروسهم في الكتاب المقدس بلغتهم الخاصة انما باستخدام المطبوعات المقدونية.‏ اما الآن فاستخدام كراسة ماذا يطلب؟‏ بلغة الروماني يلقى نجاحا كبيرا في بلوغ قلوب الغجر المخلصين.‏

ان الناشرين في مقدونية،‏ البالغ عددهم ٢٧٧‏,١ شخصا والمنظمين في ٢١ جماعة،‏ يسعون جاهدين للاقتداء بالمثال الذي رسمه الرسول بولس في القرن الاول.‏ وتجاوُب الأعداد الكبيرة من طالبي الحق المقدونيين هو دليل ان الجهود التي بُذلت ‹للعبور الى مقدونية› الحالية لم تذهب هباءً.‏

تاريخ صِربيا الحديث

تقع صِربيا في وسط شبه جزيرة البلقان،‏ وهي بلد حضارات متنوعة وموطن شعب من قوميات متعددة.‏ وهنا في مدينة بلغراد تأسس عام ١٩٣٥ مكتب فرع للاهتمام بمقاطعات يوغوسلافيا السابقة،‏ ما ادَّى الى نموّ ثيوقراطي رائع.‏ ولكن ماذا عن السنوات الاخيرة؟‏ كيف تمكَّن الاخوة الصربيون من تقديم المساعدة في البلدان التي تشكَّلت حديثا في هذه المنطقة؟‏

رغم اغلاق الحدود بين البلدان وتفشي البغض الديني والعرقي،‏ كان الاخوة من مختلف القوميات يعملون معا بسلام في المكتب في زغرب،‏ كرواتيا.‏ ولكن بسبب تفاقم التحامل العرقي والقومي في المنطقة المحيطة ببيت ايل،‏ اضطر اخوتنا الصربيون الى مغادرة كرواتيا.‏ وهكذا في عام ١٩٩٢،‏ عاد عمل الترجمة باللغة الصربية الى بلغراد في صِربيا كما كان قبل نحو ٥٠ سنة.‏ وقد تبيَّن ان ذلك كان خطوة حكيمة اتُّخذت في الوقت المناسب.‏

بسبب المعارك الطاحنة التي دارت في البوسنة،‏ نشأت حاجة ماسة الى المساعدات الانسانية.‏ فنظَّم مكتب الفرع في النمسا ارسال شحنة اغاثة.‏ والاخوة في صِربيا كانوا الاشخاص المناسبين لإيصالها الى المناطق البوسنية التي يسيطر عليها الصرب.‏

ومع ان صِربيا لم تشهد آنذاك معارك على ارضها،‏ لكنها لم تكن بمنأى عن التأثيرات الناجمة عن الحرب.‏ مثلا صعَّب الحظر التجاري على الاخوة تسلُّم شحنات المطبوعات المرسلة من المانيا حيث كانت تُطبع.‏ فعند عدم توفرها،‏ ما كان من الجماعات إلَّا ان تدرس المقالات القديمة حتى تصل اعداد المجلات الجديدة.‏ ولكن لاحقا،‏ لم يعد الاخوة يخسرون اي عدد منها.‏

‏‹عون مقوٍّ›‏

قال دانيال نيزان،‏ احد المتخرِّجين من جلعاد:‏ «حين وصلنا الى صِربيا سنة ١٩٩١،‏ كان البلد في حالة اضطراب سياسي شديد.‏ لكنّ الغيرة التي اعرب عنها الاخوة بالرغم من الاوضاع الحرجة المحيطة بهم اثَّرت فينا بعمق.‏ اتذكَّر دهشتنا حين رأينا نحو ٥٠ شخصا جديدا يقفون من اجل المعمودية في يوم المحفل الخصوصي الاول الذي حضرناه انا وزوجتي.‏ فقد أمدَّنا ذلك بتشجيع كبير».‏

ساهم الزوجان نيزان مساهمة فعّالة في بناء المكتب الجديد في بلغراد.‏ فالمكتب الاول،‏ الذي يتسع لعشرة اشخاص،‏ كان يقع في شارع ميلورادا ميتروڤيتشا وفي طابقه السفلي كانت توجد قاعة ملكوت.‏ ولكن مع ازدياد اعضاء فريق الترجمة نشأت الحاجة الى مكان اوسع.‏ فاختيرت قطعة ارض وابتدأ عمل البناء.‏ ونحو نهاية سنة ١٩٩٥،‏ انتقلت عائلة بيت ايل الى المباني الجديدة.‏

ان الاوضاع الصعبة المتفاقمة دفعت عددا اكبر من الناس الى التجاوب مع الحق.‏ ومع ازدياد عدد الناشرين ازدادت ايضا الحاجة الى الاشراف الحبي.‏ فجرت تلبية هذه الحاجة جزئيا بإرسال فاتحين خصوصيين من ايطاليا،‏ خدام كامل الوقت مفعمين بالحيوية والنشاط ويتحلّون بالطوعية وروح التضحية بالذات.‏ ورغم ان تعلُّمهم لغة جديدة وتكيُّفهم مع حضارة غير مألوفة في ظل ظروف الحرب لم يكن بالامر السهل،‏ فقد كانوا لإخوتنا في صِربيا «عونا مقوِّيا».‏ —‏ كو ٤:‏١١‏.‏

والفاتحون الوافدون من بلدان اخرى قدَّموا ايضا المساعدة بطرائق كثيرة.‏ لكنّ اهمّ ما قدَّموه كان «خبرتهم في المسائل التنظيمية»،‏ كما قال راينه شولتس،‏ منسِّق لجنة البلد في صِربيا.‏ واليوم فإن الجماعات الـ‍ ٥٥ في صِربيا يقدِّرون مساعدة الفاتحين الخصوصيين الـ‍ ٧٠ حق التقدير.‏

التأثيرات الأليمة للتضخم الجامح

لم تستطع صِربيا تجنُّب التأثيرات الأليمة للوضع الاقتصادي الناجم عن الحرب،‏ وخصوصا التضخم السريع.‏ يخبر احد المصادر:‏ «خلال ١١٦ يوما،‏ من تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٣ الى ٢٤ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٤،‏ ازداد التضخم بنسبة ٥٠٠ تريليون في المئة».‏ تتذكر ميرا بْلاڠوجيفيتش،‏ اخت تخدم في بيت ايل منذ سنة ١٩٨٢،‏ انه كان عليها ان تأخذ ملء كيس من المال الى السوق لتشتري القليل من الخُضَر.‏

وتروي اخت اخرى اسمها ڠورْدانا سيريشْكي انه حين تقاضت امها معاش التقاعد الشهري،‏ لم تكن قيمته تساوي إلّا لفافة واحدة من ورق المراحيض.‏ ثم تقول:‏ «يستصعب المرء حقا ان يفهم كيف يمكن ان يستمر الناس في العيش حين يصير فجأة كل ما يملكونه بلا قيمة.‏ ولكن بفضل معشر اخوتنا العالمي،‏ تسلّمنا مؤن الاغاثة من الخارج.‏ وفي حين فقد الناس الثقة بالمصارف والحكومة،‏ وضع كثيرون ثقتهم في اللّٰه،‏ وأصبح الاخوة اقرب واحدهم الى الآخر».‏

ترجمة الكتاب المقدس

طوال سنوات،‏ كانت فرق الترجمة تعمل معا في موقع واحد في زغرب،‏ كرواتيا.‏ ولكن بعد الحرب،‏ رحل كل فريق الى بلده.‏ إلا انهم بقوا على اتصال بفريق الترجمة في زغرب.‏ وقد تبيَّنت فائدة ذلك بشكل خصوصي عندما ابتدأ الفريق الصربي يترجم الاسفار اليونانية المسيحية —‏ ترجمة العالم الجديد،‏ بهدف ان تصدر في محفل شهود يهوه الكوري عام ١٩٩٩.‏

ولكن فيما كان المترجمون يُنهون ترجمتها،‏ كانت البلاد تتهيأ للحرب.‏ ودون شك،‏ كان القصف سيجعل الاعتماد على خطوط الاتصال الهاتفية غير ممكن،‏ ما يصعِّب على المترجمين ارسال المواد من بلغراد الى المطبعة في المانيا.‏ ويوم الثلاثاء في ٢٣ آذار (‏مارس)‏،‏ بات واضحا ان الغارات الجوية ستبدأ،‏ فعمل الاخوة طوال الليل وتمكنوا من ارسال الملفات الالكترونية الى المانيا في الصباح الباكر.‏ وبعد ساعات قليلة بدأ القصف.‏ فهرب فريق الترجمة الى الملجإ،‏ لكنهم كانوا فرحين جدا.‏ واكتملت فرحتهم عندما صدرت الاسفار اليونانية المطبوعة بعد اربعة اشهر في المحفل في بلغراد.‏ ورغم القصف وانقطاع التيار الكهربائي مرارا كثيرة،‏ استمر هؤلاء الاخوة يترجمون المطبوعات الاخرى.‏ وغالبا ما اضطروا الى التوقف عن العمل والهرب الى مكان آمن.‏ لقد مرّوا بأوقات عصيبة،‏ لكنهم كانوا جميعا سعداء لأنهم يساهمون في انتاج الطعام الروحي الضروري.‏

نعم،‏ نتيجة العمل الدؤوب وبركة يهوه،‏ صدرت في تموز (‏يوليو)‏ ١٩٩٩ الاسفار اليونانية المسيحية —‏ ترجمة العالم الجديد بالصربية.‏ فطفحت قلوب المندوبين بالفرح والتقدير لحصولهم على هذه الترجمة بلغتهم.‏ ولاحقا في محافل سنة ٢٠٠٦ الكورية،‏ صدر باللغة الصربية كامل ترجمة العالم الجديد بكِلا الأبجديتين السيريلية واللاتينية.‏

ازدياد المقاومة الدينية

بما ان أتباع الكنيسة الارثوذكسية الصربية يشكِّلون الغالبية العظمى في البلد،‏ فإن كثيرين يعتبرون الصربي مرادفا للارثوذكسي.‏ فهم يعتقدون ان الشخص لا يكون صربيّا إن كان لا ينتمي الى الكنيسة الارثوذكسية.‏ رغم ذلك،‏ قَبِل كثيرون في تسعينات القرن العشرين رسالة الرجاء التي يحتويها الكتاب المقدس.‏ وبحلول نهاية الحرب عام ١٩٩٩،‏ كان عدد الناشرين قد تضاعف تقريبا،‏ بالغا ذروة من ٠٢٦‏,٤ ناشرا.‏

اثار هذا الازدهار الروحي غضب الكنيسة الارثوذكسية على شعب يهوه.‏ فسعت الى ايقاف عملنا الكرازي المسيحي بتأجيج الحميّة الوطنية.‏ وحاول هؤلاء المقاومون ان يقوِّضوا معنويات الشهود باستخدام العنف وتحريف القانون.‏ مثلا،‏ عند انتهاء الحرب كان لا يزال هنالك ٢١ اخا في السجن بسبب الحياد السياسي.‏ ولكن بُعيد انتهائها،‏ أُطلق سراح معظمهم.‏ وهم شاكرون ليهوه لأنه قوَّى ايمانهم طوال هذه المحنة.‏

وفجأة في ٩ نيسان (‏ابريل)‏ ٢٠٠١،‏ فرضت وزارة الشؤون الداخلية الفدرالية الحظر على استيراد مطبوعاتنا.‏ والسبب؟‏ ادَّعت ان مطبوعتنا تؤثر سلبًا على الشبيبة في البلد.‏ وقد أُدرج الكتاب المقدس في قائمة المطبوعات الممنوعة.‏

بسبب ترويج الصحف والمحطات التلفزيونية تقارير سلبية عن عملنا،‏ صار بعض اصحاب البيوت يعاملوننا بعنف.‏ قال احد الفاتحين الخصوصيين:‏ «اثناء الكرازة من باب الى باب،‏ كنا احيانا نتعرَّض للصفع او اللَّكم وأحيانا اخرى نُرشَق بالحجارة».‏ اضافة الى ذلك،‏ جرى تخريب بعض قاعات الملكوت.‏ واليوم،‏ مع ان القانون يجيز لإخوتنا ان يعقدوا اجتماعاتهم،‏ يجب عليهم ان يلزموا جانب الحذر دائما.‏

يواظب اخوتنا في صِربيا على الكرازة بغيرة.‏ وبذلك يبرهنون ان شعب يهوه ليس محابيا وأنه يمارس المحبة الحقيقية على غرار المسيح.‏ فقد نُظِّمت في السنوات الاخيرة حملات كرازية ناجحة اشترك فيها اخوة من بلدان اوروبية اخرى استخدموا ايام عطلتهم من العمل للمساعدة في الخدمة في المقاطعات غير المعيَّنة في صِربيا والجبل الاسود.‏ ولكن لا يزال يكمن امام الاخوة الكثير من العمل لبلوغ الثلاثة ملايين نسمة تقريبا الذين يسكنون هناك.‏

واليوم يتألف بيت ايل في بلغراد من ثلاثة مبان تقع وسط حدائق غنّاء.‏ ويشرف ثلاثة اعضاء من لجنة البلد على عملنا في صِربيا والجبل الاسود.‏ ونتيجة بركة يهوه على شعبه في هذه المنطقة التي مزَّقتها الحرب سابقا،‏ اصبح اسم صِربيا الآن يستحضر الى الذهن غيرة وعزم شهود يهوه.‏

تاريخ كوسوفو الحديث

تفاقم التوتر القائم بين الصرب والألبان في كوسوفو في ثمانينات القرن العشرين ليتحوَّل في التسعينات الى حرب مُعلَنة اسفرت عن آلام وأحزان كثيرة.‏ وقد اتاح هذا الوضع لإخوتنا وأخواتنا ان يعربوا عن ‹المودة الاخوية العديمة الرياء› لرفقائهم المؤمنين من كل الخلفيات الإثنية.‏ (‏١ بط ١:‏٢٢‏)‏ كما فسح لهم المجال ان يطيعوا وصية المسيح:‏ «أحبوا اعداءكم وصلّوا لأجل الذين يضطهدونكم».‏ (‏مت ٥:‏٤٣-‏٤٨‏)‏ ولكن في بعض الاحيان،‏ كان من الصعب تطبيق ذلك عمليا.‏

يوضح سالِيو أبازي،‏ مسلم سابق يتكلم الألبانية:‏ «عادة،‏ لا يلقى الشهود الذين من خلفية اسلامية ترحيبا حارا من المسلمين المتديِّنين.‏ وعائلاتنا تستنتج خطأً اننا تخلَّينا عنها باختيارنا دينا جديدا.‏ وبسبب التوتر الناجم عن التعصب الإثني بين الألبان والصرب،‏ لا يكون من السهل دائما على الشهود الذين من خلفية اسلامية ان يكرزوا للصرب».‏

مع ذلك،‏ كان فريق متعدِّد العروق من ٣٠ شخصا يجتمع في منزل سالِيو.‏ يتذكر سالِيو:‏ «في تلك السنوات،‏ كنا نعقد اجتماعاتنا بالصربية ونحصل على مطبوعاتنا من بلغراد.‏ وذات يوم،‏ اتت الشرطة فجأة الى منزلي حيث كنا مجتمعين معا نحن والاخوة من بلغراد الذين كانوا قد سلَّمونا المطبوعات لتوِّهم.‏ حين اخبرتُ الشرطة انهم اخوتي،‏ لم يسعهم ان يستوعبوا كيف يمكن ان يكون الصرب والألبان اخوة».‏ وفي سنة ١٩٩٨،‏ استطاع هذا الفريق من الناشرين ان يستأجر في پريشتينا،‏ كبرى مدن كوسوفو،‏ مكانا لاستخدامه كقاعة ملكوت.‏

وفي ربيع سنة ١٩٩٩،‏ ازداد التعصب الإثني والقومي الى حد مخيف.‏ يروي سالِيو:‏ «هدَّدَنا احد جيراني بحرق بيتنا اذا لم نشترك انا وابني في الحرب.‏ لقد تأثر الناس تأثرا مريعا بالجو السياسي.‏ فبسبب عدم اعترافهم بالحكومة الصربية السابقة،‏ لم يكن ممكنا فرض القانون عليهم،‏ فلجأوا الى العنف وفعلوا ما يحلو لهم».‏

ومع تدهور الوضع السياسي،‏ اخذ الخطر يزداد اكثر فأكثر على الصرب العائشين في كوسوفو.‏ فخلال النزاع الذي حدث عام ١٩٩٩،‏ اضطر الآلاف من الصرب والألبان الى الهرب الى البلدان المجاورة.‏ ولكن في خضم هذا النزاع الإثني الحاد،‏ جازف سالِيو بحياته اذ حرص على حماية اخوته الصربيين في بيته.‏

جعلوا تفكير يهوه يصوغ تفكيرهم

تقول احدى الاخوات:‏ «اشتدّ البغض كثيرا بين الصرب والألبان.‏ وقد نشأنا على هذا البغض منذ الطفولة.‏ حتى بعدما تعرَّفنا الى الحق،‏ كان من الصعب محو هذه المشاعر.‏ لذلك لزم كثيرين منا ان يصنعوا تغييرات كبيرة ليتبنّوا تفكير يهوه.‏ فرغم انني تعلَّمت ان يهوه محبة،‏ حدا بي هذا البغض الى تجنب اخت في الجماعة لمجرد انها صربية.‏ ولكن جراء مواظبتي على الدرس ادركت ان تعاليم الاديان الاخرى تقسِّم،‏ اما حق كلمة يهوه فيوحِّد».‏ فهل ساعدت القوة المغيِّرة لكلمة اللّٰه هذه الاخت على لبس الشخصية المسيحية الجديدة؟‏ قالت الأخت:‏ «يُسعدني اليوم ان اخدم يهوه في الجماعة نفسها مع اخوتي وأخواتي الصربيين».‏ —‏ كو ٣:‏٧-‏١١؛‏ عب ٤:‏١٢‏.‏

تسطع الوحدة المسيحية الحقة سطوع الشمس في ظلمة هذا العالم المنقسم دينيا.‏ ففيما كانت الروح القومية تدفع الناس الى حرق البيوت ورمي القنابل،‏ كان اخوتنا في طريقهم الى بلغراد بصِربيا لحضور المحفل الذي سيُعقد في تموز (‏يوليو)‏ ١٩٩٨.‏ وقد ركبوا الباص كلهم معا بسلام:‏ ألبانيون،‏ غجريون،‏ كرواتيون،‏ ومقدونيون.‏ تروي داشورِيي ڠاشي التي كانت ستعتمد في المحفل:‏ «حين اوقف الجنود الباص،‏ بدت أمارات الدهشة على وجوههم.‏ ففي خضمّ كل التوتر السائد بين الفرق الإثنية في هذه البلدان،‏ كنا نحن شعبا متحدا واحدا،‏ شعب يهوه».‏

ثمة شابة غجرية تعرَّفت الى الحق في صغرها من خالاتها اللواتي يسكنّ خارج البلد.‏ وكانت العقبة الاولى التي لزم ان تتخطاها هي الأمّية.‏ فدفعتها محبتها ليهوه الى تعلُّم القراءة والكتابة خلال السنوات الثلاث التي درست فيها الكتاب المقدس.‏ اما العقبة الثانية فكانت جدّها الذي تسكن معه.‏ تروي:‏ «كنت اخرج خلسة من المنزل لأذهب الى الاجتماعات».‏ ولكن عند عودتها،‏ كان جدّها ينهال عليها بالضرب.‏ تضيف:‏ «تألمت كثيرا من اجل الحق لكنني لم استسلم.‏ فقد كنت افكّر في الآلام الكثيرة التي عاناها الرجل الامين ايوب.‏ احببت يهوه محبة شديدة وصمَّمت ألّا اتوقف عن الدرس».‏ وهذه الشابة تخدم الآن كفاتحة،‏ وتعقد درسا في الكتاب المقدس مع فتاتين أمّيتين.‏ ومع انها لم تحصِّل اي تعليم دنيوي،‏ فهي تقدِّر حق التقدير مدرسة الخدمة الثيوقراطية التي درَّبتها على تعليم الآخرين.‏

كان أدايم ڠرايتشيڤسْتي مسلما قبل ان يتعرف الى الحق في المانيا سنة ١٩٩٣.‏ ثم في سنة ١٩٩٩،‏ عاد الى موطنه كوسوفو.‏ وعلى غرار كثيرين من الشهود الجدد،‏ كان عليه ان يتغلب على المقاومة من عائلته والتحامل الذي كانت تضمره.‏ يتذكر أدايم:‏ «اثناء تعلُّمي الحق،‏ ساعدتني كثيرا المعرفة ان الشيطان هو حاكم العالم وأنه وراء كل الاعمال الوحشية التي تحدث».‏ لم يتقبَّل والد أدايم الدين المسيحي الجديد الذي اعتنقه ابنه وطلب منه ان يختار إما يهوه او عائلته.‏ فاختار أدايم يهوه وثابر على التقدم الروحي،‏ وحاليا يخدم كشيخ في الجماعة المسيحية.‏ ومن المفرح ان موقف والده لان بمرور السنين،‏ وهو الآن اكثر احتراما لقرار ابنه.‏

اما ابن أدايم،‏ عدنان،‏ فلم يبدِ اي اهتمام بالدين في صغره.‏ وقد انصرف تماما الى فنون القتال ونجح جدا في هذا المجال لدرجة ان منافسيه لقَّبوه بالقاتل.‏ ولكن حين مسَّ الحق قلبه لاحقا،‏ تخلّى عن كل ذلك وأحرز تقدما كبيرا واعتمد.‏ يقول عدنان:‏ «بعد معموديتي بوقت قصير،‏ وجب عليّ اتخاذ قرار هام.‏ فمن الناحية المادية،‏ كنت ازاول عملا جيدا وأعيش في بحبوحة؛‏ اما من الناحية الروحية،‏ فكنت اتراجع وبالكاد اجد وقتا للخدمة.‏ فشعرت ان الوقت قد حان لأغيِّر نمط حياتي،‏ لذلك استقلت من عملي».‏ وانخرط عدنان في خدمة الفتح،‏ تعيَّن خادما مساعدا،‏ ولاحقا دُعي الى حضور الصف الاول لمدرسة تدريب الخدام في ألبانيا.‏ وهو الآن شيخ في الجماعة ويخدم مع زوجته هِدييِه كفاتحين خصوصيين.‏ وما رأي عدنان في القرار الذي اتَّخذه؟‏ يقول:‏ «ما من شيء كان سيُسعدني اكثر من ذلك.‏ وأنا لست نادما ابدا على اختياري الخدمة كامل الوقت».‏

عبادة واحدة وتعليم واحد

تستخدم الجماعات الست في كوسوفو اليوم قاعات ملكوت مستأجَرة.‏ وبعض هذه الجماعات صغير كالجماعة في مدينة پِيش التي تتألف من ٢٨ ناشرا.‏ وبسبب عدم توفر اخوة معيَّنين لحمل المسؤوليات،‏ لا يُلقى في بعضها الخطاب العام كل اسبوع.‏ إلّا ان الاخوة فيها،‏ على غرار الاخوة في پِيش،‏ يجتمعون بأمانة كل اسبوع لحضور درس برج المراقبة واجتماعات الجماعة الاخرى.‏

بقيت لجنة البلد في صِربيا ترعى بمحبة الاخوة في كوسوفو في اصعب الاوقات.‏ ولكن عام ٢٠٠٠،‏ اوكلت الهيئة الحاكمة الى الفرع في ألبانيا ان يعتني بعمل الكرازة في كوسوفو من اجل تلبية الحاجات المتغيِّرة لهؤلاء الاخوة.‏

حتى الآونة الاخيرة،‏ كان معظم شهود يهوه في كوسوفو صربيين.‏ لذلك كانت الاجتماعات تُعقد باللغة الصربية،‏ وكان الاخوة يساعدون الاشخاص الذين يتكلمون الألبانية على متابعة البرنامج.‏ اما الآن فقد انعكس الوضع.‏ فمعظم الاخوة في كوسوفو هم ألبانيون.‏ لذلك تُعقد الاجتماعات بالألبانية في كل الجماعات باستثناء جماعة واحدة صربية،‏ وتُترجم الخطابات للاخوة الصربيين لكي يتمكنوا من متابعة الخطيب.‏ كما تُعقد المحافل الدائرية والكورية باللغتين.‏ مثلا،‏ قُدِّم كامل برنامج المحفل الكوري لعام ٢٠٠٨ بالألبانية وتُرجم الى الصربية،‏ وألقى شيوخ كوسوفيون الخطابات الرئيسية بالصربية.‏ يوضح احد الاخوة:‏ «رغم البغض السائد خارجا،‏ نحن داخل القاعة عائلة واحدة».‏

صحيح ان غالبية سكان كوسوفو يدينون بالإسلام،‏ إلا انهم يحترمون الكتاب المقدس وكثيرون منهم يرغبون في مناقشة المواضيع الدينية.‏ وقد تهلَّل الاخوة فرحا حين شهد هذا البلد عام ٢٠٠٨ ذروة جديدة في عدد الناشرين بلغت ١٦٤ ناشرا.‏ وهم عاقدو العزم على مواصلة العمل بدأب لتغطية مقاطعتهم وإيصال البشارة الى الناس من كل القوميات،‏ واثقين كل الثقة بيهوه.‏

تاريخ الجبل الاسود الحديث

هذه اللؤلؤة المكنونة في حوض البحر الابيض المتوسط هي بلد صغير فاتن على ساحل البحر الأدرياتيكي.‏ يقع هذا البلد بين ألبانيا،‏ كوسوفو،‏ صِربيا،‏ والبوسنة والهرسك،‏ ويمتاز بطبيعة متنوعة اخّاذة وجمال يخطف الانفاس.‏ فهناك الشريط الساحلي الذي يتألق بأبهى الحلل على مسافة ٢٩٣ كيلومترا تقريبا.‏ وكذلك أخدود نهر تارا الذي يُعَدّ احد اعمق وأطول الاخاديد في اوروبا.‏ اما بحيرة سْكوتاري فهي الكبرى في شبه جزيرة البلقان وتوفِّر احدى اكبر محميّات الطيور في اوروبا.‏ كل ذلك يجتمع في ارض لا تزيد مساحتها على ٨١٢‏,١٣ كيلومترا مربعا.‏

لكنّ تاريخ الجبل الاسود مشوب بالحروب والنزاعات والآلام.‏ وهذه المعاناة تركت اثرا بالغا في الشعب انعكس في تقاليدهم وذهنيتهم وحضارتهم.‏ فمن بين الخصال التي ينظرون اليها بإعزاز:‏ البسالة،‏ النزاهة،‏ الكرامة،‏ التواضع،‏ التفاني،‏ واحترام الغير.‏ وكثيرون من هذا الشعب المعروف بقدرته على احتمال الصعاب يتجاوبون مع بشارة الملكوت ويدافعون بولاء عن حق الكتاب المقدس.‏

النمو الروحي

هل يمكن لأحد حضر المحفل الكوري البارز الذي عُقد في زغرب بكرواتيا عام ١٩٩١ ان ينسى وحدة ومحبة الاخوة الذين اجتمعوا هناك من كل انحاء يوغوسلافيا السابقة؟‏ يروي ساڤو تشيپرنْيِتش،‏ الذي كان تلميذا جديدا للكتاب المقدس:‏ «كانت بوادر الحرب تلوح في الافق والسفر من الجبل الاسود الى كرواتيا محفوفا بالمخاطر.‏ لذلك ذهلتُ حين رأيت باصات كثيرة تصل الى المحفل دون اي عائق.‏ والمذهل اكثر كان جو السلام والوحدة بين الشهود.‏ ففي اليوم الاول،‏ انتشر المئات من رجال الشرطة في الموقع.‏ اما في اليومين التاليين،‏ فلم يحضر سوى القليل اذ ادركوا اننا مسالمون».‏

قبل اندلاع الحرب،‏ كان زوجان يسافران بانتظام من كرواتيا الى الجبل الاسود لعقد درس في الكتاب المقدس مع ساڤو.‏ ولكن بعدما أُغلقت الحدود،‏ كيف واصل ساڤو درسه؟‏

يوضح ساڤو:‏ «وقعتْ على المهتمين المتقدِّمين في درسهم مسؤولية تعليم الآخرين.‏ مثلا،‏ كان احد الاخوة المعتمدين يدرس معي في كتاب يمكنكم ان تحيوا الى الابد في الفردوس على الارض.‏ ولكن حين لم يعد يستطيع المجيء،‏ تابع الدرس معي شخص غير معتمد.‏ وهكذا بحلول سنة ١٩٩٢،‏ ازداد عدد الفريق الذي كان يجتمع في مدينة هِرسِڠْنوڤي لعقد درس الكتاب الجَماعي ودرس برج المراقبة الى ١٥ شخصا».‏ وثابر ساڤو وزوجته وابنته على التقدم روحيا واعتمدوا سنة ١٩٩٣.‏ واليوم توجد في هذه المدينة الساحلية الخلّابة قاعة ملكوت تضم ٢٥ ناشرا.‏

في اوائل تسعينات القرن العشرين،‏ كان فريق من الناشرين يجتمعون في العاصمة پودغوريتسا.‏ واستمر هذا الفريق ينمو بحيث خُطِّط عام ١٩٩٧ لشراء ارض بهدف بناء قاعة ملكوت.‏ وقد كان للارض التي اشتراها الاخوة جدار قرَّروا ابقاءه حِفاظا على العزلة.‏ ولكن طلب منهم ضابط في الشرطة،‏ كان يسكن في الطابق السفلي لمبنى مجاور،‏ ان يهدموا الجدار لكي يدخل المزيد من النور الى شقته المظلمة.‏ فوافق الاخوة على هدمه واستبداله بسياج من اجل تعزيز علاقات جيدة مع هذا الجار.‏ ويا للبركة التي تمتعوا بها نتيجة معاملتهم الحسنة هذه!‏

فعندما تسبَّب السكان الآخرون في ذلك المبنى بمشاكل للاخوة،‏ هدَّدهم ضابط الشرطة باتخاذ اجراءات قانونية ضدهم اذا هاجموا قاعة الملكوت.‏ والآن لدى الاخوة قاعة ملكوت جميلة،‏ اضافة الى بيت للفاتحين الخصوصيين وباحة مسقوفة كبيرة لإيقاف السيارات يمكن استخدامها للمحافل ايضا.‏

لكنّ الامر لم يكن كذلك مع الاخوة في مدينة نيكشيش.‏ فقد اشتروا ارضا عام ١٩٩٦،‏ لكنّ الجوار هناك عارض بشدة بناء قاعة الملكوت.‏ فراح الاخوة يحرسون موقع البناء نهارا وليلا لئلا يخرِّب الجيران ممتلكاتهم.‏ وذات يوم،‏ جمع احد الكهنة المحليين ٢٠٠ شخص من الرعاع.‏ فهجموا على الموقع بالبنادق والعصيّ،‏ وأخذوا يطلقون النار في الهواء ويكسِّرون قرميد قاعة الملكوت قطعة قطعة.‏ ووقف رجال الشرطة يتفرَّجون عليهم دون الاتيان بحركة.‏

وحين لم تُحلّ المسألة سلميا،‏ بحث الاخوة عن ارض اخرى.‏ وبعد اربع سنوات وجدوا بناء،‏ فرمَّموه وحوَّلوه الى قاعة ملكوت.‏ في بادئ الامر،‏ بدا ان الناس هناك لا يعترضون على ذلك.‏ ولكن بعد اشهر قليلة التهمت النيران القاعة،‏ ويظن الاخوة انها أُحرقت عمدا.‏ رغم ذلك لم يستسلموا،‏ وبعزم ثابت باشروا العمل من جديد وأعادوا بناء القاعة.‏ ومذاك لم تحدث اية مشاكل اضافية.‏

تعمل الجماعات الاربع في الجبل الاسود تحت اشراف لجنة البلد في صِربيا.‏ ويبلغ عدد الناشرين فيه ٢٠١ شخصا،‏ اي بنسبة ناشر واحد الى كل ٩٦٧‏,٢ نسمة.‏ وهم شاكرون للفاتحين الخصوصيين الستة على مساعدتهم.‏ صحيح ان غالبية سكان الجبل الاسود يعتبرون ان لا علاقة للدين بقراءة الكتاب المقدس بقدر ما له علاقة بالتقاليد.‏ لكنّ اخوتنا وأخواتنا هناك يواظبون بولاء على الكرازة بالبشارة بجرأة.‏

تاريخ سلوفينيا الحديث

كانت سلوفينيا تشكِّل الجزء الشمالي الغربي من يوغوسلافيا قبل ان تنال استقلالها عام ١٩٩١.‏ وقد ازدهرت اقتصاديا بعد الاستقلال،‏ وأصبحت عام ٢٠٠٤ جزءا من الاتحاد الاوروبي.‏ صحيح ان مساحتها صغيرة نسبيا،‏ لكنها تنعم بتنوع غني من المناظر الطبيعية الخلّابة.‏ فهناك الجبال المهيبة،‏ البحيرات الجبلية،‏ الغابات الوارفة،‏ المغاور الكلسية الضخمة،‏ والريڤييرا السلوفينية الساحرة.‏ وفي حوالي ساعة،‏ يستطيع المرء ان ينزل من الجبال ذات المناخ البارد المنعش الى بساتين الزيتون وكروم العنب على الساحل الأدرياتيكي الدافئ.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ تتيح المراكز الثقافية والمواقع التاريخية في هذا البلد الصغير فرصا غير محدودة للاستكشاف.‏ لكنّ جماله لا يقتصر على الحدائق الوطنية والمدن التاريخية فحسب،‏ بل هو غني ايضا بإرث روحي.‏

قاعات الملكوت والفاتحون

لا شك انك تتذكر ان ماريبور هي المدينة التي باشر فيها «الحلّاقان اللذان يؤمنان بالكتاب المقدس» الكرازة بإيمانهما الجديد.‏ لقد كان المطعم،‏ الذي أُطلق عليه لاحقا الاسم الملائم نوڤي سْڤيت (‏العالم الجديد)‏،‏ مكانا مناسبا ليجتمع فيه الفريق الصغير الذي تشكَّل هناك.‏ اما اليوم فالشهود السلوفينيون يشكرون يهوه على قاعات الملكوت الجميلة التي يجتمعون فيها للعبادة والتعلُّم.‏ فنظرا الى ازدياد عدد الناشرين وتحسُّن الاوضاع في تسعينات القرن العشرين،‏ شُكِّلت لجنة بناء اقليمية.‏ وبمساعدة ما يزيد على ١٠٠ متطوِّع واستخدام التبرعات المالية من البلدان الاخرى،‏ بنت الجماعات ورمَّمت ١٤ قاعة للملكوت منذ سنة ١٩٩٥.‏

ومع ازدياد عدد الناشرين ازدادت ايضا صفوف الفاتحين العاديين من ١٠ فاتحين سنة ١٩٩٠ الى ١٠٧ سنة ٢٠٠٠.‏ وبين هؤلاء الغيورين أنيتْسا كريستن التي كانت قبل تعرُّفها الى الحق عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي.‏

ان الاخوة والاخوات الذين اتوا من بلدان اخرى للخدمة في سلوفينيا اعطوا زخما كبيرا لعمل الكرازة.‏ ففي سنة ١٩٩٢،‏ وصل اول مرسلين من جلعاد هما فرانكو ودِبي داڠوسْتيني.‏ وعندما عُيِّنا في افريقيا لاحقا،‏ أُرسل الى سلوفينيا مرسلان جديدان هما دانيل وكارين فريدِل من النمسا.‏ ومؤخرا عُيِّن في البلد المرسلون جفري وتونيا پاوِل ويوخِن وميخاييلا فيشِر.‏ وقد حملوا معهم،‏ هم والفاتحون الخصوصيون الذين قدِموا من ايطاليا وبولندا والنمسا،‏ محبة عميقة ليهوه ورغبة متقدة في مساعدة الناس.‏

لجان الاتصال بالمستشفيات

عام ١٩٩٤،‏ أُنشئ مكتب معلومات المستشفيات في بيت ايل،‏ وتأسست لجنتان للاتصال بالمستشفيات.‏ فاجتمع بعض الاخوة المعيَّنين في هاتين اللجنتين مع وزير الصحة الذي رتَّب بدوره لاجتماع مع مدراء كل المستشفيات في سلوفينيا.‏ شرح الاخوة في الاجتماع عمل لجان الاتصال بالمستشفيات وأوضحوا لماذا يرفض شهود يهوه نقل الدم.‏ فأدَّت هذه الخطوة الى تعاون جيد بين الاطباء ومرضاهم الذين يرفضون نقل الدم،‏ اضافةً الى صدور مقالات في المجلات الطبية توضح طرائق المعالجة بدون دم.‏

وعام ١٩٩٥،‏ اجرى الاطباء في سلوفينيا اول عملية قلب مفتوح بدون نقل دم.‏ فنشرت وسائل الاعلام خبر نجاح هذه العملية،‏ كما كتب الجرّاح وطبيب التبنيج مقالة عنها.‏ وهكذا انفتح الباب في سلوفينيا للمعالجة الطبية دون نقل دم،‏ وأصبح المزيد من الاطباء يحترمون القرارات التي يتخذها شهود يهوه حول علاجهم الطبي.‏

سدّ حاجات النموّ المتزايد في الحقل

بعد التغييرات السياسية التي حدثت سنة ١٩٩١،‏ قرَّرت الهيئة الحاكمة تأسيس مكتب في سلوفينيا بهدف منح عمل الملكوت اهتماما اكبر.‏ فاشترى الاخوة مبنى من طابق واحد في وسط العاصمة لْيوبلييانا ورمَّموه.‏ وفي ١ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٩٣،‏ اصبح المبنى جاهزا لتنتقل اليه عائلة بيت ايل.‏ في البداية،‏ كانت العائلة تتألف من ١٠ اعضاء،‏ ولكن في غضون عقد ازداد العدد الى ٣٥.‏ لذلك استأجر الاخوة مبنى مجاورا ليحتوي على المطبخ وغرفة الطعام والمغسل،‏ في حين انتقل اعضاء بيت ايل للسكن في شقق مجاورة بغية فسح المجال لزيادة عدد المكاتب.‏ وقد ابتدأ المكتب في سلوفينيا بالعمل كمكتب فرع لشهود يهوه في عام ١٩٩٧.‏

عندما وافقت الهيئة الحاكمة على بناء مكتب فرع جديد في سلوفينيا،‏ راح الاخوة يبحثون عن موقع مناسب.‏ وبعد ان تفحَّصوا نحو ٤٠ ملكية مختلفة،‏ اختاروا قطعة ارض عند سفح جبل شاهق جميل قرب مدينة كامنيك التي تبعد ٢٠ كيلومترا عن العاصمة.‏ وسرعان ما جرى استيفاء شروط التقسيم المناطقي،‏ الحصول على الرخص اللازمة،‏ شراء الارض،‏ توقيع العقود مع شركة البناء،‏ ودعوة الخدام الامميين الى العمل في المشروع.‏ فبدا كل شيء جاهزا لمباشرة عمل البناء.‏

ولكن حين شاعت الاخبار عن المشروع،‏ احتجّ الجيران على الفور.‏ ففي اليوم الذي كان يُفترض ان يبدأ فيه العمل،‏ قطع المحتجّون الطريق المؤدِّي الى موقع البناء بالمتاريس.‏ وسرعان ما حملوا لافتات كُتبت عليها شعارات تظهر اعتراضهم.‏ وبعد ستة ايام،‏ اتى قرابة الظهيرة حوالي ٣٠ شرطيا لحماية عمّال المدينة الذين أُوكل اليهم ان يزيلوا المتاريس،‏ فانهال المحتجّون عليهم بالشتائم.‏ ولكن بما ان العمل في المشروع كان قد أُرجئ،‏ لم يكن الاخوة ولا اي شخص من شركة البناء في الموقع آنذاك.‏ وبإرجاء المشروع بدأت المقاومة تخفّ،‏ وراح اخوتنا يعملون على التوصل على حل سلمي.‏

ومع ان المحتجّين هدموا سياج ورشة البناء ثلاث مرات،‏ استؤنف العمل في المشروع بعد شهر واستمر دون اي عائق.‏ وفي الواقع،‏ كانت نتيجة الهجوم على شعب يهوه بركة لأن ما حدث استرعى انتباه وسائل الاعلام.‏ فقد قُدِّمت اكثر من ١٥٠ نبذة اخبارية عن مشروع البناء في التلفزيون والراديو والصحف.‏ وأُكمل العمل بعد حوالي ١١ شهرا.‏ وفي آب (‏اغسطس)‏ ٢٠٠٥،‏ انتقلت عائلة بيت ايل الى المبنى الجديد.‏

ومذّاك،‏ تغيَّرت العلاقة كليا بين الاخوة وجيرانهم.‏ وقد قام كثيرون من هؤلاء الجيران بزيارة مبنى الفرع.‏ مثلا،‏ أُثير لاحقا اهتمام احد المقاومين السابقين بمشروع البناء.‏ فسأل عن هويتنا وعما يجري داخل المبنى.‏ وحين قام بجولة فيه،‏ تأثر كثيرا بنظافة المكان والترحيب الحار الذي لقيه.‏ وقال للاخوة:‏ «يسألني الجيران عما اذا كنت الآن الى جانبكم،‏ فأجيبهم:‏ ‹بقدر ما كنت سابقا ضد شهود يهوه،‏ انا اليوم معهم لأنهم شعب صالح›».‏

ثم اتى اليوم السعيد في ١٢ آب (‏اغسطس)‏ ٢٠٠٦،‏ حيث ألقى ثيودور جارس من الهيئة الحاكمة خطاب التدشين امام ١٤٤ شخصا جاءوا من نحو ٢٠ بلدا.‏ وفي اجتماع خصوصي في لْيوبلييانا،‏ ألقى ايضا خطابا على ٠٩٧‏,٣ شخصا من كل انحاء سلوفينيا ومن كرواتيا والبوسنة والهرسك.‏

مستقبل مشرق

يتطلع شهود يهوه في سلوفينيا الى المستقبل بنظرة ملؤها الثقة بتوجيه وبركة ابيهم السماوي.‏ وقد سرّهم في المحفل الكوري الذي عُقد عام ٢٠٠٤ ان يحصلوا على الاسفار اليونانية المسيحية —‏ ترجمة العالم الجديد بالسلوفينية.‏ والآن بدعم الفرع الجديد المجهَّز بكل ما يلزم،‏ اضافة الى الفاتحين الكثيرين الذين يخدمون بدأب،‏ هم عاقدو العزم على اتمام تفويض الكرازة والتلمذة الموكل اليهم.‏ —‏ مت ٢٨:‏١٩،‏ ٢٠‏.‏

صحيح ان الغالبية العظمى من سكان سلوفينيا يدينون بالكاثوليكية الرومانية،‏ إلّا ان كثيرين منهم اصبحوا ملحدين في حقبة الحكم الشيوعي.‏ علاوة على ذلك،‏ يرزح كثيرون اليوم تحت وطأة هموم الحياة ويقعون في شرك المادية.‏ كما ينصبّ اهتمام آخرين ايضا على الرياضة والتسلية.‏ ومع ذلك،‏ لا يزال هنالك اشخاص مخلصون تجذبهم وعود اللّٰه المدونة في الكتاب المقدس.‏

ان عمل الكرازة بالبشارة يواصل تقدُّمه في هذا البلد.‏ ففي آب (‏اغسطس)‏ ٢٠٠٨،‏ شهد ذروة من ٩٣٥‏,١ ناشرا اشترك ربعهم تقريبا في احد اوجه خدمة الفتح.‏ والآن تشمل الحقول الاجنبية فيه اللغات التالية:‏ الألبانية،‏ الانكليزية،‏ الصربية،‏ الصينية،‏ والكرواتية،‏ اضافة الى لغة الاشارات السلوفينية.‏ وعلى عكس البدايات المتواضعة لعمل الكرازة في سلوفينيا،‏ حيث كان هنالك مجرد حلّاقَين يكرزان بالبشارة،‏ يقوم اليوم حشد كبير متعدد الجنسيات من الكارزين الغيورين بالبحث عن المستحقين الذين يرغبون في خدمة الاله الحقيقي يهوه.‏ —‏ مت ١٠:‏١١‏.‏

شهدت منطقة البلقان المعروفة سابقا بيوغوسلافيا الكثير من الصراعات والاحزان والآلام.‏ ولكن في خضم هذا الجو المشحون بالتعصب الديني والبغض الإثني،‏ تُثبت المحبة التي يعرب عنها شعب يهوه انهم تلاميذ حقيقيون للمسيح وترفِّع عبادة يهوه الحقة فوق كل ما يمكن ان يقدِّمه هذا العالم.‏ وهذه المحبة التي يظهرونها تمثلا باللّٰه تجذب اعدادا متزايدة من الناس الى اعتناق العبادة الحقة وتساعد اخوتنا ان يبقوا ثابتي العزم على خدمة يهوه باتحاد الى الابد.‏ —‏ اش ٢:‏٢-‏٤؛‏ يو ١٣:‏٣٥‏.‏

‏[الحواشي]‏

^ ‎الفقرة 65‏ الأوسْتاشي حركة ثورية فاشية حاربت بدعم من الكنيسة الكاثوليكية من اجل استقلال كرواتيا.‏ وقد اشتهرت بوحشيتها.‏ اما التْشيتْنيك فهي عصابة قومية صِربية تشكَّلت اثناء الحرب العالمية الثانية.‏

^ ‎الفقرة 147‏ بسبب المناخ السياسي،‏ أُضيفت الى عنوان المحفل كلمة «الالهية» لإيضاح نوع الحرية التي يلتمسها الاخوة.‏

^ ‎الفقرة 190‏ انظر مقالة «مساعدة اهلنا في الايمان في البوسنة» في برج المراقبة عدد ١ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٩٤،‏ الصفحات ٢٣-‏٢٧.‏

‏[النبذة في الصفحة ١٦٥]‏

فيما تفشَّى التحامل القومي والديني داخل الحدود اليوغوسلافية،‏ حافظ اخوتنا على وحدتهم

‏[النبذة في الصفحة ١٧٣]‏

‏‹لست هنا لإرضاء اي انسان.‏ كما ان حياتي لا تعتمد على ما يقوله الآخرون او يعتقدونه او يفعلونه›‏

‏[الاطار في الصفحة ١٤٤]‏

التباينات في يوغوسلافيا السابقة

اذا سألت مجموعة من الناس عن الفروقات الحضارية في يوغوسلافيا السابقة،‏ يُرجَّح ان يعطوك عددا من الاجوبة المختلفة.‏ لكنهم قد يتَّفقون انه كانت هنالك سبعة شعوب متميزة تعتنق اديانا مختلفة وتتكلم ايضا لغات مختلفة ذات حروف هجاء مختلفة.‏ والدين هو الذي يحدِّد بصورة رئيسية هوية الفِرَق الإثنية.‏ فقبل اكثر من ٠٠٠‏,١ سنة،‏ انقسم العالم المسيحي هنا بين الذين ينتمون الى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية والذين يدينون بالروم الارثوذكس.‏ والخط الذي يفصل بين هاتين الفئتين يمرّ في وسط يوغوسلافيا السابقة تماما.‏ فالناس العائشون في كرواتيا وسلوفينيا يدينون في معظمهم بالكاثوليكية الرومانية،‏ في حين ان غالبية العائشين في صِربيا ومقدونية يدينون بالارثوذكسية.‏ اما في البوسنة،‏ فيوجد خليط من اناس يدينون بالاسلام والكاثوليكية والارثوذكسية.‏

وكما قسَّم الدين الناس كذلك فعلت اللغة.‏ فمعظم الناس في يوغوسلافيا السابقة،‏ باستثناء كوسوفو،‏ يتكلمون احدى اللغات السلاڤية الجنوبية.‏ وصحيح ان لكل بلد لغته الخاصة،‏ إلا ان وجود الكثير من الكلمات المشتركة بين هذه اللغات يجعل التواصل ممكنا بين الصِّرب والكرواتيين والبوسنيين وسكان الجبل الاسود.‏ اما في كوسوفو ومقدونية وسلوفينيا فإن الكلمات المشتركة بينها هي اقل.‏ في نهاية القرن التاسع عشر بُذلت الجهود لتوحيد اللغات المتشابهة،‏ لكنّ انقسام يوغوسلافيا عام ١٩٩١ فشَّل هذه الجهود.‏ وفي العقد الماضي،‏ حاول كلٌّ من بلدان يوغوسلافيا السابقة ان يثبِّت فرديّته باستعمال كلمات معينة لا تستعملها اللغات الاخرى وعدم استعمال الكلمات المشتركة.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ١٤٨]‏

ساعاتيّ ينشر الحق في سلافونيا

في ثلاثينات القرن العشرين،‏ كان أنطُن أبراموڤيتش يذهب من قرية الى قرية في كرواتيا لإصلاح مختلف انواع الساعات.‏ فوجد في نُزْل احد كراريسنا.‏ وعندما قرأه ادرك على الفور انه الحق وتأثَّر قلبيا،‏ الامر الذي دفعه الى كتابة رسالة الى الفرع يطلب فيها المزيد من المطبوعات.‏ ولم يمض وقت طويل حتى صار خادما منتذرا ليهوه.‏ بعد ذلك،‏ حين كان يذهب من قرية الى قرية،‏ لم يكن يُصلِح ساعات الناس فقط بل يقدِّم لهم البشارة ايضا.‏ وقد كانت الكرازة بهذه الطريقة مهمة لأن عملنا كان تحت الحظر.‏ وفي پريڤلاكا،‏ التقى بعض الاشخاص الذين قبلوا الحق عن إخلاص.‏ ومع الوقت تشكلت جماعة صغيرة.‏ وانتشر الحق من هنالك الى ڤينكوفتسي والمنطقة المجاورة.‏

خلال الحرب العالمية الثانية،‏ ساعد الاخ أبراموڤيتش سرًّا في طبع المطبوعات التي كانت تُوزَّع في كل انحاء يوغوسلافيا.‏ وبسبب نشاطه الغيور،‏ كان بين الاخوة الـ‍ ١٤ الذين حُكم عليهم عام ١٩٤٧ بفترات سجن طويلة.‏ وبعد اطلاق سراحه،‏ خدم كناظر جائل.‏ وبقيت غيرته في خدمة يهوه متقدة طوال حياته.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ١٥١]‏

قائد فرقة موسيقية يصبح فاتحا

قبل سنوات كثيرة في ما يُعرف اليوم بالبوسنة والهرسك،‏ حصل قائد اوركسترا الحَرَس الملكي،‏ ألفرد توتْشايك،‏ على مطبوعات الكتاب المقدس من زميل له اسمه فريتز ڠروڠِر.‏ ويُحتمل انه في اواخر عشرينات القرن العشرين اتصل ألفرد بجمعية المنارة في ماريبور طالبا ان يصبح فاتحا عاديا.‏ وبعد مدة صار من اوائل الذين خدموا كفاتحين في يوغوسلافيا.‏ فرغم الراتب الكبير الذي كان يتقاضاه كقائد للأوركسترا العسكرية،‏ دفعته محبته ليهوه الى التخلي عن عمله و ‹عدم النظر الى ما هو وراء›.‏ (‏لو ٩:‏٦٢‏)‏ وفي اوائل الثلاثينات،‏ سافر مع الاخوة الفاتحين الذين اتوا من المانيا وعرض «رواية الخلق المصوَّرة».‏ كما انه ساعد على صنع بطاقات المقاطعات من اجل تنظيم عمل الكرازة في يوغوسلافيا.‏ وفي سنة ١٩٣٤،‏ تزوج فْريدا،‏ احدى الفاتحات الالمانيات.‏ وكان تعيينهما الاول ان يخدما في ساراييفو بالبوسنة.‏ وفي ما بعد خدما في انحاء من مقدونية،‏ الجبل الاسود،‏ كرواتيا،‏ وصِربيا.‏ في البداية،‏ كانا يتنقلان معظم الاوقات بدراجتيهما،‏ لكنهما استخدما لاحقا دراجة نارية.‏ ومع ان قبول البشارة كان صعبا آنذاك وكان عملنا تحت الحظر،‏ فقد ادركا اهمية الوصول الى اكبر عدد ممكن من الناس.‏

‏[الاطار/‏الصورتان في الصفحتين ١٥٥،‏ ١٥٦]‏

خدم بأمانة حين كان يعاني المرض او يتمتع بصحة جيدة

خدم مارتن پويتسنڠر في عدد من بلدان اوروبا الوسطى قبل ان يُعيَّن له عمل الاشراف على فريق من الفاتحين في يوغوسلافيا.‏ وكان في هذه الاثناء انه التقى ڠيرتْرُوت مِندي،‏ فاتحة غيورة من المانيا اصبحت لاحقا زوجته.‏ كان على الفاتحين ان يتَّكلوا كاملا على يهوه في مسألة الرعاية الصحية.‏ فالضمان الصحي لم يكن متوفرا آنذاك،‏ إلا انهم نالوا دائما المساعدة اللازمة.‏ وفي الحالات الصعبة استخدم يهوه احيانا اولئك الراغبين في تقديم المساعدة.‏ على سبيل المثال،‏ حين عانى الاخ پويتسنڠر من مرض حاد في زغرب،‏ كانت الاخت مِندي متوفرة للاعتناء به.‏

تتذكر ڠيرتْرُوت:‏ «في اواسط ثلاثينات القرن العشرين عُيِّنا انا ومارتن لنخدم في ساراييفو.‏ لكنّ الامور لم تجرِ كما توقَّعنا.‏ ففي احدى الامسيات شعر مارتن بتوعُّك،‏ وفي الليل أُصيب بحمى عالية قاربت ٤٠ درجة مئوية.‏ حين ذهبت في الصباح التالي لأطمئن عليه،‏ وجدت صاحبة المسكن حيث يقيم قلقة على صحته.‏ فحاولنا نحن الاثنتين ان نعالجه بالنبيذ الساخن مع الكثير من السكر،‏ لكنّ حالته لم تتحسن.‏ فاتصلت هاتفيا بعدد من الاطباء المدرجة اسماؤهم في دليل الهاتف،‏ وما من احد كان مستعدا ان يأتي على الفور.‏ فجميعهم قدَّموا الاعذار.‏

‏«اقترحت صاحبة المسكن ان نتصل بالمستشفى.‏ فتكلمت مع رئيس المستشفى وأوضحت له ان مارتن مضطجع في السرير وأن حرارته تبلغ ٤٠ درجة مئوية.‏ كان الرجل لطيفا جدا معي فأرسل سيارة اسعاف.‏ وفيما كان المسعِفون يحملون مارتن الى السيارة،‏ قالت لي صاحبة المسكن:‏ ‹لن تريه بعد الآن›.‏

«وما زاد الطين بلّة هو مشكلة المال.‏ فالمصدر الوحيد الذي كنا نحصل منه نحن الفاتحين على المال هو التبرعات لقاء المطبوعات الموزَّعة،‏ وهذه كانت بالكاد تكفي لتأمين معيشتنا.‏ لم نعرف ماذا يجب ان نفعل ولا كم ستبلغ تكاليف المعالجة.‏ اجرى الطبيب تالي فحصا لمارتن،‏ وبعد تشخيص المرض قال:‏ ‹ان مارتن مصاب بذات الجنب ويحتاج الى عملية جراحية.‏ وسيستغرق شفاؤه بعض الوقت›.‏

«لا شك ان الطبيب تالي فهم وضعنا الاقتصادي الصعب لأنه قال:‏ ‹اريد ان ادعم الناس الذين يتحلّون بإيمان كإيمانكم›،‏ ولم يطلب من مارتن تكاليف العملية الجراحية.‏ فبمساعدة يهوه تجاوزنا هذه الحالة الصعبة.‏ ونظرا الى مرض مارتن،‏ لم نتمكن من الذهاب الى ساراييفو بل عدنا الى المانيا».‏

‏[الصورة]‏

مارتن پويتسنڠر في المانيا سنة ١٩٣١

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٦١،‏ ١٦٢]‏

العمل نهارا والطباعة ليلا

لينا بابيتْش

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٥

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٦

لمحة عن حياتها:‏ تخدم في بيت ايل منذ سنة ١٩٥٣،‏ حين صار العمل شرعيا.‏ وقد ساعدت في طباعة وشحن المجلات والمطبوعات الاخرى.‏ وهي اليوم تخدم بأمانة في بيت ايل بزغرب.‏

بعد اطلاق سراح الاخوة من السجن،‏ صُنعت الترتيبات على الفور لإنتاج المجلات.‏ لكنّ الاخوة كانوا قليلين والعمل كثير.‏ عندما عرفت بذلك قرَّرت ان اتطوَّع لتقديم المساعدة رغم انني كنت ازاول عملا دنيويا.‏ فرحت اعمل كل النهار،‏ ثم اخدم حتى ساعة متأخرة ليلا في طبع المطبوعات.‏

في ذلك الحين،‏ لم يكن الفرع يملك مبنى خاصا به في المدينة.‏ لذلك قدَّم زوجان مسنان،‏ هما پِتار ويِلينا يِليتش،‏ بيتهما المؤلَّف من غرفة واحدة لنسخ المطبوعات.‏ كانت الغرفة بطول ٥‏,٤ امتار وعرض ٥‏,٤ امتار،‏ فيها سرير وُضع عليه لوح خشبي مغطَّى بقماش كتّاني استُخدم لتكديس الصفحات المطبوعة.‏ وإلى جانب السرير كانت هنالك طاولة وُضعت عليها آلة نسخ يدوية.‏ كنا ننتج حوالي ٨٠٠ صفحة في الساعة.‏ وهذا ليس كثيرا بالمقارنة مع المطابع العصرية؛‏ لكننا شعرنا بالاكتفاء لأننا بالصبر والعمل الدؤوب تمكَّنا من انتاج كل المطبوعات اللازمة.‏

وكم كان مؤثِّرا ان نرى هذين الزوجين ينتظران بصبر حتى ننتهي من العمل ونزيل الصفحات المطبوعة المكدَّسة لكي يأويا الى الفراش.‏ وهما لم يتذمرا ألبتة بل كانا سعيدَين،‏ وكانت عيونهما تتألق فرحا لأنهما يدعمان عمل الملكوت بهذه الطريقة.‏ وقد ساعدت يِلينا كلما استطاعات مع غيرها من الاخوات المسنات على تجميع الصفحات المطبوعة،‏ خياطتها،‏ وطيِّها.‏ وكانت هذه المساعدة لا تقدَّر بثمن.‏

حصلنا عام ١٩٥٨ على آلة نسخ كهربائية،‏ فصارت الطباعة اسهل.‏ والإنتاج الذي بدأ بـ‍ ٢٠ مجلة فقط سنة ١٩٣١ اصبح في اوائل الستينات ٤٠٠‏,٢ مجلة بثلاث لغات:‏ الكرواتية،‏ الصربية (‏السيريلية)‏،‏ والسلوفينية.‏ ومع اننا لم نتمكن من انتاج الكتب،‏ طبعنا الكثير من الكراريس.‏ وقد شهدت سنة ١٩٦٦ اكبر كمية طُبعت على الاطلاق.‏ فكتاب أمور «لا يمكن ان اللّٰه يكذب» فيها،‏ طُبع في مطبعة دنيوية محلية وصدر على شكل ١٢ كراسا.‏ وكل مجموعة من ١٢ كراسا ألَّفت كتابا كاملا.‏ وقد عنى ذلك انه طُبع باللغات الثلاث ٠٠٠‏,٦٠٠ كراس لإنتاج ما يساوي ٠٠٠‏,٥٠ كتاب.‏

اخدم اليوم في بيت ايل بزغرب.‏ ويُسعدني ان اتذكر سنوات خدمتي الماضية وأرى كيف بارك يهوه العمل في كل بلدان يوغوسلافيا السابقة.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٧٦،‏ ١٧٧]‏

‏«غدًا قد يتغيَّر كل شيء»‏

إيڤيتْسا زِمْليان

تاريخ الولادة:‏ ١٩٤٨

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٦١

لمحة عن حياته:‏ سُجن خمس مرات بسبب الحياد.‏ خدم لاحقا ناظر دائرة في نهايات الاسابيع،‏ ويخدم اليوم شيخا في جماعة في زغرب.‏

كان والداي من شهود يهوه،‏ وكان الحق محور حديثنا في البيت.‏ حين استُدعيت للخدمة العسكرية،‏ ذهبت الى مركز التجنيد وطلبت ان أُدلي بكلمة.‏ وبعدما اوضحت موقفي الحيادي خضعت للمحاكمة،‏ فحُكم عليّ بالسجن تسعة اشهر.‏ وحين أُطلق سراحي،‏ كان الاستدعاء الثاني في انتظاري.‏ وخضعت مرة ثانية للمحاكمة وحُكم عليّ بالسجن،‏ انما سنة واحدة هذه المرة.‏ وحين أُطلق سراحي،‏ كان الاستدعاء الثالث في انتظاري وكذلك محاكمة اخرى.‏ وهذه المرة حُكم عليّ بالسجن ١٥ شهرا.‏ ورابع مرة حُكم عليّ بالسجن ٢٠ شهرا وخامس مرة سنتين،‏ ما مجموعه اكثر من ست سنوات.‏ وقد حدث ذلك كله بين سنتَي ١٩٦٦ و ١٩٨٠.‏

أُرسلت مرتين الى جزيرة ڠولي أوتوك في البحر الأدرياتيكي.‏ كانت الجزيرة كلها سجنا للمجرمين السياسيين،‏ وعوملت كما يُعاملون.‏ اقتضت مهمتنا العديمة الجدوى «رَدْم البحر».‏ فكنا نحمل الحجارة في صندوق خشبي من جهة في الجزيرة الى الجهة المقابلة لنرميها في البحر.‏ وكان وزن كل حِمْل يزيد على ١٠٠ كيلوغرام.‏ ثم نرجع لحمل حِمل آخر ورميه في البحر،‏ وهكذا دواليك الى ان ينتهي النهار.‏

حين أُرسلت مرة ثانية الى ڠولي أوتوك،‏ كانت العادة ان يوضع كل سجين جديد في سجن انفرادي طيلة شهر.‏ وقد كان مريعا جدا ان يُقفَل عليّ وأُترك وحيدا.‏ فصلَّيت الى يهوه في تلك الفترة اكثر من اي وقت مضى.‏ ولم يكن لدي كتاب مقدس او مطبوعات.‏ فشقّ عليّ ان أُعزل تماما عن كل شيء.‏ والتشجيع الوحيد الذي نلته كان رسالة من والديَّ.‏ عندئذ فقط ادركت معنى كلمات الرسول بولس:‏ «عندما اكون ضعيفا،‏ فحينئذ اكون قويا».‏ (‏٢ كو ١٢:‏١٠‏)‏ وكم شعرت بالفرح والقوة عندما أُطلق سراحي ووجدت عملا!‏

في سجن آخر،‏ كان عليّ ان اذهب الى اختصاصي في علم النفس كان قاسيا جدا ووجَّه اليّ الكثير من الاهانات.‏ فقد صرخ في وجهي وقال بين امور كثيرة انني انسان غير طبيعي.‏ ولم يسمح لي ان اتفوّه بكلمة دفاعا عن نفسي.‏ وفي اليوم التالي،‏ دعاني هو نفسه وقال لي بنبرة مختلفة تماما:‏ «كنت افكِّر فيك،‏ وأعتقد ان هذا السجن ليس بالمكان المناسب لك.‏ سأجد لك عملا خارج السجن».‏ ولدهشتي وفى بوعده.‏ لا اعلم ما الذي غيَّر رأيه،‏ لكنّ ما حدث اثبت لي انه لا يلزم ان نخاف او نظنّ انه لا يوجد منفذ لمشكلتنا.‏ فغدًا قد يتغيَّر كل شي.‏ اشكر يهوه على كل الاختبارات التي قرَّبتني اكثر اليه.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ١٧٩]‏

‏‹هل يُسمح للناس بالتكلم عن كرة القدم؟‏›‏

هنريك كوڤاتْشيتْش

تاريخ الولادة:‏ ١٩٤٤

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٦٢

لمحة عن حياته:‏ خدم سنة ١٩٧٣ناظرا جائلا في نهايات الاسابيع،‏ ثم عُيِّن من سنة ١٩٧٤ الى سنة ١٩٧٦ ناظرا جائلا كامل الوقت.‏ وهو الآن عضو في لجنة الفرع في كرواتيا.‏

حين كنا نذهب الى الخدمة لم نكن نعرف هل نعود الى البيت ام لا.‏ فغالبا ما اعتقلتنا الشرطة واستجوبتنا بسبب الاعتقادات الخاطئة الشائعة عن عملنا.‏

ذات مرة،‏ قالوا لي في مركز الشرطة انه يُسمح لنا بالتكلم عن اللّٰه في الاماكن المرخَّص بها فقط وليس في الشوارع او من بيت الى بيت.‏ فصلَّيت كنحميا صلاة سريعة طالبا من يهوه ان يساعدني على التفوُّه بكلمات مناسبة.‏ ثم سألت المحقِّق:‏ «هل يُسمح للناس هنا بالتكلم عن كرة القدم في المدرَّج فقط ام في اماكن اخرى ايضا؟‏».‏ فأجاب انه بإمكان الناس التكلم عن كرة القدم في اي مكان.‏ عندئذ قلت له:‏ «اذًا،‏ يمكنك ايضا التكلم عن اللّٰه في اي مكان،‏ وليس فقط في الكنيسة او في مكان للعبادة».‏ وبعد استجوابنا انا ورفيقي خمس ساعات،‏ أُطلق سراحنا.‏

حين نتذكر انا وزوجتي آنا السنوات الاربعين في خدمة يهوه،‏ لا يسعنا إلا ان نقول اننا لا نستبدلها بأي شيء في العالم.‏ وقد حظينا معًا بامتياز مساعدة نحو ٧٠ شخصا على تعلُّم الحق.‏ فكل تعيين نناله من يهوه لا يمكن إلا ان يُغني حياتنا.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ١٩٥،‏ ١٩٦]‏

وعدناهم بأن نعود

هَليم تْسوري

تاريخ الولادة:‏ ١٩٦٨

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٨٨

لمحة عن حياته:‏ ساعد على تنظيم وتوزيع المساعدات الانسانية في ساراييفو.‏ ويخدم الآن شيخا في الجماعة،‏ عضوا في لجنة الاتصال بالمستشفيات،‏ وممثلا قانونيا لشهود يهوه في البوسنة والهرسك.‏

عام ١٩٩٢،‏ دخلت مدينة ساراييفو تحت الحصار.‏ لذلك كنا ندرس المجلات الاقدم عندما لا نحصل على مطبوعات جديدة.‏ فقد استخدم الاخوة آلة كاتبة قديمة لطبع نسخ من مقالات الدروس المتوفرة.‏ ورغم ان عدد الناشرين كان ٥٢ فقط،‏ بلغ عدد الحضور في اجتماعاتنا اكثر من ٢٠٠ شخص وعقدنا نحو ٢٤٠ درسا في الكتاب المقدس.‏

في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٩٣،‏ خلال اسوإ فترة من الحرب،‏ وُلدت ابنتنا أرييانا.‏ وكم كان صعبا آنذاك انجاب ولد في هذا العالم!‏ فقد كانت المياه والكهرباء تنقطع طوال اسابيع،‏ وكنا نستخدم الاثاث كوقود.‏ كما كنا نمرّ بأماكن خطرة للوصول الى الاجتماعات.‏ وإذ كان القنّاصون يطلقون النار عشوائيا على الناس،‏ وجب ان نعبر بعض الشوارع والحواجز ركضًا.‏

في احد الايام الهادئة،‏ كنا انا وزوجتي وابنتنا والاخ دْراجِن راديشيتْش في طريقنا الى البيت من الاجتماع حين بدأ فجأة اطلاق نار من مدافع رشّاشة.‏ فانبطحنا على الارض،‏ لكنّ رصاصة اصابتني في معدتي وكان الالم مبرِّحا.‏ رأى كثيرون من نوافذ بيوتهم ما حدث،‏ فركض بعض الشبان الشجعان وأخذونا الى مكان آمن.‏ ثم اسرعوا بي الى المستشفى حيث اراد الفريق الطبي ان ينقل اليّ دما بسرعة.‏ فأوضحت ان ضميري لا يسمح لي بقبول الدم.‏ فألحّوا عليّ ان اعيد النظر في الموضوع؛‏ لكنني كنت مصمِّما على الرفض ومستعدا لمواجهة العواقب.‏ عندئذ قرَّروا اجراء العملية الجراحية مهما حدث.‏ وقد دامت ساعتين ونصفا،‏ وتعافيت من دون نقل دم.‏

احتجت بعد العملية الجراحية الى فترة نقاهة،‏ الامر الذي كان مستحيلا بسبب الحرب.‏ فقرَّرنا ان نذهب الى النمسا لزيارة عائلتنا.‏ لكنّ الطريقة الوحيدة لمغادرة ساراييفو كانت عبر نفق تحت المطار طوله تسعمئة متر وارتفاعه مئة وعشرون سنتيمترا.‏ فحملتْ زوجتي الطفلة وحاولت انا حمل الحقائب.‏ لكنّ زوجتي اضطرت الى مساعدتي بسبب عمليتي الجراحية.‏

يتعذَّر علينا وصف الفرح الذي شعرنا به اثناء اقامتنا في النمسا.‏ ولكن حين غادرنا ساراييفو،‏ وعدنا اخوتنا وخالقنا بأن نعود.‏ وكان صعبا جدا ان نترك عائلتنا هنا وخصوصا امي.‏ لكننا اوضحنا لهم اننا وعدنا اللّٰه بأن نعود الى ساراييفو اذا ساعدنا على الخروج منها والحصول على قسط من الراحة.‏ فكيف يُعقل ان نقول له الآن:‏ «نشكرك لأنك ساعدتنا على المجيء الى هنا.‏ لقد امضينا اوقاتا ممتعة جدا،‏ والآن نريد ان نبقى»؟‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ كان اخوتنا في ساراييفو بحاجة الينا.‏ في كل هذه الامور،‏ كانت زوجتي آمْرا دعما كبيرا لي.‏

وهكذا في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٩٤،‏ وصلنا الى النفق في ساراييفو.‏ لكننا هذه المرة كنا ندخل اليها بدل ان نخرج منها.‏ لذلك حين رآنا الناس نعود عبر النفق،‏ قالوا لنا:‏ «ماذا تفعلون؟‏ يريد الجميع الخروج من هذه المدينة المحاصرة وأنتم تعودون اليها!‏».‏ اعجز عن ايجاد الكلمات التي تصف لقاءنا الرائع بإخوتنا في قاعة الملكوت في ساراييفو.‏ ونحن لم نندم قط على عودتنا.‏

‏[الاطار في الصفحة ٢١٠]‏

جزر كرواتيا

يمتد الساحل الكرواتي مسافة ٧٧٨‏,١ كيلومترا على طول خط يتناثر فيه ما يزيد على ألف جزيرة،‏ خمسون منها غير مأهولة.‏ وتتراوح مساحات هذه الجزر بين اقل من كيلومتر مربع واحد و٤٠٠ كيلومتر مربع.‏

يعتاش سكان الجزر بشكل رئيسي من صيد السمك،‏ زراعة الزيتون،‏ الاعتناء بالكروم،‏ والعمل في البساتين.‏ وتشكل حديقة كورناتي الوطنية،‏ التي هي ارخبيل يضم ١٤٠ جزيرة وشِعْبا،‏ موقعا خلّابا للغطس.‏ ففي جزيرتَي كراپاني وزْلارين يزاول السكان الغطس طلبا للمرجان والاسفَنج،‏ في حين تنتج جزيرة هْڤار الخزامى والعسل وزيت اكليل الجبل.‏ اما سكان جزيرة پاڠ القاحلة فينتجون الجبن الفاخر المصنوع من حليب خرافهم القوية التي ترعى ما توفر على الجزيرة من الاعشاب والكلإ المالح.‏

يبذل شهود يهوه جهودا حثيثة للوصول الى جميع هؤلاء السكان.‏ وفي حين يستلزم بلوغ بعض الجزر مجرد عبور جسر،‏ فإن الوصول الى غيرها يتطلب ركوب عبّارة.‏ لذلك،‏ تفضّل فِرق من الشهود تنظيم حملات خاصة لقضاء عدة ايام في الكرازة على جزيرة واحدة.‏ وقد لا يكون التكلم الى سكان الجزر بالأمر السهل،‏ لأنهم اكتسبوا على مر الزمن لهجة متميزة يصعب ان يفهمها سكان البَرّ الرئيسي.‏

ومع ذلك،‏ من المفرح ان سكان الجزر يتجاوبون مع البشارة،‏ كما هي الحال في جزيرة كورتشولا التي تضم جماعة من ٥٢ ناشرا.‏ بيد ان الموقع المنعزل لهذه الجماعة يشكّل تحديا للخطباء الذين يأتون لتقديم الخطابات العامة.‏ لكنّ الجهود التي يبذلونها تساهم في ابقاء هذه الجماعة المنعزلة متّحدة مع معشر الاخوة المسيحي في العالم.‏ —‏ ١ بط ٥:‏٩‏.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٢٢٤]‏

‏‹حضرتُ الى السجن قبل ١١ يوما من الموعد المحدد›‏

پاڤلينا بوڠووِڤْسكا

تاريخ الولادة:‏ ١٩٣٨

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٧٢

لمحة عن حياتها:‏ بدأت خدمتها كفاتحة عام ١٩٧٥ وأصبحت اول فاتحة خصوصية في مقدونية عام ١٩٧٧.‏ وقد ساعدت ٨٠ شخصا على تعلُّم الحق.‏

اثناء قيامي بعمل الكرازة،‏ كثيرا ما كان الناس يبلِّغون رجال الشرطة عني،‏ فيصطحبني هؤلاء الى المركز حيث اُستجوَب احيانا طوال ساعات.‏ وقد غُرِّمت مرات عديدة،‏ واتُّهمت زورًا في المحكمة بمقاومة سياسة الدولة ونشر افكار تخدم مصالح الغرب.‏ كما حُكم علي مرة بالسجن ٢٠ يوما،‏ ومرة اخرى ٣٠ يوما.‏

تزامنت فترة سجني لمدة ٢٠ يوما مع فترة انعقاد المحفل الكوري.‏ فالتمست من المحكمة تأجيل تنفيذ العقوبة،‏ لكنها رفضت.‏ لذلك قررت ان احضر الى السجن قبل ١١ يوما من الموعد المحدد.‏ وطبعا فوجئ القيِّمون على السجن برؤيتي هناك.‏ فكيف يعقل ان يرغب احد في المجيء الى السجن بأسرع ما يمكن؟‏ لقد اتاح لي ذلك الفرصة لأقدِّم الشهادة لهم.‏ فوعدوني ان يبذلوا كل ما في وسعهم للاهتمام بي.‏ وبعد احد عشر يوما،‏ قَدِم ضابط في الشرطة الى السجن ليتأكد انني وصلت في الموعد المحدد.‏ تخيّل دهشته عندما اخبره القيِّمون على السجن انني اتيت منذ ١١ يوما.‏ وهكذا تمكنت من حضور المحفل.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٢٣٢]‏

‏‹أعطَوا افضل ما ملكت ايديهم›‏

شاندور پالْفي

تاريخ الولادة:‏ ١٩٣٣

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٦٤

لمحة عن حياته:‏ تعرَّف والداه الى الحق بُعيد الحرب العالمية الثانية في معسكر أقامه الموالون.‏ وقد خدم كناظر جائل في نهايات الاسابيع،‏ وهو الآن عضو في لجنة البلد في صِربيا.‏

تتحدر عائلتي من اصل هنغاري،‏ لذلك أُرسلنا فترة قصيرة الى معسكر أقامه الموالون.‏ لكنّ هذا كان سبب بركة لنا لأن والديّ تعرَّفا الى الحق هناك.‏ في سني مراهقتي،‏ لم أُبدِ اهتماما كبيرا بالحق.‏ غير ان الاخ فرانتز برانت،‏ الذي سكن في بيتنا حوالي سنتين،‏ ترك فيّ اثرا بالغًا.‏ فقد خلتُ انني اقدِّم له المساعدة عندما وافقت على طلبه ان اترجم احدى المطبوعات من اللغة الهنغارية الى الصربية.‏ إلَّا انني اكتشفت في ما بعد انه لم يكن من داعٍ لترجمتها،‏ وأن ذلك كان لمجرد التأكد من انني سأقرأ تلك المطبوعة.‏ وقد نجحت خطته بالفعل،‏ واعتمدت لاحقا سنة ١٩٦٤.‏

كان احد اعظم دواعي سروري ان اخدم كناظر جائل.‏ ولم يكن ذلك سهلا دائما بسبب موارد الاخوة المادية المحدودة.‏ فكثيرا ما نمتُ في الغرفة نفسها مع كل افراد العائلة التي نزلت ضيفا عندها.‏ لكنّ هذه التضحيات لم تذهب سدى.‏ فرؤية فرح الاخوة الذين كانوا ينتظرون زيارتي بفارغ الصبر ادخلت البهجة الى قلبي.‏ حتى انهم كانوا يبذلون كل ما في وسعهم ليعطوا افضل ما ملكت ايديهم.‏ فكيف لا ادين لهم بالشكر؟‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٢٣٦،‏ ٢٣٧]‏

‏«كيف السبيل الى ايجاد هؤلاء الاشخاص؟‏»‏

أڠرون باشوتا

تاريخ الولادة:‏ ١٩٧٣

تاريخ المعمودية:‏ ٢٠٠٢

لمحة عن حياته:‏ جندي سابق في جيش تحرير كوسوفو،‏ ويخدم الآن فاتحا عاديا وخادما مساعدا.‏

عندما شهدتُ كل فظائع الحرب التي شملت ذبح الاطفال،‏ خلَصت الى الاستنتاج ان اللّٰه حتما غير موجود.‏ فقد كنت اتساءل:‏ «اذا كان اللّٰه موجودا،‏ فلمَ لا يفعل شيئا حيال كل هذا الألم؟‏».‏ وما قوَّض ايماني اكثر هو رؤية القادة الدينيين المسلمين يدعمون الحرب ضد الصربيين.‏ فمع انني كنت مسلما قبل الحرب،‏ اصبحت بعدها ملحدا وانضممت الى صفوف جيش تحرير كوسوفو.‏ ورغم الفترة الوجيزة التي قضيتها في الجيش،‏ كسبت احترامهم ومُنحت عددا من الامتيازات،‏ الامر الذي جعلني شخصا عدائيا ومتغطرسا لأن اوامري كانت تُطاع حتما.‏

وللأسف،‏ انعكس هذا الموقف على علاقتي بزوجتي مِريتا.‏ فخلتُ انها يجب ان تنصاع لأوامري دائما.‏ وبما ان الشهود كانوا يزورونها خلال الحرب،‏ فقد كان في حوزتها بعض مطبوعاتهم.‏ وذات ليلة قبل ان تخلد الى النوم،‏ قالت لي:‏ «خذ هذه واقرأها.‏ انها عن اللّٰه».‏ فأغضبني جدا ان تعتقد ان بإمكانها تعليمي عن اللّٰه.‏ ولكي تتجنب مواجهتي،‏ مضت الى غرفة النوم وأوت الى الفراش.‏

حين بقيتُ بمفردي مع المطبوعات،‏ قررت ان اقرأ كراسة ماذا يطلب اللّٰه منا؟‏.‏ وبعدها قرأت كراس وقت الاذعان الحقيقي للّٰه.‏ ففوجئت كمسلم انه يقتبس من القرآن.‏ ثم قرأت ايضا بعض مجلات برج المراقبة و استيقظ!‏.‏ فما كان مني في تلك الليلة عينها إلّا ان دخلت غرفة النوم وأيقظت زوجتي وسألتها:‏ «مَن اعطاك هذه،‏ وكيف السبيل الى ايجاد هؤلاء الاشخاص؟‏».‏

لقد مسّني ما قرأته في الصميم،‏ لكنّ زوجتي شكّت في نواياي وخافت مما قد أُقدم عليه.‏ رغم ذلك،‏ اتصلنا في تلك الليلة بشاهدة اخبرتنا بموعد ومكان عقد الاجتماع.‏ فذهبنا في الصباح التالي الى الاجتماع حيث تأثرت كثيرا بلطف واستقبال الاخوة.‏ ما كنت اظن انه يوجد اشخاص كهؤلاء على وجه الارض.‏ فقد لمستُ لمس اليد انهم مميَّزون.‏ وعندما خطر ببالي خلال الاجتماع سؤال رفعت يدي لأطرحه في الحال،‏ اذ لم يسعني الانتظار لمعرفة الجواب.‏ فانتاب الشيوخ شيء من القلق لأنهم لم يعرفوا سبب توقي الشديد الى التكلم معهم.‏ ولا شك انهم شعروا بارتياح كبير عندما ادركوا ان كل ما اردته هو فهم ما عليّ فعله لأصبح واحدا من شهود يهوه.‏

بدأت ادرس الكتاب المقدس في ذلك اليوم عينه.‏ لكنّ التغييرات الكثيرة التي اردت ان اصنعها في شخصيتي لم تكن سهلة.‏ فقد اردت ان اقلع عن التدخين وأتوقف عن معاشرة رفاقي السابقين.‏ وبواسطة الصلاة والحضور المنتظم للاجتماعات،‏ تبتُ عن حياتي السابقة ولبست الشخصية الجديدة.‏ ويا للفرق الكبير الذي احدثه الحق في حياتي وحياة عائلتي!‏ فأنا وزوجتي نخدم اليوم كفاتحين عاديين،‏ وقد عُيِّنت عام ٢٠٠٦ خادما مساعدا.‏ وهكذا،‏ اصبح بإمكاني الآن ان اساعد الآخرين ليعرفوا لماذا يتألم الناس وكيف سيحلّ يهوه عما قريب كل مشاكلنا.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٢٤٩،‏ ٢٥٠]‏

‏«بدا ان يهوه كان يعمي بصرهم»‏

يانِز نوڤاك

تاريخ الولادة:‏ ١٩٦٤

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٨٣

لمحة عن حياته:‏ قضى ثلاث سنوات في السجن من اجل ايمانه،‏ وهو الآن عضو في لجنة الفرع في سلوفينيا.‏

في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٨٤،‏ وجّهت اليّ السلطات العسكرية مرارا اوامر تقضي بالحضور لأداء الخدمة العسكرية.‏ وعندما ألصقوا مذكّرة الاستدعاء على بابي وهددوا بقدوم الشرطة العسكرية لاصطحابي،‏ قصدت الثكنة وشرحت لهم موقفي.‏ لكنّ ذلك لم يُجدِ نفعا،‏ وقرروا ان يفعلوا كل ما في وسعهم لأتجنّد.‏ فحلقوا شعر رأسي،‏ نزعوا عني ملابسي المدنية،‏ وأعطوني بذلة عسكرية لأرتديها.‏ وعندما رفضتُ،‏ ألبسوني اياها عنوةً.‏ ثم جعلوا قلمًا في يدي وحاولوا اجباري على توقيع وثيقة الانخراط في الجيش،‏ غير انني رفضت.‏

كما انني رفضت المشاركة في نشاطات كالتمارين الصباحية وتأدية تحية العلم.‏ فأخذني اربعة جنود الى الباحة وأمروني بأداء التمارين،‏ لكنني أبَيتُ رفع يديّ.‏ فراحوا يرفعونهما مرة بعد مرة الى ان ادركوا سخافة محاولاتهم.‏ فصوّبوا بندقية نحوي وهددوا بقتلي.‏ وقد حاولوا احيانا استمالتي بتقديم القهوة والحلوى لي.‏

وبسبب تصميمي الراسخ استاء البعض لدرجة البكاء.‏ كما استشاط آخرون غيظًا عندما رفضت ان ابصق على صورة المارشال تيتو التي حملوها امام وجهي.‏ وبعد بضعة ايام،‏ حاولوا اجباري على حمل السلاح.‏ وعندما رفضت،‏ اعتُبر ذلك بمثابة مخالفة لأوامر عسكرية واحتُجزت في الثكنة طيلة شهر.‏ ثم سُجنت عدة اسابيع في زنزانة في زغرب،‏ كرواتيا،‏ منتظرا صدور الحكم.‏ وقد كانت الزنزانة تُترك مضاءةً بضوء احمر طوال الليل،‏ وكان الحصول على اذن بدخول الحمام يتوقف على مزاج الشخص المسؤول عني.‏

اخيرا،‏ حُكم علي بالسجن ثلاث سنوات في ڠولي أوتوك،‏ احدى جزر البحر الأدرياتيكي،‏ حيث كانوا يرسلون اخطر المجرمين.‏ أُخذت الى ذلك السجن،‏ المشهور بعنف سجنائه،‏ مكبّل اليدين لأنني رفضت ان احارب.‏ وهناك التقيت اربعة شهود آخرين سُجنوا ايضا بسبب موقفهم الحيادي.‏

مُنعنا من ادخال كتاب مقدس او اية مطبوعة اخرى،‏ إلا انه كان يوجد هناك كتاب مقدس.‏ وقد كان افراد عائلتي يرسلون اليّ مجلات برج المراقبة بالبريد بعد ان يضعوها في مكان خفي في علبة.‏ فلم يكتشف الحراس مطبوعاتنا ولا عرفوا اننا نعقد الاجتماعات المسيحية.‏ ومع انهم كانوا احيانا يدخلون والمطبوعات موضوعة جانبا امام اعينهم،‏ ما كانوا يلاحظون شيئا.‏ لقد بدا ان يهوه كان يعمي بصرهم.‏

نُقلت بعد سنة الى سلوفينيا لاستكمال فترة حكمي.‏ وفيما انا بعدُ في السجن تزوجت راهيلا.‏ وعندما أُطلق سراحي اخيرا،‏ بدأت بخدمة الفتح مع زوجتي.‏ ومنذ سنة ١٩٩٣ لا نزال نخدم في بيت ايل في سلوفينيا.‏

‏[الجدول/‏الرسم البياني في الصفحتين ٢٤٤،‏ ٢٤٥]‏

نبذة تاريخية —‏ اراضي يوغوسلافيا السابقة

عشرينات القرن العشرين:‏ فريق صغير يجتمع في ماريبور بسلوفينيا لمناقشة الكتاب المقدس.‏

ثلاثينات القرن العشرين:‏ ارسال فاتحين يتكلمون الالمانية الى يوغوسلافيا.‏

١٩٣٥:‏ تأسيس مكتب فرع في بلغراد بصِربيا للاشراف على العمل.‏

١٩٤٠

١٩٤١:‏ اجتياح الجيش الالماني،‏ وبعده موجة الاضطهاد العنيف.‏

١٩٥٠

١٩٥٣:‏ نيل شهود يهوه الاعتراف الشرعي،‏ مع بقاء الخدمة من بيت الى بيت محظورة.‏

١٩٦٠

١٩٦٩:‏ عقد محفل اممي في هذا المدرَّج في نورمبورڠ بألمانيا.‏

١٩٧٠

١٩٩٠

١٩٩١:‏ عقد اول محفل اممي في زغرب بكرواتيا.‏ وصول اول مرسلين مدرّبين في مدرسة جلعاد.‏ تأسيس مكتب في سلوفينيا يعمل تحت اشراف الفرع في النمسا.‏ واندلاع الحرب.‏

١٩٩٣:‏ تسجيل شهود يهوه شرعيا في مقدونية.‏

١٩٩٤:‏ تأسيس لجنة الاتصال بالمستشفيات في سلوفينيا.‏

٢٠٠٠

٢٠٠٣:‏ حصول شهود يهوه على الاعتراف الشرعي في كرواتيا.‏ وتدشين بيت ايل جديد في مقدونية.‏

٢٠٠٤:‏ صدور الاسفار اليونانية المسيحية —‏ ترجمة العالم الجديد بالسلوفينية.‏

٢٠٠٦:‏ تدشين فرع جديد في سلوفينيا.‏ صدور كامل الكتاب المقدس —‏ ترجمة العالم الجديد بالكرواتية،‏ الصربية،‏ والمقدونية.‏ وتشكُّل فريق صيني في بلغراد بصِربيا.‏

٢٠٠٧:‏ تقديم الخطاب الخصوصي للمرة الاولى بلغة الروماني في مقدونية.‏ وصدور اول مطبوعة بلغة الروماني.‏

٢٠١٠

‏[الرسم البياني]‏

‏(‏انظر المطبوعة)‏

مجموع الناشرين

مجموع الفاتحين

٠٠٠‏,١٤

٥٠٠‏,١٠

٠٠٠‏,٧

٥٠٠‏,٣

١٩٤٠ ١٩٥٠ ١٩٦٠ ١٩٧٠ ١٩٩٠ ٢٠٠٠ ٢٠١٠

‏[الخرائط في الصفحة ١٤٧]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسق في المطبوعة)‏

الجمهورية التشيكية

النمسا

فيينا

سلوفاكيا

براتسلاڤا

هنغاريا

بودابست

رومانيا

بلغاريا

اليونان

ألبانيا

تيرانا

البحر الأيوني

ايطاليا

البحر الأدرياتيكي

يوغوسلافيا السابقة

سلوفينيا

لْيوبلييانا

ماريبور

كامنيك

كرواتيا

زغرب

سلافونيا

أوسييِيك

ڤوكوڤار

ڤينكوفتسي

پريڤلاكا

ياسينوڤاتْس

شيبينيك

سْپْليت

ساحل دالماشيا

ڠولي أوتوك

پاڠ

كورنات

زْلارين

كراپاني

هْڤار

كورتشولا

البوسنة والهرسك

ساراييفو

بِهاتْش

بانيا لوكا

توزلا

تراڤنيك

زينيكا

ڤارِش

موستار

صِربيا

بلغراد

ڤويڤودينا

بور

الجبل الاسود

پودغوريتسا

نيكشيش

هِرسِڠْنوڤي

تارا

بحيرة سْكوتاري

كوسوفو

پِيش

پريشتينا

مقدونية

سكوپِيه

تيتوڤو

كوشاني

شْتيپ

كيسيڤو

ستروميكا

ريزين

ملاحظة:‏ اخبرت الامم المتحدة ان «كوسوفو اعلنت استقلالها عن صِربيا في شباط (‏فبراير)‏ [٢٠٠٨]».‏ وفي محاولة لحلّ النزاع حول وضع كوسوفو السياسي،‏ تطلب الجمعية العامة للامم المتحدة «فتوى من محكمة العدل الدولية».‏

‏[صورة تغطي كامل الصفحة ١٤٢]‏

‏[الصورة في الصفحة ١٤٥]‏

فرانز برانت

‏[الصورتان في الصفحة ١٤٦]‏

رودولف كايل وإحدى آلاته الكاتبة

‏[الصورة في الصفحة ١٤٩]‏

استأجر الاخوة شاحنة للكرازة في سلوفينيا

‏[الصورة في الصفحة ١٥٤]‏

واجه الفاتحون الاوائل تحديات كثيرة

‏[الصورة في الصفحة ١٥٧]‏

ألفرد وفْريدا توتْشايك مع دراجتيهما

‏[الصورة في الصفحة ١٥٨]‏

رودولف كايل امام بيت ايل في بلغراد بصِربيا

‏[الصورتان في الصفحة ١٦٨]‏

فرانتس دروزڠ ونسخة طبق الاصل من رسالته

‏[الصورة في الصفحة ١٨٠]‏

الى اليمين:‏ الاسطبل الذي حُوِّل الى قاعة ملكوت في لْيوبلييانا بسلوفينيا

‏[الصورة في الصفحة ١٨٠]‏

في الاسفل:‏ احدى قاعات الملكوت الاولى في زغرب بكرواتيا

‏[الصورة في الصفحة ١٨٢]‏

سْتويان بوڠاتينوڤ

‏[الصور في الصفحتين ١٨٤،‏ ١٨٥]‏

خلفية الصورة:‏ محفل «السلام على الارض» الاممي عام ١٩٦٩ في نورمبورڠ بألمانيا؛‏ الى اليسار:‏ قطار من يوغوسلافيا يقلّ الاخوة الى المحفل؛‏ الى اليمين:‏ ناثان نور

‏[الصورة في الصفحة ١٨٨]‏

جورو لانديتش

‏[الصورتان في الصفحة ١٩٢]‏

مِلتون هنشل يلقي خطابا،‏ والمعمودية في محفل «محبّو الحرية الالهية» الاممي عام ١٩٩١ في زغرب بكرواتيا

‏[الصورة في الصفحة ١٩٧]‏

ليلييانا مع ابنتيها

‏[الصورتان في الصفحة ١٩٩]‏

اتت المساعدات الانسانية بالشاحنات من النمسا

‏[الصورة في الصفحة ٢٠٠]‏

عائلة جورِم عام ١٩٩١

‏[الصورة في الصفحة ٢٠٤]‏

المعمودية في برميل للسمك في زينيكا عام ١٩٩٤

‏[الصورتان في الصفحة ٢٠٩]‏

تخزين المساعدات الانسانية في زغرب بكرواتيا

‏[الصورة في الصفحة ٢١٥]‏

هاينتس وإلكيه پولاخ

‏[الصورتان في الصفحة ٢١٦]‏

لجنة الفرع في كرواتيا،‏ ومكتب الفرع

‏[الصورة في الصفحة ٢٢٨]‏

تسليم المساعدات الانسانية في البوسنة

‏[الصورتان في الصفحة ٢٣٣]‏

لجنة البلد في صِربيا،‏ ومباني بيت ايل في بلغراد

‏[الصورة في الصفحة ٢٣٥]‏

سالِيو أبازي

‏[الصورتان في الصفحة ٢٤٣]‏

الكرازة في پودغوريتسا؛‏ قاعة الملكوت في پودغوريتسا

‏[الصورة في الصفحة ٢٤٧]‏

مدينة پيران القديمة في سلوفينيا

‏[الصورة في الصفحة ٢٥١]‏

مكتب الفرع السابق في لْيوبلييانا بسلوفينيا،‏ سنة ٢٠٠٢

‏[الصورة في الصفحة ٢٥٣]‏

مكتب الفرع في كامنيك بسلوفينيا،‏ سنة ٢٠٠٦

‏[الصورة في الصفحة ٢٥٤]‏

لجنة الفرع في سلوفينيا