الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

الفصل ١٤

‏«اقتربت اليه جموع كثيرة»‏

‏«اقتربت اليه جموع كثيرة»‏

‏«دعوا الاولاد الصغار يأتون اليّ»‏

١-‏٣ ماذا يحدث عندما يُحضِر بعض الوالدين اولادهم الى يسوع،‏ وماذا تكشف لنا هذه الحادثة عنه؟‏

 يعرف يسوع ان نهاية حياته الارضية قريبة جدا.‏ ولكن لا يزال لديه الكثير من العمل ليقوم به في الاسابيع القليلة المتبقية له.‏ فهو يكرز مع رسله في پيريا،‏ مقاطعة شرقي نهر الاردن.‏ وهم متّجهون جنوبا نحو اورشليم،‏ حيث سيحتفل يسوع بالفصح الاخير له الذي ستليه احداث بارزة.‏

٢ بعد مناقشة حامية مع بعض القادة الدينيين،‏ تحدث فوضى بعض الشيء،‏ اذ يُحضِر الناس اولادهم اليه ليروه.‏ ومن الواضح ان الاولاد كانوا من مختلف الاعمار.‏ فمرقس يتحدث عنهم مستخدما الكلمة نفسها التي استخدمها قبلا للاشارة الى فتاة في الثانية عشرة من عمرها،‏ في حين ان لوقا يستخدم كلمة يمكن ترجمتها الى «اطفال».‏ (‏لوقا ١٨:‏١٥؛‏ مرقس ٥:‏​٤١،‏ ٤٢؛‏ ١٠:‏١٣‏)‏ ولا شكّ انه حيث يوجد الاولاد،‏ غالبا ما يكثر الضجيج والجلبة.‏ لذلك يؤنب التلاميذ الوالدين،‏ مفترضين ربما ان سيّدهم مشغول جدا ولا يريد ان يزعجه الاولاد.‏ فماذا يفعل يسوع؟‏

٣ يغتاظ يسوع عندما يرى ما يحدث.‏ ولكن هل يغتاظ من الاولاد او من الوالدين؟‏ كلا،‏ بل من تلاميذه.‏ فهو يقول لهم:‏ «دعوا الاولاد الصغار يأتون اليّ.‏ لا تحاولوا منعهم،‏ لأن لأمثال هؤلاء ملكوت الله.‏ الحق اقول لكم:‏ مَن لا يقبل ملكوت الله مثل ولد صغير،‏ فلن يدخله ابدا».‏ بعدئذ،‏ يضمّ يسوع الاولاد «بذراعيه» ويباركهم.‏ (‏مرقس ١٠:‏​١٣-‏١٦‏)‏ تشير الكلمات التي استخدمها مرقس هنا ان يسوع يعانق الاولاد بحنان،‏ حتى انه ربما يحمل بعض الاطفال ويحتضنهم.‏ تكشف لنا هذه الحادثة ان يسوع مولع بالاولاد.‏ ولكننا نتعلم ايضا ان يسوع شخص يسهل الاقتراب اليه.‏

٤،‏ ٥ (‏أ)‏ ماذا يؤكد لنا ان يسوع كان شخصا يسهل الاقتراب اليه؟‏ (‏ب)‏ اية اسئلة سنناقشها في هذا الفصل؟‏

٤ لو كان يسوع رجلا متكبرا وصارما وبلا مشاعر،‏ لما كان هؤلاء الاولاد سينجذبون اليه على الارجح ولما كان والدوهم سيستسهلون الاقتراب اليه.‏ هل تتخيل كم فرح هؤلاء الوالدون فيما كان هذا الرجل اللطيف يعبّر عن حنانه تجاه اولادهم ويخبرهم ان الله يعتبرهم ذوي قيمة،‏ ويباركهم؟‏ فرغم ان المسؤوليات كانت تُثقِل كاهل يسوع،‏ فقد بقي شخصا يسهل الاقتراب اليه اكثر من ايّ انسان آخر على الارض.‏

٥ فمَن غير هؤلاء شعروا بسهولة الاقتراب اليه؟‏ ماذا جعله شخصا يسهل الاقتراب اليه؟‏ وكيف يمكننا الاقتداء به في هذا المجال؟‏ لنناقش هذه الاسئلة في ما يلي.‏

مَن شعروا بسهولة الاقتراب الى يسوع؟‏

٦-‏٨ مَن بشكل عام كانوا يتبعون يسوع،‏ وكيف اختلف موقفه عن موقف القادة الدينيين؟‏

٦ حين تقرأ روايات الاناجيل،‏ قد تندهش حين تعرف ان اعدادا كبيرة من الناس لم تتردد قط في الاقتراب الى يسوع.‏ مثلا،‏ كثيرا ما ترد في روايات الاناجيل عبارة «جموع كثيرة».‏ فالكتاب المقدس يقول انه «تبعته جموع كثيرة من الجليل»،‏ «اجتمعت اليه جموع كثيرة»،‏ «اقتربت اليه جموع كثيرة»،‏ و «كانت جموع كثيرة مسافرة معه».‏ (‏متى ٤:‏٢٥؛‏ ١٣:‏٢؛‏ ١٥:‏٣٠؛‏ لوقا ١٤:‏٢٥‏)‏ نعم،‏ غالبا ما كان يسوع محاطا بجماهير غفيرة.‏

٧ وكانت هذه الحشود عموما مؤلفة من عامة الشعب،‏ الذين دعاهم القادة الدينيون بازدراء «شعب الارض».‏ فقد قال الفريسيون والكهنة علنا:‏ «هذا الجمع الذي لا يعرف الشريعة ملعون».‏ (‏يوحنا ٧:‏٤٩‏)‏ وتؤكد كتابات الربّانيين اللاحقة ان القادة الدينيين امتلكوا هذا الموقف.‏ فكثيرون منهم اعتبروا اشخاصا كهؤلاء وضعاء،‏ ورفضوا الاكل معهم او شراء شيء منهم او معاشرتهم.‏ حتى ان البعض اكّدوا ان هؤلاء الذين لا يعرفون الشريعة الشفهية ليس لديهم ايّ رجاء بالقيامة.‏ لذلك لا بد ان كثيرين من المساكين تجنبوا القادة الدينيين ولم يقتربوا اليهم لطلب المساعدة او الارشاد.‏ لكنَّ يسوع كان مختلفا.‏

٨ فهو لم يتردد في الاختلاط بعامة الشعب.‏ بل كان يأكل معهم،‏ يشفيهم،‏ يعلّمهم،‏ ويمنحهم الرجاء.‏ طبعا،‏ كان يسوع واقعيا اذ عرف ان معظم الناس سيرفضون امتياز خدمة يهوه.‏ (‏متى ٧:‏​١٣،‏ ١٤‏)‏ رغم ذلك،‏ امتلك نظرة ايجابية الى كل فرد وعرف ان كثيرين لديهم القدرة على فعل الصواب.‏ فشتّان ما بينه وبين اولئك الفريسيين والكهنة المتحجري القلوب!‏ ومن المدهش ان بعض الكهنة والفريسيين اقتربوا الى يسوع،‏ حتى ان عددا منهم غيّروا مسلكهم وتبعوه.‏ (‏اعمال ٦:‏٧؛‏ ١٥:‏٥‏)‏ كما ان بعض الاغنياء وذوي النفوذ كانوا يستسهلون الاقتراب اليه.‏ —‏ مرقس ١٠:‏​١٧،‏ ٢٢‏.‏

٩ لماذا استسهلت النساء الاقتراب الى يسوع؟‏

٩ لم تتردد النساء ايضا في الاقتراب الى يسوع.‏ فلا شك انهن كثيرا ما شعرن بالازدراء المذلّ الذي اكنّه القادة الدينيون لهنّ.‏ فالربّانيون لم يوافقوا عموما على تعليم النساء.‏ ولم يُسمح للنساء بتقديم الشهادة في المحاكم،‏ اذ ان شهادتهن لم تُعتبر جديرة بالثقة.‏ حتى ان الربّانيين كانوا يتلون صلاة يشكرون فيها الله انهم ليسوا نساء.‏ بالتباين،‏ لم يعامل يسوع النساء بهذه الطريقة.‏ فكثيرات منهن اقتربن اليه،‏ متعطشات الى التعلم منه.‏ مثلا،‏ يروي الكتاب المقدس عن مريم اخت لعازر انها جلست عند قدمي الرب وأصغت بشغف الى كلماته فيما كانت اختها مرثا منشغلة ومهتمة بإفراط بإعداد الطعام.‏ لذلك مدحها يسوع على وضعها الاولويات في مكانها الملائم.‏ —‏ لوقا ١٠:‏​٣٩-‏٤٢‏.‏

١٠ كيف كان يسوع مختلفا عن القادة الدينيين في معاملته المرضى؟‏

١٠ حتى المرضى تقاطروا الى يسوع.‏ فكثيرا ما عاملهم القادة الدينيون هم ايضا كمنبوذين.‏ صحيح ان الشريعة الموسوية نصّت على وضع البُرص في الحجر الصحيّ،‏ لكنها لم تُجِز معاملتهم بقساوة.‏ (‏لاويين،‏ الاصحاح ١٣‏)‏ فالقواعد الربّانية الموضوعة لاحقا هي التي ذكرت ان البُرص مثيرون للاشمئزاز مثلهم مثل البراز.‏ وقد ذهب بعض القادة الدينيين الى حدّ رمي البُرص بالحجارة لإبعادهم.‏ فهل تتخيل مدى الشجاعة التي كانت تلزم الاشخاص الذين عوملوا بهذه الطريقة للاقتراب الى ايّ معلّم؟‏ رغم ذلك،‏ اقترب البُرص الى يسوع.‏ وقد تفوّه احدهم بهذه الكلمات الشهيرة التي تدل على ايمانه:‏ «يا رب،‏ إنْ اردت،‏ فأنت قادر ان تطهّرني».‏ (‏لوقا ٥:‏١٢‏)‏ وفي الفصل التالي،‏ سنناقش ماذا كان ردّ فعل يسوع.‏ اما الآن فيكفي القول ان هذا هو دليل قاطع ان يسوع كان شخصا يسهل الاقتراب اليه.‏

١١ ايّ مثال يُظهِر ان الذين يُثقِل الشعور بالذنب كاهلهم استسهلوا الاقتراب الى يسوع،‏ ولماذا ذلك مهم؟‏

١١ سهُل ايضا على الذين يُثقِل كاهلهم الشعور بالذنب ان يقتربوا الى يسوع.‏ مثلا،‏ عندما كان يسوع يتغدَّى في بيت احد الفريسيين،‏ اتت امرأة معروف انها خاطئة وركعت عند قدميه.‏ وكانت تبكي بسبب شعورها بالذنب وتغسل قدميه بدموعها وتجففهما بشعرها.‏ وفي حين ان مضيف يسوع شعر بالنفور وانتقده بقسوة لأنه سمح لهذه المرأة بالاقتراب منه،‏ مدح يسوع بلطف المرأة على توبتها الصادقة وأكّد لها ان يهوه غفر خطاياها.‏ (‏لوقا ٧:‏​٣٦-‏٥٠‏)‏ واليوم اكثر من ايّ وقت مضى،‏ يحتاج الاشخاص الذين يُثقِل الشعور بالذنب كاهلهم ان يشعروا بأنهم يستطيعون الاقتراب الى مَن بإمكانهم مساعدتهم على استعادة علاقتهم بالله.‏ لذلك من المهم ان نعرف ما هي الامور التي سهَّلت الاقتراب الى يسوع بغية الاقتداء بها.‏

ما الذي سهَّل الاقتراب الى يسوع؟‏

١٢ لماذا ليس غريبا ان يكون يسوع شخصا يسهل الاقتراب اليه؟‏

١٢ كان يسوع يقتدي كاملا بأبيه السماويّ الحبيب.‏ (‏يوحنا ١٤:‏٩‏)‏ فالكتاب المقدس يقول لنا ان يهوه «ليس بعيدا عن كل واحد منا».‏ (‏اعمال ١٧:‏٢٧‏)‏ ويهوه هو «سامع الصلاة»،‏ لذلك فإن الاقتراب اليه متاح دائما لخدامه الامناء وأيّ شخص آخر يريد بإخلاص ان يجده ويخدمه.‏ (‏مزمور ٦٥:‏٢‏)‏ فأعظم وأهم شخصية في الكون هو ايضا الشخصية التي يسهل الاقتراب اليها اكثر من ايّ كائن آخر.‏ ويسوع يحب الناس على غرار ابيه.‏ وفي الفصول التالية،‏ سنتحدث عن هذه المحبة العميقة التي اكنّها يسوع في قلبه.‏ لكنَّ الناس استسهلوا الاقتراب اليه الى حد كبير لأن محبته لهم كانت ظاهرة.‏ لذلك لنستعرض الآن بعض صفات يسوع التي اظهر من خلالها محبته هذه.‏

١٣ كيف يمكن للوالدين الاقتداء بمثال يسوع؟‏

١٣ كان الناس يشعرون على الفور ان يسوع يهتم بهم اهتماما شخصيا.‏ وهذا الاهتمام الشخصي لم يختفِ عندما كان يسوع تحت الضغط.‏ فكما سبق ان رأينا،‏ عندما احضر الوالدون اولادهم الى يسوع،‏ بقي شخصا يسهل الاقتراب اليه رغم انه مشغول ولديه مسؤوليات تُثقِل كاهله.‏ وما اروع المثال الذي رسمه يسوع للوالدين!‏ فتربية الاولاد في ايامنا تشكّل تحديا كبيرا.‏ رغم ذلك،‏ من المهم ان يشعر الاولاد انه يسهل عليهم الاقتراب الى والديهم.‏ فأنت تعرف ايها الوالد انك قد تكون احيانا مشغولا جدا ولا تستطيع منح ولدك الاهتمام الذي يطلبه منك.‏ ولكن هل تطمئنه انك ستخصص له الوقت بأسرع ما يمكن؟‏ وإذا وفيت بوعدك،‏ فسيتعلّم ولدك فوائد الصبر.‏ وسيتعلّم ايضا انك مستعد دائما لتصغي له عندما يقترب اليك طلبا للاهتمام او ليخبرك عن مشكلة يواجهها.‏

١٤-‏١٦ (‏أ)‏ اية ظروف جعلت يسوع يصنع عجيبته الاولى،‏ ولماذا كان ذلك عملا رائعا؟‏ (‏ب)‏ ماذا تكشف عجيبة يسوع في قانا عنه،‏ وأيّ درس يعلّمه ذلك للوالدين؟‏

١٤ كان يسوع يُظهِر للناس انه يهتم بمشاكلهم.‏ مثلا،‏ فكِّر في اول عجيبة قام بها.‏ فيسوع كان يحضر وليمة عرس في بلدة في الجليل اسمها قانا.‏ وقد نشأت مشكلة محرجة،‏ اذ لم يعد لديهم خمر.‏ فماذا فعل يسوع عندما اخبرته امه مريم بما حدث؟‏ امر الخدم ان يملأوا ست جرار حجرية كبيرة بالماء ثم ان يقدّموا عينة منها الى المشرف على الوليمة.‏ فذاقها المشرف،‏ وإذا هي خمر جيدة.‏ فهل كانت هذه حيلة او احدى ألعاب الخفة؟‏ كلا،‏ فكان «الماء .‏ .‏ .‏ قد تحوّل خمرا».‏ (‏يوحنا ٢:‏​١-‏١١‏)‏ لطالما حلم البشر بتحويل مادة الى اخرى.‏ فطوال قرون،‏ حاول الخيميائيون تحويل الرصاص الى ذهب.‏ لكنهم لم ينجحوا في ذلك قط،‏ رغم ان الرصاص والذهب هما في الواقع معدنان متشابهان جدا.‏ a وماذا عن الماء والخمر؟‏ ان التركيب الكيميائي للماء بسيط جدا،‏ اذ انه ينتج عن اتّحاد عنصرَين اساسيَّين.‏ بالتباين،‏ تحتوي الخمر على نحو الف مادة كيميائية،‏ والكثير من هذه المواد بالغ التعقيد.‏ فلماذا صنع يسوع عجيبة رائعة كهذه لحل مشكلة قليلة الاهمية كنفاد الخمر في وليمة عرس؟‏

١٥ لم تكن المشكلة قليلة الاهمية في نظر العروس والعريس.‏ ففي الشرق الاوسط قديما،‏ كان إظهار الضيافة للمدعوين امرا بالغ الاهمية.‏ ونفاد الخمر في وليمة العرس كان سيتسبب للعروس والعريس بإحراج كبير،‏ مما سيفسد عليهما يوم زفافهما بحيث لن تعود لديهما ذكريات جميلة عنه.‏ وبما ان المشكلة كانت تهم العروسين،‏ فقد اعتبرها يسوع مهمة في نظره وحاول ان يحلّها.‏ فهل عرفت الآن لماذا كان الناس يقتربون الى يسوع ويخبرونه بمشاكلهم؟‏

أظهِر لولدك انك شخص يسهل الاقتراب اليه وأنك تهتم به فعلا

١٦ يمكن للوالدين ان يتعلّموا درسا من هذه الحادثة ايضا.‏ فإذا اقترب اليك ولدك ليخبرك عن مشكلة يواجهها،‏ فقد تميل الى اعتبار ما يقلقه امرا قليل الاهمية او حتى مضحكا.‏ صحيح ان مشكلة ولدك قد تبدو تافهة مقارنة بهمومك المرهقة،‏ ولكن تذكّر انها ليست كذلك في نظر ولدك.‏ فإذا كانت هذه المسألة مهمة في نظر شخص تحبه كثيرا،‏ أفلا ينبغي ان تعتبرها انت ايضا مهمة؟‏ ان إظهارك لولدك انك تهتم بمشاكله سيسهِّل عليه الاقتراب اليك.‏

١٧ ايّ مثال للوداعة رسمه يسوع،‏ ولماذا هذه الصفة هي دليل على القوة؟‏

١٧ كما ناقشنا في الفصل ٣‏،‏ كان يسوع وديعا ومتواضعا.‏ (‏متى ١١:‏٢٩‏)‏ والوداعة هي صفة جديرة بالمدح وبرهان قويّ على تواضع المرء.‏ انها ثمرة من ثمر روح الله القدس ومرتبطة بالحكمة الالهية.‏ (‏غلاطية ٥:‏​٢٢،‏ ٢٣؛‏ يعقوب ٣:‏١٣‏)‏ فحتى عند التعرض للاستفزاز الشديد،‏ حافظ يسوع على ضبط النفس.‏ فوداعته بعيدة كل البعد عن الضعف.‏ قال احد العلماء عن هذه الصفة:‏ «خلف الرفق تكمن قوة فولاذية».‏ فنحن نحتاج الى القوة لكبح انفعالاتنا ومعاملة الآخرين بوداعة.‏ وببركة يهوه على جهودنا،‏ يمكننا الاقتداء بيسوع في إظهار الوداعة،‏ مما يجعلنا اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم.‏

١٨ ايّ مثال يُظهِر تعقل يسوع،‏ ولماذا تسهِّل هذه الصفة الاقتراب الى الشخص؟‏

١٨ تحلّى يسوع ايضا بالتعقل.‏ فعندما كان في صور،‏ اتت اليه امرأة لأن ابنتها «في سوء من شيطان بها».‏ لكنَّ يسوع اعلمها بثلاث طرائق انه لا يرغب في تلبية طلبها.‏ اولا،‏ لم يُجبها بكلمة؛‏ ثانيا،‏ اعطاها سببا يوضح لماذا لا ينبغي ان يستجيب لها؛‏ وثالثا،‏ قدّم لها مثلا ليوضح النقطة اكثر.‏ ولكن هل كان اسلوبه متصلبا ولامباليا؟‏ هل اوحى لها انها تعرّض نفسها للخطر لأنها تجرأت ان تتحدى رجلا عظيما مثله؟‏ كلا،‏ فهذه المرأة كانت تشعر بالامان.‏ فهي لم تطلب المساعدة منه فحسب،‏ بل ألحت عليه ايضا رغم انه اظهر عدم استعداده لمساعدتها.‏ وقد رأى يسوع الايمان غير العادي الذي دفعها الى الالحاح،‏ فشفى ابنتها.‏ (‏متى ١٥:‏​٢٢-‏٢٨‏)‏ فلا شك ان تعقل يسوع،‏ اي استعداده للاصغاء وتلبية الطلبات حينما يكون ذلك ملائما،‏ جعل الناس يتوقون ان يقتربوا اليه.‏

هل من السهل الاقتراب اليك؟‏

١٩ كيف نعرف ما اذا كنا حقا اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم؟‏

١٩ يحبّ الناس ان يعتبرهم الآخرون اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم.‏ فبعض المسؤولين يتباهون بأن ابوابهم مفتوحة دائما لأتباعهم.‏ لكنّ الكتاب المقدس يقدّم هذا التحذير القويّ:‏ «كثيرون من الناس ينادون كل واحد بلطفه الحبي،‏ أما الانسان الامين فمَن يجده؟‏».‏ (‏امثال ٢٠:‏٦‏)‏ فمن السهل القول اننا اشخاص يسهل الاقتراب الينا،‏ ولكن هل نقتدي فعلا بهذا الوجه من محبة يسوع؟‏ لا يعتمد الجواب على نظرتنا الى انفسنا،‏ بل على نظرة الآخرين الينا.‏ قال بولس:‏ «ليُعرَف تعقلكم عند جميع الناس».‏ (‏فيلبي ٤:‏٥‏)‏ فيحسن بكلّ واحد منا ان يسأل نفسه:‏ ‹كيف يراني الآخرون؟‏ وما هو صيتي بين الناس؟‏›.‏

يبذل الشيوخ جهدهم ليكونوا اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم

٢٠ (‏أ)‏ لماذا من المهم ان يكون الشيوخ المسيحيون اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم؟‏ (‏ب)‏ لماذا ينبغي ان نكون متعقلين ومنطقيين في ما نتوقعه من شيوخ الجماعة؟‏

٢٠ يسعى الشيوخ المسيحيون خصوصا ان يكونوا اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم.‏ فهم يرغبون بشدة ان ينطبق عليهم الوصف المسجّل في اشعيا ٣٢:‏​١،‏ ٢‏:‏ «يكون كلٌّ منهم كمخبإ من الريح وستر من العاصفة،‏ كجداول ماء في ارض قاحلة،‏ كظل صخرة عظيمة في ارض معيية».‏ ولا يمكن للشيخ ان يزود هذه الحماية والانتعاش والراحة إلا اذا كان شخصا يسهل الاقتراب اليه.‏ وهذا ليس سهلا دائما،‏ لأن الشيوخ تُلقى على عاتقهم مسؤولية ثقيلة في هذه الازمنة الصعبة.‏ لكنهم يبذلون جهدهم لئلا يعطوا الآخرين الانطباع انهم مشغولون جدا ولا يستطيعون الاهتمام بحاجات خراف يهوه.‏ (‏١ بطرس ٥:‏٢‏)‏ كما ان افراد الجماعة يحاولون ايضا ان يكونوا متعقلين ومنطقيين في ما يتوقعونه من هؤلاء الرجال الامناء،‏ مظهرين التواضع والتعاون.‏ —‏ عبرانيين ١٣:‏١٧‏.‏

٢١ كيف يمكن ان يكون الوالدون اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم،‏ وعمّ سنتحدث في الفصل التالي؟‏

٢١ يبذل الوالدون قصارى جهدهم ليسهِّلوا على اولادهم الاقتراب اليهم دائما.‏ فهذا امر في غاية الاهمية.‏ وهم يريدون ان يعرف اولادهم ان بإمكانهم الثقة بأبيهم او امهم.‏ لذلك يحرص الوالدون المسيحيون ان يكونوا ودعاء ومتعقلين وألا يبالغوا في ردّ فعلهم عندما يعترف الولد بأنه ارتكب خطأ ما او حين يعبّر عن طريقة تفكير خاطئة.‏ كما انهم يبذلون جهدهم لإبقاء الحوار مفتوحا فيما يدرّبون اولادهم.‏ حقا،‏ نحن جميعا نرغب ان نكون اشخاصا يسهل الاقتراب اليهم،‏ اسوة بيسوع.‏ وفي الفصل التالي،‏ سنتحدث عن رأفة يسوع،‏ احدى ابرز الصفات التي جعلته شخصا يسهل الاقتراب اليه.‏

a يعرف الذين يدرسون الكيمياء ان الرصاص قريب من الذهب في الجدول الدوري للعناصر.‏ فنواة ذرة الرصاص تحتوي ٣ پروتونات اكثر مما تحتويه نواة ذرة الذهب.‏ حتى ان بعض الفيزيائيين في زمننا حوّلوا كميات صغيرة من الرصاص الى ذهب.‏ لكنَّ هذه العملية باهظة التكاليف لأنها تتطلب الكثير من الطاقة.‏