الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

عدم الايمان العصري —‏ هل يجب ان يستمر البحث؟‏

عدم الايمان العصري —‏ هل يجب ان يستمر البحث؟‏

الفصل ١٤

عدم الايمان العصري —‏ هل يجب ان يستمر البحث؟‏

‏«لم يعد اللّٰه اهتماما اعتياديا للكائنات البشرية.‏ وهم يتذكرونه اقل فأقل اذ يقضون ايامهم او يتخذون قراراتهم.‏ .‏ .‏ .‏ لقد جرى استبدال اللّٰه بقيم اخرى:‏ الدخل والانتاجية.‏ لربما جرى اعتباره ذات مرة مصدر المعنى لكل النشاطات البشرية،‏ أما اليوم فقد أُنزل الى سجون التاريخ المظلمة الخفية.‏ .‏ .‏ .‏ لقد اختفى اللّٰه من وعي الكائنات البشرية.‏» —‏ مصادر الالحاد العصري.‏

١ (‏اشملوا المقدمة.‏)‏ (‏أ)‏ كيف يصف كتاب مصادر الالحاد العصري الايمان باللّٰه بين الناس اليوم؟‏ (‏ب)‏ كيف يكون عدم الايمان العصري في تباين حاد مع الاحوال منذ سنوات ليست بكثيرة؟‏

منذ سنوات ليست بكثيرة كان اللّٰه الى حد بعيد جزءا من حياة شعوب العالم الغربي.‏ ولكي يكون المرء مقبولا اجتماعيا كان عليه ان يقدِّم الدليل على الايمان باللّٰه،‏ حتى لو لم يمارس كل امرئ باخلاص ما يدَّعي الايمان به.‏ وأية شكوك وارتيابات كان المرء يكتمها بتحفظ.‏ والتعبير عنها علانية يكون مريعا وربما يجعل المرء عرضة ايضا للتعنيف.‏

٢ (‏أ)‏ لماذا توقف اناس كثيرون عن البحث عن اللّٰه؟‏ (‏ب)‏ اية اسئلة لا بد من طرحها؟‏

٢ أما اليوم فقد انقلب الوضع.‏ ويعتبر كثيرون ان حيازة ايّ اقتناع ديني قوي ضِيق عقل،‏ تصلُّب دون دليل،‏ وحتى تعصُّب.‏ وفي بلدان كثيرة نرى لامبالاة سائدة تجاه اللّٰه والدين،‏ او نقصا في الاهتمام بهما.‏ ومعظم الناس لم يعودوا يبحثون عن اللّٰه إما لانهم لا يؤمنون بوجوده او غير متأكدين من ذلك.‏ وفي الواقع،‏ استعمل البعض التعبير «بعد المسيحي» لوصف عصرنا.‏ لذلك لا بد من طرح بعض الاسئلة:‏ كيف صارت فكرة اللّٰه بعيدة جدا عن حياة الناس؟‏ ماذا كانت القوى التي سببت هذا التغيير؟‏ هل هنالك اسباب وجيهة للاستمرار في البحث عن اللّٰه؟‏

ردّ فعل معاكِس للاصلاح

٣ ماذا كانت حصيلةٌ واحدةٌ للاصلاح الپروتستانتي؟‏

٣ كما رأينا في الفصل ١٣،‏ احدث الاصلاح الپروتستانتي للقرن الـ‍ ١٦ تغييرا بارزا في الطريقة التي ينظر بها الناس الى السلطة،‏ دينية كانت ام غير ذلك.‏ وحلّ تأكيد المرء آراءه وحرية التعبير محل الامتثال والتسليم.‏ وفي حين بقي معظم الناس ضمن نطاق الدين التقليدي،‏ سار البعض في طرق اشد تطرفا،‏ مرتابين في صحة العقائد والتعاليم الجوهرية للكنائس الرسمية.‏ وآخرون ايضا،‏ اذ لاحظوا الدور الذي قام به الدين في الحروب،‏ الآلام،‏ والمظالم في كل التاريخ،‏ صاروا متشككين في الدين برمته.‏

٤ (‏أ)‏ كيف وصفت سجلات معاصرة مدى الالحاد في انكلترا وفرنسا في القرنين الـ‍ ١٦ والـ‍ ١٧؟‏ (‏ب)‏ مَن خرجوا الى العراء نتيجة الجهود التي بذلت خلال الاصلاح لطرح النير البابوي؟‏

٤ باكرا في سنة ١٥٧٢،‏ ذكر تقرير بعنوان محاضرة عن الحالة الحاضرة لانكلترا:‏ ‏«المملكة منقسمة الى ثلاثة احزاب،‏ البابويين،‏ الملحدين،‏ والپروتستانت.‏ والثلاثة مستحسَنون على حد سواء:‏ الاول والثاني لاننا لا نجرؤ،‏ لكونهم كثيرين،‏ على اغاظتهم.‏» وثمة تقدير آخر قدَّم الرقم ٠٠٠‏,‏٥٠ بصفته عدد الملحدين في باريس في سنة ١٦٢٣،‏ مع ان التعبير كان يُستعمل بالحري على نحو غير محدَّد.‏ وعلى اية حال،‏ من الواضح ان الاصلاح،‏ في جهده لطرح هيمنة السلطة البابوية،‏ اخرج الى العراء ايضا اولئك الذين يتحدَّون مركز الاديان الرسمية.‏ وكما يعبِّر عن ذلك وِل وايريل ديورانت في قصة الحضارة:‏ الجزء السابع —‏ بداية عصر العقل:‏ ‏«ان مفكري اوروپا —‏ وهم طليعة العقل الاوروپي —‏ لم يعودوا يناقشون سلطة البابا؛‏ بل كانوا يجادلون في وجود اللّٰه.‏»‏

هجوم العلم والفلسفة

٥ اية قوى اسرعت بنشوء عدم الايمان باللّٰه؟‏

٥ اضافة الى تجزئة العالم المسيحي نفسه،‏ كانت هنالك قوى اخرى عاملة اضعفت على نحو اضافي مركزه.‏ فالعلم،‏ الفلسفة،‏ العلمانية،‏ والمادية قامت بأدوارها في اثارة الشكوك وتعزيز الارتياب في اللّٰه والدين.‏

٦ (‏أ)‏ كيف اثَّر توسع المعرفة العلمية في كثير من تعاليم الكنيسة؟‏ (‏ب)‏ ماذا فعل بعض الذين يعتبرون انفسهم عصريين؟‏

٦ ان توسع المعرفة العلمية اثار الشك في كثير من تعاليم الكنيسة التي كانت مؤسسة على تفسير خاطئ لفقرات الكتاب المقدس.‏ مثلا،‏ شكَّلت الاكتشافات الفلكية بواسطة رجال مثل كوپرنيكوس وڠاليليو تحدِّيا مباشرا لعقيدة الكنيسة عن مركزية الارض،‏ ان الارض هي مركز الكون.‏ واضافة الى ذلك،‏ فان فهم القوانين الطبيعية التي تضبط عمليات العالَم المادي جعل من غير الضروري بعد ان تُنسب الظواهر الغامضة حتى ذلك الحين،‏ كالرعد والبرق او حتى ظهور بعض النجوم والمُذَنَّبات،‏ الى يد اللّٰه او العناية الالهية.‏ و «العجائب» و «التدخل الالهي» في الشؤون البشرية صارت ايضا موضع ريبة.‏ وفجأة ظهر ان اللّٰه والدين عتيقا الطراز لكثيرين،‏ وبسرعة ادار بعض الذين يعتبرون انفسهم عصريين ظهرهم للّٰه واندفعوا الى عبادة بقرة العلم المقدسة.‏

٧ (‏أ)‏ ماذا كان دون شك اشد ضربة للدين؟‏ (‏ب)‏ ماذا كانت استجابة الكنائس للداروينية؟‏

٧ لا شك ان اشد ضربة للدين كانت نظرية التطور.‏ ففي سنة ١٨٥٩ نشر عالم الطبيعة الانكليزي تشارلز داروين (‏١٨٠٩-‏١٨٨٢)‏ كتابه اصل الانواع وقدَّم تحديا مباشرا لتعليم الكتاب المقدس عن الخلق من اللّٰه.‏ وماذا كانت استجابة الكنائس؟‏ في البداية شجب رجال الدين في انكلترا والاماكن الاخرى النظرية.‏ ولكنّ المقاومة اضمحلت سريعا.‏ وبدا ان تخمينات داروين كانت مجرد عذر سعى اليه كثيرون من رجال الدين الذين كانوا يضمرون الشكوك سرا.‏ وهكذا،‏ في اثناء حياة داروين،‏ «كان معظم رجال الدين المفكرين والفصحاء قد شقّوا طريقهم الى الاستنتاج ان التطور متلائم كليا مع فهم متنوِّر للاسفار المقدسة،‏» تقول دائرة معارف الدين.‏ وعوض ان يهبّ العالم المسيحي الى الدفاع عن الكتاب المقدس،‏ استسلم لضغط الرأي العلمي وتظاهر بأنه متفق مع ما كان شعبيا.‏ وبفعله ذلك قوَّض الايمان باللّٰه.‏ —‏ ٢ تيموثاوس ٤:‏​٣،‏ ٤‏.‏

٨ (‏أ)‏ في ايّ شيء شكَّ نقّاد الدين للقرن الـ‍ ١٩؟‏ (‏ب)‏ ماذا كانت بعض النظريات الشعبية التي عرضها نقّاد الدين؟‏ (‏ج)‏ لماذا اعتنق اناس كثيرون بسرعة الافكار المضادة للدين؟‏

٨ وبتقدم القرن الـ‍ ١٩ ببط‍ء صار نقّاد الدين اكثر تجاسرا في هجومهم.‏ واذ لم يكتفوا بمجرد اظهار فشل الكنائس بدأوا يشكّون في الاساس نفسه للدين.‏ وأثاروا اسئلة مثل:‏ ما هو اللّٰه؟‏ لماذا توجد حاجة الى اللّٰه؟‏ كيف اثَّر الايمان باللّٰه في المجتمع البشري؟‏ وقدَّم رجال مثل لودڤيڠ فويرباخ،‏ كارل ماركس،‏ سيڠموند فرويد،‏ فريدريتش نيتشه حججهم بعبارات الفلسفة،‏ علم النفس،‏ وعلم الاجتماع.‏ ونظريات مثل ‹ليس اللّٰه اكثر من تصوُّر خيال الانسان،‏› ‹الدين افيون الشعب،‏› و ‹اللّٰه ميت› ظهرت كلها جديدة ومثيرة جدا بالمقارنة مع العقائد والتقاليد المملَّة والمبهمة للكنائس.‏ وبدا ان اناسا كثيرين قد وجدوا اخيرا طريقة فصيحة للتعبير عن الشكوك والرِيَب التي كانت تكمن في مؤخرة عقولهم.‏ واعتنقوا بسرعة وطوعية هذه الافكار بصفتها حق انجيل جديد.‏

المسايرة العظيمة

٩ (‏أ)‏ ماذا فعلت الكنائس عندما كانت تحت وطأة هجوم العلم والفلسفة؟‏ (‏ب)‏ ماذا كانت نتائج مسايرة الكنائس؟‏

٩ تحت وطأة هجوم العلم والفلسفة وفحصهما الدقيق،‏ ماذا فعلت الكنائس؟‏ بدلا من اتخاذ موقف الى جانب ما يعلِّمه الكتاب المقدس،‏ استسلمت للضغوط وسايرت حتى في بنود ايمان جوهرية كالخلق من اللّٰه وصحة الكتاب المقدس.‏ والنتيجة؟‏ بدأت كنائس العالم المسيحي تخسر مصداقيتها،‏ وبدأ اناس كثيرون يخسرون الايمان.‏ وفشل الكنائس في الاتيان لحماية نفسها ترك الباب مفتوحا على مصراعيه لتخرج الجموع.‏ ولم يعد الدين بالنسبة الى اناس كثيرين اكثر من ذخيرة اجتماعية،‏ شيء لوسم المراحل البارزة في حياة المرء —‏ الولادة،‏ الزواج،‏ الموت.‏ وكثيرون كفّوا تقريبا عن البحث عن الاله الحقيقي.‏

١٠ اية اسئلة ملحة لا بد من التأمل فيها؟‏

١٠ في وجه ذلك كله من المنطقي السؤال:‏ هل وقَّع العلم والفلسفة فعلا امر اعدام الايمان باللّٰه؟‏ هل يعني فشل الكنائس فشل ما تدَّعي تعليمه،‏ اي الكتاب المقدس؟‏ حقا،‏ هل يجب ان يستمر البحث عن اللّٰه؟‏ فلنفحص هذه القضايا بايجاز.‏

اساس للايمان باللّٰه

١١ (‏أ)‏ اي كتابين كانا لامد طويل الاساس للايمان باللّٰه؟‏ (‏ب)‏ كيف اثَّر هذان الكتابان في الناس؟‏

١١ يقال ان هنالك كتابين يخبراننا عن وجود اللّٰه —‏ «كتاب» الخليقة او الطبيعة حولنا،‏ والكتاب المقدس.‏ انهما الاساس لايمان ملايين الناس في الماضي والحاضر.‏ مثلا،‏ اذ تأثر ملك في القرن الـ‍ ١١ ق‌م بما لاحظه في السموات المرصَّعة بالنجوم،‏ هتف شِعريا:‏ «السموات تحدِّث بمجد اللّٰه.‏ والفَلَك يخبر بعمل يديه.‏» (‏مزمور ١٩:‏١‏)‏ وفي القرن الـ‍ ٢٠،‏ اذ نظر رائد فضاء الى المنظر المذهل للارض من مركبته الفضائية وهي تدور حول القمر،‏ اندفع الى التلاوة:‏ «في البدء خلق اللّٰه السموات والارض.‏» —‏ تكوين ١:‏١‏.‏

١٢ كيف هوجم كتاب الخليقة والكتاب المقدس؟‏

١٢ ولكنّ هذين الكتابين هما تحت هجوم ممن يدَّعون عدم الايمان باللّٰه.‏ فهم يقولون ان الاستقصاء العلمي للعالم حولنا برهن ان الحياة لم تأتِ الى الوجود بالخلق الذكي بل بالصدفة العمياء وعملية التطور العرَضية.‏ ولذلك يجادلون انه لم يكن هنالك خالق وأن مسألة اللّٰه بالتالي حشو.‏ واضافة الى ذلك،‏ يعتقد كثيرون منهم ان الكتاب المقدس انما هو عتيق الطراز وغير منطقي ولذلك لا يستحق ان يؤمَن به.‏ وبناء على ذلك،‏ بالنسبة اليهم،‏ لم يعد هنالك ايّ اساس للايمان بوجود اللّٰه.‏ فهل ذلك كله صحيح؟‏ ماذا تظهر الوقائع؟‏

بالصدفة ام بالتصميم؟‏

١٣ ماذا يجب ان يكون قد جرى لكي تأتي الحياة بالصدفة؟‏

١٣ ان لم يكن هنالك خالق،‏ فحينئذ لا بد ان تكون الحياة قد بدأت تلقائيا بالصدفة.‏ ولكي تكون الحياة قد حدثت،‏ يجب بطريقة ما ان تكون المواد الكيميائية المناسبة قد اجتمعت بالكميات المناسبة،‏ في درجة حرارة وضغط وعوامل ضابطة اخرى مناسبة،‏ ويجب ان يكون قد جرى حفظ ذلك كله لفترة صحيحة من الزمن.‏ واضافة الى ذلك،‏ لكي تكون الحياة قد بدأت ودُعمت على الارض،‏ يلزم ان تكون هذه الحوادث العرضية قد تكررت آلاف المرات.‏ ولكن كم هو محتمل وقوع مجرد حادث واحد كهذا؟‏

١٤ (‏أ)‏ الى ايّ حد بعيدٌ هو احتمال تشكُّل جُزيء پروتين بسيط واحد بالصدفة؟‏ (‏ب)‏ كيف تؤثر الحسابات الرياضية في فكرة نشوء الحياة تلقائيا؟‏

١٤ يعترف علماء التطور بأن احتمال اخذ الذرّات والجزيئات الصحيحة مكانها الصحيح لتشكيل مجرد جُزيء پروتين بسيط واحد هو ١ من ١٠١١٣‏،‏ او ١ يتبعه ١١٣ صفرا.‏ وهذا الرقم اكبر من مجموع الذرّات الاجمالي المقدَّر في الكون!‏ وعلماء الرياضيات يرفضون كشيء لا يحدث قطعيا ايّ شيء له احتمال حدوث ادنى من ١ من ١٠٥٠‏.‏ ولكن يلزم للحياة اكثر بكثير من مجرد جُزيء پروتين بسيط واحد.‏ فيلزم نحو ٠٠٠‏,‏٢ پروتين مختلف لمجرد محافظة خلية على نشاطها،‏ وفرصة حدوثها كلها عشوائيا هي ١ من ١٠٠٠٠،‏٤٠‏!‏ «إن لم تجعل المعتقدات الاجتماعية او التدريب العلمي المرء متعصبا للاقتناع بأن الحياة نشأت [تلقائيا] على الارض،‏ فان هذا الحساب البسيط يمحو الفكرة كليا من الحسبان،‏» يقول الفلكي فرِد هويل.‏

١٥ (‏أ)‏ ماذا اكتشف العلماء في درسهم العالَم المادي؟‏ (‏ب)‏ ماذا قال پروفسور في الفيزياء عن القوانين في الطبيعة؟‏

١٥ ومن ناحية اخرى،‏ بدراسة العالَم المادي،‏ من الجُسيمات دون الذرية الدقيقة الى المجرات الضخمة،‏ اكتشف العلماء ان كل الظواهر الطبيعية المعروفة يظهر انها تتبع قوانين اساسية محدَّدة.‏ وبكلمات اخرى،‏ اكتشفوا منطقا ونظاما في كل شيء يحدث في الكون،‏ واستطاعوا التعبير عن هذا المنطق والنظام بتعابير رياضية بسيطة.‏ «علماء قليلون يمكن ان يفشلوا في التأثُّر بالبساطة والاناقة غير المعقولتين تقريبا لهذه القوانين،‏» يكتب پروفسور في الفيزياء،‏ پول دايڤس،‏ في مجلة العالِم الجديد.‏

١٦ (‏أ)‏ ما هي بعض الثوابت الاساسية في قوانين الطبيعة؟‏ (‏ب)‏ ماذا يحدث اذا جرى تغيير قِيَم هذه الثوابت ولو قليلا؟‏ (‏ج)‏ ماذا استنتج پروفسور في الفيزياء عن الكون ووجودنا؟‏

١٦ ولكنّ الواقع الاكثر اثارة للاهتمام بشأن هذه القوانين هو انه توجد فيها عوامل معيَّنة يجب ان تكون قِيَمها محدَّدة بدقة لكي يكون الكون،‏ كما نعرفه،‏ موجودا.‏ وبين هذه الثوابت الاساسية وحدة الشحنة الكهربائية في الپروتون،‏ كُتل بعض الجُسيمات الاساسية،‏ وثابت نيوتن العام للجاذبية المُشار اليه عموما بالحرف G‏.‏ وعن ذلك يتابع الپروفسور دايڤس:‏ «وحتى التغييرات الطفيفة في قِيَم بعضها تبدِّل على نحو شديد مظهر الكون.‏ مثلا،‏ اوضح فريمان دايسون انه اذا كانت القوة بين النُوَيَّات nucleons ‏(‏الپروتونات والنيوترونات)‏ اقوى ببضعة اجزاء في المئة فقط يكون الكون خاليا من الهيدروجين.‏ والنجوم التي كالشمس،‏ هذا ان لم نذكر الماء،‏ لا يمكن ان توجد.‏ والحياة،‏ على الاقل كما نعرفها،‏ تكون مستحيلة.‏ وأظهر براندون كارتر ان تغييرات اصغر بكثير جدا في G تحوِّل كل النجوم الى عمالقة giants زرق او اقزام dwarfs حُمر،‏ بعواقب رهيبة مماثلة للحياة.‏» ولذلك يستنتج دايڤس:‏ «في هذه الحالة يكون قابلا للتصور انه يمكن ان يوجد كون محتمل واحد فقط.‏ وإن كان الامر كذلك،‏ تكون فكرة لافتة للنظر ان وجودنا ككائنات واعية هو نتيجة لا مفر منها للمنطق.‏» ‏—‏ الحرف المائل لنا.‏

١٧ (‏أ)‏ علامَ يدل بوضوح التصميم والقصد في الكون؟‏ (‏ب)‏ كيف يجري تأكيد ذلك في الكتاب المقدس؟‏

١٧ ماذا يمكننا ان نستنتج من كل هذا؟‏ اولا،‏ اذا كان الكون مضبوطا بقوانين،‏ فحينئذ لا بد ان يكون هنالك صانع قوانين ذكي صاغ او اسَّس القوانين.‏ واضافة الى ذلك،‏ بما ان القوانين التي تضبط عمل الكون يظهر انها صُنعت توقُّعا للحياة وللشروط الموافِقة لدعمها،‏ فان الامر يشمل بوضوح قصدا.‏ التصميم والقصد ‏—‏ ليس هذان صفتين للصدفة العمياء؛‏ انهما بالتحديد ما يُظهره خالق ذكي.‏ وذلك تماما ما يدل عليه الكتاب المقدس عندما يصرِّح:‏ «ما يُعرف عن اللّٰه بُيِّن لهم،‏ فقد ابانه اللّٰه لهم.‏ فمنذ خلق العالم لا تزال صفاته الخفية،‏ اي قدرته الازلية والوهته،‏ ظاهرة للبصائر في مخلوقاته.‏» —‏ رومية ١:‏​١٩،‏ ٢٠‏،‏ كا؛‏ اشعياء ٤٥:‏١٨؛‏ ارميا ١٠:‏١٢‏.‏

دليل وافر حولنا

١٨ (‏أ)‏ في ايّ شيء آخر يمكن رؤية التصميم والقصد؟‏ (‏ب)‏ اية امثلة مألوفة على التصميم الذكي يمكنكم تقديمها؟‏

١٨ طبعا،‏ لا يُرى التصميم والقصد فقط في طرائق عمل الكون المنظَّمة بل ايضا في الطريقة التي تؤدي بها المخلوقات الحية،‏ البسيطة والمعقدة،‏ نشاطاتها اليومية،‏ وكذلك في طريقة تفاعلها بعضها مع بعض ومع البيئة.‏ مثلا،‏ يُظهر كل جزء تقريبا من جسمنا البشري —‏ الدماغ،‏ العين،‏ الاذن،‏ اليد —‏ تصميما يبلغ تعقيدا يعجز العلم العصري عن شرحه كاملا.‏ ثم هنالك عالَما الحيوان والنبات.‏ والهجرة السنوية لبعض الطيور فوق آلاف الاميال من البر والبحر،‏ عملية التخليق الضوئي في النباتات،‏ نمو بيضة مخصَبة واحدة الى عضوية معقدة بملايين الخلايا المتميزة ذات الاعمال المتخصصة —‏ هذا اذا ذكرنا امثلة قليلة فقط —‏ هي كلها دليل مدهش على تصميم ذكي.‏ *

١٩ (‏أ)‏ هل يبرهن التفسير العلمي لكيفية عمل بعض الاشياء على عدم وجود تصميم او مصمم ذكي؟‏ (‏ب)‏ ماذا يمكننا ان نتعلم بدرس العالم حولنا؟‏

١٩ ولكنّ البعض يحاجّون ان معرفة العلم المتزايدة قد زوَّدت تفاسير لكثير من هذه الاعمال البارعة.‏ صحيح ان العلم قد فسَّر،‏ الى حد معيَّن،‏ اشياء كثيرة كانت ذات مرة لغزا.‏ ولكنّ اكتشاف الطفل كيفية عمل الساعة لا يبرهن ان الساعة لم يصممها او يصنعها احد.‏ وعلى نحو مشابه،‏ ان فهمنا الطرائق الرائعة التي يعمل بها الكثير من الاشياء في العالم المادي لا يبرهن على عدم وجود مصمم ذكي وراءها.‏ وعلى العكس من ذلك،‏ كلما عرفنا اكثر عن العالم حولنا صار لدينا دليل اكبر على وجود خالق ذكي،‏ اللّٰه.‏ وهكذا،‏ بعقل منفتح،‏ يمكننا ان نتفق مع المرنم الملهم اذ اعترف:‏ «ما اعظم اعمالك يا رب.‏ كلها بحكمة صنعتَ.‏ ملآنة الارض من غناك.‏» —‏ مزمور ١٠٤:‏٢٤‏.‏

الكتاب المقدس —‏ هل يمكنكم ان تؤمنوا به؟‏

٢٠ ماذا يُظهر ان الايمان باللّٰه ليس كافيا لدفع المرء الى البحث عنه؟‏

٢٠ لكنّ الايمان بوجود اللّٰه ليس كافيا لدفع الناس الى البحث عنه.‏ فهنالك اليوم ملايين الناس الذين لم يرفضوا كليا الايمان باللّٰه،‏ ولكنّ ذلك لم يدفعهم الى البحث عن اللّٰه.‏ ويلاحظ المستطلِع الاميركي جورج ڠالوپ،‏ الاصغر،‏ انكم «لا تجدون فعلا فرقا كبيرا بين المنتمين الى كنيسة وغير المنتمين الى كنيسة من حيث الغش،‏ التملص من الضريبة،‏ والاختلاس،‏ وذلك الى حد بعيد بسبب وجود الكثير من الدين الاجتماعي.‏» ويضيف ان «كثيرين انما يؤلِّفون دينا مريحا لهم يدغدغهم ولا يتحدّاهم بالضرورة.‏ وقد دعاه احد الاشخاص دينا للعَرْض.‏ هذا هو الضعف المركزي للمسيحية في هذا البلد [الولايات المتحدة الاميركية] اليوم:‏ لا توجد متانة ايمان.‏»‏

٢١ و ٢٢ (‏أ)‏ ماذا يجعل الكتاب المقدس كتابا بارزا؟‏ (‏ب)‏ ما هو الدليل الاساسي على صحة الكتاب المقدس؟‏ اشرحوا.‏

٢١ ان ذلك «الضعف المركزي» هو الى حد بعيد نتيجة النقص في معرفة الكتاب المقدس والايمان به.‏ ولكنْ ايّ اساس هنالك للايمان بالكتاب المقدس؟‏ اولا،‏ مما تلزم ملاحظته انه عبر العصور ما مِن كتاب آخر على الارجح انتُقد،‏ اسيءَ اليه،‏ أُبغضَ،‏ وهوجم بظلم اكثر من الكتاب المقدس.‏ ومع ذلك،‏ نجا من ذلك كله وتبيَّن انه اوسع الكتب المعروفة ترجمة واكثرها انتشارا.‏ وهذا بحد ذاته يجعل الكتاب المقدس كتابا بارزا.‏ ولكن هنالك برهان وافر ودليل مقنع على ان الكتاب المقدس كتاب موحى به من اللّٰه ويستحق ايماننا به.‏ —‏ انظروا الاطار،‏ الصفحتين ٣٤٠،‏ ٣٤١.‏

٢٢ رغم ان كثيرين من الناس افترضوا تقريبا ان الكتاب المقدس غير علمي،‏ متناقض،‏ وعتيق الطراز،‏ فان الوقائع تُظهر خلاف ذلك.‏ ان تأليفه الفريد،‏ دقَّته التاريخية والعلمية،‏ ونبواته السديدة كلها تشير الى استنتاج لا مفر منه:‏ الكتاب المقدس هو كلمة اللّٰه الموحى بها.‏ وكما عبَّر عن ذلك الرسول بولس:‏ «كل الكتاب هو موحى به من اللّٰه ونافع.‏» —‏ ٢ تيموثاوس ٣:‏١٦‏.‏

مواجهة تحدّي عدم الايمان

٢٣ ماذا يمكننا ان نستنتج عن الكتاب المقدس عندما ننظر الى الوقائع؟‏

٢٣ اذ تأملنا في الدليل من كتاب الخليقة والكتاب المقدس،‏ ماذا يمكننا ان نستنتج؟‏ ببساطة،‏ ان هذين الكتابين هما صحيحان اليوم بقدر ما كانا على الدوام.‏ وعندما نكون على استعداد للنظر الى المسألة بموضوعية عوض ان تُميلنا الافكار المكوَّنة مسبقا نجد انه من الممكن التغلُّب على اية اعتراضات بطريقة معقولة.‏ فالاجوبة هي هناك،‏ ولكن اذا كنا على استعداد للبحث عنها.‏ قال يسوع:‏ «اطلبوا تجدوا.‏» —‏ متى ٧:‏٧؛‏ اعمال ١٧:‏١١‏.‏

٢٤ (‏أ)‏ لماذا تخلى كثيرون عن بحثهم عن اللّٰه؟‏ (‏ب)‏ بماذا يمكننا ان نتعزى؟‏ (‏ج)‏ ماذا سيجري التأمل فيه في باقي هذا الكتاب؟‏

٢٤ وفي التحليل الاخير،‏ ان معظم الناس الذين تخلَّوا عن البحث عن اللّٰه لم يفعلوا ذلك لانهم فحصوا بدقة الدليل لانفسهم ووجدوا ان الكتاب المقدس غير صحيح.‏ وبالاحرى،‏ ان فشل العالم المسيحي في تقديم الاله الحقيقي للكتاب المقدس صدَّ كثيرين منهم.‏ وكما ذكر الكاتب الفرنسي پ.‏ ڤالادييه:‏ «ان التقليد المسيحي هو الذي انتج الالحاد كثمرة له؛‏ وقد ادّى الى قتل اللّٰه في ضمائر الناس لانه قدَّم لهم الها لا يمكن الايمان به.‏» وأيًّا كان الامر،‏ يمكننا ان نتعزى بكلمات الرسول بولس:‏ «فماذا إن كان قوم لم يكونوا امناء.‏ أفلعل عدم امانتهم يُبطل أمانة اللّٰه.‏ حاشا.‏ بل ليكن اللّٰه صادقا وكل انسان كاذبا.‏» (‏رومية ٣:‏​٣،‏ ٤‏)‏ نعم،‏ هنالك كل سبب للاستمرار في البحث عن الاله الحقيقي.‏ وفي الفصلين الباقيين من هذا الكتاب سنرى كيف جرى توجيه البحث الى اتمام ناجح وما يخبئه المستقبل للجنس البشري.‏

‏[الحاشية]‏

‏[اسئلة الدرس]‏

‏[الاطار في الصفحتين ٣٤٠ و ٣٤١]‏

الدليل على صحة الكتاب المقدس

تأليف فريد:‏ من سِفره الاول،‏ التكوين،‏ الى الاخير،‏ الرؤيا،‏ يتألف الكتاب المقدس من ٦٦ سفرا كتبها نحو ٤٠ كاتبا ذوي خلفيات اجتماعية،‏ ثقافية ومهنية مختلفة جدا.‏ وقد جرت الكتابة خلال فترة ١٦ قرنا،‏ من ١٥١٣ ق‌م الى ٩٨ ب‌م.‏ ومع ذلك فان النتيجة النهائية هي كتاب منسجم ومترابط،‏ يلخص التطور المنطقي لمحور بارز —‏ تبرئة اللّٰه وقصده بواسطة الملكوت المسيّاني.‏ —‏ انظروا الاطار،‏ الصفحة ٢٤١.‏

الدقَّة التاريخية:‏ الحوادث المسجلة في الكتاب المقدس هي على انسجام تام مع الوقائع التاريخية المبرهنة.‏ يعلِّق كتاب محام يفحص الكتاب المقدس:‏ ‏«بينما تحرص القصص المختلَقة والحكايات الاسطورية والشهادة الباطلة على وضع الحوادث ذات العلاقة في مكان بعيد ووقت غير محدَّد،‏ .‏ .‏ .‏ تعطينا روايات الكتاب المقدس تاريخ ومكان الامور ذات العلاقة بمنتهى الدقة.‏» (‏حزقيال ١:‏١-‏٣‏)‏ ويذكر قاموس الكتاب المقدس الجديد:‏ ‏«[كاتب الاعمال] يسجل روايته في اطار التاريخ المعاصر؛‏ فصفحاته ملآنة اشارات الى حكام المدن وولاة المقاطعات والملوك الموالين وأمثالهم،‏ وهذه الاشارات تتبرهن صحتها تماما مرة بعد اخرى من حيث المكان والزمان موضوع البحث.‏» —‏ اعمال ٤:‏​٥،‏ ٦؛‏ ١٨:‏١٢؛‏ ٢٣:‏٢٦‏.‏

الدقَّة العلمية:‏ أُعطيت الشرائع عن الحجر الصحي والعادات الصحية للاسرائيليين في سفر اللاويين في وقت لم تعرف فيه الامم المحيطة شيئا عن ممارسات كهذه.‏ ووُصفت دورة المطر والتبخُّر من المحيط،‏ غير المعروفة في الازمنة القديمة،‏ في الجامعة ١:‏٧‏.‏ وكون الارض كروية ومعلَّقة في الفضاء،‏ الامر الذي لم يؤكده العلم حتى القرن الـ‍ ١٦،‏ مذكور في اشعياء ٤٠:‏٢٢ وأيوب ٢٦:‏٧‏.‏ وقبلما نشر وليم هارڤي اكتشافاته عن دوران الدم باكثر من ٢٠٠‏,‏٢ سنة،‏ اوضحت الامثال ٤:‏٢٣ دور القلب البشري.‏ وهكذا،‏ في حين ان الكتاب المقدس ليس كتاب علوم مدرسيا،‏ فحيثما يتطرق الى المسائل المتعلقة بالعلم يُعرب عن عمق فهم يسبق زمانه بكثير.‏

نبوات سديدة:‏ ان دمار صور القديمة،‏ سقوط بابل،‏ اعادة بناء اورشليم،‏ قيام وسقوط ملوك مادي فارس واليونان أُنبىء بها بتفصيل مسهب حتى ان النقّاد اتهموا عبثا بأنها كُتبت بعد حدوثها.‏ (‏اشعياء ١٣:‏١٧-‏١٩؛‏ ٤٤:‏٢٧-‏٤٥:‏١؛‏ حزقيال ٢٦:‏٣-‏٧؛‏ دانيال ٨:‏١-‏٧،‏ ٢٠-‏٢٢‏)‏ والنبوات عن يسوع التي قيلت قبل قرون من ولادته تمَّت بالتفصيل.‏ (‏انظروا الاطار،‏ الصفحة ٢٤٥.‏)‏ ونبوات يسوع الخاصة عن دمار اورشليم تمَّت بدقة.‏ (‏لوقا ١٩:‏٤١-‏٤٤؛‏ ٢١:‏​٢٠،‏ ٢١‏)‏ والنبوات عن الايام الاخيرة التي قدَّمها يسوع والرسول بولس تتم في زماننا.‏ (‏متى ٢٤؛‏ مرقس ١٣؛‏ لوقا ٢١؛‏ ٢ تيموثاوس ٣:‏١-‏٥‏)‏ ومع ذلك،‏ ينسب الكتاب المقدس كل النبوات الى مصدر واحد،‏ يهوه اللّٰه.‏ —‏ ٢ بطرس ١:‏​٢٠،‏ ٢١‏.‏

‏[الصور في الصفحة ٣٣٣]‏

من اليسار:‏ داروين،‏ ماركس،‏ فرويد،‏ نيتشه،‏ وآخرون اقترحوا نظريات قوضت الايمان باللّٰه

‏[الصورتان في الصفحة ٣٣٥]‏

‏«كتاب» الخليقة والكتاب المقدس يقدِّمان الاساس للايمان باللّٰه

‏[الصور في الصفحة ٣٣٨]‏

كلما عرفنا اكثر عن العالم حولنا صار لدينا دليل اكبر على خالق ذكي

‏[الرسم/‏الصورة في الصفحة ٣٣٧]‏

الحياة والكون يكونان مستحيلين اذا ابتعدت عوامل تصميم معيَّنة حتى بمقدار كَسْرٍ طفيف

‏[الرسم]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسّق في المطبوعة)‏

مكوِّنات ذرة الهيدروجين

طبقة الكترونية

نواة + پروتون

− الكترون