الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

أستونيا

أستونيا

أستونيا

اهلا بك في أستونيا،‏ «جوهرة البلطيق» التي ستدهشك بجمالها!‏ فهي تزدان بالغابات والمراعي الخضراء والضياع الساحلية الخلابة،‏ وتضم اكثر من ٤٠٠‏,١ بحيرة وما يزيد عن ٥٠٠‏,١ جزيرة.‏ كما تكسو نصف مساحتها تقريبا اشجار كثيفة ترتفع وسط وفرة من الاعشاب والنباتات البرية وتُعدّ من بقايا الغابة التي غطت معظم اوروبا في الازمنة الغابرة.‏ وتُعتبر أستونيا من اصغر البلدان الاوروبية،‏ فمساحتها اكبر بقليل من مساحة سويسرا او الدانمارك.‏

ان سكان هذا البلد الجميل ودّيون ومتحفظون في آن معا،‏ ويتحلّون بالعديد من الصفات الرائعة.‏ كما انهم عموما مثقفون،‏ يحبون المطالعة،‏ ولديهم نسبة عالية جدا ممن يعرفون القراءة والكتابة.‏ ورغم ان زهاء ٣٠ في المئة منهم ينطقون بالروسية،‏ فالأستونية هي لغة البلد الرسمية،‏ وليس من السهل تعلمها لأنها معقدة جدا.‏ فللاشارة مثلا الى كلمة «جزيرة» بالأستونية تُستخدم عدة مفردات،‏ وذلك وفقا لشكلها او حجمها او قِدمها.‏

ماضٍ عاصف

تعرضت أستونيا لسيطرة جيرانها الاقوياء الواحد تلو الآخر.‏ فقد غزتها الفرسان الالمانية والقوات الدانماركية في اوائل القرن الثالث عشر.‏ وشهدت بعد ذلك على مر القرون معارك طاحنة خاضتها الجيوش الدانماركية،‏ الليتوانية،‏ النروجية،‏ البولندية،‏ الروسية،‏ والسويدية التي سعت لتحكم السيطرة على اراضيها.‏

وبعد ان خضعت أستونيا للحكم السويدي اكثر من قرن،‏ عاد الروس ليهيمنوا عليها عام ١٧٢١.‏ ثم نعمت بالاستقلال فترة قصيرة دامت من عام ١٩١٨ الى عام ١٩٤٠.‏ ففي تلك السنة،‏ اغار عليها الاتحاد السوفياتي وضمها الى اراضيه.‏ وفي عام ١٩٤١،‏ احتلت القوات النازية البلد وغادرته عام ١٩٤٤ بعدما هزمها الاتحاد السوفياتي.‏ وقد بقيت أستونيا جزءا من الاتحاد السوفياتي مدة ٥٠ سنة تقريبا.‏ ولكن في عام ١٩٩١ كانت اول دولة سوفياتية تعلن استقلالها.‏

فكيف اثّرت هذه الاحداث على شهود يهوه في أستونيا؟‏ وماذا حصل لعباد الاله الحقيقي اثناء الاحتلال الالماني الظالم وفي الحقبة السوفياتية الصعبة؟‏ إليك في ما يلي القصة المثيرة التي تخبر عن ايمانهم،‏ شجاعتهم،‏ وسعة حيلتهم في وجه الاضطهاد العنيف الذي قاسوه.‏

الندوب التي خلّفها الدين الباطل

حين غزت الجيوش الصليبية أستونيا في القرن الثالث عشر،‏ أجبروا شعبها على اعتناق «المسيحية» بحدّ السيف.‏ لكنّ هذا الاهتداء كان ظاهريا فقط.‏ ففي وقت لاحق،‏ رشّ سكان قرى بكاملها انفسهم وبيوتهم بالماء ليطهّروا ذواتهم من المعمودية القسرية التي خضعوا لها،‏ ثم عادوا الى عبادتهم الوثنية.‏ فاستمروا يعبدون الطبيعة ويمارسون الشعائر الوثنية حتى امتزجت طقوسهم تدريجيا بالمعتقدات الكاثوليكية.‏

في القرن السابع عشر،‏ اهتدى الأستونيون الى اللوثرية.‏ وفي وقت لاحق،‏ اصبحت الكنيسة الارثوذكسية الروسية كنيسة الدولة في أستونيا.‏ لكن عام ١٩٢٥،‏ انفصلت الكنيسة عن الدولة.‏ وقد اظهر احد الاستطلاعات ان ١٤ في المئة فقط من الأستونيين يعتبرون الدين جزءا مهما من حياتهم اليومية.‏

غير انه في الآونة الاخيرة،‏ رحب كثيرون من الأستونيين المخلصين بالبلسم الشافي لكلمة اللّٰه،‏ «التعليم الصحيح حسب بشارة الإله السعيد المجيدة».‏ (‏١ تي ١:‏١٠،‏ ١١‏)‏ فارتفع عدد شهود يهوه الذين يعلنون ملكوت اللّٰه من اقل من ٠٠٠‏,١ ناشر عام ١٩٩١ الى اكثر من ٠٠٠‏,٤ ناشر حاليا.‏ ولكن كيف وصلت البشارة اساسا الى هذ البلد الصغير؟‏

‏«لديك فم»‏

في اوائل القرن العشرين،‏ حصل مارتن كوزي وأخوه هوڠو في الولايات المتحدة على بعض المطبوعات التي يصدرها تلاميذ الكتاب المقدس (‏كما عُرف شهود يهوه آنذاك)‏.‏ فسرّ مارتن كثيرا بالحقائق التي اكتشفها،‏ وهمَّه كثيرا ان تصل الى بلده الام حيث لم يوجد اي تلميذ للكتاب المقدس.‏ وفي وقت لاحق،‏ توجه الى المركز الرئيسي في نيويورك مسترشدا بالعنوان المدوّن في احدى الكراسات.‏ وهناك عبّر عما يشغل باله للاخ ج.‏ ف.‏ رذرفورد،‏ المشرف على عمل تلاميذ الكتاب المقدس.‏

فسأله مارتن:‏ «ماذا عليّ ان افعل؟‏».‏

اجاب الاخ رذرفورد:‏ «لديك فم،‏ أليس كذلك؟‏ اذًا،‏ عُد الى ديارك واستخدمه».‏

وهذا ما فعله مارتن.‏ فقد عاد الى أستونيا نحو عام ١٩٢٣ وبدأ يكرز للناس،‏ فصار بذلك اول تلميذ للكتاب المقدس في البلد.‏ وقد علّم عائلته الحقائق الروحية،‏ فبات ابنه أدولف خادما مخلصا للّٰه ودعما للاخوة في الايام الصعبة التي واجهتهم لاحقا.‏ اما اخو مارتن،‏ هوڠو،‏ فأصبح هو ايضا من تلاميذ الكتاب المقدس،‏ لكنه لم يعد قط الى وطنه الام ليستقر فيه بشكل دائم.‏

‏«لن تكون وحيدا»‏

في محفل لتلاميذ الكتاب المقدس عُقد في لندن عام ١٩٢٦،‏ سأل الاخ رذرفورد من يحب ان يتطوع للذهاب الى دول البلطيق.‏ فرفع ألبرت وست،‏ پِرسي دَنهام،‏ وجايمس وليَمز ايديهم.‏ بُعيد ذلك،‏ تعيّنوا لينظموا عمل الكرازة في أستونيا ولاتفيا وليتوانيا.‏ فسافر ألبرت وست الى تالين،‏ عاصمة أستونيا،‏ برفقة وليَم داي الذي كان ناظر مكتب شمال اوروبا الواقع في الدانمارك.‏ وبعدما أمّن الاخ داي لألبرت غرفة يستقر فيها،‏ ربّت على كتفه وقال:‏ «وداعا ألبرت.‏ لن تكون وحيدا.‏ فسرعان ما ستأتي اليك برج المراقبة!‏».‏

وهذا ما حصل بالفعل حين توافد موزعو المطبوعات الجائلون،‏ كما عُرف الفاتحون آنذاك،‏ من المانيا وانكلترا وبلدان اخرى ليمدوا يد المساعدة.‏ لكنهم لم يبقوا طويلا بعدما واجهوا صعوبات في تجديد تأشيراتهم.‏ وقد تمكن موزعو المطبوعات الجائلون الفنلنديون من التأقلم بسرعة لأن الأستونية والفنلندية لغتان مرتبطتان بشكل وثيق.‏ كما بذل العديد من المبشرين الاجانب الذين خدموا كامل الوقت جهودا حثيثة في زرع بذار الملكوت بوفرة.‏ وإذ لم يكن وجود الاجانب مألوفا في البلد،‏ رحب الناس بهم ترحيبا حارا وكثيرا ما اطلقوا عليهم اسماء تحببية تشير الى جنسيتهم.‏ فدعوا مثلا الاخت ميينا من فنلندا «مِيينا الفنلندية».‏ اما القادم من بريطانيا،‏ فأطلقوا عليه ببساطة لقب «اللّندني».‏

انشاء اول فرع

لم يكن من السهل ايجاد مكتب مناسب يتسع لعملنا.‏ ولأن الناس ظنوا ان الاجانب اثرياء فرضوا عليهم ايجارات مرتفعة.‏ ولكن عام ١٩٢٦،‏ انشئ فرع في شقة صغيرة في تالين،‏ في ١٧ شارع كروتسْوالدي،‏ وعيِّن ألبرت وست خادم الفرع.‏ فصدرت في العام نفسه الكراريس الاولى بالأستونية،‏ بما فيها كراس ملايين من الاحياء الآن لن يموتوا ابدا.‏

وكانت شابة أستونية تدعى هيلدا أنڠ قد سمعت الحق من صديقاتها.‏ فذهبت الى مكتب الفرع لتطلب بعض المطبوعات.‏ عندئذ سألها اخ الماني ما اذا كانت ترغب في مساعدته على ترجمة خطابه العام.‏ فوافقت على طلبه.‏ وفي عام ١٩٢٨،‏ دُعيت الى مكتب الفرع لتعمل في الترجمة.‏ بعد ذلك،‏ تزوجت اخا بريطانيا يدعى ألكسندر برايدسن كان قد انتقل الى أستونيا ليكرز كامل الوقت.‏ كانت هيلدا مترجمة مجتهدة وكفوءة.‏ لكنها اضطرت لاحقا الى مغادرة البلد هي وزوجها عندما بات الاخوة يعملون في الخفاء.‏ رغم ذلك،‏ استمرت طوال عقود تترجم سرا من الخارج.‏ وقد خدم الزوجان برايدسن معا ما مجموعه اكثر من ١٠٠ سنة في الخدمة كامل الوقت.‏

عام ١٩٢٨،‏ اصدر تلاميذ الكتاب المقدس اول كتاب بالأستونية:‏ قيثارة اللّٰه.‏ كذلك تمكنوا قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية من اصدار مجلة برج المراقبة،‏ سبعة كتب اخرى،‏ وكراسات عديدة بالأستونية.‏

المبشرون الاوائل

غطى موزعو المطبوعات الجائلون مقاطعات شاسعة على دراجاتهم وناموا حيثما اتّفق،‏ سواء في منازل فخمة ام على كوم من القش.‏ وصحيح ان كثيرين ممن التقوهم كانوا فقراء،‏ لكنهم احبوا سماع رسالة الملكوت.‏ نتيجة لذلك،‏ نقل هؤلاء الخدام كامل الوقت البشارة بفرح وصرفوا ما بين ١٥٠ و ٢٠٠ ساعة في الشهر،‏ حتى ان احدى الفاتحات كرزت في شهر واحد ٢٣٩ ساعة!‏ وقد اعربوا عن الاجتهاد،‏ الجرأة،‏ والمثابرة في خدمتهم.‏ وإليك ما حدث مع احدى الاخوات حين اشتركت في خدمة الحقل للمرة الاولى:‏

سألتها اخت فنلندية غيورة:‏ «هل تحسنين ركوب الدراجة؟‏».‏

فأجابت الاخت الجديدة:‏ «نعم».‏

فقالت الاخت الفنلندية بحماسة:‏ «لنذهب اذًا الى ساريما»،‏ مشيرة الى كبرى الجزر الأستونية التي تبعد نحو ٢٠٠ كيلومتر.‏

لدى وصولهما الى اول قرية في ساريما،‏ اقترحت الاخت الفنلندية على رفيقتها:‏ «تبدئين انت من هذه الناحية،‏ وأنا من الناحية الاخرى ونلتقي مساء في قلب القرية».‏ ومع ان الاخت الجديدة لم تكن قد كرزت سابقا،‏ لمست عند اول باب قرعته مساعدة يهوه لها،‏ ما منحها بسرعة ثقة دفعتها الى متابعة مسعاها بفرح.‏

ايضا،‏ التقت هلّين ألدونن (‏لاحقا ڠرونلوند)‏ اشخاصا من جزيرة ڤورمسي وسمعتهم ينطقون بلغة غريبة.‏

فسألتهم:‏ «الا تتكلمون الأستونية؟‏».‏

فأجابوها:‏ «كلا،‏ بل السويدية».‏

فسألت هلّين:‏ «وهل لديكم كتب بالسويدية لتقرأوها؟‏».‏

فقالوا بشيء من المبالغة:‏ «مضت دهور ولم نرَ كتبا بالسويدية».‏

ولما ادركت هلّين حاجة سكان ڤورمسي الماسة الى مطبوعات بالسويدية،‏ قررت ان تقصد الجزيرة برفقة فاني هيدالا التي كانت تتقن هذه اللغة.‏

تتذكر هلّين:‏ «اخذنا من المكتب كل المطبوعات المتوفرة بالسويدية واستقللنا مركبا لنقصد الجزيرة.‏ فغطيناها كلها في غضون ثلاثة ايام ووزعنا تقريبا كل المطبوعات.‏ وبعد عقود،‏ سمعت ان اخا في السويد تعرّف بالحق من خلال كتب حصل عليها في ڤورمسي».‏ نعم،‏ لقد لمس مبشرو الملكوت مرارا وتكرارا صحة الكلمات في جامعة ١١:‏٦ التي تقول:‏ «في الصباح ازرع زرعك،‏ وإلى المساء لا تُرِح يدك؛‏ لأنك لا تعرف ايهما ينجح».‏

التحديات التي واجهها موزعو المطبوعات الجائلون

لم يكن عمل موزعي المطبوعات الجائلين سهلا.‏ ففي ايام الشتاء،‏ كانوا يقطعون على الزلاجات او سيرا على الاقدام مسافة تتراوح بين ٢٠ و ٤٠ كيلومترا يوميا.‏ كان البرد قارسا وأماكن السكن المريحة نادرة.‏ ولم يستطيعوا ان يحملوا معهم سوى المواد الغذائية الاساسية وغيرها من الضروريات،‏ اذ وجب عليهم ايضا نقل صناديق من المطبوعات.‏ وغالبا ما استحالت الطرقات دروبا غير سالكة بسبب الامطار الغزيرة.‏ وقد اضطر هؤلاء الاخوة الى النوم ليالي كثيرة في الهواء الطلق.‏ لذا،‏ لزم ان يستجمعوا كل ما أوتوا من قوة وعزم كي ينجزوا تعيينهم.‏ ولكن كيف شعر هؤلاء الكارزون بشأن خدمتهم رغم هذه الظروف الصعبة؟‏

يتذكر ڤيلهو إيلوراندا،‏ اخ فنلندي غيور كرز كامل الوقت في مناطق نائية لشهور عديدة:‏ «لم تنقصني قط الامور الضرورية.‏ ففي اغلب الاحيان،‏ كان الناس يزودونني بالطعام والمبيت مقابل المطبوعات،‏ لذا لم احتج كثيرا الى المال.‏ كنت كلما حلَّ المساء ابدأ بالتفتيش عن مكان انام فيه.‏ وقلة هم اصحاب البيوت الذين رفضوا ايوائي،‏ وخصوصا اذا كان الوقت متأخرا او كنت بعيدا جدا عن المزرعة التالية».‏

ويتابع:‏ «اصبح نقل رسالة الملكوت الى الناس شغلي الشاغل،‏ فلم تسلبني الحياة البسيطة شعور الفرح والاكتفاء الذي منحني اياه عملي الكرازي».‏

لقد مهد هؤلاء الاخوة والاخوات بمساعيهم الدؤوبة الطريق امام النمو الذي شهده العمل لاحقا،‏ وذلك بتوزيعهم كمّا هائلا من المطبوعات.‏ ففي عام ١٩٢٩،‏ قام مبشرون قليلون بتوزيع ما مجموعه ٧٠٤‏,٥٣ كتب وكراريس.‏

يخبر أدولف كوزي:‏ «كان في أستونيا حوالي ٣٠ موزعا جائلا للمطبوعات.‏ وقد غطوا البلد بكامله قبل الحرب العالمية الثانية».‏

ولا تزال آثار العمل الدؤوب الذي انجزه اولئك المبشرون الاوائل ظاهرة في أستونيا.‏ على سبيل المثال،‏ في اوائل تسعينات القرن العشرين،‏ تحدث شهود يهوه الى سيدة مسنة تدعى روث،‏ فبدا ما سمعته مألوفا لديها.‏ فقد تذكرت انها اصغت منذ اكثر من ٦٠ سنة الى كلام تلميذة للكتاب المقدس المانية الاصل زارت جارتها بضع مرات.‏ وهكذا،‏ حين التقت بالاخوة مجددا،‏ ميّزت رنة الحق رغم صممها وتقدمها في السن،‏ قبلت درسا في الكتاب المقدس ثم اعتمدت،‏ وذلك بعد نحو ٧٠ سنة من لقائها الاول بالشهود.‏

الفرع في بداياته

في تلك الايام الباكرة،‏ استُخدم مكتب الفرع الصغير كموقع للمحافل.‏ وقد عُقد اول محفل في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٢٨،‏ وحضره ٢٥ شخصا اعتمد منهم ٤.‏ في السنة التالية،‏ وصل الى البلد ٨٠ اخا فنلنديا كي يساعدوا في شؤون المحافل ويشتركوا في خدمة الحقل.‏

وكان ألبرت وست،‏ خادم الفرع في أستونيا،‏ قد عيِّن ليساعد وليَم داي ولاحقا ليحلّ محلّه كخادم فرع في الدانمارك.‏ فمن كان سيعيَّن بدل الاخ وست كخادم فرع في أستونيا؟‏ وقع الاختيار على الاسكتلندي والاس باكستر،‏ اخ ودود يتحلى بروح الفكاهة.‏ وكان قبل تعرفه بالحق قد حارب مع الجيش البريطاني في فرنسا خلال الحرب العالمية الاولى.‏ وما شهده واختبره في الحرب لم يره منسجما مع تعاليم يسوع المسيح.‏

يتذكر الاخ باكستر:‏ «كنت مشوشا وبدأت ادرك ان كل الحروب البشرية خاطئة،‏ بصرف النظر عن هوية العدو.‏ فلطالما اعتقدت ان الناس اجمعين هم اخوة وأن كل من يطلب اللّٰه لا بد ان يجده في النهاية.‏ وفيما راودت هذه الخواطر ذهني،‏ ركعت في مخبإي وأقسمت للّٰه انني سأخدمه طيلة حياتي اذا نجوت وتمكنت من العودة الى دياري».‏

وهذا ما فعله.‏ فبعدما اعتنق الحق،‏ انخرط بغيرة في الخدمة كامل الوقت عام ١٩٢٦.‏ وبعد سنتين لبّى الدعوة ان يذهب الى أستونيا،‏ حيث خدم بغيرة متقدة.‏ ثم عيِّن خادم فرع عام ١٩٣٠ مكان الاخ وست.‏ وفي عام ١٩٣٢،‏ نُقل الفرع الى ٧٢ شارع سور تارتيو في تالين.‏ وفي السنة التالية،‏ سجِّلت جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس رسميا في أستونيا.‏

برامج اذاعية بمختلف اللغات

عام ١٩٢٧،‏ حصل الاخ وست على اذن ليستخدم محطة اذاعية تجارية في تالين ويبث خطابه بعنوان «بركات العصر الالفي» الذي تُرجم الى الأستونية.‏ فاستقطب خطابه اهتماما كبيرا،‏ لكنه اثار ايضا الجدل.‏ لذلك لم يعطَ اذنا بالبث ثانية الا عام ١٩٢٩.‏ وهكذا بدأت البرامج تُبث بانتظام كل يوم احد.‏ فقدِّمت الخطابات بالأستونية والانكليزية والروسية والفنلندية،‏ وأحيانا بالسويدية والالمانية،‏ ومرة على الاقل بالدانماركية.‏ وقد استرعت الانتباه،‏ وتمكن الناس من سماعها حتى في النروج،‏ الدانمارك،‏ السويد،‏ فنلندا،‏ ولينينغراد (‏سانت بيترسبرغ اليوم)‏ في روسيا.‏ وخلال سنة الخدمة ١٩٣٢،‏ تبين ان المحاضرات الـ‍ ٢٠٠ التي بُثت هي ادوات فعالة جعلت اسم يهوه معروفا.‏ فلا عجب انها اثارت ايضا مقاومة رجال الدين!‏

عرف رجال الدين تماما مدى خوف الرسميين في أستونيا من اي امر يتعلق بالشيوعية.‏ فزعموا ان الشهود لديهم صلة بالشيوعيين.‏ وإذ اعتادت السلطات الأستونية ان تصد بسرعة كل خطر تشعر انه يتهدد كيان دولتها،‏ حظرت عام ١٩٣٤ إلقاء المحاضرات.‏ غير ان هذه الخطوة لم تلقَ استحسان الجميع.‏ فقد كتب تلميذ مدرسة رسالة بالانكليزية ضمَّنها ما يلي:‏

الى برج المراقبة والقاضي العزيز رذرفورد:‏

آسف لأن حكومتنا في أستونيا منعت بث محاضراتكم عبر محطاتنا الاذاعية.‏ انا ما زلت تلميذا ووالداي ليسا غنيين.‏ فهما يعملان بكدّ ليؤمّنا لقمة العيش لأولادهما.‏ الا ان وجهيهما يشعان فرحا على الدوام بسبب محبتهما للرب والرجاء الذي يمنحه لهما.‏ في الشتاء،‏ مرضت مرضا شديدا ولم اجد ما يعزيني سوى محاضراتكم التي كنت اسمعها عبر الراديو.‏ فكنت كلما سمعتها اذرف دموع الفرح .‏ .‏ .‏ فأين هي هذه المحاضرات اليوم؟‏ .‏ .‏ .‏ بدأت اتعلم الانكليزية،‏ وهذه اول رسالة اكتبها بهذه اللغة دون ان استخدم القاموس .‏ .‏ .‏ ارسل احرّ تمنياتي وتحياتي الى القاضي رذرفورد.‏

وقد ردّ الاخ رذرفورد شخصيا على الصبي برسالة بعثها اليه مع بعض محاضراته المسجلة.‏

‏«مركبة الملكوت السماوي»‏

كان جون نورث القادم من انكلترا موزعا جائلا للمطبوعات عُرف بكرازته الغيورة.‏ وقد عاش في مقطورة مع عائلته،‏ ما لفت الانظار في كل ارجاء جنوب أستونيا.‏ وصفت صحيفة محلية المقطورة قائلة:‏ «ان جمعية [برج المراقبة] تبني في تارتيو عربة شبيهة بالمنزل،‏ والهدف منها التنقل في كل انحاء البلد وإقامة الخدمات الدينية.‏ انهم يكرزون للناس من ‹مركبة الملكوت السماوي› ويوزعون مطبوعات تشرح الكتاب المقدس.‏ ويتألف الفريق في هذه ‹المركبة› من خمسة اشخاص —‏ المرسَل الرئيسي،‏ زوجته،‏ ولدهما،‏ فضلا عن شابين يفيضان حيوية يتنقلان بسرعة قصوى على دراجتيهما (‏مثل ياهو)‏ في كل الاتجاهات المحيطة ‹بالمركبة› بغية توزيع المطبوعات».‏

وفي خضم الاضطراب السياسي الذي شهدته أستونيا في اواسط ثلاثينات القرن العشرين،‏ سُجن قبطان سابق في الطيران الحربي يدعى نيكولاي تويمان لتورطه مع احدى الحركات الفاشية الأستونية.‏ فلقي نيكولاي في مكتبة السجن كتبا بقلم ج.‏ ف.‏ رذرفورد وأدرك من خلالها انه كان على الدرب الخاطئ.‏ فسافر الى تالين بعدما أُطلق سراحه،‏ وتوجه الى العنوان المدون في كتاب من اصدار الشهود حصلت عليه زوجته.‏ وبمساعدة الاخ باكستر،‏ اجرى تعديلا جذريا في حياته،‏ تخلى عن نشاطاته السياسية،‏ وصار شاهدا ليهوه مسالما وغيورا.‏ وفي وقت لاحق،‏ حين حُظر عمل الشهود،‏ اعتُبر احد اعمدة الجماعة اذ ساعد في الطباعة سرا.‏ وقد حافظ على امانته اثناء نفيه الى سيبيريا طوال ١٥ سنة تقريبا.‏

وثمة طبيب يدعى أرتور إيندس خاب امله هو ايضا بعدما دخل معترك السياسة.‏ وذات مرة،‏ اتصل أرتور بمنزل الاخ مارتن كوزي ليعطيه وصفة طبية.‏ فشجعه مارتن على درس الكتاب المقدس.‏ فكانت كلماته الشرارة التي اشعلت الحق في قلب أرتور.‏ ولأنه اتقن اللغة الالمانية،‏ أمّن له الاخ كوزي كل المطبوعات المتوفرة بهذه اللغة.‏ وبمساعدة مارتن،‏ قبِل أرتور الحق ونذر نفسه ليهوه واعتمد.‏ وهكذا بات اخا محترما عُرف بغيرته المتقدة في الخدمة،‏ فضلا عن كونه طبيبا محترما ومعروفا.‏

غيوم سوداء تلوح في الافق

وسمت الاضطرابات منتصف ثلاثينات القرن العشرين.‏ فبسبب الضغط الذي مارسته المانيا النازية والكنيسة الكاثوليكية،‏ صودر كراس الحاكم البارّ في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٣٥.‏

وفي السنة نفسها،‏ اقفل وزير الداخلية مكتب جمعية برج المراقبة في أستونيا،‏ رهن ملكيتها،‏ وتمكّن من مصادرة نحو ٠٠٠‏,٧٦ مطبوعة رغم ان اعدادا كبيرة من المطبوعات كانت قد خُبئت مسبقا.‏ لكن هذه الانتكاسة لم توقف العمل.‏ فقد دُهش الاخوة وفرحوا جدا حين نُشرت محتويات اثنتين من الكراسات المصادرة في اهم صحيفتين بلغ معدل مبيعهما ٠٠٠‏,١٠٠ نسخة.‏ وهكذا رغم خسارة المطبوعات،‏ ذاع اسم يهوه اكثر بكثير مما كان سيحصل لو وُزعت هاتان الكراستان.‏

في غضون ذلك،‏ تابع الاخوة الكرازة واستؤنفت النشاطات التي كان يتولاها المكتب.‏ لكنّ مصادرة المطبوعات لم تتوقف في السنوات التالية.‏ وقد شهدت هلّين ألدونن احدى مداهمات الشرطة فيما كانت تعمل في الفرع.‏

تقول:‏ «اتى ثلاثة شبان من رجال الشرطة بهدف مصادرة كراس ملايين من الاحياء الآن لن يموتوا ابدا.‏ ولكن لم تكن لدينا اية نسخة منه.‏ فسحبوا كل الكتب عن الرفوف ورموها ارضا.‏ لم يستطع الاخ باكستر ان يأتي بأية حركة لأنهم كانوا يراقبونه عن كثب.‏ اما انا فرحت اعيد ترتيب الاغراض،‏ وذهبت خفية الى مكتبه كي اتأكد من عدم ترك اوراق مهمة على مرأى من عيونهم.‏ فلاحظت رسالة تتضمن كل اسماء الناشرين وعناوينهم،‏ فرميتها في سلة في زاوية الغرفة بعيدة عن الانظار.‏ وحين بدأت الشرطة تضع الكتب في صناديق،‏ التقط الضابط المسؤول صندوقا بكل عجرفة وحمله بحركة سريعة جدا ادت الى كسر ذراعه!‏ فغادر رجال الشرطة بسرعة لنقله الى المستشفى،‏ ما اتاح لنا الوقت لنتفقّد محتويات الصناديق قبل ان يعودوا ادراجهم».‏

يتابع الاخ باكستر:‏ «بعدما عادت الشرطة وتابعت مهمتها،‏ لاحظت ان احدهم وضع نسخة من كتاب الانقاذ في جيب معطفه.‏ ولطالما تساءلت كم من كتب اخرى اخذها هؤلاء الرجال وقرأوها».‏

عام ١٩٣٩،‏ سيطر على البلد شبح الخوف وعدم الاستقرار.‏ فقد سُمح لعدد من القوات السوفياتية بدخول أستونيا.‏ كتب الاخ باكستر:‏ «اخذت الاذاعات تمطرنا يوميا بوابل من الدعايات الشيوعية.‏ فطُرح الكثير من علامات الاستفهام،‏ وتوجّس الناس شرا،‏ وهيمن الرعب على النفوس.‏ اضف الى ذلك ان الطائرات الحربية السوفياتية المحملة بالمظليين استمرت تحلق في السماء وتصم الآذان بهديرها».‏ فهل كان هذا الخطر سيوقف عمل الشهادة؟‏

رغم كل هذه الاضطرابات،‏ قام خدام يهوه الامناء عام ١٩٤٠ بتوزيع ٧٧٦‏,٥٩ كتابا وكراسا —‏ انجاز رائع حققه ٢٧ ناشرا و ١٥ فاتحا فقط!‏ فقد بذلوا اقصى جهدهم مستغلين الايام الاخيرة للحرية التي كانوا ينعمون بها.‏

آخر محفل يُعقد في ظل الحرية

استطاع الاخوة ان يرتبوا لعقد محفل في تالين قُبيل ابتداء الحكم السوفياتي،‏ وكان هذا آخر محفل يُعقد في ظل الحرية طوال العقود الخمسة التالية.‏ فناقشوا مقالات من برج المراقبة —‏ مثل «الثيوقراطية»،‏ «الحياد»،‏ «الفخاخ»،‏ و «هلاك الاديان» —‏ كانت بمثابة الطعام الروحي في حينه الذي اعدّ شعب اللّٰه لمواجهة ما يكمن امامهم.‏

فالحرب العالمية الثانية كانت على وشك ان تمتد الى أستونيا،‏ ولم يكن الاخوة ليفلتوا من تأثيرها.‏ ففي ١٦ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٤٠،‏ وجَّه اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية انذارا الى حكومة أستونيا كي تعيّن حكومة جديدة وتسمح لمزيد من القوات السوفياتية بدخول ارضها.‏ فاعتُرف رسميا بالحزب الشيوعي الأستوني الذي شمل اقل من ١٥٠ عضوا وضُمَّت أستونيا الى الاتحاد السوفياتي.‏ وفي غضون اشهر،‏ نُفي آلاف الأستونيين الى سيبيريا،‏ وهُجرت بيوتهم ومزارعهم او حُرقت او احتُلَّت من قبل الروس الغزاة.‏ وحاول آلاف آخرون الهرب في مراكب صيد صغيرة باتجاه السويد خصوصا.‏ فنجح كثيرون في مسعاهم،‏ في حين هلك العديد في امواج البحر العاتية.‏

رحيل من تبقّى من الاجانب

عندما سيطر الحكم الشيوعي على البلد أُقفل مكتب الفرع مجددا.‏ مع ذلك،‏ عزم الاخ باكستر والزوجان ألكسندر وهيلدا برايدسن على الالتصاق بتعيينهم.‏ الا ان الخطر المحدق بالاجانب كان يتفاقم،‏ لذا نصحهم الاخ رذرفورد بمغادرة البلد.‏ وهكذا أُجلي الاخ باكستر وكذلك الزوجان دَنهام اللذان كانا يخدمان في لاتفيا وسافروا على متن قطار عبر سيبيريا ووصلوا في نهاية المطاف الى اوستراليا.‏ وبعد سنة تقريبا،‏ غادر الزوجان برايدسن الى السويد.‏ وقد خدم الاخ باكستر بولاء في لجنة الفرع بأوستراليا حتى انهى مسلكه الارضي في ٢١ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٩٤.‏ *

فماذا كان بانتظار الفريق الصغير من الاخوة المحليين بعدما غادر الاخوة الاجانب؟‏ فقد كانوا جددا نسبيا في الحق وعالقين وسط حرب وحشية راحت تغرقهم في دوامتها.‏ وفي الواقع،‏ كانت ضريبة الحرب كبيرة جدا بحيث اخذ النشاط الكرازي يتراجع.‏ فبعد آخر تقرير أُرسل عام ١٩٤١،‏ لم يرد من اخوتنا اي خبر طوال ٢٠ سنة تقريبا.‏

امتحانات الايمان القاسية

فيما احتدمت الحرب العالمية الثانية،‏ تمكنت القوات الالمانية من اخراج الجيوش السوفياتية من أستونيا واحتلتها من عام ١٩٤١ حتى عام ١٩٤٤.‏ لكنّ وضع اخوتنا لم يتحسن.‏ ففي عام ١٩٤٢،‏ اعتقل الالمان اخا اصمّ يدعى يَآن پارات فيما كان يكرز في تارتيو.‏ وأُلقي وراء قضبان السجن بعدما اتُّهم بأنه يقوم بأعمال تخريبية.‏ وبحسب وثائق اكتُشفت في السجن،‏ تلقى الحارس امرا بإعدامه.‏ فرأى شهود عيان يَآن پارات وهو يؤخذ خارجا وسمعوا طلقات نارية.‏ بعد ذلك،‏ اختفى كل اثر له ولم يعد يراه احد.‏

لا شك ان الاخوة قاسوا اياما عصيبة في تلك الحقبة.‏ فالجيش السوفياتي والالماني كلاهما ارادا تجنيد الشبان.‏ يتذكر أدولف كوزي:‏ «كان علينا الاختباء كي نتفادى التجنيد الاجباري.‏ ففي حال أُلقي القبض علينا،‏ كان امامنا اما اطاعة الاوامر او الموت رميا بالرصاص.‏ لذلك وجب علينا توخي الحذر الشديد في تحركاتنا،‏ ما أثر سلبا في عمل الملكوت».‏

نحو نهاية عام ١٩٤٤،‏ استعادت القوات السوفياتية أستونيا بعدما طردت الجيوش الالمانية.‏ فأُخضع البلد مجددا للحكم السوفياتي القاسي.‏ وعانى الشعب الأستوني الامرّين بسبب الحرب وسنوات القمع التي تلتها.‏ فقد لقي ربع السكان على الاقل مصرعهم او نفوا الى مناطق بعيدة من الاتحاد السوفياتي،‏ او غادروا البلد.‏ وعلى مرّ السنين،‏ انتقلت اعداد لا تحصى من الروس الى أستونيا،‏ ما غيَّر تركيبة المجتمع بشكل ملحوظ.‏ وقد شكل الحكم السوفياتي امتحانا قاسيا لإيمان اخوتنا كما سنرى.‏

مناهض للحكم السوفياتي يصبح شاهدا

في تلك الفترة،‏ نشأت حركة قومية مناهضة للحكم السوفياتي دُعيت «اخوة الغابة» لأن اعضاءها اتخذوا من الغابات الكثيفة ملجأ لهم.‏ وانضم اليهم ايضا اشخاص لم يكونوا من مناصريهم انما اختبأوا في الغابة هربا من الـ‍ KGB (‏لجنة امن الدولة السوفياتية)‏.‏ ويقدَّر ان عدد الذين لاذوا بالغابات ترواح احيانا بين ٠٠٠‏,١٥ و ٠٠٠‏,٢٠ رجل اختفى بعضهم لسنوات دون ان تتمكن السلطات من اقتفاء اثرهم.‏ وفي الواقع،‏ لم يُكتشف مكان آخِر واحد منهم حتى عام ١٩٧٨!‏ فهل كان سيقبل اي من هؤلاء «الاخوة» الحق ليصبح من الاخوة الروحيين؟‏

عرف إريك هاينلو انه في خطر لأنه عمل سابقا مع الدولة الأستونية.‏ لذا حاول مرات عديدة الهرب هو وزوجته ماڠدا بالمركب الى السويد.‏ لكنه في المرة الاخيرة التي صعدا فيها على متن المركب،‏ تعطل المحرك واضطرا الى العودة.‏ وقد تمكن إريك من الافلات من السلطات طوال سبع سنوات بالاختباء في الغابات.‏ لكنه اعتُقل اخيرا.‏ فأُرسِل هو وزوجته الى معسكرين منفصلين للسجناء في الاتحاد السوفياتي.‏

فالتقت ماڠدا وهي في المعتقل شاهدتين اخبرتاها عن رجاء الملكوت.‏ فأدركت على الفور انها وجدت الحق وأخذت ترقص فعليا من الفرح!‏ أُطلق سراح ماڠدا عام ١٩٥٦ واعتمدت عام ١٩٦٠.‏ اما زوجها إريك فاعتنق هو ايضا الحق بعد سبع سنوات من اخلاء سبيله.‏ وهكذا،‏ اصبح اخيرا احد «اخوة الغابة» من الاخوة الروحيين.‏

التعرض للمطاردة والاعتقال

بعدما اضطر الاخوة الاجانب الى مغادرة أستونيا،‏ عيِّن الاخ مارتن كوزي الغيور والشجاع للاشراف على العمل في شمال أستونيا.‏ اما جنوب أستونيا فأشرف عليه فريدريخ آلتپير،‏ اخ أستوني لبق طويل القامة كان استاذا للّغة الانكليزية في مدرسة ثانوية.‏ وكان قد طُلب منه في ثلاثينات القرن العشرين،‏ قبل ان يعرف الحق،‏ ترجمة خطاب ألقاه احد الفاتحين الاجانب الذين قدِموا الى ڤورو.‏ فلبّى الطلب وأدرك بعد ذلك انه وجد الحق،‏ ثم تقدم روحيا بحيث استطاع ان يتولى القيادة في العمل الكرازي في جنوب أستونيا.‏

لم يكن من السهل على كلا الاخوين اتمام تعيينهما وذلك لانعدام التواصل مع الهيئة وقلة خبرتهما.‏ ولكن رغم الصعوبات التي واجهاها تحت الحظر،‏ خدما بولاء من عام ١٩٤٠ حتى اعتقالهما في اواخر عام ١٩٤٨.‏

فأُقيمت لجنة خدمة لتكمل مسيرة الاخوين مارتن كوزي وفريدريخ آلتپير تألفت من ألبرت كروس،‏ كارل تالبرڠ،‏ أرتور إيندس،‏ فضلا عن لمبت توم الذي عمل كمساعد.‏ وفي حين اضطر كل افراد اللجنة ان يبقوا مختبئين،‏ تمكن الاخ توم من التنقل بحرية وزيارة الفرق.‏ وقد أُتيحت له هذه الفرصة بفضل عمله في طاحونة هوائية.‏ فكلما توقفت الطاحونة عن العمل في الايام التي سكنت فيها الريح،‏ استطاع ان يقوم بما يحلو له.‏

لقد خاطر الاخوة المسؤولون في أستونيا بحياتهم ليساعدوا رفقاءهم المؤمنين.‏ فآنذاك،‏ عومل الذين اعتُبروا الزعماء لدى الشهود معاملة المجرمين اذ نُشرت صورهم في محطات القطار.‏ كما عيّنت الـ‍ KGB ما يصل الى اربعة عناصر امنية لمراقبة كلٍّ من اخوتنا الودعاء المشبهين بالخراف.‏ ولكن رغم الصعوبات التي واجهها الاخوة بين عامَي ١٩٤٨ و ١٩٥١،‏ بارك يهوه الجهود التي بذلها خدامه الاولياء في عمل الكرازة.‏ نتيجة لذلك،‏ تعدى عدد الناشرين الـ‍ ١٠٠ شخص.‏

‏‹حذرون كالحيات،‏ وأبرياء كالحمام›‏

مرة بعد اخرى،‏ اختبر تلاميذ يسوع في أستونيا صحة كلمات معلّمهم الذي قال:‏ «كونوا حذرين كالحيات،‏ وأبرياء كالحمام.‏ احترسوا من الناس،‏ لأنهم سيسلّمونكم الى المحاكم المحلية،‏ ويجلدونكم في مجامعهم.‏ وتُساقون امام حكام وملوك من اجلي،‏ شهادة لهم وللأمم».‏ (‏مت ١٠:‏١٦-‏١٨‏)‏ غير ان بعض الشهود،‏ رغم ايمانهم الجدير بالمدح،‏ لم يدركوا كاملا ان يهوه لا يحمي دائما عباده عجائبيا ضد مظالم ابليس.‏ (‏اي ١:‏٩-‏١٢؛‏ ٢:‏٣-‏٦‏)‏ فلم يكونوا دائما ‹حذرين كالحيات›،‏ وباتوا فريسة سهلة في يد المقاومين الشرسين.‏

يتذكر أدولف كوزي:‏ «ثمة رجل اهتم بالحق وبدا انه يتصف بالغيرة والجرأة.‏ فأُعطي مسؤولية في الجماعة ولاقى شعبية بين الاخوات.‏ لكنّ الاخوة خامرهم الشك وحذّروا الاخوات من اصطحابه الى كافة اماكن الاجتماعات».‏ ولكن للاسف،‏ لم يصغِ بعضهن الى التحذير،‏ ما اتاح للرجل نقل الكثير من المعلومات الى الـ‍ KGB.‏

يخبر لمبت توم:‏ «عام ١٩٥٠،‏ حصلنا على بعض النسخ من مجلة برج المراقبة من المانيا،‏ وأردنا ان نتشارك فيها مع كل اخوتنا المسيحيين في أستونيا».‏

فجرى التخطيط لعقد محفل في مخزن علف في منطقة نائية من البلد.‏ لكنّ الـ‍ KGB عرفوا بمخططنا هذا واستعدوا لاعتقال كل الاخوة والاخوات.‏ فنصبوا كمينا بوضع شاحنتين محملتين بالجنود عند محطة القطار حيث كان الاخوة سينزلون.‏ وكان ثلاثة شهود ينتظرون عند معلم محدد على الطريق المؤدي الى موقع المحفل ليرشدوا المندوبين القادمين.‏ فسمع احدهم ضجة في الغابة اثارت ارتيابه فذهب ليستقصي الامر.‏ وفجأة،‏ وجد مسدسا مصوبا نحوه!‏ فاقتاده الجنود الى حيث كان رفيقاه الشاهدان واعتُقلوا جميعهم.‏

حين علم لمبت توم وإيلا كيكاس (‏لاحقا توم)‏ بما حدث،‏ ركبا على الفور دراجة لمبت النارية وتوجّها بأقصى سرعة الى احدى المحطات ليمنعا المندوبين من اكمال طريقهم.‏ وحالما وصل القطار الذي يقل الشهود،‏ صعدا اليه وحثاهم على الترجل منه.‏ ويا للخيبة التي مُني بها ضباط الـ‍ KGB حين توقف القطار حيث كانوا ينتظرون،‏ واكتشفوا ان الشهود لم يكونوا على متنه!‏

في تلك الاثناء،‏ نجح اخوة آخرون في ايجاد مزرعة لعقد المحفل.‏ فطُلب من المندوبين السير اكثر من ١٠ كيلومترات على طريق فرعية هادئة ليجتمعوا في المكان الجديد.‏ وفي غضون ذلك،‏ كان الجنود يتنقلون في سياراتهم ذهابا وإيابا على طول الطرق الرئيسية بحثا عن المندوبين الذين اختفوا على نحو غامض.‏ فعُقد المحفل دون اي تشويش بحضور ١١١ شخصا.‏ وساد جو كئيب لأن الاخوة كانوا يدركون انهم جميعا معرضون للاعتقال في اية لحظة.‏ غير انهم تشجعوا حين قدِّمت في البرنامج تقارير عن الشهود في البلدان الاخرى،‏ وخصوصا الاختبارات المقوية للايمان التي عاشها الاخوة في معسكرات الاعتقال النازية.‏ فقد منحهم ذلك الارشادَ والدعم الضروريين ليتمكنوا من مواجهة الامتحانات القادمة،‏ لأنهم لم يكونوا ليفلتوا طويلا من قبضة رجال الامن.‏

الاستجواب وصدور الاحكام

في غضون الاشهر القليلة التالية اعتُقل كل الاخوة المسؤولين الواحد تلو الآخر،‏ كما اعتُقل اكثر من ٧٠ ناشرا وغيرهم ممن كانت لهم صلة بالشهود.‏ فخضع خدام يهوه المسالمون لاستجوابات مطوّلة،‏ وتوقع الذين بقوا احرارا ان يأتي دورهم قريبا.‏

تعرّض المحتجزون للاستجواب ليلا على مدى اشهر متتالية،‏ ما حرمهم النوم الجيد فترات طويلة.‏ فسبّبت لهم قلة النوم مع مرور الوقت اجهادا فكريا اضعف قواهم تدريجيا.‏ وصدرت الاحكام عليهم دون محاكمة اذ أُخبروا ببساطة ان عقوبتهم تتراوح من ٥ الى ١٢ عاما في السجون او معسكرات العمل الالزامي،‏ وحُكم على معظمهم بـ‍ ١٠ اعوام.‏ وماذا كانت جريمتهم بحسب السجلات الرسمية؟‏ «خلق دعاية مناهضة للدولة والقيام بنشاط تخريبي».‏ بُعيد ذلك،‏ تغير القانون وصار يُحكم على الشهود بالسجن فترة ٢٥ عاما.‏ وثمة اخ في الـ‍ ٦٣ من عمره اسمه اوڠست پْرسرود قال متهكما:‏ «شكرا للمحكمة الموقرة التي منحتني هذا الحكم الطويل.‏ فقد حسبت ان سنوات حياتي المتبقية باتت معدودة،‏ وها انتم تمنحونني ربع قرن اضافيا!‏».‏

أُرسل الشهود الى سجون او معسكرات للاشغال الشاقة رديئة السمعة منتشرة في كل ارجاء الاتحاد السوفياتي،‏ وخصوصا في سيبيريا وفي اقصى شرق او اقصى شمال روسيا،‏ حيث كانت الظروف قاسية جدا.‏ وهناك بدا انه لا امل للسجناء في العودة،‏ حتى ان كثيرين منهم فضلوا الموت لهول ما عانوه.‏

ولم يسلَم الاخوة الزائفون الذين تعاونوا مع السلطات من ظلم المضطهدين.‏ مثلا،‏ بعدما تجسس اخوان لصالح الـ‍ KGB نُفيا كلاهما الى معسكرات السجناء حالما اتمّا مهمتهما.‏ فعلى ما يبدو،‏ لم تكنّ الـ‍ KGB اي احترام لهذين المخبرَين اللذين تصرفا بجُبْن.‏ *

من أستونيا الى سيبيريا

بعدما أَوقف الـ‍ KGB مَن اعتبروهم ابرز الاعضاء بين الشهود،‏ صمّموا ان يستأصلوا باقي شعب يهوه.‏ فبدأ الهجوم في الصباح الباكر من ١ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥١.‏ وقد نسقوا العملية ببراعة كبيرة بحيث استُهدفت في وقت واحد كل اجزاء البلاد (‏وكذلك غربي اوكرانيا ولاتفيا وليتوانيا)‏.‏

فسحبوا معظم الشهود من بيوتهم،‏ اضافة الى العديد من اقربائهم والكثير من المهتمين،‏ وجمعوهم معا في عدة محطات للقطار ووضعوهم في المقطورات.‏ وفي حين سُمح لهم بأخذ بعض الطعام والاغراض الشخصية،‏ صودرت سائر ممتلكاتهم.‏ وفي ذلك اليوم،‏ دون اية محاكمة او تفسير،‏ رحِّل حوالي ٣٠٠ شخص من أستونيا الى سيبيريا بالقطار،‏ وغالبيتهم الى منطقة تومْسْك التي تبعد حوالي ٠٠٠‏,٥ كيلومتر.‏

فتاتان شجاعتان

عادت كورينا اينيكا (‏١٧ عاما)‏ وأختها إيني (‏١٣ عاما)‏ الى منزلهما بعد زيارة الاقرباء،‏ فصُدمتا حين وجدتا البيت مقفلا وأن لا اثر لوالدتهما!‏ ولكنهما شعرتا بشيء من الراحة حين علمتا انها أُوقفت.‏ ولماذا؟‏

تقول كورينا:‏ «كانت على الاقل لا تزال حية.‏ وحين ادركنا انه جرى على الارجح توقيف غيرها من الاخوة،‏ اطمأن قلبنا قليلا لعلمنا انها لا بد ان تكون بين شعب يهوه.‏ وقد لمسنا فعليا دعم يهوه القوي وأحسسنا بالسلام الذي امدّنا به.‏ فأنا وإيني لم نذرف الدموع،‏ رغم ان اختي كانت حساسة وضعيفة نوعا ما.‏ ويوم الاثنين،‏ ذهبنا الى المدرسة كالمعتاد ولم نخبر احدا عن اعتقال امي».‏

حافظت كورينا وإيني على هدوئهما حتى وقتما اتى الرسميون لأخذهما.‏ تتابع كورينا:‏ «في عربة القطار التي استقللناها،‏ حافظ الجميع على هدوئهم.‏ وقد شجعتنا احدى الاخوات بقولها ان يهوه لن يدعنا نُمتحن فوق طاقتنا وإن علينا الوثوق بأنه سيساعدنا كما وعد».‏ وبقيت الفتاتان بعيدتين عن والدتهما اكثر من ست سنوات.‏

فضلا عن ذلك،‏ اكتُشفت وثيقة تضمنت قرارا بنفي طفل عمره ستة اشهر بتهمة كونه «عدوا للدولة»،‏ ما عكس بوضوح الحقد الاعمى الذي اكنّه المضطهدون للشهود.‏

كان الترحيل تجربة قاسية جدا تعرض خلالها المنفيون للذل والهوان بشتى الطرق.‏ فقد أُجبروا جميعا على مغادرة القطار صباحا ومساء للذهاب الى المرحاض،‏ علما انه لم تكن هنالك اية مراحيض.‏ تخبر احدى الاخوات:‏ «عوملنا بطريقة هي ابعد ما تكون عن اصول اللياقة والانسانية.‏ فقد استحال فصل الرجال عن النساء،‏ وكنا على مرأى من العابرين وكذلك من جميع الحراس الذين وقفوا حولنا يراقبوننا».‏

الحياة في سيبيريا

بعد رحلة شاقة ومرهقة استغرقت اسبوعين،‏ أُنزل المنفيون اخيرا من المقطورات مع اغراضهم الشحيحة ليواجهوا ثلج سيبيريا وبردها القارس.‏ وفي اليوم التالي،‏ اتى اصحاب مزرعة جماعية قريبة كي يختاروا منهم افضل الفعلة لمزارعهم،‏ تماما مثلما يشتري الاسياد العبيد في سوق الرقيق.‏

وبما ان كثيرين من سكان سيبيريا كانوا هم ايضا منفيين،‏ تعاطفوا مع القادمين الجدد ومدوا لهم يد المساعدة.‏ وهكذا سرعان ما تمكن الاخوة المبعدون من الاستقرار بفضل دعم السكان المحليين الودودين والرفقاء المؤمنين.‏ واستطاع البعض تأسيس حياة شبه طبيعية.‏ حتى ان عددا منهم استفادوا صحيا على نحو غير متوقع.‏ فقد ساهم مناخ سيبيريا الجاف مثلا في شفاء اختين أستونيتين مصابتين بالسّل.‏

لكنّ التوفيق لم يحالف الجميع.‏ فقد مات طفل واحد على الاقل في القطار،‏ وتوفي شاهد مسن نتيجة الظروف الصعبة او الجراح النفسية والعاطفية.‏ وأصبح بعض الاخوة معوّقين بسبب النقص في الادوية او العمل المجهد.‏ كما تأذى آخرون من جراء الظروف المعيشية الصعبة،‏ سوء التغذية،‏ المرض،‏ الحوادث،‏ والبرد القارس.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ عانى العديد منهم الالم العاطفي لابتعادهم القسري عن عائلاتهم طوال سنوات ولعدم استلامهم الرسائل التي كتبها احباؤهم.‏

وتخبر تايينا كروس:‏ «لم تضم عائلتنا سوى صبيين وثلاث فتيات،‏ لذلك أُخذنا الى مزرعة جماعية فقيرة.‏ كان الطعام بالكاد يكفي القاطنين فيها اصلا.‏ فراح القادمون الجدد يمضغون لحاء الصنوبر ويتناولون جذوره الصالحة للاكل وفي اغلب الاحيان حساء القرّاص».‏

وبما ان فصل الشتاء في سيبيريا طويل وقارس،‏ فقد عانى الأستونيون المنفيون من هذا المناخ القاسي الذي لم يعتادوه من قبل.‏ لذا شق عليهم انجاز حتى الاعمال الاعتيادية مثل زراعة البطاطا.‏ فكانت السنة الاولى في النفي بالنسبة الى معظمهم مضنية جدا تسمها فترات مستمرة من الجوع.‏

تتذكر هاييسي لامبر:‏ «كانت درجة الحرارة خمسين تحت الصفر.‏ فأبقينا قفص الدجاج تحت سريرنا كي لا يموت من البرد.‏ حتى ان البعض ابقوا عجلا في بيتهم اذا صدف ان وُلد في الشتاء».‏

الذهاب الى مقاطعات جديدة انما على نفقة الدولة!‏

كان وليَم داي قد ذكر منذ سنوات ان مقاطعات شاسعة ستنفتح امام الاخوة في حال احتل الاتحاد السوفياتي دول البلطيق.‏ وكم صحت كلماته هذه!‏ فحين نفت الحكومة السوفياتية شهود يهوه ساعدتهم في الواقع على ايصال البشارة الى سيبيريا وغيرها من الاماكن البعيدة.‏ صحيح ان يهوه سمح بأن يُمتحن شهوده،‏ لكنّ كثيرين ممن لم يسمعوا قط بالاسم الالهي أُتيح لهم بذلك ان يعرفوا الحق.‏

على سبيل المثال،‏ كان لمبت ترال قد اعتُقل بسبب نشاطاته المعادية للدولة.‏ فتعرّف بالحق عام ١٩٤٨ في زنزانة في تارتيو،‏ حيث التقى بين السجناء ضابطا في الجيش الروسي اخبره عن الشهود الذين صادفهم في سجن آخر وأعطاه ملخصا عن تعاليمهم.‏ وأوضح له ان حكومة اللّٰه هي الحل الوحيد وأن اللّٰه سيحكم الارض قريبا.‏ فأثارت هذه المعلومات اهتمام لمبت.‏

وفي النهاية،‏ أُرسل لمبت الى معسكر للسجناء في ڤوركوتا الواقعة اقصى شمال سيبيريا،‏ قرب المحيط القطبي الشمالي.‏ وهناك سمع مجموعة من الشهود يتحدثون عن الكتاب المقدس.‏ فاقترب منهم ولاحظ انهم يناقشون المواضيع نفسها التي سمعها من الضابط.‏ فما كان منه الا ان انضم اليهم وشاركهم الحديث.‏

سأله الاخوة:‏ «ما سبب سجنك؟‏».‏

فأجاب:‏ «كنت احارب من اجل العدل».‏

فسأله احد الشهود:‏ «وهل نجحت؟‏».‏

فقال لمبت:‏ «كلا».‏

فقال له احد الاخوة:‏ «بما انك خضت الحرب الى جانب الفريق الخاسر،‏ أفلا تفضِّل ان تنضم الى الفريق الرابح؟‏».‏ ثم بدأوا يوضحون له ما يقوله الكتاب المقدس عن الحرب الروحية.‏ فكان كلما سمع المزيد يقتنع اكثر فأكثر بأنه وجد الحق ويرى الحاجة الى اتخاذ موقفه الى جانب يهوه في الحرب الروحية.‏

بعدما أُطلق سراحه،‏ عاد الى أستونيا وبدأ حربه الروحية.‏ وهو اليوم يخدم كفاتح عادي.‏ وقد وجدت زوجته مايمو الحق بالطريقة نفسها،‏ اذ اثارت اهتمامها هي ايضا امرأة من غير الشهود فيما كانت وراء قضبان السجن.‏

صعب على الاخوة الذين لم يتقنوا الروسية الكرازة للآخرين.‏ ولكن رغم مفرداتهم المحدودة سهل عليهم دائما افتتاح محادثة مع الآخرين بإخبارهم عن سبب نفيهم الى سيبيريا.‏ وهذا ما ساهم في جعلهم يبرعون في الخدمة غير الرسمية.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ أُتيحت لهم فرصة كبيرة كي يشهدوا للمنفيين الأستونيين بلغتهم الام.‏ وتقدِّر احدى الاخوات الباقيات على قيد الحياة ان ما بين ١٥ و ٢٠ أستونيا تعلموا الحق في المعسكرات،‏ فضلا عن بعض الروس والليتوانيين.‏

تأمين الطعام الروحي

استُخدمت طرق كثيرة لتهريب الكتب المقدسة والطعام الروحي الى السجون والشهود المنفيين في المناطق النائية.‏ يوضح احد الاخوة:‏ «وصلتنا صفحات المطبوعات في جرار من شحم الخنزير او غيره من الحيوانات.‏ فلأن الشحم كان يبيض في البرد،‏ لم يكن بالامكان رؤية الورق بسهولة.‏ ورغم ان الرسميين عمدوا الى فحص الجرار بإدخال سكين في محتواها،‏ لم يتمكنوا من اكتشاف الورق الرقيق المضغوط على جوانب الجرة».‏ فنادرا ما اكتشف الرسميون الطعام الروحي الثمين الموجود في الطعام الحرفي.‏

كذلك استطاع الاخوة تمرير مطبوعات صغيرة الحجم بخياطتها داخل حقيبة اليد او الملابس،‏ إخفائها في صندوق الصابون،‏ او ضغطها داخل لوح صابون مجوف.‏ تقول إيلا توم:‏ «تمكنت من وضع اربع نسخ من برج المراقبة في الصابون داخل صندوق الصابون».‏

كما تعلّم الشهود،‏ رغم الرقابة على الرسائل،‏ كيف يضمّنون اخبارهم اليومية حق الكتاب المقدس واللغة الثيوقراطية بطريقة مموهة.‏ مثلا،‏ كتبت احدى الاخوات:‏ «ان الآب يهتم جيدا بنا،‏ ولدينا حبل يصلنا بالبئر».‏ وعنت بكلماتها ان «الآب» يهوه يزودهم بالطعام الروحي وأن باستطاعتهم الاتصال «بالبئر»،‏ اي بهيئة يهوه والحصول منها على مياه الحق المانحة للحياة —‏ مطبوعات الكتاب المقدس.‏

وفي حين نُسخ الكثير من المطبوعات باليد،‏ أُنتج بعضها باستخدام وسائل الطباعة البدائية.‏ وكان الشهود يسرون عندما يُلقَون في السجن الانفرادي عقابا على كرازتهم،‏ اذ اتاح لهم ذلك نسخ المطبوعات.‏ تقول احدى الاخوات:‏ «كان وجودي في الحبس الانفرادي ملائما،‏ لانني تمكنت من ترجمة برج المراقبة دون ان يقاطعني احد».‏ وليست هذه سوى طريقة من طرائق كثيرة استخدمها المضطهدون ساهمت في تقدم عمل الملكوت بدل اعاقته.‏ —‏ اش ٥٤:‏١٧‏.‏

اهمية الاجتماعات

قدّر الاخوة اعمق التقدير الفرص النادرة التي اتاحت لهم التلاقي معا لعقد الاجتماعات.‏ تصف كورينا اينيكا كيف استجمعت هي وأخت اخرى الشجاعة وتركتا عملهما بضعة ايام دون اذن كي تحضرا اجتماعا.‏ توضح كورينا:‏ «تركنا مكان عملنا في المساء،‏ وقطعنا ٢٥ كيلومترا سيرا على الاقدام لنصل الى محطة القطار.‏ انطلق القطار في الساعة الثانية فجرا في رحلة استغرقت ست ساعات قبل ان ننزل منه ونسير مسافة ١٠ كيلومترات للوصول الى مكان الاجتماع.‏ فوجدنا المنزل،‏ وفيما كنا نحاول ان نقرر من منا سيقول كلمة السر،‏ خرج احد الاخوة وتعرَّف الينا وقال بفرح:‏ ‹انتما في المكان الصحيح.‏ هيا ادخلا!‏›.‏ وهناك درسنا برج المراقبة ورنمنا ترانيم الملكوت،‏ فتشجعنا كثيرا وتقوّى ايماننا».‏ وحين عادتا الى العمل بعد ثلاثة ايام،‏ شعرتا براحة كبيرة بعدما علمتا ان مدير المزرعة لم يلحظ حتى غيابهما.‏ فلا شك ان حضور الاجتماعات السرية لعب دورا مهما في ترسيخ ايمان خدام يهوه الامناء وتشجيعهم.‏

في مناسبة اخرى،‏ كان فريق من الاخوة مجتمعين في السجن حين وصل الحراس بغتة وطفقوا يبحثون عن المطبوعات.‏ فأسرع الاخ الذي كان يمسك بيديه صفحات احدى المطبوعات الى تناول مكنسة وراح يكنس الارض.‏ وهكذا غادر الحراس بعدما ذهبت جهودهم هباء.‏ اما اوراق المطبوعة فكانت ملتفة حول قبضة المكنسة ومحفوظة بأمان في يد الاخ الذي انكب على كنس الارض.‏

قوة المحبة المسيحية الحقيقية

يتذكر أدولف كوزي:‏ «عملت طوال خمس سنوات في مناجم للفحم شمال الدائرة القطبية الشمالية حيث يغيب ضوء النهار في فصل الشتاء.‏ فكنا حين ننتهي من عملنا نخرج الى الهواء الطلق لنجد الظلام بانتظارنا.‏ وهكذا لم نرَ الضوء طوال اشهر.‏ كما اننا لم نحصل على حصص كافية من الطعام.‏ فأثّر كل ذلك في ذاكرتي وإحساسي بالوقت.‏ وبسبب العمل المضني،‏ قلة الطعام،‏ والاجهاد الشديد،‏ خارت قوانا واقتصرت احاديثنا عموما على كلمات معدودة.‏ لكن متى تعلقت المناقشات بحقائق الملكوت كنا نطرد التعب ونتبادل اطراف الحديث طوال ساعات».‏

وفي خضم كل تلك المشقات،‏ تعلّم شعب يهوه ان يعرب واحدهم للآخر عن المحبة المتسمة بالتضحية بالذات.‏ يوضح الاخ كوزي:‏ «اعتدنا ان نتقاسم بالتساوي كل ما امتلكنا او ما حصل عليه اي واحد منا.‏ فبعدما اختبرنا جميعنا العوز،‏ تعلمنا ان نتشارك في كل ما لدينا».‏ —‏ ١ يو ٤:‏٢١‏.‏

حتى الحراس باتوا يعرفون ان الشهود يساعدون دائما واحدهم الآخر.‏ فحين نُقلت آينو إتما من معسكر الى آخر لم يكن لديها ملعقة او طاس،‏ امران يعتبران من ضروريات الحياة في المعسكر.‏

فقال لها المسؤول:‏ «لا خوف عليك.‏ فأخواتك سيعطينك ما تحتاجين اليه».‏ وصدقت توقعاته.‏ وقد جلب مثل هذا الاعراب عن المحبة المسيحية مرة بعد اخرى التمجيد لاسم يهوه.‏

لكن امتحانات الولاء لم تتوقف قط.‏ مثلا،‏ حتى بعد ان مضى على سجن الاخت إتما فترة من الوقت،‏ استمر الحراس يسألونها:‏ «هل ما زلت ترفضين التعاون معنا؟‏».‏ وطبعا،‏ كان المقصود بكلمة «تعاون» اعطاءهم معلومات سرية عن شهود يهوه.‏

فكانت إتما تجيب دائما:‏ «كيف تطلبون مني ان اتعاون معكم وأنتم تحتجزونني في المعسكرات؟‏ ولا تنسوا ايضا انكم السبب وراء موت ابي وأمي».‏

وقد بقي الشهود المنفيون،‏ حتى وهم ‹مقيدون في السجن›،‏ يعربون عن المحبة المسيحية بنقل بشارة الملكوت كلّما استطاعوا.‏ ولكن الى مَن كانوا يكرزون؟‏ في الواقع،‏ ‹فُتح امامهم باب للكلام› بفضل سياسة السوفيات التي قضت بترحيل نخبة من المواطنين غير الشيوعيين بعيدا عن منازلهم.‏ فتمتع العديد من الاخوة والاخوات بالمحادثات المثمرة مع هؤلاء المنفيين المثقفين،‏ الذين ما كانوا ليسمعوا على الارجح رسالة الملكوت او يتجاوبوا معها في ظروف اخرى.‏ —‏ كو ٤:‏٢-‏٤‏.‏

يوضح الاخ كوزي:‏ «أُخذنا لاحقا الى معسكرات مختلفة.‏ فقُدِّمت شهادة عظيمة في كل زنزانة.‏ وتمكنت في تلك الفترة ان انجز في عمل البشارة ما لم انجزه طيلة حياتي».‏

لقد اضطُهد شهود يهوه دون هوادة طوال سنوات نفيهم.‏ فسُلبت ممتلكاتهم وحريتهم،‏ وأُذلوا بشتى الطرق والوسائل.‏ لكنهم رغم ذلك لم يسقطوا قط ادبيا او روحيا امام مضطهديهم.‏

العودة الى أستونيا

مات جوزيف ستالين عام ١٩٥٣،‏ فطغى حزن كبير على مناصريه الاولياء.‏ وكانت إيلا توم آنذاك في السجن برفقة ست اخوات.‏ فأتى الحارس باكيا وأمرهن بالوقوف تحية لستالين.‏ فرفضن بكل شجاعة.‏

وأدّى موت ستالين الى تغيير عام في الجو السياسي.‏ فانهالت على الحكومة السوفياتية بين عامي ١٩٥٦ و ١٩٥٧ مئات العرائض التي ارسلها الشهود من كافة اقطار العالم تأييدا لإخوتهم المنفيين.‏ فمُنح هؤلاء العفو العام الواحد تلو الآخر.‏ وهكذا،‏ أُطلق سراح المسجونين وسُمح للمنفيين بالعودة الى ديارهم.‏ وقد أُخلي سبيل العديد من الاخوة بعد موت ستالين مباشرة،‏ فيما اضطر آخرون الى الانتظار بعض الوقت مثل عائلة تويمان.‏ فهذه الاسرة أُقصيت عن موطنها عام ١٩٥١ ولم يؤذن لها بالرجوع ثانية حتى عام ١٩٦٥.‏ غير ان عودة اخوتنا الى أستونيا لم تخلُ من المصاعب.‏ فقد لزم ان يؤمنوا لأنفسهم مكانا يسكنون فيه بعدما صودرت كل ممتلكاتهم وقت نفيهم.‏

نظرة الى الماضي

كيف تأثر الشهود بالترهيب،‏ الوحشية،‏ الاشغال الشاقة،‏ وظروف السجن المرعبة؟‏ لقد حافظ غالبيتهم على ولائهم وقوتهم الروحية،‏ حتى في وجه الموت.‏ فقد لقي ٢٧ شاهدا أستونيًّا مصرعهم في السجن او في المنفى،‏ بمن فيهم أرتور إيندس،‏ الذي خدم في لجنة الخدمة في أستونيا قبل ترحيله.‏ وقضى فريدريخ آلتپير نحبه بُعيد اطلاق سراحه،‏ على الارجح نتيجة الاشغال الشاقة التي استنزفت طاقته.‏ لا شك ان التجارب القاسية التي خضع لها خدام يهوه امتحنت ايمانهم،‏ لكنهم تعلموا دروسا قيمة ساعدتهم ان يحافظوا على استقامة لا تنثلم.‏ فقد نجوا من الهجوم الضاري الذي شُنّ عليهم متسلحين بإيمان اقوى وقدرة اكبر على احتمال المشقات.‏ —‏ يع ١:‏٢-‏٤‏.‏

يوضح ڤليارد كارنا:‏ «كان الاخوة المسؤولون جميعهم في معسكرات السجن،‏ فبقينا على اتصال بهم.‏ نتيجة ذلك،‏ حصلنا دائما على المطبوعات في سيبيريا،‏ ما ساعدنا ان نحافظ على علاقة قوية بيهوه.‏ ففي أستونيا،‏ كان من الصعب جدا الحصول على الطعام الروحي بانتظام.‏ وأغلب الظن اننا لم نكن لنحمي روحياتنا لو بقينا هناك».‏

وفي حين انتاب عديدين من غير الشهود شعور بالمرارة بسبب المعاناة التي قاسوها،‏ رأى الشهود في نفيهم اختبارا مقويا روحيا.‏

تقول كورينا اينيكا:‏ «تعلمنا الطاعة من تجاربنا المريرة.‏ كما وضعنا املنا في يهوه ولم نندم قط.‏ فقد لمسنا من اختبارنا الخاص اننا لا نحتاج الى امور مادية كثيرة كي نبقى على قيد الحياة.‏ فلم يكن لدينا انا وأختي إيني سوى حقيبة صغيرة وعلبة وضعناهما تحت السرير.‏ واليوم كلما شعرنا اننا بحاجة الى المزيد تذكرنا تلك التجربة.‏ لقد امضينا افضل سنوات شبابنا —‏ من عمر ١٧ الى ٢٣ —‏ في سيبيريا.‏ وغالبا ما تساءلت هل كنا سنمتلك القوة الروحية عينها لو لم نُنفَ الى تلك البلاد.‏ اشعر انها كانت افضل مكان لنا آنذاك».‏

توضح اخت اخرى:‏ «سرعان ما نسينا تلك السنوات الخمس التي قضيناها في سيبيريا.‏ كان الامر اشبه بمشاهدة فيلم مدته ساعتان».‏

وتتذكر آينو إتما:‏ «لا تفارق مخيلتي رقصة الاضواء الشمالية البهيجة وأيام الصقيع عندما تتكوَّن السُّحب الغنية بالالوان من مياه البحر او الانهار.‏ ولن انسى ما حييت وقتما كانت الشمس لا تغرب مدة اسبوعين،‏ وأيضا حين كانت تتوارى عن الانظار طوال اسبوعين.‏ وما زلت اتذكر الفريز الذي ينضج خلال الصيف القصير والطيور وهي تقتات بالاغصان الرقيقة للاشجار النحيلة.‏ نعم،‏ رغم كل المشقات،‏ شعرت انني ازور سيبيريا في جولة سياحية.‏ وأدركت اننا ما دمنا مع يهوه يمكننا ان نحظى بالسعادة حتى في تلك البقعة النائية من الارض».‏

حقبة جديدة وأساليب قديمة

لم ينته الاضطهاد بعد عودة الاخوة من سيبيريا الى أستونيا.‏ فقد استخدم البوليس السري اساليب مباشرة وغير مباشرة ليستقي المعلومات عن الهيئة ويشوه سمعتها.‏

اليك مثلا يوري شونبورڠ الذي كان قد اعتُقل لرفضه الالتحاق بالخدمة العسكرية ووُضع في معسكر للاشغال الشاقة.‏ فقد خضع لاستجواب عنيف من قبل عميل خاص من عملاء الـ‍ KGB اتى الى أستونيا من كييف بأوكرانيا كي يقنعه بالعمل لمصلحتهم.‏ حاول هذا الضابط ان يثبت ليوري ان مطبوعات شهود يهوه هي معادية للحكومة ومليئة بالاخطاء،‏ وأعطاه بعض النسخ من برج المراقبة ليقرأها.‏ لكن يوري رفض الاطلاع عليها مخافة ان تكون من المجلات المزيفة التي يعدّها احيانا الـ‍ KGB ليخلقوا تشويشا بين الشهود.‏ فراح العميل طوال اسبوع يضغط على يوري من الصباح حتى المساء ليتعاون معهم،‏ غير ان الاخ بقي ثابتا على موقفه ورفض المسايرة.‏

اعادة الاتصال «بالأم»‏

لم يكن الستار الحديدي المغلق بإحكام ليمنع ضوء حق الكتاب المقدس من اختراقه كليا.‏ فرغم انه كان على الاخوة الاعتماد طوال سنوات على المطبوعات القديمة التي في حوزتهم،‏ تمكّن الشهود الأستونيون اثناء النفي في سيبيريا من التعرّف بإخوة من مناطق اخرى في الاتحاد السوفياتي.‏ وهكذا حين عادوا الى أستونيا عملوا بشجاعة على ابقاء التواصل معهم،‏ ما اتاح لهم الحصول على مطبوعات حديثة بين الوقت والآخر.‏ ففي عام ١٩٥٦ مثلا،‏ اصبحوا على اتصال بإيڤان دزيابكو وغيره من الساكنين في اوكرانيا وتمكنوا من نيل الطعام الروحي.‏ لكنّ هذه الاتصالات كانت نادرة وكمية المطبوعات محدودة.‏ لذا لزم اتخاذ مزيد من الخطوات،‏ وسرعان ما بارك يهوه جهود اخوتنا الجريئة.‏

فقد اقام فرع فنلندا،‏ بإرشاد من الهيئة الحاكمة،‏ خططا ترمي الى مساعدة الاخوة في أستونيا بطريقة اكثر تنظيما.‏ وعيِّن ڤيلهو إيلوراندا،‏ الذي خدم فاتحا في أستونيا في ثلاثينات القرن العشرين،‏ ليكون صلة الوصل.‏ فانطلق في رحلته الاولى الى أستونيا في اوائل ستينات القرن العشرين وتمكّن من الاتصال بفاني هيدالا.‏ بعد ذلك،‏ قصد العديد من الاخوة الفنلنديين أستونيا تحت غطاء السياحة وخدموا كسعاة بريد،‏ مساهمين بالتالي في ابقاء قناة الاتصال مفتوحة باستمرار.‏ وأخيرا،‏ بات في وسع الاخوة في أستونيا الاتصال «بالأم»،‏ كما كانوا يدعون هيئة يهوه.‏ وأصبح بمقدورهم ارسال تقارير خدمة الحقل والمراسلات وتلقّي المطبوعات على الافلام المصغّرة.‏ ولكن إذ وجب ان يحدث هذا التدبير بسرية تامة وحذر شديد،‏ لم يتم التواصل سوى مرتين او ثلاث مرات في السنة.‏

ايضا خدم هوڠو كوزي جونيور،‏ ابن عم أدولف كوزي،‏ ساعيا للبريد.‏ فأتى ١٥ مرة الى أستونيا من الولايات المتحدة حيث كان يعيش.‏ وفي احدى رحلاته،‏ فتّشه حرس الحدود بتأنٍّ ولم يجدوا شيئا.‏ الا ان التوتر ازداد حين سأله الحرس الى اي دين ينتمي.‏ فما كان منه الا ان امطرهم بوابل من العبارات الانكليزية بعدما لاحظ انهم لا يتقنون هذه اللغة.‏ وإذ لم يرغبوا ان يظهروا جهلهم ويطلبوا منه الابطاء في الكلام،‏ اغتنموا الفرصة عندما رنّ جرس الهاتف وقالوا له ان يسرع ويعتلي متن السفينة التي اوشكت ان تبحر.‏ وطبعا،‏ لم يتوانَ مطلقا في تنفيذ مطلبهم!‏

عرف الذين خدموا كسعاة للبريد تمام المعرفة مدى اهمية تعيينهم وحملوه محمل الجد.‏ فتوخوا الحذر دائما وأدركوا باستمرار خطر الثقة المفرطة بالنفس.‏ وقد استُخدمت الرموز لكتابة تقارير خدمة الحقل في حال وقعت في يد العدو.‏ كما علم سعاة البريد هؤلاء انهم يعرّضون حياتهم وحياة الآخرين للخطر اذا تصرفوا بعدم مبالاة،‏ وخصوصا انهم رأوا احيانا عملاء الـ‍ KGB وهم يلاحقونهم.‏ مثلا،‏ فيما كان ڤليارد كارنا ذات مرة ينتظر تسلُّم طرد من اخوين،‏ شاهد عميلا يلتقط لهما صورة فوتوغرافية ويلحق بهما ليجمع دون شك ادلة ضد الشهود.‏ ولكن،‏ رغم كل العراقيل،‏ مرّت تلك السنون ولم يخسر الاخوة اية شحنة من المطبوعات او اية مراسلات او تقارير.‏

التنظيم يتحسّن

بقي العمل الكرازي في الاتحاد السوفياتي لبعض الوقت تحت اشراف لجنة البلد التي كان مقرها في اوكرانيا.‏ وخدم العديد من الاخوة كنظار كور في طول البلاد وعرضها.‏ لكنّ نمو العمل في أستونيا تطلب اشرافا محليا.‏ وهكذا،‏ في عام ١٩٦٧،‏ تولى تنظيم العمل أدولف كوزي،‏ اخ هادئ الطبع صقلته التجارب ومنحته اتزانا لافتا.‏ وفي وقت لاحق،‏ ازدادت مسؤولياته لتشمل الاهتمام بالمراسلات والتقارير المتعلقة بلاتفيا،‏ ليتوانيا،‏ كاريليا،‏ لينينغراد (‏اليوم سانت بيترسبرغ)‏ ومورْمَنسك.‏ وساعد الاخ كوزي ايضا في تنظيم عمل الطباعة في مواقع مختلفة.‏

ولكن كيف نجح الاخ كوزي في الاعتناء بكل مسؤولياته وفي نفس الوقت العمل بدوام كامل مع زوجته كويْدولا في مزرعة للخنازير قرب بلدة تاپا؟‏ لقد تمكن من ابتكار معدات آلية سهّلت عمله الدنيوي،‏ ما اتاح له المزيد من الوقت ليهتم بتعييناته الثيوقراطية.‏

وفي وقت لاحق،‏ اتى الدعم من اخوة مثل ڤليارد كارنا،‏ لمبت توم،‏ وسيلڤر سِليكسار حين شاركوا في زيارة الجماعات في أستونيا والجمهوريات المجاورة في الاتحاد السوفياتي.‏ وعلى غرارهم،‏ زار ألكسندر يڤدوكيموڤ الجماعات الناطقة بالروسية فيما اتّسع الحقل الروسي في أستونيا.‏ ومع الوقت،‏ قُسم عمل الطباعة وصار الاخوة الروس في أستونيا يهتمون بطباعة موادهم.‏ فكانوا يتسلمون المطبوعات بالروسية على الافلام المصغّرة ويقومون مباشرة بنسخها على ورق فوتوغرافي.‏ طبعا،‏ مع مرور الوقت لم تعد هذه الطريقة المتعبة تفي بحاجة الجماعات المتنامية اذ تطلبت عددا كبيرا من الاخوة ليساعدوا في الطباعة في مختلف المواقع.‏ لذلك تمّ استبدالها بوسيلة احدث.‏ لكنّ الموارد المحدودة لم تمنع الاخوة من طبع مئات النسخ لأكثر من ٢٠ كتابا في الخفاء.‏ كما انتجوا يدويا اكثر من خمسة ملايين صفحة من المطبوعات الأستونية والروسية بين عامي ١٩٦٦ و ١٩٨٩.‏

ضرورة توخي الحذر

داهمت الشرطة ذات مرة بيت احد الاخوة بحجة البحث عن دراجة نارية مسروقة،‏ وإذا بهم يتوجهون مباشرة الى المكتبة التي لم تكن طبعا مكانا لإخفاء دراجة!‏ فمن الواضح انهم كانوا يبحثون عن مطبوعات محظورة.‏ ولكن كم خاب املهم حين ذهبوا صفر اليدين!‏

فكيف نجح الاخوة في اخفاء المطبوعات؟‏ غالبا ما عمدوا الى تجليد هذه المطبوعات عند انتاجها بغلافات مجلات وكتب دنيوية قديمة بحيث لا تلفت نظر الشرطة في حال دخلت البيوت فجأة.‏

واستخدم الشهود المناسبات الخصوصية مثل الاعراس كتغطية للاجتماعات والمحافل.‏ مثلا،‏ عندما تزوج هيمار وإلڤي دام حفل زفافهما يومين.‏ وقد استغرقت مثل هذه التجمعات احيانا ثلاثة او اربعة ايام.‏ لكنّ الشيوخ الأستونيين حثوا الاخوة ألّا يقيموا حفلات اعراس كبيرة تفاديا للفت الانظار وتجنبا للمشاكل.‏

اخوة روس ينتقلون الى أستونيا

عام ١٩٧٠،‏ بدأ شهود قدماء يتوافدون من اوكرانيا،‏ روسيا البيضاء،‏ وأجزاء اخرى من الاتحاد السوفياتي.‏ فالعديد منهم رأوا الحياة في أستونيا اسهل بكثير من الحياة في بلدهم الام حيث اثقل الاضطهاد العنيف كاهلهم.‏

وقد ساهم بعض هؤلاء الاخوة في التقدم الروحي الذي شهدته أستونيا.‏ مثلا،‏ بمساعدة نيكولاي دوبوڤنسكي الذي خدم شيخا في اوكرانيا مدة طويلة،‏ تشكلت عام ١٩٧٢ اول جماعة ناطقة بالروسية في تارتيو وتألفت من ٥٠ ناشرا تقريبا.‏ وأدت خصوبة الحقل الروسي الى تزايد اعداد المهتمين.‏ فبحلول عام ٢٠١٠،‏ صار هنالك ٢٧ جماعة و ٤ فرق ناطقة بالروسية ضمت مجتمعة اكثر من نصف الناشرين في أستونيا.‏

طرائق مختلفة لتقديم الشهادة غير الرسمية

تحلى الاخوة الناطقون بالروسية بالجرأة والغيرة ولم يترددوا في التحدث الى الناس في ظروف غير رسمية.‏ فكانوا مثلا يباشرون المحادثات مع السيّاح الذين يزورون الكنائس في تالين ويقدمون لهم الشهادة.‏ وغالبا ما ظن السيّاح ان الشخص الذي يتحدث عن الكتاب المقدس لا بد ان يكون مرشدا سياحيا،‏ لذلك اعاروا الاخوة كل انتباههم.‏

كما كرزت بعض الاخوات في القطارات.‏ فكن يبتعن تذاكر سفر للتنقل ذهابا وإيابا بين تارتيو وتالين.‏ فأتاحت لهن رحلة الثماني ساعات متسعا من الوقت ليفتتحن المحادثات مع الركاب وينقلن اليهم البشارة.‏

وتخبر ماريا پاسيتشنيك التي اتت من قازاخستان الى أستونيا:‏ «صليت لأحظى بدرس في الكتاب المقدس».‏ فخطر على بالها ان تكرز للذين يقفون معها في الصف طوال ساعات لشراء الطعام في المتاجر المحلية.‏

تتابع ماريا:‏ «ذات يوم فيما كنت اقف في الصف،‏ رحت اتكلم مع امرأة وحوّلتُ الحديث تدريجيا الى مناقشة من الكتاب المقدس.‏ فتبين ان الموضوع لا يهمها كثيرا،‏ لكنها اخذتني عند صاحباتها،‏ عرّفتني بهن وتركتني اكمل الحديث معهن.‏ نتيجة ذلك باشرت عقد اربعة دروس في الكتاب المقدس.‏ فاعتمدت احدى النساء وهي لا تزال تخدم يهوه بولاء».‏

وكما في كل انحاء العالم،‏ يعرب العديد من خدام يهوه في أستونيا عن سلوك مثالي في اماكن عملهم.‏ ففي احدى محطات توليد الكهرباء،‏ اقترحت ممثِّلة الحزب الشيوعي الاستغناء عن خدمات ليونارد نيلسْك لكونه شخصا متدينا.‏ لكنّ المسؤول عن مختبر الكهرباء احتج قائلا:‏ «وهل ينفعنا الشيوعيون الكسالى الذين يتناولون الكحول اكثر من شخص متدين جدير بالثقة؟‏».‏ كذلك دافع زملاء ليونارد عنه بسبب صيته الحسن،‏ فانتهت المسألة عند هذا الحد.‏ على ما يبدو،‏ كانت هذه المرأة تحاول استرضاء المسؤولين الاعلى في الحزب،‏ ولكن ما ان ولّى الحكم الشيوعي في البلد حتى خسرت هي نفسها وظيفتها.‏

الشهادة تحت الحظر

يتذكر لمبت رايلِه،‏ الذي يخدم اليوم في لجنة فرع أستونيا:‏ «في المدرسة،‏ كنت اكرز لبعض رفقاء صفي انما بحذر.‏ وقد اعتدت ان ادعو احد الفتيان الى بيتي وأبشره بتحفظ.‏ ولكن بعدما انهينا سنواتنا المدرسية،‏ لم نلتق مجددا الا بعد مرور ٢٠ سنة تقريبا.‏ فمنذ فترة،‏ كنت ألقي خطابا عاما في الجماعة في مسقط رأسي.‏ فتفاجأت بوجوده بين الحضور.‏ لقد كان يدرس مع شهود يهوه،‏ واعتمد بعد زيارتي بوقت قصير.‏ فكم فرحت لهذا الخبر!‏».‏

بسبب الحظر،‏ وجب على الاخوة توخي الحذر عند تقديم الشهادة.‏ يوضح احد الشيوخ:‏ «منحنا انفسنا الوقت لنراقب الاشخاص حولنا ونعرف من يمكننا التحدث اليهم بأمان.‏ فكان من الضروري جدا التحلي بالتمييز عند التكلم مع الغرباء.‏ فغالبا ما كنا نكتشف بسرعة مَن يعمل مخبرا لصالح الـ‍ KGB.‏ وقد اتخذنا ايضا حذرنا مع الذي يكثر من الكلام او يحكي بصوت مرتفع،‏ وفضلنا التحاور مع انسان متحفظ.‏ وفي كثير من الاحيان،‏ باشرنا الحديث مع اناس لا يؤيدون النظام الشيوعي عُرفوا بالمنشقين واتصفوا بالانفتاح».‏

لقاء مشجع في حديقة عامة

رتبت الهيئة الحاكمة ان يلتقي احد اعضائها،‏ لويد باري —‏ ويرافقه ڤيڤ موريتس العامل في فرع فنلندا —‏ بأدولف كوزي الذي كان ينظم العمل في أستونيا.‏ فتم اللقاء في حديقة عامة بلينينغراد (‏اليوم سانت بيترسبرغ)‏.‏

يقول الاخ موريتس عن هذا اللقاء السرّي:‏ «في البداية تردد الاخ كوزي في التكلم،‏ وبقي يتظاهر بأنه يقرأ صحيفته.‏ ولكن فيما تابعنا الحديث معه انزل الصحيفة وبدأ يفصح عما في باله».‏

يتذكر الاخ باري:‏ «لقد رفض دعوتنا الى تناول وجبة طعام معا.‏ وقال انه من الافضل مناقشة المسائل الضرورية والانتهاء عند هذا الحدّ».‏

وعندما اعرب الاخ كوزي عن قلقه بشأن القيود الموضوعة على الشهود في الاتحاد السوفياتي والاضطهاد الشرس الذي يواجهونه،‏ شجعه الاخوان موريتس وباري قائلين:‏ «في البلدان الاخرى ايضا نتعرض لامتحانات شتى تبدو اخف وطأة ولكنها في الواقع اكثر خطورة.‏ فلدينا مغريات كثيرة لا تعرفونها تجعلنا نخسر في الغرب عددا من الاخوة اكبر مما تخسرونه هنا».‏

وأتت هذه الزيارة في حينها لتمدّ الاخ كوزي بدعم روحي كبير.‏ وإذ عرف لاحقا ان من تحدث اليه هو عضو في الهيئة الحاكمة،‏ نقل بفرح كبير التشجيع الذي ناله من هيئة يهوه الى كل الذين يحافظون في بلده على استقامة لا تنثلم تحت الاضطهاد الوحشي.‏

كتب الاخ باري بعد ذلك:‏ «قلبنا مع اخوتنا في الاتحاد السوفياتي.‏ لقد سررت كثيرا برؤية الاخ كوزي،‏ الذي ودَّعنا عند انتهاء لقائنا المفرح بمصافحة حارة ومعانقة ودية».‏

الاحداث يتخذون موقفا شجاعا في المدرسة

واجه احداث شهود يهوه بشكل خصوصي ضغوطا كبيرة ليدعموا الهيئات السياسية.‏ كما جرى حثهم على الانخراط في نشاطات اخرى تنافي ضميرهم المدرَّب على الكتاب المقدس.‏

تتذكر إستِر تام:‏ «ذات يوم،‏ حين كنت فتاة صغيرة في المدرسة،‏ أُمر كل مَن في الصف بالوقوف والتقدم الى الامام وتوقيع رسالة تتضمّن تمنيات بالسعادة للدكتاتور جوزيف ستالين بمناسبة عيد مولده».‏

فوقفت إستِر،‏ إلا انها رفضت توقيع الرسالة بكل بتهذيب،‏ ما اثار غضب المعلمة.‏ لكنّ المدهش ان بعض التلميذات دعمن إستِر ورفضن هن ايضا توقيع الرسالة.‏ فانتهت المسألة عند هذا الحدّ.‏

ايضا،‏ طُلب من التلامذة لف منديل احمر حول العنق تأييدا للشيوعية.‏ وكان كل مَن يرفض اطاعة الامر يعاقب بتخفيض علاماته الدراسية او بأساليب اخرى.‏ غير ان اخوتنا وأخواتنا الاحداث رفضوا المسايرة مظهرين روح الولاء نفسه الذي اعرب عنه دانيال ورفقاؤه العبرانيون الثلاثة في بابل القديمة.‏ —‏ دا ١:‏٨‏.‏

حقبة جديدة كليا

كان ٧ في المئة فقط من الأستونيين ينتمون الى الحزب الشيوعي،‏ ما دلّ ان الشعب الأستوني لم يكن عموما يحبذ النظام السوفياتي.‏ زد على ذلك ان الرسميين الأستونيين لم يحبذوا دائما اتباع الارشادات القادمة من موسكو،‏ حتى ان بعضهم مدّ يد العون للشهود.‏ مثلا،‏ عام ١٩٨٥،‏ جاء احدهم الى لمبت توم ونصحه قائلا:‏ «انا اعلم انك من المسؤولين بين الشهود.‏ لذا قل لهم الّا يعقدوا اجتماعاتهم ايام الاعياد الوطنية».‏

فقال لمبت:‏ «شكرا لك،‏ سأُعلم الآخرين بذلك».‏ فعلى ما يبدو،‏ اعتُبر تجمع الشهود اثناء هذه الاعياد بمثابة اهانة للـ‍ KGB.‏ ومن الواضح ان الاخوة كانوا يعقدون اجتماعاتهم على الملإ،‏ لذا صنعوا بعض التعديلات تجاوبا مع النصيحة الودية التي تلقوها.‏

عام ١٩٨٦،‏ بدأت حقبة جديدة كليا حين ادخل الاتحاد السوفياتي سياسة البيريسترويكا،‏ او اعادة البناء.‏ فشجعت الهيئة الحاكمة الاخوة على استخدام فترة الانفتاح والحرية هذه لتنظيم محافل في اوروبا الشرقية.‏ ولم يصدق اخوتنا في الاتحاد السوفياتي انهم سيذوقون طعم الحرية قبل هرمجدون.‏ فكل ما عانوه كان لا يزال حيا في ذهنهم،‏ وبقيت مداهمات البيوت وتفتيشها خطرا يتهددهم باستمرار.‏

دعوة الى مخاطبة الجماهير

مع ازدياد الحرية،‏ ارتفع عدد الذين اهتموا بالدين والكتاب المقدس.‏ كما اعرب كثيرون عن فضولهم بشأن موقف شهود يهوه،‏ ما جعل مؤسسات مختلفة تدعو الاخوة الى إلقاء خطابات عامة تسلّط الاضواء على معتقداتهم.‏

وشكلت احدى هذه المناسبات مفاجأة كبيرة للشهود.‏ فقد وافق لمبت رايلِه على تقديم خطاب امام مجموعة من الناس.‏ وفي اليوم المحدد،‏ كان آينار اوياراند الذي اهتم بالترتيبات يحلق ذقنه وهو يصغي الى الراديو،‏ فإذا به يسمع الاعلان التالي:‏ «اليوم،‏ سيُلقى في مركز ساكالا خطاب عنوانه ‹ماذا يعلّم الكتاب المقدس؟‏›».‏ فكادت موسى الحلاقة تسقط من يده.‏ والسبب؟‏ لقد كان هذا المركز مقر المؤتمرات الرئيسي في تالين،‏ حيث اعتاد الحزب الشيوعي عقد اجتماعاته!‏ إلا ان آينار لم يتمكن من اخبار لمبت بأن الاجتماع سيكون اكبر بكثير مما تخيلا حتى التقاه في موقف الباص.‏

يتذكر لمبت:‏ «غصّت القاعة بالحشود.‏ لم يكن قد سبق لي ان ألقيت خطابا امام جمهور ضخم كهذا،‏ استخدمت الميكروفون،‏ او اعتليت منصة.‏ فصليت في قلبي صلاة وجيزة.‏ ثم تذكرت ما حدث مع بولس في أريوس باغوس وخطرت على بالي مقدمة.‏ فإذ كان معظم الحضور نباتيين،‏ استهللت خطابي بإخبارهم ان اللّٰه لم يعط البشريَّين الاولين في البداية سوى الفاكهة والخضار طعاما لهما.‏ ولم يسمح للانسان بأكل اللحم الا بعد الطوفان».‏

وعلى ما يبدو،‏ لاقت هذه المقدمة استحسان الحاضرين.‏ فحين انتهى الخطاب،‏ اصطف بعضهم وأعطوا اسماءهم وعناوينهم كي تُرسل اليهم المطبوعات متى توفرت.‏ وعلى مر السنين،‏ قدّم العديد من الاخوة خطابات امام جماهير ضخمة اجتمعوا في المكتبات،‏ المدارس،‏ او المراكز الثقافية.‏ نتيجة ذلك،‏ ميّز كثيرون من الميالين الى البر الحق وقبلوه.‏

البقاء مستيقظين روحيا

عام ١٩٨٩،‏ بدأ شهود يهوه في الاتحاد السوفياتي ينعمون بحرية دينية اكبر اتاحت لبعض الاخوة السفر لحضور محفل في بولندا.‏ فكيف كان وقع هذا التجمُّع على الشهود بعد سنوات من القمع والاستبداد؟‏

تتذكر إيلا توم:‏ «كنا سعداء جدا وبكينا كثيرا!‏ لقد شعرنا في هذا المحفل اننا فعلا في فردوس روحي».‏

تخبر اخت اخرى:‏ «وصلنا الى بولندا باكرا،‏ لذا أُخِذنا لنحضر اجتماعا في قاعة للملكوت.‏ وحين رأيت الاخوة والاخوات يدخلون القاعة،‏ انهمرت الدموع على خديّ.‏ لقد كانت تلك المرة الاولى التي ازور فيها قاعة ملكوت».‏

في تلك السنة،‏ زار الاتحاد السوفياتي ثيودور جارس ومِلتون هنشل من الهيئة الحاكمة يرافقهما پول ڤيلي من فرع المانيا.‏ فقاموا بجولة في كل انحاء البلاد بهدف تشجيع الاخوة والاطلاع على اوضاعهم.‏ وإذ كان مشهد العالم يتغير بسرعة،‏ لم يكن من المفترض تضييع الوقت في الاستفادة من سياسة البيريسترويكا السوفياتية.‏ بل لزم التركيز على اعادة التنظيم من الناحية الروحية وإعطاء الاولوية لعمل الترجمة.‏

كان توماس (‏توم)‏ إيدور،‏ لاعب هوكي سابق أستوني الاصل،‏ يساعد منذ عام ١٩٨٣ في ترجمة بعض المواد الى الأستونية في فرع كندا.‏ * في تلك الفترة،‏ كانت المطبوعات متوفرة فقط للأستونيين المنتشرين في بلاد الاغتراب.‏ ولكن عام ١٩٩٠،‏ مع بداية توسع العمل في أستونيا،‏ عيِّن توماس وزوجته اليزابيث في فرع فنلندا ليساعدا في الترجمة الى الأستونية،‏ ونُقلا بعد فترة قصيرة الى أستونيا.‏

قبل تلك الفترة،‏ عمل بعض المترجمين منفردين في مواقع عدة.‏ وبعدما اتضح ان فريق الترجمة ينال فوائد اكبر ان عمل افراده في موقع واحد،‏ باشر عدد من المترجمين العمل في منزل لمبت توم في تارتيو.‏ لكنهم لم يستطيعوا انجاز عملهم بفعالية كبيرة نتيجة افتقارهم الى اجهزة الكمبيوتر التي استحال الحصول عليها في الاتحاد السوفياتي.‏ بيد ان الوضع تحسن حين زار اخ من المنطقة فرع الولايات المتحدة وعاد حاملا معه جهازَي كمبيوتر،‏ ما شكل بداية جيدة لقسم الترجمة.‏ ورغم ان غالبية المترجمين لم تكن لديهم فكرة عن الكمبيوتر ونظام التنضيد التصويري الالكتروني المتعدِّد اللغات (‏MEPS)‏ الذي ابتكرته الهيئة،‏ فقد ساعدتهم رغبتهم في التعلم على مواجهة هذا التحدي بنجاح وسرعان ما برعوا في انجاز عملهم.‏

حضور محفل مفرح آخر في الخارج

بدأ الناس في اوروبا الشرقية ينعمون تدريجيا بمزيد من الحرية مع تضاؤل النفوذ السوفياتي في المنطقة.‏ فحصل حوالي ٢٠٠ اخ وأخت أستونيين على تأشيرة لحضور محفل «اللغة النقية» الكوري في هَلْسِنكي بفنلندا في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٩٠.‏

وعندما نزل المندوبون الأستونيون من على متن السفن التي حملتهم الى فنلندا،‏ استقبلهم الاخوة الفنلنديون عند الميناء بتصفيق مدوّ دام حوالي نصف ساعة!‏ فأثار ذلك فضول غير الشهود الذين ارادوا معرفة هوية هؤلاء المشاهير القادمين من الخارج.‏ ويا له من تغيير جذري!‏ فقد استُقبل اخوتنا المتواضعون استقبال الابطال الرياضيين بعدما عوملوا طوال عقود معاملة سيئة على يد السلطات السوفياتية.‏

ويا للفرح الذي غمر قلب الاخوة الأستونيين حين اصغوا الى جزء من المحفل بالأستونية وحصلوا على بعض الاصدارات بلغتهم الام!‏ عبّر احد المسنين قائلا:‏ «حين امسكنا بين يدينا للمرة الاولى كراسة بالأستونية،‏ شعرنا كأننا نمسك جوهرة لا تقدر بثمن».‏

وما زاد من فرح المندوبين الأستونيين اعلان مثير قدِّم في الخطاب الاخير.‏ فقد ذكر الخطيب ان الهيئة الحاكمة وافقت على اصدار اعداد نصف شهرية من برج المراقبة بالأستونية بالالوان تزامنًا مع الطبعة الانكليزية بدءا من كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩١.‏ وما ان انهى الخطيب اعلانه هذا حتى وقف الحضور بابتهاج غامر وصفق تصفيقا حادا دام فترة من الوقت.‏ وحين ساد السكوت مرة اخرى،‏ سأل احدهم:‏ «وهل يتوفر عدد واحد فقط لكل فريق مثل السابق،‏ ام سيحصل كل شخص على نسخته؟‏».‏ ولم يصدق الحاضرون آذانهم حين علموا ان كل واحد سيحظى بنسخته الخاصة،‏ فعادوا يصفقون من كل قلبهم تعبيرا عن شكرهم العميق وتقديرهم.‏

وقد اهتم فرع فنلندا بطباعة المواد بالأستونية،‏ وكذلك طبع المجلات الصادرة منذ عام ١٩٩٠.‏ وبالاضافة الى الاعانة الروحية،‏ تلقّى الشهود الأستونيون من اخوتهم في مختلف البلدان شحنات من الاعانات المادية كانوا بأمس الحاجة اليها نظرا الى الوضع الاقتصادي الرديء في البلد.‏

اول محفل يُعقد في ظل الحرية

سارعت هيئة يهوه الى الاستفادة من الحرية الدينية المتزايدة ورتبت لعقد محافل كورية كبيرة في كل انحاء الاتحاد السوفياتي.‏ فابتهج الاخوة الأستونيون ابتهاجا شديدا بعقد اول محافل «محبّو الحرية [الالهية]» في تالين في ١٣-‏١٤ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٩١.‏

وفرّحت هذه المناسبة بشكل خاص بعض المندوبين الاكبر سنا.‏ فآخر مرة حضروا فيها محفلا بحرية في أستونيا كانت عام ١٩٤٠.‏ لذا سروا جدا ان يتواجدوا معا مجددا بعد اكثر من ٥٠ سنة.‏

وقد اجتمع الاخوة الناطقون بالروسية،‏ القادمون من شمال غرب الاتحاد السوفياتي ودول البلطيق وكالينينغراد،‏ في قاعة ليناهال (‏قاعة المدينة للحفلات الموسيقية)‏ بتالين.‏ اما قاعة ياهال (‏قاعة الجليد)‏ المجاورة،‏ فاستقبلت حوالي ألف شخص لحضور الفترات بالأستونية،‏ فبلغت ذروة الحضور في القاعتين ٨٠٨‏,٤.‏ وساد جوٌّ من الفرح الغامر حين اتخذ ٤٤٧ شخصا خطوة المعمودية.‏

ساهمت هذه المحافل مساهمة فعالة في مساعدة الجدد على تعلُّم الحق.‏ على سبيل المثال،‏ كانت أمالْيي جدة ليونارد نيلسْك ترتاد الكنيسة المجيئية رغم الشكوك التي ساورتها بشأن تعاليمهم.‏ فشجعها ليونارد على تمييز الحق من خلال فحص الكتاب المقدس.‏ لكنّ المحفل الذي حضرته في تالين عام ١٩٩١ هو ما شكل نقطة التحول في حياتها.‏ فبعد اليوم الاول،‏ قالت انها لن تعود الى كنيستها ثانية.‏ فما سمعته من ليونارد عن الحق لم يشف غليلها،‏ بل لزمها ان ترى شعب يهوه بأم العين.‏ وهكذا،‏ وافقت على درس الكتاب المقدس واعتمدت لاحقا.‏

الاحلام تتحقق

بعدما ولت ايام الاضطهاد والظلم القاسية،‏ صعب على بعض الشهود التصديق ان حرية العبادة باتت امرا حقيقيا.‏ على سبيل المثال،‏ كان احد الشيوخ القدماء يحلم باليوم الذي يرى فيه كتاب يمكنكم ان تحيوا الى الابد في الفردوس على الارض يصدر بالأستونية.‏ وفي عام ١٩٩١،‏ صدر هذا الكتاب،‏ وكان اول كتاب يصدر بالأستونية في ظل حقبة الحرية الجديدة.‏

يقول هذا الشيخ:‏ «رغم ذلك،‏ لم اصدق عيني يوم استلمته بيدي.‏ وعندما اعلنتُ عن صدوره في الاجتماع،‏ صعب على الجميع حبس دموعهم.‏ ولم يصدق الاخوة آذانهم فساد المكان للحظات صمت مطبق.‏ وفجأة ضجت القاعة بأصوات الفرح والابتهاج.‏ وأخذ الاخوة يتهللون فرحا ويبكون،‏ كلهم في آن معا.‏ كانت تلك لحظات لا تنسى ابدا.‏ وكلما فكرت فيها طفر الدمع من عينيّ».‏

نعم،‏ مرة بعد اخرى،‏ شعر الاخوة بأنهم «كالحالمين».‏ (‏مز ١٢٦:‏١-‏٦‏)‏ فبعد عقود من المشقات،‏ استطاع كثيرون ان يلمسوا لمس اليد صحة الوعد المسطر في كلمة اللّٰه:‏ «سنحصد في وقته إن كنا لا نعيي».‏ —‏ غل ٦:‏٩‏.‏

محطة ثيوقراطية بارزة

٣١ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩١ تاريخ من الصعب ان ينساه الاخوة والاخوات في أستونيا.‏ ففي هذا اليوم سُجلت هناك رسميا اول جماعة لشهود يهوه.‏

ومذاك،‏ وجب على الشهود بذل جهود جبارة لإنجاز العمل الروحي العظيم الذي كمن امامهم.‏ فالبشارة كانت تلقى تجاوبا كبيرا،‏ والناس يعربون مجاهرة عن اهتمامهم بالدين والكتاب المقدس.‏ وكانت هنالك دروس كثيرة لعقدها.‏ كما لزم تنظيم الاجتماعات والمحافل.‏ واحتاج المترجمون الى منشآت مناسبة تلائم النمو الذي شهده عملهم.‏

في تلك الاثناء،‏ بدأ مرسلو جلعاد يفدون الى البلد.‏ فسعى الاخوة الى ايجاد منازل مناسبة لهم ومساعدتهم للحصول على التأشيرات ورخص الاقامة.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ عملوا على حلّ مسألة الحياد مع الرسميين الحكوميين،‏ وكذلك نيل رخص بناء لإنشاء قاعات للملكوت.‏

يتذكر راينو كِسك الذي خدم كناظر دائرة في ذلك الوقت:‏ «مرت تلك السنوات كأنها اشهر بسبب انهماكنا في وضع كافة الاسس الثيوقراطية اللازمة.‏ كما ساد في تلك الفترة جو من الغبطة.‏ فقد احب الناس الحق وقبلوه بسرعة.‏ وفي كل جماعة رغب كثيرون في اتخاذ خطوة المعمودية.‏ حتى ان بعض المهتمين الذين حضروا المحفل تمتعوا جدا بالخطابات وأرادوا الاعتماد فورا دون ان يعرفوا شهود يهوه حق المعرفة!‏ وقد بذل الاخوة جهودا حثيثة لمساعدتهم».‏

حين كانت أستونيا تحت الحكم السوفياتي،‏ اشرف فرع المانيا على العمل الكرازي فيها.‏ وشكّل فرع فنلندا آنذاك احدى قنوات التواصل السرية بين المانيا وأستونيا.‏ ولكن،‏ بعدما فُتحت الحدود وأمكن التواصل بحرية،‏ تولّى فرع فنلندا عام ١٩٩٢ مسؤولية الاشراف على العمل في أستونيا.‏

الاعراب عن غيرة متقدة وتوق شديد الى الخدمة

احرز كثيرون تقدما روحيا سريعا بحيث صعُبت ملاحقة الاهتمام بالذين رغبوا في التأهل كناشرين غير معتمدين.‏ على سبيل المثال،‏ حين زار توم إيدور احد الفرق الصغيرة الجديدة صباح يوم ذكرى موت المسيح،‏ ادهشه عدد الذين اتوا للانطلاق في خدمة الحقل.‏

فسأل الاخ المحلي:‏ «هل تعرف الجميع هنا؟‏».‏

فأجابه الاخ:‏ «في الواقع،‏ ليس كل الموجودين ناشرين».‏

فعقد توم اجتماع الخدمة وأعلن بعده:‏ «اود ان اتحدث بعد الاجتماع الى كل من ليسوا بعد ناشرين».‏

فتقدم اليه نحو عشرة تلامذة للكتاب المقدس وأعربوا عن رغبتهم في التأهل لنقل البشارة الى الناس.‏ وبعدما ناقش معهم المؤهلات الاساسية للناشرين غير المعتمدين،‏ اعترفت ثلاث شابات انهن لم يستقلن بعد من كنيستهن.‏ فأوضح لهن ان عليهن انهاء عضويتهن في الكنيسة اذا اردن ان يكن من الشهود.‏ لذا توجهن على الفور الى كنيستهن السابقة وأزلن اسماءهن من السجل ثم انضممن الى الآخرين في العمل الكرازي.‏

وحضر اجتماع الخدمة ايضا رجل كان لا يزال يدمن التدخين.‏ وإذ لزمه بعض الوقت ليتخلى عن عادته هذه،‏ عاد الى بيته آملا ان يصبح ناشرا في وقت لاحق.‏

وبعدما رُفعت القيود عن العمل الكرازي،‏ تاق الاخوة الى استخدام كل فرصة كي ينقلوا البشارة الى اكبر عدد ممكن من الناس.‏ وقد تطرّف البعض في مشاعرهم هذه بحيث احتاجوا الى من يساعدهم ان يحافظوا على الاتزان الروحي السليم.‏ مثلا،‏ فيما كان توم يناقش اسئلة المعمودية مع احد الشبان،‏ سأله هل تلقّى يوما مشورة من الشيوخ.‏

فقال الشاب:‏ «نعم،‏ نصحني الشيوخ ان اكون اكثر اتزانا في استخدام وقتي».‏

فسأله توم:‏ «وماذا كانت مشكلتك؟‏».‏

اوضح الشاب:‏ «في الواقع،‏ كنت اصرف ١٥٠ ساعة شهريا في خدمة الحقل،‏ فأهملت النشاطات الروحية الاخرى.‏ لذا نصحني الشيوخ بأن اقضي ١٠٠ ساعة في الخدمة كي استطيع ان اقوم بدرسي الشخصي واستعد للاجتماعات».‏

محفل مبهج في روسيا

شهد التاريخ الثيوقراطي حدثا بارزا آخر حين عُقد محفل اممي في سانت بيترسبرغ بروسيا في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٩٢.‏ وقد فرح كثيرون من المندوبين الالف القادمين من أستونيا حين التقوا اشخاصا شاركوهم الزنزانة نفسها او شهودا تعرّفوا بهم ايام نفيهم في سيبيريا.‏

يقول احد المندوبين:‏ «كان توقيت المحفل مناسبا جدا لنا.‏ فكنا قد استأجرنا قطارا بالروبل الروسي بسعر منخفض نسبيا.‏ ولكن قبل اسبوع فقط من المحفل،‏ غيرت أستونيا عملتها من الروبل الى الكرون الأستوني.‏ فلو وقع سفرنا في ذلك الاسبوع لما استطعنا تحويل اموالنا في أستونيا.‏ هذا ولم يُسمح لنا بتحويل سوى كمية محدودة من المال.‏ فماذا فعلنا بالروبلات المتبقية في جعبتنا؟‏ اخذناها معنا الى محفل روسيا حيث كان الروبل لا يزال العملة السائدة ووضعناها في صناديق التبرعات.‏ من ناحية اخرى،‏ لو تأخر المحفل اسبوعا واحدا لكان علينا دفع مبلغ كبير للحصول على تأشيرة نظرا الى قوانين العبور الجديدة.‏ حقا،‏ لقد اتى توقيت المحفل مناسبا جدا للاخوة!‏».‏

وقد مسّ هذا الحدث التاريخي البارز قلوب كثيرين،‏ من بينهم امرأة مهتمة خططت للسفر من أستونيا مع الشهود.‏ تخبر:‏ «ظننت اني اعرف موعد انطلاق القطار،‏ لكنني وصلت متأخرة.‏ ولم اعد ادري ما العمل وقد دفعت كلفة الرحلة.‏ فصليت الى يهوه والتمست منه بحرارة ان يساعدني،‏ وأخبرته اني مستعدة ان افعل كل ما في وسعي كي اصل الى موقع المحفل.‏

‏«اخبرني ناظر المحطة ان عليّ ابتياع تذكرة سفر اخرى،‏ ولكن لم يكن في حوزتي ما يكفي من المال.‏ فجأة،‏ رأيت اناسا انيقي اللباس يتوافدون الى المحطة والسعادة بادية على وجوههم.‏ وعلمت انهم شهود قادمون من جزيرة ساريما.‏ فشعرت بارتياح كبير لأن تذكرتي اجازت لي ركوب القطار الذي كانوا سيستقلونه.‏

‏«اثناء السفر،‏ راح الشهود يرنمون ترانيم الملكوت فترك ذلك في نفسي ابلغ الاثر وشعرت انني جزء من عائلتهم الروحية.‏ بقيت معهم كامل المحفل ولمست مدى محبتهم وصدقهم.‏ فبددت هذه التجربة آخر شكوك لدي،‏ وتأكدت تماما انني وجدت هيئة اللّٰه الارضية».‏ وهذه المرأة التي كانت في ما مضى مجرد شخص مهتم باتت اليوم تخدم فاتحة عادية الى جانب زوجها.‏

عمال طوعيون مرحَّب بهم

احرز العمل الكرازي والتنظيمي تقدما سريعا،‏ ما تطلّب وجود المزيد من الاخوة ذوي خبرة في هذا المجال.‏ فمن كان سيلبّي هذه الحاجة؟‏ على غرار اشعيا،‏ تجاوب عديدون قائلين:‏ «هأنذا ارسلني».‏ —‏ اش ٦:‏٨‏.‏

ففي عام ١٩٩٢،‏ وصل اول اربعة مرسلين من جلعاد هم:‏ ڤيسا ولينا-‏ماريا إدڤِك،‏ وإيسا وياييل نِسّينن.‏ وعيِّن في أستونيا ايضا راينو ولسلي كِسك اللذان خدما في العمل الجائل في كندا طوال ١٧ سنة.‏ ثم في ربيع عام ١٩٩٣،‏ عيِّن ٢٠ فاتحا من فنلندا ليخدموا كفاتحين خصوصيين في الحقلين الأستوني والروسي.‏ ووصل ايضا اربعة مرسلين اضافيين.‏

بعد ذلك،‏ اتى المرسلون الى أستونيا من عدة صفوف متتالية عُقدت في مدرسة جلعاد،‏ وجلبوا معهم الكثير من الفرح والحماسة.‏ كما عيِّن بعض المرسلين الذين لم يتخرجوا من جلعاد.‏ فعمل المرسلون المفعمون بالنشاط والفاتحون الخصوصيون الغيورون على تعزيز الاساس الروحي المتين الذي وضعه الاخوة والاخوات الأستونيون الاولياء على مرّ العقود.‏

بالاضافة الى ذلك،‏ اتى نحو ٢٠٠ اخ وأخت اجنبيين ليخدموا حيث الحاجة اعظم.‏ وساعد نضجهم الروحي على تقوية الجماعات وترسيخها.‏ فتشكل العديد من الجماعات الجديدة.‏ وبقي الاخوة الاجانب الشيوخ الوحيدين في البعض منها الى ان احرز الاخوة المحليون تقدما روحيا مكّنهم من تحمل المزيد من المسؤوليات.‏

وكان لمبت ڤاليا بين الذين اتوا للمساعدة.‏ وُلد لمبت في أستونيا ونجا من الحرب العالمية الثانية ثم انتقل الى اوستراليا حيث صار شاهدا ليهوه.‏ ولما شارف على التقاعد،‏ قرر ان يعود الى بلده الام عام ١٩٩٠ ليساهم في ارواء ظمإ المتعطشين الى الحق.‏ وهو يتذكر انه في وقت من الاوقات درس مع ٨٠ شخصا موزعين على ١٨ مجموعة متناثرة في نصف مساحة البلد.‏ وكان يسافر بالباص لزيارة هذه الفرق ويقضي الليالي اغلب الاحيان في محطات الباصات في كيس نومه.‏ فاعتمد اكثر من ٥٠ شخصا من الذين درس معهم الكتاب المقدس.‏ وهو لا يزال يعقد اربعة دروس رغم سنواته الـ‍ ٨٤.‏ وقد ادى عمله الدؤوب وتضحياته الكبيرة الى نتائج رائعة،‏ اذ هنالك اليوم جماعات ناشطة وقاعات ملكوت في معظم المدن والبلدات التي زارها.‏

حصد هؤلاء الاخوة الطوعيون هم ايضا افادة كبيرة.‏ فكثيرون منهم اخبروا ان التعرف بالناس المحليين وطريقة عيشهم اكسبهم خبرة وأغنى حياتهم.‏ يوضح راينو كِسك:‏ «ان هذه التجربة توسّع آفاق المرء وتحسّن مقدرته على رؤية الامور بالمنظار الذي يرى به يهوه العالم اجمع».‏

زيارات نظار الدوائر الاولى

في فترة النمو السريع تلك،‏ ساهمت الزيارات المشجعة التي قام بها النظار الجائلون مساهمة فعالة في دعم الجماعات.‏ فقد بذل نظار الدوائر انفسهم من اجل اتمام تعييناتهم،‏ اذ صرفوا معظم الايام ١٥ ساعة للاشتراك في خدمة الحقل،‏ حضور وعقد الاجتماعات،‏ والاجابة عن الكثير من الاسئلة التي طرحها الاخوة.‏

وأول دائرة تشكلت غطت أستونيا،‏ لاتفيا،‏ ليتوانيا،‏ وكالينينغراد.‏ وضمت هذه المقاطعة ٤٦ جماعة و١٢ فريقا،‏ بأربع لغات.‏ وكان على ناظر الدائرة ان يهتم ايضا بتعيينات اضافية تستنزف الوقت،‏ مثل ملاحقة معاملات التسجيل في لاتفيا وليتوانيا.‏ اما اليوم فيوجد اربع دوائر في أستونيا وحدها.‏

يتذكر لوري نوردلينڠ،‏ اخ محلي خدم ناظر دائرة عام ١٩٩٥:‏ «قدّر الناشرون زيارات ناظر الدائرة حق التقدير.‏ فغالبا ما كانت الغرفة التي نجتمع فيها من اجل الانطلاق في خدمة الحقل تعج بالاشخاص.‏ وذات مرة،‏ غصت شقة مؤلفة من غرفة واحدة بحوالي ٧٠ اخا وأختا.‏ فلو رُميتْ تفاحة في الهواء لما وجدَتْ لها مكانا على الارض لتحطَّ عليه».‏

تحديات تعلّم لغة جديدة

يلقى معظم الناس صعوبة في تعلم لغة جديدة.‏ ويُعتبر اتقان اللغة الأستونية بشكل خاص من اصعب التحديات.‏ مثلا،‏ كان المرسل الجديد ماركو كِتُّلا يتحدث مع رجل عن يسوع المسيح.‏ فعوض ان يقول ان يسوع هو راهوڤويرست اي رئيس السلام،‏ شدد عدة مرات ان يسوع هو راهوڤورست،‏ ما معناه نقانق السلام.‏ ولم يستطع الرجل المشدوه ان يفهم ان مصدر السلام الحقيقي لا علاقة له بالاكل الا بعد ان فتح له الاخ الآية في اشعيا ٩:‏٦‏.‏

وثمة اخت فاتحة انتقلت الى أستونيا وبدأت تتعلم الروسية.‏ فقرعت ذات مرة اثناء الخدمة باب منزل شيخ لم تكن تعرفه.‏ واستهلت المحادثة وهي تمسك قاموسا في يدها.‏ وحين حاول الاخ افهامها انه شيخ في الجماعة،‏ فتحت بسرعة القاموس على كلمة «شيخ» ووجدت مرادفا لها كلمة «مسن».‏

فقالت له:‏ «انت لست مسنا الى هذه الدرجة!‏ وإن يكن،‏ فلا تقلق،‏ لأنك في الفردوس ستعود شابا ثانية».‏ ولم تستوعب انه شيخ في الجماعة حتى اراها المطبوعات الثيوقراطية في شقته.‏

قاض ملحد يتعرف بالحق

خلال فترة الحكم السوفياتي،‏ حُكم على ڤيكتور سان بالسجن سنتين بسبب رفضه تأدية الخدمة العسكرية.‏ وبعدما قضى سنة في الحبس،‏ التمس ان يُنفى الى سيبيريا كمستوطن حر،‏ خيار كان سيمنحه المزيد من الحرية.‏ لكن اثناء جلسة السماع المتعلقة بإخلاء سبيله المشروط،‏ صبّ القضاة جام غضبهم عليه حتى ان احدهم قال ان امثاله يستحقون الاعدام شنقا او رميا بالرصاص.‏

وفي محفل عُقد بعد عدة سنوات،‏ قدّم احد الاخوة ڤيكتور لمجموعة من الاشخاص المهتمين وسأله:‏ «ألم تتعرّف الى احد منهم؟‏».‏

فأجاب ڤيكتور:‏ «كلا».‏

سأله الاخ:‏ «أانت متأكد؟‏».‏ ثم اشار الى رجل بدا عليه الاحراج بوضوح وقال:‏ «وماذا عنه؟‏».‏

لكن ڤيكتور لم يتذكر هذا الرجل ايضا.‏ وكم اندهش حين اكتشف انه يوري،‏ احد القضاة المساعدين في جلسة السماع!‏ وها هو اليوم يدرس الكتاب المقدس ويحضر المحفل معه!‏ فكيف غيّر هذا القاضي رأيه بشهود يهوه؟‏

يوضح:‏ «ترعرعت في عائلة من الملحدين المتعصبين.‏ فكنت غالبا ما اعطي خطابات في المدرسة عن مخاطر الدين.‏ ولكن بعد سنوات،‏ حضرت عددا من الدروس التي عقدها شهود يهوه مع بعض اصدقائي.‏ وأدركت انني لم اكن اعرف شيئا عن الاسفار المقدسة في حين عرفت الكثير عن الاكاذيب الدينية.‏ لذا رغبت في تعلُّم المزيد عن الكتاب المقدس».‏

وبعدما اعتمد يوري قال لڤيكتور:‏ «في المرة الاخيرة التي كنا فيها معا في المحكمة جلسنا على مقعدين مختلفين.‏ اما الآن فإذا انتهى بنا المطاف يوما في المكان عينه،‏ فسنجلس سوية على المقعد نفسه.‏ ولن اكون ابدا الشخص الذي يحكم عليك».‏ واليوم،‏ يخدم يوري وڤيكتور كلاهما شيخين في تالين.‏

احتفال بالذِّكرى لا يُنسى

حاول اخ انتقل حديثا الى أستونيا ان يتحدث الى پاڤل وزوجته مارڠريتا،‏ فقال لهما بلغته الأستونية الركيكة:‏ «اذا اردتما الحياة الابدية،‏ ينبغي ان تحضرا الليلة ذكرى موت يسوع المسيح».‏ فأثارت الفكرة فضولهما وقررا تلبية الدعوة.‏

وحين وصلا الى مكان الاحتفال بالذِّكرى لاقيا ترحيبا حارا من الاخوة.‏ ولكن اثناء البرنامج،‏ انتابهما القلق لدى رؤيتهما رجلا يروح ويجيء في الممر،‏ يتطلع في الحاضرين،‏ ويدوّن ملاحظات.‏ ولم يعرفا طبعا ان هذا الاخ كان يعدّ الحضور فقط.‏ فندِما على قرارهما بالمجيء،‏ لكنهما خشيا المغادرة بعدما لاحظا رجلين ضخمين يحرسان الباب.‏ فهما لم يدركا انهما ليسا سوى الحاجبين.‏

ولكن في نهاية خطاب الذِّكرى،‏ أُثير اهتمامهما حين سمعا الخطيب يعرض درسا مجانيا في الكتاب المقدس على كل من يرغب.‏ وتبددت مخاوفهما عندما تعرّفا بالاخوة،‏ فطلبا ان يُعقد معهما درس في الكتاب المقدس كل يوم لأنهما كانا سيغادران المنطقة بعد اسبوعين.‏ وعندما انتقلا الى منزلهما الجديد،‏ سارعا الى الاتصال هاتفيا بالاخوة الساكنين في الجوار لاستئناف درس الكتاب المقدس.‏

‏‹شهود عيان لأعمالكم الحسنة›‏

يعرب شهود يهوه في أستونيا عن المحبة واحدهم للآخر شأنهم في ذلك شأن اخوتهم في كل انحاء العالم.‏ (‏يو ١٣:‏٣٥‏)‏ ويلاحظ الآخرون ذلك فينجذبون الى العبادة الحقة.‏ —‏ ١ بط ٢:‏١٢‏.‏

على سبيل المثال،‏ حصل تويْڤو على كتاب بحث الجنس البشري عن اللّٰه من اخت قصّت له شعره في صالون للحلاقة.‏ وعندما انتهى من قراءته،‏ رغب في حضور اجتماع في قاعة الملكوت لكنه تردد لأنه سمع تحذيرات كثيرة بشأن شهود يهوه.‏ فقرر ان يراقبهم عند قاعة الملكوت وهو يجلس بأمان في سيارته.‏ لقد اراد ان يعرف اي نوع من الاشخاص يدخلون القاعة وكيف يبدون بعد الخروج منها.‏

فتأثر كثيرا حين رأى الاخوات يتعانقن بحرارة،‏ واتضح له ان افراد هذا الشعب يهتمون اهتماما اصيلا واحدهم بالآخر.‏ فبدأ يحضر الاجتماعات بتوق شديد وباشر درسه في الكتاب المقدس.‏ ثم احرز تقدُّما ملحوظا وسرعان ما راح يكرز للآخرين بغيرة.‏ وهو اليوم شاهد معتمد.‏

‏«استجاب يهوه صلاتي!‏»‏

عام ١٩٩٧،‏ تسلّمت ماريا في قريتها الصغيرة توتسي اخبار الملكوت رقم ٣٥.‏ فقرأت هذه النشرة وبعثت رسالة الى مكتب الفرع تطلب درسا في الكتاب المقدس.‏ بُعيد ذلك باشر الدرس معها ماركو وسيرپا كِتُّلا،‏ مرسلان يعيشان في پارنو.‏ وما هي إلّا فترة قصيرة حتى طفقت ماريا تتحدث عن الحق مع الآخرين،‏ فانضمت اليها في الدرس كنتها إنڠريد وجارة كنتها مالّيه.‏ وحين اعربت ماريا عن رغبتها في الاشتراك في الخدمة،‏ قال لها الشيوخ ان عليها ان تحضر اولا الاجتماعات بانتظام.‏ لكنّ اقرب جماعة كانت في پارنو على بُعد ٤٠ كيلومترا ولم يكن في جعبتها مال للسفر.‏ لذلك،‏ صلّت الى يهوه ملتمسة عونه،‏ عملا بنصيحة ماركو وسيرپا.‏

وحين زارها المرسلان في المرة التالية قالت لهما فرحة:‏ «لقد استجاب يهوه صلاتي!‏».‏

فسألاها:‏ «وكيف استجابها؟‏».‏

اذاك،‏ اوضحت بكل حماس:‏ «سأجمع بعض الناس في بيتي،‏ وهكذا تستطيعان ان ترتبا لعقد الاجتماعات وتأسيس جماعة هنا.‏ وبهذه الطريقة،‏ اتمكن انا من حضور الاجتماعات والاشتراك في خدمة الحقل».‏

لم يشإ المرسلان اخماد حماستها لكنهما اوضحا لها بلباقة ان تشكيل جماعة ليس بهذه السهولة.‏ وشجعاها ان تحاول الذهاب الى پارنو،‏ على الاقل ايام الآحاد كبداية.‏

مرة اخرى،‏ صلّت الى اللّٰه بشأن حضورها الاجتماعات.‏ كما انها قررت ان تدّخر المال بالتوقف عن شراء الصحيفة.‏ وسرعان ما جمعت ما يكفي من المال لتحضر الاجتماعات اربع مرات في الشهر،‏ وفرحت لأنها بدأت تشترك في عمل الكرازة.‏ لكنّ بركات اعظم كانت بانتظارها.‏

فنظرا الى الاهتمام المتزايد بالحق الذي اعرب عنه اهالي قرية توتسي،‏ رتب الشيوخ كي يُعقد درس الكتاب في هذه القرية بحيث بات بمقدور ماريا وإنڠريد ومالّيه وكل شخص مهتم ان يحضروه.‏ ولم تمر اشهر قليلة حتى اعتمدت ماريا ومالّيه.‏ اما إنڠريد فاعتمدت في الصيف التالي.‏ ثم اعتمد زوج مالّيه بعدها بقليل وتلته اختها في الشتاء.‏ وقد اعرب الفريق الصغير الناشط في توتسي عن امتنانه العميق لأن نشرة اخبار الملكوت رقم ٣٥ ادخلت الحق الى قريتهم ولأن يهوه باركهم استجابة لصلواتهم الحارة.‏

كان العقدان الماضيان مثمرين جدا وزاخرين بالفرح نتيجة تقاطر ذوي القلوب المستقيمة الى هيئة يهوه.‏ ولكن اين كان سيجتمع كل هؤلاء الناس الميالين الى البر لعبادة الاله الحقيقي والتعلُّم منه؟‏

حاجة ماسة الى قاعات ملكوت

بُني اول مكان لعقد الاجتماعات في راپينا بجنوب أستونيا،‏ واستخدمه الاخوة سنوات عديدة.‏ ولكن كان من الواضح ان الجهود المبذولة محليا للبناء لا تكفي لتلبية النمو السريع في عدد الناشرين.‏ لذلك هبّ مكتب الهندسة في فرع فنلندا لتقديم الدعم وبدأ بوضع تصاميم لقاعات ملكوت ومجمَّع مكتب يُعنى بشؤون دول البلطيق.‏ وفي عام ١٩٩٣،‏ سرّ الاخوة جدا برؤية اول قاعة ملكوت تُقام في ماردو،‏ وسرعان ما تلاها العديد من القاعات الاخرى.‏

توجد في أستونيا حاليا ٣٣ قاعة ملكوت تستخدمها ٥٣ جماعة،‏ فضلا عن قاعتين للمحافل انتهى بناؤهما عام ١٩٩٨،‏ واحدة في تالين وأخرى في تارتيو.‏

تتذكر شاهدة قديمة تدعى ألكسندرا أُوليسيوك:‏ «لطالما حلمنا ببناء قاعة ملكوت في تارتيو.‏ لذا عندما طُلب منا ان نذهب ونمهِّد الارض التي ستبنى عليها القاعة،‏ كنت اول من وصل الى هناك لمدّ يد العون رغم انني كنت في الـ‍ ٧٩ من عمري.‏ فساهمت في تنظيف المكان وحملت الكثير من الاشياء التي وجب التخلص منها.‏ وكنت كلما مررت قرب موقع البناء ابكي من الفرح.‏ وعندما أُكمل بناء القاعة ذرفت الدموع مجددا».‏

مكتب جديد للترجمة

مع الازدياد المطّرد في عدد الناشرين،‏ لزم تأمين منشآت اوسع تلبية لحاجات البلد وخصوصا حاجات فريق الترجمة.‏ فوجد الاخوة في تالين،‏ في ٧٧ شارع هرتسيني (‏اليوم پوهانْڠو)‏،‏ مبنى سكنيا غير مكتمل بدا لهم مناسبا.‏ ولكنهم اضطروا الى تجديده كاملا.‏

فزود فرع فنلندا الاخوة بالخرائط الهندسية،‏ مواد البناء،‏ المال،‏ واليد العاملة لتحقيق المشروع.‏ ومن دون مساندتهم لاستحال تقريبا انجاز هذه المهمة.‏ فمواد البناء المحلية مثلا كانت من نوعية رديئة او غير متوفرة في ذلك الوقت.‏ كما ان قلة من الاخوة الأستونيين كانوا مهرة في البناء.‏ ولكن تدريجيا تمّ تدريب البعض منهم ودعْمُهم كي يكتسبوا خبرة اوسع.‏ وهكذا بحلول شباط (‏فبراير)‏ ١٩٩٤،‏ انتهى اول جزء من مجمّع المكتب.‏ وفي تلك السنة،‏ عيِّنت لجنة بلد (‏مؤلفة من توماس إيدور،‏ راينو كِسك،‏ ولمبت رايلِه)‏ لتخدم دول البلطيق الثلاث تحت اشراف فرع فنلندا.‏ وإذ لزم توسيع المكان،‏ أُضيفت الى المجمّع اجنحة اخرى في عامي ١٩٩٧ و ١٩٩٩.‏

وقد لفت تصميم حديقة بيت ايل نظر شركة المياه التي احتلت المبنى المجاور.‏ فساهم الاخوة في تصميم حديقتها،‏ سورها،‏ وأنظمة الاضاءة فيها مقابل تخفيض سعر المياه.‏ نتيجة ذلك،‏ بدا مبنى شركة المياه مماثلا جدا لبيت ايل.‏ وفي وقت لاحق،‏ باعت هذه الشركة مبناها للشهود بسعر معقول جدا.‏ فأقاموا فيه استديو تسجيل لإنتاج مسرحيات للمحافل وأقراص DVD،‏ بما فيها اقراص DVD بلغة الاشارات.‏ كما خصِّص جزء من المبنى لمدرسة تدريب الخدام بعدما أُعيدت هندسته.‏

محفلان امميان في تالين

كم فرح الاخوة والاخوات في أستونيا حين علموا انهم سيقيمون في بلدهم محافل «رسل السلام الالهي» الكورية لعام ١٩٩٦!‏ فخصِّص محفلان في تالين للمندوبين الناطقين بالأستونية والروسية وكذلك للاخوة القادمين من لاتفيا وليتوانيا.‏ ودُعي مندوبون من ١٥ بلدا آخر.‏ فعُقد المحفلان اللذان استغرقا ثلاثة ايام في شهر آب (‏اغسطس)‏،‏ وحضرهما خمسة اعضاء من الهيئة الحاكمة —‏ هم الاخوة باربر،‏ هنشل،‏ جارس،‏ شرودر،‏ وسيدليك —‏ الذين قوّوا الحاضرين بخطاباتهم المشجعة.‏ وبلغت ذروة الحضور في المحفلين ٣١١‏,١١ شخصا واعتمد ٥٠١ رمزا الى انتذارهم ليهوه.‏

اعطى المحفلان شهادة رائعة وأحدثا دعاية كبيرة.‏ حتى ان احد برامج الحوار التلفزيونية قدم تقريرا عنهما دام عشر دقائق.‏ كما عرض صاحب محطة اذاعية برنامجا مدح فيه الشهود على كونهم «شعبا صالحا».‏

كانت المحبة العميقة التي جمعت الاخوة واضحة للعيان عندما انتهى كلٌّ من المحفلين وحانت لحظة الوداع.‏ فقد ارتفعت موجة من الايادي ملوّحة بالمحارم وانهمرت دموع الفرح،‏ ما عكس صدق مشاعر عباد يهوه الحقيقيين.‏ وبعد الصلاة الختامية،‏ دوّى تصفيق حاد ومطوّل اعرب الاخوة من خلاله عن جزيل شكرهم لأبيهم السماوي المحب والسخي.‏ ويبقى هذان المحفلان معلما بارزا في تاريخ شهود يهوه في أستونيا.‏

اقامة فرع مرة اخرى

كان هنالك مكتب فرع في تالين بين عامي ١٩٢٦ و ١٩٤٠.‏ ثم انطلاقا من عام ١٩٩٤،‏ بدأ مكتب للبلد في أستونيا يعمل تحت اشراف فرع فنلندا.‏ فأُنجز الكثير،‏ وتساءل عديدون ما اذا كان سيُقام مجددا في أستونيا فرع يهتم بشؤونها.‏ وأتى الجواب في ١ آذار (‏مارس)‏ ١٩٩٩ يوم عيّنت الهيئة الحاكمة توماس إيدور،‏ راينو كِسك (‏الذي يخدم اليوم في جمهورية الكونغو الديموقراطية)‏،‏ لمبت رايلِه،‏ وتومي كاوْكو في لجنة فرع أستونيا.‏ واليوم يعمل حوالي ٥٠ متطوعا في الفرع الذي يلبّي حاجات ٣٠٠‏,٤ شخص يخدمون يهوه في أستونيا بولاء ونشاط.‏

مواجهة المستقبل بثقة

ماذا يحمل المستقبل معه للشهود في أستونيا؟‏ لقد عمل يهوه دائما على ارشاد وتقوية خدامه الاولياء.‏ ولا شك ان الاخوة والاخوات الذين حافظوا على استقامتهم خلال الاضطهاد النازي والسوفياتي في أستونيا اختبروا قوة يهوه بطرائق فريدة لا تنسى.‏ وهم على غرار اخوتهم حول العالم يفرحون لأن اسم يهوه العظيم بات يُعرف ويقدَّس في اصقاع نائية من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.‏ —‏ مل ١:‏١١‏.‏

ولا يزال هنالك في أستونيا العديد من الاشخاص المتواضعين والمخلصين الذين يودون التعلُّم عن الاله الحقيقي.‏ لذا،‏ يستغل شهود يهوه الحرية الدينية التي يتمتع بها البلد اليوم ليعلنوا بشارة الملكوت على نحو لم يسبق له مثيل.‏

‏[الحواشي]‏

^ ‎الفقرة 71‏ ترد قصة حياته في عدد ١٥ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٦٣ من برج المراقبة،‏ الصفحات ٣٧٣-‏٣٧٦ (‏بالانكليزية)‏.‏

^ ‎الفقرة 97‏ ترد تفاصيل عن انواع العقوبات والظروف التي قاساها المعتقلون في السجون والمعسكرات في الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٢،‏ الصفحة ١٥٧‏.‏

^ ‎الفقرة 207‏ يخبر عدد ٢٢ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٨٦ من مجلة استيقظ!‏ (‏بالانكليزية)‏ كيف تخلى الاخ إيدور عن مهنته كلاعب هوكي والسبب وراء ذلك.‏

‏[النبذة في الصفحة ١٧٢]‏

‏«لم تنقصني قط الامور الضرورية»‏

‏[النبذة في الصفحة ٢٠٤]‏

‏«كان وجودي في الحبس الانفرادي ملائما»‏

‏[الاطار في الصفحة ١٦٨]‏

لمحة عن أستونيا

اليابسة:‏

أستونيا بلد قليل السكان لم تعبث به يد الانسان.‏ فهو يتميز بغابات اشجارها كثيفة وباسقة،‏ اكثر من ٤٠٠‏,١ بحيرة،‏ حوالي ٠٠٠‏,٧ جدول ونهر،‏ وأراض غير صالحة للسكن تنتشر فيها المستنقعات.‏ تشغل عشر مساحته اكثر من ٥٠٠‏,١ جزيرة،‏ وتحتل معظم اجزائه سهول لا يتعدى علوها عن سطح البحر ٥٠ مترا.‏ اما المنطقة الجنوبية الشرقية من البلد فتأسر الناظرَين بطبيعتها المتموجة الخلابة.‏

الشعب:‏

تعيش في ارجاء أستونيا فرق اثنية متنوعة.‏ فيشكّل الاستونيون ٦٨ في المئة من السكان،‏ والروسيون ٢٦ في المئة،‏ اما الباقون فمعظمهم مهاجرون قادمون من اوكرانيا،‏ روسيا البيضاء،‏ وفنلندا.‏ ويضم البلد عدة طوائف من العالم المسيحي كاللوثرية والارثوذكسية،‏ فضلا عن الاسلام واليهودية.‏ وكثيرون من السكان لا ينتسبون الى اي فريق ديني او انهم لا يعلنون انتماءاتهم الدينية.‏

اللغة:‏

الأستونية هي اللغة الرسمية،‏ وتُعتبر جزءا من مجموعة اللغات التي تنتمي اليها الفنلندية والهنغارية.‏ كما يتكلم اكثر من ربع السكان اللغة الروسية.‏

الطعام:‏

يشيع تناول الخبز الاسمر والبطاطا،‏ وكذلك اليقطين المخلّل،‏ سلطة الشمندر،‏ وطبق الملفوف المختمر.‏ اضف الى ذلك لحم العجل المخثَّر،‏ الرنكة والشمندر،‏ حساء الفطر البرّي،‏ لحم الخنزير،‏ السمك،‏ واللحم المدخَّن.‏ ومن اصناف الحلويات الكريپ و الكرنڠل،‏ نوع من الخبز الحلو الذي يُرش عليه الزبيب والمكسّرات.‏

المناخ:‏

يميل الطقس الى البرودة في الصيف ويُعتبر معتدلا في الشتاء.‏ وفي اطول يوم صيف يبقى الضوء ساطعا اكثر من ١٩ ساعة،‏ في حين يشهد اقصر يوم في الشتاء ٦ ساعات من الضوء فقط.‏ وينعم الساحل الجنوبي الغربي بالدفء صيفا،‏ اما في الشتاء فيشهد انخفاضا في درجات الحرارة يصل احيانا الى ٢٠ درجة مئوية تحت الصفر.‏

‏[الاطار/‏الصور في الصفحتين ١٨٣،‏ ١٨٤]‏

‏«كنا كعائلة واحدة»‏

أدولف كوزي

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٠

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٤

تاريخ الوفاة:‏ ٢٠٠٤

لمحة عن حياته:‏ بقي في معسكر للسجناء في سيبيريا من سنة ١٩٥١ الى ١٩٥٦.‏ ساعد في تنظيم عمل الكرازة في بلدان البلطيق وفي الجزء الشمالي الغربي من الاتحاد السوفياتي.‏

يتذكر أدولف:‏ «اعتُقلت عام ١٩٥٠ وأُرسلت الى معسكر للاشغال الشاقة في إنتا بسيبيريا.‏ مرّت سنة ونصف دون ان اتلقى اي خبر عن زوجتي وابنتيّ الصغيرتين بعدما نُفين الى منطقة اخرى من سيبيريا.‏

«في المعسكر،‏ جمعتنا نحن الاخوة وحدة فريدة من نوعها.‏ فكنا كعائلة واحدة نتشارك الطعام الروحي والجسدي على السواء.‏

«وبعد عودتنا الى أستونيا،‏ واجهتنا تحديات كثيرة.‏ فكيف نتصل بهيئتنا ‹الام›؟‏ ما العمل ليحافظ الاخوة على وحدتهم؟‏ وكيف نستمر في عمل الكرازة؟‏

«كي اتمكن من التواصل بشكل افضل مع الذين يحملون البريد الينا،‏ رغبت في تعلُّم الفنلندية.‏ ولكن ما اسهل الكلام!‏ فلم يكن هنالك في الاسواق اية قواميس او كتب قواعد.‏

«اما بالنسبة الى الطباعة،‏ فقد اعتُبرت حيازة آلة كاتبة غير مرخصة جريمة،‏ فكم بالاحرى آلة طبع!‏؟‏ ايضا،‏ كان كل من ينتج مطبوعات محظورة يعرِّض نفسه للسجن سبع سنوات.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ وُجد نقص هائل في لوازم الطباعة.‏ فحاولت ان اطور تقنية طباعة معتمدا على المواد المتوفرة بين يدي.‏ وبعد جهد جهيد ومحاولات متكررة،‏ نجحت في مسعاي اخيرا.‏ فصنعت اولا آلة طباعة (‏في الاسفل)‏.‏ ثم استعملت آلة كاتبة لأطبع النص على قماش مشمَّع صنعناه نحن بأنفسنا،‏ ما ترك ثقوبا فيه.‏ بعد ذلك وضعنا هذا النسيج على الورق وطبعنا اولى المطبوعات باستخدام حبر بيتي الصنع هو مزيج من السخام والقطران.‏ فكان يسيل عبر ثقوب القماش المشمَّع ويخلِّف على الورق اشكال الحروف.‏ كانت العملية معقدة،‏ تستنزف الوقت،‏ وتؤذي الصحة بسبب الابخرة الخطرة المنبعثة من الحبر وغيره من المواد الكيميائية.‏ وقد استحالت تهوئة الغرف تهوئة جيدة لأن النوافذ غُطَّت بإحكام حفاظا على سرّية العمل».‏

رغم كل المصاعب،‏ اتّبع أدولف ارشادات الهيئة بكل جرأة،‏ واثقا ان يهوه سوف يزود الحلول في الوقت المناسب.‏ فواصل الخدمة بموقف ثابت وإيمان راسخ حتى مماته عام ٢٠٠٤.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ١٨٦]‏

رسالة الى ستالين

في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٤٩،‏ أقدم الاخوة المسؤولون في أستونيا على توجيه رسالة الى الرسميين في موسكو.‏ فأُرسلت واحدة الى جوزيف ستالين وأخرى الى نيقولاي شڤيرنك،‏ رئيس مجلس رئاسة السوفيات الاعلى.‏

وقد طلب الاخوة في هذه الرسالة اطلاق الشهود المسجونين فورا والتوقف عن اضطهاد شهود يهوه.‏ كما ضمّنوها تحذيرا قويا،‏ اذ شبهوا الوضع بما حدث ايام فرعون مصر حين رفض السماح للاسرائيليين ان يخدموا يهوه بحرية.‏ (‏خر ٥:‏١-‏٤‏)‏ ذكر الاخوة بكل جرأة:‏ «ان هيئة يهوه اللّٰه .‏ .‏ .‏ يجب ان يُسمح لها بالكرازة،‏ دون عائق،‏ ببشارة ملكوت يهوه لكل سكان الاتحاد السوفياتي؛‏ وإلّا فإن يهوه سيدمر كليا الاتحاد السوفياتي والحزب الشيوعي».‏

يتذكر الاخ أدولف كوزي:‏ «ادركنا ان الرسالة جريئة.‏ لذا لم نشإ المخاطرة بإرسالها من تالين كي لا يُقتفى اثرنا.‏ فسافرنا الى لينينغراد (‏سانت بيترسبرغ)‏ لنبعثها من هناك».‏

لا ندري ما اذا كان ستالين قد قرأ الرسالة شخصيا ام لا،‏ غير انها لفتت الانظار دون ادنى شك.‏ فأثناء الاستجواب،‏ أُطلع الاخوة على نسخة منها عليها العبارة التالية:‏ «ينبغي تصفية هذه الهيئة».‏ وسرعان ما سُجن المزيد من الشهود وازدادت حدّة الاضطهاد.‏ وقد عُثر على الرسالة التي وُجِّهت الى شڤيرنك في السجلات الحكومية وعليها ختم الدولة.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ١٨٩]‏

لجنة امن الدولة السوفياتية تراقب هيئتنا

في اواخر اربعينات القرن العشرين،‏ تضافرت جهود البوليس السري لاكتشاف طريقة تنظيم عمل شهود يهوه.‏ فادعى بعض الاشخاص الاهتمام بالحق بهدف استقاء المعلومات لصالح الـ‍ KGB (‏لجنة امن الدولة السوفياتية)‏.‏ ويُظهر البيان المرفق الذي وُجد في ارشيف الدولة في تالين ان اللجنة كانت مطّلعة جيدا على خصوصيات هيئتنا.‏ فهو يتضمن اسماء الاخوة في لجنة الخدمة،‏ وكذلك اسماء الذين أُوكل اليهم الاشراف على العمل في مدن أستونيا الرئيسية والذين شاركوا في عمل الطباعة.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ١٩١]‏

لم ينجح المقاومون قط في اسكاتها

إيلا توم

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٦

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٦

لمحة عن حياتها:‏ حُكم عليها بالسجن ١٣ عاما،‏ ولكن أُطلق سراحها بعد ٥ سنوات ونصف.‏

تقول إيلا:‏ «وضعتني السلطات في سجن انفرادي مدة ثلاثة ايام كي انكر معتقداتي،‏ فأتوقف عن التحدث الى الآخرين عن حكومة اللّٰه وأخسر ايماني بها في نهاية المطاف.‏ وقد صرخ المسؤولون الرسميون في وجهي قائلين:‏ ‹سنعمل على ان يُمحى اسم يهوه من ذاكرة الجميع في أستونيا!‏ ستذهبين انت الى معسكر للاعتقال وسيُنفى الآخرون الى سيبيريا!‏›.‏ وأضافوا مستهزئين:‏ ‹اين هو إلهك يهوه؟‏›.‏ لكنني رفضت ان اخون مبادئي.‏ فخير لي ان اكون في المعسكر مع اللّٰه من ان اكون في البيت دون إلهي.‏ وأنا لم اشعر قط في المعسكر بأنني محتجزة.‏ فلطالما شعرت ان يهوه سمح بوجودي هناك لأكرز في مقاطعتي الجديدة.‏

«في احد المعسكرات،‏ اعتدت التمشي يوميا مع شخص مهتم بالحقائق الروحية.‏ لكننا ذات يوم قررنا الا نذهب في نزهتنا المعتادة.‏ وعلمت لاحقا ان بعض المتعصبين الدينيين كانوا قد خططوا لإغراقي في النهر بسبب نشاطي الكرازي في ذلك اليوم نفسه».‏ نعم،‏ لم ينجح المقاومون قط في اسكات إيلا،‏ وهي لا تزال تخدم يهوه بولاء كفاتحة عادية.‏ *

‏[الحاشية]‏

‏[الاطار/‏الصورتان في الصفحتين ١٩٣،‏ ١٩٤]‏

‏«يا يهوه،‏ لتكن مشيئتك»‏

لمبت توم

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٤

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٤

لمحة عن حياته:‏ عاش في أستونيا اثناء الاحتلال الالماني ثم وُضع في معسكر للعمل الالزامي في سيبيريا بين عامَي ١٩٥١ و ١٩٥٦.‏

كان لمبت بين كثيرين من شبان شهود يهوه الذين رفضوا الالتحاق بالجيش الالماني واضطروا الى الاختباء.‏ وفي احدى الليالي،‏ اغار رجال الشرطة على المزرعة التي كان يبيت فيها بعدما تلقوا شكوى مفادها ان مشتبها فيه يختبئ هناك.‏ فأخفى لمبت فراشه بسرعة وزحف شبه عريان نحو فُسحة موجودة تحت ارضية الحجرة حيث راح يسمع صوت جزمات الشرطة فوق رأسه تماما.‏

صوّب احد افراد الشرطة مسدسا الى رأس المزارع وصاح قائلا:‏ «ثمة شخص يختبئ في هذا البيت.‏ كيف نستطيع ان ننزل تحت الارضية؟‏».‏ لكنّ المزارع لزم الصمت.‏

فصرخ الشرطي:‏ «اذا لم يخرج هذا الشخص من مخبئه،‏ فسنرمي قنبلة يدوية تحت الارض!‏».‏

وحين رأى لمبت ضوء مشعلهم الكهربائي وهم يحاولون العثور عليه،‏ صلّى قائلا:‏ «يا يهوه،‏ لتكن مشيئتك».‏

يتذكر:‏ «في تلك اللحظات عانيت اجهادا فكريا لا يُحتمل،‏ وزحفت الى موضع آخر تحت الارضية وأوشكت ان اخرج من مكاني».‏

لكنه عاد واستلقى بهدوء.‏ وبعد دقائق معدودة مشحونة بالتوتر،‏ غادر رجال الشرطة.‏ فقبع لمبت في مكانه ساعة اخرى كي يتأكد انهم لن يعودوا ثانية.‏ وقبل بزوغ الفجر،‏ ترك المنزل كي يجد له مخبأ آخر.‏

وحين تولى السوفيات زمام السلطة،‏ واجه لمبت امتحانات اخرى.‏ يقول:‏ «حُكم عليّ بعشر سنوات في معسكر في نوريلسك بسيبيريا،‏ على بُعد ٠٠٠‏,٨ كيلومتر من أستونيا.‏ وعنى ذلك الاشغال الشاقة في منجم مكشوف للنيكل.‏ كانت الظروف المعيشية في المعسكر رديئة جدا والعمل مرهقا للغاية.‏ هذا وإن فصل الشتاء قاسٍ جدا في الجزء الشمالي من الاتحاد السوفياتي الواقع فوق الدائرة القطبية الشمالية.‏ فيمكن ان تتدنى مستويات الحرارة لتصل الى ٣٠ درجة مئوية تحت الصفر وأحيانا الى ما دون ذلك بكثير.‏ وطوال شهرين في الشتاء،‏ لا ترتفع الشمس فوق خط الافق».‏

بعد خمس سنوات من الاعمال الشاقة،‏ أُطلق سراح لمبت،‏ فتزوج بإيلا كيكاس عام ١٩٥٧.‏ ومع مرور السنين،‏ ساعد لمبت ايضا في عمل الترجمة والطباعة.‏ وهو اليوم شيخ يتحلى بالدفء والتعاطف،‏ وفي جعبته دائما آية يشجع بها الرفقاء المؤمنين.‏ *

‏[الحاشية]‏

^ ‎الفقرة 369‏ ترد قصة حياة لمبت توم في عدد ٢٢ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٩٩ من مجلة استيقظ!‏،‏ الصفحات ١٠-‏١٦‏.‏

‏[الصورة]‏

لمبت وإيلا توم

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ١٩٩]‏

‏«هذه امكِ»‏

كارين رايلِه

تاريخ الولادة:‏ ١٩٥٠

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٦٥

لمحة عن حياتها:‏ ولدتْ في السجن وأُخذت من امها لتربيها جدتها.‏

تروي كارين:‏ «وُلدت حين كانت امي مايمو في السجن لانخراطها في النشاط السياسي.‏ كنت طفلة ضعيفة البنية،‏ وأُصبت بذات الرئة اصابة خطيرة بسبب البرد في الزنزانة.‏ لكنني نجوت بفضل سجينة اخرى تدعى لاين پروم تعلّمت الحق لاحقا.‏

«في ذلك الوقت،‏ أُرسل العديد من اطفال السجينات الى دور الايتام في كل انحاء الاتحاد السوفياتي كي ينسوا والديهم.‏ لكنني لحسن التوفيق سلِّمت الى جدتي.‏ اما امي فأُرسلت الى معسكر للسجناء في موردڤينا،‏ حيث التقت إيلا توم.‏ وبعدما كرزتْ لها هذه الاخت الشجاعة،‏ قبلت الحق واعتمدت في المعسكر.‏

«طوال السنوات الخمس التالية ترعرعتُ في كنف جدتي.‏ وذات يوم تلقينا زيارة غير متوقعة من سيدة غريبة.‏ فقالت لي جدتي:‏ ‹هذه امكِ›.‏ فأصابني ذهول شديد ولم استطع تخطي تلك التجربة إلّا بعد مرور سنوات عديدة».‏ والمفرح ان كارين وجدّتها قبلتا الحق هما ايضا.‏

في وقت لاحق،‏ تعلمت كارين الانكليزية وبدأت تساعد في ترجمة مطبوعاتنا.‏ ثم تزوجت لمبت رايلِه،‏ وهما يخدمان اليوم معا في فرع أستونيا.‏

‏[الاطار/‏الصورتان في الصفحة ٢٠١]‏

الاسم الالهي في الكتاب المقدس الأستوني

تُرجمت الاسفار اليونانية بإحدى لهجات أستونيا الجنوبية عام ١٦٨٦ وباللهجة الشمالية عام ١٧١٥.‏ اما الكتاب المقدس الكامل (‏Piibli Ramat‏)‏ فصدر عام ١٧٣٩ وبات متوفرا لعامة الشعب.‏ واللافت انه اورد الاسم الالهي يهوه حيثما ظهر في الاسفار العبرانية،‏ وبقي هذا المنهج متّبعا طوال القرون اللاحقة.‏ فثمة طبعة للكتاب المقدس صدرت بالأستونية عام ١٩٨٨ تستعمل الاسم الالهي ٨٦٧‏,٦ مرة في الاسفار العبرانية.‏ لذلك يعرف كثيرون من الأستونيين ان اسم اللّٰه هو يهوه.‏

وفي ٣ تموز (‏يوليو)‏ ٢٠٠٩،‏ حصل حدث بارز اثناء محافل شهود يهوه الكورية في تارتيو بأستونيا حين اعلن ڠاي پيرس من الهيئة الحاكمة عن صدور الاسفار اليونانية المسيحية —‏ ترجمة العالم الجديد باللغة الأستونية.‏

‏[الاطار/‏الصورتان في الصفحة ٢٠٢]‏

كتب مصنوعة باليد

هِلمي ليك

تاريخ الولادة:‏ ١٩٠٨

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٥

تاريخ الوفاة:‏ ١٩٩٨

لمحة عن حياتها:‏ اعتُقلت ونُفيت الى سيبيريا.‏

اعتُقلت هِلمي لأنها من شهود يهوه ونُفيت الى سيبيريا.‏ وهناك صنعت محفظة صغيرة لمفكِّرتها وخاطت عليها آية معزية هي روما ٨:‏٣٥‏:‏ «من يفصلنا عن محبة المسيح؟‏ أضيق ام شدة ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف؟‏».‏

وقد وجدت هِلمي قطعا من الورق الاسمر فاستخدمتها لتصنع كتابا ضمّنته بعض الافكار المشجعة من الكتاب المقدس.‏ وكان كثيرون من الاخوة معتادين على نسخ كتب كاملة باليد بسبب النقص في المواد المطبوعة.‏

بعدما عادت هِلمي من سيبيريا،‏ قالت للرسميين:‏ «انا اشكركم لأنكم ارسلتموني لأشاهد جبال سيبيريا الرائعة.‏ فمن رابع المستحيلات ان احصل على مالٍ كاف يتيح لي السفر الى تلك المنطقة البعيدة!‏».‏

‏[الاطار/‏الصورتان في الصفحتين ٢٠٩،‏ ٢١٠]‏

اعربت عن روح التضحية بالذات

فاني هيدالا

تاريخ الولادة:‏ ١٩٠٠

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٢٥

تاريخ الوفاة:‏ ١٩٩٥

لمحة عن حياتها:‏ انتقلت الى أستونيا عام ١٩٣٠،‏ انخرطت في الفتح،‏ وتبنّت فتاة يتيمة من الشهود.‏

اعتمدت فاني في فنلندا عام ١٩٢٥،‏ وبعد سنتين انخرطت في الخدمة كامل الوقت.‏ وفي احد المحافل في هَلْسِنكي،‏ التقت وليَم داي،‏ ناظر مكتب شمال اوروبا.‏ ورغم انهما لم يتكلما اللغة نفسها،‏ كان الاخ داي يكرر مرة بعد اخرى كلمة «أستونيا».‏ فاستنتجت انه يشجعها على الانتقال حيث الحاجة اعظم.‏ فما كان منها إلّا ان لبّت النداء هي وبعض الفاتحين الآخرين،‏ وتوجهت الى أستونيا عام ١٩٣٠.‏ وخلال السنوات التالية،‏ قطعت مسافات كبيرة على دراجتها لتنقل البشارة الى مناطق كثيرة في أستونيا،‏ منها جزيرة ساريما.‏

لم تتزوج فاني قط،‏ لكنها تبنت فتاة يتيمة اسمها إستِر ماتت امها ووالدها الذي كان شاهدا ليهوه وهي بعد في الثامنة من عمرها.‏ فكبرت هذه الفتاة واعتنقت الحق بعدما اعتنت بها فاني بمحبة وحنان.‏

ولما بسط النظام الشيوعي سلطته على البلد وبدأ الاضطهاد،‏ كان بإمكان فاني ان تعود ادراجها الى فنلندا.‏ لكنها اعربت عن روح التضحية بالذات وبقيت مع فريق صغير من الناشرين المحليين.‏ ونتيجة قرارها هذا،‏ عانت ظروفا معيشية صعبة والكثير من المشقات.‏ غير انها لم تُنفَ الى سيبيريا بفضل جنسيتها الفنلندية.‏

وقد خدمت فاني التي عُرفت بشجاعتها وحكمتها كساعية للبريد.‏ فنقلت الافلام المصغَّرة (‏microfilms)‏ والمراسلات من فنلندا الى أستونيا خلال خمسينات القرن العشرين.‏ ولم يُلق القبض عليها قط رغم بعض الاوضاع العصيبة التي واجهتها.‏ ففي احدى المرات مثلا،‏ سافرت الى لينينغراد (‏سانت بيترسبرغ)‏ لتلتقي اخا فنلنديا في احدى الحدائق العامة وتتسلم منه رزمة من الافلام المصغَّرة.‏ وكان عليها هي بدورها ان تسلِّم الرزمة لأخوين أستونيين بأقصى سرعة ممكنة.‏ لكنّ الاخوين الأستونيين كانا قد لاحظا انهما ملاحقان من قبل البوليس السري فحاولا الافلات منهم دون ان تراهما فاني.‏ لكنهما رأياها هي والاخ الفنلندي يسيران باتجاههما مباشرة!‏ فخافا كثيرا ان تحييهما وتحاول اعطاءهما الرزمة فيكشف البوليس السري العلاقة بينهم.‏ ولكنهما دهشا كثيرا حين مرت فاني بجانبهما وكأنها لا تعرفهما.‏ وقد تبين انها لم ترهما فعلا رغم انها تعرفهما جيدا!‏ نتيجة ذلك،‏ لم يكتشف البوليس السري قط هوية سعاة البريد،‏ فسلِّم الطرد لاحقا بأمان.‏ وهكذا ساهمت فاني،‏ من خلال الدور الذي لعبته كصلة وصل،‏ في تزويد الاخوة في أستونيا بالطعام الروحي بانتظام.‏ ولحسن التوفيق ان شحنات الافلام المصغَّرة لم تُكتشف قط.‏

وقد خدمت هذه الاخت المُحبة يهوه بولاء طوال ٧٠ سنة حتى موتها عن عمر ٩٥ سنة،‏ فيما كانت لا تزال تسكن في أستونيا.‏

‏[الصورة]‏

في مهمة لها كساعية بريد في لينينغراد عام ١٩٦٦

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٢١٣]‏

هدف للافتراءات

قال يسوع لتلاميذه:‏ «سعداء انتم متى عيّروكم واضطهدوكم وقالوا عليكم شتى الشرور من اجلي كاذبين».‏ (‏مت ٥:‏١١‏)‏ وإتماما لهذه الكلمات،‏ غالبا ما يكون شهود يهوه هدفا للافتراءات الخبيثة.‏ فقد اتُّهم الشهود في أستونيا باطلا بأنهم منظمة سياسية هدفها التدمير والتجسس.‏ وحدث بشكل خاص في اواخر خمسينات القرن العشرين وأوائل ستيناته ان الصحف راحت تنشر في صفحاتها ادعاءات باطلة مفادها ان عملنا هو بإيعاز من الحكومة الاميركية وأن الرأسماليين الاميركيين الاثرياء يستغلوننا لتحقيق مآربهم.‏

وفي عام ١٩٦٤،‏ رفض سيلڤر سِليكسار الالتحاق بالخدمة العسكرية،‏ فاتُّهم بخيانة الوطن وحُكم عليه بالسجن.‏ علاوة على ذلك،‏ صُنع فيلم قصير عن محاكمته تتخلله دعاية شيوعية طنانة وعُرض في كل صالات السينما في أستونيا.‏ وقد سُجن معظم الاخوة الذين رفضوا القيام بالخدمة العسكرية من سنتين الى ثلاث سنوات.‏ فاعتُقل كلٌّ من يوري شونبورڠ،‏ تآڤي كووسك،‏ وأرتور ميكيت مرتين.‏ وقضى الاخ ميكيت في الحبس ما مجموعه خمس سنوات ونصف.‏

‏[الصورة]‏

الاخ سيلڤر سِليكسار وهو يُحاكم بسبب ايمانه

‏[الاطار في الصفحة ٢٢٦]‏

عقد مدرسة الخدمة الثيوقراطية اثناء الحظر

كان من المستحيل اثناء الحظر ان يعرف الاخوة الى متى ستبقى المطبوعات والكتب المقدسة بين ايديهم.‏ لذا حاولوا جاهدين ان يستظهروا العديد من آيات الكتاب المقدس،‏ فضلا عن تأمين اماكن مختلفة لتخبئة المطبوعات.‏

وقد اعتادوا الالتقاء ضمن مناسبات اجتماعية لمناقشة واستظهار بعض الآيات.‏ فصنع البعض لهذه التجمعات بطاقات صغيرة مساعدة على التذكّر دُوِّن على احد وجهيها آية ما،‏ مثل متى ٢٤:‏١٤‏،‏ او سؤال او اسم من الكتاب المقدس،‏ وعلى الوجه الآخر نص الآية المشار اليها او الجواب عن السؤال.‏

ولعقد الاجتماعات،‏ استخدم الاخوة كل مطبوعة روحية وُجدت في متناول يدهم.‏ وقد تضمنت مدرسة الخدمة الثيوقراطية صفوفا اسبوعية وفروضا منزلية وفحوصا شفهية وامتحانات ايضا.‏ كما أُجريت مراجعات كل ثلاثة اشهر،‏ وصُنع امتحان اخير في الربيع.‏

يخبر احد التلامذة:‏ «في احد الفروض المنزلية الاسبوعية وجب علينا استظهار خمس آيات وتلاوتها في الصف التالي.‏ وأنا اتذكر الامتحان الاخير الذي اجريناه عام ١٩٨٨.‏ كانت احدى بطاقات الفحص تقول:‏ ‹أُتلُ ١٠٠ آية معتمدا على ذاكرتك›،‏ والغريب ان كل واحد منا أمل ان يسحب هذه البطاقة.‏ لقد ساعدتنا تلك الفروض كثيرا في عملنا الكرازي لأنه نادرا ما استطعنا استخدام الكتاب المقدس علنا».‏ وفي عام ١٩٩٠،‏ فرحت الجماعات في أستونيا حين تمكنت اخيرا من عقد مدرسة الخدمة الثيوقراطية مثل باقي الاخوة حول العالم.‏

‏[الاطار في الصفحتين ٢٣٦،‏ ٢٣٧]‏

‏‹كانت خدمة الحقل رائعة›‏

إليك ما قاله بعض المرسلين عن تعييناتهم في أستونيا:‏

ماركو وسيرپا كِتُّلا:‏ «لم يكن احد من الشهود قد كرز في المقاطعة التي عيِّنت لنا.‏ فتمتعنا جدا بخدمة الحقل لأن الناس اظهروا اهتماما كبيرا بالكتاب المقدس.‏ حين وصلنا الى پارنو،‏ لم يكن هنالك سوى ٣٠ ناشرا تقريبا.‏ اما اليوم فتوجد فيها ثلاث جماعات».‏

ڤيسا ولينا-‏ماريا إدڤِك:‏ «لم تحوِ المتاجر سلعا مهمة تجذب الناس الى التسوق.‏ لذلك كان لديهم وقت ليناقشوا الكتاب المقدس.‏ وغالبا ما كانوا يصطفون اثناء خدمتنا في الشوارع ليحصلوا على المطبوعات».‏

إيسا وياييل نِسّينن:‏ «يمكنك ان تتعلم الكثير من الآخرين.‏ وقد حظينا بامتياز التعرف بأشخاص عديدين بقوا اولياء تحت اقسى الامتحانات».‏

آن وإيلكا لينونِن:‏ «مع مرور الايام والاسابيع زرنا العديد من المقاطعات،‏ والتقينا اناسا لم يسمعوا قط برسالة الكتاب المقدس.‏ عملنا من الصباح الباكر حتى ساعات متأخرة من الليل وفرحنا بالزيادة السريعة التي شهدناها.‏ ولم نكن لنتخيل اننا سنحظى في نهاية القرن العشرين بامتياز رؤية مثل هذا النمو.‏ ولن ننسى ابدا تلك السنوات الباكرة».‏

ريتشارد ورايتشل إيرڠنز:‏ «كان الناس مضيافين جدا وخدمة الحقل رائعة.‏ فقد كرزنا في القرى على طول بحيرة پايپَس.‏ ولم نضطر الى اخذ طعام معنا لأن اصحاب البيوت كانوا يستضيفوننا ويطعموننا.‏ ورأينا ان ارشادات يسوع في متى ١٠:‏٩،‏ ١٠ يمكن تطبيقها حتى في ايامنا.‏ فقد علّمنا وجودنا في أستونيا ضرورة التركيز على الامور الاكثر اهمية وعدم التلهي بالمسائل الثانوية».‏

‏[الصور]‏

ماركو وسيرپا كِتُّلا

ڤيسا ولينا-‏ماريا إدڤِك

آن وإيلكا لينونِن

إيسا وياييل نِسّينن

ريتشارد ورايتشل إيرڠنز

‏[الجدول/‏الصور في الصفحتين ٢٤٤،‏ ٢٤٥]‏

نبذة تاريخية أستونيا

١٩٢٠

١٩٢٣ مارتن كوزي يعود الى أستونيا من اجل الكرازة.‏

١٩٢٦ انشاء مكتب فرع في تالين.‏

موزعو المطبوعات الجائلون الاجانب يصلون ليشتركوا في الكرازة.‏

١٩٢٨ اول محفل يُعقد في مكتب الفرع.‏

١٩٣٠

١٩٣٣ تسجيل جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس.‏

١٩٤٠

١٩٤٠ الاخوة الأستونيون يتمتعون بآخر محفل يُعقد في ظل الحرية طوال العقود الخمسة التالية.‏

١٩٤٨ بعض الشهود يُرسلون الى السجون والمعسكرات في الاتحاد السوفياتي.‏

١٩٤٩ الشهود يكتبون رسالة احتجاج الى ستالين.‏

١٩٥٠

١٩٥١ نفي حوالي ٣٠٠ شاهد والكثير من اقربائهم الى سيبيريا.‏

١٩٥٣ موت ستالين؛‏ البدء بإطلاق سراح الشهود.‏

١٩٦٠

١٩٧٠

١٩٧٢ تشكيل اول جماعة ناطقة باللغة الروسية.‏

١٩٨٠

١٩٩٠

١٩٩١ انشاء مكتب ترجمة في تارتيو.‏

منح الحرية الدينية لشهود يهوه.‏

المحفل الاول في الاتحاد السوفياتي يُعقد في تالين.‏

١٩٩٢ وصول اول مرسلين من جلعاد.‏

١٩٩٣ اول قاعة ملكوت تُبنى في أستونيا.‏

١٩٩٤ نقل مكتب الترجمة الى تالين.‏

١٩٩٨ بناء قاعتين للمحافل في تالين وتارتيو.‏

١٩٩٩ اقامة فرع في أستونيا مجددا.‏

٢٠٠٠

٢٠٠٠ عقد اول صف لمدرسة تدريب الخدام.‏

٢٠٠٩ اصدار الاسفار اليونانية المسيحية —‏ ترجمة العالم الجديد بالأستونية.‏

٢٠١٠

‏[الرسم البياني/‏الصورة في الصفحة ٢٤٦]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

مجموع الناشرين

مجموع الفاتحين

٠٠٠‏,٤

٠٠٠‏,٢

١٩٩٠ ٢٠٠٠ ٢٠١٠

‏[الخرائط في الصفحة ١٦٩]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

فنلندا

هلسنكي

خليج فنلندا

روسيا

سانت بيترسبرغ

لاتفيا

ريغا

أستونيا

تالين

نارڤا

ماردو

تاپا

ڤورمسي

پارنو

بحيرة ڤورتس جارڤ

تارتيو

راپينا

ڤورو

هيوما

ساريما

خليج ريغا

بحيرة پايپَس

بحيرة پيسكوڤ

‏[صورة تغطي كامل الصفحة ١٦٢]‏

‏[الصورة في الصفحة ١٦٥]‏

مارتن وهوڠو كوزي

‏[الصورة في الصفحة ١٦٦]‏

ألبرت وست

‏[الصورة في الصفحة ١٦٧]‏

ألكسندر وهيلدا برايدسن في ثلاثينات القرن العشرين

‏[الصورة في الصفحة ١٦٧]‏

اول مكتب فرع أُنشئ في هذا المبنى

‏[الصورة في الصفحة ١٧٠]‏

اول فاتحتين من فنلندا،‏ إيرجا ماجيلا وينِّي فالت

‏[الصورة في الصفحة ١٧٤]‏

عام ١٩٣٢،‏ نُقل الفرع الى ٧٢ شارع سور تارتيو في تالين

‏[الصورة في الصفحة ١٧٥]‏

كارلو هارتِڤا يلقي محاضرة عبر الاذاعة

‏[الصورة في الصفحة ١٧٧]‏

جون نورث و ‹مركبته›‏

‏[الصورة في الصفحة ١٧٨]‏

نيكولاي تويمان

‏[الصورة في الصفحة ١٧٩]‏

الشرطة تصادر كميات هائلة من المطبوعات

‏[الصورة في الصفحة ١٨١]‏

١٩٤٠:‏ آخر محفل يُعقد في ظل الحرية قبل الحكم السوفياتي

‏[الصور في الصفحة ١٨٨]‏

الاخوة كروس،‏ تالبرڠ،‏ إيندس،‏ وتوم الذين ألّفوا لجنة الخدمة

‏[الصورة في الصفحة ٢٠٠]‏

لمبت ومايمو ترال عام ١٩٥٧

‏[الصورة في الصفحة ٢١٢]‏

كورينا وأختها إيني

‏[الصورة في الصفحة ٢١٨]‏

حفل زفاف هيمار وإلڤي تويمان:‏ محفل دام يومين

‏[الصورة في الصفحة ٢٢٧]‏

توماس وإليزابيث إيدور

‏[الصور في الصفحتين ٢٢٨،‏ ٢٢٩]‏

محفلان بارزان

الترحيب بالمندوبين في محفل «اللغة النقية» الكوري في هَلْسِنكي بفنلندا عام ١٩٩٠

محفل «محبو الحرية» الكوري في تالين بأستونيا عام ١٩٩١

‏[الصورة في الصفحة ٢٣٨]‏

محفل اممي في سانت بيترسبرغ بروسيا عام ١٩٩٢

‏[الصورة في الصفحة ٢٤١]‏

لوري ويِلينا نوردلينڠ

‏[الصورة في الصفحة ٢٤٣]‏

راينو ولسلي كِسك

‏[الصورة في الصفحة ٢٤٧]‏

ڤيكتور ويوري

‏[الصورتان في الصفحة ٢٥١]‏

قاعة ملكوت ماردو وقاعة محافل تارتيو

‏[الصورتان في الصفحة ٢٥٤]‏

فرع أستونيا

لجنة الفرع،‏ من اليمين الى اليسار:‏ لمبت رايلِه،‏ توماس إيدور،‏ وتومي كاوْكو