الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

ميانمار (‏بورما)‏

ميانمار (‏بورما)‏

ميانمار (‏بورما)‏

بين عملاقَي آسيا الضخمَين،‏ الهند والصين،‏ تجثم ميانمار بلد التناقضات الرائعة.‏ * فكبرى مدنها،‏ يانڠون (‏رانڠون سابقا)‏،‏ تمتاز بأبنية مرتفعة وأسواق ناشطة وشوارع مزدحمة.‏ اما خارج هذه المدينة،‏ فتنتشر مجموعات من القرى حيث لا يزال الناس يستخدمون جواميس الماء ليحرثوا الارض،‏ يقيسون الوقت وفق تعاقب المواسم،‏ ويستغربون عند رؤيتهم اشخاصا غرباء.‏

تعيد ميانمار الى ذاكرتنا ما كانت عليه آسيا في الماضي.‏ فهنا ترى باصات مخلخلة تتهزّز على طرقات محفَّرة.‏ وهناك تشاهد عربات تجرها الثيران لنقل المحاصيل الى السوق.‏ كما تلحظ رعيان الماعز يسوقون قطعانهم الى الحقول.‏ ولا يزال معظم الرجال يرتدون الزي التقليدي (‏اللونجي‏)‏،‏ وهو عبارة عن تنورة تُلفُّ حول الجسم.‏ والنساء يدهنَّ وجوههن بمستحضر تجميل اسمه ثَناكا يُستخرج من لحاء شجرة تُدعى ايضا الثَّناكا.‏ من جهة اخرى،‏ فإن سكان ميانمار متدينون جدا.‏ فالبوذيون هناك يبجِّلون رهبانهم اكثر من المشاهير،‏ ويجلبون يوميا التقدمات،‏ وهي عبارة عن اوراق ذهب يلصقونها على تماثيل بوذا اللماعة.‏

يمتاز شعب ميانمار باللطف والمراعاة وحب الاستطلاع.‏ وتضم هذه البلاد ثماني فئات اثنية رئيسية و ١٢٧ فئة ثانوية.‏ وكلٌّ منها له لغته ولباسه وطعامه وحضارته الخاصة.‏ يسكن معظم الناس في وادي نهر إيياروَدي (‏إيراوودّي)‏ الكبير الذي ينبع من جبال الهملايا الجليدية ويجري مسافة ١٧٠‏,٢ كيلومترا وصولا الى بحر أنْدَمان الذي يمتاز بمياهه الفاترة.‏ غير ان ملايين آخرين يقطنون في دلتا فسيحة تقع على الساحل او في التلال والجبال على الحدود مع بنغلادش،‏ تايلند،‏ الصين،‏ لاوس،‏ والهند.‏

لما يقارب المئة سنة،‏ برهن شهود يهوه في ميانمار عن ايمان وصبر راسخَين.‏ فقد حافظوا على حيادهم وسط اعمال العنف الجنونية والاضطرابات السياسية.‏ (‏يو ١٧:‏١٤‏)‏ كما كرزوا ببشارة ملكوت اللّٰه دون كلل رغم الظروف المعيشية الصعبة واشتداد المقاومة الدينية وصعوبة التواصل مع اخوتهم من حول العالم.‏ وفي ما يلي،‏ سنستعرض لمحة عن تاريخهم المشجع.‏

افتتاح العمل الكرازي

عام ١٩١٤،‏ وصل هندري كارمايكل وأحد رفقائه في خدمة الفتح الى رصيف ميناء يانڠون الشديد الحر.‏ وقد قدِم هذان الرجلان الانكليزيان من الهند على متن احدى البواخر بهدف اتمام تعيين صعب،‏ ألا وهو افتتاح العمل الكرازي في بورما.‏ اما مقاطعتهما فاشتملت على البلد بأكمله.‏

ما إن باشر هندري ورفيقه الخدمة في يانڠون حتى التقيا برترام ماسيلين وڤرنِن فرنش،‏ رجلين من اصول انكلوهندية اعربا عن اهتمام اصيل برسالة الملكوت.‏ * وسرعان ما قطع هذان الاخيران صلتهما بالكنيسة،‏ وشرعا يقدِّمان شهادة غير رسمية لأصدقائهما.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى صار نحو ٢٠ شخصا يجتمعون بانتظام في منزل برترام لدرس الكتاب المقدس،‏ مستعينين بمجلة برج المراقبة.‏ *

وفي عام ١٩٢٨،‏ زار بورما فاتح انكليزي آخر يُدعى جورج رايت قادما من الهند.‏ فراح يجوب البلاد ويوزع المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس طوال خمسة اشهر.‏ ولا شك ان بذار الحق هذه تضمنت الكراس الذي صدر سنة ١٩٢٠ بعنوان ملايين من الاحياء الآن لن يموتوا ابدا،‏ وهو اول مطبوعة لنا تُترجَم الى اللغة البورمية.‏

وبعد سنتين،‏ وصل الفاتحان كلود ڠودمان ورونالد تيپين الى يانڠون.‏ فوجدا فريقا صغيرا من الاخوة يداومون على عقد الاجتماعات،‏ إلا انهم لا يقومون بأي عمل كرازي منظَّم.‏ قال كلود:‏ «شجعْنا الاخوة على الكرازة بالبشارة كل يوم احد».‏ وأضاف:‏ «عندما سأل احدهم هل في وسعه ان يدفع المال لنا نحن الفاتحين كي نكرز نيابة عنه،‏ اجابه رون:‏ ‹بكل سرور،‏ في حال اردت ان نعيش في العالم الجديد نيابة عنك›».‏ فأمدّت هذه الكلمات الصريحة الفريقَ بما يحتاج اليه من تشجيع.‏ وفي وقت قصير حظي كلود ورونالد برفقاء كثيرين يكرزون معهما جنبا الى جنب.‏

‏«وجدتُ الحق يا رايتشل!‏»‏

في تلك السنة،‏ التقى رون وكلود بسيدني كوت،‏ مسؤول عن احدى محطات القطار في يانڠون.‏ فقبِل منهما ما يُدعى «مجموعة قوس قزح»،‏ وهي عبارة عن عشرة كتب زاهية الالوان من اصدارنا.‏ وبعدما قرأ اجزاء من احدها،‏ نادى زوجته قائلا:‏ «وجدتُ الحق يا رايتشل!‏».‏ وسرعان ما صارت عائلة كوت بأسرها تخدم يهوه.‏

وقد كان سيدني تلميذا مجتهدا للاسفار المقدسة.‏ توضح ابنته نورما باربر،‏ مرسلة منذ سنوات طويلة تخدم الآن في فرع بريطانيا:‏ «أعدَّ ابي دليله الخاص للآيات.‏ وكان كلما وجد آية تتعلق بأحد تعاليم الكتاب المقدس،‏ يدرجها في هذا الدليل تحت عنوان ملائم.‏ وقد دعاه دليلي للآيات».‏

اضافة الى ذلك،‏ لم يكتفِ سيدني بدرس الكتاب المقدس،‏ بل اراد ان ينقل رسالته الى الآخرين.‏ فكتب الى فرع الهند مستعلما إن كان هناك شهود في بورما.‏ فاستلم على الاثر صندوق مطبوعات مرفقا بلائحة اسماء.‏ تستذكر نورما:‏ «كتب والدي رسالة الى كل شخص ذُكر اسمه في اللائحة ودعاه الى قضاء يوم معنا.‏ وفي وقت لاحق،‏ زارنا خمسة او ستة اخوة ودرّبونا على الشهادة غير الرسمية.‏ فابتدأ والداي فورا بتوزيع المطبوعات على الاصدقاء والجيران.‏ كما ارسلا رسائل ومطبوعات الى جميع اقاربنا».‏

وما إن تلقّت دايزي دي سوزا التي تعيش في مَنْدلاي رسالة من اخيها سيدني مرفقة بكراس ‏«الملكوت،‏ رجاء العالم»،‏ حتى طلبت منه كتابا مقدسا ومزيدا من المطبوعات.‏ تقول ابنتها فيليس تساتوس:‏ «اخذت امي من شدة فرحها تنقّب في المطبوعات حتى ساعات الفجر الاولى.‏ ثم جمعتنا نحن الاولاد الستة لتقول لنا امرا هاما:‏ ‹سأترك الكنيسة الكاثوليكية لأني وجدت الحق›».‏ وفي وقت لاحق،‏ اصبح زوج دايزي وأولادها شهودا ليهوه.‏ واليوم،‏ هنالك اربعة اجيال من عائلة دي سوزا يخدمون يهوه اللّٰه بأمانة.‏

فاتحون شجعان

في اوائل ثلاثينات القرن الماضي،‏ اخذ الفاتحون الغيورون يكرزون بالبشارة على طول خط السكة الحديدية الرئيسي الممتد شمالا من يانڠون الى ميتكيينا،‏ مدينة تقع قرب الحدود الصينية.‏ هذا وقد كرزوا في مولَمياين (‏مولمين)‏ وسيتوي (‏اكياب)‏،‏ مدينتين ساحليتين تقعان شرق وشمال غرب يانڠون.‏ ونتيجة جهودهم هذه،‏ تشكلت جماعتان صغيرتان في مولَمياين ومَنْدلاي.‏

وسنة ١٩٣٨،‏ صار العمل في بورما تحت اشراف فرع اوستراليا بدلا من الهند.‏ فابتدأ الفاتحون بالوفود الى بورما من اوستراليا ونيوزيلندا.‏ وكان بين هؤلاء الاخوة الشجعان فْرِد پايتن،‏ هكْتر اوتس،‏ فرانك دْيوِر،‏ ميك انْڠل،‏ وستيوارت كِلتي.‏ وقد برهنوا جميعا انهم فاتحون بكل معنى الكلمة.‏

قال فْرِد پايتن:‏ «خلال اقامتي في بورما التي دامت اربع سنوات،‏ كرزت في معظم انحاء البلاد.‏ وفي تلك الفترة،‏ أُصبت بالملاريا والتيفوئيد والزُّحار وبأمراض اخرى.‏ وفي اغلب الاحيان لم اجد مكانا انام فيه بعد يوم طويل في الخدمة.‏ إلا ان يهوه كان يؤمّن دوما حاجاتي ويساعدني بقوة روحه على الاستمرار».‏ ويذكر فرانك دْيوِر،‏ اخ جريء نيوزيلندي الاصل:‏ «واجهت لصوصا ومتمردين على السلطة ورسميين يوقعون الرعب في النفوس.‏ لكني اكتشفت ان التهذيب واللطف والتواضع والتعقل تذلِّل حتى اصعب العقبات.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى ادركَت غالبية الناس ان شهود يهوه اشخاص مسالمون».‏

ان سلوك الفاتحين المتصف بالاحترام والمحبة،‏ اظهر التباين الصارخ بينهم وبين باقي الاجانب الذين كانوا بشكل عام يزدرون بالسكان المحليين.‏ كما ان اسلوبهم الودي سرّ البورميين المتواضعين الذين يفضّلون اللطف واللباقة على الفظاظة والتحدي.‏ حقا،‏ اثبت هؤلاء الفاتحون قولا وعملا ان شهود يهوه مسيحيون حقيقيون.‏ —‏ يو ١٣:‏٣٥‏.‏

محفل بارز

بعد عدة اشهر من وصول الفاتحين الى بورما،‏ رتب فرع اوستراليا لعقد محفل في يانڠون.‏ وقد اختار الاخوة اقامته في مبنى البلدية،‏ بناء فخم ادراجه من المرمر وبواباته من البرونز.‏ فتوافد المندوبون من تايلند وماليزيا وسنغافورة.‏ كما أحضر خادم فرع اوستراليا،‏ ألِكس ماڠيلِڤْراي،‏ فريقا من الاخوة من سيدني.‏

وفيما راحت سحب الحرب السوداء تلوح في الافق،‏ لاقى الاعلان عن الخطاب العام اهتماما واسعا.‏ فقد كان عنوانه:‏ «حرب عالمية قريبة».‏ قال فْرِد پايتن:‏ «لم أرَ يوما مبنى يزدحم بهذه السرعة.‏ فما إن فتحتُ البوابات الامامية حتى تهافتت الجموع على السلالم وقاعة المحاضرات.‏ وفي اقل من عشر دقائق،‏ احتشد اكثر من ٠٠٠‏,١ شخص في القاعة التي تتسع لـ‍ ٨٥٠ فقط».‏ ويضيف فرانك دْيوِر:‏ «اضطررنا الى اغلاق البوابات الامامية في وجه حشد غفير،‏ تاركين الف شخص خارجا.‏ رغم ذلك،‏ تسلل بعض الشبان المغامرين الى الداخل عبر ابواب جانبية صغيرة».‏

لم يتأثر الاخوة بمقدار الاهتمام الذي اظهره الناس فحسب،‏ بل ايضا بتنوع الحضور الذي ضم عدة فئات اثنية محلية.‏ فحتى ذلك الوقت،‏ لم يكن قد اعرب عن الاهتمام سوى قلة من اهل البلد المحليين لأن الغالبية كانوا بوذيين متدينين.‏ وهؤلاء الاقلية من السكان كانوا مسيحيين اسميين،‏ معظمهم من شعوب الكايين (‏الكارين)‏ والكاشين والشين.‏ وقد عاشوا في مناطق نائية بالكاد بلغتها البشارة.‏ فبدا آنذاك ان الحقول قد ابيضت للحصاد.‏ ولكن بعد مدة وجيزة،‏ كان ‹الجمع الكثير› المتعدد الجنسيات المنبأ عنه في الكتاب المقدس سيشمل فئات بورما الاثنية العديدة.‏ —‏ رؤ ٧:‏٩‏.‏

اول تلميذتين من الكايين

عام ١٩٤٠،‏ كانت فاتحة اسمها روبي ڠوف تكرز في إنساين،‏ مدينة صغيرة في ضواحي يانڠون.‏ وذات يوم حين لم تلقَ اهتماما كبيرا في المنطقة،‏ صلّت قائلة:‏ «ارجوك يا يهوه،‏ دعني اجد ‹خروفا› واحدا قبل ان اعود الى البيت».‏ وعندما قرعت الباب التالي،‏ التقت بهمْوا دجاينڠ،‏ امرأة معمدانية من الكايين أصغت بانتباه الى رسالة الملكوت.‏ وسرعان ما باتت هي وابنتاها تشو ماي (‏دايزي)‏ وهْنين ماي (‏ليلي)‏ يدرسن الكتاب المقدس ويحرزن تقدما روحيا ملحوظا.‏ ومع ان همْوا دجاينڠ ماتت بعد وقت قصير،‏ صارت لاحقا ابنتها الصغرى ليلي اول فتاة من الكايين تعتمد كواحدة من شهود يهوه.‏ كما اتخذت اختها دايزي الخطوة عينها.‏

صارت ليلي ودايزي فاتحتين غيورتين وتركتا اثرا بارزا.‏ فاليوم هنالك المئات من اولادهما وأحفادهما وممن درستا معهم الكتاب المقدس،‏ يخدمون يهوه في ميانمار وخارجها.‏

الصعوبات اثناء الحرب العالمية الثانية

سنة ١٩٣٩،‏ اندلعت الحرب العالمية الثانية في اوروبا وبلغت تداعياتها العالم بأسره.‏ ووسط هستيريا الحرب،‏ ضاعف رجال دين العالم المسيحي في بورما ضغوطهم على حكومة الاستعمار لكي تحظر مطبوعاتنا.‏ إلا ان الاخ المسؤول عن مستودع المطبوعات في يانڠون،‏ ميك انْڠل،‏ قصد رسميا اميركيا رفيع الرتبة وحصل منه على تصريح يجيز للاخوة ان ينقلوا طنَّين تقريبا من المطبوعات في شاحنات عسكرية متجهة الى الصين عن طريق بورما.‏

وهكذا،‏ اخذ فْرِد پايتن وهكْتر اوتس المطبوعات الى المحطة في لاشيو،‏ مدينة قريبة من الحدود الصينية.‏ وحين التقيا بالموظف المسؤول عن قافلة الشاحنات المتجهة الى الصين،‏ كاد ينفجر غضبا وقال:‏ «ماذا؟‏!‏ كيف لي ان اخصّص لمطبوعاتكما التافهة مكانا في الشاحنات،‏ في حين لم يتبقَّ اي مكان لهذه المؤن العسكرية والطبية الضرورية التي تكاد ان تبلى هنا في العراء؟‏».‏ فسكت فْرِد،‏ ثم اخرج التصريح من محفظته وقال له ان تجاهل اوامر الرسميين في يانڠون لهو امر في غاية الخطورة.‏ اذّاك،‏ وضع مراقب القافلة تحت تصرف الاخوين شاحنة صغيرة مع سائق ومؤن.‏ فسافرا مسافة ٤٠٠‏,٢ كيلومتر الى تشونغ كينغ،‏ مدينة تقع في جنوب وسط الصين.‏ وهناك وزعا المطبوعات القيّمة التي في حوزتهما،‏ حتى انهما كرزا شخصيا لرئيس حكومة الصين الوطنية،‏ شيانڠ كاي شيك.‏

وفي النهاية،‏ ارسلت حكومة الاستعمار في الهند في ايار (‏مايو)‏ ١٩٤١ برقية الى يانڠون تأمر فيها السلطات المحلية بمصادرة مطبوعاتنا.‏ واتفق ان رأى البرقية شاهدان يعملان في مكتب الاتصالات السلكية،‏ فأسرعا لإخبار ميك انْڠل.‏ فاتصل ميك بليلي ودايزي وهرعوا جميعا الى المستودع حيث حمّلوا المطبوعات المتبقية في ٤٠ صندوقا وخبأوها في عدة منازل آمنة في يانڠون.‏ وعندما وصلت السلطات،‏ كانت المطبوعات قد هُرِّبت.‏

في ١١ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٤١،‏ اي بعد ايام قليلة من هجوم اليابان على بيرل هاربر،‏ انهالت القنابل اليابانية على بورما.‏ فاجتمع فريق صغير من الشهود في نهاية الاسبوع تلك في شقة صغيرة فوق محطة القطار المركزية في يانڠون.‏ وبعد مناقشة مؤثّرة من الاسفار المقدسة،‏ اعتمدت ليلي في حوض الاستحمام.‏

بعد ثلاثة اشهر،‏ دخلت الجيوش اليابانية يانڠون التي باتت شبه مقفرة.‏ فقد نزح عنها ما يزيد على مئة الف شخص متجهين نحو الهند.‏ وفي الطريق،‏ فتك الجوع والتعب والمرض بالآلاف.‏ فقد أُصيب سيدني كوت الذي هرب مع عائلته بالملاريا المخّية قرب الحدود الهندية ومات.‏ كما قُتل احد الاخوة رميا بالرصاص على يد الجنود اليابانيين،‏ وخسر آخر زوجته وعائلته عندما تعرض منزله للقصف.‏

ولم يبقَ في بورما سوى عدد زهيد من الشهود.‏ فقد انتقلت ليلي ودايزي الى پيين أُو لْوين (‏مايميو)‏،‏ مدينة هادئة تقع على سفح تلة بالقرب من مَنْدلاي،‏ حيث زرعتا بذار الحق التي اثمرت لاحقا.‏ كما استقر شاهد ثالث اسمه سيريل ڠاي في ثاراوادي،‏ قرية صغيرة تقع على بعد حوالي ١٠٠ كيلومتر شمال يانڠون،‏ حيث عاش بهدوء حتى نهاية الحرب.‏

اجتماع الشمل

مع انتهاء الحرب،‏ ابتدأ معظم الاخوة الذين هربوا الى الهند بالعودة الى بورما.‏ وبحلول نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٤٦،‏ كانت جماعة يانڠون تتألف من ثمانية ناشرين نشاطى.‏ وحين باتت تضم ٢٤ ناشرا،‏ قرر الاخوة ان يعقدوا محفلا في نهاية السنة.‏

أُقيم هذا المحفل الذي دام يومين في احدى مدارس إنساين.‏ قال ثيو سيرْيوپولُس الذي تعلّم الحق في يانڠون عام ١٩٣٢:‏ «حين عدت من الهند،‏ اكتشفت اني عُيِّنت لإلقاء المحاضرة العامة لمدة ساعة.‏ حتى ذلك الحين لم اكن قد ألقيت في الجماعة بالهند سوى خطابين مدة كلٍّ منهما خمس دقائق.‏ رغم ذلك،‏ حقق المحفل نجاحا كبيرا اذ بلغ عدد الحضور اكثر من ١٠٠ شخص».‏

بعد بضعة اسابيع،‏ اهتم احد زعماء ولاية كايين بالحق وقدّم للجماعة قطعة ارض في ألون التي تقع على ضفة نهر بالقرب من وسط يانڠون.‏ فبنى الاخوة فيها قاعة ملكوت من الخيزران تتسع لمئة شخص تقريبا.‏ وكم اتقد افراد الجماعة آنذاك حماسة وفرحا!‏ فقد نجوا من الحرب بإيمان لا ينثلم،‏ وكانوا مستعدين بل توّاقين ان يكملوا عمل الكرازة.‏

وصول اول مرسلين من جلعاد

في اوائل سنة ١٩٤٧،‏ تجمّع فريق من الاخوة على رصيف ميناء يانڠون متلهفين ليرحبوا بروبرت كيرك،‏ اول مرسل من جلعاد يصل الى بورما.‏ وبعد فترة وجيزة،‏ وصل ثلاثة مرسلين آخرين هم:‏ نورمِن باربر،‏ روبرت ريتشاردز،‏ وهيوبرت سْميدستاد،‏ ويرافقهم فرانك دْيوِر الذي خدم فاتحا في الهند خلال الحرب.‏

وصل المرسلون الى مدينة انهكتها الحرب.‏ فعدد لا يحصى من المباني اصبح انقاضا،‏ ما اضطر الآلاف ان يقيموا في اكواخ خيزرانية هشة على طول الطرقات.‏ فكانوا يطبخون ويغسلون ويعيشون في الشوارع.‏ لكنّ هذه الظروف لم تثنِ المرسلين عن اتمام هدفهم،‏ ألا وهو تعليم الناس حق الكتاب المقدس.‏ لذلك تكيفوا مع الوضع وانهمكوا كاملا في الخدمة.‏

وفي ١ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٤٧،‏ افتُتح مكتب فرع لجمعية برج المراقبة في بيت المرسلين على طريق سيڠنال پاڠودا القريب من وسط المدينة،‏ وعُيِّن روبرت كيرك ناظرا للفرع.‏ بُعيد ذلك،‏ انتقلت جماعة يانڠون من قاعة الخيزران في ألون الى شقة في شارع بوڠَلاي زاي.‏ وهذه الشقة قريبة جدا من مقرّ فخم لأمانة سر حكومة الاستعمار البريطاني التي كانت تعيش ايامها الاخيرة.‏

اندلاع الحرب الاهلية

في ٤ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٤٨،‏ سلّم البريطانيون السلطة الى الحكومة البورمية الجديدة.‏ فحازت بورما على استقلالها بعد ٦٠ سنة من الحكم الاستعماري.‏ إلا ان البلاد كانت غارقة آنذاك في حرب اهلية.‏

ففي حين راحت مختلف الفئات الاثنية تتصارع لإقامة ولايات مستقلة،‏ كانت الجيوش الخاصة والعصابات الاجرامية تتنافس في فرض هيمنتها.‏ وبحلول اوائل عام ١٩٤٩،‏ سيطر الثوار على معظم البلد ونشبت المعارك في ضواحي يانڠون.‏

وفيما كانت المعارك تتأرجح بين مد وجزر،‏ اخذ الاخوة يكرزون بحذر.‏ كما نُقل مكتب الفرع من بيت المرسلين في طريق سيڠنال پاڠودا الى شقة فسيحة في طابق علوي في الشارع رقم ٣٩.‏ وقد اعتُبر هذا الشارع آمنا اذ ضم عدة سفارات اجنبية،‏ وكان على مقربة من مكتب البريد العام.‏

راح الجيش البورمي يبسط سلطته تدريجيا طاردا الثوار نحو الجبال.‏ ومع حلول اواسط الخمسينات،‏ كانت الحكومة قد استعادت سيطرتها على غالبية البلاد.‏ ولكن رغم ذلك،‏ كانت الحرب الاهلية لا تزال في بداياتها.‏ وهي مستمرة بشكل او بآخر حتى يومنا هذا.‏

الكرازة والتعليم باللغة البورمية

حتى اواسط الخمسينات،‏ كان الاخوة في بورما يكرزون في الغالب بالانكليزية،‏ لغة المثقفين في البلدات والمدن الكبرى.‏ لكنّ الملايين كانوا لا يتكلمون سوى البورمية (‏الميانمارية)‏،‏ الكايين،‏ الكاشينية،‏ الشينية،‏ او لغة محلية اخرى.‏ فما السبيل الى ايصال البشارة اليهم؟‏

سنة ١٩٣٤،‏ رتب سيدني كوت ان يترجم استاذ مدرسة من الكايين عدة كراريس الى البورمية ولغة الكايين.‏ وفي وقت لاحق،‏ ترجم ناشرون آخرون كتاب ‏«ليكن اللّٰه صادقا»‏ وبعض الكراريس الى البورمية.‏ ثم في سنة ١٩٥٠،‏ طلب روبرت كيرك من الاخ با أُو ان يترجم مقالات الدرس في مجلة برج المراقبة الى البورمية.‏ وكانت تؤخذ الترجمات المكتوبة باليد وتُطبع في مطابع تجارية في يانڠون،‏ ثم تُوزع على الحضور في الاجتماعات.‏ بعد ذلك،‏ اشترى مكتب الفرع آلة كاتبة بورمية ليسرّع عملية الترجمة.‏

وقد واجه هؤلاء المترجمون الباكرون العديد من التحديات.‏ يتذكر نايڠا پوهان الذي تولّى الترجمة بعد با أُو قائلا:‏ «كنت اعمل في النهار لأعيل عائلتي،‏ ثم اترجم المقالات حتى وقت متأخر من الليل على ضوء مصباح كهربائي خافت.‏ وبما ان معرفتي للغة الانكليزية كانت محدودة،‏ فلا شك ان ترجمتي لم تكن دقيقة ألبتة.‏ مع ذلك،‏ كنا نصرّ على ايصال مجلاتنا الى اكبر عدد من الناس».‏ وحين طلب روبرت كيرك من دوريس راج ان تترجم مجلة برج المراقبة الى البورمية،‏ اصابتها الدهشة وأخذت تبكي.‏ تتذكر:‏ «كنت قد نلت التعليم الاساسي فقط،‏ ولم املك الخبرة في مجال الترجمة.‏ غير ان الاخ كيرك شجعني على المحاولة.‏ فصليت الى يهوه وشرعت في العمل».‏ واليوم،‏ بعد مضي ٥٠ سنة تقريبا،‏ لا تزال دوريس تعمل مترجمة في بيت ايل في يانڠون.‏ ونايڠا پوهان،‏ الذي يبلغ من العمر الآن ٩٣ سنة،‏ هو ايضا في بيت ايل،‏ ولا يزال كما في الماضي متحمسا لتقدُّم عمل الملكوت.‏

عام ١٩٥٦،‏ زار بورما الاخ ناثان نور من المركز الرئيسي العالمي وأعلن اصدار مجلة برج المراقبة بالبورمية.‏ كما حث المرسلين على تعلّم هذه اللغة كي يزيدوا فعالية كرازتهم.‏ وكلماته هذه امدّتهم بالتشجيع،‏ فضاعفوا جهودهم لتعلّم اللغة البورمية.‏ وفي السنة التالية،‏ اتى ايضا فردريك فرانز من المركز الرئيسي العالمي وألقى الخطاب الاساسي في محفل عُقد في يانڠون ودام خمسة ايام.‏ فشجع الاخوة المسؤولين على توسيع النشاط الكرازي بإرسال فاتحين الى المدن والقرى المحلية.‏ وأول منطقة استفادت من عمل الفاتحين الجدد كانت مَنْدلاي،‏ عاصمة بورما السابقة وثاني اكبر مدنها.‏

بذار الحق تثمر في مَنْدلاي

في اوائل عام ١٩٥٧،‏ وصل ستة فاتحين خصوصيين الى مَنْدلاي حيث انضموا الى مرسلَين متزوجَين حديثا يعيشان هناك هما:‏ روبرت ريتشاردز وزوجته بايبي التي كانت من شعب الكايين.‏ وقد توقع الفاتحون مسبقا ان يواجهوا صعوبات جمة في هذه المدينة.‏ فمَنْدلاي هي المركز الرئيسي للبوذية ومقر نحو نصف الرهبان البوذيين البورميين.‏ رغم ذلك،‏ ادرك الفاتحون ان ليهوه «شعبا كثيرا في هذه المدينة» كما كانت الحال في كورنثوس قديما.‏ —‏ اع ١٨:‏١٠‏.‏

وأحد هؤلاء الاشخاص الذين قبلوا الحق كان روبن زاودجا،‏ طالب من شعب الكاشين يبلغ من العمر ٢١ سنة.‏ يتذكر روبن:‏ «في صبيحة احد الايام،‏ زارني روبرت وبايبي ريتشاردز وعرّفا عن نفسيهما بأنهما شاهدان ليهوه.‏ ثم اخبراني انهما يكرزان من بيت الى بيت اطاعة لوصية يسوع.‏ (‏مت ١٠:‏١١-‏١٣‏)‏ وبعد ان بشّراني،‏ تركا لي بضع مجلات وكتب مع عنوان سكنهما.‏ وفي المساء،‏ التقطت احد الكتب وأخذت اقرأ فيه الليل بطوله الى ان انهيته مع شروق الشمس.‏ ثم قصدت على الفور منزل روبرت وأمطرته بوابل من الاسئلة طوال ساعات.‏ وقد اجابني عنها كلها مستخدما الكتاب المقدس».‏ وفي غضون فترة قصيرة،‏ اصبح روبن زاودجا اول شخص يعتنق الحق من الكاشين.‏ ولاحقا،‏ خدم فاتحا خصوصيا لسنوات في شمال بورما مساعدا مئة شخص تقريبا على تعلّم الحق.‏ واليوم،‏ يخدم اثنان من اولاده في بيت ايل في يانڠون.‏

وثمة تلميذة غيورة اخرى هي پراميلا ڠليارا البالغة من العمر ١٧ سنة والتي كانت قد تعلّمت الحق مؤخرا في يانڠون.‏ تروي پراميلا:‏ «كان ابي الذي ينتمي الى الديانة اليانيّة يقاوم بشدة ايماني الحديث.‏ فقد أحرق كتابي المقدس والمطبوعات في مناسبتين،‏ وضربني على مرأى من الناس عدة مرات.‏ كما حبسني في البيت كي يمنعني من حضور الاجتماعات المسيحية،‏ وهدّد بحرق منزل الاخ روبرت ريتشاردز.‏ ولكن حين فقد الامل من محاولاته هذه،‏ تلاشت مقاومته شيئا فشيئا».‏ فيما بعد،‏ تركت پراميلا جامعتها وانخرطت بغيرة في عمل الفتح.‏ وبعد مدة،‏ تزوجت بناظر دائرة اسمه دَنستن اونيل.‏ وقد ساعدت خلال خدمتها ٤٥ شخصا على اعتناق الحق.‏

وفيما اخذ العمل يمضي قدما في مَنْدلاي،‏ عيّن مكتب الفرع ايضا مرسلين وفاتحين ليخدموا في مناطق اخرى شملت باذان (‏باسين)‏،‏ كلايميو،‏ بامو،‏ ميتكيينا،‏ مولَمياين،‏ ومياي (‏مَرْغوي)‏.‏ وقد بارك يهوه عملهم بسخاء اذ ان كل مدينة من هذه المدن باتت تضم جماعات ولية ليهوه.‏

المرسلون يرحَّلون

فيما استمر عمل الكرازة يزدهر في بورما،‏ دفعت الاضطرابات السياسية والاثنية المتزايدة البلاد تدريجيا نحو الانهيار.‏ وفي آذار (‏مارس)‏ ١٩٦٢،‏ تسلّم الجيش مقاليد الحكم.‏ فهجِّر مئات آلاف الهنود والانكلوهنود الى الهند وبنغلادش (‏باكستان الشرقية آنذاك)‏،‏ ولم يعد بمقدور الزائرين الاجانب الدخول الى البلد إلا لمدة ٢٤ ساعة.‏ فكانت بورما تغلق ابوابها في وجه العالم.‏

راقب الاخوة هذه التطورات بقلق شديد رغم ان الحكومة العسكرية كفلت حرية العبادة شرط ان تبقى الاديان بعيدة عن السياسة.‏ ولكن كالعادة،‏ لم يكفَّ مرسلو العالم المسيحي عن التدخل في الشؤون السياسية،‏ الامر الذي ازعج السلطات كثيرا.‏ لذا،‏ امرت الحكومة في ايار (‏مايو)‏ ١٩٦٦ كل المرسلين الاجانب بمغادرة البلاد.‏ ومع ان المرسلين الشهود حافظوا على حيادهم بكل ضمير حي،‏ فقد رحِّلوا هم ايضا بعد مدة قصيرة.‏

أُصيب الاخوة المحليون بالصدمة،‏ لكنهم حافظوا على شجاعتهم.‏ فقد علموا يقينا ان يهوه اللّٰه معهم.‏ (‏تث ٣١:‏٦‏)‏ رغم ذلك،‏ تساءل البعض كيف كان لعمل الملكوت ان يتقدم.‏

لكنّ يهوه تدخّل على الفور.‏ فعُيِّن موريس راج،‏ ناظر دائرة سابق نال بعض التدريب في الفرع،‏ للاهتمام بمكتب الفرع.‏ ومع انه من اصول هندية،‏ لم يرحَّل مع الهنود الآخرين.‏ يقول:‏ «قبل سنوات عديدة،‏ قدّمت طلبا للحصول على الجنسية البورمية.‏ لكني أرجأت المسألة لأني لم املك المبلغ المطلوب،‏ اي ٤٥٠ كياتًا.‏ * ثم حدث ذات يوم ان كنت مارًّا بمكتب الشركة التي توظفت فيها قبل سنوات،‏ فرآني مديري السابق وهتف قائلا:‏ ‹راج،‏ تعالَ خذ اموالك.‏ نسيت ان تقبض تعويض نهاية الخدمة قبل ان تغادر الشركة›.‏ والمدهش ان قيمة التعويض بلغت ٤٥٠ كياتًا!‏

‏«غادرت الشركة وأنا افكر في كل ما استطيع انجازه بهذا المبلغ.‏ ولكن بما انه كان مساويا تماما لرسوم الجنسية،‏ شعرت ان يهوه يريد ان استخدمه لهذا الغرض.‏ وتبيّن لاحقا اني اتخذت القرار الافضل.‏ ففي حين رحِّل الهنود الآخرون من بورما،‏ استطعت انا المكوث في البلاد،‏ السفر بحرية،‏ استيراد المطبوعات،‏ وإتمام كافة المهام الضرورية لعملنا الكرازي.‏ وكل ذلك لأنني مواطن بورمي».‏

انطلق موريس ودَنستن اونيل في جولة لتشجيع الجماعات والفرق المنعزلة.‏ يقول موريس:‏ «كنا نُطمئن الاخوة قائلين:‏ ‹لا تقلقوا،‏ فيهوه معنا.‏ وهو سيساعدنا إن نحن حافظنا على ولائنا له›.‏ وهذا ما حصل بالفعل!‏ فبعد مدة وجيزة،‏ عيِّن الكثير من الفاتحين الخصوصيين الجدد،‏ وراح العمل الكرازي ينمو بسرعة اكبر».‏

واليوم،‏ اي بعد ٤٦ سنة،‏ لا يزال موريس،‏ وهو عضو في لجنة الفرع،‏ يسافر في ارجاء ميانمار ليشدد الجماعات.‏ وعلى غرار كالب المسن قديما،‏ لم تخمد يوما غيرته لعمل اللّٰه.‏ —‏ يش ١٤:‏١١‏.‏

التوسع يبلغ ولاية شين

كانت ولاية شين من اولى المناطق التي توجه اليها الفاتحون الخصوصيون.‏ ويقطن هذه المنطقة الجبلية المتاخمة لبنغلادش والهند العديد من مدَّعي المسيحية الذين بشّرهم المرسلون المعمدانيون في حقبة الاستعمار البريطاني.‏ لذا،‏ يكنّ معظمهم احتراما عميقا للكتاب المقدس ولمعلّميه.‏

نحو نهاية سنة ١٩٦٦،‏ وصل فاتح خصوصي اسمه لال تشانا الى فالام،‏ اكبر مدينة في ولاية شين آنذاك.‏ وانضم هذا الاخ الذي كان جنديا في السابق الى دَنستن وپراميلا اونيل وثان طوم،‏ جندي سابق اعتمد حديثا.‏ فبحث هؤلاء الاخوة الغيورون عن العديد من العائلات المهتمة بالحق،‏ وسرعان ما أسسوا جماعة صغيرة ولكن نشيطة.‏

وفي السنة التالية،‏ انتقل ثان طوم الى مدينة جنوب فالام تدعى هاكا،‏ حيث شرع في خدمة الفتح وأسس فريقا صغيرا.‏ وفي وقت لاحق،‏ انطلق للكرازة في كل انحاء ولاية شين وساعد في تأسيس جماعات في قريتَي ڤانّا وسورْكوا ومدينة ڠانڠو وفي مناطق اخرى ايضا.‏ واليوم،‏ بعد مضي ٤٥ سنة،‏ لا يزال ثان طوم يخدم بنشاط كفاتح خصوصي في قريته الام ڤانّا.‏

عندما غادر ثان طوم مدينة هاكا،‏ حل محله دونالد دْيوِر،‏ فاتح خصوصي له من العمر ٢٠ سنة.‏ وبما ان والدَي دونالد،‏ فرانك وليلي دْيوِر (‏سابقا ليلي ماي)‏،‏ كانا قد رحِّلا للتو،‏ انضم اليه اخوه سامويل البالغ من العمر ١٨ سنة.‏ يخبر دونالد:‏ «صحيح اننا عشنا في كوخ صغير من التنك حيث حر الصيف خانق وبرد الشتاء قارس،‏ لكنّ التحدي الاكبر بالنسبة اليّ كان الشعور بالوحدة.‏ فقد اضطررت على الدوام ان اذهب الى الخدمة بمفردي رغم اني لا اتقن لغة هاكا تشين المحلية.‏ علاوة على ذلك،‏ لم يحضر الاجتماعات سوانا انا وسامويل،‏ اضافة الى ناشر او اثنين.‏ ومع الوقت اصبحت كئيبا،‏ حتى اني فكرت في التخلي عن تعييني.‏

‏«في تلك الاثناء،‏ قرأت في الكتاب السنوي تقريرا مؤثّرا عن اخوتنا في ملاوي الذين حافظوا على امانتهم رغم الاضطهاد الوحشي.‏ * فرحت اتساءل:‏ ‹إن كنت لا احتمل الوحدة،‏ فهل اثبت في وجه الاضطهاد؟‏!‏›.‏ فصلّيت الى يهوه وبدأت اشعر بالراحة.‏ كما اني استمددت القوة من قراءة الكتاب المقدس و برج المراقبة والتأمل فيهما.‏ وحين فاجأني موريس راج ودَنستن اونيل بزيارة،‏ شعرت وكأنني ارى ملاكَين.‏ وهكذا،‏ استعدت فرحي ولو بوتيرة بطيئة».‏

في وقت لاحق،‏ فيما كان دونالد يزور الجماعات كناظر جائل،‏ اخذ يشجع الشهود في المناطق المنعزلة الاخرى مستفيدا من اختباره الشخصي.‏ وقد اثمرت جهوده في هاكا التي تضم اليوم جماعة مزدهرة وتُعقد فيها بانتظام المحافل المسيحية.‏ كما امسى جونسون لال ڤانڠ ودانيال سانڠ كار،‏ ناشران كانا يحضران الاجتماعات في هاكا،‏ فاتحَين خصوصيين غيورين.‏ وقد ساهما في نشر البشارة في انحاء كثيرة من ولاية شين.‏

‏‹تسلُّق الجبال›‏

تقع ولاية شين على ارتفاع يتراوح بين ٩٠٠ و ٨٠٠‏,١ متر فوق سطح البحر،‏ وتضم قمما يصل ارتفاعها حتى ٠٠٠‏,٣ متر.‏ العديد من جبالها تكسوه غابات كثيفة من اشجار الساج الشاهقة،‏ الصنوبريات الضخمة،‏ الورديات الزاهية،‏ والسَحْلبيّات الفاتنة.‏ ارضها وعرة توحي بالرهبة،‏ ما يجعل السفر عبرها مهمة شاقة.‏ تتصل بلداتها احداها بالاخرى عبر طرقات ترابية متعرجة يصعب عبورها حين تكون موحلة،‏ وغالبا ما تقطعها انزلاقات ارضية.‏ وهناك الكثير من القرى النائية لا يمكن الوصول اليها إلا سيرا على الاقدام.‏ مع ذلك،‏ لم تثنِ هذه العقبات خدام يهوه عن ايصال البشارة الى اكبر عدد ممكن.‏

تروي آي آي ثي التي خدمت الى جانب زوجها في العمل الدائري في شين:‏ «نشأت في دلتا إيياروَدي وكنت معجبة كثيرا بجبال شين الرائعة.‏ فتسلّقت اول جبل بحماسة بالغة ووصلت اعلى القمة مقطوعة الانفاس.‏ ثم ما لبثت ان تسلّقت مرتفعات اخرى،‏ فشعرت انني سأموت من التعب.‏ ولكن مع الوقت،‏ تعلّمت ان اتسلّق الجبال بتروٍّ وأحافظ على طاقتي.‏ وسرعان ما اصبحت قادرة على المشي مسافة ٣٢ كيلومترا يوميا في رحلات دامت ستة ايام او اكثر».‏

وعلى مر السنين،‏ استخدم الاخوة في ولاية شين مختلف وسائل النقل كالبغال والخيل والدراجات الهوائية.‏ ومؤخرا باتوا يستعملون الدراجات النارية والشاحنات والسيارات ذات الدفع الرباعي.‏ لكنهم في اغلب الاحيان يمشون سيرا على الاقدام.‏ مثلا،‏ اضطر الفاتحان الخصوصيان جو وين ودايڤيد زاما ان يسيرا بعناء كبير عشرات الكيلومترات عبر الطرقات الجبلية كي يبلغا القرى المحيطة بماتوپي.‏ كما كان الاخوة في جماعة ماتوپي يمشون من ستة الى ثمانية ايام ذهابا حتى يصلوا الى موقع المحفل في هاكا التي تبعد ٢٧٠ كيلومترا.‏ وفي الطريق،‏ كانوا ينشدون ترانيم الملكوت التي ترددت اصداؤها في الجبال الخلابة.‏

وخلال تلك الرحلات المضنية،‏ لم يكن الاخوة عرضة للبرد الجبلي القارس فحسب،‏ بل ايضا لأسراب البعوض ومختلف انواع الحشرات المؤذية،‏ وخصوصا في موسم الامطار.‏ يروي ناظر دائرة يُدعى ميين لْوين:‏ «فيما كنت اجتاز الغابة،‏ رأيت دود العلَق يزحف على ساقيَّ.‏ وحين انتزعته،‏ زحفت دودتان اخريان.‏ فقفزت على شجرة مقطوعة،‏ لكنّ اسراب العلَق بدأت تزحف على جذعها ايضا.‏ فأصبت بالذعر وركضت مسرعا عبر الغابة.‏ وعندما وصلت اخيرا الى الطريق،‏ كان جسمي مكسوا بالعلَق».‏

ولم يكن العلَق الخطر الوحيد الذي يتهدد المسافرين في ولاية شين.‏ فميانمار تتمتع بثروة حيوانية غنية بالخنازير البرية والدببة والنمور والبُبور وبتنوع هائل من الافاعي السامة لا يضاهيها فيه اي بلد وفقا لبعض المصادر.‏ لهذا السبب،‏ كان ناظر الكورة ڠومْجا نَو وزوجته نان لو يقيمان حلقة نار حولهما ليلا لإبعاد خطر الحيوانات البرية،‏ في كل مرة يسافران من جماعة الى اخرى في هذه الولاية.‏

ترك هؤلاء المبشرون الغيورون اثرا لا يمحى.‏ يقول موريس راج:‏ «لقد خدموا يهوه بكل طاقتهم.‏ وكانوا على استعداد ان يعودوا الى شين حتى بعد ان غادروها.‏ ولا شك ان جهودهم هذه جلبت المجد والاكرام ليهوه».‏ والنتيجة؟‏ هنالك اليوم سبع جماعات وعدة فرق منعزلة في هذه الولاية،‏ رغم انها احدى المناطق الاقل كثافة سكانيا في ميانمار.‏

‏«لا ‹خراف› في ميتكيينا»‏

سنة ١٩٦٦،‏ وصل عدة فاتحين خصوصيين الى ميتكيينا،‏ مدينة خلابة تقع عند منعطف نهر إيياروَدي في ولاية كاشين القريبة من الصين.‏ قبل ذلك بست سنوات،‏ كرز روبرت وبايبي ريتشاردز في هذه المنطقة مدة وجيزة،‏ لكنهما ذكرا في تقريرهما ان «لا ‹خراف› في ميتكيينا».‏ مع ذلك،‏ تمكّن الفاتحون الجدد من ايجاد اشخاص متعطشين للحق.‏

على سبيل المثال كان ميا ماونڠ،‏ شاب معمداني عمره ١٩ سنة،‏ يصلّي الى اللّٰه ملتمسا المساعدة على فهم الكتاب المقدس.‏ يخبر:‏ «غمرني الفرح عندما زارني احد الفاتحين في مكان عملي وعرض عليّ درسا في الكتاب المقدس،‏ اذ شعرت ان اللّٰه استجاب صلواتي.‏ فدرست الكتاب المقدس انا وأخي الاصغر صان آي مرتين في الاسبوع،‏ وأحرزنا تقدما روحيا سريعا.‏

‏«درّبنا معلّم رائع يُدعى ويلسون ثاين.‏ وقد رسم لنا المثال بالقول والعمل.‏ فخلال جلسات التمارين والتمثيليات،‏ تعلّمنا استخدام الكتاب المقدس بفعالية،‏ الكرازة بجرأة،‏ تخطي المقاومة،‏ والاستعداد لإلقاء الخطابات في الجماعة.‏ فكان ويلسون ثاين يصغي الينا كلما تدربنا على خطاب،‏ ويقدم لنا اقتراحات بغية التحسن.‏ ولا شك ان تدريبه اللطيف هذا دفعنا الى بلوغ اهداف روحية.‏

‏«ففي عام ١٩٦٨،‏ انضممنا انا وصان آي الى صفوف الفاتحين.‏ فباتت ميتكيينا تضم ثمانية فاتحين آنذاك.‏ ومن اوائل الذين درسنا معهم كانت امي وسبعة من اشقائي.‏ وفي ما بعد اعتنقوا جميعا الحق.‏ كما كرزنا في المدن والقرى المنتشرة على طول السكة الحديدية بين ميتكيينا ومَنْدلاي في رحلات دامت من يوم الى ثلاثة ايام.‏ وقد تبيّن لاحقا ان رحلاتنا هذه كانت مثمرة.‏ فاليوم،‏ هنالك جماعات مزدهرة في كلٍّ من نامتو،‏ هوپين،‏ مونْهيين،‏ وكاتا المنتشرة على طول خط السكة الحديدية».‏

وخلال الخدمة في المقاطعة التجارية في ميتكيينا،‏ التقى صان آي شابا معمدانيا من الكاشين اسمه پوم رام يشغل وظيفة حكومية.‏ وقد قبل پوم رام الحق بحماسة شديدة وانتقل الى بلدة صغيرة عند سفح جبال الهملايا تُدعى پوتاو حيث كرز للعديد من اقربائه.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى صار ٢٥ شخصا يحضرون الاجتماعات المسيحية.‏ وأثناء خدمة پوم رام كفاتح،‏ تمكّن من مساعدة زوجته وأولاده السبعة وأقارب كثيرين على اعتناق الحق.‏ وهو اليوم يخدم فاتحا وشيخا في ميتكيينا.‏

عربات القطار المفقودة

دفع النمو الروحي السريع في ولاية كاشين مكتب الفرع سنة ١٩٦٩ الى عقد المحفل الاممي بمحور «السلام على الارض» في ميتكيينا بدل يانڠون،‏ الموقع المعهود للمحافل.‏ ولنقل مندوبي المحفل من يانڠون الى ميتكيينا التي تبعد اكثر من ١٠٠‏,١ كيلومتر شمالا،‏ طلب مكتب الفرع من شركة بورما للسكك الحديدية الاذن باستئجار ست عربات في احد القطارات.‏ وكان هذا الطلب غريبا للغاية لأن كاشين كانت تُعَد بؤرة للمتمردين،‏ والتنقل منها وإليها خضع لمراقبة شديدة.‏ ولكن كم تفاجأ الاخوة حين وافقت الشركة فورا على طلبهم!‏

وفي اليوم المعيّن لوصول مندوبي المحفل الى ميتكيينا،‏ توجه موريس راج وعدد من الاخوة الى محطة القطار لاستقبالهم.‏ يروي موريس:‏ «فيما كنا ننتظر،‏ اتى الينا مسرعا المسؤول عن المحطة وأخبرنا عن تسلمه برقية مفادها ان السلطات فصلت العربات الست عن القطار وتُرك مندوبونا عالقين بين مَنْدلاي وميتكيينا.‏ فعلى ما يبدو،‏ لم يستطع القطار السير صعودا وهو يجرّ ست عربات اضافية.‏

‏«فماذا عسانا نفعل؟‏ اول ما تبادر الى ذهننا كان تأجيل المحفل.‏ لكنّ ذلك استلزم الحصول ثانية على كافة التراخيص،‏ الامر الذي يستغرق اسابيع.‏ وفيما كنا نصلّي بحرارة الى يهوه،‏ وصل القطار الى المحطة.‏ ولم نصدّق اعيننا حين رأينا العربات الست بأكملها تغصّ بإخوتنا الذين كانوا يبتسمون ويلوّحون بأيديهم.‏ ولمّا سألناهم عما حدث،‏ اخبرنا احدهم:‏ ‹لقد فصلوا ست عربات،‏ ولكن ليست عرباتنا نحن!‏›».‏

كان المحفل في ميتكيينا رائعا بالفعل.‏ فخلال البرنامج،‏ أُعلن عن ثلاثة اصدارات جديدة باللغة البورمية وخمسة بالانكليزية.‏ صحيح ان الطعام الروحي في بورما كان يشح تدريجيا قبل ثلاث سنوات إثر ترحيل المرسلين،‏ ولكن ها هو الآن يتدفق بغزارة مرة اخرى.‏

تعليم شعب الناغا

بعد مرور اربعة اشهر على المحفل،‏ استلم مكتب الفرع رسالة من با يي،‏ احد موظفي البريد في بلدة كامتي.‏ تقع هذه البلدة على ضفة نهر عند اسفل الهضاب الشامخة التي تحاذي الحدود الشمالية الغربية بين بورما والهند.‏ وتسكن هذه المنطقةَ مجموعة قبائل تُعرف بشعوب الناغا،‏ اشتهرت في ما مضى بقطع رؤوس الاعداء والاحتفاظ بها.‏ وفي الرسالة،‏ التمس با يي،‏ الذي كان سابقا من المجيئيين السبتيين،‏ المساعدة الروحية من الاخوة.‏ وعلى الاثر،‏ ارسل مكتب الفرع فاتحَين خصوصيين هما أَونْڠ ناين ووين پاي.‏

يخبر وين پاي:‏ «تملّكنا الرعب في مهبط الطائرات في كامتي حين رأينا جنود الناغا الوحشيين متمنطقين بمآزر وواقفين قبالتنا.‏ ولكن سرعان ما توجه با يي لملاقاتنا والترحيب بنا،‏ ثم اخذنا للقاء بعض المهتمين.‏ وبعد فترة وجيزة،‏ ابتدأنا ندرس الكتاب المقدس مع خمسة منهم.‏

‏«غير ان السلطات المحلية ظنت اننا قسّان معمدانيان على علاقة بالمتمردين في تلك المنطقة.‏ ورغم تأكيداتنا اننا محايدون سياسيا،‏ أُمرنا بمغادرة المكان بعد اقل من شهر على وصولنا اليها».‏

ولكن بعد ثلاث سنوات،‏ تغيّر المسؤولون في المنطقة.‏ فشرع بياك مُويا،‏ فاتح عمره ١٨ سنة،‏ يكمل ما بدأه سلفاه.‏ كما استقال با يي من وظيفته وانخرط في عمل الفتح.‏ وأخيرا،‏ وصل عدة فاتحين الى المنطقة.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى اسس هؤلاء الفاتحون الغيورون جماعة في كامتي،‏ وعددا من الفرق الصغيرة في القرى المجاورة.‏ يتذكر بياك مُويا:‏ «كان اخوتنا واخواتنا من الناغا غير مثقفين وأميين.‏ إلا انهم احبوا كلمة اللّٰه وكرزوا بها بغيرة مستخدمين بمهارة الصور في مطبوعاتنا.‏ كما حفظوا غيبا آيات عديدة وتعلّموا ترانيم الملكوت عن ظهر قلب».‏

واليوم،‏ لا تزال المحافل الكورية تُعقد بانتظام في كامتي.‏ وهي تستقبل مندوبين آتين من مناطق الجنوب البعيدة،‏ كبلدة هومالين التي تبعد ١٥ ساعة عبر النهر.‏

المقاومة في «المثلَّث الذهبي»‏

في تلك الفترة،‏ راح العمل في الجانب الآخر من البلاد يتوسع ايضا ليبلغ المرتفعات الحدودية بمحاذاة تايلند والصين ولاوس.‏ وتُعتبر هذه الناحية من البلاد البقعة الاهم في المثلَّث الذهبي.‏ وهذا المثلث عبارة عن منطقة رائعة الجمال تجمع بين التلال المتماوجة والوديان الخصبة التي يشوبها انتاج الافيون والعصيان المسلح وغيرهما من النشاطات غير الشرعية.‏ لذا،‏ وجب على الفاتحين الذين ارادوا نقل الحق الى هذه الضواحي المضطربة توخي الحذر والتحلي بالفطنة.‏ (‏مت ١٠:‏١٦‏)‏ ورجال دين العالم المسيحي من جهتهم لم يكفّوا عن مقاومة عملهم الكرازي.‏

فلدى وصول الفاتحَين روبن زاودجا ودايڤيد ابراهام الى لاشيو،‏ مدينة ناشطة في ولاية شان،‏ اتهمهم رجال الدين المحليون فورا انهم من المتمردين.‏ قال روبن:‏ «اعتُقلنا ونُقلنا الى السجن حيث ابرزنا للشرطة اوراقنا الموثَّقة من السلطات الحكومية.‏ وبعد فترة وجيزة،‏ دخل رائد في الجيش وقال بصوت عال:‏ ‹اهلا بك سيد زاودجا.‏ يبدو ان شهود يهوه وصلوا الى لاشيو!‏›.‏ وبما انه كان زميلا قديما لي ايام المدرسة،‏ اطلق سراحنا دونما تأخير».‏

بعدئذ،‏ شرع هذان الفاتحان في العمل،‏ وسرعان ما أسسا جماعة كبيرة.‏ ثم عملا في بناء قاعة للملكوت.‏ لكنهما بعد سنتين،‏ استُدعيا الى مقر الحكومة المحلي حيث اجتمع اكثر من ٧٠ شخصا بين مسؤولين عسكريين وزعماء قبائل ورجال دين.‏ يذكر روبن:‏ «اتهمَنا رجال الدين الحانقون اننا نرغم الناس على التخلي عن معتقداتهم الدينية.‏ وحين طلب منا رئيس الاجتماع ان نرد على الاتهام،‏ سألته هل باستطاعتي ان استخدم الكتاب المقدس في دفاعي،‏ فوافق على الطلب.‏ وفي الحال صلّيت بصمت ثم اوضحت لهم رأي الاسفار المقدسة في التقاليد الدينية الباطلة،‏ الخدمة العسكرية،‏ والاحتفالات الوطنية.‏ وما إن انتهيت حتى نهض الرئيس معلنا ان قانون بورما يتيح حرية العبادة لكل الاديان.‏ عندئذ،‏ أُخلي سبيلنا وسُمح لنا ان نواصل الكرازة،‏ الامر الذي خيّب آمال رجال الدين».‏

لاحقا،‏ أحرق حشد من المعمدانيين الساخطين قاعة ملكوت في قرية صغيرة بالقرب من الحدود مع الصين تُدعى مانڠپاو.‏ وعندما فشلت فعلتهم البشعة هذه في تخويف الشهود المحليين،‏ أحرقوا منزل احد الفاتحين الخصوصيين وراحوا يهوِّلون على الاخوة في بيوتهم.‏ فرفع الاخوة شكواهم الى حاكم المنطقة،‏ غير انه دعم موقف المعمدانيين.‏ ولكن في نهاية المطاف،‏ تدخلت الحكومة ومنحت الاخوة رخصة لبناء قاعة جديدة.‏ وهذه المرة لم تُبنَ في موقعها السابق على طرف القرية،‏ بل في وسطها.‏

وجنوبا في لايثو،‏ قرية جبلية نائية في ولاية كايين تقع على حدود المثلَّث الذهبي،‏ واجه ڠريڠوري ساريلو مقاومة عنيفة من الكنيسة الكاثوليكية.‏ يروي:‏ «أمر كاهن القرية رعيته ان يُتلفوا بستان الخُضَر الذي املكه،‏ ثم قاموا بإهدائي بعض الطعام.‏ إلا ان احد اصدقائي حذّرني من انهم دسوا لي السم فيه.‏ وإحدى المرات،‏ سألني اتباع الكاهن اي طريق انوي اتخاذه اليوم التالي.‏ لكني طبعا سلكت طريقا آخر بغية اجتناب محاولاتهم ان ينصبوا لي كمينا ويقتلوني.‏ وحين أبلغت عن هذه المحاولات لقتلي،‏ امرت السلطات الكاهن وأتباعه بحزم ان يتركوني وشأني.‏ حقا،‏ لقد حماني يهوه من الذين كانوا ‹يطلبون نفسي›».‏ —‏ مز ٣٥:‏٤‏.‏

المحافظة على الحياد التام

على مر السنين،‏ امتُحنت استقامة الاخوة والاخوات في بورما بطريقة اخرى جديرة بالذكر.‏ فالحروب الاثنية والنزاعات السياسية كثيرا ما وضعت حيادهم المسيحي تحت الامتحان.‏ —‏ يو ١٨:‏٣٦‏.‏

على سبيل المثال،‏ في بلدة ثانْفيوزَيات الجنوبية المشهورة بسكّتها الحديدية التي بُنيت لوصل بورما بتايلند خلال الحرب العالمية الثانية،‏ وجد الفاتح الخصوصي هْلا أُونڠ نفسه محاطا بالمعارك المحتدمة بين المتمردين الانفصاليين والقوات التابعة للحكومة.‏ يوضح قائلا:‏ «كان الجنود يُغِيرون ليلا على القرى والبلدات فيجمعون الرجال ويقتادونهم تحت تهديد السلاح للعمل كحمّالين في الجيش.‏ ومن المؤسف ان كثيرين منهم لم يعودوا ثانية.‏ وذات ليلة،‏ فيما كنت انا ودونالد دْيوِر نتبادل الاحاديث في منزلي،‏ بدأ الجنود هجومهم على بلدتنا.‏ فعلمت زوجتي بما يحدث وصرخت على الفور لتنذرنا.‏ وبما ان ذلك اتاح لنا بعض الوقت لنتوارى في الغابة،‏ نجونا بأعجوبة.‏ وبعد هذه الحادثة،‏ بنيتُ مخبأ سريا في منزلي كي ألتجئ اليه بسرعة في حال هوجمنا مرة اخرى».‏

مثال آخر هو الفاتح الخصوصي راجان پانديت.‏ فبُعيد وصوله الى بلدة داوي الواقعة جنوب ثانْفيوزَيات،‏ بدأ بإدارة عدة دروس في الكتاب المقدس في قرية مجاورة كانت معقلا للمتمردين.‏ يروي راجان:‏ «في طريق عودتي من القرية،‏ اعتقلني الجنود وأخذوا يضربونني بتهمة التواطؤ مع المتمردين.‏ وحين قلت لهم اني من شهود يهوه،‏ ارادوا ان يعرفوا كيف اتيت الى داوي.‏ فأريتهم تذكرة السفر التي احتفظت بها كتذكار.‏ عندئذ،‏ تبرهن لهم اني وصلت بالطائرة،‏ وسيلة نقل ما كان يستخدمها المتمردون قط.‏ فكفّوا عن ضربي،‏ وفي النهاية اطلقوا سراحي.‏ لكنهم استجوبوا احد تلاميذي الذين ادرس معهم،‏ فأكّد لهم اننا كنا ندرس الكتاب المقدس لا غير.‏ ومذّاك ما عادوا يتعرّضون لي،‏ حتى ان بعضهم صاروا بين الذين شملتُهم بجولتي لتوزيع المجلات».‏

في بعض الاحيان،‏ حاول الرسميون الضغط على الاخوة ليتخلَّوا عن موقفهم الحيادي ويصوّتوا في الانتخابات او يشاركوا في الاحتفالات الوطنية.‏ وهذا ما فعلوه في مدينة زالون التي تقع على ضفة نهر وتبعد مسافة ١٣٠ كيلومترا شمال يانڠون.‏ فقد ضغطوا على الشهود المحليين ليدلُوا بأصواتهم في احد الانتخابات.‏ لكنّ الاخوة حافظوا على موقفهم مستشهدين بما يقوله الكتاب المقدس.‏ (‏يو ٦:‏١٥‏)‏ فلجأ الرسميون الى السلطات الاقليمية التي كانت تعلم جيدا ان شهود يهوه حياديون سياسيا.‏ فما كان منها إلا ان أعفتهم على الفور من الاشتراك في الانتخابات.‏

وفي مدينة كامْپات الواقعة على الحدود البورمية–‏الهندية،‏ طردت مديرة احدى المدارس ٢٣ ولدا من الشهود لأنهم رفضوا الانحناء للعلم.‏ ثم استدعت شيخين من الجماعة للمثول امام مجموعة كبيرة من الرسميين كان بينهم حاكم المدينة وقائدها العسكري.‏ يقول پول كاي كان ثانڠ،‏ احد هذين الشيخين:‏ «فيما رحنا نوضح لهم من الاسفار المقدسة الاسباب التي تدفعنا الى اتخاذ هذا الموقف،‏ اعرب البعض بشكل واضح عن امتعاضهم الشديد.‏ عندئذ اريناهم نسخة من قرار حكومي يجيز لشهود يهوه ان ‹يقفوا بصمت واحترام اثناء تحية العلم›.‏ فوقع عليهم القرار وقوع الصاعقة.‏ وبعد ان مرت لحظات عجزوا خلالها عن الكلام،‏ امر القائد العسكري المديرة ان تعيد التلاميذ المطرودين.‏ هذا وقامت المديرة ايضا بتوزيع نسخ من القرار على كل اقسام المدرسة».‏

واليوم،‏ يعرف الرسميون على اعلى المستويات في حكومة ميانمار بحياد شهود يهوه السياسي.‏ نعم،‏ لقد ادى خدام يهوه شهادة حسنة بوقوفهم ثابتين الى جانب مبادئ الكتاب المقدس،‏ تماما كما انبأ يسوع المسيح.‏ —‏ لو ٢١:‏١٣‏.‏

من جنود الى مسيحيين حقيقيين

خلال الفترات الحافلة بالاضطرابات من تاريخ ميانمار الحديث،‏ التحق كثيرون من مواطنيها بالجيش او انضموا الى المتمردين.‏ لكنّ بعضهم كانوا ‹متعبّدين يخافون اللّٰه›،‏ على غرار الضابط الروماني كرنيليوس في القرن الاول.‏ (‏اع ١٠:‏٢‏)‏ فعندما تعلّموا الحق،‏ سعوا جاهدين ليجعلوا حياتهم منسجمة مع مقاييس يهوه البارة.‏

وأحد هؤلاء هو هْلون مانڠ،‏ ضابط صفّ في البحرية عرف الحق اثناء تأدية واجبه في مولَمياين.‏ يوضح:‏ «اردت ان ابدأ بالكرازة فورا.‏ ولكن قُبيل تقديم استقالتي من الجيش،‏ عرفت انهم يفكّرون في ترقيتي وإعطائي منحة لأتابع دراستي العسكرية في احد البلدان الغربية الغنية.‏ إلا ان تصميمي على الاشتراك في عمل اللّٰه كان راسخا.‏ فقدّمت استقالتي وشرعت في خدمة يهوه،‏ الامر الذي ادهش المسؤولين عني.‏ واليوم،‏ بعد مضي نحو ٣٠ سنة،‏ لا ازال مقتنعا بأني اتخذت القرار الصائب.‏ فلا شيء يضاهي امتياز خدمة الاله الحقيقي».‏

ثمة مثال آخر هو لا بانڠ ڠام الذي كان يتعافى من مرضه في مستشفى عسكري عندما أراه روبن زاودجا كتاب من الفردوس المفقود الى الفردوس المردود.‏ * فأُعجب به كثيرا وطلب ان يأخذه.‏ لكنّ روبن لم يكن يملك سوى نسخة واحدة،‏ لذا وافق ان يعيره اياه ليلة واحدة فقط.‏ وعند عودته في اليوم التالي ليسترد الكتاب،‏ قال له لا بانڠ ڠام:‏ «شكرا لك.‏ لديّ الآن نسختي الخاصة!‏».‏ فقد قضى الليل بطوله ينسخ الكتاب المؤلَّف من ٢٥٠ صفحة على عدة دفاتر ملاحظات.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى ترك لا بانڠ ڠام الجيش واستخدم كتاب «الفردوس» الذي نسخه لمساعدة كثيرين على تعلّم الحق.‏

وفي ولاية شان الجبلية،‏ كان سا ثان تون أُونڠ،‏ وهو نقيب في الجيش البورمي،‏ يحارب ضد آيْك لين الذي كان قائدا في جيش ولاية وا المتحد.‏ وقد اشتركا كلاهما في عدة معارك دامية دارت رحاها في الادغال.‏ ولكن حين توصّل الجيشان المتنازعان اخيرا الى وقف لإطلاق النار،‏ استقر الرجلان في ولاية شان.‏ وفي وقت لاحق،‏ تعلّم كلٌّ منهما الحق على حدة،‏ استقالا من منصبهما العسكري،‏ واعتمدا.‏ وخلال محفل دائري،‏ التقى هذان العدوّان السابقان وتعانقا بحرارة كأخوَين مسيحيَّين.‏ فقد تحررا من اغلال البغض واتّحدا برباط المحبة بفضل قوة كلمة اللّٰه.‏ —‏ يو ٨:‏٣٢؛‏ ١٣:‏٣٥‏.‏

الكرازة ‹لشتى الناس›‏

بين سنتَي ١٩٦٥ و ١٩٧٦،‏ ارتفعت نسبة الناشرين في بورما اكثر من ٣٠٠ في المئة.‏ وكان معظم الذين اعتنقوا الحق ينتمون قبلا الى العالم المسيحي.‏ لكنّ الاخوة عرفوا ان مشيئة اللّٰه هي «ان يخلص شتى الناس ويبلغوا الى معرفة الحق معرفة دقيقة».‏ (‏١ تي ٢:‏٤‏)‏ لذلك من اواسط سبعينات القرن العشرين فصاعدا،‏ كثّفوا جهودهم وشرعوا يكرزون لأتباع الديانات الاخرى كالبوذيين والهندوس وأنصار مذهب الروحانية.‏

غير انهم واجهوا تحديات عديدة.‏ فالبوذيون يرفضون فكرة وجود خالق او اله شخصي فيما الهندوس يعبدون ملايين الآلهة.‏ اما اتباع مذهب الروحانية في بورما فيؤمنون بوجود ارواح قوية تُدعى «نات» ويقدّمون لها العبادة.‏ فضلا عن ذلك،‏ تشيع في هذه الاديان الخرافات والعرافة والممارسات الارواحية.‏ وفي حين يعترف معظم اتباعها بالكتاب المقدس،‏ فهم بالكاد يعرفون شيئا عن شخصياته،‏ رواياته التاريخية،‏ وتعاليمه.‏

مع ذلك،‏ ادرك الاخوة ان حقائق كلمة اللّٰه قادرة ان تؤثّر تأثيرا بالغا في قلب اي انسان.‏ (‏عب ٤:‏١٢‏)‏ لذا ما كان عليهم سوى الاتكال على روح اللّٰه وتطوير ‹فن التعليم›،‏ اي استعمال حجج منطقية تمسّ قلوب الناس وتدفعهم الى صنع تغييرات في حياتهم.‏ —‏ ٢ تي ٤:‏٢‏.‏

تأمل مثلا كيف تعمد روزالين،‏ وهي فاتحة خصوصية تخدم منذ فترة طويلة،‏ الى الحجج المنطقية في مناقشاتها مع البوذيين.‏ توضح:‏ «حين اخبر البوذيين ان هنالك خالقا،‏ غالبا ما يسألون:‏ ‹ولكن مَن اوجد الخالق؟‏›.‏ وبما انهم يعتبرون الحيوانات ارواحا بشرية متقمِّصة،‏ استخدمُ حيواناتهم المدللة مثلا في حديثي معهم.‏

‏«فأسألهم:‏ ‹هل يدرك الحيوان ان صاحبه موجود؟‏›.‏

‏«يجيبون:‏ ‹اجل›.‏

‏«ثم اسأل:‏ ‹ولكن هل يعرف ما هو عمل صاحبه او خلفيته او إن كان متزوجا؟‏›.‏

‏«فيجيبون:‏ ‹كلا›.‏

‏«عندئذ اقول:‏ ‹بشكل مماثل،‏ نحن البشر نختلف عن اللّٰه الذي هو روح.‏ فهل نتوقع ان نفهم كل شيء عن وجوده او اصله؟‏›.‏

‏«فيجيبون:‏ ‹كلا›».‏

ان تحليلا منطقيا كهذا يقنع الكثير من البوذيين المخلصين بالتأمل في ادلة اخرى تبرهن وجود اللّٰه.‏ وعندما تقترن الحجج المنطقية بالمحبة المسيحية الاصيلة،‏ يتأثّر الناس في الصميم.‏ اليك ما قاله بوذي سابق يُدعى أون ثْوين:‏ «حين قارنت بين ايماني البوذي بالنِّرڤانا وبين وعد الكتاب المقدس بفردوس على الارض،‏ اعجبتني فكرة الفردوس اكثر.‏ إلا اني كنت مقتنعا ان دروبا كثيرة تؤدي الى الحق،‏ لذا لم ارَ الحاجة الى تطبيق ما تعلّمته.‏ ولكن حين ابتدأت احضر الاجتماعات مع شهود يهوه،‏ اظهر لي الاخوة محبة ما بعدها محبة دفعتني الى تطبيق الحق في حياتي».‏

طبعا،‏ تقتضي مساعدة الناس على تغيير معتقداتهم التحلي باللباقة والصبر.‏ يتذكر كومار تشاكْراباني الذي كان بعمر عشر سنوات عندما سمح ابوه الهندوسي المتشدّد لأخ من بيت ايل اسمه جيمي زايڤْيِر ان يعلّمه القراءة:‏ «طلب منه ابي ان يعلّمني القراءة فقط وألّا يتطرق الى الدين.‏ فقال له جيمي ان ثمة مطبوعة تُدعى كتابي لقصص الكتاب المقدس هي مساعد ممتاز على تعليم الاولاد القراءة.‏ وراح بعد كل درس يخصص الوقت للتحدث مع ابي،‏ معربا له عن اهتمام اصيل.‏ وحين بدأ والدي يطرح اسئلة حول مواضيع دينية،‏ كان جيمي يرد عليه بلباقة:‏ ‹الجواب موجود في الكتاب المقدس.‏ لنرَ معا ماذا يقول›.‏ ومع الوقت،‏ لم يقبل الحق ابي فحسب،‏ بل ايضا ٦٣ فردا من عائلتنا».‏

عقد المحافل خلال فترة من الاحتجاجات

في اواسط ثمانينات القرن العشرين،‏ اخذ الوضع السياسي في بورما يزداد اضطرابا.‏ وأخيرا في عام ١٩٨٨،‏ نزل عشرات الآلاف الى الشوارع احتجاجا على الحكومة.‏ لكنّ المظاهرة قُمعت بسرعة وأُعلنت الاحكام العرفية في معظم انحاء البلاد.‏

يتذكر جو وين،‏ عضو في بيت ايل:‏ «فرضت السلطات حظر تجوّل صارما،‏ ومنعت التجمعات لأكثر من خمسة اشخاص.‏ فتساءلنا إن كان ينبغي إلغاء محافلنا الكورية التي ستُعقد في وقت قريب.‏ لكننا اتكلنا على يهوه وطلبنا من القائد العسكري في مقاطعة يانڠون ان يمنحنا إذنا بعقد محفل يضم ٠٠٠‏,١ شخص.‏ وكم فرحنا حين حصلنا على الموافقة بعد يومين!‏ وعندما أرينا الاذن للسلطات في مناطق اخرى،‏ سمحت هي بدورها ان نعقد المحافل في تلك المناطق.‏ وهكذا بمساعدة يهوه،‏ حققت سلسلة المحافل الكورية كلها نجاحا باهرا».‏

لم يتخلَّوا عن التجمعات المسيحية

بعد الانقلاب الذي حدث سنة ١٩٨٨،‏ راح الوضع الاقتصادي في بورما يسوء اكثر فأكثر.‏ رغم ذلك،‏ اظهر الاخوة والاخوات ايمانا قويا باللّٰه اذ استمروا في وضع مصالح الملكوت اولا في حياتهم.‏ —‏ مت ٦:‏٣٣‏.‏

تأمل مثلا في تشين كان دال الذي عاش هو وعائلته في قرية نائية في ولاية ساڠينڠ.‏ يوضح:‏ «اردنا ان نحضر المحفل الكوري في تَهان التي تبعد عنا سفر يومين بالقارب والشاحنة.‏ لكننا فكرنا:‏ ‹ماذا نفعل بدجاجاتنا؟‏ مَن يعتني بها ويحرسها؟‏›.‏ مع ذلك،‏ توكّلنا على يهوه وذهبنا الى المحفل.‏ وحين عدنا وجدنا اننا فقدنا ١٩ دجاجة،‏ ما تسبب لنا بخسارة مادية كبيرة.‏ ولكن بعد سنة،‏ صار لدينا اكثر من ٦٠ دجاجة.‏ وفي حين قضى المرض على دجاج معظم القرويين تلك السنة،‏ واحدة من دجاجاتنا لم تمت».‏

هنالك ايضا أُونڠ تِن نْيوت وزوجته نْياين مْيا اللذان عاشا مع اولادهما التسعة في قرية دْجُونشا الصغيرة التي تقع على بعد ٦٤ كيلومترا شمال غرب يانڠون.‏ فقد ظلا يركّزان على الامور الروحية رغم اوضاعهما المعيشية الصعبة.‏ يروي أُونڠ تِن نْيوت:‏ «اقتصر طعامنا في اغلب الاحيان على الارزّ المطبوخ والخضر،‏ ولم نملك مالا او اي شيء نبيعه.‏ مع ذلك لم نشعر باليأس،‏ بل كنت اشجع عائلتي قائلا:‏ ‹لم يكن لدى يسوع مكان ليضع رأسه.‏ لذا حتى لو اضطررت ان اسكن تحت شجرة او اموت من الجوع،‏ فسأستمر في عبادة اللّٰه بأمانة›.‏

‏«ولكن ذات يوم،‏ خلا بيتنا من اي طعام.‏ وحين رأيت القلق يرتسم على وجه زوجتي وأولادي،‏ طمأنتهم قائلا:‏ ‹لا تحملوا همًّا،‏ اللّٰه سيساعدنا›.‏ في ذلك الصباح،‏ امضيت وقتي في خدمة الحقل ثم اخذت ابنائي لنصطاد السمك.‏ لكننا لم نجمع سوى كمية صغيرة تكفينا وجبة واحدة فقط.‏ فتركت سلال الصيد عند النهر قرب مجموعة من ازهار الزنبق المائية وقلت لأبنائي:‏ ‹سنعود لاحقا بعد الاجتماع›.‏ فحدث بعد ظهر ذلك اليوم ان هبّت رياح شديدة.‏ وحين عدنا الى النهر،‏ وجدنا سمكا كثيرا يختبئ تحت الزنابق لاتّقاء الريح.‏ فأنزلنا سلالنا واصطدنا كمية وافرة بعناها واشترينا بثمنها طعاما يسدّ حاجتنا اسبوعا كاملا».‏

نعم،‏ لمس خدام يهوه في ميانمار مرة بعد اخرى اتمام وعد اللّٰه المبهج:‏ «لن اتركك ولن اتخلى عنك».‏ لذلك لا يترددون في القول:‏ «يهوه معيني فلا اخاف.‏ ماذا يفعل بي الانسان؟‏».‏ —‏ عب ١٣:‏٥،‏ ٦‏.‏

تحسينات في النشر والطباعة

منذ عام ١٩٥٦ والناس في ميانمار يستفيدون من الطعام الروحي المزوَّد بانتظام في الطبعة الميانمارية (‏البورمية)‏ من مجلة برج المراقبة.‏ فرغم المعارك الاثنية والنزاعات الاهلية والازمات الاقتصادية،‏ لم يتوقف عدد واحد منها قط.‏ فكيف كانت تصدر هذه المجلة؟‏

طوال سنوات عديدة،‏ ظل مكتب الفرع يرسل الى هيئة من المراقبين الحكوميين نسخا عديدة مطبوعة من نص المجلة المترجَم.‏ وحين ينال موافقتهم على النص،‏ يطلب إذنا بشراء ورق للطباعة.‏ بعد ذلك،‏ يأخذ احد الاخوة الورق ونص المجلة الى مطبعة تجارية حيث تُصفّ يدويا الحروف الطباعية الميانمارية (‏البورمية)‏ حرفا بحرف،‏ صفحة بصفحة.‏ وبعد ان يصحّح الاخ النص توخِّيا للدقة،‏ تُطبع المجلة بواسطة مطبعة متخلِّعة،‏ ثم تُرسل نسخ منها الى هيئة المراقبين الذين يصدرون وثيقة رسمية تجيز طبعها.‏ ولا شك ان هذه الاجراءات الشاقة استغرقت اسابيع كثيرة،‏ وكانت نوعية الورق والطباعة رديئة للغاية.‏

ولكن عام ١٩٨٩،‏ حصل الفرع على نظام نشر جديد غيّر كليا عملية الطباعة:‏ نظام التنضيد التصويري الالكتروني المتعدِّد اللغات (‏MEPS)‏ الذي صُمِّم وطُوِّر في المركز الرئيسي العالمي.‏ وقد استخدم هذا النظام اجهزة كمبيوتر،‏ برامج الكترونية،‏ وأجهزة تنضيد تصويري لإنتاج نصوص قابلة للطبع بـ‍ ١٨٦ لغة،‏ بما فيها اللغة الميانمارية.‏ *

يقول ميا ماونڠ الذي عمل في الفرع:‏ «كان شهود يهوه هم الاوائل في ميانمار الذين استعملوا اجهزة الكمبيوتر في اعداد وإنتاج المطبوعات.‏ ونظام التنضيد التصويري الالكتروني المتعدِّد اللغات الذي استخدم احرفا ميانمارية جميلة صُمِّمت في فرعنا،‏ احدث تغييرا مهما في الطباعة المحلية.‏ فقد تعجّب الناس كيف صنعنا الاحرف بهذا الاتقان».‏ فضلا عن ذلك،‏ دعم هذا النظام الجديد طباعة الأوفست التي تُعتبر نقلة نوعية في مجال الطباعة.‏ كما فسح المجال لإنتاج صور عالية الجودة،‏ فأصبحت برج المراقبة اكثر جاذبية بكثير.‏

سنة ١٩٩١،‏ وافقت حكومة ميانمار على طبع مجلة استيقظ!‏،‏ الامر الذي لم يُفرِح الاخوة فقط بل الناس ايضا.‏ قال رسمي في وزارة الاعلام،‏ معبّرا عن مشاعر قراء كثيرين:‏ «هنالك فرق بين استيقظ!‏ والمجلات الدينية الاخرى.‏ فهي تغطي العديد من المواضيع الشيقة،‏ وموادها سهلة الفهم.‏ كم احب ان اقرأها!‏».‏

في السنوات العشرين الماضية،‏ ازداد عدد المجلات التي يطبعها الفرع شهريا من ٠٠٠‏,١٥ الى اكثر من ٠٠٠‏,١٤١،‏ زيادة بلغت ٩٠٠ في المئة تقريبا!‏ واليوم،‏ باتت برج المراقبة و استيقظ!‏ مجلتين مألوفتين في يانڠون،‏ ويتمتع اناس من كل انحاء البلد بقراءتهما.‏

الحاجة الى مكتب فرع جديد

بعد انقلاب عام ١٩٨٨،‏ طلبت السلطات العسكرية من الهيئات الاجتماعية والدينية في ميانمار ان يتسجّلوا رسميا لدى الحكومة.‏ وطبعا،‏ لبّى مكتب الفرع هذا الطلب على الفور.‏ وبعد سنتين،‏ في ٥ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٠،‏ سجّلت الحكومة «جمعية شهود يهوه (‏برج المراقبة)‏» رسميا في ميانمار.‏

بحلول هذا الوقت،‏ كان الاخوة قد نقلوا مكتب الفرع من شارع ٣٩ الى منزل يتألف من طابقين على ارض مساحتها ٠٢٣‏,٢ مترا مربعا في شارع إينيا الواقع في ضاحية غنية شمال مدينة يانڠون.‏ ولم تبقَ زاوية لم تُستغل في هذا المبنى الجديد.‏ يتذكر ڤيڤ موريتس الذي زار ميانمار آنذاك كناظر اقليم:‏ «كان اعضاء عائلة بيت ايل الـ‍ ٢٥ يعملون في ظروف صعبة.‏ فقد طبخت اخت الطعام على لوح تسخين كهربائي لأن المطبخ لم يكن مزوَّدا بموقد.‏ وغسلت اخرى الثياب في حفرة في الارض اذ لم تتوفر غسّالة في المغسل.‏ وقد اراد الاخوة شراء موقد وغسّالة،‏ لكنّ استيرادهما لم يكن ممكنا».‏

في ظل هذه الظروف،‏ تبيّن بوضوح ان الاخوة كانوا بحاجة الى فرع اكبر.‏ لذلك وافقت الهيئة الحاكمة على اقتراحهم ان يهدموا المنزل المؤلَّف من طابقين ويشيّدوا في الموقع نفسه مبنى من اربعة طوابق يضم مكاتب ومكانا للسكن.‏ ولكن قبل ان يباشروا العمل،‏ وجب عليهم تذليل عقبات كبيرة.‏ اولا،‏ لزم ان يحصلوا على موافقة ست جهات رسمية.‏ ثانيا،‏ لم يمتلك متعهّدو البناء المحليين خبرة في تشييد الابنية ذات الهياكل الفولاذية.‏ ثالثا،‏ لم يُسمح للاخوة المتطوعين من خارج البلاد بالدخول الى ميانمار.‏ وأخيرا،‏ تعذّر الحصول على مواد البناء من الاسواق المحلية او استيرادها من الخارج.‏ فبدا ان المشروع محكوم عليه بالفشل.‏ غير ان الاخوة اتكلوا على يهوه كعادتهم،‏ وفكّروا:‏ ‹اذا كانت هذه مشيئته،‏ فسيُبنى مكتب الفرع الجديد لا محالة›.‏ —‏ مز ١٢٧:‏١‏.‏

‏«لا بقوة،‏ بل بروحي»‏

يتابع جو وين من قسم القضايا القانونية في الفرع ما حدث قائلا:‏ «حصل طلبنا بالتتابع على موافقة خمس من الجهات الرسمية الست،‏ بما فيها وزارة الشؤون الدينية.‏ غير ان لجنة إنماء مدينة يانڠون رفضت الطلب لأنها ارتأت ان مبنى من اربعة طوابق عالٍ جدا.‏ وحين اعدنا تقديمه،‏ قوبل مجددا بالرفض.‏ لكنّ لجنة الفرع شجعتني على المثابرة.‏ فصلّيت بحرارة الى يهوه وقدّمت الطلب للمرة الثالثة.‏ فنلنا الموافقة.‏

‏«بعد ذلك،‏ قصدنا وزارة الهجرة حيث اعلمَنا الرسميون ان باستطاعة الاجانب دخول البلاد بموجب تأشيرة سياحية صالحة لمدة سبعة ايام فقط.‏ ولكن عندما اخبرناهم ان لدى المتطوعين الاجانب مهارات مميزة وأنهم سوف يدرّبون الاخوة المحليين على تقنيات بناء متطورة،‏ منحوهم تأشيرة لستة اشهر.‏

‏«ثم ذهبنا الى وزارة التجارة حيث علمنا ان كل عمليات الاستيراد مجمَّدة.‏ ولكن لمّا اوضحنا للرسميين طبيعة مشروعنا،‏ منحونا إذنا باستيراد مواد بناء قيمتها تفوق المليون دولار اميركي.‏ وماذا عن الرسوم الجمركية؟‏ توجّهنا الى وزارة المالية ونجحنا في الحصول على اعفاء من الضرائب.‏ وبهذه الطرائق وطرائق اخرى كثيرة،‏ لمسنا لمس اليد صحة كلمات يهوه:‏ ‹«لا بجيش ولا بقوة،‏ بل بروحي»،‏ قال يهوه الجنود›».‏ —‏ زك ٤:‏٦‏.‏

اخيرا عام ١٩٩٧،‏ توافد المتطوعون الى موقع البناء.‏ وكان الاخوة في اوستراليا قد تبرعوا بمعظم المواد المطلوبة،‏ فيما اتت اللوازم الاخرى من تايلند،‏ سنغافورة،‏ وماليزيا.‏ يروي بروس پيكِرينڠ الذي ساهم في الاشراف على المشروع:‏ «جهّز اخوة في اوستراليا مسبقا الهيكل الفولاذي بكامله،‏ ثم سافروا الى ميانمار وركّبوه قطعة قطعة.‏ والمدهش ان ما من ثقب احدثوه إلا وكان في محلّه!‏».‏ وقد انضم اليهم متطوعون آخرون من المانيا،‏ بريطانيا،‏ فيجي،‏ نيوزيلندا،‏ الولايات المتحدة،‏ واليونان.‏

وللمرة الاولى بعد ٣٠ سنة،‏ استطاع الناشرون المحليون ان يتواجدوا بحرية مع اخوة وأخوات اجانب.‏ يتذكر دونالد دْيوِر:‏ «شعرنا بفرح غامر وكأننا في حلم!‏ فقد تشجعنا الى حد كبير بمحبة هؤلاء الاخوة ونضجهم الروحي وروح التضحية بالذات التي اعربوا عنها».‏ ويضيف اخ آخر:‏ «اكتسبنا ايضا مهارات مهمة في مجال البناء.‏ فالناشرون الذين لم يشعلوا يوما سوى الشموع تعلّموا كيف يمدّون اسلاكا كهربائية للانارة.‏ والذين لا يعرفون سوى المراوح اليدوية تعلّموا تركيب مكيّفات الهواء.‏ حتى اننا صرنا نتقن استعمال المعدات الكهربائية».‏

من ناحية اخرى،‏ تأثّر المتطوعون الاجانب تأثّرا بالغا بإيمان ومحبة الاخوة والاخوات في ميانمار.‏ يقول بروس پيكِرينڠ:‏ «كان الاخوة اسخياء النفس رغم فقرهم.‏ فقد دعانا كثيرون الى منازلهم وقدّموا لنا طعاما يكفي عائلاتهم عدة ايام.‏ لقد ذكّرنا مثالهم بالامور المهمة حقا في الحياة:‏ العائلة،‏ الايمان،‏ معشر اخوتنا،‏ وبركة اللّٰه».‏

وفي ٢٢ كانون الثاني (‏يناير)‏ ٢٠٠٠،‏ دُشّن الفرع الجديد في اجتماع خصوصي عُقد في المسرح الوطني.‏ وكم سُرّ الاخوة المحليون عندما ألقى الاخ جون إ.‏ بار من الهيئة الحاكمة خطاب التدشين!‏

بناء قاعات ملكوت جديدة

فيما اوشك بناء الفرع الجديد على الانتهاء،‏ وجّه الاخوة انتباههم الى حاجة ملحة اخرى هي قاعات الملكوت.‏ لذا سنة ١٩٩٩،‏ اتى نوبوهيكو كوياما برفقة زوجته آيا من اليابان وساهم في تأسيس مكتب لبناء قاعات الملكوت في الفرع.‏ يقول نوبوهيكو:‏ «ابتدأت انا والاخوة بمعاينة اماكن الاجتماعات في كل البلد.‏ وتطلب ذلك التنقل بالباصات،‏ الطائرات،‏ الدراجات النارية والهوائية،‏ القوارب،‏ وسيرا على الاقدام.‏ وغالبا ما احتجنا الى إذن من الحكومة لدخول مناطق عديدة محظورة على الاجانب.‏ وما إن حدّدنا اين سنبني قاعات جديدة حتى خصّصت لنا الهيئة الحاكمة مبالغ مالية ضمن برنامج بناء القاعات في البلدان ذات الموارد المحدودة.‏

‏«وبعدما جمعنا فريقا من الاخوة المتطوعين،‏ رتبنا ان يتوجّهوا الى شْويپيثا،‏ احدى ضواحي يانڠون،‏ لبناء اول قاعة.‏ وهناك،‏ عمل الاخوة المحليون والاجانب جنبا الى جنب،‏ الامر الذي اثار استغراب رجال الشرطة.‏ فأوقفوا عمل البناء عدة مرات للتأكد من رؤسائهم هل هذا الاختلاط مسموح.‏ لكنّ آخرين أثنوا على اخوتنا وعلى عملهم.‏ قال احدهم:‏ ‹رأيت شخصا اجنبيا ينظف الحمام،‏ وهذا مشهد لم أره قط في حياتي!‏ انتم حقا مميَّزون!‏›.‏

‏«في تلك الاثناء،‏ شرع فريق آخر يبني قاعة جديدة في تاشيلايك،‏ مدينة على الحدود بين ميانمار وتايلند.‏ فكان العديد من الشهود التايلنديين يجتازون الحدود كل يوم للعمل في المشروع الى جانب اخوتهم في ميانمار.‏ وقد عملوا معا باتحاد رغم انهم لا يتكلمون اللغة نفسها.‏ وبذلك تباينوا تباينا صارخا مع افراد جبهتين متعارضتين اشتبكوا على الحدود فيما اوشك بناء القاعة على الانتهاء.‏ وخلال القتال،‏ انهمر وابل من القنابل والرصاص حول القاعة،‏ لكنها لم تتضرر اطلاقا.‏ وحين هدأت الاوضاع،‏ اجتمع فيها ٧٢ شخصا وحضروا تدشينها لعبادة يهوه اله السلام».‏

وهكذا منذ سنة ١٩٩٩،‏ عملت فرق بناء قاعات الملكوت على تشييد اكثر من ٦٥ قاعة في كل انحاء ميانمار.‏ فماذا كان وقع ذلك على الناشرين المحليين؟‏ عبّرت اخت عن مشاعر الكثيرين قائلة وهي تذرف دموعا تعكس فرحها وامتنانها:‏ «لم اتخيل يوما اننا سنحظى بقاعة جديدة بهذه الروعة!‏ سوف ابذل الآن جهودا اضافية لدعوة المهتمين الى حضور الاجتماعات.‏ كم اشكر يهوه وهيئته على محبتهما لنا!‏».‏

المرسلون يتوافدون

خلال تسعينات القرن العشرين،‏ ابتدأت ميانمار تنفتح تدريجيا على العالم الخارجي بعد عقود من العزلة.‏ فسعى مكتب الفرع الى نيل إذن من الحكومة بدخول المرسلين مجددا الى البلاد.‏ وأخيرا،‏ في كانون الثاني (‏يناير)‏ ٢٠٠٣،‏ وصل من اليابان هيروشي أَوُكي وزوجته دْجونكو المتخرجان من جلعاد،‏ وهما اول مرسلَين يطآن ارض ميانمار بعد حوالي ٣٧ سنة.‏

يخبر هيروشي:‏ «بما ان الاجانب كانوا معدودين في البلاد،‏ لزم ان نتوخّى الحذر خشية ان تسيء السلطات فهم طبيعة عملنا الكرازي.‏ لذا رحنا في البداية نرافق الاخوة والاخوات المحليين في زياراتهم المكررة ودروسهم البيتية.‏ وسرعان ما وجدنا ان سكان ميانمار يحبّون التحدث عن اللّٰه.‏ ففي اول صباح لنا في الخدمة،‏ اسّسنا خمسة دروس جديدة في الكتاب المقدس».‏

وتضيف دْجونكو:‏ «كثيرا ما لمسنا توجيه يهوه.‏ فذات مرة،‏ ثُقب اطار دراجتنا النارية اثناء عودتنا من الخدمة بالقرب من مَنْدلاي.‏ فدفعنا الدراجة الى مصنع قريب حيث طلبنا المساعدة على اصلاح الاطار.‏ وفيما سمح حارس الامن لهيروشي ان يُدخل الدراجة الى المصنع،‏ بقيتُ انا انتظره في كشك الحرّاس.‏ فسألني احدهم بدافع الفضول:‏

‏«‹ماذا تفعلان هنا؟‏›.‏

‏«اجبته:‏ ‹نزور بعض الاصدقاء›.‏

‏«لكنه أصرّ ان يعرف المزيد فسأل:‏ ‹وما الغاية من هذه الزيارة؟‏ أهي بهدف ديني؟‏›.‏

‏«فتجاهلت سؤاله لأني لم اكن متأكدة من دوافعه.‏

‏«عندئذ ألحّ عليّ قائلا:‏ ‹كوني صريحة.‏ الى اية هيئة تنتميان؟‏›.‏

‏«اذّاك اخرجت من حقيبتي نسخة من مجلة برج المراقبة وأريته اياها.‏

‏«فهتف بحماسة قائلا:‏ ‹لقد حزرت!‏›.‏ ثم التفت الى زملائه وصرخ:‏ ‹لا بد ان ملاكا ثقب اطار الدراجة كي يأتي شهود يهوه الينا!‏›.‏

‏«وما لبث ان تناول حقيبته وأخرج منها كتابا مقدسا وإحدى نشراتنا.‏ فتبيّن انه سبق ان درس مع الشهود في منطقة اخرى لكنه فقد كل اتصال بهم منذ انتقاله الى مَنْدلاي.‏ فاستأنفنا درس الكتاب المقدس معه على الفور.‏ وفي وقت لاحق،‏ درس الحق بعض زملائه ايضا».‏

عام ٢٠٠٥،‏ وصل الى ميانمار اربعة مرسلين آخرين متخرجين من مدرسة تدريب الخدام (‏تُدعى الآن مدرسة الكتاب المقدس للاخوة العزاب)‏ في الفيليبين.‏ وكان بينهم نلسون هونيو الذي صعُب عليه تحمّل الغربة،‏ على غرار كثيرين غيره من المرسلين.‏ يقول:‏ «غالبا ما كنت استرسل في البكاء والصلاة قبل ان اخلد الى النوم.‏ ولكن في احد الايام،‏ قرأ عليّ اخ لطيف الآية في العبرانيين ١١:‏١٥،‏ ١٦ التي تخبر كيف ان ابراهيم وسارة لم يظلّا يتوقان الى أُور بل تطلّعا الى الامام انسجاما مع قصد اللّٰه.‏ ومذّاك،‏ توقفت عن البكاء وبدأت اعتبر المكان الذي اخدم فيه بيتا لي».‏

امثلة حسنة تفيد الكثيرين

في القرن الاول،‏ اسدى الرسول بولس نصيحة الى تيموثاوس قائلا:‏ «ما سمعته مني .‏ .‏ .‏ استَودِعْه اناسا امناء يكونون هم ايضا اهلا ليعلّموا آخرين».‏ (‏٢ تي ٢:‏٢‏)‏ وتطبيقا لهذه المشورة،‏ سعى المرسلون الى مساعدة الجماعات في ميانمار ان يتّبعوا بأكثر دقة الارشاد الذي تزوّده هيئة يهوه لجميع الاخوة حول العالم.‏

على سبيل المثال،‏ لاحظ المرسلون ان ناشرين كثيرين يطلبون من تلاميذهم ان يردّدوا الاجوبة مباشرة كما ترد في المطبوعة،‏ وهو اسلوب متّبع في معظم مدارس ميانمار.‏ يذكر دْجومار أوبينيا:‏ «شجعنا الناشرين ان يطرحوا اسئلة تبيّن وجهات نظر تلاميذهم لكي يستقوا افكارهم ومشاعرهم.‏ فلم يترددوا في تطبيق اقتراحنا وصاروا بالتالي اكثر براعة في التعليم».‏

وجد المرسلون ايضا ان جماعات كثيرة لا يهتم بها سوى شيخ او خادم مساعد واحد.‏ وكان بعض هؤلاء الاخوة،‏ رغم امانتهم وعملهم الدؤوب،‏ يتسلّطون على الرعية ويعاملونها بحزم.‏ ولا شك ان هذا الميل البشري عينه ظهر في القرن الاول،‏ ما حدا بالرسول بطرس الى حث الشيوخ قائلا:‏ «ارعوا رعية اللّٰه التي في عهدتكم .‏ .‏ .‏ لا سائدين على مَن هم ميراث اللّٰه،‏ بل صائرين امثلة للرعية».‏ (‏١ بط ٥:‏٢،‏ ٣‏)‏ فكيف استطاع المرسلون مد يد العون لإخوتهم في هذا المجال؟‏ يروي بنجامن رايِس:‏ «رسمنا لهم مثالا حسنا،‏ فحاولنا ان نكون لطفاء وودعاء الى اقصى حد،‏ وسهّلنا على الآخرين كثيرا التقرّب منا».‏ ومع الوقت،‏ اثّر مثال المرسلين الحسن في شيوخ كثيرين.‏ فغيّروا طريقة تعاملهم مع افراد الرعية وباتوا يُظهرون لهم مزيدا من التعاطف.‏

ترجمة محسَّنة تجلب البركات

طوال سنوات عديدة،‏ استخدم الاخوة في ميانمار كتابا مقدسا ترجمه احد مرسَلي العالم المسيحي في القرن الـ‍ ١٩ بمساعدة رهبان بوذيين.‏ لكنّ هذه الترجمة صعبة الفهم وتغصّ بكلمات من اللغة الباليّة بطل استعمالها.‏ لذا حين صدرت سنة ٢٠٠٨ الاسفار اليونانية المسيحية —‏ ترجمة العالم الجديد باللغة الميانمارية،‏ غمرت الاخوة سعادة لا تُوصف.‏ يتذكر موريس راج:‏ «لم يكفَّ الحضور عن التصفيق،‏ وبكى البعض من الفرح حين تسلّموا نسختهم الخاصة.‏ فالترجمة الجديدة واضحة وبسيطة ودقيقة.‏ حتى البوذيون لن يستصعبوا فهمها».‏ ولم يمضِ وقت طويل على صدور الترجمة حتى ارتفعت نسبة دروس الكتاب المقدس في ميانمار اكثر من ٤٠ في المئة.‏

وعلى غرار لغات اخرى كثيرة،‏ للغة الميانمارية شكلان:‏ واحد رسمي مفرداته مستقاة من اللغتين الباليّة والسَّنسكريتية،‏ والآخر محكيّ يُستخدم في الاحاديث اليومية.‏ ويمكن استعمال كلا الشكلين قولا وكتابة.‏ وقد كانت معظم مطبوعاتنا القديمة تصدر باللغة الرسمية التي يصعب على اعداد متزايدة من الناس اليوم فهمها.‏ لذلك،‏ اخذ الفرع هذا الامر بالاعتبار وبدأ مؤخرا بترجمة المطبوعات الى اللغة التي يتكلمها الناس كل يوم ويفهمونها بسهولة.‏

وهذه المطبوعات الجديدة احدثت وقعا كبيرا على الفور.‏ يوضح ثان تْوي أُو،‏ ناظر قسم الترجمة:‏ «لطالما قال لنا الناس:‏ ‹مطبوعاتكم رفيعة المستوى،‏ لكننا لا نفهمها›.‏ اما الآن فتشرق وجوههم سرورا عندما يتسلّمونها،‏ ويباشرون قراءتها في الحال.‏ ويعبّر عديدون ان مطبوعاتنا اصبحت واضحة وسهلة الفهم للغاية».‏ علاوة على ذلك،‏ تحسّنت تعليقات الحضور في الاجتماعات لأنهم اصبحوا يفهمون بوضوح ما هو مكتوب.‏

حاليا،‏ يضم قسم الترجمة ٢٦ مترجما كامل الوقت يعملون في ثلاث فرق لغوية هي الميانمارية،‏ هاكا تشين،‏ وسْڠو كايين.‏ وتُترجم المطبوعات ايضا الى ١١ لغة محلية اخرى.‏

اعصار نرجس

في ٢ ايار (‏مايو)‏ ٢٠٠٨،‏ اجتاح اعصار نرجس ميانمار مصحوبا برياح بلغت سرعتها ٢٤٠ كيلومترا في الساعة.‏ فخلّف وراءه الدمار والموت من دلتا إيياروَدي الى الحدود التايلندية.‏ وألحق الاذى بأكثر من مليونَي شخص وتسبّب بموت وفقدان نحو ٠٠٠‏,١٤٠ آخرين.‏

صحيح ان هذا الاعصار أضرّ بآلاف الشهود،‏ لكنّ المدهش ان احدا لم يُصب بأذى.‏ وقد نجا كثيرون منهم بالاحتماء بقاعات الملكوت الحديثة البناء.‏ على سبيل المثال،‏ في قرية بوثينڠون الساحلية الواقعة في دلتا إيياروَدي،‏ جثم ٢٠ شاهدا و ٨٠ شخصا آخر طوال تسع ساعات داخل تجويف سقف قاعة الملكوت فيما راحت مياه الفيضان ترتفع بشكل مخيف مقتربة من السقف.‏ ولم يبرحوا مكانهم حتى انحسرت المياه.‏

بعد يومين فقط من وقوع الكارثة،‏ ارسل مكتب الفرع فريق اغاثة الى المنطقة الاكثر تضررا عند طرف الدلتا.‏ وكان هذا الفريق،‏ الذي حمل الطعام والماء والدواء،‏ اول مَن بلغ القرية مع انه اضطر الى اجتياز عدة مناطق منكوبة تنتشر فيها الجثث.‏ وبعد تسليم المؤن للاخوة والاخوات المحليين،‏ ألقى اعضاء من الفريق خطابات مؤسسة على الكتاب المقدس لتشجيعهم،‏ وتركوا معهم كتبا مقدسة ومطبوعات اخرى لأن الاعصار جرف كل امتعتهم.‏

ولتنسيق عمل الاغاثة الضخم،‏ شكّل مكتب الفرع لجنتَي اغاثة في يانڠون وباذان.‏ فنظّمت هاتان اللجنتان مئات المتطوعين كي يوزّعوا الماء والارزّ والمؤن الاساسية الاخرى على ضحايا الاعصار.‏ كما رتبتا ان تقوم فرق بناء متنقلة بإصلاح او اعادة بناء بيوت الشهود المتضررة او المدمَّرة.‏

يتذكر طوبِياس لونْد،‏ احد الاخوة المتطوعين:‏ «عثرنا انا وزوجتي صوفيا على فتاة عمرها ١٦ سنة تُدعى ماي سين أُو،‏ هي الناشرة الوحيدة في عائلتها.‏ كانت جالسة تحت اشعة الشمس بين بقايا منزل عائلتها تجفف كتابها المقدس.‏ ومع ان ابتسامة ارتسمت على شفتيها حين رأتنا،‏ كان الدمع يسيل على خدّها.‏ ولكن لم يمضِ وقت طويل حتى وصل متطوعون في احدى فرق البناء المتنقلة معتمرين خوذا واقية للرأس وحاملين معدات كهربائية ومواد بناء،‏ وشرعوا يشيّدون منزلا جديدا لهذه العائلة.‏ فدُهش الجيران،‏ وبقي الناس يتجمّعون اياما حول الموقع الذي امسى محطّ الانظار في المنطقة.‏ حتى ان المتفرجين عبّروا قائلين:‏ ‹لم نرَ يوما شيئا كهذا!‏ ان هيئتكم متحدة ومُحبة جدا.‏ نحن ايضا نريد ان نصبح من شهود يهوه›.‏ ومن المفرح ان كل عائلة ماي سين أُو تحضر الآن الاجتماعات وتحرز تقدما روحيا جيدا».‏

استمرت اعمال الاغاثة لأشهر تلت.‏ فقد وزّع الاخوة اطنانا من المؤن،‏ وأصلحوا او اعادوا بناء ١٦٠ منزلا و ٨ قاعات للملكوت.‏ صحيح ان اعصار نرجس جلب الكوارث والمآسي على ميانمار،‏ لكنه كشف عن شيء لا يُقدَّر بثمن:‏ اواصر المحبة التي توحّد شعب يهوه وتمجّد اسمه العظيم.‏

حدث تاريخي

في اوائل سنة ٢٠٠٧،‏ تسلّم مكتب فرع ميانمار رسالة مبهجة.‏ يروي جون شارپ الذي وصل الى الفرع سنة ٢٠٠٦ مع زوجته جانيت:‏ «طلبتْ منا الهيئة الحاكمة ان ننظّم محفلا امميا في يانڠون سنة ٢٠٠٩.‏ وكان سيُدعى الى حضوره مئات المندوبين من عشرة بلدان،‏ وهو امر لم يشهده فرعنا من قبل».‏

ويضيف جون:‏ «تبادرت الى ذهننا عشرات الاسئلة،‏ من بينها:‏ ‹اي مكان يتسع لهذا التجمع الضخم؟‏ هل يتمكن الناشرون في المناطق النائية من الحضور؟‏ اين يبيتون؟‏ كيف لهم ان يصلوا الى المحفل؟‏ هل بإمكانهم ان يتحملوا نفقات اعالة عائلاتهم؟‏ ايضا،‏ ماذا عن سلطات ميانمار؟‏ هل يُعقل ان تسمح بتجمع كهذا؟‏›.‏ فبدا لنا ان العقبات لا تُعدّ ولا تُحصى.‏ غير اننا تذكرنا كلمات يسوع:‏ ‹ان المستحيل عند الناس مستطاع عند اللّٰه›.‏ (‏لو ١٨:‏٢٧‏)‏ فوضعنا ثقتنا بيهوه وشرعنا نخطط للمحفل بدأب.‏

‏«وسرعان ما وجدنا مكانا مناسبا قرب وسط المدينة:‏ مدرّج ميانمار الوطني المغلَق المجهز بمكيّفات للهواء وب‍ ٠٠٠‏,١١ مقعد.‏ فقدّمنا على الفور طلبا بحجزه.‏ ولكن بعد انتظار دام اشهرا،‏ وقبل موعد المحفل بأسابيع فقط،‏ لم يكن طلبنا قد حظي بالموافقة بعد.‏ ثم بلغَنا الخبر الصاعق ان ادارة المدرّج سبق ان وافقت على حجزه لبطولة في الملاكمة في نفس الايام المعيّنة لمحفلنا.‏ وبما ان الاوان فات لإيجاد مكان بديل،‏ حاولنا بصبر ان نتفاوض مع متعهد الحدث وعشرات الرسميين لحل المسألة.‏ وأخيرا وافق المتعهد على التأجيل شرط ان يقبل المتبارون المحترفون الـ‍ ١٦ ان يغيّروا عقودهم.‏ والمدهش انهم وافقوا كلهم دون استثناء على التغيير عندما علموا ان شهود يهوه يريدون المكان من اجل عقد محفل ضخم».‏

ويتابع جو وين من لجنة الفرع:‏ «ولكن كي نستعمل المدرّج،‏ كنا بعد بحاجة الى موافقة الحكومة التي سبق ان رفضت طلبنا اربع مرات.‏ فصلّينا الى يهوه ثم ذهبنا للقاء الجنرال المسؤول عن كل المدرّجات في ميانمار.‏ وكانت تلك الزيارة قبل اسبوعين فقط من موعد المحفل،‏ وأول مرة نحظى فيها بفرصة التكلم مع رسمي حكومي بمثل هذا المركز المرموق.‏ وكم سررنا حين وافق على طلبنا!‏».‏

في تلك الاثناء،‏ كان آلاف المندوبين من مختلف انحاء ميانمار وخارجها يتوافدون الى يانڠون بالطائرات،‏ القطارات،‏ المراكب،‏ الباصات،‏ الشاحنات،‏ وسيرا على الاقدام ايضا.‏ ولحضور المحفل،‏ قامت عائلات كثيرة من الاخوة في ميانمار بادخار المال طوال اشهر.‏ فمنهم مَن زرع المحاصيل،‏ ومنهم مَن ربّى الخنازير،‏ وآخرون خاطوا الملابس،‏ والبعض بحثوا عن الذهب في الانهر.‏ واللافت ان عددا كبيرا منهم لم يذهبوا قبلا الى مدينة كبيرة او يروا شخصا اجنبيا.‏

قدِم ما يزيد عن ٣٠٠‏,١ مندوب من شمال ميانمار الى محطة السكة الحديدية في مَنْدلاي ليستقلّوا قطارا خاصا استؤجر لنقلهم الى يانڠون.‏ وثمة مجموعة من الاخوة أتوا من جبال ناغا استغرقتهم السَّفرة ستة ايام وهم يحملون على ظهورهم ناشرَين انكسر كرسيّاهما المتحركان القديمان في وقت باكر من الرحلة.‏ وعلى رصيف المحطة،‏ نصب المئات خيامهم وأخذوا يتحدثون ويضحكون وينشدون ترانيم الملكوت.‏ يخبر بوم تشين كاي الذي ساهم في تأمين المواصلات الى المحفل:‏ «كان الجميع متحمسين.‏ وقد عملنا على تزويدهم بالطعام والماء وحُصُر النوم.‏ وحين وصل القطار في نهاية الامر،‏ ساعد الشيوخ الاخوة ان يصعدوا الى العربات المعيّنة لهم.‏ وأخيرا،‏ أُعلن بواسطة مكبِّر الصوت ان قطار شهود يهوه اصبح جاهزا للمغادرة.‏ فألقيتُ نظرة سريعة على الرصيف للتأكد ان الجميع صعدوا ثم قفزت على متن القطار وانطلقنا».‏

في غضون ذلك،‏ كانت الفنادق في يانڠون تستقبل نحو ٧٠٠ مندوب اجنبي.‏ ولكن ماذا عن المندوبين المحليين الذين يزيد عددهم عن ٠٠٠‏,٣؟‏ اين كانوا سيبيتون؟‏ يقول ميين لْوين الذي عمل في قسم المنامة:‏ «فتح يهوه قلوب الشهود في يانڠون كي يعتنوا بإخوتهم وأخواتهم.‏ فبعض العائلات استضافت ١٥ زائرا تقريبا،‏ دفعت عنهم رسوم التسجيل لدى السلطات،‏ وأمّنت لهم يوميا الفطور والمواصلات الى المدرّج ومنه.‏ من جهة اخرى،‏ مكث عشرات المندوبين في قاعات الملكوت،‏ وبات مئات آخرون في مصنع ضخم.‏ ولكن رغم هذه الجهود المكثفة لاستضافة المندوبين،‏ بقي نحو ٥٠٠ شخص دون مأوى.‏ ولمّا عرضنا المشكلة على ادارة المدرّج،‏ سمحوا للمندوبين ان يناموا فيه،‏ خطوة هي الاولى من نوعها».‏

وقد كان المدرّج بحالة سيئة للغاية.‏ لذا تعاون اكثر من ٣٥٠ متطوعا طوال عشرة ايام على تجهيزه للمحفل.‏ يروي تاي وين ناظر المحفل:‏ «اصلحنا انابيب المياه والشبكة الكهربائية ونظام التكييف،‏ ثم طلينا الموقع ونظفناه بالكامل.‏ وهذا العمل الهائل ادى الى تقديم شهادة حسنة.‏ فالضابط المسؤول عن المدرّج قال بإعجاب:‏ ‹ألف شكر لكم!‏ سأصلّي الى اللّٰه ان تستخدموا مدرّجي كل سنة!‏›».‏

حضر هذا المحفل الذي عُقد من ٣ الى ٦ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ٢٠٠٩ اكثر من ٠٠٠‏,٥ شخص.‏ وفي اليوم الاخير،‏ ارتدى الكثير من المندوبين ازياءهم التقليدية مقدّمين عرضا رائعا من الملابس الملونة.‏ تخبر احدى الاخوات:‏ «كان الجميع يتعانقون ويبكون حتى قبل بدء البرنامج!‏».‏ وبعدما ألقى ڠِريت لوش من الهيئة الحاكمة الصلاة الختامية،‏ صفّق الحاضرون ولوّحوا بأيديهم لعدة دقائق.‏ عبّرت اخت عمرها ٨٦ سنة عن مشاعر عديدين بالقول:‏ «أحسست وكأنني في العالم الجديد!‏».‏

من ناحية اخرى،‏ تأثّر عدد من الرسميين الحكوميين بما رأوه.‏ قال احدهم:‏ «هذا التجمع فريد من نوعه!‏ فما من احد يشتم او يدخّن او يمضغ جوزة الفوفل.‏ والجميع متحدون على اختلاف فئاتهم الاثنية.‏ لم أرَ يوما مثل هؤلاء الناس!‏».‏ ويروي موريس راج قائلا:‏ «اخبرَنا ايضا القائد العسكري الاعلى في يانڠون انه لم يشهد قط هو وزملاؤه مثل هذا الحدث المؤثّر».‏

ويوافق معظم المندوبين على ان الحدث كان مميَّزا للغاية.‏ ذكر احد الاخوة المحليين:‏ «قبل المحفل،‏ كنا نسمع فقط عن اخوّتنا العالمية.‏ اما الآن فلمسناها لمس اليد.‏ لن ننسى ما حيينا المحبة التي اظهرها لنا اخوتنا».‏

‏«ابيضت للحصاد»‏

منذ حوالي ٠٠٠‏,٢ سنة،‏ قال يسوع لتلاميذه:‏ «ارفعوا اعينكم وانظروا الحقول،‏ انها قد ابيضت للحصاد».‏ (‏يو ٤:‏٣٥‏)‏ وينطبق الامر عينه على ميانمار اليوم.‏ ففي الوقت الحاضر،‏ يبلغ عدد الناشرين ٧٩٠‏,٣ شخصا،‏ بنسبة ناشر واحد لكل ٩٣١‏,١٥ مواطنا.‏ نعم،‏ ان حقلا شاسعا قد ابيضّ للحصاد!‏ ويبدو ان حضور الذِّكرى سنة ٢٠١٢ الذي بلغ ٠٠٥‏,٨ اشخاص يبشّر بنموّ كبير في هذا البلد.‏

ثمة دليل آخر على هذا النمو المرتقَب هو ولاية راخين،‏ منطقة ساحلية على الحدود مع بنغلادش يسكنها نحو اربعة ملايين نسمة ليس بينهم اي شاهد ليهوه.‏ يقول موريس راج:‏ «تصلنا كل شهر رسائل كثيرة من سكان هذه المنطقة يلتمسون فيها المساعدة الروحية ويطلبون المطبوعات.‏ اضف الى ذلك ان عددا متزايدا من البوذيين في ميانمار،‏ ولا سيما المراهقين،‏ يعربون عن اهتمام بالحق.‏ لذا نحن لا ننفك نتوسل الى سيد الحصاد ان يرسل مزيدا من العمال الى حصاده».‏ —‏ مت ٩:‏٣٧،‏ ٣٨‏.‏

قبل ١٠٠ سنة تقريبا،‏ جلب فاتحان جريئان البشارة الى هذا البلد الذي يدين معظم سكانه بالبوذية.‏ ومذّاك،‏ يتخذ آلاف الاشخاص من مختلف الخلفيات الاثنية موقفهم الى جانب الحق.‏ ورغم المعارك العنيفة،‏ الاضطرابات السياسية،‏ الفقر المستشري،‏ الاضطهاد الديني،‏ الانعزال عن الدول الخارجية،‏ والكوارث الطبيعية،‏ يعرب الشهود في ميانمار عن ايمان وثقة راسخَين بيهوه اللّٰه وابنه يسوع المسيح.‏ فهم مصممون ان يكرزوا ببشارة الملكوت و ‹يحتملوا الى التمام ويكونوا طوال الاناة بفرح›.‏ —‏ كو ١:‏١١‏.‏

‏[الحواشي]‏

^ ‎الفقرة 2‏ كانت ميانمار تُدعى في السابق بورما تيمُّنا بقبيلة باما (‏البورميين)‏،‏ اكبر فئة اثنية في البلد.‏ وفي عام ١٩٨٩،‏ تغير اسمها الى اتحاد ميانمار ليمثِّل جميع فئاتها الاثنية.‏ وسنستخدم الاسم بورما عند الاشارة الى مرحلة ما قبل سنة ١٩٨٩،‏ والاسم ميانمار الى ما بعدها.‏

^ ‎الفقرة 8‏ يتحدر الشعب الانكلوهندي من اصول هندية وبريطانية.‏ وتحت الحكم البريطاني،‏ هاجر آلاف الهنود الى بورما التي اعتُبرت آنذاك جزءا من «الهند البريطانية».‏

^ ‎الفقرة 8‏ كان برترام ماسيلين اول شخص يعتمد ويصبح واحدا من شهود يهوه في بورما.‏ وقد حافظ على امانته حتى وفاته هناك في اواخر ستينات القرن الماضي.‏

^ ‎الفقرة 62‏ كانت تعادل آنذاك حوالي ٩٥ دولارا اميركيا،‏ وهو مبلغ كبير.‏

^ ‎الفقرة 71‏ انظر الصفحة ١٩٢ من الكتاب السنوي لشهود يهوه ١٩٦٦ (‏بالانكليزية)‏.‏

^ ‎الفقرة 113‏ اصدار شهود يهوه،‏ لكنه لم يعد يُطبع الآن.‏

^ ‎الفقرة 140‏ في الوقت الحالي،‏ يُستخدم نظام التنضيد التصويري الالكتروني المتعدِّد اللغات لإنتاج مطبوعات بأكثر من ٦٠٠ لغة.‏

‏[الاطار في الصفحتين ٨٢،‏ ٨٣]‏

لمحة عن ميانمار

اليابسة:‏

تمتاز ميانمار بتنوع ارضها الهائل.‏ فهي تجمع بين الجبال المكللة بالثلوج،‏ الغابات الحارة،‏ السهول الفسيحة،‏ والانهار الضخمة.‏ وهي الثانية بعد اكبر البلدان في جنوب شرق آسيا،‏ ومساحتها اكبر من مساحة فرنسا.‏

الشعب:‏

يبلغ عدد سكان ميانمار ٦٠ مليون نسمة تقريبا ينتمون الى ١٣٥ فئة اثنية على الاقل.‏ وتشكل فئة باما (‏البورميين)‏ الاثنية نحو ثلثي السكان.‏ وفي حين يعتنق نحو ٩٠ في المئة من الشعب مذهب ثِرڤادا البوذي،‏ يدين كثيرون من شعوب الكايين والشين والكاشين بالمسيحية الاسمية.‏

اللغة:‏

صحيح ان الميانمارية (‏البورمية)‏ هي لغة البلد الرسمية،‏ لكنّ معظم الفئات الاثنية لديها ايضا لغتها القبلية الخاصة.‏

سبل العيش:‏

يعتمد اقتصاد ميانمار على الزراعة،‏ استغلال الموارد الحرجية،‏ وصيد السمك.‏ ويُعتبر الارزّ المحصول الرئيسي في البلاد.‏ كما انها غنية بالموارد الطبيعية كخشب الساج،‏ المطاط،‏ اليشم،‏ الياقوت الأحمر،‏ النفط،‏ والغاز الطبيعي.‏

الطعام:‏

يتناول البورميون الارزّ في كل الوجبات تقريبا.‏ وغالبا ما يقدِّمون الى جانبه صلصة نڠاپي اللاذعة المصنوعة من السمك او القريدس المخمَّر.‏ من الشائع ايضا تناول السلطات ذات التوابل الخفيفة والاطعمة المنكَّهة بالكاري.‏ وقد تشتمل الوجبات على القليل من السمك والدجاج والقريدس.‏ اما المشروب الشائع فهو الشاي الاسود او الاخضر.‏

المناخ:‏

تؤثر الرياح الموسمية الاستوائية في المناخ.‏ وهناك ثلاثة فصول تتعاقب على مدار السنة:‏ فصل دافئ وآخر حار وثالث حار وممطر.‏ اما في المنطقة الجبلية الشمالية فيميل الطقس الى البرودة.‏

‏[الصورة]‏

‏[الصورة]‏

اصدقاء في ميانمار يتمتعون بإحدى وجبات الطعام التقليدية

‏[الاطار في الصفحة ٨٨]‏

مبشر غيور

سيدني كوت

تاريخ الولادة:‏ ١٨٩٦

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٣٩

لمحة عن حياته:‏ من اوائل الذين اعتنقوا الحق في ميانمار.‏ اقرأ في ما يلي ما روته ابنة اخته فيليس تساتوس (‏دي سوزا سابقا)‏.‏

خالي هو مَن عرّفنا بالحق.‏

فذات يوم اقترب مني وسألني:‏ «هل تؤمنين حقا بأن اللّٰه يُحرق الناس الى الابد في جهنم؟‏».‏

اجبته:‏ «نعم،‏ هذا ما تعلّمه الكنيسة الكاثوليكية».‏

فأشار الى كلب العائلة المدلل وسأل:‏ «ماذا تفعلين لو عضك؟‏».‏

اجبت:‏ «اضربه لأعلّمه ان ما فعله خطأ».‏

فقال:‏ «لمَ لا تعلّقينه من ذنبه ثم تحمّين قضيبا وتشكّينه به؟‏».‏

عندئذ صرخت مصعوقة:‏ «يا للهول!‏ هذا عمل وحشي!‏».‏

فسأل:‏ «حقا؟‏ لكنّ الكنيسة تعلّم ان اللّٰه يعذب الخطاة الى الابد بالنار في جهنم».‏

ان جوابه الواضح والمنطقي هذا دفعني ان اعيد النظر في معتقداتي.‏ وسرعان ما صار ثمانية من عائلتنا شهودا غيورين ليهوه.‏

‏[الصورة]‏

‏[الاطار في الصفحتين ٩٨،‏ ٩٩]‏

الحضارة والعادات في ميانمار

الاسماء:‏

معظم الناس في ميانمار لا يملكون اسم شهرة.‏ فأسماؤهم تتألف عادة من عدة كلمات ذات مقطع لفظي واحد وتشير الى صفات جميلة او اشياء او خلفية المرء الاثنية.‏ على سبيل المثال،‏ ان الاسم شو ساندا ميين يقابله حرفيا:‏ «جميل،‏ قمر،‏ فوق»،‏ والاسم تيت أُونڠ تون:‏ «ذكي،‏ ينتصر،‏ ضياء» والاسم نو ساي وا پو:‏ «امرأة،‏ فضة،‏ زهرة».‏

التحيات والمجاملات الاجتماعية:‏

التحيات والمجاملات في ميانمار طريفة تختلف باختلاف المناسبات.‏ فبعد طول فراق،‏ قد يقول المرء لصديقه بفرح:‏ «اذًا،‏ انت لم تمت بعد؟‏!‏».‏ وعندما يقترب وقت تناول الطعام قد يسألك احد ما:‏ «ألم تأكل حتى الآن؟‏».‏ اما وقت الرحيل فلا يقول المرء «وداعا»،‏ بل يكتفي بالقول:‏ «انا ذاهب الآن».‏ والجواب المعهود يكون إما «حسنا!‏» او «اذهب على مهل».‏

آداب السلوك:‏

يقدِّر شعب ميانمار الوداعة واللطف كثيرا.‏ فهم يحترمون الكبار السن ويخاطبونهم بألقاب مثل عم او عمة او معلِّم.‏ وعند تبادل الاشياء او المصافحة،‏ غالبا ما يمسك الشخص ساعدَه الايمن بيده اليسرى دلالة على الاحترام.‏ ومع ان الرجال والنساء،‏ متزوجين كانوا ام عزابا،‏ يتجنبون التعبير عن المودة علنا،‏ من الشائع ان يمسك افراد الجنس الواحد واحدهم بيد الآخر على مرأى من الجميع.‏

اللباس:‏

الزي التقليدي في ميانمار هو اللونجي،‏ قطعة قماش طويلة زاهية الالوان يُلفُّ بها الجسم من الخصر حتى الكاحلين،‏ يربطها الرجال من الامام فيما تثني النساء طرفها الى الداخل وتثبِّته عند الخصر.‏ اما تصاميم الاقمشة فتختلف بين الرجال والنساء وبين الفئات الاثنية.‏

مساحيق التجميل:‏

يستخدم معظم النساء والاولاد الثَّناكا،‏ مستحضرا عطِرا يُستخرج من لحاء شجرة الثَّناكا.‏ ويُستعمل للتجميل والعناية بالبشرة،‏ فيبرّدها ويقيها من اشعة الشمس الحارة.‏

‏[الصورة]‏

‏[الصورة]‏

امّ تضع مستحضر الثَّناكا على وجه ابنتها

‏[الاطار في الصفحتين ١٠٤،‏ ١٠٥]‏

يهوه جدّد روحي

ويلسون ثاين

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٤

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٥٥

لمحة عن حياته:‏ بذل هذا اللص السابق قصارى جهده ليغيّر شخصيته،‏ وهو يخدم فاتحا خصوصيا منذ ٥٤ سنة.‏

تعلّمت في صغري الملاكمة والمصارعة والجودو،‏ فصرت مع الوقت عنيفا وغضوبا.‏ وبعمر ١٩ سنة،‏ انضممت الى عصابة سطو مسلَّح.‏ ولكن في نهاية المطاف،‏ قُبض عليّ وسُجنت لمدة ثمانية اعوام.‏ اذّاك،‏ رحت اتأمل في مسلكي الرديء ولم اكفّ عن الصلاة.‏ ففي قرارة نفسي،‏ اردت ان اتعلم المزيد عن اللّٰه.‏

بعد اطلاق سراحي،‏ انتقلت الى يانڠون حيث حضرت اجتماعات شهود يهوه.‏ وأخيرا،‏ تأهلت للمعمودية بفضل المساعدة التي قدّمها لي عدد من الاخوة اللطفاء والصبورين.‏

ولكن حتى بعد معموديتي،‏ جاهدت كثيرا لأعرب عن الصفات المسيحية.‏ (‏اف ٤:‏٢٤‏)‏ فغالبا ما كنت انتقد الآخرين بشدة وأستاء منهم.‏ ومع اني اردت ان اتغيّر،‏ وجدت صعوبة في كبح غضبي.‏ وقد تضايقت كثيرا من حالتي المتردية،‏ حتى اني اعتدت الذهاب الى النهر والاسترسال في البكاء لساعات.‏

عام ١٩٥٧،‏ عيِّنت فاتحا خصوصيا في مَنْدلاي.‏ وهناك خدمت جنبا الى جنب مع مرسل اسمه روبرت ريتشاردز.‏ كان روبرت بمثابة اب لي اذ علّمني ان اركز على الصفات الحسنة لدى الناس وأتذكر بتواضع عيوبي.‏ (‏غل ٥:‏٢٢،‏ ٢٣‏)‏ وهكذا كنت كلما ثار غضبي،‏ اتوسل الى يهوه ان ‹يجدد في داخلي روحا ثابتا› يسوده السلام.‏ (‏مز ٥١:‏١٠‏)‏ وبالفعل،‏ استجاب يهوه صلواتي فتحسنَت شخصيتي مع الوقت.‏

لاحقا،‏ درست مع رجل معمداني عمره ٨٠ عاما.‏ فغضب مني اعضاء كنيسته واتهموني انني «اسرق» خرافهم.‏ حتى ان احدهم شهَر سكينا في وجهي وسأل بلهجة حادة:‏ «هل القتل خطية؟‏».‏ فاحتدم الغيظ في داخلي.‏ لكني رفعت على الفور صلاة صامتة الى يهوه وقلت بهدوء:‏ «انت اجبت عن سؤالك».‏ عندئذ تحيّر الرجل في امره ثم استدار ورحل.‏ وكم شكرت يهوه لمساعدتي ان احافظ على هدوئي!‏ وبعد فترة وجيزة،‏ اعتمد تلميذي المسن وبقي امينا ليهوه حتى مماته.‏

على مر السنين،‏ خدمت فاتحا خصوصيا في ١٧ تعيينا وساعدت ٦٤ شخصا على تعلّم الحق.‏ وتغرورق عيناي بالدموع كلما تأملت كم كان يهوه طيبا معي.‏ فقد اعانني انا الشاب الحزين والغضوب والعنيف ان انمّي روحا جديدا مسالما.‏

‏[الصورة]‏

‏[الصورة]‏

‏[النبذة]‏

تضايقت كثيرا من حالتي المتردية،‏ حتى اني اعتدت الذهاب الى النهر والاسترسال في البكاء لساعات

‏[الاطار في الصفحتين ١٠٨،‏ ١٠٩]‏

يهوه فتح الطريق امامي

موريس راج

تاريخ الولادة:‏ ١٩٣٣

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٩

لمحة عن حياته:‏ قضى اكثر من ٥٠ سنة في الخدمة كامل الوقت في ميانمار.‏ وقد خدم ناظرا للفرع هناك معظم هذه الفترة،‏ ولا يزال حتى يومنا عضوا في لجنة الفرع.‏ *

سنة ١٩٨٨،‏ هزّت يانڠون مظاهرات عنيفة حين نزل الآلاف الى الشوارع مطالبين بإصلاح سياسي في البلاد.‏ ولمّا كانت ميانمار على شفير الانهيار،‏ قام الجيش بانقلاب عسكري فارضا الاحكام العرفية على غالبية المناطق.‏ فلقي آلاف المعارضين مصرعهم.‏

في ذلك الشهر عينه،‏ كان علينا ان نرسل التقرير السنوي الى المركز الرئيسي العالمي في نيويورك.‏ إلا ان وسائل الاتصال المعتادة جميعها كانت مقطوعة،‏ ولم نجد طريقة لإرساله خارج البلد.‏ في تلك الاثناء،‏ علمت ان السفارة الاميركية ترسل بريدها الدبلوماسي الى الخارج بواسطة طائرة مروحية.‏ ففكرت في احتمال ارسال التقرير ضمن بريدها.‏ فارتديت افضل بدلة وربطة عنق لديّ وانطلقت نحو السفارة.‏

في الطريق،‏ لفت نظري الهدوء المخيّم على شوارع المدينة الغارقة بالسيول.‏ وسرعان ما قطع طريقي حاجز ضخم من الاخشاب.‏ فما كان مني إلا ان اوقفت السيارة جانبا وأكملت مشيا على الاقدام.‏

حين دنوت من بوابة السفارة،‏ رأيت المئات يصرخون طالبين ان يدخلوا الى المبنى،‏ لكنّ الجنود المتجهمين اعترضوا سبيلهم.‏ فتوقفت وصلّيت صلاة وجيزة.‏ واتفق ان لاحظ احد الطلاب هندامي المرتب فصرخ:‏ «لا بد ان هذا الرجل موظف في السفارة».‏ اذّاك،‏ اقحمت نفسي بين الحشود وتابعت طريقي.‏ وحين وصلت الى بوابة السفارة المقفلة نظر اليّ جندي ضخم نظرة ارتياب.‏

وصاح في وجهي قائلا:‏ «مَن انت وماذا تريد؟‏».‏

اجبت:‏ «ارغب في رؤية السفير.‏ احمل رسالة مهمة للغاية ينبغي ان تصل الى اميركا».‏

عندئذ،‏ حدق اليّ طويلا.‏ وفجأة،‏ فتح البوابة بعنف وسحبني،‏ ثم أغلقها في وجه الحشد الهائج.‏

وأمرني بغضب:‏ «اتبعني».‏

وعند باب السفارة،‏ سلّمني الى موظف مرهق سألني عمّا اريد.‏

فأجبت:‏ «انا من المكتب المحلي لجمعية برج المراقبة،‏ وأحمل تقريرا هاما ينبغي ان يصل الى مركزنا الرئيسي في نيويورك هذا الشهر.‏ هل ترسلونه رجاءً ضمن بريدكم الدبلوماسي؟‏».‏ وفيما كنت اسلّم الموظف ظرفي المهم قلت له:‏ «آسف جدا؛‏ لا احمل طابعا بريديا».‏

فاندهش الرجل بعض الشيء وأخذ يطرح عليّ الاسئلة.‏ لكنه اكد لي انه سيرسل الظرف.‏ وقد علمت لاحقا ان التقرير بلغ المركز الرئيسي العالمي في الوقت المحدد.‏

‏[الحاشية]‏

‏[الصورة]‏

‏[النبذة]‏

فيما كنت اسلّم الموظف ظرفي المهم قلت له:‏ «آسف جدا؛‏ لا احمل طابعا بريديا»‏

‏[الاطار في الصفحة ١١٦]‏

قاضٍ مخلص يقبل الحق

مانڠ دجونڠ

تاريخ الولادة:‏ ١٩٣٤

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٨١

لمحة عن حياته:‏ مدير مدرسة وقاضٍ بارز صار في وقت لاحق فاتحا غيورا.‏

عندما عرض عليّ احد الفاتحين عددا من برج المراقبة،‏ قلت له في بادئ الامر:‏ «انا مشغول جدا».‏ ولكن بما اني كنت مدمنا على التدخين،‏ خلت ان بإمكاني استعمال اوراق المجلة للفّ السيجارات،‏ فقبلتها.‏

وفيما كنت انتزع احدى الصفحات لألفّ سيجارا،‏ خطر لي ان اقرأها.‏ وهكذا تعرّفت بمجلة برج المراقبة وأحببتها.‏ فما قرأته فيها دفعني ان اقلع عن التدخين وأعيش حياة تنسجم مع مقاييس اللّٰه البارة.‏ وبعد فترة قصيرة،‏ اتخذت خطوة المعمودية.‏

ولاحقا،‏ عدت الى قريتي.‏ فعرض عليّ القس وشيوخ الكنيسة مبلغا من المال كي ارجع الى ديانتي السابقة.‏ وحين رفضت،‏ راحوا ينشرون الاكاذيب قائلين ان الشهود دفعوا لي المال كي اعتمد.‏ غير اني لم اكترث لافتراءاتهم هذه اذ كنت فخورا بالتعرّف الى الاله الحقيقي وخدمته.‏

‏[الصورة]‏

‏[الاطار في الصفحة ١٢٢]‏

يهوه بارك احتمالي

آ شي

تاريخ الولادة:‏ ١٩٥٢

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٩٨

لمحة عن حياته:‏ مبشر كاثوليكي (‏ليس رجل دين)‏ تعرّف الى الحق.‏

خدمت لسنوات طويلة مبشرا كاثوليكيا في المثلَّث الذهبي في ميانمار.‏ ولكن حين التقيت شهود يهوه ولمست كم هم ملمّون بالكتاب المقدس،‏ وافقت ان ادرس معهم.‏

وسرعان ما صرت ابشر في الكنيسة ايام الآحاد صباحا وأحضر الاجتماعات في قاعة الملكوت بعد الظهر.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى بت اشمل تعاليم الكتاب المقدس الحقة في عظاتي.‏ فاستاء مني بعض ابناء الابرشية،‏ هذا عدا عن الكاهن طبعا.‏ وعندما تركت عمل التبشير،‏ ادّعى عليّ ابناء الابرشية امام القضاء كي يطردوني من القرية.‏ فأخبرهم القاضي ان من حقي اختيار ديني.‏ لكنّ زوجتي تشيري ابت ان تهدأ وصرخت في وجهي قائلة:‏ «اذهب!‏ اذهب من هنا وخذ معك حقيبتك وكتابك المقدس!‏».‏ رغم ذلك لم اعاملها بالمثل،‏ بل واصلت الاعتناء بها وبأولادنا.‏ واليوم باتت زوجتي وأولادي ايضا خداما ليهوه.‏ فيا للفرح الذي اشعر به لأن يهوه بارك احتمالي!‏

‏[الصورة]‏

‏[الاطار في الصفحة ١٢٦]‏

تبددت شكوكي

ڠريڠوري ساريلو

تاريخ الولادة:‏ ١٩٥٠

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٨٥

لمحة عن حياته:‏ ناشط سابق في الكنيسة كان يشكّك في شهود يهوه معتقدا انهم انبياء دجالون.‏

كنت لسنوات عديدة كاثوليكيا متدينا آخذ القيادة في القيام بنشاطات الكنيسة في قريتي.‏ فرأيت خلال تلك الفترة كيف يتغاضى قادة الكنيسة عن الفساد الادبي،‏ يقدّمون الذبائح وفقا لمذهب الروحانية،‏ ويمارسون الارواحية.‏ فأثار رياؤهم اشمئزازي وتخلّيت عن مهماتي الكنسية.‏ لكني بقيت متمسكا بمعتقداتي الكاثوليكية.‏

سنة ١٩٨١،‏ التقيت شهود يهوه.‏ فتأثّرت بمدى معرفتهم للكتاب المقدس،‏ وقبلت ان ادرس معهم.‏ وقد كنت اشكّك كثيرا في تعاليمهم وأعارضهم باستمرار،‏ لكنهم ظلوا يجيبون عن اسئلتي من الاسفار المقدسة بمنتهى الهدوء.‏

ذات مرة،‏ حضرت محفلا كوريا لأتأكد ان تعاليم الشهود موحَّدة.‏ وخلال فترة الاستراحة،‏ نسيت حقيبتي تحت المقعد وكان فيها بطاقة هويتي،‏ مبلغ من المال،‏ وأشياء ثمينة اخرى.‏ فقلت في نفسي انها حتما سُرقت.‏ لكنّ الاخوة طمأنوني قائلين:‏ «لا تقلق.‏ ستكون حقيبتك في مكانها عندما تعود».‏ وكم فرحت حين هرعت الى مقعدي ووجدتها!‏ ومذّاك،‏ تبددت كل الشكوك التي ساورتني حول الشهود.‏

‏[الصورة]‏

‏[الاطار في الصفحتين ١٣٠،‏ ١٣١]‏

وجدت ‹غنى فائقا›‏

سا ثان تون أُونڠ

تاريخ الولادة:‏ ١٩٥٤

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٩٣

لمحة عن حياته:‏ خدم في السابق راهبا بوذيا وجنديا في الجيش.‏ انخرط في الفتح لسنوات عدة بعدما اعتنق الحق.‏

ولدتُ في عائلة بوذية وخدمت راهبا فترة من الوقت.‏ ولم يكن لديّ ايمان بوجود خالق او اله شخصي.‏ ولكن ذات يوم،‏ دعاني صديق «مسيحي» الى كنيسته حيث سمعت ان للبشر ابا في السموات.‏ فتقت الى التعرّف بهذا الآب السماوي والاقتراب اليه.‏

بعدما انهيت فترة خدمتي كراهب بوذي،‏ التحقت بالجيش.‏ وهناك،‏ كنت ادوّن مذكراتي مفتتحا كل يوم بعبارة «ابانا الاله الذي في السماء».‏ وقد حاولت لاحقا ان اترك الجيش لأصبح قسًّا في الكنيسة،‏ لكنّ رؤسائي رفضوا استقالتي.‏ ومع الوقت،‏ رُقِّيت الى رتبة نقيب،‏ منصب وفّر لي الشهرة والنفوذ والمال.‏ رغم ذلك،‏ شعرت في قرارة نفسي بالجوع الروحي.‏

عام ١٩٨٢،‏ تزوجت من تو أُونڠ.‏ فحدث ان اهدتنا اختها الاكبر،‏ وهي من شهود يهوه،‏ كتاب من الفردوس المفقود الى الفردوس المردود الذي يذكر ان اسم اللّٰه هو يهوه.‏ لكنني شككت في صحة هذا الكلام وقلت لزوجتي:‏ «اذا اريتيني الاسم يهوه في الكتاب المقدس الميانماري،‏ اصير واحدا من شهود يهوه».‏ ففتشتْ عن الاسم في كتابها المقدس لكنها لم تعثر عليه.‏ غير ان صديقتها الشاهدة ماري وجدته على الفور وأرتني اياه.‏ وهكذا،‏ بدأت احضر اجتماعات الشهود مع زوجتي وأولادي وقبلت ايضا ان ادرس معهم.‏

وكانت كلّما ازدادت معرفتي بالكتاب المقدس،‏ تقوى رغبتي في خدمة اللّٰه.‏ لذلك عام ١٩٩١،‏ طلبت مجددا ان اترك الجيش لكني اردت هذه المرة ان اصبح واحدا من شهود يهوه.‏ وأخيرا بعد انتظار دام عامَين،‏ تحقق مرادي،‏ فاعتمدتُ انا وزوجتي في السنة عينها.‏

شرعتُ ابيع الطعام في احد الاسواق لكي اعيل عائلتي.‏ فنعتني اقربائي وأصدقائي بالجنون لأني تخليت عن مهنة عسكرية واعدة للقيام بعمل وضيع كهذا.‏ لكني بقيت اذكّر نفسي ان موسى ترك بلاط فرعون الملكي وعمل راعيا بغية خدمة اللّٰه.‏ (‏خر ٣:‏١؛‏ عب ١١:‏٢٤-‏٢٧‏)‏ وفي وقت لاحق،‏ حققت هدفا ثمينا جدا:‏ الخدمة كفاتح عادي.‏

صحيح ان بعض اصدقائي في الجيش تولَّوا مناصب مرموقة وجنَوا ثروات طائلة،‏ غير اني وجدت ‹غنى فائقا›،‏ ألا وهو البركات التي تتأتى عن معرفة وخدمة ابي السماوي يهوه.‏ (‏اف ٢:‏٧‏)‏ واليوم،‏ ينخرط اربعة من اولاد اخوة تو أُونڠ في الخدمة كامل الوقت،‏ فيما يخدم ابننا الاكبر في بيت ايل بميانمار.‏

‏[الصورة]‏

‏[الاطار في الصفحتين ١٣٦،‏ ١٣٧]‏

معاملتهم اللطيفة اخمدت مقاومتي

زو باوْم

تاريخ الولادة:‏ ١٩٥٤

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٩٨

لمحة عن حياته:‏ تاجر مخدِّرات سابق ومقاوم للحق تأثّر بمعاملة الاخوة اللطيفة.‏

عندما ابتدأت زوجتي لو ماي تدرس مع شهود يهوه،‏ قاومتها بكل شراسة.‏ فرميت مطبوعاتها في المرحاض وطردت الشهود من منزلي.‏

في وقت لاحق،‏ عملت في تجارة المخدِّرات فانتهى الامر بي الى السجن.‏ وبعد قضائي الليلة الاولى هناك،‏ ارسلت لي لو ماي كتابا مقدسا ورسالة مشجعة ملآنة بالآيات.‏ ثم راحت تبعث اليّ رسائل اخرى بناءة روحيا.‏ وسرعان ما ادركتُ اني لو اتبعت ارشاد الكتاب المقدس لما وصلت الى السجن.‏

وذات يوم،‏ تلقيت زيارة غير متوقعة من شاهدَين ليهوه قدِما لتشجيعي بناء على طلب زوجتي.‏ فأثّرتْ زيارتهما فيّ تأثير بالغا،‏ ولا سيما حين عرفت انهما سافرا مدة يومَين كي يصلا اليّ.‏ فمع ان لديّ اقرباء كثر،‏ لم يأتِ ايّ منهم لزيارتي.‏ اما الشهود الذي كنت اقاومهم بشراسة فأتوا للاطمئنان عليّ.‏

بعد مدة قصيرة،‏ أُصبت بمرض التيفوئيد وأُدخلت الى المستشفى،‏ لكني لم استطع تحمل تكاليف العلاج.‏ في ذلك الوقت،‏ تلقّيت زيارة اخرى غير متوقعة من شاهد ارسلته زوجتي.‏ فحنّ قلبه علينا وتكفّل بدفع المصاريف بدلا عنا.‏ فشعرت بخجل شديد وندمت على ما فعلته بالشهود وعاهدت نفسي ان اصير واحدا منهم.‏ وقد وفيت بوعدي حين خرجت من السجن بعد خمس سنوات.‏

‏[الصورة]‏

‏[الصورة]‏

التزاما ‹بالعهد› الذي قطعته،‏ ما زلت حتى اليوم اخدم يهوه الى اقصى حد ممكن

‏[الاطار في الصفحتين ١٤٠،‏ ١٤١]‏

سأقفز كالأيّل

لِيان سانڠ

تاريخ الولادة:‏ ١٩٥٠

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٩١

لمحة عن حياته:‏ جندي سابق خسر ساقَيه الاثنَتين في احدى المعارك،‏ وهو حاليا خادم مساعد في جماعته.‏

وُلدت وترعرعت في ماتوپي،‏ قرية جبلية نائية في ولاية شين.‏ كانت عائلتي تعبد «النات» التي ظنوا انها ارواح قوية تسكن بعض الغابات والجبال في منطقتنا.‏ فكان عندما يقع فرد من عائلتنا فريسة المرض،‏ نضع الطعام على المذبح في منزلنا ونستدعي احدى هذه الارواح كي تقبل التقدمة،‏ معتقدين انها ستشفيه من علته.‏

التحقت بالجيش بعمر ٢١ سنة،‏ وخضت ٢٠ معركة في السنوات التي تلت.‏ وفي عام ١٩٧٧،‏ هاجم المتمردون الشيوعيون معسكرنا قرب بلدة موساي في ولاية شان.‏ وقد دام القتال العنيف بيننا ٢٠ يوما الى ان شنت قواتنا اخيرا هجوما مضادا ضخما.‏ ولكن حدث اثناء الهجوم ان دستُ على احد الألغام الارضية.‏ فنظرت الى ساقيَّ وإذا بي ارى مجرد عظام.‏ وشعرت بحرارة قوية فيهما وبظمإ شديد،‏ لكني لم ادع الخوف يعتريني.‏ ثم نُقلت بسرعة الى احد المستشفيات حيث بُترت ساقاي.‏ وبعد مضي اربعة اشهر،‏ خرجت من المستشفى ولكن كشخص مدني.‏

انتقلتُ مع زوجتي ساين آي الى ساڠينڠ بالقرب من مَنْدلاي حيث كسبت رزقي من العمل في صنع كراسٍ من الخيزران.‏ وفي احد الايام،‏ اجتمعت بقسٍّ معمداني أخبرني ان فقدان ساقيَّ هو مشيئة اللّٰه.‏ ولكن في وقت لاحق،‏ التقينا انا وزوجتي بأخت فاتحة اسمها ربيكا اوضحت لنا اني سأستعيد ساقيَّ في الفردوس الارضي القادم.‏ فتشوّقنا الى درس الكتاب المقدس معها وليس مع القس.‏

واليوم،‏ بعد حوالي ٣٠ سنة،‏ نعيش انا وساين آي وأولادنا السبعة المعتمدون في قرية صغيرة بجوار بلدة پيين أُو لْوين الجميلة التي تقع على رأس هضبة وتبعد نحو ٦٥ كيلومترا عن مَنْدلاي.‏ وأنا خادم مساعد في جماعة پيين أُو لْوين،‏ وثلاثة من اولادي هم فاتحون عاديون.‏ لقد بذلنا انا وزوجتي قصارى جهدنا لكي نعلّم اولادنا الحق،‏ ونشعر ان اللّٰه باركنا لأنهم تجاوبوا مع ارشادنا الروحي.‏

انا اكرز بانتظام في قريتي متنقلا على كرسي متحرّك،‏ وأذهب الى الاجتماعات على دراجة نارية متشبثا بسائقها.‏ كما انني «امشي» مستعينا بقطعتَين خشبيتَين تساعدانني ان ادفع جسمي الى الامام.‏

ان آيتي المفضلة هي اشعيا ٣٥:‏٦ التي تقول:‏ «حينئذ يقفز الاعرج كالأيّل».‏ فأنا اتوق من كل قلبي الى استعادة ساقيَّ.‏ وفي ذلك الوقت،‏ لن اقفز كالأيّل فحسب بل سأركض وأطفر فرحا وابتهاجا!‏

‏[الصورة]‏

‏[النبذة]‏

في الفردوس،‏ لن اقفز كالأيّل فحسب بل سأركض وأطفر فرحا وابتهاجا!‏

‏[الصورة]‏

‏[الاطار في الصفحات ١٤٢-‏١٤٥]‏

نظار جائلون يعملون بدأب

يجوب النظار الجائلون دون كلل في طول هذه البلاد وعرضها لتقوية اخوتهم وأخواتهم.‏ فكيف ينجزون عملهم؟‏ لنرافق ناظر الدائرة ميين لْوين الذي يزور الجماعات في جبال ناغا النائية مع زوجته لال لون مومي.‏ يصف رحلته قائلا:‏ «نغادر انا وزوجتي مدينة كلايميو قبل الظهيرة على متن شاحنة صغيرة مكتظة.‏ فنحشر انفسنا في مؤخرتها ونحاول تثبيت ارجلنا بين صناديق السلع والخضر المكدَّسة.‏ اما الركاب الآخرون فيتمسكون بباب الشاحنة الخلفي او يجلسون على ظهرها.‏ وتروح الشاحنة تتأرجح بنا على طول الطريق المحفَّر مثيرة سحبا كثيفة من الغبار،‏ فنُجبر على وضع الكمامات خشية ان نختنق.‏

«وبعد ساعتين،‏ نصل الى مدينة كالِيْوا التي تقع على ضفة النهر لنتابع رحلتنا على متن مركب.‏ وريثما ننطلق،‏ نكرز لأصحاب الدكاكين والمسافرين معنا الذين لم يسمعوا في غالبيتهم بشهود يهوه.‏ وما إن يصل المركب الذي سنستقلّه حتى يترجّل منه الركاب ونهرع نحن وآخرون الى المقاعد الشاغرة.‏ فيصعد نحو ١٠٠ شخص الى المركب الذي يصير مزدحما للغاية حتى انه يوشك ان ينقلب.‏ فنروح نحشر قنانٍ بلاستيكية في حقائبنا كي تطفو على وجه المياه في حال سقطنا في النهر.‏

«وبعد مضي خمس ساعات،‏ نبلغ بلدة مولايخ حيث نبيت في نُزُل صغير.‏ ثم نستأنف رحلتنا في الساعة الخامسة من صباح اليوم التالي.‏ وبما ان مياه النهر تكون شحيحة بسبب موسم الجفاف،‏ يعلق مركبنا اربع مرات بالتلال الرملية تحت الماء.‏ فننزل انا ورجال آخرون ونعمل على دفعه.‏ وبعد ١٤ ساعة من السفر،‏ نصل خائرَي القوى الى هومالين حيث نجد الجماعة المحلية بانتظارنا.‏ فنستعيد قوتنا ما إن نرى وجوههم الباسمة،‏ ونتشوّق الى معاشرتهم في تلك الليلة.‏ وفي اليوم التالي،‏ نتابع طريقنا الى كامتي التي تبعد مسافة ١٥ ساعة تقريبا.‏

«فنبدأ رحلتنا في وقت باكر ايضا.‏ إلا ان المركب ليس مزدحما هذه المرة والمناظر مختلفة.‏ فنقلع عكس التيار ونمرّ بمئات القرويين الذين ينقّبون في النهر بحثا عن الذهب.‏ فنصل اخيرا الى كامتي ونحن نشعر بتيبّس ووجع في اطرافنا،‏ لكننا لا نجد احدا في استقبالنا.‏ فعلى ما يبدو،‏ لم تتسلم الجماعة المحلية الرسالة التي تعلمهم بزيارتنا.‏ لذا،‏ نستقل دراجة نارية تعمل كتاكسي ونذهب الى المسكن المتاخم لقاعة الملكوت المحلية،‏ ونرتمي على الفراش من شدة التعب.‏

«في اليوم التالي،‏ يصل الى القاعة ٢٥ ناشرا محليا للذهاب الى الخدمة.‏ ومعظمهم من الناغا،‏ فئة اثنية تقطن الجبال الممتدة الى الهند.‏ فنرحب بهم،‏ ثم ننطلق جميعا نحو المقاطعة الواقعة في هذه البلدة التي تجثم بين هضاب شاهقة ويطوّقها نهر من كل الجهات تقريبا.‏ ولدى وصولنا انا ورفيقي الى بيت مصنوع من الخيزران،‏ نلقي التحية بصوت عالٍ.‏ فيطلّ رجل من الناغا ويدعونا الى الدخول.‏ ويصغي هو وزوجته بانتباه الى رسالة الملكوت ويقبلان المطبوعات بسرور.‏ فكثيرون من شعب الناغا هم مسيحيون اسميّون ويعربون عن اهتمام كبير بالبشارة.‏ وفي وقت لاحق من بعد الظهر،‏ نحضر اجتماعا هو الاول بين عدة اجتماعات ستُعقد خلال ذلك الاسبوع.‏

«وبعد ٧ ايام،‏ نعبر النهر الى سينثي،‏ بلدة صغيرة يعيش فيها ١٢ ناشرا.‏ ونعمد كذلك الى زيارة ثلاثة فرق منعزلة،‏ ابعدها يقع على مسافة ١١ كيلومترا.‏ فنقصد كل فريق سيرا على الاقدام حيث نكرز برفقتهم ثم ألقي عليهم خطابا.‏ والناشرون في هذه المنطقة فقراء جدا،‏ يعانون عموما من الملاريا والسّل،‏ ويحتملون المقاومة الشديدة.‏ لكنهم رغم ذلك مبشرون غيورون.‏ فمن المسرّ ان نرى يوم الاحد ٧٦ شخصا يحضرون الخطاب العام،‏ بينهم كثيرون ساروا ساعات لكي يصلوا الى مكان الاجتماع.‏

«وسرعان ما يحين وقت الرحيل.‏ فيعزّ علينا ان نفارق هؤلاء الاخوة والاخوات الاحباء الذين يبرهنون عن محبتهم ليهوه مرارا وتكرارا.‏ وفيما يتجه قاربنا نحو الجنوب،‏ نروح نتأمل في امثلتهم الرائعة وإيمانهم القوي.‏ فهم فقراء ماديا،‏ لكنهم اغنياء روحيا.‏ وها نحن نعود الى ديارنا وكلنا شوق الى رؤيتهم مجددا».‏

‏[الصورة]‏

‏[الخريطة]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

اقليم جبال ناغا

كامتي

سينثي

هومالين

مولايخ

كالِيْوا

كلايميو

‏[الصورة]‏

‏[الصورة]‏

‏[النبذة]‏

نستعيد قوتنا ما إن نرى وجوههم الباسمة

‏[الصورة]‏

‏[الاطار في الصفحتين ١٥٤،‏ ١٥٥]‏

اريد ان اكرز للعالم اجمع

ساڠار راي

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٨

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٦٨

لمحة عن حياته:‏ جندي سابق حاز على أوسمة عديدة.‏ قبِل الحق واستمر يكرز بالبشارة رغم المقاومة الشديدة التي لقيها من ابناء بلدته.‏

وُلدت في ولاية شان الجبلية التي تقع شمال شرق ميانمار في عائلة من قبيلة الغِركا النيبالية.‏ ومع اننا ندين بالهندوسية،‏ اتّبعنا ايضا مذهب الروحانية التقليدي في ميانمار.‏ وعملا بأحد تقاليد الغِركا المتوارثة،‏ صرت جنديا على غرار ابي وإخوتي الاربعة الاكبر مني.‏ فخدمت في الجيش البورمي طوال ٢٠ سنة وخضت معارك لا تعدّ.‏ لكنّ المذهل انني لم أُصَب يوما اصابة بالغة.‏

حين قرأت برج المراقبة للمرة الاولى،‏ عرفت من الكتاب المقدس ان هناك الها حقيقيا واحدا هو يهوه.‏ فأثار هذا الامر فضولي لأنني هندوسي وأومن بملايين الآلهة.‏ ورحت افتش عن هذا الاسم في قواميس بمختلف اللغات:‏ النيبالية،‏ الهندية،‏ البورمية،‏ والانكليزية.‏ فتأكدت من خلالها جميعا ان يهوه هو اله الكتاب المقدس.‏

في وقت لاحق،‏ انتقلتُ مع زوجتي دجوثي الى باذان حيث عرض عليّ الاخ المرسَل فرانك دْيوِر درسا في الكتاب المقدس.‏ فقبلتُ وكذلك دجوثي.‏ وسرعان ما اقتنعنا ان يهوه هو الاله الحق الوحيد وعقدنا العزم ان نعبده وحده.‏ فرمينا تماثيلنا الدينية في نهر باذان لئلا يتمكن احد من استردادها.‏ —‏ تث ٧:‏٢٥؛‏ رؤ ٤:‏١١‏.‏

ولم يمضِ وقت طويل حتى تركت الجيش وانتقلت مع زوجتي وأولادي الى مسقط رأسي.‏ وهناك،‏ انضممنا الى فريق صغير من الشهود الذين علّمونا كيف نكرز للناس.‏ وبعد فترة من الوقت،‏ جمعنا من الغابة مواد لازمة للبناء وشيّدنا قاعة ملكوت صغيرة امام منزلي،‏ الامر الذي اثار غضب لجنة من قبيلة الغِركا.‏ فاحتجوا قائلين:‏ «من أذِن لكم ببناء ‹كنيسة› مسيحية في منطقة هندوسية؟‏ لا ينبغي ان تكرزوا لأناس متديّنين اصلا».‏

فاشتكوا الى السلطات المحلية التي سألتني:‏ «سيد راي،‏ هل تكرز في منطقتك وتقنع الناس ان يصيروا مسيحيين؟‏».‏

فأجبت قائلا:‏ «انا واحد من شهود يهوه.‏ ولا اريد ان اكرز في منطقتي فحسب،‏ بل للعالم اجمع.‏ لكني لا اجبر احدا ان يغيّر دينه».‏

وكم سررت حين سمحت لنا السلطات ان نواصل الكرازة بحرية!‏ واليوم،‏ بعد مرور ٤٠ سنة،‏ نتذكر انا ودجوثي كيف ساعدنا اكثر من ١٠٠ شخص على تعلّم الحق،‏ كثيرون منهم اصبحوا الآن فاتحين خصوصيين او نظارا جائلين او خدّاما في بيت ايل.‏ ونفرح ايضا لأن معظم اولادنا وعائلاتهم يخدمون يهوه بأمانة.‏

‏[الصورة]‏

‏[الصورة]‏

‏[النبذة]‏

بعد مرور ٤٠ سنة،‏ نتذكر انا ودجوثي كيف ساعدنا اكثر من ١٠٠ شخص على تعلّم الحق

‏[الاطار في الصفحة ١٦٠]‏

اين اجد «ملكوت يهوه»؟‏

سو لْوين

تاريخ الولادة:‏ ١٩٦٠

تاريخ المعمودية:‏ ٢٠٠٠

لمحة عن حياته:‏ بوذي سابق قرأ عن «ملكوت يهوه» وأراد ان يزوره.‏

فيما كنت متوجها الى عملي في مدينة تاشيلايك القريبة من الحدود مع تايلند،‏ رأيت مجلات برج المراقبة مرمية على الطريق.‏ فالتقطتها وقرأت فيها عن بركات رائعة في ظل ملكوت يهوه.‏ وبما اني كنت بوذيا ولم يسبق لي ان سمعت بيهوه،‏ ظننت ان «ملكوت يهوه» بلد في افريقيا.‏ وعبثا بحثت عنه في الخرائط الجغرافية.‏ هذا وإني سألت الناس عنه لكنّ احدا لم يقدر ان يساعدني.‏

في وقت لاحق،‏ عرفت ان شابا من زملائي في العمل يدرس مع شهود يهوه.‏ فقلت له:‏ «هل لك ان تخبرني اين اجد ملكوت يهوه؟‏».‏ وكم دهشت وفرحت حين علمت انه حكومة سماوية ستجعل الارض فردوسا!‏ عندئذ قصصت شعري،‏ توقفت عن مضغ جوزة الفوفل،‏ اقلعت عن تعاطي المخدِّرات،‏ وهجرت التقاليد والتعاليم البوذية.‏ واليوم،‏ يزداد اشتياقي اكثر فأكثر الى العيش في ظل ملكوت يهوه.‏ —‏ مت ٢٥:‏٣٤‏.‏

‏[الصورة]‏

‏[الصورة في الصفحتين ٧٨،‏ ٧٩]‏

‏[الصورة في الصفحة ٧٨]‏

‏[النبذة في الصفحة ٨٠]‏

لما يقارب المئة سنة،‏ برهن شهود يهوه في ميانمار عن ايمان وصبر راسخَين

‏[الخريطتان في الصفحة ٨١]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

بنغلادش

الهند

الصين

لاوس

تايلند

يانڠون

پوتاو

كامتي

ميتكيينا

كلايميو

لاشيو

هاكا

پيين أُو لْوين

مَنْدلاي

تاونجي

تاشيلايك

المثلَّث الذهبي

سيتوي

ثاراوادي

باذان

مولَمياين

داوي

مياي

نهر إيياروَدي

دلتا إيياروَدي

بحر أنْدَمان

‏[الجدول]‏

ميانمار (‏بورما)‏

المساحة

٥٧٨‏,٦٧٦ كيلومترا مربعا

عدد السكان

٠٠٠‏,٣٨٠‏,٦٠

عدد الناشرين سنة ٢٠١٢

٧٩٠‏,٣

النسبة:‏ ناشر واحد الى

٩٣١‏,١٥

حضور الذِّكرى سنة ٢٠١٢

٠٠٥‏,٨

سنة ١٩١٤،‏ سافر رجلان انكليزيان من الهند لافتتاح العمل الكرازي في بورما.‏ اما مقاطعتهما فاشتملت على البلد بأكمله.‏

‏[الرسم البياني في الصفحة ٨٤]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

بدايات صغيرة

من ١٩١٤ الى ١٩٤٩

الناشرون

الفاتحون

٨٠

٧٠

٦٠

٥٠

٤٠

٣٠

٢٠

١٠

٠

١٩١٥ ١٩٢٠ ١٩٢٥ ١٩٣٠ ١٩٣٥ ١٩٤٠ ١٩٤٥

‏[الصورة]‏

ناشرون في يانڠون سنة ١٩٣٢

‏[النبذة في الصفحة ٨٦]‏

‏«بكل سرور،‏ في حال اردت ان نعيش في العالم الجديد نيابة عنك»‏

‏[الصورة في الصفحة ٨٧]‏

كان سيدني كوت (‏في الوسط)‏ تلميذا مجتهدا للكتاب المقدس.‏ وقد نقل هو وزوجته رايتشل (‏الى اليسار)‏ رسالة الحق الى الآخرين

‏[الصورة في الصفحة ٨٩]‏

فرانك دْيوِر

‏[الصورة في الصفحة ٩٢]‏

اول تلميذتين من الكايين،‏ هْنين ماي «ليلي» (‏الى اليمين)‏ وتشو ماي «دايزي» (‏الى اليسار)‏

‏[النبذة في الصفحة ٩٣]‏

عندما وصلت السلطات،‏ كانت المطبوعات قد هُرِّبت

‏[الصورة في الصفحة ٩٧]‏

في الاعلى:‏ مرسلو جلعاد الاوائل روبرت ريتشاردز،‏ نورمِن باربر،‏ روبرت كيرك،‏ وهيوبرت سْميدستاد

‏[الصورة في الصفحة ٩٧]‏

في الاسفل:‏ (‏الصف الخلفي)‏ تيرنس دي سوزا،‏ روبرت كيرك،‏ ناثان نور،‏ مِلتون هنشل،‏ ونانسي دي سوزا؛‏ (‏الصف الامامي)‏ باسيل تساتوس،‏ دايزي دي سوزا،‏ فيليس تساتوس،‏ پنيلوپي جارڤِس–‏فاڠ،‏ ورصل موبْلِي

‏[الرسم البياني في الصفحة ١٠٠]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

زيادة كبيرة

من ١٩٥٠ الى ١٩٨٨

الناشرون

الفاتحون

٦٠٠‏,١

٤٠٠‏,١

٢٠٠‏,١

٠٠٠‏,١

٨٠٠

٦٠٠

٤٠٠

٢٠٠

٠

١٩٥٠ ١٩٥٥ ١٩٦٠ ١٩٦٥ ١٩٧٠ ١٩٧٥ ١٩٨٠ ١٩٨٥

‏[الصورة]‏

مجموعة من الشهود في بورما عام ١٩٨٧

‏[الصورة في الصفحة ١٠١]‏

ترجم الاخ با أُو (‏الى اليسار)‏ مقالات الدرس في مجلة برج المراقبة الى البورمية

‏[الصورة في الصفحة ١٠٢]‏

اليوم،‏ بعد مضي ٥٠ سنة تقريبا،‏ لا تزال دوريس راج تعمل مترجمة في بيت ايل في يانڠون

‏[الصورة في الصفحة ١٠٣]‏

عام ١٩٥٦،‏ اعلن ناثان نور اصدار مجلة برج المراقبة بالبورمية

‏[الخريطة في الصفحة ١١١]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

ڠانڠو

ولاية شين

فالام

هاكا

ڤانّا

جبال شين

سورْكوا

ماتوپي

‏[الصورة في الصفحة ١١٤]‏

الى اليمين:‏ كان الاخوة في جماعة ماتوپي يمشون مسافة ٢٧٠ كيلومترا كي يحضروا المحافل في هاكا

‏[الصورة في الصفحة ١١٥]‏

الى اليسار:‏ ناظر الكورة ڠومجا نَو وزوجته نان لو يسافران من جماعة الى اخرى في ولاية شين

‏[النبذة في الصفحة ١١٨]‏

‏«اليوم،‏ هنالك جماعات مزدهرة في كلٍّ من نامتو،‏ هوپين،‏ مونْهيين،‏ وكاتا المنتشرة على طول خط السكة الحديدية»‏

‏[الصورة في الصفحة ١١٩]‏

شهود ينطلقون على متن قطار خاص من يانڠون الى ميتكيينا لحضور محفل سنة ١٩٦٩

‏[النبذة في الصفحة ١٢٠]‏

‏«لقد فصلوا ست عربات،‏ ولكن ليست عرباتنا نحن!‏»‏

‏[الصورة في الصفحة ١٢١]‏

بياك مُويا (‏الصف الخلفي،‏ اقصى اليمين)‏ وجماعة كامتي حين كان العمل يتوسع في مناطق الناغا

‏[الصورة في الصفحة ١٢٥]‏

مجموعة من الشيوخ في محفل «السلام على الارض» الاممي الذي عُقد في ميتكيينا سنة ١٩٦٩.‏ (‏الصف الخلفي)‏ ميا ماونڠ،‏ تين پاي ثان،‏ موريس راج،‏ وفرنسيس ڤَيدوپو؛‏ (‏الصف الاوسط)‏ صان آي،‏ ويلسون ثاين،‏ أَوي تين شواي،‏ تشارلي أَوي ثاين،‏ ودَنستن اونيل؛‏ (‏الصف الامامي)‏ روبن زاودجا،‏ دايڤيد ابراهام،‏ دونالد دْيوِر،‏ وماونڠ كار

‏[الصورة في الصفحة ١٣٢]‏

سا ثان تون أُونڠ (‏الى اليمين)‏ وآيْك لين (‏الى اليسار)‏ حاربا واحدهما الآخر في عدة معارك دامية دارت رحاها في الادغال

‏[النبذة في الصفحة ١٣٢]‏

تحرر هذان الرجلان من اغلال البغض واتّحدا برباط المحبة بفضل قوة كلمة اللّٰه

‏[الصورة في الصفحة ١٣٤]‏

من الشائع رؤية الرهبان البوذيين في ارديتهم التقليدية

‏[النبذة في الصفحة ١٣٥]‏

‏«اظهر لي الاخوة محبة ما بعدها محبة»‏

‏[النبذة في الصفحة ١٣٩]‏

‏«يهوه معيني فلا اخاف.‏ ماذا يفعل بي الانسان؟‏».‏ —‏ عب ١٣:‏٦‏.‏

‏[الرسم البياني في الصفحة ١٤٦]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

العمل في تقدّم

من ١٩٨٩ الى ٢٠١٢

الناشرون

الفاتحون

٥٠٠‏,٣

٠٠٠‏,٣

٥٠٠‏,٢

٠٠٠‏,٢

٥٠٠‏,١

٠٠٠‏,١

٥٠٠

٠

١٩٩٠ ١٩٩٥ ٢٠٠٠ ٢٠٠٥ ٢٠١٠

‏[النبذة في الصفحة ١٤٨]‏

في السنوات العشرين الماضية،‏ ازداد عدد المجلات المطبوعة بنسبة ٩٠٠ في المئة تقريبا

‏[الصورة في الصفحة ١٤٩]‏

لم تبقَ زاوية لم تُستغل في مبنى بيت ايل،‏ حتى ان احدى الاخوات كانت تكوي الثياب على الارض

‏[الصورة في الصفحة ١٥١]‏

عمل الاخوة الاجانب والمحليون كتفا الى كتف

‏[الصورة في الصفحة ١٥٢]‏

بيت ايل في ميانمار

‏[الصورة في الصفحة ١٥٦]‏

قاعة ملكوت حديثة البناء يصل اليها الاخوة بالقارب

‏[النبذة في الصفحة ١٥٧]‏

منذ سنة ١٩٩٩،‏ عملت فرق بناء قاعات الملكوت على تشييد اكثر من ٦٥ قاعة في كل انحاء ميانمار

‏[الصورة في الصفحة ١٥٨]‏

هيروشي ودْجونكو أَوُكي،‏ اول مرسلَين يطآن ارض ميانمار بعد حوالي ٣٧ سنة

‏[الصورة في الصفحة ١٦٢]‏

فرق الترجمة في فرع ميانمار

‏[الصورة في الصفحة ١٦٥]‏

ماي سين أُو تقف امام منزلها اثناء اعادة بنائه

‏[الصورة في الصفحة ١٦٥]‏

اعضاء احد فرق الاغاثة يقفون مع الزوجَين تون كين امام منزلهما الذي أُعيد تشييده بعدما دمّره اعصار نرجس

‏[الصورة في الصفحة ١٦٧]‏

لجنة الفرع من اليمين الى اليسار:‏ موريس راج،‏ دونالد دْيوِر،‏ جون شارپ،‏ هْلا أُونڠ،‏ وجو وين

‏[الصورة في الصفحة ١٦٩]‏

محفل «داوموا على السهر!‏» الاممي الذي عُقد سنة ٢٠٠٩ شدّد ايمان الاخوة وقدّم شهادة رائعة في يانڠون

‏[النبذة في الصفحة ١٦٩]‏

‏«فتح يهوه قلوب الشهود في يانڠون كي يعتنوا بإخوتهم وأخواتهم»‏

‏[الصورة في الصفحة ١٧٠]‏

‏[الصورة في الصفحة ١٧٠]‏

‏[النبذة في الصفحة ١٧١]‏

‏«قبل المحفل،‏ كنا نسمع فقط عن اخوّتنا العالمية.‏ اما الآن فلمسناها لمس اليد»‏

‏[الصورة في الصفحة ١٧١]‏

‏[الصورة في الصفحتين ١٧٢،‏ ١٧٣]‏

‏[النبذة في الصفحة ١٧٣]‏

‏«نحن لا ننفك نتوسل الى سيد الحصاد ان يرسل مزيدا من العمال الى حصاده»‏