الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

الدين —‏ كيف ابتدأ؟‏

الدين —‏ كيف ابتدأ؟‏

الفصل ٢

الدين —‏ كيف ابتدأ؟‏

١ و ٢ ماذا لوحظ في ما يتعلق بقِدم الدين والتنوُّع فيه؟‏

تاريخ الدين قديم قِدم تاريخ الانسان نفسه.‏ هذا ما يخبرنا اياه علماء الآثار والعلماء المتخصصون في علم الانسان (‏الانثروپولوجيّون)‏.‏ وحتى بين الحضارات «البدائية» اكثر،‏ اي غير المتطورة،‏ يوجد دليل على عبادة بشكل معيَّن.‏ وفي الواقع،‏ تقول دائرة المعارف البريطانية الجديدة انه «بقدر ما اكتشف العلماء لم يوجد قط ايّ شعب،‏ في ايّ مكان،‏ وفي ايّ زمان،‏ لم يكن متدينا بمعنى ما.‏»‏

٢ واضافة الى قِدمه فان الدين موجود ايضا في تنوُّع كبير.‏ فقطّاعو الرؤوس في ادغال بورنيو،‏ الاسكيمو في القطب الشمالي المتجمد،‏ البدو في الصحراء الكبرى،‏ وسكان الحَضَر في المدن الرئيسية الكبيرة في العالم —‏ كل شعب وكل امة على الارض له الهه او آلهته وطريقة عبادته.‏ ان الاختلاف في الدين مذهل حقا.‏

٣ اية اسئلة عن اديان العالم يلزم التأمل فيها؟‏

٣ ومنطقيا،‏ تخطر الاسئلة بالبال.‏ من اين اتت كل هذه الاديان؟‏ وبما ان هنالك فوارق مميزة اضافة الى التشابهات بينها،‏ هل ابتدأ كل على حدة،‏ ام كان ممكنا ان تتطور من مصدر واحد؟‏ وفي الواقع يمكننا ان نسأل:‏ لماذا ابتدأ الدين بأية حال؟‏ وكيف؟‏ ان الاجوبة عن هذه الاسئلة هي ذات اهمية حيوية لجميع المهتمين بايجاد الحق عن الدين والمعتقدات الدينية.‏

مسألة النشأة

٤ ماذا نعرف عن مؤسسي اديان كثيرة؟‏

٤ عندما يصل الامر الى مسألة النشأة يفكر الناس من الاديان المختلفة في اسماء مثل محمد،‏ البوذا،‏ كونفوشيوس،‏ ويسوع.‏ وفي كل دين تقريبا يمكننا ان نجد شخصية مركزية يُنسب اليها الفضل في تأسيس ‹الديانة الحقيقية.‏› وبعض هؤلاء كانوا مصلحين هاجموا المعتقدات التقليدية.‏ والآخرون كانوا فلاسفة اخلاقيين.‏ وآخرون ايضا كانوا ابطالا شعبيين يؤْثِرون الغير على انفسهم.‏ وكثيرون منهم خلَّفوا كتابات او اقوالا شكَّلت الاساس لدين جديد.‏ ومع الوقت فان ما قالوه وفعلوه فُصِّل،‏ نُمِّق،‏ وأُحيط بهالة سحرية.‏ حتى ان بعض هؤلاء القادة أُلِّهوا.‏

٥ و ٦ كيف نشأت اديان كثيرة؟‏

٥ مع ان هؤلاء الافراد يُعتبرون مؤسسي الاديان الرئيسية التي نعرفها،‏ لا بد من الذكر انهم في الواقع لم يُنشئوا الدين.‏ ففي معظم الحالات نتجت تعاليمهم من افكار دينية موجودة،‏ مع ان معظم هؤلاء المؤسسين ادَّعوا الوحي الالهي مصدرا لهم.‏ او غيَّروا وعدَّلوا انظمة دينية موجودة كانت قد صارت غير وافية بطريقة او بأخرى.‏

٦ مثلا،‏ بقدر ما يمكن للتاريخ ان يخبرنا بدقة،‏ كان البوذا اميرا روَّعه الالم والاحوال التي يُرثى لها التي وجدها محيطة به في مجتمع هيمنت عليه الهندوسية.‏ وكانت البوذية نتيجة بحثه عن حل لمشاكل الحياة المعذِّبة.‏ وعلى نحو مماثل،‏ انزعج محمد جدا من الصنمية والفساد الادبي اللذين رآهما في الممارسات الدينية حوله.‏ وادَّعى لاحقا انه نال اعلانات خصوصية من اللّٰه،‏ مما شكَّل القرآن وصار الاساس لحركة دينية جديدة،‏ الاسلام.‏ والپروتستانتية نتجت من الكاثوليكية نتيجة للاصلاح الذي ابتدأ في اوائل القرن الـ‍ ١٦،‏ عندما احتج مارتن لوثر على بيع الكنيسة الكاثوليكية صكوك الغفران في ذلك الزمان.‏

٧ اي سؤال عن الدين تلزم الاجابة عنه بعدُ؟‏

٧ وهكذا،‏ بقدر ما يتعلق الامر بالاديان الموجودة الآن،‏ ليس هنالك نقص في المعلومات بخصوص نشأتها وتطورها،‏ مؤسسيها،‏ كتاباتها المقدسة،‏ وهلم جرا.‏ ولكن ماذا عن الاديان التي وُجدت قبلها؟‏ وحتى الاديان التي كانت قبل تلك؟‏ اذا عدنا الى الوراء كفاية في التاريخ،‏ فسنواجه عاجلا او آجلا السؤال:‏ كيف ابتدأ الدين؟‏ وعلى نحو واضح،‏ لايجاد الجواب عن هذا السؤال،‏ لا بد ان ننظر الى ما وراء تخوم الاديان افراديا.‏

نظريات كثيرة

٨ طوال قرون ماذا كان موقف الناس من الدين؟‏

٨ ان دراسة نشأة الدين وتطوره هي حقل جديد نوعا ما.‏ فطوال قرون قبِل الناس تقريبا التقليد الديني الذي وُلدوا فيه وترعرعوا فيه.‏ واكتفى معظمهم بالتفاسير التي سلَّمهم اياها آباؤهم،‏ شاعرين بأن دينهم هو الحق.‏ ونادرا ما وُجد ايّ سبب للشك في ايّ شيء،‏ ولا الحاجة الى الاستقصاء كيف،‏ متى،‏ او لماذا ابتدأت الامور.‏ وفي الواقع،‏ طوال قرون،‏ بوسائل السفر والاتصال المحدودة،‏ كان قليلون من الناس حتى على علم بالانظمة الدينية الاخرى.‏

٩ منذ القرن الـ‍ ١٩،‏ اية محاولات جرت لاكتشاف كيف ولماذا ابتدأ الدين؟‏

٩ ولكن،‏ خلال القرن الـ‍ ١٩،‏ بدأت الصورة تتغيَّر.‏ فنظرية التطور كانت تكتسح الدوائر الفكرية.‏ وذلك،‏ الى جانب حلول الاستطلاع العلمي،‏ جعل كثيرين يشكّون في الانظمة المعترف بها،‏ بما فيها الدين.‏ واذ ادركوا حدود التفتيش عن دلائل ضمن الدين الموجود،‏ التفت بعض العلماء الى بقايا الحضارات الباكرة او الى زوايا العالم النائية حيث لا يزال الناس يعيشون في مجتمعات بدائية.‏ وحاولوا ان يطبِّقوا على هذه اساليب علم النفس،‏ علم الاجتماع،‏ علم الانسان (‏الانثروپولوجيا)‏،‏ وهلم جرا،‏ راجين اكتشاف دلالة الى كيفية ابتداء الدين ولماذا.‏

١٠ ماذا كانت حصيلة الاستقصاءات بشأن نشأة الدين؟‏

١٠ وماذا كانت الحصيلة؟‏ فجأة برزت على المسرح نظريات كثيرة —‏ بعدد ما كان هنالك من مستقصين،‏ كما يبدو —‏ وكل مستقصٍ يناقض الآخر،‏ وكلٌّ يسعى الى التفوّق على الآخر في الجرأة والابداع.‏ ووصل بعض هؤلاء الباحثين الى استنتاجات مهمة؛‏ وعملُ الآخرين قد نُسي.‏ وهو تعليمي ومُنوِّر على السواء ان نُلقي نظرة خاطفة على نتائج هذا البحث.‏ فسيساعدنا ذلك على نيل فهم افضل للمواقف الدينية بين الناس الذين نلتقيهم.‏

١١ اشرح نظرية مذهب الروحانية.‏

١١ ثمة نظرية،‏ معروفة عموما بـ‍ مذهب الروحانية animism‏،‏ عرضها الانثروپولوجي الانكليزي ادورد تايلر Tylor ‏(‏١٨٣٢-‏١٩١٧)‏.‏ فاقترح ان اختبارات كالاحلام،‏ الرؤى،‏ الهلوسات،‏ وحالة كون الجثث بلا حياة جعلت الناس البدائيين يستنتجون ان نفسا (‏باللاتينية،‏ anima‏)‏ تسكن الجسد.‏ واستنادا الى هذه النظرية،‏ بما انهم حلموا تكرارا بأحبائهم الاموات،‏ افترضوا ان نفسا تستمر في العيش بعد الموت،‏ انها تترك الجسد وتحل في الاشجار،‏ الصخور،‏ الانهار وهلم جرا.‏ وأخيرا،‏ فان الاموات والاشياء التي قيل ان الانفس تسكنها صاروا يُعبدون كآلهة.‏ وهكذا،‏ قال تايلر،‏ وُلد الدين.‏

١٢ اشرح نظرية مذهب حيوية المادة.‏

١٢ وعرض انثروپولوجي انكليزي آخر،‏ ر.‏ ر.‏ مارِت Marett ‏(‏١٨٦٦-‏١٩٤٣)‏،‏ تحسينا لمذهب الروحانية،‏ دعاه مذهب حيوية المادة animatism‏.‏ فبعد دراسة معتقدات ميلانيزيي جزر المحيط الهادئ،‏ والوطنيين في افريقيا واميركا،‏ استنتج مارِت انه بدلا من حيازة فكرة نفس شخصية آمن الناس البدائيون بأنه توجد قوة غير شخصية او قوة فوق الطبيعة تحيي كل شيء؛‏ وهذا الاعتقاد ألهب مشاعر الرهبة والخوف في الانسان،‏ التي صارت الاساس لدينه البدائي.‏ وبالنسبة الى مارِت،‏ كان الدين بشكل رئيسي استجابة الانسان العاطفية للمجهول.‏ وعبارته المفضَّلة كانت ان الدين «لم يجرِ التأمل فيه كثيرا بقدر ما جرى الرقص له.‏»‏

١٣ اية نظرية عن الدين عرضها جيمس فرايزر؟‏

١٣ وفي سنة ١٨٩٠ نشر الخبير الاسكتلندي في الفلكلور القديم،‏ جيمس فرايزر Frazer ‏(‏١٨٥٤-‏١٩٤١)‏،‏ الكتاب ذا التأثير الغصن الذهبي،‏ الذي جادل فيه ان الدين نتج من السحر.‏ واستنادا الى فرايزر،‏ حاول الانسان اولا السيطرة على حياته الخاصة وبيئته بتقليد ما يراه حادثا في الطبيعة.‏ مثلا،‏ اعتقد ان في امكانه تسبيب المطر برش الماء على الارض بمرافقة ضرب الطبل الشبيه بالرعد او ان في امكانه ايذاء عدوه بوخز تمثال له بالدبابيس.‏ وأدَّى ذلك الى استعمال الشعائر،‏ الرقى،‏ والاشياء السحرية في مجالات كثيرة من الحياة.‏ وعندما لم تفلح هذه كما كان متوقعا تحوَّل عندئذ الى ترضِّي والتماس مساعدة قوى ما فوق الطبيعة،‏ بدلا من محاولة السيطرة عليها.‏ فصارت الشعائر والتعاويذ ذبائح وصلوات،‏ وهكذا ابتدأ الدين.‏ وبكلمات فرايزر،‏ الدين هو «استعطاف او استرضاء قوى تفوق الانسان.‏»‏

١٤ كيف شرح سيڠموند فرويد نشأة الدين؟‏

١٤ وحتى المحلل النفسي النمساوي الشهير سيڠموند فرويد Freud ‏(‏١٨٥٦-‏١٩٣٩)‏،‏ في كتابه الطوطم والحرام،‏ حاول ان يشرح نشأة الدين.‏ وبحسب مهنته،‏ شرح فرويد ان الدين الابكر نتج مما دعاه مرضا نفسيا يتعلق بشخصية الاب father-figure neurosis‏.‏ ووضع النظرية انه،‏ كما صحَّ في الخيول والماشية البرية،‏ في المجتمع البدائي هيمن الاب على العشيرة.‏ والابناء،‏ الذين ابغضوا الاب وأُعجبوا به على السواء،‏ تمردوا وقتلوا الاب.‏ ولاكتساب قوة الاب،‏ ادَّعى فرويد،‏ ‹التهم هؤلاء المتوحشون اكلة لحوم البشر ضحيتهم.‏› وفي وقت لاحق اخترعوا،‏ بدافع الندم،‏ طقوسا وشعائر للتكفير عن عملهم.‏ وفي نظرية فرويد،‏ ان شخصية الاب صارت اللّٰه،‏ الطقوس والشعائر صارت ابكر دين،‏ والتهام الاب المذبوح صار تقليد الشركة الذي يُمارس في اديان كثيرة.‏

١٥ ماذا حدث لمعظم النظريات المعروضة بشأن نشأة الدين؟‏

١٥ يمكن ذكر نظريات عديدة اخرى هي محاولات لشرح نشأة الدين.‏ ولكنّ معظمها نُسي،‏ وفي الحقيقة لم تبرز واحدة منها بصفتها موثوقا بها او مقبولة اكثر من الاخرى.‏ ولماذا؟‏ لانه لم يكن هنالك قط ايّ دليل او برهان تاريخي على ان هذه النظريات صحيحة.‏ لقد كانت مجرد منتوجات خيال او تخمين بعض المستقصين،‏ لتُستبدل سريعا بالتالية التي تظهر.‏

اساس فيه عيوب

١٦ لماذا فشلت سنوات من الاستقصاء في تزويد الشرح لكيفية ابتداء الدين؟‏

١٦ بعد سنوات من بذل جهود عظيمة في القضية،‏ وصل الآن كثيرون الى الاستنتاج انه من المستبعد جدا ان يكون هنالك ايّ تقدم في اكتشاف الجواب عن السؤال المتعلق بكيفية ابتداء الدين.‏ وذلك،‏ اولا،‏ لان عظام وبقايا الشعوب القديمة لا تخبرنا كيف فكَّر اولئك الناس،‏ ما خافوه،‏ او لماذا عبدوا.‏ وأية استنتاجات مستخلصة من تلك المصنوعات اليدوية هي في احسن الاحوال تخمينات بارعة.‏ ثانيا،‏ ان الممارسات الدينية للناس المدعوين بدائيين اليوم،‏ مثل السكان الاوستراليين الاصليين،‏ ليست بالضرورة معيارا يُعتمد عليه لقياس ما فعله او فكر فيه اناس الازمنة القديمة.‏ ولا احد يعرف بالتأكيد ما اذا تغيَّرت او كيف تغيَّرت ثقافتهم على مر القرون.‏

١٧ (‏أ)‏ ماذا يعرف المؤرخون العصريون للاديان؟‏ (‏ب)‏ ماذا يَظهر انه الاهتمام الرئيسي عند تحليل الدين؟‏

١٧ وبسبب كل الشُّبهات،‏ يستنتج كتاب اديان العالم —‏ من التاريخ القديم الى الحاضر ان «المؤرخ العصري للاديان يعرف ان الوصول الى نشأة الدين مستحيل.‏» ومع ذلك يقدِّم الكتاب هذه الملاحظة عن جهود المؤرخين:‏ «في الماضي كان عدد كبير جدا من واضعي النظريات مهتمين ليس فقط بوصف الدين او شرحه بل بالتبرُّؤ منه،‏ شاعرين بأنه اذا أُظهر ان الاشكال الباكرة مؤسسة على اوهام فآنذاك يمكن تقويض الاديان اللاحقة والاسمى.‏»‏

١٨ (‏أ)‏ لماذا كان المستقصون الكثيرون غير ناجحين في شرح نشأة الدين؟‏ (‏ب)‏ ماذا،‏ كما يظهر،‏ كانت النيات الحقيقية لمستقصي الدين «العلميين»؟‏

١٨ في هذا التعليق الاخير تكمن الدلالة التي تُظهر لماذا مختلف مستقصي نشأة الدين «العلميين» لم يأتوا بأية تفاسير يؤخذ بها.‏ ويخبرنا المنطق انه لا يمكن استنباط استنتاج صحيح إلا من فرضية صحيحة.‏ فاذا انطلق المرء من فرضية فيها عيوب،‏ فمن المستبعد ان يصل الى استنتاج سليم.‏ والفشل المتكرر للمستقصين «العلميين» في الاتيان بشرح معقول يلقي شكوكا خطيرة على الفرضية التي اسسوا آراءهم عليها.‏ وباتِّباع فكرتهم المكوَّنة مسبقا،‏ فانهم في جهودهم ‹للتبرُّؤ من الدين› قد حاولوا التبرُّؤ من اللّٰه.‏

١٩ ايّ مبدإ اساسي هو وراء الاستقصاءات العلمية الناجحة؟‏ أوضحوا.‏

١٩ يمكن مقارنة الوضع بالطرائق الكثيرة التي بها حاول علماء الفلك قبل القرن الـ‍ ١٦ شرح حركة الكواكب.‏ فكانت هنالك نظريات كثيرة،‏ ولكن لم تكن اية واحدة منها وافية حقا.‏ ولماذا؟‏ لانها كانت مؤسسة على الافتراض ان الارض هي مركز الكون الذي تدور حوله النجوم والكواكب.‏ ولم يجرِ تقدُّم حقيقي الى ان كان العلماء —‏ والكنيسة الكاثوليكية —‏ على استعداد لقبول الواقع ان الارض ليست مركز الكون بل تدور حول الشمس،‏ مركز النظام الشمسي.‏ وفشل النظريات الكثيرة في شرح الوقائع لم يقُد الافراد المنفتحي الاذهان الى محاولة الاتيان بنظريات جديدة،‏ بل الى اعادة فحص فرضية استقصاءاتهم.‏ وقاد ذلك الى النجاح.‏

٢٠ (‏أ)‏ ماذا كانت الفرضية الخاطئة التي شكلت الاساس للاستقصاء «العلمي» لنشأة الدين؟‏ (‏ب)‏ الى اية حاجة جوهرية اشار ڤولتير؟‏

٢٠ يمكن تطبيق المبدإ عينه على استقصاء نشأة الدين.‏ فبسبب بروز الالحاد والقبول الواسع الانتشار لنظرية التطور سلَّم اناس كثيرون بأن اللّٰه غير موجود.‏ وعلى اساس هذا الافتراض يشعرون بأن الشرح لوجود الدين يلزم ان يوجد في الانسان نفسه —‏ في عمليات تفكيره،‏ حاجاته،‏ مخاوفه،‏ «امراضه النفسية.‏» ذكر ڤولتير،‏ «اذا لم يكن اللّٰه موجودا يكون من الضروري ان نخترعه»؛‏ وهكذا يجادلون ان الانسان اخترع اللّٰه.‏ —‏ انظروا الاطار،‏ الصفحة ٢٨.‏

٢١ اي استنتاج منطقي يمكننا ان نستخلصه من فشل النظريات الكثيرة حول نشأة الدين؟‏

٢١ بما ان النظريات الكثيرة فشلت في تزويد جواب وافٍ حقا،‏ أليس الآن هو الوقت لاعادة فحص الفرضية التي تأسست عليها تلك الاستقصاءات؟‏ وعوض الكد عبثا على المنوال عينه،‏ ألا يكون منطقيا التفتيش في مكان آخر عن الجواب؟‏ فاذا كنا نرغب ان نكون منفتحي الاذهان سنوافق انّ فعل ذلك معقول وعلمي على السواء.‏ ولدينا مثال كهذا لمساعدتنا على رؤية المنطق وراء هذا المسلك.‏

استطلاع قديم

٢٢ كيف اثَّرت نظريات الاثينويين الكثيرة عن آلهتهم في طريقة عبادتهم؟‏

٢٢ في القرن الاول للميلاد كانت اثينا،‏ اليونان،‏ مركزا بارزا للعلم.‏ ولكن بين الاثينويين كانت هنالك مدارس فكر مختلفة عديدة،‏ كالأبيكوريين والرواقيين،‏ ولكل واحدة فكرتها الخاصة عن الآلهة.‏ وعلى اساس تلك الافكار المتنوعة جرى تكريم معبودات كثيرة وتطورت طرائق عبادة مختلفة.‏ ونتيجة لذلك كانت المدينة مملوءة اصناما وهياكل من صنع البشر.‏ —‏ اعمال ١٧:‏١٦‏.‏

٢٣ اية نظرة الى اللّٰه مختلفة كليا قدَّمها الرسول بولس للاثينويين؟‏

٢٣ نحو السنة ٥٠ ب‌م زار الرسول المسيحي بولس اثينا وقدَّم للاثينويين وجهة نظر مختلفة كليا.‏ قال لهم:‏ «الاله الذي خلق العالم وكل ما فيه هذا اذ هو رب السماء والارض لا يسكن في هياكل مصنوعة بالايادي.‏ ولا يُخدم بأيادي الناس كأنه محتاج الى شيء.‏ اذ هو يعطي الجميع حياة ونفسا وكل شيء.‏» —‏ اعمال ١٧:‏٢٤،‏ ٢٥‏.‏

٢٤ في الواقع،‏ ماذا كان بولس يخبر الاثينويين عن العبادة الحقيقية؟‏

٢٤ وبكلمات اخرى،‏ كان بولس يخبر الاثينويين ان الاله الحقيقي،‏ الذي «خلق العالم وكل ما فيه،‏» ليس من ابتداع خيال الانسان،‏ ولا يُخدم بطرائق قد يبتكرها الانسان.‏ فالدين الحقيقي ليس مجرد جهد من جانب واحد من قِبل الانسان لمحاولة سد حاجة نفسية معيَّنة او تسكين خوف معيَّن.‏ وعوضا عن ذلك،‏ بما ان الاله الحقيقي هو الخالق،‏ الذي منح الانسان المقدرة التفكيرية والقدرة العقلية،‏ من المنطقي ان يزوِّد طريقة لكي يدخل الانسان في علاقة به تجلب الاكتفاء.‏ وهذا،‏ استنادا الى بولس،‏ ما فعله اللّٰه تماما.‏ «صنع من (‏انسان،‏ ع‌ج‏)‏ واحد كل امة من الناس يسكنون على كل وجه الارض .‏ .‏ .‏ لكي يطلبوا اللّٰه لعلهم يتلمسونه فيجدوه مع انه عن كل واحد منا ليس بعيدا.‏» —‏ اعمال ١٧:‏٢٦،‏ ٢٧‏.‏

٢٥ اشرحوا النقطة الرئيسية لحجة بولس بشأن نشأة الجنس البشري.‏

٢٥ لاحظوا نقطة بولس الرئيسية:‏ اللّٰه «صنع من (‏انسان)‏ واحد كل امة من الناس.‏» فمع انه هنالك اليوم امم كثيرة من الناس تحيا في كل انحاء الارض،‏ يعرف العلماء حقا ان كل الجنس البشري هو من السلالة نفسها.‏ وهذا المفهوم ذو اهمية عظمى لاننا عندما نتحدث عن كون كل الجنس البشري من السلالة نفسها يعني ذلك اكثر بكثير من مجرد كونهم مرتبطين بيولوجيا ووراثيا.‏ فهم مرتبطون في مجالات اخرى ايضا.‏

٢٦ ايّ شيء معروف عن اللغة يدعم نقطة بولس الرئيسية؟‏

٢٦ لاحظوا،‏ مثلا،‏ ما يقوله كتاب قصة عبادة العالم عن لغة الانسان.‏ «ان الذين درسوا لغات العالم وقارنوها بعضها ببعض لديهم شيء ليقولوه،‏ وهو هذا:‏ يمكن تصنيف كل اللغات في أُسر او فئات كلام،‏ ويُرى ان كل هذه الأُسر بدأت من مصدر مشترك واحد.‏» وبكلمات اخرى،‏ لم تنشأ لغات العالم على نحو منفصل وكل على حدة كما يريد علماء التطور ان نعتقد.‏ فهم يضعون النظريات ان الناس الساكنين الكهوف في افريقيا،‏ اوروپا،‏ وآسيا بدأوا بنخيرهم وهديرهم وأخيرا طوَّروا لغاتهم الخاصة.‏ تلك لم تكن الحالة.‏ فالدليل هو انها «بدأت من مصدر مشترك واحد.‏»‏

٢٧ لماذا من المنطقي التفكير ان افكار الانسان عن اللّٰه والدين بدأت من مصدر مشترك واحد؟‏

٢٧ اذا كان ذلك صحيحا بالنسبة الى شيء شخصي وبشري على نحو فريد كاللغة،‏ أفلا يُعقل التفكير انه يجب ان تكون افكار الانسان عن اللّٰه والدين قد بدأت ايضا من مصدر مشترك واحد؟‏ وفضلا عن ذلك،‏ فان الدين مرتبط بالتفكير،‏ والتفكير مرتبط بمقدرة الانسان على استعمال اللغة.‏ ليس ان كل الاديان نتجت في الواقع من دين واحد،‏ ولكن يجب ان يكون ممكنا اقتفاء الافكار والمفاهيم الى نشأة مشتركة معيَّنة او بِركة من الافكار الدينية.‏ فهل هنالك دليل يدعم ذلك؟‏ واذا كانت اديان الانسان قد نشأت حقا من مصدر وحيد واحد،‏ فماذا يمكن ان يكون؟‏ وكيف يمكننا التحقق؟‏

مختلفة ولكن متشابهة

٢٨ كيف يمكننا ان نتحقق ان كانت هنالك نشأة مشتركة لاديان العالم؟‏

٢٨ يمكننا الحصول على الجواب بالطريقة عينها التي نال فيها خبراء الألْسُنية اجوبتهم عن نشأة اللغة.‏ فبوضع اللغات جنبا الى جنب وملاحظة تشابهاتها،‏ يمكن للعالم المتخصص في اشتقاق الكلمات ونشوئها ان يقتفي شتى اللغات رجوعا الى مصدرها.‏ وعلى نحو مماثل،‏ بوضع الاديان جنبا الى جنب،‏ يمكننا فحص عقائدها،‏ حكاياتها الاسطورية،‏ شعائرها،‏ طقوسها،‏ أعرافها،‏ وهلم جرا،‏ ورؤية ما اذا كان هنالك خيط ضمني لهوية مشتركة،‏ واذا كان الامر كذلك،‏ فالى ماذا يقودنا هذا الخيط.‏

٢٩ الى ماذا يمكن نسب الكثير من الفروق بين الاديان؟‏

٢٩ في الظاهر تبدو الاديان الكثيرة الموجودة اليوم مختلفة تماما بعضها عن بعض.‏ ومع ذلك،‏ اذا جرَّدناها من الاشياء التي هي مجرد تنميقات واضافات لاحقة،‏ او اذا ازلنا تلك الفروق التي هي نتيجة المناخ،‏ اللغة،‏ الاحوال الخصوصية لموطنها الاصلي،‏ والعوامل الاخرى،‏ يكون مذهلا كم تصير معظمها متشابهة.‏

٣٠ اية تشابهات ترونها بين الكاثوليكية الرومانية والبوذية؟‏

٣٠ مثلا،‏ يعتقد معظم الناس انه يكاد لا يكون هنالك دينان اكثر اختلافا احدهما عن الآخر من الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في الغرب والبوذية في الشرق.‏ ولكن ماذا نرى عندما نضع جانبا الاختلافات التي يمكن نسبها الى اللغة والثقافة؟‏ اذا كنا موضوعيين في ذلك يجب ان نعترف بأن هنالك قدرا كبيرا مشتركا لدى الاثنتين.‏ فالكاثوليكية والبوذية كلتاهما منغمستان في الشعائر والطقوس.‏ وهذه تشمل استعمال الشموع،‏ البخور،‏ الماء المقدس،‏ السبحة،‏ صور القديسين،‏ كتب التراتيل والصلوات،‏ وحتى علامة الصليب.‏ وكلا الدينين يحافظ على أعراف للرهبان والراهبات وهما مشهوران بعزوبة الكهنة،‏ زيّ خصوصي،‏ ايام مقدسة،‏ اطعمة خصوصية.‏ وهذه القائمة ليست كاملة على الاطلاق،‏ لكنها تعمل على ايضاح النقطة.‏ والسؤال هو،‏ لماذا يملك دينان يظهران مختلفين جدا الكثير جدا من الاشياء المشتركة؟‏

٣١ اية تشابهات ترونها بين الاديان الاخرى؟‏

٣١ واذ يتبيَّن ان مقارنة هذين الدينين منوِّرة يمكن فعل الامر عينه بالاديان الاخرى.‏ وعندما نفعل ذلك نجد ان تعاليم ومعتقدات معيَّنة تكاد تكون عامة بينها.‏ ومعظمنا مطَّلعون على عقائد كخلود النفس البشرية،‏ المكافأة السماوية لجميع الناس الصالحين،‏ العذاب الابدي للاشرار في عالم سفلي،‏ المطهر،‏ اله ثالوثي او اله من آلهة كثيرة،‏ والاهة امّ الاله او ملكة السماء.‏ ولكنْ هنالك وراء هذه اساطير كثيرة هي عادية.‏ مثلا،‏ هنالك اساطير عن سقوط الانسان من النعمة الالهية بسبب محاولته المحرَّمة احراز الخلود،‏ الحاجة الى تقديم الذبائح للتكفير عن الخطية،‏ البحث عن شجرة الحياة او ينبوع الشباب،‏ آلهة وأشباه آلهة عاشوا بين البشر وأنتجوا ذرية فوق الطبيعة البشرية،‏ وطوفان مفجع اجتاح كل البشرية تقريبا.‏ *

٣٢ و ٣٣ (‏أ)‏ ماذا يمكننا ان نستنتج من التشابهات اللافتة للنظر بين اديان العالم؟‏ (‏ب)‏ ايّ سؤال يحتاج الى جواب؟‏

٣٢ وماذا يمكننا ان نستنتج من كل ذلك؟‏ نلاحظ ان اولئك الذين آمنوا بهذه الاساطير عاشوا بعيدا بعضهم عن بعض جغرافيا.‏ وثقافتهم وتقاليدهم كانت مختلفة ومتميزة.‏ وعاداتهم الاجتماعية لم تكن لها علاقة بعضها ببعض.‏ ومع ذلك،‏ عندما يصل الامر الى اديانهم،‏ فقد آمنوا بمثل تلك الافكار المتشابهة.‏ ومع انه لم يؤمن كل شعب من هذه الشعوب بكل الامور المذكورة،‏ فان جميعهم آمنوا ببعضها.‏ والسؤال الواضح هو،‏ لماذا؟‏ لقد كان الامر وكأن هنالك بِركة مشتركة منها استخرج كل دين معتقداته الاساسية،‏ البعض اكثر،‏ والبعض اقل.‏ ومع مرور الوقت نُمِّقت تلك الافكار الاساسية وعُدِّلت،‏ وتطورت منها تعاليم اخرى.‏ ولكنّ المجمل الاساسي جليّ.‏

٣٣ ومنطقيا،‏ ان التشابه في المفاهيم الاساسية لاديان العالم الكثيرة دليل قوي على انها لم تبتدئ كلٌّ في طريقه المنفصل والمستقل.‏ وبالاحرى،‏ بالرجوع الى الوراء الى حد كافٍ،‏ لا بد ان تكون افكارها قد اتت من نشأة مشتركة.‏ فماذا كانت تلك النشأة؟‏

عصر ذهبي باكر

٣٤ اية حكاية اسطورية عن بداية الانسان مشتركة لدى اديان كثيرة؟‏

٣٤ على نحو ممتع،‏ بين الحكايات الاسطورية المشتركة لدى اديان كثيرة هنالك واحدة تقول ان الجنس البشري بدأ في عصر ذهبي كان الانسان فيه بلا ذنب،‏ عاش بسعادة وسلام في أُلفة وثيقة مع اللّٰه،‏ ولم يكن خاضعا للمرض والموت.‏ وفي حين ان التفاصيل قد تختلف فان المفهوم نفسه لفردوس كامل وُجد مرة انما هو موجود في كتابات اديان كثيرة وحكاياتها الاسطورية.‏

٣٥ صفوا المعتقد الزرادشتي القديم عن عصر ذهبي باكر.‏

٣٥ والاڤستا،‏ الكتاب المقدس للدين الزرادشتي الفارسي القديم،‏ يخبر عن «ييما الطيِّب،‏ الراعي الصالح،‏» الذي كان اول كائن بشري تحدث اليه اهورا مَزدا (‏الخالق)‏.‏ وقد امره اهورا مَزدا ان «يغذّي،‏ يحكم،‏ ويرعى عالمي.‏» ولفعل ذلك كان يلزم ان يبني «ڤارا،‏» مثوى تحت الارض،‏ لكل المخلوقات الحية.‏ وفيه هناك «لم يكن طغيان ولا نذالة،‏ لا غباوة ولا عنف،‏ لا فقر ولا خداع،‏ لا هُزال ولا تشويه،‏ لا اسنان ضخمة ولا اجسام فوق الحد العادي.‏ والسكان لم يعانوا ايّ دنس من الروح الرديء.‏ وسكنوا بين الاشجار العبِقة والاعمدة الذهبية؛‏ كانت هذه الاكبر،‏ الافضل والاجمل على الارض؛‏ وهم انفسهم كانوا عِرقا طويلا وجميلا.‏»‏

٣٦ كيف وصف الشاعر اليوناني هِسيود ‹عصرا ذهبيا›؟‏

٣٦ وبين اليونانيين القدامى تتحدث قصيدة هِسيود الاعمال والايام عن خمسة عصور للانسان،‏ اوّلها كان «العصر الذهبي» حين تمتع الناس بسعادة تامة.‏ كتب:‏

‏«الآلهة الخالدة،‏ التي تطأ رحاب السماء،‏

اولا صنعت عِرقا ذهبيا من الناس.‏

كالآلهة عاشوا،‏ بأنفس سعيدة خالية من الهم،‏

مستثناة من الكدح والوجع؛‏ وفيهم لم تدبَّ

الشيخوخة الكئيبة،‏ بل كل حياتهم انقضت

في الاستمتاع،‏ وأطرافهم لم تعرف اية تغييرات.‏»‏

وذلك العصر الذهبي الاسطوري فُقد،‏ استنادا الى الاساطير اليونانية،‏ عندما قبِل اپيمثيوس كزوجة پندورا الجميلة،‏ عطية من الاله الاولمپي زيوس.‏ وذات يوم فتحت پندورا غطاء زهريتها الكبيرة،‏ وفجأة افلتت منها المتاعب،‏ الشقاء،‏ والمرض التي ما كان ليُشفى الجنس البشري منها.‏

٣٧ صفوا الرواية الاسطورية الصينية القديمة عن «فردوس» في بداية التاريخ.‏

٣٧ والحكايات الاسطورية الصينية القديمة تخبر ايضا عن عصر ذهبي في ايام هوانڠ-‏دي (‏الامبراطور الاصفر)‏،‏ الذي يقال انه حكم طوال مئة سنة في القرن الـ‍ ٢٦ ق‌م.‏ وقد نُسب اليه اختراع كل شيء يتعلق بالحضارة —‏ اللباس والمأوى،‏ عربات النقل،‏ الاسلحة والعمليات الحربية،‏ ادارة الارض،‏ التصنيع،‏ استنبات الحرير،‏ الموسيقى،‏ اللغة،‏ الرياضيات،‏ الرُزنامة،‏ وهلم جرا.‏ ويُقال انه خلال حكمه «لم يكن هنالك لصوص ولا قتال في الصين،‏ وعاش الناس في اتضاع وسلام.‏ والمطر في اوانه والطقس ادَّيا الى حصاد وافر سنة بعد سنة.‏ والامر المدهش جدا كان انه حتى الوحوش البرية لم تَقتل،‏ والطيور الجوارح لم تؤذِ.‏ وباختصار،‏ ابتدأ تاريخ الصين بفردوس.‏» والى هذا اليوم لا يزال الصينيون يدَّعون انهم متحدرون من الامبراطور الاصفر.‏

٣٨ اي استنتاج يمكننا استخلاصه من كل الروايات الاسطورية المتشابهة عن بداية الانسان؟‏

٣٨ ان روايات اسطورية مشابهة عن وقت سعادة وكمال في بداية تاريخ الانسان يمكن ايجادها في اديان شعوب اخرى كثيرة —‏ المصريين،‏ التيبتيين،‏ الپيرويين،‏ المكسيكيين وغيرهم.‏ فهل كان بمجرد الصدفة انّ كل هذه الشعوب،‏ التي عاشت بعيدة بعضها عن بعض وكانت لها ثقافات،‏ لغات،‏ وعادات مختلفة كليا،‏ تأملت في الافكار عينها عن نشأتها؟‏ وهل كان مجرد مصادفة او عَرَض انها كلها اختارت شرح بداياتها بالطريقة نفسها؟‏ ان المنطق والاختبار يخبراننا انه لا يُحتمل ان يكون الامر هكذا.‏ وعلى الضد من ذلك،‏ لا بد ان تكون هنالك،‏ متداخلة في كل تلك الحكايات الاسطورية،‏ بعض عناصر الحق المشترَكة عن بداية الانسان ودينه.‏

٣٩ اية صورة مركَّبة يمكن جمعها من العناصر المشترَكة للحكايات الاسطورية الكثيرة عن بداية الانسان؟‏

٣٩ حقا،‏ هنالك عناصر مشترَكة كثيرة يمكن تمييزها بين كل الحكايات الاسطورية المختلفة عن بداية الانسان.‏ وعندما نضعها معا تبدأ صورة اكمل بالبروز.‏ وهي تخبر كيف خلق اللّٰه الرجل والمرأة الاولين ووضعهما في فردوس.‏ وقد كانا قانعين جدا وسعيدين جدا في البداية،‏ ولكن سرعان ما صارا متمردين.‏ وهذا التمرد ادَّى الى خسارة الفردوس الكامل،‏ ولكن ليحل محله الكدّ والكدح،‏ الوجع والالم.‏ وأخيرا صار الجنس البشري رديئا جدا بحيث عاقبهم اللّٰه بارسال فيضان عظيم من المياه اهلك الجميع باستثناء عائلة واحدة.‏ واذ تكاثرت هذه العائلة تجمَّع بعض الذرية معا وبدأوا ببناء برج هائل تحدِّيا للّٰه.‏ فأحبط اللّٰه مخططهم ببلبلة لسانهم وتشتيتهم الى زوايا الارض النائية.‏

٤٠ اشرحوا علاقة الكتاب المقدس بالحكايات الاسطورية عن نشأة اديان الانسان.‏

٤٠ هل هذه الصورة المركَّبة هي مجرد نتيجة للتمرين العقلي لشخص ما؟‏ كلا.‏ فمن حيث الاساس،‏ تلك هي الصورة المقدَّمة في الكتاب المقدس،‏ في الاصحاحات الـ‍ ١١ الاولى من سفر التكوين‏.‏ وفي حين اننا لن ندخل في مناقشة لصحة الكتاب المقدس هنا،‏ فليكن معلوما ان رواية الكتاب المقدس عن تاريخ الانسان الباكر تنعكس في العناصر الرئيسية الموجودة في حكايات اسطورية كثيرة.‏ * والسجل يُظهر انه اذ ابتدأ العِرق البشري يتشتَّت من بلاد ما بين النهرين،‏ حملوا معهم ذكرياتهم،‏ اختباراتهم،‏ وأفكارهم حيثما ذهبوا.‏ ومع الوقت جرى تفصيل هذه وتغييرها وصارت اساس الدين في كل جزء من العالم.‏ وبكلمات اخرى،‏ بالرجوع الى التمثيل المستعمل سابقا،‏ تشكِّل الرواية في سفر التكوين البِركة الاصلية الصافية كالبلور التي تشعَّبت منها الافكار الاساسية عن بداية الانسان والعبادة الموجودة في شتى اديان العالم.‏ والى هذه اضافت عقائدها وممارساتها الخصوصية،‏ ولكنّ الرابط جليّ.‏

٤١ ماذا يجب ان تُبقوا في الذهن اذ تدرسون الفصول اللاحقة في هذا الكتاب؟‏

٤١ وفي الفصول التالية من هذا الكتاب سنناقش بتفصيل اوسع كيف بدأت وتطورت اديان محدَّدة.‏ وستجدونه منوِّرا ان تلاحظوا ليس فقط كيف يختلف كل دين عن الاديان الاخرى بل ايضا كيف يشبهها.‏ وستتمكنون كذلك من ملاحظة كيف يلائم كل دين الترتيب الزمني للتاريخ البشري وتاريخ الدين،‏ كيف يتعلق كتابه او كتاباته المقدسة بالكتب الاخرى،‏ كيف تأثَّر مؤسسه او قائده بالافكار الدينية الاخرى،‏ وكيف اثَّر في سلوك وتاريخ الجنس البشري.‏ ان دراسة بحث الجنس البشري الطويل عن اللّٰه بهذه النقاط في الذهن ستساعدكم لتروا باكثر وضوح الحق عن الدين والتعاليم الدينية.‏

‏[الحاشيتان]‏

^ ‎الفقرة 31‏ من اجل مقارنة مفصَّلة لشتى حكايات الطوفان الاسطورية الموجودة بين مختلف الشعوب،‏ انظروا كتاب بصيرة في الاسفار المقدسة،‏ بالانكليزية،‏ اصدار جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس،‏ نيويورك،‏ ١٩٨٨،‏ المجلد ١،‏ الصفحات ٣٢٨،‏ ٦١٠،‏ ٦١١.‏

^ ‎الفقرة 40‏ من اجل معلومات مفصَّلة عن هذا الموضوع،‏ ارجعوا الى كتاب الكتاب المقدس —‏ كلمة اللّٰه أم الانسان؟‏،‏ اصدار جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس في نيويورك،‏ ١٩٨٩.‏

‏[اسئلة الدرس]‏

‏[النبذة في الصفحة ٢٣]‏

حلول الاستطلاع العلمي ونظرية التطور جعلا كثيرين يشكّون في الدين

‏[النبذة في الصفحة ٣٤]‏

كان الامر وكأن هنالك بِركة مشتركة منها استخرج كل دين معتقداته الاساسية

‏[الاطار في الصفحة ٢٨]‏

لماذا الانسان متديِّن؟‏

▪ جون ب.‏ نوس يُظهر في كتابه اديان الانسان:‏ «كل الاديان تقول بطريقة او بأخرى ان الانسان لا يقف ولا يستطيع ان يقف وحده.‏ فهو مرتبط على نحو حيوي بقوى في الطبيعة والمجتمع خارج نفسه وحتى معتمد عليها.‏ وهو يعرف،‏ بغموض او بوضوح،‏ انه ليس مركز قوة مستقلا قادرا على الوقوف بمعزل عن العالم.‏»‏

وعلى نحو مماثل،‏ يقول كتاب اديان العالم —‏ من التاريخ القديم الى الحاضر:‏ «دراسة الدين تكشف ان المظهر المهم له هو التوق الى القيمة في الحياة،‏ الاعتقاد ان الحياة ليست صدفة وبلا معنى.‏ والبحث عن المعنى يقود الى الايمان بقوة اعظم من البشر،‏ وأخيرا الى عقل كوني او اسمى من البشر له النية والارادة للحفاظ على اسمى القيم للحياة البشرية.‏»‏

وهكذا فان الدين يُشبع حاجة بشرية اساسية،‏ تماما كما يُشبع الطعام جوعنا.‏ ونحن نعلم ان الاكل بلا تمييز عندما نكون جائعين يمكن ان يوقف التضوّر من الجوع؛‏ ولكنه،‏ في آخر الامر،‏ سيضرّ صحتنا.‏ ولكي نحيا حياة سليمة نحتاج الى طعام صحي ومغذٍّ.‏ وعلى نحو مماثل،‏ نحتاج الى طعام روحي صحي للحفاظ على صحتنا الروحية.‏ من اجل ذلك يخبرنا الكتاب المقدس:‏ «ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل ما يخرج من فم الرب.‏» —‏ تثنية ٨:‏٣‏.‏

‏[الخريطة في الصفحة ٣٩]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسّق في المطبوعة)‏

اذ تشتَّت العِرق البشري من بلاد ما بين النهرين،‏ ذهبت افكارهم وذكرياتهم الدينية معهم

بابل

ليديا

سورية

مصر

اشور

مادي

عيلام

فارس

‏[الصور في الصفحة ٢١]‏

رجال مثل البوذا،‏ كونفوشيوس،‏ ولوثر غيَّروا انظمة دينية موجودة؛‏ انهم لم يُنشئوا الدين

‏[الصورة في الصفحة ٢٥]‏

المحلل النفسي النمساوي سيڠموند فرويد نسب الدين الى الخوف من شخصية الاب

‏[الصورة في الصفحة ٢٧]‏

الفرضية ان الارض هي مركز الكون قادت الى استنتاجات خاطئة عن حركة الكواكب

‏[الصور في الصفحة ٣٣]‏

البوذية والكاثوليكية الرومانية —‏ لماذا يبدو ان لهما اشياء كثيرة مشتركة؟‏

الالاهة البوذية الصينية للرحمة مع الطفل

مريم العذراء الكاثوليكية مع الطفل يسوع

بوذي تيبتي يستعمل عجلة الصلاة والسبحة

كاثوليكية تستعمل السبحة

‏[الصورة في الصفحة ٣٦]‏

الحكايات الاسطورية الصينية تتحدث عن عصر ذهبي خلال حكم هوانڠ-‏دي (‏الامبراطور الاصفر)‏ في الازمنة الاسطورية