الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

بالقدرة البشرية؟‏ ام بروح اللّٰه؟‏

بالقدرة البشرية؟‏ ام بروح اللّٰه؟‏

الفصل ٢٤

بالقدرة البشرية؟‏ ام بروح اللّٰه؟‏

ان التعيين الذي وضعه يسوع المسيح امام أتباعه كان على ما يبدو ذا أبعاد مستحيلة.‏ فعلى الرغم من قلة عددهم،‏ كانوا سينادون ببشارة ملكوت اللّٰه في كل المسكونة.‏ (‏متى ٢٤:‏١٤؛‏ اعمال ١:‏٨‏)‏ ولم تكن المهمة هائلة الحجم فقط لكنها كانت ستُنجز كما يظهر في وجه ظروف معاكسة لأنهم،‏ كما قال يسوع بصراحة لتلاميذه،‏ كانوا سيُبغَضون ويُضطهَدون في كل الامم.‏ —‏ متى ٢٤:‏٩؛‏ يوحنا ١٥:‏​١٩،‏ ٢٠‏.‏

في وجه المقاومة العالمية،‏ جاهد شهود يهوه بقوة لينجزوا العمل الذي سبق وأنبأ به يسوع.‏ والحد الذي اليه قُدِّمت الشهادة هو واقع مثبت،‏ وهو رائع حقا.‏ ولكن ماذا جعل ذلك ممكنا؟‏ هل كان القدرة او الابداع البشري؟‏ ام كان عمل روح اللّٰه؟‏

وسجل الكتاب المقدس عن ردّ العبادة الحقة في اورشليم في القرن السادس ق‌م يذكّرنا بأنه لا يجب التغاضي ابدا عن دور اللّٰه في انجاز مشيئته.‏ وقد يبحث المعلّقون الدنيويون عن تعليل آخر لما يحدث.‏ ولكن عند شرح كيفية انجاز قصده،‏ جعل اللّٰه نبيه زكريا يعلن:‏ «‹لا بالقوة العسكرية،‏ ولا بالقدرة،‏ بل بروحي،‏› قال يهوه الجنود.‏» (‏زكريا ٤:‏٦‏،‏ ع‌ج‏)‏ ولا يتردد شهود يهوه في القول ان هذه هي الطريقة التي بها تُنجَز الكرازة برسالة الملكوت اليوم —‏ لا باللجوء الى القوة العسكرية،‏ ولا بسبب القدرة الشخصية او نفوذ ايّ فريق بارز من الناس،‏ بل نتيجة لعمل روح يهوه.‏ فهل يؤيد الدليل قناعتهم؟‏

‏«ليس كثيرون حكماء حسب الجسد»‏

عندما كتب الرسول بولس الى المسيحيين الاولين في اليونان،‏ اعترف قائلا:‏ «انظروا دعوتكم ايها الاخوة ان ليس كثيرون حكماء حسب الجسد ليس كثيرون اقوياء ليس كثيرون شرفاء بل اختار اللّٰه جهال العالم ليُخزي الحكماء.‏ واختار اللّٰه ضعفاء العالم ليُخزي الاقوياء.‏ واختار اللّٰه ادنياء العالم والمزدرَى وغير الموجود ليُبطل الموجود لكي لا يفتخر كل ذي جسد امامه.‏» —‏ ١ كورنثوس ١:‏​٢٦-‏٢٩‏.‏

كان رسل يسوع من الطبقة العاملة.‏ فأربعة كانت مهنتهم صيد السمك.‏ وواحد كان جابي ضرائب،‏ مهنة يحتقرها اليهود.‏ وهؤلاء الرسل كانوا رجالا يعتبرهم رجال الدين اليهود ‹عديمي العلم وعاميين،‏› مما يدل ان ثقافتهم لم تكن من مدارس التعليم العالي.‏ (‏اعمال ٤:‏١٣‏)‏ ولا يعني ذلك انه لم يصر مسيحيا ايّ ممَّن كانت لهم ثقافة دنيوية او دينية.‏ فالرسول بولس كان قد درس عند رِجلي غمالائيل المتعلِّم،‏ عضو في السنهدريم اليهودي.‏ (‏اعمال ٢٢:‏٣‏)‏ ولكن،‏ كما تقول الآية،‏ ‹لم يكن كثيرون› هكذا.‏

يشهد التاريخ ان سِلسُس،‏ فيلسوف روماني للقرن الثاني ب‌م،‏ استهزأ بالفكرة ان «يكون العمال،‏ صانعو الاحذية،‏ المزارعون،‏ الناس الاقل علما ومعرفة،‏ كارزين غيورين بالانجيل.‏» (‏تاريخ الدين المسيحي والكنيسة،‏ خلال القرون الثلاثة الاولى،‏ لواضعه اوغسطوس نياندر)‏ ففي وجه الهزء والاضطهاد العنيف اللذين كُوِّما عليهم في الامبراطورية الرومانية،‏ ماذا قوَّى المسيحيين الحقيقيين على الاستمرار في الكينونة منادين بالبشارة؟‏ قال يسوع انه روح اللّٰه القدوس.‏ —‏ اعمال ١:‏٨‏.‏

وفي الاوقات الاحدث،‏ جرى تعيير شهود يهوه بشكل مماثل،‏ لأن غالبيتهم من عامة الناس،‏ وليسوا ممَّن مركزهم في الحياة يجعل العالم ينظر اليهم نظرة اعتبار.‏ فكان بين اول خدام يهوه العصريين الذين قدَّموا رسالة الملكوت للناس في الدنمارك صانع احذية.‏ وفي سويسرا وفرنسا،‏ بستاني.‏ وفي انحاء كثيرة من افريقيا،‏ حمل الرسالة عمَّال جائلون.‏ وفي البرازيل،‏ كانت للبحَّارة حصة.‏ وعدد من الشهود الپولندين في فرنسا الشمالية كانوا عمَّال مناجم فحم.‏

واذ اندفعوا عميقا بما تعلَّموه من كلمة اللّٰه بمساعدة مطبوعات برج المراقبة،‏ ارادوا ان يعربوا عن محبتهم ليهوه باطاعته،‏ ولذلك شرعوا في العمل الذي تقول كلمة اللّٰه ان المسيحيين الحقيقيين سيقومون به.‏ ومنذ ذلك الحين يشترك ملايين اكثر من كل مسالك الحياة في هذا العمل.‏ فجميعهم مبشرون.‏

يشكِّل شهود يهوه الهيئة الدينية الوحيدة في العالم التي فيها يشهد كل عضو شخصيا لغير المؤمنين،‏ يحاول ان يجيب عن اسئلتهم من الكتاب المقدس،‏ ويحثهم على الايمان بكلمة اللّٰه.‏ وتعترف الهيئات الدينية الاخرى بأن هذا ما يجب ان يفعله كل المسيحيين.‏ وقد حاول البعض ان يشجعوا اعضاء كنيستهم على ذلك.‏ لكنَّ شهود يهوه وحدهم يفعلون ذلك باستمرار.‏ فتوجيه مَن،‏ مشورة مَن،‏ ضمان مَن بالدعم الحبي،‏ ووعود مَن تدفعهم الى القيام بهذا العمل الذي يتجنبه الآخرون؟‏ اسألوهم انتم بنفسكم.‏ ومهما كانت الامة التي يعيشون فيها فسيجيبون:‏ «يهوه.‏» اذًا،‏ الى مَن يجب نسب الفضل؟‏

دور منبأ به لملائكة اللّٰه

في وصف الحوادث التي كانت ستجري خلال اختتام نظام الاشياء هذا،‏ اظهر يسوع ان أتباعه على الارض لن يكونوا وحدهم مَن يشتركون في تجميع محبي البر.‏ ففي متى الاصحاح ١٣‏،‏ عند مناقشة تجميع الاخيرين الذين يشتركون معه في الملكوت السماوي،‏ قال يسوع:‏ «الحصَّادون هم الملائكة.‏» والى ايّ حد كبيرٌ هو الحقل الذي منه سيَجمعون ‹بني الملكوت› هؤلاء؟‏ اوضح يسوع:‏ «الحقل هو العالم.‏» وهكذا فان الذين يُجمَعون يأتون من زوايا الارض الواسعة.‏ فهل حدث ذلك؟‏ —‏ متى ١٣:‏​٢٤-‏٣٠،‏ ٣٦-‏٤٣‏.‏

لقد حدث فعلا!‏ ومع ان عدد تلاميذ الكتاب المقدس كان مجرد آلاف قليلة عندما دخل العالم ايامه الاخيرة في السنة ١٩١٤،‏ انتشرت رسالة الملكوت التي يكرزون بها حول الكرة الارضية بسرعة.‏ ففي المشرق،‏ في بلدان اوروپا،‏ افريقيا،‏ والاميركتين،‏ وفي الجزر،‏ اغتنم الافراد الفرصة ليخدموا مصالح ملكوت اللّٰه وجُمعوا في هيئة متحدة واحدة.‏

على سبيل المثال،‏ في اوستراليا الغربية،‏ تلقَّى بيرت هورتون رسالة الملكوت.‏ ولم يكن الدين كما عرفه يهمه؛‏ فكان متورطا في السياسة ونشاطات نقابة العمال.‏ ولكن عندما اعطته امه مطبوعة برج المراقبة نظام الدهور الالهي وابتدأ يقرأها مع الكتاب المقدس،‏ عرف انه وجد الحق.‏ وتلقائيا راح يخبر به زملاء عمله.‏ وعندما تمكن من معرفة مكان تلاميذ الكتاب المقدس،‏ صار يعاشرهم بسرور،‏ اعتمد في السنة ١٩٢٢،‏ تبنى الخدمة كامل الوقت،‏ وعرض ان يخدم في اية منطقة توجهه اليها هيئة يهوه.‏

وفي الجانب الآخر من الارض،‏ غادر و.‏ ر.‏ براون،‏ الذي كان يكرز في جزر البحر الكاريبي،‏ الى افريقيا في السنة ١٩٢٣ لينشر رسالة الملكوت هناك.‏ ولم يكن كارزا مستقلا في مهمة شخصية.‏ فهو ايضا كان يعمل مع شعب يهوه المنظَّم.‏ فعرض ان يخدم حيث توجد حاجة اليه،‏ وقبِل التعيين في افريقيا الغربية تجاوبا مع التوجيه من مكتب المركز الرئيسي.‏ والذين استفادوا شخصيا من خدمته جرت مساعدتهم ايضا على تقدير اهمية العمل بشكل لصيق مع هيئة يهوه.‏

بلغت المناداة بالملكوت ايضا اميركا الجنوبية.‏ ايرمَن زايڠلْكِن في مَنْدوزا،‏ الارجنتين،‏ كان يدرك لمدة طويلة الرياء في الكنيستين الكاثوليكية والپروتستانتية كلتيهما.‏ ولكن في السنة ١٩٢٩ سمع هو ايضا رسالة الملكوت،‏ قبِلها بشوق،‏ وابتدأ يخبر بها الآخرين في وحدة مع خدام يهوه في كل العالم.‏ وقد حدثت اختبارات مماثلة حول الارض.‏ والناس «من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة،‏» رغم انهم متفرقون جغرافيا ويتّبعون انماط حياة مختلفة،‏ لم يسمعوا فقط بل قدَّموا انفسهم في خدمة اللّٰه.‏ وجُمعوا في هيئة موحَّدة لانجاز العمل الذي سبق وأنبأ به يسوع في ما يتعلق بهذا الوقت.‏ (‏رؤيا ٥:‏​٩،‏ ١٠‏)‏ فماذا يوضح ذلك؟‏

يقول الكتاب المقدس انه سيكون لملائكة اللّٰه دور حيوي في هذا العمل.‏ ولهذا السبب تدوّي المناداة بالملكوت حول الارض كصوت بوق من مصدر فوق الطبيعة البشرية.‏ وفي الواقع،‏ في السنة ١٩٣٥ كانت قد دخلت ١٤٩ بلدا —‏ الى الشمال،‏ الجنوب،‏ الشرق،‏ والغرب،‏ من اقصاء الارض الى اقصائها.‏

في البداية اظهر ‹قطيع صغير› فقط التقدير الاصيل لملكوت اللّٰه وكانوا مستعدين ان يخدموا مصالحه.‏ وهذا ما سبق وأنبأ به الكتاب المقدس.‏ أما الآن فيعاشرهم «جمع كثير» ينمو بسرعة ويُعَدّ بالملايين من كل الامم.‏ وهذا ايضا سبقت وأنبأت به كلمة اللّٰه.‏ (‏لوقا ١٢:‏٣٢؛‏ يوحنا ١٠:‏١٦؛‏ رؤيا ٧:‏​٩،‏ ١٠‏)‏ وهؤلاء ليسوا مجرد اناس يدَّعون الاشتراك في الدين نفسه لكنهم،‏ في الواقع،‏ منقسمون في ما بينهم بسبب كل المواقف والفلسفات التي تجزِّئ العالم حولهم.‏ وشهود يهوه لا يتحدثون فقط عن ملكوت اللّٰه فيما يضعون ثقتهم فعلا في حكم الانسان.‏ وحتى عندما تكون حياتهم في خطر،‏ يطيعون اللّٰه حاكما.‏ والكتاب المقدس يذكر بوضوح ان تجميع اناس ‹يخافون اللّٰه ويعطونه مجدا› كهؤلاء سيُنجَز تحت توجيه الملائكة.‏ (‏رؤيا ١٤:‏​٦،‏ ٧؛‏ متى ٢٥:‏​٣١-‏٤٦‏)‏ والشهود مقتنعون بثبات بأن هذا ما يحدث فعلا.‏

في مناسبات لا تُحصى،‏ فيما كانوا يشتركون في خدمتهم،‏ رأوا الدليل المقنع على التوجيه السماوي.‏ مثلا،‏ في ريو دي جانيرو،‏ البرازيل،‏ كان فريق من الشهود يكملون خدمتهم من بيت الى بيت في يوم احد عندما قالت واحدة من الفريق:‏ «اريد ان استمر في العمل لوقت قصير.‏ لسبب ما اريد ان اذهب الى ذلك البيت.‏» فاقترح الشخص المسؤول عن الفريق ان يتركوه ليوم آخر،‏ لكنَّ الناشرة اصرَّت.‏ فوجدت الشاهدة عند ذلك الباب امرأة قالت والدموع تسيل على وجهها انها كانت تصلّي الآن من اجل المساعدة.‏ وكان الشهود قد اتصلوا بها سابقا لكنها لم تُبدِ اهتماما برسالة الكتاب المقدس.‏ إلا ان موت زوجها المفاجئ جعلها تدرك حاجتها الى المساعدة الروحية.‏ فبحثت عن قاعة الملكوت ولكن عبثا.‏ وكانت تصلّي الى اللّٰه بحرارة من اجل المساعدة،‏ وها هي الآن عند بابها.‏ واعتمدت بعد ذلك بوقت ليس بطويل.‏ لقد كانت مقتنعة بأن اللّٰه سمع صلاتها واتخذ الاجراء اللازم للاستجابة.‏ —‏ مزمور ٦٥:‏٢‏.‏

وثمة شاهدة ليهوه المانية كانت تسكن في نيويورك،‏ جعلت الصلاة الى اللّٰه من اجل التوجيه عندما تنهمك في خدمتها ممارسة قانونية.‏ وكانت تبحث في الشارع عن امرأة مهتمة،‏ اسبوعا بعد اسبوع،‏ لأنها لا تعرف اين تسكن المرأة.‏ ثم في احد الايام في السنة ١٩٨٧،‏ عندما بدأت الشاهدة الخدمة،‏ صلَّت:‏ «يا يهوه،‏ انت تعرف اين هي.‏ فمن فضلك ساعدني لايجادها.‏» وبعد دقائق قليلة،‏ رأت المرأة جالسة في مطعم.‏

فهل كان ذلك مجرد صدفة؟‏ يقول الكتاب المقدس ان المسيحيين الحقيقيين ‹عاملون مع اللّٰه› وأن الملائكة تُرسَل «للخدمة لاجل العتيدين ان يرثوا الخلاص.‏» (‏١ كورنثوس ٣:‏٩؛‏ عبرانيين ١:‏١٤‏)‏ وبعد ان اخبرت الشاهدة المرأة كيف وجدتها،‏ قبلت المرأة دعوة الى الجلوس وفحص الكتاب المقدس اكثر في ذلك اليوم عينه.‏

بلوغ ‹المقاطعات التي يصعب الوصول اليها› بالبشارة

كان شهود يهوه يثابرون على بذل جهودهم لبلوغ جميع البلدان برسالة الملكوت.‏ ولكنَّ ذلك لا يعلِّل كاملا ما جرى انجازه.‏ فقد رأوا رسالة الملكوت تنتشر في المناطق التي كانت قد صُدَّت فيها كل جهودهم المخطط لها بعناية.‏

مثلا،‏ في اكثر من مناسبة واحدة خلال عشرينات وثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ قُدِّمت احتجاجات جدية للرسميين الحكوميين في ما كان آنذاك الاتحاد السوڤياتي للحصول على اذن في شحن مطبوعات الكتاب المقدس الى ذلك البلد او في طبعها هناك.‏ فكانت الردود في ذلك الحين سلبية.‏ وكان هنالك عدد قليل من شهود يهوه في الاتحاد السوڤياتي،‏ ولكن كانت تلزم مساعدة اكثر بكثير لانجاز عمل الكرازة الذي قالت كلمة اللّٰه انه يجب القيام به.‏ فهل كان بالامكان فعل شيء ما لتزويد هذه المساعدة؟‏

من المثير للاهتمام انه عند نهاية الحرب العالمية الثانية،‏ الى جانب اناس آخرين كثيرين،‏ وجد اكثر من الف شاهد ليهوه مما كان سابقا پولندا الشرقية انفسهم ضمن الاتحاد السوڤياتي.‏ وفي معسكر اعتقال رَڤنْسْبروك،‏ تعرَّفت مئات الشابات الروسيات برفيقات سجينات من شهود يهوه.‏ وبعض هؤلاء النساء انتذرن ليهوه خلال ذلك الوقت،‏ ولاحقا أُعدن الى انحاء مختلفة من الاتحاد السوڤياتي.‏ ومئات آخرون ايضا وجدوا انهم من سكان الاتحاد السوڤياتي اذ تغيَّرت الحدود القومية خلال الحرب.‏ ولم تكن النتيجة ما نَوَته الحكومة السوڤياتية.‏ ولم ترتِّب الهيئة الحاكمة لشهود يهوه لهذا الامر.‏ ولكنَّ ذلك عمل على انجاز ما سبقت وأنبأت به كلمة اللّٰه الملهمة.‏ واذ علَّقت على هذه التطورات،‏ قالت برج المراقبة:‏ «وهكذا يمكن ان يُرى كيف يستطيع الرب،‏ بعنايته،‏ ان يقيم شهودا في ايّ بلد ليرفعوا هناك راية الحق ويعلنوا اسم يهوه.‏» —‏ عدد ١ شباط ١٩٤٦ (‏بالانكليزية)‏.‏

ولم يقل بلد واحد فقط لشهود يهوه:‏ ‹لا يمكنكم ان تدخلوا الى هنا!‏› او،‏ ‹لا يمكنكم ان تكرزوا هنا.‏› فقد حدث ذلك مرة بعد اخرى حول الارض،‏ في عشرات البلدان حرفيا،‏ وتكرارا نتيجة لضغط رجال الدين على الرسميين الحكوميين.‏ وبعض هذه البلدان منح شهود يهوه الوضع الشرعي لاحقا.‏ ولكن حتى قبل ان يحدث ذلك،‏ اعتنق آلاف الاشخاص عبادة يهوه،‏ خالق السماء والارض،‏ ضمن حدودهم.‏ فكيف أُنجز ذلك؟‏

ان التعليل البسيط موجود في الكتاب المقدس،‏ وهو ان لملائكة اللّٰه دورا بارزا في حمل المناشدة الملحة الى الناس من كل امة:‏ «خافوا اللّٰه وأعطوه مجدا لأنه قد جاءت ساعة دينونته واسجدوا لصانع السماء والارض والبحر وينابيع المياه.‏» —‏ رؤيا ١٤:‏​٦،‏ ٧‏.‏

النجاح على الرغم من الظروف الساحقة

ان ما واجهه شهود يهوه في بعض البلدان ليس مجرد تحريمات فُرضت على خدمتهم العامة بل جهود لمحوهم كاملا.‏

خلال الحرب العالمية الاولى،‏ بذل رجال الدين في الولايات المتحدة وكندا جهدا موحَّدا لوضع حدّ لعمل تلاميذ الكتاب المقدس،‏ كما كان شهود يهوه معروفين آنذاك.‏ وهذا واقع معروف عموما.‏ فعلى الرغم من الضمانات الشرعية لحرية التعبير والدين،‏ ضغط رجال الدين على الرسميين الحكوميين ليحظروا مطبوعات تلاميذ الكتاب المقدس.‏ فاعتُقل واحتُجز كثيرون بدون كفالة؛‏ وضُرب آخرون بقساوة.‏ وحُكم على رسميي جمعية برج المراقبة وعشرائهم الاحماء بفترات سجن طويلة في اجراءات للمحاكم تَبيَّن لاحقا انها باطلة.‏ قال راي ابرامز في كتابه كارزون يقدِّمون اسلحة:‏ «ان تحليلا لكامل القضية يقود الى الاستنتاج ان الكنائس ورجال الدين كانوا من حيث الاصل وراء الحركة لقمع الرصليين،‏» كما كان رجال الدين يدعون باستخفاف تلاميذ الكتاب المقدس.‏ ولكن بعد الحرب،‏ برز تلاميذ الكتاب المقدس هؤلاء بقوة اعظم من ايّ وقت مضى ليعلنوا مَلك يهوه،‏ يسوع المسيح،‏ وملكوته.‏ فمن اين اتت هذه القوة المتجددة؟‏ سبق وأنبأ الكتاب المقدس بحدث كهذا وقال انه سيكون نتيجة «روح حياة من اللّٰه.‏» —‏ رؤيا ١١:‏​٧-‏١١‏.‏

بعد تولّي النازية السلطة في المانيا،‏ اشتد اضطهاد شهود يهوه في البلدان التي صارت تحت السيطرة النازية.‏ فكانت هنالك اعتقالات ومعاملة وحشية.‏ وفُرض الحظر.‏ وأخيرا،‏ في تشرين الاول ١٩٣٤،‏ ارسلت جماعات شهود يهوه في كل المانيا رسائل مسجَّلة الى الحكومة تذكر بوضوح انه ليست لديهم اية اغراض سياسية بل انهم مصمِّمون ان يطيعوا اللّٰه كحاكم.‏ وفي الوقت نفسه،‏ ارسلت جماعات الشهود في كل العالم برقيات تأييدا لاخوتهم المسيحيين في المانيا.‏

وفي ذلك اليوم عينه،‏ ٧ تشرين الاول ١٩٣٤،‏ في مكتب الدكتور ڤيلْهَلْم فْريك،‏ في برلين،‏ اعلن أدولف هتلر بقبضتين مشدودتين في ما يتعلق بشهود يهوه:‏ «سيباد هذا الجنس في المانيا!‏» ولم يكن ذلك مجرد تهديد فارغ.‏ فقد حدثت اعتقالات واسعة الانتشار.‏ واستنادا الى بيان شرطة الدولة السرية الپروسية الخاص المؤرخ في ٢٤ حزيران ١٩٣٦،‏ تشكلت «فرقة ڠستاپو خصوصية» لمحاربة الشهود.‏ وبعد استعداد واسع شنّ الڠستاپو حملتهم لأسر كل شهود يهوه وكل مَن يُشتبه في انه شاهد.‏ وفي ذلك الهجوم كانت شبكة الشرطة بكاملها متورطة،‏ تاركة العناصر الاجرامية دون رادع.‏

تدل التقارير ان نحو ٢٦٢‏,٦ شاهدا المانيا اعتُقلوا في نهاية الامر.‏ كتب لاحقا كارل ويتيڠ،‏ رسمي حكومي الماني سابق كان محتجزا في عدة معسكرات اعتقال:‏ «ما من فريق سجناء آخر .‏ .‏ .‏ تعرَّض لسادية جنود وحدات الحماية بالطريقة التي تعرَّض بها تلاميذ الكتاب المقدس.‏ فقد كانت سادية موسومة بسلسلة لا تنتهي من العذابات الجسدية والعقلية،‏ التي لا يمكن لأية لغة في العالم ان تعبِّر عنها.‏»‏

وماذا كانت النتيجة؟‏ في كتاب صدر في السنة ١٩٨٢،‏ تستنتج كريستين كينڠ:‏ «فقط ضد الشهود [بالتباين مع الفرق الدينية الاخرى] كانت الحكومة غير ناجحة.‏» لقد صرَّح هتلر انه سيبيدهم،‏ فقُتل المئات.‏ ولكنَّ الدكتورة كينڠ تذكر:‏ «استمر العمل [عمل الكرازة بملكوت اللّٰه] وفي ايار ١٩٤٥ كانت حركة شهود يهوه لا تزال ناشطة،‏ في حين ان الاشتراكية القومية لم تكن كذلك.‏» وتوضح ايضا:‏ «لم تكن هنالك مسايرات.‏» (‏الدولة النازية والاديان الجديدة:‏ دراسات لخمس قضايا في عدم الموافقة‏)‏ فلماذا عجز هتلر،‏ بجيشه المجهَّز جيدا،‏ شرطته المدرَّبة على مستوى رفيع،‏ ومعسكراته العديدة للابادة،‏ عن تنفيذ تهديده بأن يهلك هذا الفريق الصغير نسبيا وغير المسلَّح ممَّن يعتبرهم العالم اناسا عاديين؟‏ ولماذا عجزت الامم الاخرى عن وضع حدّ لنشاطهم؟‏ ولماذا بقي شهود يهوه ككل،‏ لا مجرد عدد قليل من الافراد المنعزلين،‏ ثابتين في وجه الاضطهاد الوحشي؟‏

يكمن الجواب في نصيحة حكيمة اعطاها غمالائيل،‏ معلِّم للناموس،‏ للرفقاء الاعضاء في السنهدريم اليهودي عندما كانوا يعالجون قضية مماثلة تتعلق برسل يسوع المسيح.‏ قال:‏ «تنحَّوا عن هؤلاء الناس واتركوهم.‏ لأنه إن كان هذا الرأي او هذا العمل من الناس فسوف ينتقض.‏ وإن كان من اللّٰه فلا تقدرون ان تنقضوه.‏ لئلا توجدوا محاربين للّٰه ايضا.‏» —‏ اعمال ٥:‏​٣٨،‏ ٣٩‏.‏

وهكذا تظهر الوقائع التاريخية ان المهمة المستحيلة ظاهريا التي فوَّض يسوع الى أتباعه ان يقوموا بها في وجه ما يبدو ظروفا ساحقة تُنجَز لا بالقدرة البشرية بل بروح اللّٰه.‏ وكما قال يسوع نفسه في الصلاة الى اللّٰه:‏ ‹ايها الآب كل شيء مستطاع لك.‏› —‏ مرقس ١٤:‏٣٦‏.‏

‏[النبذة في الصفحة ٥٤٧]‏

‏«‹بروحي،‏› قال يهوه الجنود»‏

‏[النبذة في الصفحة ٥٤٨]‏

ماذا قوَّاهم على الاستمرار في الكرازة على الرغم من السخرية والاضطهاد العنيف؟‏

‏[النبذة في الصفحة ٥٤٩]‏

الدليل على التوجيه الملائكي

‏[النبذة في الصفحة ٥٥١]‏

‏‹يستطيع الرب ان يقيم شهودا في ايّ بلد›‏

‏[النبذة في الصفحة ٥٥٣]‏

شعب متحد برهن انه ثابت في الايمان في وجه ما يبدو ظروفا ساحقة