الفصل ١٣

الاصلاح —‏ البحث اتخذ اتجاها جديدا

١ و ٢ (‏أ)‏ كيف يصف احد الكتب عن الاصلاح الكنيسة الكاثوليكية الرومانية للقرون الوسطى؟‏ (‏ب)‏ اية اسئلة تنشأ في ما يتعلق بحالة كنيسة روما؟‏

‏«المصيبة الحقيقية لكنيسة القرون الوسطى هي انها فشلت في مماشاة الزمان.‏ .‏ .‏ .‏ فبدلا من ان تكون تقدمية،‏ بدلا من ان تمنح قيادة روحية،‏ كانت متخلّفة ومنحطة،‏ فاسدة في كل اعضائها.‏» هكذا يقول كتاب قصة الاصلاح عن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية القوية،‏ التي سيطرت على معظم اوروپا من القرن الـ‍ ٥ الى القرن الـ‍ ١٥ ب‌م.‏

^٢ فكيف سقطت كنيسة روما من مركزها الكلي القوة لتصير ‹منحطة وفاسدة›؟‏ وكيف فشلت البابوية،‏ التي ادعت الخلافة الرسولية،‏ حتى في تزويد «قيادة روحية»؟‏ ماذا كانت حصيلة هذا الفشل؟‏ لايجاد الاجوبة،‏ يلزمنا ان نفحص بايجاز ايّ نوع من الكنائس صارت وأيّ دور قامت به في بحث الجنس البشري عن الاله الحقيقي.‏

الكنيسة في انحطاط

٣ (‏أ)‏ ماذا كانت الحالة المادية للكنيسة الرومانية بحلول نهاية القرن الـ‍ ١٥؟‏ (‏ب)‏ كيف حاولت الكنيسة ان تحافظ على عظمتها؟‏

^٣ بحلول نهاية القرن الـ‍ ١٥ كانت كنيسة روما بأبرشياتها،‏ اديرتها للرهبان،‏ وأديرتها للراهبات في كل حيِّز سلطتها،‏ قد  صارت اكبر ملاّك في كل اوروپا.‏ وذُكر انها مَلَكت ما يبلغ نصف الاراضي في فرنسا والمانيا والخُمسَين او اكثر في السويد وانكلترا.‏ والنتيجة؟‏ «نما بهاء روما على نحو لا حد له خلال اواخر القرن الـ‍ ١٥ واوائل القرن الـ‍ ١٦،‏ وازدهرت اهميتها السياسية مؤقتا،‏» يقول كتاب تاريخ للحضارة.‏ ولكنّ كل العظمة اتت بثمن،‏ وللمحافظة عليها كان على البابوية ايجاد مصادر جديدة للدخل المالي.‏ واذ وصف شتى الوسائل المستعملة كتب المؤرخ وِل ديورانت:‏

‏«كان يُطلب من كل مَن يُعيَّن في منصب كنسي ان يحوِّل الى الكيوريا البابوية —‏ المكاتب الادارية للبابوية —‏ نصف دخل منصبه للسنة الاولى،‏ وبعد ذلك العُشر سنويا.‏ وكان على رئيس الاساقفة الجديد ان يؤدي الى البابا مبلغا كبيرا لقاء الطيلسان —‏ شريط من الصوف الابيض يخدم كتأكيد لسلطته ورمز اليها.‏ وعند موت ايّ كردينال،‏ رئيس اساقفة،‏ اسقف،‏ او رئيس دير تعود ممتلكاته الشخصية الى البابوية.‏ .‏ .‏ .‏ وكان كل حكم تصدره الكيوريا او معروف تسديه يَتوقَّع عطية اعترافا بالجميل،‏ وأحيانا كانت العطية تملي الحكم.‏»‏

٤ كيف اثَّر الغنى الداخل الى الكنيسة في البابوية؟‏

 ^٤ والمبالغ الكبيرة التي تدفقت الى الخزائن البابوية سنة بعد سنة ادَّت اخيرا الى الكثير من السوء والفساد.‏ وقد قيل انه ‹حتى البابا لا يمكنه ان يلمس الزفت دون تلويث اصابعه،‏› وتاريخ الكنيسة لتلك الفترة شهد ما دعاه احد المؤرخين «سلسلة بابوات عالميين جدا.‏» وشمل هؤلاء سيكستُس الرابع (‏بابا،‏ ١٤٧١-‏١٤٨٤)‏،‏ الذي انفق مبالغ طائلة لبناء معبد سِستين،‏ المسمى على اسمه،‏ ولاغناء ابناء وبنات اخوته الكثيرين؛‏ اسكندر السادس (‏بابا،‏ ١٤٩٢-‏١٥٠٣)‏،‏ رودريڠو بورجيا الرديء السمعة،‏ الذي اعترف علنا بأولاده غير الشرعيين ورقَّاهم؛‏ ويوليوس الثاني (‏بابا،‏ ١٥٠٣-‏١٥١٣)‏،‏ ابن اخي سيكستُس الرابع،‏ الذي كان تعلُّقه بالحروب،‏ السياسة،‏ والفن اكثر مما بواجباته الكنسية.‏ لقد كان إيرازموس العالم الكاثوليكي الهولندي مبرَّرا كاملا اذ كتب في سنة ١٥١٨:‏ «لقد وصل عار الكيوريا الرومانية الى ذروته.‏»‏

٥ ماذا اظهرت السجلات المعاصرة بخصوص السلوك الادبي لرجال الدين؟‏

^٥ لم يقتصر الانحطاط والفساد الادبي على البابوية.‏ فكان المثل السائر في ذلك الزمان:‏ «اذا كنت تريد ان تخرب ابنك فاجعله كاهنا.‏» وهذا تدعمه سجلات ذلك الزمان.‏ واستنادا الى ديورانت،‏ ففي انكلترا،‏ بين «التهم بعدم العفة [الجنسية] المسجلة في سنة ١٤٩٩،‏ .‏ .‏ .‏ بلغ عدد المذنبين من رجال الدين نحو ٢٣ في المئة من المجموع،‏ مع ان رجال الدين كانوا في اغلب الظن اقل من ٢ في المئة من عدد السكان.‏ وبعض كهنة الاعتراف التمسوا اتصالات جنسية من النساء التائبات.‏ وكانت للآلاف من الكهنة سراريّ؛‏ وفي المانيا كانت لهم كلهم تقريبا.‏» (‏قابلوا ١ كورنثوس ٦:‏٩-‏١١؛‏ افسس ٥:‏٥‏.‏)‏ والزلات الادبية وصلت ايضا الى مجالات اخرى.‏ ويقال ان اسپانيًّا في ذلك  الزمان تذمر:‏ «ارى اننا لا نكاد نحصل على شيء من خدام المسيح بدون مال؛‏ عند المعمودية مال .‏ .‏ .‏ عند الزواج مال،‏ لقاء الاعتراف مال —‏ لا،‏ لا مسحة قبل الموت [الطقوس الاخيرة] بدون مال!‏ لن يقرعوا الاجراس بدون مال،‏ ولا دفن في الكنيسة بدون مال؛‏ بحيث يبدو ان الفردوس مغلق في وجه مَن لا مال لهم.‏» —‏ قابلوا ١ تيموثاوس ٦:‏١٠‏.‏

٦ كيف وصف مكياڤلي الكنيسة الرومانية؟‏ (‏رومية ٢:‏٢١-‏٢٤‏)‏

^٦ لتلخيص حالة الكنيسة الرومانية في بداية القرن الـ‍ ١٦ نقتبس كلمات مكياڤلي،‏ فيلسوف ايطالي شهير في تلك الفترة:‏

‏«لو جرت المحافظة على دين المسيحية وفقا لاحكام المؤسِّس لكانت حالة العالم المسيحي ومصلحته العامة اكثر اتحادا وسعادة مما هي عليه.‏ ولا يمكن ان يكون هنالك برهان على انحطاطه اعظم من الواقع انه كلما كان الناس اقرب الى الكنيسة الرومانية،‏ رأس دينهم،‏ كانوا اقل تديُّنا.‏»‏

جهود باكرة للاصلاح

٧ اية جهود عقيمة قامت بها الكنيسة لمعالجة بعض الاساءات؟‏

^٧ لم يلاحظ الازمة في الكنيسة رجال مثل إيرازموس ومكياڤلي فقط بل الكنيسة نفسها ايضا.‏ فانعقدت مجامع كنسية لمعالجة بعض الشكاوى والاساءات،‏ ولكن من دون نتائج دائمة.‏ فالبابوات،‏ الذين كانوا ينعمون بالسلطة والمجد الشخصيَّين،‏ ثبَّطوا اية جهود حقيقية للاصلاح.‏

٨ ماذا كانت نتيجة تقصير الكنيسة المستمر؟‏

^٨ لو كانت الكنيسة جدية اكثر في التحسين لما كان هنالك ربما اصلاح.‏ ولكن،‏ والحالة هذه،‏ بدأت تُسمع الصرخات للاصلاح من داخل الكنيسة وخارجها.‏ وفي الفصل ١١ كنا قد ذكرنا الولدنزيين والالبِجنسيين.‏ ومع انهم أُدينوا كهرطوقيين  وسُحقوا بلا رحمة،‏ فقد اثاروا في الناس عدم الرضى عن اساءات رجال الدين الكاثوليك وأضرموا الرغبة في الرجوع الى الكتاب المقدس.‏ وتجلَّت مشاعر كهذه في عدد من المصلحين الاوائل.‏

احتجاجات من داخل الكنيسة

٩ مَن كان جون ويكلِف،‏ وضد ماذا كرز؟‏

^٩ اذ يشار اليه غالبا بـ‍ «كوكب صبح الاصلاح،‏» كان جون ويكلِف ‏(‏١٣٣٠؟‏-‏١٣٨٤)‏ كاهنا كاثوليكيا وأستاذا للاهوت في اوكسفورد،‏ انكلترا.‏ واذ كان مدركا جيدا للاساءات في الكنيسة،‏ كتب وكرز ضد امور كالفساد في فرق الرهبنة،‏ الضريبة البابوية،‏ عقيدة الاستحالة (‏الادعاء ان الخبز والخمر المستعملين في القداس يتحولان حرفيا الى جسد ودم يسوع المسيح)‏،‏ الاعتراف،‏ وتورط الكنيسة في الشؤون الزمنية.‏

١٠ كيف اظهر ويكلِف وفاءه للكتاب المقدس؟‏

^١٠ وجاهر ويكلِف على نحو خصوصي في ما يتعلق باهمال الكنيسة في تعليم الكتاب المقدس.‏ صرَّح ذات مرة:‏ «ليت كل كنيسة ابرشية في هذا البلد تملك كتابا مقدسا جيدا وتفاسير جيدة للانجيل،‏ وليت الكهنة يدرسونها حسنا ويعلِّمون الناس حقا الانجيل ووصايا اللّٰه!‏» ولهذه الغاية تولَّى ويكلِف،‏ في سنوات عمره الاخيرة،‏ مهمة ترجمة الكتاب المقدس الڤولڠاتا اللاتينية الى الانكليزية.‏ وبمساعدة عشرائه،‏ وخصوصا نقولا الهرْفوردي،‏ انتج اول كتاب مقدس كامل باللغة الانكليزية.‏ وكان ذلك دون شك اسهام ويكلِف الاعظم في بحث الجنس البشري عن اللّٰه.‏

١١ (‏أ)‏ ماذا استطاع أتباع ويكلِف ان ينجزوا؟‏ (‏ب)‏ ماذا حدث للّولارديين؟‏

^١١ وَزَّعت كتابات ويكلِف وأجزاء من الكتاب المقدس في كل انكلترا جماعةٌ من الكارزين أُشير اليهم غالبا بـ‍ «الكهنة الفقراء»  لانهم جالوا بلباس بسيط،‏ حفاة الاقدام،‏ وبدون ممتلكات مادية.‏ ودُعوا ايضا على نحو استهزائي اللولارديين Lollards‏،‏ من الكلمة الهولندية الوسطى Lollaerd‏،‏ او «مَن يغمغم الصلوات او التراتيل.‏» (‏قاموس برُوِر للعبارة والقصة الخرافية‏)‏ «في غضون سنوات قليلة كانت اعدادهم كبيرة جدا،‏» يقول كتاب اللولارديون.‏ ‏«حُسب ان ربع الامة على الاقل كانوا ميالين حقا او شكليا الى تلك المشاعر.‏» وطبعا،‏ لم يفت الكنيسة ملاحظة كل ذلك.‏ وبسبب شهرته بين صفَّي الحكام والعلماء سُمح لويكلِف بأن يموت بسلام في آخر يوم من السنة ١٣٨٤.‏ وكان أتباعه اقل توفيقا.‏ فخلال حكم هنري الرابع في انكلترا صُنِّفوا كهرطوقيين،‏ وكثيرون منهم سُجنوا،‏ عُذِّبوا،‏ او أُحرقوا حتى الموت.‏

١٢ مَن كان جون هس،‏ وضد ماذا كرز؟‏

^١٢ من المتأثرين بشدة بجون ويكلِف كان جون هس البوهيمي (‏التشيكي)‏ (‏١٣٦٩؟‏-‏١٤١٥)‏،‏ كاهن كاثوليكي ايضا ورئيس جامعة پراڠ.‏ ومثل ويكلِف،‏ كرز هس ضد فساد الكنيسة الرومانية وشدَّد على اهمية قراءة الكتاب المقدس.‏ وجلب ذلك بسرعة سخط هيئة الكهنوت عليه.‏ وفي سنة ١٤٠٣ امرته السلطات بالتوقف عن الكرازة بأفكار ويكلِف المناهضة  للبابوية،‏ الذي أُحرقت ايضا كتبه علنا.‏ ولكنّ هس مضى يكتب بعض اشد الاتهامات لسعا ضد ممارسات الكنيسة،‏ بما فيها بيع صكوك الغفران.‏ * فأُدين وحُرم في سنة ١٤١٠.‏

١٣ (‏أ)‏ ماذا علَّم هس ان الكنيسة الحقيقية هي؟‏ (‏ب)‏ ماذا كانت حصيلة ثبات هس؟‏

^١٣ كان هس لا ينثني في دعمه الكتاب المقدس.‏ «عصيان البابا الخاطئ انما هو طاعة للمسيح،‏» كتب.‏ وعلَّم ايضا ان الكنيسة الحقيقية،‏ بدلا من ان تكون البابا والكنيسة الرومانية،‏ «هي عدد كل المنتخبين وجسد المسيح الرمزي،‏ الذي رأسه المسيح؛‏ وعروس المسيح التي من محبته العظيمة افتداها بدمه الخاص.‏» (‏قارنوا افسس ١:‏​٢٢،‏ ٢٣؛‏ ٥:‏٢٥-‏٢٧‏.‏)‏ من اجل ذلك كله حوكم في مجمع كُنستانس وأُدين كهرطوقي.‏ واذ اعلن ان «الموت في عافية خير من العيش في سقم،‏» رفض علنا ان يتراجع وأُحرق الى الموت على خشبة في سنة ١٤١٥.‏ وأمر المجمع عينه ايضا بنبش عظام ويكلِف واحراقها مع انه كان قد مات ودفن منذ اكثر من ٣٠ سنة!‏

١٤ (‏أ)‏ مَن كان جيرولامو ساڤونارولا؟‏ (‏ب)‏ ماذا حاول ساڤونارولا ان يفعل،‏ وماذا كانت الحصيلة؟‏

^١٤ والمصلح الباكر الآخر كان الراهب الدومينيكاني جيرولامو ساڤونارولا ‏(‏١٤٥٢-‏١٤٩٨)‏ من دير سان ماركوس في فلورنسا،‏ ايطاليا.‏ واذ جرفته روح النهضة الايطالية جاهر ساڤونارولا ضد الفساد في الكنيسة والدولة على السواء.‏ واذ ادَّعى كأساس الاسفار المقدسة،‏ اضافة الى رؤى واعلانات قال انه نالها،‏ سعى الى تأسيس دولة مسيحية،‏ او نظام ثيوقراطي.‏ وفي سنة ١٤٩٧ حرمه البابا.‏ وفي السنة التالية اوقف،‏ عُذِّب،‏  وشُنق.‏ وكانت كلماته الاخيرة:‏ «ربي مات عن خطاياي؛‏ ألا اعطيه بسرور هذه الحياة البائسة؟‏» وأُحرق جسده وطُرح الرماد في نهر آرنو.‏ وعلى نحو مناسب كان ساڤونارولا قد دعا نفسه «رائدا وذبيحة.‏» وبعد سنوات قليلة فقط انفجر الاصلاح بكامل قوته في كل انحاء اوروپا.‏

بيت منقسم

١٥ كيف قسَّمت حركة الاصلاح العالم المسيحي في اوروپا الغربية؟‏

^١٥ عندما هبَّت اخيرا عاصفة الاصلاح حطَّمت البيت الديني للعالم المسيحي في اوروپا الغربية.‏ واذ كانت تقريبا تحت السيطرة الكليَّة للكنيسة الكاثوليكية الرومانية،‏ صارت الآن بيتا منقسما.‏ واوروپا الجنوبية —‏ ايطاليا،‏ اسپانيا،‏ النمسا،‏ واجزاء من فرنسا —‏ بقيت كاثوليكية بغالبيتها.‏ والباقي انقسم الى ثلاثة اقسام رئيسية:‏ اللوثرية في المانيا واسكنديناڤيا؛‏ الكالڤنية (‏او المُصلَحة)‏ في سويسرا،‏ النَّذَرلند،‏ اسكتلندا،‏ واجزاء من فرنسا؛‏ والانڠليكانية في انكلترا.‏ وتبعثرت بين هذه فرق اصغر ولكن متطرفة اكثر،‏ اولا مجدِّدو المعمودية Anabaptists ولاحقا المينّونيون Mennonites‏،‏ الهوتريون Hutterites‏،‏ والپيوريتانيون Puritans‏،‏ الذين بمرور الوقت اخذوا معتقداتهم الى اميركا الشمالية.‏

١٦ في آخر الامر،‏ ماذا حدث لبيت العالم المسيحي؟‏ (‏مرقس ٣:‏٢٥‏)‏

^١٦ وعلى مر السنين تجزَّأت هذه الاقسام الرئيسية على نحو اضافي الى مئات طوائف الوقت الحاضر —‏ المشيخية Presbyterian‏،‏ الاسقفية Episcopal‏،‏ المنهجية Methodist‏،‏ المعمدانية،‏ الجماعية،‏ هذا اذا اقتصرت التسمية على القليل فقط.‏ وصار العالم المسيحي حقا بيتا منقسما.‏ فكيف حدثت هذه الانقسامات؟‏

 لوثر وقضاياه

١٧ ماذا يمكن اعطاؤه كنقطة بداية رسمية للاصلاح الپروتستانتي؟‏

^١٧ اذا لزم اعطاء نقطة بداية حاسمة للاصلاح الپروتستانتي تكون ٣١ تشرين الاول ١٥١٧،‏ عندما سمَّر الراهب الاوغسطيني مارتن لوثر ‏(‏١٤٨٣-‏١٥٤٦)‏ قضاياه الـ‍ ٩٥ على باب كنيسة القلعة في ڤيتنبرڠ في ولاية سكسونيا الالمانية.‏ ولكن ما الذي حرَّض على هذا الحادث المثير؟‏ مَن كان مارتن لوثر؟‏ وعلامَ احتجّ؟‏

١٨ (‏أ)‏ مَن كان مارتن لوثر؟‏ (‏ب)‏ ماذا دفع لوثر الى اصدار قضاياه؟‏

^١٨ مثل ويكلِف وهس قبله كان مارتن لوثر راهبا عالما.‏ وكان ايضا دكتورا في اللاهوت وپروفسورا لدراسات الكتاب المقدس في جامعة ڤيتنبرڠ.‏ واكتسب لوثر لنفسه شهرة بسبب بصيرته في الكتاب المقدس.‏ ومع انه كان يملك آراء شديدة في موضوع الخلاص،‏ او التبرير،‏ بالايمان لا بالاعمال او بالتكفير،‏ لم يكن يفكر في قطع العلاقة بكنيسة روما.‏ وفي الواقع،‏ كان اصدار  قضاياه ردّ فعله لحادث محدَّد لا ثورة مخططا لها.‏ لقد كان يحتج على بيع صكوك الغفران.‏

١٩ في زمن لوثر كيف جرى استغلال صكوك الغفران؟‏

^١٩ في زمن لوثر كانت صكوك الغفران البابوية تباع علانية لا للاحياء فقط بل للاموات ايضا.‏ «ما ان ترنّ قطعة النقد في الخزينة حتى تقفز النفس من المطهر،‏» كان قولا مأثورا.‏ وبالنسبة الى القوم العاديين صار صك الغفران تقريبا عقد تأمين ضد العقاب على اية خطية،‏ وسقطت التوبة جانبا.‏ كتب إيرازموس:‏ «في كل مكان يباع الاعفاء من عذاب المطهر؛‏ لا يباع فقط بل يُفرض ايضا على الذين يرفضونه.‏»‏

٢٠ (‏أ)‏ لماذا ذهب جون تِتزل الى يوتربوخ؟‏ (‏ب)‏ ماذا كان ردّ فعل لوثر على بيع تِتزل صكوك الغفران؟‏

^٢٠ وفي سنة ١٥١٧ ذهب جون تِتزل،‏ راهب دومينيكاني،‏ الى يوتربوخ،‏ قرب ڤيتنبرڠ،‏ ليبيع صكوك الغفران.‏ والمال المكتسب هكذا كان جزئيا لتمويل اعادة بناء كنيسة القديس بطرس في روما.‏ وكان ايضا لمساعدة البرت البراندنبرڠي على تسديد المال الذي اقترضه ليدفع للكيوريا الرومانية مقابل مركز رئيس اساقفة ماينتس.‏ حشد تِتزل كل مهاراته في البيع،‏ وتقاطر الناس اليه.‏ فغضب لوثر واستعمل اسرع وسيلة متوافرة ليعبِّر علانية عن رأيه في كل الحادث الشبيه بالسِّرك —‏ بتسمير ٩٥ نقطة جدل على باب الكنيسة.‏

٢١ اية حجج استعملها لوثر ضد بيع صكوك الغفران؟‏

^٢١ دعا لوثر قضاياه الـ‍ ٩٥ مناظرة لايضاح قوة صكوك الغفران.‏ ولم يكن قصده تحدي سلطة الكنيسة بقدر ما هو لاظهار التجاوزات والاساءات المتعلقة ببيع صكوك الغفران البابوية.‏ ويمكن رؤية ذلك من القضايا التالية:‏

 ‏«٥-‏ ليست للبابا المشيئة ولا القوة ان يعفي من اية عقوبات،‏ إلا ما فرضه بسلطته.‏ .‏ .‏ .‏

٢٠-‏ لذلك فان البابا،‏ عندما يتحدث عن الاعفاء الكلي من كل العقوبات،‏ لا يعني حقا الكل،‏ بل فقط تلك التي فرضها هو.‏ .‏ .‏ .‏

٣٦-‏ ان كل مسيحي يشعر بالندامة الحقيقية له الحق في الاعفاء الكلي من العقاب والذنب حتى بدون رسائل صفح.‏»‏

٢٢ (‏أ)‏ ماذا تطوَّر بانتشار رسالة لوثر؟‏ (‏ب)‏ ماذا حدث في سنة ١٥٢٠ في ما يتعلق بلوثر،‏ وماذا كانت الحصيلة؟‏

^٢٢ وبمساعدة المطبعة المخترَعة حديثا لم تتطلب هذه الافكار التي تلهب المشاعر وقتا طويلا لبلوغ الاجزاء الاخرى من المانيا —‏ وروما.‏ وما بدأ كجدل أكاديمي في بيع صكوك الغفران صار سريعا جدالا في مسائل الايمان والسلطة البابوية.‏ وفي البداية اشتركت كنيسة روما مع لوثر في الجدل وأمرته بالاقرار علنا انه على خطإ.‏ وعندما رفض لوثر ضغطت السلطتان الكنسية والسياسية عليه.‏ وفي سنة ١٥٢٠ اصدر البابا مرسوما،‏ او منشورا،‏ يمنع لوثر من الكرازة ويأمر باحراق كتبه.‏ وازدراء بذلك احرق لوثر المرسوم البابوي علانية.‏ فحرمه البابا في سنة ١٥٢١.‏

٢٣ (‏أ)‏ ماذا كان دايت وَرمز؟‏ (‏ب)‏ كيف ذكر لوثر موقفه في وَرمز،‏ وماذا كانت النتيجة؟‏

^٢٣ وفي وقت لاحق من تلك السنة دُعي لوثر الى الدايت،‏ او المجلس،‏ في وَرمز.‏ وحاكمه امبراطور الامبراطورية الرومانية المقدسة،‏ شارل الخامس،‏ وهو كاثوليكي مخلص،‏ اضافة الى ستة رسميين منتخِبين من الولايات الالمانية،‏ وقادة ووجهاء آخرين،‏ دينيين ودنيويين.‏ وعندما ضُغط عليه ثانية ليُقرَّ بأنه على خطإ قال لوثر عبارته الشهيرة:‏ «ما لم تدِنّي آية من الكتاب المقدس والحجة الواضحة .‏ .‏ .‏،‏ فانني لا استطيع ان أُقرَّ ولن أُقرَّ بأنني على خطإ في ايّ شيء،‏ لان مخالفة الضمير ليست بالامر الصائب ولا الآمن.‏ أسألُ اللّٰه العون.‏ آمين.‏» وبناء على ذلك،‏  اعلن الامبراطور انه خارج على القانون.‏ ولكنّ حاكم ولايته الالمانية،‏ الرسمي المنتخِب فريدريك من سكسونيا،‏ هبَّ الى معونته وقدَّم له الملجأ في قلعة وورتبرڠ.‏

٢٤ ماذا انجز لوثر وهو في قلعة وورتبرڠ؟‏

^٢٤ ولكنّ هذه الاجراءات فشلت في كبح انتشار افكار لوثر.‏ وطوال عشرة اشهر،‏ في كنف وورتبرڠ،‏ وقف لوثر نفسه للكتابة ولترجمة الكتاب المقدس.‏ فترجم الاسفار اليونانية الى الالمانية من النص اليوناني لإيرازموس.‏ والاسفار العبرانية تلت لاحقا.‏ وتبيَّن في النهاية ان كتاب لوثر المقدس هو تماما ما يحتاج اليه عامة الشعب.‏ وذُكر انه «خمسة آلاف نسخة بيعت في شهرين،‏ مئتا ألف في اثنتي عشرة سنة.‏» وغالبا ما يُقارن تأثيره في اللغة والثقافة الالمانية بذاك الذي لِـ‍ ترجمة الملك جيمس في الانكليزية.‏

٢٥ (‏أ)‏ كيف صيغ الاسم پروتستانت؟‏ (‏ب)‏ ماذا كان إقرار اوڠزبَرڠ؟‏

^٢٥ وفي السنوات التي تلت دايت وَرمز،‏ كسبت حركة الاصلاح الكثير جدا من الدعم الشعبي حتى ان الامبراطور في سنة ١٥٢٦ منح كل ولاية المانية الحق في اختيار شكل دينها الخاص،‏ اللوثري او الكاثوليكي الروماني.‏ ولكن،‏ في سنة ١٥٢٩،‏ عندما نقض الامبراطور القرار احتج بعض الامراء الالمان؛‏ ولذلك صيغ الاسم پروتستانت (‏المحتجّون)‏ لحركة الاصلاح.‏ وفي السنة التالية،‏ ١٥٣٠،‏ في دايت اوڠزبَرڠ،‏ بذل الامبراطور جهدا ليُصلح الفروق بين الفريقين.‏ وعرض اللوثريون معتقداتهم في وثيقة،‏ إقرار اوڠزبَرڠ،‏ ألَّفها فيليب ميلانكثون ولكنها تأسَّست على تعاليم لوثر.‏ ومع ان الوثيقة كانت استرضائية جدا في اللهجة،‏ رفضتها الكنيسة الرومانية،‏ فأصبح الصدع بين الپروتستانتية والكاثوليكية غير قابل للرأب ثانية.‏ وانحازت ولايات المانية كثيرة الى لوثر،‏ وفي وقت سريع حذت الولايات الاسكنديناڤية حذوها.‏

 اصلاح ام ثورة؟‏

٢٦ استنادا الى لوثر،‏ ماذا كانت النقاط الجوهرية التي تفرِّق بين الپروتستانتية والكاثوليكية؟‏

^٢٦ ماذا كانت النقاط الجوهرية التي فرَّقت بين الپروتستانت والكاثوليك الرومان؟‏ استنادا الى لوثر،‏ كانت هنالك ثلاث.‏ اولا،‏ آمن لوثر بأن الخلاص ينتج من «التبرير بالايمان وحده» (‏باللاتينية،‏ sola fide‏)‏ * وليس من الحل الكهنوتي او اعمال التكفير.‏ ثانيا،‏ علَّم ان الغفران يُمنح فقط بسبب نعمة اللّٰه (‏sola gratia‏)‏ وليس بسلطة الكهنة او البابوات.‏ وأخيرا،‏ ادَّعى لوثر ان كل المسائل العقائدية يجب ان تؤكدها آيات الكتاب المقدس فقط (‏sola scriptura‏)‏ لا البابوات او المجامع الكنسية.‏

٢٧ (‏أ)‏ اية تعاليم وممارسات كاثوليكية غير منسجمة مع الاسفار المقدسة ابقاها الپروتستانت؟‏ (‏ب)‏ اية تغييرات طالب بها الپروتستانت؟‏

^٢٧ وعلى الرغم من ذلك،‏ تقول دائرة المعارف الكاثوليكية ان لوثر «ابقى من المعتقدات وطقوس العبادة القديمة ما يمكن ان يصير ملائما لآرائه الغريبة في الخطية والتبرير.‏» ويذكر إقرار اوڠزبَرڠ بخصوص الايمان اللوثري انه «ليس هنالك ما يخالف الاسفار المقدسة،‏ او كاثوليكية الكنيسة،‏ او حتى الكنيسة الرومانية،‏ كما تكون هذه الكنيسة معروفة من الكتبة.‏» وفي الواقع،‏ تضمَّن الايمان اللوثري كما هو موجز في إقرار اوڠزبَرڠ عقائد غير منسجمة مع الاسفار المقدسة مثل الثالوث،‏ النفس الخالدة،‏ والعذاب الابدي،‏ اضافة الى ممارسات مثل معمودية الاطفال وأعياد واحتفالات الكنيسة.‏ ومن ناحية اخرى،‏  طالب اللوثريون بتغييرات معيَّنة،‏ كأن يُسمح للناس بتناول الخمر والخبز كليهما في العشاء الرباني وأن تُلغى العزوبة،‏ نذور الرهبنة،‏ والاعتراف القسري.‏ *

٢٨ فيمَ نجح الاصلاح،‏ وفيمَ فشل؟‏

^٢٨ واجمالا نجح الاصلاح،‏ كما دافع عنه لوثر وأتباعه،‏ في الانفصال عن النير البابوي.‏ ومع ذلك،‏ كما ذكر يسوع في يوحنا ٤:‏٢٤‏،‏ «اللّٰه روح.‏ والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا.‏» ويمكن القول انه مع مارتن لوثر اتخذ بحث الجنس البشري عن الاله الحقيقي اتجاها جديدا فقط؛‏ ودَرْب الحق الضيِّق كان لا يزال بعيدا.‏ —‏ متى ٧:‏​١٣،‏ ١٤؛‏ يوحنا ٨:‏​٣١،‏ ٣٢‏.‏

اصلاح زْوينڠلي في سويسرا

٢٩ (‏أ)‏ مَن كان اولريخ زْوينڠلي،‏ وضد ماذا كرز؟‏ (‏ب)‏ كيف كان اصلاح زْوينڠلي مختلفا عن اصلاح لوثر؟‏

^٢٩ بينما كان لوثر مشغولا بمحاربة المبعوثين البابويين والسلطات المدنية في المانيا،‏ شرع الكاهن الكاثوليكي اولريخ زْوينڠلي ‏(‏١٤٨٤-‏١٥٣١)‏ في حركته الاصلاحية في زوريخ،‏ سويسرا.‏ واذ كانت تلك المنطقة ناطقة بالالمانية،‏ كان الشعب قد تأثَّر بمدّ الاصلاح من الشمال.‏ ونحو السنة ١٥١٩ بدأ زْوينڠلي يكرز ضد صكوك الغفران،‏ عبادة مريم،‏ عزوبة رجال الدين،‏ وعقائد اخرى للكنيسة الكاثوليكية.‏ ومع ان زْوينڠلي ادَّعى الاستقلال عن لوثر،‏ فقد وافق لوثر في مجالات كثيرة ووزَّع نشرات لوثر في كل انحاء البلد.‏ ولكن،‏ على نحو متباين مع لوثر الاكثر تحفُّظا،‏ دعا زْوينڠلي الى ازالة كل آثار الكنيسة  الرومانية —‏ التماثيل،‏ الصلبان،‏ زيّ رجال الدين،‏ وحتى موسيقى طقوس العبادة.‏

٣٠ اية قضية رئيسية فرَّقت زْوينڠلي ولوثر؟‏

^٣٠ ولكن كان هنالك جدال اخطر بين المصلحَيْن في قضية الافخارستيا،‏ او القداس (‏العشاء الرباني)‏.‏ ولوثر،‏ اذ اصرَّ على التفسير الحرفي لكلمات يسوع،‏ ‹هذا هو جسدي،‏› اعتقد ان جسد المسيح ودمه كانا حاضرين عجائبيا في الخبز والخمر المقدَّمين في العشاء الرباني.‏ ومن جهة اخرى،‏ حاجَّ زْوينڠلي في رسالته حول عشاء الرب ان عبارة يسوع «يجب ان تُفهم على نحو رمزي او مجازي؛‏ ‹هذا هو جسدي،‏› تعني،‏ ‹الخبز يدل على جسدي،‏› او ‹يرمز الى جسدي.‏›» وبسبب هذا الفرق افترق المصلحان.‏

٣١ ماذا كانت حصيلة عمل زْوينڠلي في سويسرا؟‏

^٣١ واصل زْوينڠلي الكرازة بعقائده الاصلاحية في زوريخ وأحدث تغييرات كثيرة هناك.‏ وفي وقت سريع اتَّبعت مدن اخرى قيادته،‏ غير ان معظم الشعب في المناطق الريفية،‏ لكونهم اكثر تحفُّظا،‏ تشبَّثوا بالكاثوليكية.‏ وصار التناقض بين الفئتين كبيرا بحيث اندلعت حرب اهلية بين الپروتستانت والكاثوليك الرومان السويسريين.‏ وقُتل زْوينڠلي،‏ اذ كان يخدم كقسيس للجيش،‏ في معركة كاپِل قرب بحيرة زوڠ في سنة ١٥٣١.‏ وعندما حلّ السلام اخيرا أُعطيت كل مقاطعة الحق في تقرير شكل دينها الخاص،‏ الپروتستانتي او الكاثوليكي.‏

مجدِّدو المعمودية،‏ المينّونيون،‏ والهوتريون

٣٢ من كان مجدِّدو المعمودية،‏ وكيف اكتسبوا هذا الاسم؟‏

^٣٢ ولكنّ بعض الپروتستانت شعروا بأن المصلحين لم يقطعوا شوطا كافيا في نبذ تقصيرات الكنيسة البابوية الكاثوليكية.‏ واعتقدوا ان الكنيسة المسيحية يجب ان تتألف فقط  من المؤمنين الممارسين الذين يعتمدون،‏ بدلا من كل الشعب في المجتمع او الامة.‏ ولذلك رفضوا معمودية الاطفال وأصرّوا على انفصال الكنيسة عن الدولة.‏ وأعادوا سرا تعميد رفقائهم المؤمنين وهكذا اكتسبوا الاسم مجدِّدي المعمودية Anabaptists ‏(‏ana تعني «ثانية» باليونانية)‏.‏ وبما انهم رفضوا حمل السلاح،‏ الحَلْف،‏ او قبول منصب حكومي،‏ فان الكاثوليك والپروتستانت على السواء نظروا اليهم كخطر على المجتمع واضطهدوهم.‏

٣٣ (‏أ)‏ ماذا اثار العمل العنيف ضد مجدِّدي المعمودية؟‏ (‏ب)‏ كيف انتشر تأثير مجدِّدي المعمودية؟‏

^٣٣ في البداية عاش مجدِّدو المعمودية في فرق صغيرة مشتَّتة في انحاء سويسرا،‏ المانيا،‏ والنَّذَرلند.‏ واذ كرزوا بما يؤمنون به حيثما ذهبوا،‏ زادت اعدادهم بسرعة.‏ وثمة زمرة من مجدِّدي المعمودية،‏ اذ جرفتها حماستها الدينية،‏ هجرت مذهبها السلمي واستولت على مدينة مِنستر في سنة ١٥٣٤ وحاولت اقامتها كاورشليم جديدة مُشاعة بتعدد زوجات.‏ فأُخمدت الحركة بسرعة بعنف كبير.‏ وأعطت مجدِّدي المعمودية صيتا رديئا،‏ فاستؤصلوا تقريبا.‏ وفي الواقع،‏ كان معظم مجدِّدي المعمودية قوما متدينين بسطاء يحاولون العيش حياة منفصلة وهادئة.‏ وبين الاكثر تنظيما من المتحدرين من مجدِّدي المعمودية كان المينّونيون،‏ أتباع المصلح الهولندي مينّو سيمونس،‏ والهوتريون،‏ تحت قيادة جاكوب هوتر التَّيرولي.‏ وبغية الهرب من الاضطهاد هاجر بعضهم الى اوروپا الشرقية —‏ پولندا،‏ هنڠاريا،‏ وحتى روسيا —‏ وآخرون الى اميركا الشمالية حيث انبثقوا اخيرا كمجتمعَي الهوتريين والأَمِيين Amish‏.‏

انبثاق الكالڤنية

٣٤ (‏أ)‏ مَن كان جون كالڤن؟‏ (‏ب)‏ ايّ كتاب مهم كتبه؟‏

^٣٤ تقدَّم عمل الاصلاح في سويسرا تحت قيادة رجل  فرنسي يدعى جان كوڤان،‏ او جون كالڤن ‏(‏١٥٠٩-‏١٥٦٤)‏،‏ الذي احتك بالتعاليم الپروتستانتية خلال ايام دراسته في فرنسا.‏ وفي سنة ١٥٣٤ غادر كالڤن باريس بسبب الاضطهاد الديني واستقر في بازل في سويسرا.‏ ودفاعا عن الپروتستانت نشر سُنَن الدين المسيحي،‏ الذي لخَّص فيه افكار آباء الكنيسة الاوائل ولاهوتيي القرون الوسطى،‏ اضافة الى افكار لوثر وزْوينڠلي.‏ وصار يُنظر الى المؤلَّف بصفته الاساس العقائدي لجميع الكنائس المُصلَحة المؤسسة لاحقا في اوروپا واميركا.‏

٣٥ (‏أ)‏ ماذا كان شرح كالڤن لعقيدته عن القضاء والقدر؟‏ (‏ب)‏ كيف انعكست قسوة هذه العقيدة في اوجه اخرى من تعليم كالڤن؟‏

^٣٥ وفي السُّنَن،‏ اعلن لاهوته.‏ فبالنسبة الى كالڤن،‏ اللّٰه هو المتسلط المطلق،‏ الذي مشيئته تحدِّد وتسود كلَّ شيء.‏ وبالتباين فان الانسان الساقط خاطئ وغير مستحق كليا.‏ اذًا،‏ لا يعتمد الخلاص على اعمال الانسان الصالحة بل على اللّٰه —‏ من هنا عقيدة كالڤن عن القضاء والقدر،‏ التي كتب عنها:‏

‏«نؤكد انه،‏ بخطة ازلية لا تتغير،‏ قرر اللّٰه مرة والى الابد مَن سيمنحهم الخلاص،‏ وأيضا مَن سيحكم عليهم بالهلاك.‏ ونجزم ان هذه الخطة،‏ بقدر ما يتعلق الامر بالمنتخَبين،‏ مؤسَّسة على رحمته غير المستحَقة،‏ بصرف النظر كليا عن الاهلية البشرية؛‏ أما خطته بالنسبة الى الذين يخصصهم للادانة،‏ فان بوابة الحياة تغلقها دينونة عادلة وغير ملومة،‏ لكن يتعذر فهمها.‏»‏

انعكست ايضا قسوة تعليم كهذا في مجالات اخرى.‏ فقد اصرّ كالڤن على وجوب عيش المسيحيين حياة مقدسة وفاضلة،‏ غير ممتنعين عن الخطية فقط بل ايضا عن المتعة والعبث.‏ واضافة الى ذلك،‏ جادل ان الكنيسة،‏ المؤلفة من المنتخَبين،‏ يجب ان  تتحرر من كل القيود المدنية وأنه من خلال الكنيسة فقط يمكن تأسيس مجتمع الهي حقيقي.‏

٣٦ (‏أ)‏ ماذا حاول كالڤن وفارِل ان يفعلا في جنيڤ؟‏ (‏ب)‏ اية احكام صارمة جرى سنّها؟‏ (‏ج)‏ ماذا كانت احدى النتائج الشنيعة لاجراءات كالڤن المتطرفة،‏ وكيف برَّر اعماله؟‏

^٣٦ بعد وقت قصير من نشر السُّنَن،‏ اقنع وليم فارِل،‏ مُصلح آخر من فرنسا،‏ كالڤن ان يستقر في جنيڤ.‏ وعملا معا لجعل الكالڤنية تطبَّق عمليا.‏ وكان هدفهما تحويل جنيڤ الى مدينة اللّٰه،‏ ثيوقراطية ذات حكم الهي تجمع اعمال الكنيسة والدولة.‏ وسنّا احكاما صارمة،‏ مع عقوبات،‏ تغطي كل شيء من التعليم الديني والخدمات الكنسية الى الآداب العامة وحتى امور مثل التدابير الصحية والوقاية من النار.‏ ويذكر كتاب تاريخ ان «حلاقا،‏ على سبيل المثال،‏ سُجن لانه زيَّن شعر عروس بطريقة اعتُبرت غير لائقة لمدة يومين؛‏ والام مع الصديقتين اللواتي ساعدن في العملية كابدن العقاب عينه.‏ والموظف القضائي كان يعاقِب ايضا على الرقص ولعب الورق.‏» والمعاملة الشديدة كانت من نصيب مَن خالفوا كالڤن في اللاهوت،‏ والقضية ذات الصيت الاشنع هي احراق ميڠيل سرڤيتو،‏ او ميخائيل سرڤيتوس الاسپاني.‏ —‏ انظروا الاطار،‏ الصفحة ٣٢٢.‏

٣٧ كيف اتسع تأثير كالڤن ليتخطى حدود سويسرا؟‏

^٣٧ استمر كالڤن في تطبيق نوع اصلاحه في جنيڤ حتى موته في سنة ١٥٦٤،‏ وصارت الكنيسة المُصلَحة مؤسَّسة بثبات.‏ واذ هرب المصلِحون الپروتستانت من الاضطهاد في بلدان اخرى تقاطروا على جنيڤ،‏ قبِلوا الافكار الكالڤنية،‏ وصارت لهم يد في الابتداء بحركات اصلاحية في اوطانهم الخاصة.‏ وانتشرت الكالڤنية سريعا في فرنسا،‏ حيث كابد الهوڠونوت (‏كما دُعي الپروتستانت الكالڤنيون الفرنسيون)‏ اضطهادا شديدا على ايدي  الكاثوليك.‏ وفي النَّذَرلند ساعد الكالڤنيون على تأسيس الكنيسة المُصلَحة الهولندية.‏ وفي اسكتلندا،‏ تحت القيادة الحماسية للكاهن الكاثوليكي السابق جون نوكس،‏ تأسَّست كنيسة اسكتلندا المشيخية وفق اساليب كالڤنية.‏ وقامت الكالڤنية ايضا بدور في الاصلاح في انكلترا،‏ ومن هناك ذهبت مع الپيوريتانيين الى اميركا الشمالية.‏ وبهذا المعنى،‏ مع ان لوثر اطلق العنان للاصلاح الپروتستانتي،‏ كان لكالڤن التأثير الاعظم الى حد بعيد في تطوُّره.‏

الاصلاح في انكلترا

٣٨ كيف انتج عمل جون ويكلِف الروحَ الپروتستانتية في انكلترا؟‏

^٣٨ وعلى نحو منفصل عن حركات الاصلاح في المانيا وسويسرا،‏ يمكن تتبُّع جذور الاصلاح الانكليزي الى ايام جون ويكلِف،‏ الذي انتجت كرازتُه المناوئة لرجال الدين وتشديدُه على الكتاب المقدس الروحَ الپروتستانتية في انكلترا.‏ وقد تبع آخرون جهده في ترجمة الكتاب المقدس الى الانكليزية.‏ ووليم تِندَل،‏ الذي اضطر الى الهرب من انكلترا،‏ انتج العهد الجديد الذي له في سنة ١٥٢٦.‏ وجرت خيانته لاحقا في أَنتْوَرپ،‏ فخُنق على الخشبة،‏ وأُحرق جسده.‏ واكمل مايلز كڤردايل عمل ترجمة تِندَل،‏ وظهر كامل الكتاب المقدس في سنة ١٥٣٥.‏ ان نشر الكتاب المقدس بلغة الشعب كان دون شك العامل الواحد الاقوى الذي ساهم في الاصلاح في انكلترا.‏

٣٩ ايّ دور قام به هنري الثامن في الاصلاح في انكلترا؟‏

^٣٩ حدث الانفصال الرسمي عن الكاثوليكية الرومانية عندما اعلن هنري الثامن (‏١٤٩١-‏١٥٤٧)‏،‏ الذي دعاه البابا حامي الايمان،‏ مرسوم السيادة في سنة ١٥٣٤،‏ جاعلا نفسه رأسا لكنيسة انكلترا.‏ وأغلق هنري ايضا الاديرة ووزَّع ملكيتها على الاعيان.‏  واضافة الى ذلك،‏ امر بوضع نسخة من الكتاب المقدس بالانكليزية في كل كنيسة.‏ ولكنّ عمل هنري كان سياسيا اكثر منه دينيا.‏ فما اراده كان الاستقلال عن السلطة البابوية،‏ وخصوصا في شؤونه الزوجية.‏ * ودينيا بقي كاثوليكيا في كل ناحية ما عدا الاسم.‏

٤٠ (‏أ)‏ اية تغييرات حدثت في كنيسة انكلترا خلال حكم اليزابيث الاولى؟‏ (‏ب)‏ اية فرق منشقَّة تطوَّرت اخيرا في انكلترا،‏ النَّذَرلند،‏ وأميركا الشمالية؟‏

^٤٠ وكان خلال الحكم الطويل (‏١٥٥٨-‏١٦٠٣)‏ لاليزابيث الاولى أن كنيسة انكلترا صارت پروتستانتية الممارسة مع انها بقيت الى حد كبير كاثوليكية البنيان.‏ وأبطلت الولاء للبابا،‏ عزوبة رجال الدين،‏ الاعتراف،‏ والممارسات الكاثوليكية الاخرى،‏ لكنها ابقت على شكل اسقفي من بنيان الكنيسة في سلطتها التسلسلية من رؤساء الاساقفة والاساقفة اضافة الى رهبنات من رهبان وراهبات.‏ * وهذا المذهب المحافِظ سبَّب استياء كبيرا،‏ وظهرت شتى الفرق المنشقَّة.‏ فطالب الپيوريتانيون باصلاح اشمل لتطهير الكنيسة من كل الممارسات الكاثوليكية الرومانية؛‏ وأصرَّ الانفصاليون Separatists والاستقلاليون Independents على وجوب ادارة شؤون الكنيسة بواسطة شيوخ (‏presbyters‏)‏ محليين.‏ وفرَّ كثيرون من المنشقين الى النَّذَرلند او الى اميركا الشمالية،‏ حيث طوَّروا على نحو اضافي كنائسهم الجماعية والمعمدانية.‏ ونشأت ايضا في انكلترا جمعية  الاصدقاء (‏الكويكرز)‏ بقيادة جورج فوكس (‏١٦٢٤-‏١٦٩١)‏ والمنهجيون بقيادة جون ويزلي (‏١٧٠٣-‏١٧٩١)‏.‏ —‏ انظروا الجدول ادناه.‏

ماذا كانت الآثار؟‏

٤١ (‏أ)‏ في رأي بعض العلماء،‏ ايّ اثر كان للاصلاح في التاريخ البشري؟‏ (‏ب)‏ ايّ سؤالين لهما شأن مهم؟‏

^٤١ اذ تأملنا في التيارات الرئيسية الثلاثة للاصلاح —‏ اللوثرية،‏ الكالڤنية،‏ والانڠليكانية —‏ لا بد ان نتوقف لتقييم ما انجزه الاصلاح.‏ لا ريب انه غيَّر مجرى تاريخ العالم الغربي.‏ «كان اثر الاصلاح رفع الناس الى حالة عطش الى الحرية ومواطنية اسمى وأنقى.‏ وحيثما توسَّعت القضية الپروتستانتية جعلت الجماهيرَ تُثبت آراءها اكثر،‏» كتب جون ف.‏ هورست في كتابه تاريخ قصير للاصلاح.‏ ويعتقد علماء كثيرون ان الحضارة الغربية كما نعرفها اليوم كانت مستحيلة لولا الاصلاح.‏  ومهما كان الامر،‏ فلا بد ان نسأل:‏ ماذا انجز الاصلاح دينيا؟‏ وماذا فعل لاجل بحث الجنس البشري عن الاله الحقيقي؟‏

٤٢ (‏أ)‏ ما هو دون شك اسمى صلاح حقَّقه الاصلاح؟‏ (‏ب)‏ ايّ سؤال عن انجازات الاصلاح الحقيقية لا بد من طرحه؟‏

^٤٢ لا شك ان اسمى صلاح حقَّقه الاصلاح هو انه جعل الكتاب المقدس متوافرا لعامة الشعب بلغتهم الخاصة.‏ وللمرة الاولى،‏ كان للناس امامهم كامل كلمة اللّٰه ليقرأوها بحيث يتمكنون من التغذي روحيا.‏ ولكن،‏ طبعا،‏ يلزم اكثر من مجرد قراءة الكتاب المقدس.‏ فهل اتى الاصلاح بالحرية للناس ليس فقط من السلطة البابوية بل ايضا من العقائد والمبادئ الخاطئة التي كانوا قد أُخضعوا لها طوال قرون؟‏ —‏ يوحنا ٨:‏٣٢‏.‏

٤٣ (‏أ)‏ اية قوانين ايمان توافق عليها معظم الكنائس الپروتستانتية اليوم،‏ معتنقة اية معتقدات؟‏ (‏ب)‏ ماذا فعل التنوُّع والروح الحرَّة الناتجان من الاصلاح لبحث الجنس البشري عن الاله الحقيقي؟‏

^٤٣ كل الكنائس الپروتستانتية تقريبا توافق على قوانين الايمان نفسها —‏ النيقاوي،‏ الاثناسيوسي،‏ وقوانين الرسل —‏ وهي تعتنق بعض العقائد عينها التي كانت الكاثوليكية تعلِّمها طوال قرون،‏ كالثالوث،‏ النفس الخالدة،‏ ونار الهاوية.‏ ان مثل هذه التعاليم غير المؤسسة على الاسفار المقدسة اعطت الناس صورة معوجَّة عن اللّٰه وقصده.‏ وعوض مساعدتهم في بحثهم عن الاله الحقيقي فان المذاهب والطوائف العديدة التي اتت الى الوجود نتيجة الروح الحرَّة للاصلاح الپروتستانتي انما وجَّهت الناس في اتجاهات متنوعة كثيرة.‏ وفي الواقع،‏ جعل التنوُّع والتشويش كثيرين يشكّون في وجود اللّٰه عينه.‏ والنتيجة؟‏ ارتفع في القرن الـ‍ ١٩ مدّ الالحاد واللاأدرية.‏ وسيكون ذلك موضوع فصلنا التالي.‏

‏[الحواشي]‏

‏[اسئلة الدرس]‏

 ‏[الاطار/‏الصورتان في الصفحة ٣٢٢]‏

‏«اخطاء الثالوث»‏

في سن الـ‍ ٢٠،‏ نشر ميخائيل سرڤيتوس (‏١٥١١-‏١٥٥٣)‏،‏ اسپاني مدرَّب في القانون والطب،‏ De Trinitatis erroribus (‏اخطاء الثالوث)‏،‏ الذي ذكر فيه انه «لن يستعمل الكلمة ثالوث،‏ غير الموجودة في الاسفار المقدسة،‏ والتي يبدو فقط انها تخلِّد خطأ فلسفيا.‏» وشهَّر الثالوث كعقيدة «لا يمكن فهمها،‏ مستحيلة في طبيعة الاشياء،‏ ويمكن النظر اليها ايضا كتجديفية!‏»‏

لاجل مجاهرة سرڤيتوس دانته الكنيسة الكاثوليكية.‏ ولكنّ الكالڤنيين هم الذين جعلوه يُعتقل،‏ يُحاكم،‏ ويُعدم بالحرق البطيء.‏ وبرَّر كالڤن اعماله بهذه الكلمات:‏ «اذا كان البابويون غلاظ الاكباد ويُظهرون منتهى العنف دفاعا عن خزعبلاتهم الى حد انهم يثورون غضبا وتقسو قلوبهم فيسفكون الدم البريء،‏ ألا يخجل الحكام المسيحيون عندما يبدون اقل غيرة في الدفاع عن الحق الذي لا ريب فيه؟‏» ان تعصب كالڤن الديني وبغضه الشخصي اعميا حكمه وخنقا المبادئ المسيحية.‏ —‏ قارنوا متى ٥:‏٤٤‏.‏

‏[الصورتان]‏

جون كالڤن،‏ الى اليسار،‏ جعل ميخائيل سرڤيتوس،‏ الى اليمين،‏ يُحرق حتى الموت كهرطوقي

‏[الجدول في الصفحة ٣٢٧]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسّق في المطبوعة)‏

مجمل مبسَّط لـ‍ أديان العالم المسيحي الرئيسية

بداية الارتداد —‏ القرن الـ‍ ٢

الكنيسة الكاثوليكية الرومانية

القرن الـ‍ ٤ (‏قسطنطين)‏

القرن الـ‍ ٥ القبطية

اليعقوبية

١٠٥٤ ب‌م الارثوذكسية الشرقية

الروسية

اليونانية

الرومانية (‏نسبة الى رومانيا)‏ وغيرها

القرن الـ‍ ١٦

اللوثرية

الالمانية

السويدية

الاميركية وغيرها

الانڠليكانية

الاسقفية

المشيخية

جيش الخلاص

المعمدانية

الخمسينية

الجماعية

الكالڤنية

المنهجية

الكنائس المُصلَحة

‏[الصورتان في الصفحة ٣٠٧]‏

هاتان الخشبتان المنقوشتان للقرن الـ‍ ١٦ تقابلان رفض المسيح الصيارفة ببيع البابا صكوك الغفران

‏[الصورتان في الصفحة ٣١١]‏

جون هس على الخشبة

المصلِح الانكليزي ومترجم الكتاب المقدس جون ويكلِف

‏[الصورتان في الصفحة ٣١٤]‏

مارتن لوثر،‏ الى اليمين،‏ احتج على بيع الراهب جون تِتزل صكوك الغفران