الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

الارتداد —‏ الطريق الى اللّٰه مسدود

الارتداد —‏ الطريق الى اللّٰه مسدود

الفصل ١١

الارتداد —‏ الطريق الى اللّٰه مسدود

١ و ٢ (‏أ)‏ لماذا الـ‍ ٤٠٠ سنة الاولى من تاريخ العالم المسيحي مهمة؟‏ (‏ب)‏ اية حقيقة بشأن اختيارين عبَّر عنها يسوع؟‏

لماذا الـ‍ ٤٠٠ سنة الاولى من تاريخ العالم المسيحي مهمة جدا؟‏ للسبب نفسه الذي من اجله تكون السنوات القليلة الاولى من حياة الولد مهمة —‏ لانها سنوات التكوين حين يوضع الاساس لشخصية الفرد العتيدة.‏ وماذا تكشفه القرون الباكرة للعالم المسيحي؟‏

٢ قبل ان نجيب عن هذا السؤال لنذكر حقيقة عبَّر عنها يسوع المسيح:‏ «ادخلوا من الباب الضيق.‏ لانه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي الى الهلاك.‏ وكثيرون هم الذين يدخلون منه.‏ ما اضيق الباب واكرب الطريق الذي يؤدي الى الحياة.‏ وقليلون هم الذين يجدونه.‏» ان طريق المصلحة الشخصية واسع؛‏ وطريق المبادئ الصائبة ضيق.‏ —‏ متى ٧:‏​١٣،‏ ١٤‏.‏

٣ ايّ مسلكين كانا متوافرين في بداية المسيحية؟‏

٣ في بداية المسيحية كان هنالك طريقان متوافران لمعتنقي تلك الديانة غير الشعبية —‏ التمسك بما لا مسايرة فيه من تعاليم ومبادئ المسيح والاسفار المقدسة او الانجذاب نحو السبيل العريض والسهل لمسايرة عالم ذلك الزمان.‏ وكما سنرى،‏ ان تاريخ الـ‍ ٤٠٠ سنة الاولى يُظهر ايّ سبيل اختارته الغالبية اخيرا.‏

اغواء الفلسفة

٤ استنادا الى المؤرخ ديورانت،‏ كيف اثَّرت روما الوثنية في الكنيسة الباكرة؟‏

٤ يشرح المؤرخ وِل ديورانت:‏ «تبنَّت الكنيسة بعض العادات والترتيبات الدينية الشائعة في روما [الوثنية] قبل المسيحية —‏ البطْرشيل والاردية الاخرى للكهنة الوثنيين،‏ استعمال البخور والماء المقدس في التطهير،‏ ايقاد الشموع وضوء دائم لا ينطفئ امام المذبح،‏ عبادة القديسين،‏ هندسة الباسليكا (‏كنيسة مستطيلة لها نهاية مستديرة)‏،‏ قانون روما كأساس للقانون الكنسي،‏ لقب الحبر الاعظم Pontifex Maximus لكبير الاساقفة،‏ وفي القرن الرابع،‏ اللغة اللاتينية .‏ .‏ .‏ ولم يلبث الاساقفة،‏ بدلا من الحكام الرومان،‏ ان صاروا مصدر النظام ومركز السلطة في المدن؛‏ وكان المطارنة،‏ او رؤساء الاساقفة،‏ يدعمون حكام الولايات ان لم يكونوا قد حلّوا محلَّهم؛‏ وخلَف سينودس الاساقفة مجمع الولاية.‏ واقتفت الكنيسة الرومانية خطوات الدولة الرومانية.‏» —‏ قصة الحضارة:‏ الجزء الثالث —‏ قيصر والمسيح.‏

٥ كيف يتباين موقف مسايرة العالم الروماني الوثني مع الكتابات المسيحية الباكرة؟‏

٥ وهذا الموقف لمسايرة العالم الروماني يقوم في تباين بارز جدا مع تعاليم المسيح والرسل.‏ (‏انظروا الاطار،‏ الصفحة ٢٦٢.‏)‏ نصح الرسول بطرس:‏ «ايها الاحباء .‏ .‏ .‏ أُنهض بالتذكرة ذهنكم النقي لتذكروا الاقوال التي قالها سابقا الانبياء القديسون ووصيتنا نحن الرسل وصية الرب والمخلص.‏ فانتم ايها الاحباء اذ قد سبقتم فعرفتم احترسوا من ان تنقادوا بضلال الاردياء فتسقطوا من ثباتكم.‏» ونصح بولس بوضوح:‏ «لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين.‏ لانه اية خلطة للبر والاثم.‏ واية شركة للنور مع الظلمة.‏ .‏ .‏ .‏ لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجسا فأقبلكم.‏» —‏ ٢ بطرس ٣:‏​١،‏ ٢،‏ ١٧؛‏ ٢ كورنثوس ٦:‏١٤-‏١٧؛‏ رؤيا ١٨:‏٢-‏٥‏.‏

٦ و ٧ (‏أ)‏ كيف تأثر «آباء» الكنيسة الباكرة بالفلسفة اليونانية؟‏ (‏ب)‏ في ايّ تعليمين برز التأثير اليوناني خصوصا؟‏ (‏ج)‏ ايّ تحذير من الفلسفة اعطاه بولس؟‏

٦ وعلى الرغم من هذا النصح الواضح اتَّخذ المسيحيون المرتدّون في القرن الثاني زخارف الدين الروماني الوثني.‏ وابتعدوا عن منابعهم النقية للكتاب المقدس وبدلا من ذلك تسربلوا بالزي والالقاب الرومانية الوثنية وصاروا مُشبعين من الفلسفة اليونانية.‏ والپروفسور وُلفسون من جامعة هارڤرد يشرح في بوتقة المسيحية انه في القرن الثاني كان هنالك تدفق عظيم الى المسيحية من قِبل «الامميين المدرَّبين فلسفيا.‏» وهؤلاء أُعجبوا بحكمة اليونانيين وظنوا انهم رأوا تشابهات بين الفلسفة اليونانية وتعاليم الاسفار المقدسة.‏ ويتابع وُلفسون:‏ ‏«احيانا يعبِّرون عن انفسهم بطرائق مختلفة بما معناه ان الفلسفة هي عطية اللّٰه الخصوصية لليونانيين عن طريق العقل البشري كما ان الاسفار المقدسة هي لليهود عن طريق الوحي المباشر.‏» ويتابع:‏ «آباء الكنيسة .‏ .‏ .‏ شرعوا في مهمتهم المنظَّمة ليظهروا كيف تكمن،‏ وراء اللغة المألوفة التي تحبّ الاسفار المقدسة ان تعبِّر عن نفسها بها،‏ تعاليمُ الفلاسفة مصوغة في العبارات الاصطلاحية الغامضة التي ابتُكرت في الاكاديمية Academy‏،‏ الليسيوم Lyceum‏،‏ والرواق Porch التي لهم [مراكز للمناقشة الفلسفية].‏»‏

٧ ترك موقف كهذا الباب مفتوحا لتغلغل الفلسفة والمصطلحات اليونانية في تعاليم العالم المسيحي،‏ وخصوصا في حقلي العقيدة الثالوثية والاعتقاد بنفس خالدة.‏ وكما يذكر وُلفسون:‏ «بدأ الآباء [آباء الكنيسة] يبحثون في مخزون المصطلحات الفلسفية عن عبارتين اصطلاحيتين جيدتين،‏ احداهما لتُستعمل كاشارة الى واقع تميُّز كل عضو من الثالوث كفرد والاخرى لتُستعمل كاشارة الى وحدتهم المشتركة الضمنية.‏» ومع ذلك كان عليهم ان يعترفوا بأن «مفهوم اله ثالوثي هو لغز لا يمكن حلّه بالعقل البشري.‏» وبالتباين،‏ كان بولس قد ادرك بوضوح خطر مثل هذا التلوث و ‹تحوير الانجيل› عندما كتب الى مسيحيي غلاطية وكولوسي:‏ «انظروا ان لا يكون احد يسبيكم بالفلسفة [باليونانية،‏ فيلوسوفياس‏] وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب اركان العالم وليس حسب المسيح.‏» —‏ غلاطية ١:‏٧-‏٩‏،‏ تف؛‏ كولوسي ٢:‏٨؛‏ ١ كورنثوس ١:‏​٢٢،‏ ٢٣‏.‏

القيامة أُبطلت

٨ ايّ لغز تصارع الانسان معه،‏ وكيف حاولت معظم الاديان حلَّه؟‏

٨ كما رأينا في كل هذا الكتاب،‏ تصارع الانسان باستمرار مع لغز وجوده القصير والمحدود الذي ينتهي الى الموت.‏ وكما ذكر المؤلف الالماني جيرارد هِرم في كتابه السلتيون —‏ الشعب الذي خرج من الظلمة:‏ ‏«الدين بين امور اخرى هو طريقة توفيق بين الناس والواقع انهم لا بد ان يموتوا يوما ما،‏ سواء بالوعد بحياة افضل وراء المدفن،‏ بالولادة ثانية،‏ او بكليهما.‏» وكل دين تقريبا يعتمد على الايمان بأن النفس البشرية خالدة وأنها تنتقل بعد الموت الى حياة بعد الموت او تتقمص مخلوقا آخر.‏

٩ ماذا استنتج العالم الاسپاني ميڠل دي اونَمونو بخصوص ايمان يسوع بالقيامة؟‏

٩ وتقريبا كل اديان العالم المسيحي اليوم تتبع ايضا هذا الايمان.‏ وقد كتب ميڠل دي اونَمونو،‏ عالم اسپاني شهير في القرن الـ‍ ٢٠،‏ عن يسوع:‏ «آمن بالحري بقيامة الجسد [مثل حالة لعازر (‏انظروا الصفحات ٢٤٩-‏٢٥٢)‏] بحسب الطريقة اليهودية،‏ لا بخلود النفس بحسب الطريقة الافلاطونية [اليونانية].‏ .‏ .‏ .‏ والبراهين على ذلك يمكن رؤيتها في ايّ كتاب تفسير امين.‏» واستنتج:‏ «ان خلود النفس .‏ .‏ .‏ عقيدة فلسفية وثنية.‏» (‏La Agonía Del Cristianismo ‏[احتضار المسيحية])‏ وهذه ‹العقيدة الفلسفية الوثنية› تغلغلت في تعليم العالم المسيحي،‏ مع انه بوضوح لم يكن للمسيح فكر كهذا.‏ —‏ متى ١٠:‏٢٨؛‏ يوحنا ٥:‏​٢٨،‏ ٢٩؛‏ ١١:‏​٢٣،‏ ٢٤‏.‏

١٠ ماذا كانت بعض عواقب الايمان بنفس خالدة؟‏

١٠ والتأثير الماكر للفلسفة اليونانية كان عاملا رئيسيا في الارتداد الذي أعقب موت الرسل.‏ وتعليم النفس الخالدة اليوناني عنى ضمنا الحاجة الى وجهات مختلفة للنفس —‏ السماء،‏ نار الهاوية،‏ المطهر،‏ الفردوس،‏ اليمبوس.‏ * وبالتلاعب بتعاليم كهذه صار سهلا لصف كهنوتي ان يُبقوا رعاياهم خاضعين وفي خوف من الآخِرة وأن ينتزعوا منهم العطايا والهبات.‏ مما يقودنا الى سؤال آخر:‏ كيف نشأ صف رجال الدين الكهنوتي المنفصل للعالم المسيحي؟‏ —‏ يوحنا ٨:‏٤٤؛‏ ١ تيموثاوس ٤:‏​١،‏ ٢‏.‏

كيف تشكَّل صف رجال الدين

١١ و ١٢ (‏أ)‏ اية علامة اخرى هنالك للارتداد الذي نشأ؟‏ (‏ب)‏ ايّ دور قام به الرسل والشيوخ في اورشليم؟‏

١١ وكان دلالةً اخرى على الارتداد التراجعُ عن الخدمة العامة لكل المسيحيين،‏ كما كان قد علَّم يسوع والرسل،‏ الى الكهنوت والسلطة التسلسلية الحصريَّين اللذين تطوَّرا في العالم المسيحي.‏ (‏متى ٥:‏١٤-‏١٦؛‏ رومية ١٠:‏١٣-‏١٥؛‏ ١ بطرس ٣:‏١٥‏)‏ وخلال القرن الاول،‏ بعد موت يسوع،‏ خدم رسله،‏ الى جانب شيوخ مسيحيين آخرين مؤهلين روحيا في اورشليم،‏ في تقديم المشورة والتوجيه للجماعة المسيحية.‏ ولم يمارس احد منهم التفوّق على الآخرين.‏ —‏ غلاطية ٢:‏٩‏.‏

١٢ وفي سنة ٤٩ ب‌م صار ضروريا ان يجتمعوا معا في اورشليم لحل المسائل التي تؤثر في المسيحيين عموما.‏ وتخبرنا رواية الكتاب المقدس انه بعد مناقشة عامة «رأى الرسل والمشايخ [‏پرسبيتِروي‏] مع كل الكنيسة ان يختاروا رجلين منهم فيرسلوهما الى انطاكية مع بولس وبرنابا .‏ .‏ .‏ وكتبوا بأيديهم هكذا.‏ الرسل والمشايخ والاخوة يهدون سلاما الى الاخوة الذين من الامم في انطاكية وسورية وكيليكية.‏» وكما يتضح،‏ خدم الرسل والشيوخ كوكالة حاكمة ادارية للجماعات المسيحية الواسعة الانتشار.‏ —‏ اعمال ١٥:‏​٢٢،‏ ٢٣‏.‏

١٣ (‏أ)‏ ايّ ترتيب وُجد للاشراف المباشر لكلّ من الجماعات المسيحية الباكرة؟‏ (‏ب)‏ ماذا كانت مؤهلات شيوخ الجماعة؟‏

١٣ والآن بما ان ذلك الفريق الحاكم في اورشليم كان الترتيب المسيحي الباكر للاشراف العام لكل المسيحيين،‏ ايّ نظام للتوجيه كان لهم في كل جماعة،‏ على صعيد محلي؟‏ توضح رسالة بولس الى تيموثاوس انه كان للجماعات نظار (‏باليونانية،‏ اپيسكوپوس‏)‏ هم شيوخ (‏پرسبيتِروي‏)‏ روحيون،‏ رجال مؤهلون بسلوكهم وروحياتهم ليعلِّموا رفقاءهم المسيحيين.‏ (‏١ تيموثاوس ٣:‏١-‏٧؛‏ ٥:‏١٧‏)‏ وفي القرن الاول لم يؤلف هؤلاء الرجال صف رجال دين منفصلا.‏ ولم يرتدوا ايّ زيّ متميز.‏ فروحياتهم كانت ما يميزهم.‏ وفي الواقع،‏ كانت لكل جماعة هيئة شيوخ (‏نظار)‏،‏ لا حكم رجل واحد تسلطي.‏ —‏ اعمال ٢٠:‏١٧؛‏ فيلبي ١:‏١‏.‏

١٤ (‏أ)‏ كيف حل اساقفة العالم المسيحي اخيرا محل النظار المسيحيين؟‏ (‏ب)‏ مَن جاهد من اجل السلطة العليا بين الاساقفة؟‏

١٤ ولم يكن إلا بمرور الوقت انّ كلمة اپيسكوپوس * (‏ناظر،‏ مراقب)‏ تحوَّلت الى «اسقف،‏» التي تعني كاهنا ذا سلطة على الاعضاء الآخرين من رجال الدين في اسقفيته.‏ وكما يشرح اليسوعي الاسپاني برناردينو لوركا:‏ «في البداية لم يكن هنالك تمييز كافٍ بين الاساقفة والكهنة،‏ والانتباه كان يُمنح فقط لمعنى الكلمتين:‏ اسقف bishop معادِلة لمراقب؛‏ كاهن presbyter معادِلة لشيخ.‏ .‏ .‏ .‏ ولكن شيئا فشيئا صار التمييز اوضح،‏ معيِّنا اسم الاسقف للمراقبين الاهم،‏ الذين كانوا يملكون السلطة الكهنوتية الاسمى والقدرة على وضع الايدي ومنح الكهنوت.‏» (‏Historia de la Iglesia Católica ‏[تاريخ الكنيسة الكاثوليكية])‏ وفي الواقع،‏ بدأ الاساقفة يعملون في نوع من النظام التسلُّطي،‏ وخصوصا منذ بداية القرن الرابع.‏ وتأسست سلطة تسلسلية،‏ او هيئة حُكم من رجال الدين،‏ وعلى مرّ الوقت اعترف كثيرون بأسقف روما،‏ الذي يدَّعي انه خليفة بطرس،‏ اسقف اسمى وبابا.‏

١٥ اية هوة موجودة بين القيادة المسيحية الباكرة وتلك التي للعالم المسيحي؟‏

١٥ ومركز الاسقف اليوم في مختلف كنائس العالم المسيحي هو مركز جاه وسلطة،‏ وعادةً بكسب حسن،‏ ويقترن في اغلب الاحيان بالصف الحاكم النُّخبة لكل أمة.‏ ولكن بين وضعهم المتكبِّر والرفيع،‏ وبساطة التنظيم بقيادة المسيح وشيوخ او نظار الجماعات المسيحية الباكرة،‏ هنالك فرق هائل.‏ وماذا نقول عن الهوة بين بطرس والمدعوين خلفاءه،‏ الذين حكموا في المقام الفاخر للڤاتيكان؟‏ —‏ لوقا ٩:‏٥٨؛‏ ١ بطرس ٥:‏١-‏٣‏.‏

السلطة والجاه البابويان

١٦ و ١٧ (‏أ)‏ كيف نعرف ان الجماعة الرومانية الباكرة لم تكن تحت سيطرة اسقف او بابا؟‏ (‏ب)‏ كيف تطوَّر استعمال لقب «بابا»؟‏

١٦ بين الجماعات الباكرة التي قبلت الارشاد من الرسل والشيوخ في اورشليم كانت الجماعة في روما،‏ حيث وصل الحق المسيحي على الارجح في وقت ما بعد يوم الخمسين سنة ٣٣ ب‌م.‏ (‏اعمال ٢:‏١٠‏)‏ وكأية جماعة مسيحية اخرى لذلك الزمان،‏ كان لها شيوخ خدموا كهيئة نظار دون ان يحظى ايّ منهم بالسلطة العليا.‏ وبالتأكيد لم ينظر معاصروهم الى ايّ من النظار الاوائل في جماعة روما كأساقفة او كبابا،‏ لان الاسقفية التسلطية في روما لم تكن قد تطوَّرت بعد.‏ ويصعب بدقة تحديد نقطة بداية الاسقفية التسلطية او اسقفية الرجل الواحد.‏ والدليل يشير الى انها بدأت تتطوَّر في القرن الثاني.‏ —‏ رومية ١٦:‏٣-‏١٦؛‏ فيلبي ١:‏١‏.‏

١٧ لم يُستعمل لقب «بابا» (‏من اليونانية پاپاس،‏ اب)‏ خلال القرنين الاولين.‏ يشرح اليسوعي السابق مايكل ولش:‏ «يبدو ان المرة الاولى التي دُعي فيها اسقف روما ‹بابا› كانت في القرن الثالث،‏ وقد أُطلق اللقب على البابا كاليستس .‏ .‏ .‏ وبحلول نهاية القرن الخامس عَنت ‹بابا› عادة اسقف روما ولا احد سواه.‏ ولكن لم يكن حتى القرن الحادي عشر ان البابا تمكن من الاصرار على تطبيق اللقب عليه وحده.‏» —‏ تاريخ مصوَّر للبابوات.‏

١٨ (‏أ)‏ مَن كان احد اوائل اساقفة روما الذي فرض سلطانه؟‏ (‏ب)‏ علامَ يتأسس الادعاء البابوي للسلطة العليا؟‏ (‏ج)‏ ما هو الفهم الصحيح لمتى ١٦:‏​١٨،‏ ١٩‏؟‏

١٨ وأحد اوائل اساقفة روما الذي فرض سلطانه كان البابا ليو الاول (‏بابا،‏ ٤٤٠-‏٤٦١ ب‌م)‏.‏ يشرح مايكل ولش ايضا:‏ «اخذ ليو لنفسه لقب الحبر الاعظم Pontifex Maximus‏،‏ الذي لا يزال البابوات يستعملونه اليوم،‏ الذي كان لقبا وثنيا ذات مرة وحمله الاباطرة الرومان حتى نهاية القرن الرابع تقريبا.‏» وأسس ليو الاول اعماله على التفسير الكاثوليكي لكلمات يسوع الموجودة في متى ١٦:‏​١٨،‏ ١٩‏.‏ (‏انظروا الاطار،‏ الصفحة ٢٦٨.‏)‏ و «اعلن انه لسبب كون القديس بطرس الاول بين الرسل،‏ يجب ان تُمنح كنيسة القديس بطرس السلطة العليا بين الكنائس.‏» (‏اديان الانسان‏)‏ وبهذه الخطوة اوضح ليو الاول انه فيما يتقلَّد الامبراطور السلطة الزمنية في القسطنطينية في الشرق يمارس هو السلطة الروحية من روما في الغرب.‏ وجرى ايضاح هذه السلطة اكثر عندما توَّج البابا ليو الثالث شارلمان امبراطور الامبراطورية الرومانية المقدسة في سنة ٨٠٠ ب‌م.‏

١٩ و ٢٠ (‏أ)‏ كيف يُنظر الى البابا في الازمنة الحديثة؟‏ (‏ب)‏ ما هي بعض ألقاب البابا الرسمية؟‏ (‏ج)‏ ايّ تباين يمكن رؤيته بين سلوك البابوات وذاك الذي لبطرس؟‏

١٩ ومنذ السنة ١٩٢٩ تنظر الحكومات الدنيوية الى بابا روما كحاكم على دولة منفصلة ذات سيادة،‏ مدينة الڤاتيكان.‏ وهكذا يمكن للكنيسة الكاثوليكية الرومانية،‏ بخلاف اية منظمة دينية اخرى،‏ ان ترسل ممثلين دبلوماسيين،‏ سفراء بابويين،‏ الى حكومات العالم.‏ (‏يوحنا ١٨:‏٣٦‏)‏ ويُنعَم على البابا بألقاب شرف كثيرة،‏ بعضها نائب يسوع المسيح،‏ خليفة امير الرسل،‏ الحبر الاعظم للكنيسة الجامعة،‏ بطريرك الغرب،‏ السلطة العليا في ايطاليا،‏ سلطان مدينة الڤاتيكان.‏ ويُحمل بأُبهة واحتفال.‏ ويُمنح ألقاب شرف معيَّنة لرأس دولة.‏ وبالتباين،‏ لاحظوا كيف تجاوب بطرس،‏ الذي يُفترض انه اول بابا وأسقف لروما،‏ عندما وقع كرنيليوس قائد المئة الروماني على قدميه ليسجد له:‏ «اقامه بطرس قائلا قم انا ايضا انسان.‏» —‏ اعمال ١٠:‏​٢٥،‏ ٢٦؛‏ متى ٢٣:‏٨-‏١٢‏.‏

٢٠ والسؤال الآن هو،‏ كيف حصلت الكنيسة المرتدَّة لتلك القرون الباكرة على هذا القدر الكبير من السلطة والجاه؟‏ كيف حُوِّلت بساطة وتواضع المسيح والمسيحيين الاوائل الى تكبُّر وأُبهة العالم المسيحي؟‏

اساس العالم المسيحي

٢١ و ٢٢ ايّ تغيير عظيم يُظن انه حدث في حياة قسطنطين،‏ وكيف استغله؟‏

٢١ نقطة التحول لهذا الدين الجديد في الامبراطورية الرومانية كانت السنة ٣١٣ ب‌م،‏ تاريخ الاهتداء المزعوم للامبراطور قسطنطين الى «المسيحية.‏» وكيف حدث هذا الاهتداء؟‏ في سنة ٣٠٦ ب‌م خلف قسطنطين اباه وصار اخيرا،‏ مع ليسينيوس،‏ حاكما مشاركا على الامبراطورية الرومانية.‏ وتأثَّر باخلاص امه للمسيحية وبايمانه الخاص بالحماية الالهية.‏ وقبل ذهابه ليحارب في معركة قرب روما عند جسر ملڤيان في سنة ٣١٢ ب‌م ادَّعى انه قيل له في حلم ان يرسم الطُرَّة «المسيحية» —‏ الحرفين اليونانيين خي ورو،‏ الحرفين الاولين لاسم المسيح باليونانية —‏ على اتراس جنوده.‏ * وبهذا ‹الطلسم المقدس› هزمت قوات قسطنطين عدوه مكسنتيوس.‏

٢٢ وبعد وقت قليل من ربح المعركة ادَّعى قسطنطين انه صار مؤمنا،‏ مع انه لم يعتمد إلا قبل موته بقليل بعد نحو ٢٤ سنة.‏ وانطلق لكسب دعم المدَّعين المسيحية في امبراطوريته بـ‍ «تبنِّيه [الحرفين اليونانيين] خي-‏رو [ ] كشعار له .‏ .‏ .‏ ولكنّ خي-‏رو كانا قبل ذلك يُستعملان كحرفين مجتمعين في البيئتين الوثنية والمسيحية على السواء.‏» —‏ بوتقة المسيحية،‏ اشرف على تحريره آرنولد تويْنبي.‏

٢٣ (‏أ)‏ استنادا الى احد المعلقين متى بدأ العالم المسيحي؟‏ (‏ب)‏ لماذا يمكننا القول ان المسيح لم يؤسس العالم المسيحي؟‏

٢٣ نتيجة لذلك،‏ وُضع اساس العالم المسيحي.‏ وكما كتب المذيع البريطاني مالكوم مڠريدج في كتابه نهاية العالم المسيحي:‏ ‏«بدأ العالم المسيحي مع الامبراطور قسطنطين.‏» ولكنه صرَّح ايضا بالتعليق الحاد:‏ «يمكنكم القول ايضا ان المسيح نفسه ابطل العالم المسيحي قبلما بدأ اذ ذكر ان مملكته ليست من هذا العالم —‏ احد ابلغ تصريحاته اثرا وأهمها قاطبة.‏» وهو تصريح تجاهله على نطاق واسع جدا حكام العالم المسيحي الدينيون والسياسيون.‏ —‏ يوحنا ١٨:‏٣٦‏.‏

٢٤ مع «اهتداء» قسطنطين ايّ تغيير حدث في الكنيسة؟‏

٢٤ وبدعم قسطنطين صار دين العالم المسيحي دين الدولة الرسمي لروما.‏ تشرح إِيلين پاجلز،‏ استاذة في الدين:‏ «الاساقفة المسيحيون الذين كانوا مرة هدفا للاعتقال،‏ التعذيب،‏ والاعدام،‏ حصلوا الآن على اعفاءات من الضرائب،‏ هدايا من الخزينة الامبراطورية،‏ الجاه،‏ وحتى النفوذ في البلاط؛‏ وحظيت كنائسهم الآن بثروة،‏ سلطة،‏ وشهرة جديدة.‏» لقد صاروا اصدقاء الامبراطور،‏ اصدقاء العالم الروماني.‏ —‏ يعقوب ٤:‏٤‏،‏ تف.‏

قسطنطين،‏ الهرطقة،‏ والدين القويم

٢٥ (‏أ)‏ بحلول زمن قسطنطين ايّ جدل لاهوتي كان محتدما؟‏ (‏ب)‏ قبل القرن الرابع ايّ وضع وُجد في ما يتعلق بفهم علاقة المسيح بأبيه؟‏

٢٥ لماذا كان «اهتداء» قسطنطين مهما جدا؟‏ لانه كامبراطور كان يملك تأثيرا قويا في شؤون الكنيسة «المسيحية» المنقسمة عقائديا،‏ وأراد الوحدة في امبراطوريته.‏ وفي ذلك الزمن كان الجدل محتدما بين الاساقفة الناطقين باليونانية والناطقين باللاتينية بشأن «العلاقة بين ‹الكلمة› او ‹ابن اللّٰه› الذي تجسَّد في يسوع،‏ و ‹اللّٰه› نفسه الذي دُعي آنذاك ‹الآب› —‏ كون اسمه يهوِه قد نُسي عموما.‏» (‏تاريخ العالم لكولومبيا‏)‏ وحبَّذ البعض وجهة النظر المدعومة من الكتاب المقدس ان المسيح،‏ لوغوس،‏ مخلوق وبالتالي خاضع للآب.‏ (‏متى ٢٤:‏٣٦‏،‏ كا؛‏ يوحنا ١٤:‏٢٨؛‏ ١ كورنثوس ١٥:‏٢٥-‏٢٨‏)‏ وبين هؤلاء كان آريوس،‏ كاهن في الاسكندرية،‏ مصر.‏ وفي الواقع،‏ يذكر ر.‏ پ.‏ س.‏ هَنسون،‏ پروفسور في اللاهوت:‏ «ليس هنالك لاهوتي في الكنيسة الشرقية او الغربية قبل نشوب الجدال الآريوسي [في القرن الرابع] لا ينظر بمعنى ما الى الابن كخاضع للآب.‏» —‏ البحث عن العقيدة المسيحية للّٰه.‏

٢٦ بحلول اوائل القرن الرابع ماذا كان الوضع بخصوص تعليم الثالوث؟‏

٢٦ واعتبر آخرون وجهة النظر هذه عن خضوع المسيح هرطقة وتحوَّلوا اكثر نحو عبادة يسوع بصفته «اللّٰه المتجسِّد.‏» ومع ذلك،‏ يذكر الپروفسور هَنسون ان الفترة مدار البحث (‏القرن الرابع)‏ «لم تكن تاريخ دفاع عقيدة [ثالوثية] قويمة متفق عليها ومبتوت فيها ضد هجمات هرطقة علنية [الآريوسية].‏ ففي الموضوع الذي كان بشكل رئيسي مدار مناقشة لم تكن هنالك بعدُ اية عقيدة قويمة.‏» ويتابع:‏ «اعتقدت كل الاطراف انها تحظى بسلطة الاسفار المقدسة لمصلحتها.‏ ووصف كل واحد الآخرين بأنهم غير منسجمين مع العقيدة القويمة،‏ التقاليد والاسفار المقدسة.‏» وانقسمت الصفوف الدينية كاملا حول هذه القضية اللاهوتية.‏ —‏ يوحنا ٢٠:‏١٧‏.‏

٢٧ (‏أ)‏ ماذا فعل قسطنطين ليحاول تسوية الجدل بشأن طبيعة يسوع؟‏ (‏ب)‏ الى ايّ حد كان مجمع نيقية تمثيليا للكنيسة؟‏ (‏ج)‏ هل سوَّت العقيدة النيقية الجدال بشأن عقيدة الثالوث النامية؟‏

٢٧ اراد قسطنطين الوحدة في مملكته،‏ وفي سنة ٣٢٥ ب‌م دعا الى مجمع لاساقفته في نيقية،‏ الواقعة في المقاطعة الشرقية الناطقة باليونانية من امبراطوريته،‏ عبر البوسفور من مدينة القسطنطينية الجديدة.‏ ويقال ان ما بين ٢٥٠ و ٣١٨ اسقفا حضروا،‏ مجرد اقلية من العدد الاجمالي،‏ ومعظم اولئك الحاضرين كانوا من المنطقة الناطقة باليونانية.‏ وحتى البابا سلڤستر الاول لم يكن حاضرا.‏ * وبعد جدل عنيف خرجت من ذلك المجمع غير التمثيلي العقيدة النيقية بانحيازها الشديد الى التفكير الثالوثي.‏ ومع ذلك فشلت في تسوية المُحاجَّة العقائدية.‏ ولم توضح دور روح اللّٰه القدوس في اللاهوت الثالوثي.‏ واحتدم الجدل طوال عقود،‏ ولزم المزيد من المجامع وسلطة اباطرة مختلفين واستعمال النفي لانجاز التوافق الاخير.‏ لقد كان ذلك انتصارا للاّهوت وهزيمة للذين يتمسكون بالاسفار المقدسة.‏ —‏ رومية ٣:‏​٣،‏ ٤‏.‏

٢٨ (‏أ)‏ ماذا كانت بعض نتائج عقيدة الثالوث؟‏ (‏ب)‏ لماذا لا يوجد اساس من الكتاب المقدس لتكريم مريم بصفتها «امّ اللّٰه»؟‏

٢٨ على مر القرون كانت احدى نتائج تعليم الثالوث غمر يهوه الاله الحقيقي الوحيد في مستنقع لاهوت اللّٰه-‏المسيح للعالم المسيحي.‏ * والنتيجة المنطقية التالية لذلك اللاهوت هي انه اذا كان يسوع حقا اللّٰه المتجسِّد فعندئذ تكون امّ يسوع مريم على نحو واضح «امّ اللّٰه.‏» وعلى مر السنين ادَّى ذلك الى تكريم مريم بأشكال مختلفة كثيرة،‏ وذلك على الرغم من النقص الكلي في الآيات التي تتكلم عن مريم بأيّ دور ذي اهمية إلا بصفتها الام البيولوجية المتواضعة ليسوع.‏ * (‏لوقا ١:‏٢٦-‏٣٨،‏ ٤٦-‏٥٦‏)‏ وعلى مر القرون طوَّرت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وزيَّنت تعليم «امّ اللّٰه،‏» فكانت النتيجة ان كثيرين من الكاثوليك يكرمون مريم بحماسة اكثر مما يعبدون اللّٰه.‏

انشقاقات العالم المسيحي

٢٩ ايّ تطوُّر حذَّر منه بولس؟‏

٢٩ والخاصية الاخرى للارتداد هي انه يؤدي الى التقسيم والتجزئة.‏ فكان الرسول بولس قد تنبأ:‏ «لاني اعلم هذا انه بعد ذهابي سيدخل بينكم ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعية.‏ ومنكم انتم سيقوم رجال يتكلمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم.‏» وكان بولس قد اعطى مشورة واضحة للكورنثيين عندما ذكر:‏ «ولكنني اطلب اليكم ايها الاخوة باسم ربنا يسوع المسيح ان تقولوا جميعكم قولا واحدا ولا يكون بينكم انشقاقات بل كونوا كاملين في فكر واحد ورأي واحد.‏» وعلى الرغم من حض بولس،‏ فقد تأصل الارتداد والانقسامات بسرعة.‏ —‏ اعمال ٢٠:‏​٢٩،‏ ٣٠؛‏ ١ كورنثوس ١:‏١٠‏.‏

٣٠ اية حالة تطوَّرت سريعا في الكنيسة الباكرة؟‏

٣٠ وفي غضون عقود قليلة من موت الرسل كانت الانشقاقات قد صارت واضحة بين المسيحيين.‏ يذكر وِل ديورانت:‏ «وكان سلسس [مقاوم للمسيحية في القرن الثاني] نفسه قد قال ساخرا ان المسيحيين ‹تفرقوا شيعا كثيرة،‏ حتى اصبح همّ كل فرد منهم ان يكوِّن لنفسه حزبا.‏› واستطاع ايرينيوس ان يُحصي في عام ١٨٧ [ ب‌م] عشرين شيعة مختلفة من المسيحيين؛‏ وأحصى ابفانيوس في عام ٣٨٤ [ب‌م] ثمانين.‏» —‏ قصة الحضارة:‏ الجزء الثالث —‏ قيصر والمسيح.‏

٣١ كيف تطوَّر شقاق كبير في الكنيسة الكاثوليكية؟‏

٣١ حبَّذ قسطنطين الجانب الشرقي،‏ اليوناني،‏ من امبراطوريته بإقامته عاصمة جديدة لما يُدعى اليوم تركيا.‏ وقد سُميت هذه المدينة لاحقا القسطنطينية.‏ وكانت النتيجة ان الكنيسة الكاثوليكية على مر القرون صارت منقسمة باللغة وبالجغرافيا على السواء —‏ روما الناطقة باللاتينية في الغرب مقابل القسطنطينية الناطقة باليونانية في الشرق.‏

٣٢ و ٣٣ (‏أ)‏ ايّ سببين اضافيين هنالك للانقسامات في العالم المسيحي؟‏ (‏ب)‏ ماذا يقول الكتاب المقدس عن استعمال الصور في العبادة؟‏

٣٢ والجدل المفرِّق بشأن اوجه تعليم الثالوث الذي كان في طور النمو استمر في تسبيب جيشان في العالم المسيحي.‏ فعُقد مجمع آخر سنة ٤٥١ ب‌م في خلقيدونية لتعريف صفات «طبيعتي» المسيح.‏ وفي حين قبل الغرب العقيدة التي اصدرها هذا المجمع،‏ عارضت الكنائس الشرقية،‏ مما ادَّى الى تشكُّل الكنيسة القبطية في مصر وإثيوبيا والكنائس «اليعقوبية» في سوريا وارمينيا.‏ لقد كانت وحدة الكنيسة الكاثوليكية مهدَّدة على الدوام بالانقسامات في المسائل اللاهوتية الغامضة المعنى،‏ وخصوصا المتعلقة بتعريف عقيدة الثالوث.‏

٣٣ والسبب الآخر للانقسام كان تكريم الصور.‏ فخلال القرن الثامن ثار الاساقفة الشرقيون على هذه الصنمية ودخلوا في ما يدعى فترة تحطيمهم الصور او الايقونات.‏ وبمرور الوقت عادوا الى استعمال الايقونات.‏ —‏ خروج ٢٠:‏٤-‏٦؛‏ اشعياء ٤٤:‏١٤-‏١٨‏.‏

٣٤ (‏أ)‏ ماذا ادَّى الى صدع رئيسي في الكنيسة الكاثوليكية؟‏ (‏ب)‏ ماذا كانت النتيجة النهائية لذلك الصدع؟‏

٣٤ وحدث امتحان كبير اضافي عندما اضافت الكنيسة الغربية الكلمة اللاتينية filioque ‏(‏«ومن الابن»)‏ الى العقيدة النيقية للاشارة الى ان الروح القدس ينبثق من الآب والابن كليهما.‏ والنتيجة النهائية لهذا التنقيح في القرن السادس كانت صدعا عندما «دان سينودس [للاساقفة] في القسطنطينية سنة ٨٧٦ البابا لاجل نشاطاته السياسية ولانه لم يصحح هرطقة عبارة filioque على السواء.‏ لقد كان هذا العمل جزءا من رفض الشرق الكامل لادعاء البابا حق السلطة الشرعية الكلية على الكنيسة.‏» (‏اديان الانسان‏)‏ وفي سنة ١٠٥٤ حرم ممثل البابا بطريرك القسطنطينية،‏ الذي لعن بدوره البابا.‏ وأدَّى ذلك الشقاق اخيرا الى تشكُّل الكنائس الارثوذكسية الشرقية —‏ اليونانية،‏ الروسية،‏ الرومانية (‏نسبة الى رومانيا)‏،‏ الپولندية،‏ البلغارية،‏ الصربية،‏ وكنائس اخرى ذات حكم ذاتي.‏

٣٥ مَن كان الولدنزيون،‏ وكيف اختلفت معتقداتهم عن تلك التي للكنيسة الكاثوليكية؟‏

٣٥ وثمة حركة اخرى كانت تبتدئ ايضا بتسبيب جيشان في الكنيسة.‏ ففي القرن الـ‍ ١٢ قام بطرس ولدو،‏ من ليون،‏ فرنسا،‏ باستخدام «جماعة من العلماء ليترجموا الكتاب المقدس الى الـ‍ langue d’oc ‏[لغة اقليمية] لجنوبي فرنسا.‏ وأقبل على درس الترجمة بشغف،‏ واستنتج ان المسيحيين يجب ان يعيشوا كالرسل —‏ بدون مُلك فردي.‏» (‏عصر الايمان،‏ بقلم وِل ديورانت)‏ وبدأ حركة كرازية صارت تُعرف بالولدنزيين Waldenses‏.‏ هؤلاء رفضوا الكهنوت الكاثوليكي،‏ صكوك الغفران،‏ المطهر،‏ الاستحالة،‏ وممارسات وعقائد كاثوليكية تقليدية اخرى.‏ وانتشروا في بلدان اخرى.‏ وحاول مجمع تولوز ايقافهم في سنة ١٢٢٩ بحظر اقتناء كتب الاسفار المقدسة.‏ وسُمح بكُتب طقوس العبادة فقط وباللغة اللاتينية الميتة فقط.‏ ولكنّ المزيد من الانقسام والاضطهاد الدينيَّين كان سيأتي بعد.‏

اضطهاد الالبِجنسيين

٣٦ و ٣٧ (‏أ)‏ مَن كان الالبِجنسيون،‏ وبماذا آمنوا؟‏ (‏ب)‏ كيف قُمع الالبِجنسيون؟‏

٣٦ بدأت حركة اخرى ايضا في القرن الـ‍ ١٢ في جنوب فرنسا —‏ الالبِجنسيون Albigenses ‏(‏معروفون ايضا بالكاثاري)‏،‏ على اسم بلدة ألبي،‏ حيث كان لهم أتباع كثيرون.‏ وكان لهم صف رجال دينهم العزّاب،‏ الذين يتوقعون ان تجري تحيتهم بتوقير.‏ وآمنوا بأن يسوع كان يتحدث مجازيا في عشائه الاخير عندما قال عن الخبز،‏ «هذا هو جسدي.‏» (‏متى ٢٦:‏٢٦‏)‏ ورفضوا عقائد الثالوث،‏ ولادة العذراء،‏ نار الهاوية،‏ والمطهر.‏ وهكذا وضعوا فعليا تعاليم روما موضع شك.‏ فأعطى البابا اينوسنت الثالث التعليمات ان يُضطهد الالبِجنسيون.‏ «واذا لزم الامر،‏» قال،‏ «اقمعوهم بالسيف.‏»‏

٣٧ وجرى شن حملة صليبية على «الهرطوقيين،‏» وذبح الصليبيون الكاثوليك ٠٠٠‏,‏٢٠ رجل،‏ امرأة،‏ وولد في بيزيير،‏ فرنسا.‏ وبعد الكثير من سفك الدم حلّ السلام في سنة ١٢٢٩ بهزم الالبِجنسيين.‏ ومجمع نربونه «حرم ان يمتلك احد من العامة ايّ جزء من الكتاب المقدس.‏» ان اصل المشكلة بالنسبة الى الكنيسة الكاثوليكية كان كما يظهر وجود الكتاب المقدس بلغة الشعب.‏

٣٨ ماذا كانت محكمة التفتيش،‏ وكيف كانت تعمل؟‏

٣٨ والخطوة التالية التي اتخذتها الكنيسة كانت تأسيس محكمة التفتيش،‏ محكمة مقامة لقمع الهرطقة.‏ وكان روح التعصب قد صار مسيطرا على الناس،‏ الذين استحوذت عليهم الخرافات وكانوا راغبين جدا في الاجتماع كرعاع على «الهرطوقيين» وقتلهم بدون محاكمة.‏ والاحوال في القرن الـ‍ ١٣ ساعدت الكنيسة على اساءة استعمال السلطة.‏ ولكن «قُضي بأن يُسلَّم الهرطوقيون الذين ادانتهم الكنيسة الى ‹الذراع الدنيوية› —‏ السلطات المحلية —‏ ويُحرقوا حتى الموت.‏» (‏عصر الايمان‏)‏ وبترك اجراءات الاعدام الفعلية للسلطات الدنيوية تكون الكنيسة ظاهريا بريئة من ذنب سفك الدم.‏ وأبدأت محكمة التفتيش عصرا من الاضطهاد الديني اسفر عن اساءات،‏ اتهامات باطلة ومجهولة المصدر،‏ قتل،‏ سرقة،‏ تعذيب،‏ وموت بطيء لآلاف الذين تجرأوا على الايمان بخلاف الكنيسة.‏ وخُنقت حرية التعبير الديني.‏ فهل كان هنالك ايّ رجاء للناس الطالبين الاله الحقيقي؟‏ سيجيب الفصل ١٣ عن ذلك.‏

٣٩ اية حركة دينية بدأت في القرن السابع،‏ وكيف؟‏

٣٩ بينما كان ذلك كله يحدث في العالم المسيحي،‏ اتخذ عربي وحيد في الشرق الاوسط موقفا ضد عدم اكتراث شعبه الديني وصنميتهم.‏ وأبدأ حركة دينية في القرن السابع تستوجب اليوم طاعة وتسليم نحو ألف مليون نسمة.‏ هذه الحركة هي الاسلام.‏ وفصلنا التالي سيتأمل في تاريخ نبيِّها ومؤسِّسها ويشرح بعض تعاليمه ومصدرها.‏

‏[الحواشي]‏

^ ‎الفقرة 10‏ ان عبارات «نفس خالدة،‏» «نار الهاوية،‏» «المطهر،‏» و «اليمبوس» غير موجودة في ايّ مكان في العبرانية واليونانية الاصليتَين للكتاب المقدس.‏ وبالتباين،‏ ترد الكلمة اليونانية التي تقابل «القيامة» (‏اناستاسيس‏)‏ ٤٢ مرة.‏

^ ‎الفقرة 14‏ الكلمة اليونانية اپيسكوپوس sko.‎posʹe.‎pi تعني حرفيا ‹مَن يرعى.‏› وفي اللاتينية صارت اپيسكوپوس episcopus‏،‏ وفي الانكليزية القديمة تحوَّلت الى «‏biscop‏» ولاحقا،‏ في الانكليزية الوسطى،‏ الى «‏bishop‏» (‏اسقف)‏.‏

^ ‎الفقرة 21‏ تقول حكاية اسطورية شائعة ان قسطنطين ابصر رؤيا عن صليب مع الكلمات اللاتينية «‏In hoc signo vinces‏» (‏بهذه العلامة انتصر)‏.‏ ويقول بعض المؤرخين انها كانت على الارجح باليونانية،‏ «‏En toutoi nika‏» (‏بهذا انتصر)‏.‏ ويشك بعض العلماء في الحكاية الاسطورية لانها تحتوي على مفارقات تاريخية anachronisms‏.‏

^ ‎الفقرة 27‏ يذكر قاموس اوكسفورد للبابوات عن سلڤستر الاول:‏ «مع انه كان بابا طوال اثنتين وعشرين سنة من حكم قسطنطين الكبير (‏٣٠٦-‏٣٣٧)‏،‏ حقبة تطورات مثيرة للكنيسة،‏ يبدو انه قام بدور زهيد في الحوادث العظيمة التي كانت تقع.‏ .‏ .‏ .‏ كان هنالك حتما اساقفة جعلهم قسطنطين مؤتمنيه،‏ دبَّر معهم سياساته الكنسية؛‏ ولكنّ [سلڤستر] لم يكن واحدا منهم.‏»‏

^ ‎الفقرة 28‏ من اجل تأمل مفصَّل في جدل الثالوث،‏ انظروا كراسة هل يجب ان تؤمنوا بالثالوث؟‏ المؤلفة من ٣٢ صفحة،‏ اصدار جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس في نيويورك،‏ ١٩٨٩.‏

^ ‎الفقرة 28‏ تُذكر مريم امّ يسوع بالاسم او بصفتها امّه في ٢٤ آية مختلفة في الاناجيل الاربعة ومرة في اعمال الرسل.‏ ولا تُذكر في اية رسالة رسولية.‏

‏[اسئلة الدرس]‏

‏[الاطار في الصفحة ٢٦٢]‏

المسيحيون الاولون وروما الوثنية

«اذ برزت الحركة المسيحية في الامبراطورية الرومانية تحدَّت المهتدين الوثنيين ايضا ليغيِّروا مواقفهم وتصرّفهم.‏ فكثيرون من الوثنيين الذين سبق ان تربَّوا ليعتبروا الزواج اساسيا كترتيب اجتماعي واقتصادي،‏ علائق مضاجعة النظير كعنصر متوقع في تعليم الذكور،‏ دعارة الذكور والاناث على السواء كشيء عادي وشرعي،‏ والطلاق،‏ الاجهاض،‏ منع الحبل،‏ ونبذ الاطفال غير المرغوب فيهم [حتى الموت] كمسائل استغلال عملي للظروف،‏ اعتنقوا لدهشة عائلاتهم الرسالة المسيحية التي قاومت هذه الممارسات.‏» —‏ آدم،‏ حواء،‏ والحية،‏ بقلم إِيلين پاجلز.‏

‏[الاطار في الصفحة ٢٦٦]‏

المسيحية ضد العالم المسيحي

پورفيري،‏ فيلسوف من صور في القرن الثالث ومقاوم للمسيحية،‏ اثار السؤال «ما اذا كان أتباع يسوع،‏ لا يسوع نفسه،‏ مسؤولين عن الشكل المميَّز للدين المسيحي.‏ وأظهر پورفيري (‏وجوليان [امبراطور روماني في القرن الرابع ومقاوم للمسيحية])‏،‏ على اساس العهد الجديد،‏ ان يسوع لم يدعُ نفسه اللّٰه وأنه لم يكرز بنفسه بل بالاله الواحد،‏ اله الجميع.‏ ان أتباعه هم الذين هجروا تعليمه وأدخلوا طريقة جديدة من تلقاء انفسهم فيها كان يسوع (‏لا الاله الواحد)‏ موضع العبادة والاجلال.‏ .‏ .‏ .‏ لقد عيَّن [پورفيري] بدقة قضية مزعجة بالنسبة الى المفكرين المسيحيين:‏ هل الديانة المسيحية قائمة على كرازة يسوع او على الافكار التي كوَّنها تلاميذه في الاجيال التي أعقبت موته؟‏» ‏—‏ المسيحيون كما رآهم الرومان.‏

‏[الاطار في الصفحة ٢٦٨]‏

بطرس والبابوية

في متى ١٦:‏١٨ قال يسوع للرسول بطرس:‏ «وأنا اقول لك ايضا انت بطرس [باليونانية،‏ پيتروس‏] وعلى هذه الصخرة [باليونانية،‏ پيترا‏] ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.‏» وبناء على ذلك،‏ تدَّعي الكنيسة الكاثوليكية ان يسوع بنى كنيسته على بطرس،‏ الذي يقولون انه كان اول سلسلة غير منقطعة من اساقفة روما وخلفاء بطرس.‏

مَن كانت الصخرة التي دل عليها يسوع في متى ١٦:‏١٨‏،‏ بطرس ام يسوع؟‏ تُظهر القرينة ان نقطة المناقشة كانت تحديد هوية يسوع بصفته «المسيح ابن اللّٰه الحي،‏» كما اعترف بطرس نفسه.‏ (‏متى ١٦:‏١٦‏)‏ لذلك،‏ منطقيا،‏ يكون يسوع نفسه اساس الكنيسة الصخري الراسخ هذا،‏ لا بطرس،‏ الذي كان سينكر لاحقا المسيح ثلاث مرات.‏ —‏ متى ٢٦:‏٣٣-‏٣٥،‏ ٦٩-‏٧٥‏.‏

وكيف نعرف ان المسيح هو الحجر الاساس؟‏ بواسطة شهادة بطرس الخاصة عندما كتب:‏ «الذي اذ تأتون اليه حجرا حيا مرفوضا من الناس ولكن مختار من اللّٰه كريم .‏ .‏ .‏ لذلك يُتضمن ايضا في الكتاب هنذا اضع في صهيون حجر زاوية مختارا كريما والذي يؤمن به لن يخزى.‏» وذكر بولس ايضا:‏ «مبنيين على اساس الرسل والانبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية.‏» —‏ ١ بطرس ٢:‏٤-‏٨؛‏ افسس ٢:‏٢٠‏.‏

ليس هنالك دليل في الاسفار المقدسة او التاريخ ان بطرس اعتُبر حائزا السلطة العليا بين نظرائه.‏ وهو لا يقوم بأيّ ذكر لذلك في رسالتيه،‏ والاناجيل الثلاثة الاخرى —‏ بما فيها انجيل مرقس (‏يبدو ان بطرس قصَّه على مرقس)‏ —‏ لا تذكر ايضا عبارة يسوع لبطرس.‏ —‏ لوقا ٢٢:‏٢٤-‏٢٦؛‏ اعمال ١٥:‏٦-‏٢٢؛‏ غلاطية ٢:‏١١-‏١٤‏.‏

وليس هنالك ايضا دليل جازم ان بطرس كان مرة في روما.‏ (‏١ بطرس ٥:‏١٣‏)‏ وعندما زار بولس اورشليم دعمه «يعقوب وصفا [بطرس] ويوحنا المعتبرون انهم اعمدة.‏» وهكذا كان بطرس في ذلك الوقت واحدا من ثلاثة اعمدة على الاقل في الجماعة.‏ فلم يكن «بابا» ولم يكن ايضا معروفا هكذا او بصفته «اسقفا» ذا سلطة عليا في اورشليم.‏ —‏ غلاطية ٢:‏٧-‏٩؛‏ اعمال ٢٨:‏​١٦،‏ ٣٠،‏ ٣١‏.‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٦٤]‏

مثَّلت لغز ثالوث العالم المسيحي

‏[الصورتان في الصفحة ٢٦٩]‏

الڤاتيكان (‏العلم ظاهر ادناه)‏ ترسل دبلوماسيين الى حكومات العالم

‏[الصورتان في الصفحة ٢٧٥]‏

مجمع نيقية وضع الاساس لما كان سيصير لاحقا عقيدة الثالوث

‏[الصور في الصفحة ٢٧٧]‏

تكريم مريم مع الطفل،‏ في الوسط،‏ يردِّد صدى عبادة اقدم بكثير لإلاهات وثنيات —‏ الى اليسار،‏ ايزيس وحورس لمصر؛‏ الى اليمين،‏ ماتر ماتوتا لروما

‏[الصورتان في الصفحة ٢٧٨]‏

كنيستان ارثوذكسيتان شرقيتان —‏ القديس نقولا،‏ صوفيا،‏ بلغاريا،‏ وفي الاسفل،‏ كنيسة القديس ڤلاديمير،‏ نيو جيرزي،‏ الولايات المتحدة الاميركية

‏[الصورة في الصفحة ٢٨١]‏

لم يُنظَّم الصليبيون «المسيحيون» فقط لتحرير اورشليم من الاسلام بل كذلك لذبح «الهرطوقيين،‏» كالولدنزيين والالبِجنسيين

‏[الصور في الصفحة ٢٨٣]‏

قاد توماس ده توركيمادا،‏ راهب دومينيكي،‏ محكمة التفتيش الاسپانية الوحشية،‏ التي استعملت ادوات التعذيب لانتزاع الاعترافات