الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

الشهود المسيحيون ليهوه في القرن الاول

الشهود المسيحيون ليهوه في القرن الاول

الفصل ٣

الشهود المسيحيون ليهوه في القرن الاول

‏«تكونون لي شهودا .‏ .‏ .‏ الى اقصى الارض.‏» (‏اعمال ١:‏٨‏)‏ بهذه الكلمات الوداعية،‏ فوَّض يسوع الى تلاميذه ان يكونوا شهودا.‏ ولكن،‏ شهودا لمَن؟‏ ‹شهودا لي،‏‏› قال يسوع.‏ فهل تعني هذه الكلمات انهم لن يكونوا شهودا ليهوه؟‏ قطعا لا!‏

وفي الواقع،‏ مُنح تلاميذ يسوع امتيازا جديدا —‏ ذاك الذي لكونهم شهودا ليهوه ويسوع كليهما.‏ فكيهود امناء،‏ كان تلاميذ يسوع الاولون من قبل شهودا ليهوه.‏ (‏اشعياء ٤٣:‏١٠-‏١٢‏)‏ أما الآن فكان يجب ان يشهدوا ايضا عن دور يسوع الحيوي في تقديس اسم يهوه بواسطة ملكوته المسيَّاني.‏ وهكذا فإن شهادتهم ليسوع كانت بقصد تمجيد يهوه.‏ (‏رومية ١٦:‏٢٥-‏٢٧؛‏ فيلبي ٢:‏٩-‏١١‏)‏ لقد شهدوا ان يهوه لم يكذب،‏ أنه اقام اخيرا بعد اكثر من ٠٠٠‏,٤ سنة المسيَّا،‏ او المسيح،‏ الموعود به لزمن طويل!‏

والشهود المسيحيون ليهوه في القرن الاول مُنحوا ايضا مسؤولية فريدة —‏ مسؤولية تُلقى على المسيحيين الحقيقيين الى هذا اليوم.‏

‏«اذهبوا .‏ .‏ .‏ تلمذوا»‏

بعد قيامة يسوع من الموت،‏ ظهر لتلاميذه الذين كانوا قد اجتمعوا في جبل في الجليل.‏ وهناك اوجز يسوع مسؤوليتهم:‏ «فاذهبوا وتلمذوا (‏اناسا من)‏ جميع الامم وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس.‏ وعلِّموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به.‏ وها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر.‏» (‏متى ٢٨:‏​١٩،‏ ٢٠‏)‏ تأملوا في ما كان مشمولا بهذا التفويض العظيم الشأن.‏

‏«اذهبوا،‏» قال يسوع.‏ ولكن الى مَن؟‏ الى ‹اناس من جميع الامم.‏› كانت هذه وصية جديدة،‏ وكانت تشكِّل خصوصا تحديا للمؤمنين اليهود.‏ (‏قارنوا اعمال ١٠:‏٩-‏١٦،‏ ٢٨‏.‏)‏ فقبل ايام يسوع،‏ كان يُرحَّب بالامم عندما يأتون هم الى اسرائيل بسبب الاهتمام بالعبادة الحقة.‏ (‏١ ملوك ٨:‏٤١-‏٤٣‏)‏ وفي وقت ابكر في خدمته قال يسوع لرسله،‏ ‹اذهبوا اكرزوا،‏› ولكن فقط الى «خراف بيت اسرائيل الضالة.‏» (‏متى ١٠:‏​١،‏ ٦،‏ ٧‏)‏ والآن،‏ أُمروا بأن يذهبوا الى اناس من جميع الامم.‏ لأي قصد؟‏

‏«تلمذوا،‏» امر يسوع.‏ نعم،‏ نال تلاميذه التفويض ان يتلمذوا آخرين.‏ فماذا يشمل ذلك؟‏ التلميذ هو شخص يطلب العلم،‏ يجري تعليمه —‏ لا مجرد تلميذ مدرسة،‏ بل تابع.‏ فالتلميذ يقبل سلطة يسوع ليس فقط داخليا بالايمان به بل خارجيا باطاعته.‏ والكلمة اليونانية المنقولة الى «تلميذ» (‏ماثيتيس‏)‏،‏ بحسب القاموس اللاهوتي للعهد الجديد،‏ «تدل ضمنا على وجود تعلُّق شخصي يوجِّه كامل حياة الشخص الموصوف بأنه [تلميذ].‏»‏

‏«وعلِّموهم،‏» اضاف يسوع،‏ «ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به.‏» فلتطوير تعلُّق شخصي بيسوع،‏ يجب تعليم الشخص ان ‹يحفظ جميع ما› اوصى به المسيح،‏ بما في ذلك وصيته بالكرازة «ببشارة الملكوت.‏» (‏متى ٢٤:‏١٤‏)‏ وبهذه الطريقة فقط يمكنه ان يصير تلميذا بالمعنى الحقيقي للكلمة.‏ وفقط اولئك الذين يقبلون التعليم ويصيرون تلاميذ حقيقيين يعتمدون.‏

‏«انا معكم،‏» اكَّد لهم يسوع،‏ «كل الايام الى انقضاء الدهر.‏» ان تعليم يسوع هو دائما ملائم للمجتمع،‏ وليس ابدا عتيق الطراز.‏ وعلى هذا الاساس يكون المسيحيون الى هذا اليوم تحت التزام ان يتلمذوا الآخرين.‏

وهكذا مُنح أتباع المسيح تفويضا مسؤولا،‏ اي ان يقوموا بعمل التلمذة بين جميع الامم.‏ ولكن،‏ لصنع تلاميذ للمسيح،‏ كان يجب ان يشهدوا عن اسم يهوه وملكوته،‏ لأن هذا ما فعله مثالهم،‏ يسوع.‏ (‏لوقا ٤:‏٤٣؛‏ يوحنا ١٧:‏٢٦‏)‏ وأولئك الذين قبلوا تعليم المسيح وصاروا تلاميذ صاروا بالتالي شهودا مسيحيين ليهوه.‏ فالصيرورة شاهدا ليهوه لم تعد مسألة ولادة —‏ في الامة اليهودية —‏ بل مسألة اختيار.‏ وأولئك الذين صاروا شهودا فعلوا ذلك لأنهم احبوا يهوه وأرادوا باخلاص ان يذعنوا لحكم سلطانه.‏ —‏ ١ يوحنا ٥:‏٣‏.‏

ولكن،‏ هل تمَّم الشهود المسيحيون ليهوه في القرن الاول تفويضهم ان يخدموا كشهود للّٰه والمسيح وأن ‹يتلمذوا اناسا من جميع الامم›؟‏

‏«الى اقصى الارض»‏

بعد وقت قصير من اعطاء تلاميذه تفويضهم،‏ رجع يسوع الى ديار ابيه السماوية.‏ (‏اعمال ١:‏٩-‏١١‏)‏ وبعد عشرة ايام،‏ في يوم الخمسين سنة ٣٣ ب‌م،‏ مضى عمل التلمذة الواسع قُدُما.‏ فقد سكب يسوع الروح القدس الموعود به على تلاميذه المنتظرين.‏ (‏اعمال ٢:‏١-‏٤‏؛‏ قارنوا لوقا ٢٤:‏٤٩ وكذلك اعمال ١:‏​٤،‏ ٥‏.‏)‏ وهذا ملأهم غيرة ليكرزوا بالمسيح المقام وبرجوعه المقبل بسلطة الملكوت.‏

بحسب ارشادات يسوع،‏ ابتدأ تلاميذ القرن الاول هؤلاء شهادتهم عن اللّٰه والمسيح هناك في اورشليم.‏ (‏اعمال ١:‏٨‏)‏ واذ اخذ القيادة،‏ في عيد الخمسين،‏ «شهد» الرسول بطرس لآلاف المحتفلين اليهود من امم كثيرة.‏ (‏اعمال ٢:‏٥-‏١١،‏ ٤٠‏)‏ وسرعان ما كان عدد المؤمنين من الرجال وحدهم نحو ٠٠٠‏,٥.‏ (‏اعمال ٤:‏٤؛‏ ٦:‏٧‏)‏ ولاحقا،‏ بشَّر فيلبس السامريين «بالامور المختصة بملكوت اللّٰه وباسم يسوع المسيح.‏» —‏ اعمال ٨:‏١٢‏.‏

ولكن كان هنالك عمل اكثر بكثير للقيام به.‏ فاعتبارا من السنة ٣٦ ب‌م،‏ باهتداء كرنيليوس،‏ اممي غير مختون،‏ ابتدأت البشارة بالانتشار الى اناس غير يهود من جميع الامم.‏ (‏اعمال،‏ الاصحاح ١٠‏)‏ وفي الواقع،‏ انتشرت بسرعة كبيرة حتى ان الرسول بولس،‏ بحلول السنة ٦٠ ب‌م تقريبا،‏ استطاع ان يقول ان البشارة قد ‹كُرز بها في كل الخليقة التي تحت السماء.‏› (‏كولوسي ١:‏٢٣‏)‏ وهكذا،‏ بحلول نهاية القرن الاول،‏ كان أتباع يسوع الامناء قد قاموا بالتلمذة في كل انحاء الامبراطورية الرومانية —‏ في آسيا،‏ اوروپا،‏ وافريقيا!‏

بما ان الشهود المسيحيين ليهوه في القرن الاول انجزوا الكثير جدا في مثل هذا الوقت القصير،‏ ينشأ السؤالان:‏ هل كانوا منظَّمين؟‏ واذا كان الامر كذلك،‏ فكيف؟‏

تنظيم الجماعة المسيحية

من زمن موسى فصاعدا،‏ كانت الامة اليهودية في مركز فريد —‏ فقد خدمت بصفتها جماعة اللّٰه.‏ وتلك الجماعة كانت منظَّمة على نحو رفيع من قبل اللّٰه تحت سلطة شيوخ،‏ رؤساء،‏ قضاة،‏ وعرفاء.‏ (‏يشوع ٢٣:‏​١،‏ ٢‏)‏ لكنَّ الامة اليهودية خسرت مركز حظوتها لأنها رفضت ابن يهوه.‏ (‏متى ٢١:‏​٤٢،‏ ٤٣؛‏ ٢٣:‏​٣٧،‏ ٣٨؛‏ اعمال ٤:‏٢٤-‏٢٨‏)‏ وفي يوم الخمسين سنة ٣٣ ب‌م،‏ حلَّت جماعة اللّٰه المسيحية محل جماعة اسرائيل.‏ * فكيف كانت هذه الجماعة المسيحية منظَّمة؟‏

عندما اتى يوم الخمسين كان التلاميذ «يواظبون على تعليم الرسل،‏» مما يدل انهم ابتدأوا بوحدة مؤسسة على التعليم.‏ ومنذ ذلك اليوم الاول كانوا يجتمعون معا «بنفس واحدة.‏» (‏اعمال ٢:‏​٤٢،‏ ٤٦‏)‏ واذ انتشر عمل التلمذة،‏ ابتدأت جماعات المؤمنين تتشكَّل،‏ اولا في اورشليم ثم خارج اورشليم.‏ (‏اعمال ٨:‏١؛‏ ٩:‏٣١؛‏ ١١:‏١٩-‏٢١؛‏ ١٤:‏٢١-‏٢٣‏)‏ وكانت عادتهم ان يجتمعوا معا في الاماكن العامة فضلا عن البيوت الخاصة.‏ —‏ اعمال ١٩:‏​٨،‏ ٩؛‏ رومية ١٦:‏​٣،‏ ٥؛‏ كولوسي ٤:‏١٥‏.‏

وماذا منع الجماعة المسيحية المتوسِّعة من الصيرورة معشرا مفكَّكا من جماعات محلية مستقلة؟‏ لقد كانت متحدة تحت سلطة قائد واحد.‏ فمن البداية،‏ كان يسوع المسيح الرب والرأس المعيَّن للجماعة،‏ وكانت كل الجماعات تعترف به بهذه الصفة.‏ (‏اعمال ٢:‏٣٤-‏٣٦؛‏ افسس ١:‏٢٢‏)‏ ومن السموات،‏ وجَّه المسيح بفعَّالية شؤون جماعته على الارض.‏ كيف؟‏ بواسطة الروح القدس والملائكة،‏ التي وضعها يهوه تحت تصرّفه.‏ —‏ اعمال ٢:‏٣٣‏؛‏ قارنوا اعمال ٥:‏​١٩،‏ ٢٠؛‏ ٨:‏٢٦؛‏ ١ بطرس ٣:‏٢٢‏.‏

وكان للمسيح شيء آخر تحت تصرفه للمحافظة على وحدة الجماعة المسيحية —‏ هيئة حاكمة منظورة.‏ في البداية كانت الهيئة الحاكمة مؤلفة من رسل يسوع الامناء.‏ وفي ما بعد شملت الشيوخ الآخرين لجماعة اورشليم بالاضافة الى الرسول بولس،‏ مع انه لم يكن ساكنا في اورشليم.‏ واعترفت كل جماعة بسلطة هذه الهيئة المركزية من الشيوخ وتطلَّعت اليها من اجل التوجيه عندما كانت تنشأ قضايا تنظيمية او عقائدية.‏ (‏اعمال ٢:‏٤٢؛‏ ٦:‏١-‏٦؛‏ ٨:‏١٤-‏١٧؛‏ ١١:‏٢٢؛‏ ١٥:‏١-‏٣١‏)‏ وبأية نتيجة؟‏ «فكانت (‏الجماعات)‏ تتشدد في الايمان وتزداد في العدد كل يوم.‏» —‏ اعمال ١٦:‏​٤،‏ ٥‏.‏

كانت الهيئة الحاكمة،‏ تحت توجيه الروح القدس،‏ تشرف على تعيين نظار ومعاونين،‏ خدام مساعدين،‏ للاعتناء بكل جماعة.‏ وكان هؤلاء رجالا يبلغون المؤهلات الروحية التي تنطبق في كل الجماعات لا مجرد مقاييس وُضعت محليا.‏ (‏١ تيموثاوس ٣:‏١-‏١٣؛‏ تيطس ١:‏٥-‏٩؛‏ ١ بطرس ٥:‏١-‏٣‏)‏ وكان يجري حثّ النظار على اتِّباع الاسفار المقدسة والاذعان لقيادة الروح القدس.‏ (‏اعمال ٢٠:‏٢٨؛‏ تيطس ١:‏٩‏)‏ وجرى تشجيع الجميع في الجماعة ان ‹يطيعوا الذين يأخذون القيادة.‏› (‏عبرانيين ١٣:‏١٧‏،‏ ع‌ج‏)‏ وبهذه الطريقة كانت تجري المحافظة على الوحدة ليس فقط داخل كل جماعة بل داخل الجماعة المسيحية ككل.‏

ومع ان بعض الرجال شغلوا مراكز مسؤولية،‏ لم يكن هنالك تمييز بين رجال دينٍ وعامَّةٍ بين الشهود المسيحيين ليهوه في القرن الاول.‏ فقد كانوا جميعا اخوة؛‏ ولم يكن هنالك سوى قائد واحد،‏ المسيح.‏ —‏ متى ٢٣:‏​٨،‏ ١٠‏.‏

معروفون بالسلوك المقدس والمحبة

لم تكن شهادة شهود يهوه في القرن الاول محدودة بـ‍ «ثمر شفاه.‏» (‏عبرانيين ١٣:‏١٥‏)‏ فالكينونة تلميذا كانت توجِّه كامل حياة الشاهد المسيحي.‏ وهكذا فإن اولئك المسيحيين لم ينادوا فقط بمعتقداتهم ولكنَّ معتقداتهم غيَّرت حياتهم.‏ لقد خلعوا الشخصية العتيقة بممارساتها الخاطئة وسعوا الى لبس الشخصية الجديدة المخلوقة بحسب مشيئة اللّٰه.‏ (‏كولوسي ٣:‏٥-‏١٠‏)‏ فكانوا صادقين ومستقيمين،‏ وأيضا كانوا اشخاصا يعملون بكدّ ويُعتمد عليهم.‏ (‏افسس ٤:‏​٢٥،‏ ٢٨‏)‏ وكانوا اطهارا ادبيا —‏ كان الفساد الادبي الجنسي محرَّما بشكل صارم.‏ وكذلك السُّكْر والصنمية.‏ (‏غلاطية ٥:‏١٩-‏٢١‏)‏ اذًا،‏ لسبب وجيه،‏ صارت المسيحية معروفة بـ‍ «الطريق،‏» —‏ طريق او طريقة حياة تتمحور حول الايمان بيسوع،‏ اتِّباع خطواته بدقة.‏ —‏ اعمال ٩:‏​١،‏ ٢؛‏ ١ بطرس ٢:‏​٢١،‏ ٢٢‏.‏

إلا ان صفة واحدة تبرز فوق كل الصفات الاخرى —‏ المحبة.‏ وقد اعرب المسيحيون الاولون عن اهتمام حبي بحاجات الرفقاء المؤمنين.‏ (‏رومية ١٥:‏٢٦؛‏ غلاطية ٢:‏١٠‏)‏ فكانوا يحبون واحدهم الآخر ليس مثل انفسهم بل اكثر من انفسهم.‏ (‏قارنوا فيلبي ٢:‏٢٥-‏٣٠‏.‏)‏ وكانوا مستعدين حتى ان يموتوا واحدهم من اجل الآخر.‏ لكنَّ ذلك لم يكن مدهشا.‏ ألم يكن يسوع مستعدا ان يموت من اجلهم؟‏ (‏يوحنا ١٥:‏١٣‏؛‏ قارنوا لوقا ٦:‏٤٠‏.‏)‏ لقد استطاع ان يقول لتلاميذه:‏ «وصية جديدة انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا.‏ كما احببتكم انا تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا.‏ بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضا لبعض.‏» (‏يوحنا ١٣:‏​٣٤،‏ ٣٥‏)‏ اوصى المسيح ان يُظهر أتباعه محبة كهذه متسمة بالتضحية بالذات؛‏ وقد حفظ تلاميذه للقرن الاول هذه الوصية بدقة.‏ —‏ متى ٢٨:‏٢٠‏.‏

‏«لستم جزءا من العالم»‏

لإتمام مسؤوليتهم ان يتلمذوا وأن يكونوا شهودا للّٰه والمسيح،‏ لم يسمح مسيحيو القرن الاول لأنفسهم بأن يتلهَّوا بالشؤون العالمية؛‏ فكان يجب ان يمنحوا تفويضهم الانتباه اللائق.‏ وكان يسوع قد فعل ذلك بالتأكيد.‏ قال لبيلاطس:‏ «مملكتي ليست من هذا العالم.‏» (‏يوحنا ١٨:‏٣٦‏)‏ وذكر لتلاميذه بوضوح:‏ «لستم جزءا من العالم.‏» (‏يوحنا ١٥:‏١٩‏،‏ ع‌ج‏)‏ وكيسوع،‏ اذًا،‏ بقي المسيحيون الاولون منفصلين عن العالم؛‏ فلم يتورطوا في السياسة او الحروب.‏ (‏قارنوا يوحنا ٦:‏١٥‏.‏)‏ ولم يقعوا في فخ طرق العالم —‏ سعيه التوَّاق الى الامور المادية وانغماسه المفرط في المتعة.‏ —‏ لوقا ١٢:‏٢٩-‏٣١؛‏ رومية ١٢:‏٢؛‏ ١ بطرس ٤:‏​٣،‏ ٤‏.‏

ولأنهم بقوا منفصلين عن العالم،‏ كان الشهود المسيحيون في القرن الاول شعبا مميَّزا.‏ يلاحظ المؤرخ إ.‏ ج.‏ هاردي في كتابه المسيحية والحكومة الرومانية:‏ «كان المسيحيون غرباء وسيَّاحا في العالم حولهم؛‏ فرعويتهم كانت في السماء؛‏ والملكوت الذي يتطلَّعون اليه لم يكن من هذا العالم.‏ والنقص الناتج في الاهتمام بالشؤون العامة صار بالتالي من البداية وجها جديرا بالملاحظة في المسيحية.‏»‏

مضطهَدون لاجل البر

‏«ليس عبد اعظم من سيده،‏» حذَّر يسوع.‏ «إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم.‏» (‏يوحنا ١٥:‏٢٠‏)‏ فقبل موته على خشبة الآلام،‏ عانى يسوع اضطهادا قاسيا.‏ (‏متى ٢٦:‏٦٧؛‏ ٢٧:‏٢٦-‏٣١،‏ ٣٨-‏٤٤‏)‏ وطبقا لتحذيره،‏ اختبر تلاميذه سريعا معاملة مماثلة.‏ (‏متى ١٠:‏​٢٢،‏ ٢٣‏)‏ ولكن لماذا؟‏

لم يلزم وقت طويل ليلاحظ الآخرون المسيحيين الاولين.‏ فكانوا اشخاصا ذوي مبادئ سامية للآداب والاستقامة.‏ وكانوا ينجزون عمل التلمذة بجرأة وغيرة؛‏ ونتيجة لذلك تخلَّى حرفيا آلاف الاشخاص عن الانظمة الدينية الباطلة وصاروا مسيحيين.‏ وهؤلاء رفضوا التورط في الشؤون العالمية.‏ ولم يشتركوا في عبادة الامبراطور.‏ اذًا،‏ ليس مدهشا ان يصيروا بسرعة هدفا للاضطهاد الشديد الذي هيَّجه قادة الدين الباطل والحكام السياسيون المضلَّلون.‏ (‏اعمال ١٢:‏١-‏٥؛‏ ١٣:‏​٤٥،‏ ٥٠؛‏ ١٤:‏١-‏٧؛‏ ١٦:‏١٩-‏٢٤‏)‏ إلا ان هؤلاء لم يكونوا سوى الوكلاء البشر للمضطهِد الحقيقي —‏ «الحية القديمة،‏» الشيطان.‏ (‏رؤيا ١٢:‏٩‏؛‏ قارنوا رؤيا ١٢:‏​١٢،‏ ١٧‏.‏)‏ وهدفه؟‏ قمع المسيحية وشهادتها الجريئة.‏

ولكن لم يكن ايّ مقدار من الاضطهاد قادرا ان يُسكت الشهود المسيحيين ليهوه في القرن الاول!‏ فكانوا قد تسلَّموا تفويض كرازتهم من اللّٰه بواسطة المسيح،‏ وكانوا مصمِّمين على اطاعة اللّٰه اكثر من الناس.‏ (‏اعمال ٤:‏​١٩،‏ ٢٠،‏ ٢٩؛‏ ٥:‏٢٧-‏٣٢‏)‏ وقد اتَّكلوا على قوة يهوه،‏ واثقين بأنه سيكافئ شهوده الاولياء على احتمالهم.‏ —‏ متى ٥:‏١٠؛‏ رومية ٨:‏٣٥-‏٣٩؛‏ ١٥:‏٥‏.‏

يؤكد التاريخ ان الاضطهاد من قبل سلطات الامبراطورية الرومانية فشل في قمع الشهود المسيحيين الاولين ليهوه.‏ يقول يوسيفوس،‏ مؤرخ يهودي للقرن الاول ب‌م:‏ «وجماعة المسيحيين،‏ الذين دُعوا هكذا على اسم [يسوع]،‏ لم تختفِ بعدُ الى هذا اليوم [نحو السنة ٩٣ ب‌م].‏» —‏ العاديات اليهودية،‏ ١٨،‏ ٦٤ (‏٣،‏ ٣)‏.‏

وهكذا فإن سجل شهادة الشهود المسيحيين ليهوه في القرن الاول يكشف عن ميزات عديدة يسهل تحديدها بوضوح:‏ تمَّموا بجرأة وغيرة تفويضهم ان يشهدوا عن اللّٰه والمسيح وأن يقوموا بعمل التلمذة؛‏ كانت لديهم بنية تنظيمية كان الجميع فيها اخوة،‏ دون تمييز بين رجال دين وعامَّة؛‏ تمسَّكوا بالمبادئ السامية للآداب وأحبوا واحدهم الآخر؛‏ بقوا منفصلين عن الطرق والشؤون العالمية؛‏ واضطُهِدوا لاجل البر.‏

ولكن،‏ بحلول نهاية القرن الاول،‏ كانت الجماعة المسيحية المتحدة الواحدة مهدَّدة بخطر مهلك وماكر.‏

‏[الحاشية]‏

^ في الاسفار اليونانية المسيحية،‏ تُستعمل كلمة «جماعة» احيانا بمعنى يدلّ على الجمع،‏ مشيرةً الى الجماعة المسيحية عموما (‏١ كورنثوس ١٢:‏٢٨‏)‏؛‏ ويمكن ان تشير ايضا الى فريق محلي في مدينة ما او في بيت شخص ما.‏ —‏ اعمال ٨:‏١؛‏ رومية ١٦:‏٥‏.‏

‏[النبذة في الصفحة ٢٦]‏

التلاميذ الجدد كانوا سيصيرون،‏ لا مجرد مؤمنين سلبيين،‏ بل أتباعا طائعين

‏[النبذة في الصفحة ٢٧]‏

الصيرورة شاهدا ليهوه لم تعد مسألة ولادة بل مسألة اختيار

‏[النبذة في الصفحة ٢٨]‏

بحلول نهاية القرن الاول،‏ كان الشهود المسيحيون ليهوه قد قاموا بالتلمذة في آسيا،‏ اوروپا،‏ وافريقيا!‏

‏[النبذة في الصفحة ٢٩]‏

لم يكن هنالك تمييز بين رجال دينٍ وعامَّةٍ بين مسيحيي القرن الاول

‏[الاطار في الصفحة ٢٧]‏

انتشرت المسيحية بواسطة الكرازة بغيرة

اذ ألهبتهم غيرة لا يمكن اطفاؤها،‏ مارس الشهود المسيحيون ليهوه الاوائل اعظم نشاط في منح البشارة اوسع مناداة ممكنة.‏ يذكر إدوَرد ڠيبون في «انحطاط الامبراطورية الرومانية وسقوطها» ان «غيرة المسيحيين .‏ .‏ .‏ جعلتهم ينتشرون في كل اقليم وتقريبا في كل مدينة من الامبراطورية [الرومانية].‏» ويقول الپروفسور ج.‏ و.‏ طومبسون في «تاريخ العصور الوسطى»:‏ «انتشرت المسيحية بسرعة لافتة للنظر في كل انحاء العالم الروماني.‏ وبحلول السنة ١٠٠ كان هنالك على الارجح مجتمع مسيحي في كل اقليم يتاخم البحر الابيض المتوسط.‏»‏

‏[الاطار في الصفحة ٣٠]‏

‏‹انتصارات المسيحية›‏

تؤكد المصادر فضلا عن الكتاب المقدس السلوك الحسن والمحبة اللذين ميَّزا المسيحيين الاوائل.‏ ذكر المؤرخ جون لورد:‏ «كانت الانتصارات الحقيقية للمسيحية تُرى في صنع اناس صالحين من اولئك الذين اعتنقوا عقائدها.‏ .‏ .‏ .‏ ولدينا شهادة لحياتهم التي هي بلا لوم،‏ لآدابهم التي لا عيب فيها،‏ لرعويتهم الجيدة،‏ ولفضائلهم المسيحية.‏» —‏ «العالم الروماني القديم.‏»‏

‏[الصورة في الصفحة ٣١]‏

ساعدت هيئة حاكمة مركزية على تزويد التوجيه للجماعات،‏ لكنهم تطلَّعوا جميعا الى المسيح بصفته قائدهم الواحد

‏[الصورة في الصفحة ٣٢]‏

كان المسيحيون الاولون هدفا للاضطهاد الشديد