الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

لماذا يجب ان يكون ليهوه شهود؟‏

لماذا يجب ان يكون ليهوه شهود؟‏

الفصل ١

لماذا يجب ان يكون ليهوه شهود؟‏

شهود يهوه معروفون عالميا بمثابرتهم على التكلم الى الناس في كل مكان عن يهوه اللّٰه وملكوته.‏ ولديهم ايضا صيت بأنهم شعب يتمسَّك بمعتقداته على الرغم من كل انواع المقاومة،‏ وحتى الموت.‏

‏«ان الضحايا الرئيسيين للاضطهاد الديني في الولايات المتحدة في القرن العشرين كانوا شهود يهوه،‏» يقول كتاب المحكمة والدستور،‏ لواضعه آرتشِبولد كَكْس (‏١٩٨٧)‏.‏ «شهود يهوه .‏ .‏ .‏ جرت مضايقتهم باستمرار واضطهادهم من قِبل الحكومات في كل انحاء العالم،‏» يذكر طوني هادجز.‏ «في المانيا النازية جُمعوا وأُرسلوا الى معسكرات الاعتقال.‏ وفي اثناء الحرب العالمية الثانية،‏ حُظر عمل الجمعية [برج المراقبة] في اوستراليا وكندا .‏ .‏ .‏ والآن [في سبعينات الـ‍ ١٩٠٠] تجري مضايقة شهود يهوه باستمرار في افريقيا.‏» —‏ شهود يهوه في افريقيا،‏ طبعة ١٩٨٥.‏

فلماذا الاضطهاد؟‏ وما هو الهدف من الكرازة؟‏ هل شهود يهوه مفوَّضون حقا من اللّٰه؟‏ وعلى ايّ حال،‏ لماذا يكون ليهوه شهود —‏ وأيضا شهود بشر ناقصون؟‏ للأجوبة علاقة بقضايا يجري النظر فيها في دعوى محكمة كونية —‏ الدعوى الاكثر حسما الى حد بعيد التي يجب مناقشتها على الاطلاق.‏ فيجب ان نفحص هذه القضايا لكي نفهم لماذا لدى يهوه شهود ولماذا هؤلاء الشهود مستعدون لاحتمال حتى المقاومة الأشدّ.‏

تحدّي سلطان يهوه

تشمل هذه القضايا الحيوية صواب سلطان يهوه اللّٰه او حكمه الفائق.‏ فيهوه هو المتسلط الكوني بسبب كونه الخالق،‏ الاله،‏ والكلي القدرة.‏ (‏تكوين ١٧:‏١؛‏ خروج ٦:‏٣؛‏ رؤيا ٤:‏١١‏)‏ ولذلك لديه التسلُّط الشرعي على كل ما في السماء وعلى الارض.‏ (‏١ أخبار الايام ٢٩:‏١٢‏،‏ حاشية ع‌ج‏)‏ لكنه دائما يُجري سلطانه بمحبة.‏ (‏قارنوا ارميا ٩:‏٢٤‏.‏)‏ فماذا يطلب في المقابل من خلائقه الذكية؟‏ ان يحبوه ويظهروا التقدير لسلطانه.‏ (‏مزمور ٨٤:‏١٠‏)‏ ولكن منذ آلاف السنين جرى تحدّي سلطان يهوه الشرعي بقوة.‏ كيف؟‏ ومن قِبل مَن؟‏ ان التكوين،‏ السفر الاول في الكتاب المقدس،‏ يلقي ضوءا على الامر.‏

فهو يخبر بأن اللّٰه خلق الزوجين البشريين الاولين،‏ آدم وحواء،‏ وأعطاهما موطنا فردوسيا جميلا.‏ وأوصاهما ايضا:‏ «من جميع شجر الجنة تأكل اكلا.‏ وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها.‏ لأنك يوم تأكل منها موتا تموت.‏» (‏تكوين ٢:‏​١٦،‏ ١٧‏)‏ فماذا كانت «شجرة معرفة الخير والشر،‏» وماذا يعني الاكل من ثمرها؟‏

لقد كانت شجرة حرفية،‏ لكنَّ اللّٰه استخدمها لقصد رمزي.‏ فلأنه دعاها «شجرة معرفة الخير والشر» ولأنه اوصى ان لا يأكل الزوجان البشريان الاولان منها،‏ رمزت الشجرة على نحو ملائم الى حق اللّٰه في ان يقرِّر للبشر ما هو «خير» (‏ما يرضي اللّٰه)‏ وما هو «شر» (‏ما لا يرضي اللّٰه)‏.‏ وهكذا فإن وجود هذه الشجرة امتحن احترام الانسان لسلطان اللّٰه.‏ وللاسف،‏ عصى الزوجان البشريان الاولان اللّٰه وأكلا من الثمر المحرَّم.‏ وفشلا في هذا الامتحان البسيط ولكن العميق للطاعة والتقدير.‏ —‏ تكوين ٣:‏١-‏٦‏.‏

ان هذا التصرف الصغير ظاهريا شكَّل تمردا على سلطان يهوه.‏ وكيف ذلك؟‏ ان فهم الطريقة التي صُنعنا بها نحن البشر هو مفتاح لفهم مغزى ما فعله آدم وحواء.‏ فعندما خلق يهوه الزوجين البشريين الاولين،‏ اعطاهما عطية رائعة —‏ الارادة الحرة.‏ ولتكميل هذه العطية،‏ اعطاهما يهوه قدرات عقلية شملت قوى الادراك،‏ التفكير،‏ والحكم.‏ (‏عبرانيين ٥:‏١٤‏)‏ فهما لم يكونا مثل الرجال الآليين العديمي العقل؛‏ ولا مثل الحيوانات،‏ التي تعمل بشكل رئيسي بالغريزة.‏ ومع ذلك،‏ كانت حريتهما نسبية،‏ خاضعة لحكم شرائع اللّٰه.‏ (‏قارنوا ارميا ١٠:‏​٢٣،‏ ٢٤‏.‏)‏ لقد اختار آدم وحواء ان يأكلا من الثمر المحرَّم.‏ وبالتالي اساءا استعمال حريتهما.‏ فماذا قادهما الى هذا المسلك؟‏

يوضح الكتاب المقدس ان مخلوقا روحانيا للّٰه اتخذ مسلكا متعمدا من المعارضة والمقاومة للّٰه.‏ وهذا الشخص،‏ الذي صار معروفا في ما بعد بالشيطان،‏ تكلم من خلال حية في عدن وأبعد حواء،‏ ومن خلالها آدم،‏ عن الاذعان لسلطان اللّٰه.‏ (‏رؤيا ١٢:‏٩‏)‏ وبالاكل من الشجرة،‏ وضع آدم وحواء حكمهما فوق حكم اللّٰه،‏ مما دلَّ على انهما ارادا ان يحكما لانفسهما ما هو خير وما هو شر.‏ —‏ تكوين ٣:‏٢٢‏.‏

وهكذا فإن القضية التي أُثيرت كانت،‏ هل ليهوه الحق في حكم الجنس البشري،‏ وهل يمارس سلطانه لافضل مصالح رعاياه؟‏ جرت الاشارة الى هذه القضية بشكل واضح من خلال كلمات الحية الى حواء:‏ «أحقا قال اللّٰه لا تأكلا من كل شجر الجنة.‏» فالمعنى الضمني كان ان اللّٰه يمنع ظلما شيئا جيدا عن المرأة وزوجها.‏ —‏ تكوين ٣:‏١‏.‏

وأثار التمرد في عدن قضية اخرى:‏ هل يمكن للبشر تحت الامتحان ان يكونوا امناء للّٰه؟‏ ان هذه القضية ذات العلاقة جرى ايضاحها بعد ٢٤ قرنا في ما يتعلق بأيوب الامين.‏ فالشيطان،‏ ‹الصوت› الذي خلف الحية،‏ تحدَّى يهوه جهارا،‏ قائلا:‏ «هل مجانا يتقي ايوب اللّٰه.‏» واتَّهم الشيطانُ:‏ «أليس انك سيَّجتَ حوله وحول بيته وحول كل ما له من كل ناحية.‏ باركتَ اعمال يديه فانتشرت مواشيه في الارض.‏» وهكذا لمَّح الشيطان الى ان استقامة ايوب كانت تدفعها المنفعة الذاتية.‏ واتَّهم ايضا:‏ «جلد بجلد وكل ما للانسان يعطيه لاجل نفسه.‏» وبما انه،‏ كما ذكر يهوه،‏ ‹ليس مثل ايوب في الارض،‏› كان الشيطان في الواقع يدَّعي انه يستطيع ان يحوِّل ايّ خادم للّٰه عنه.‏ (‏ايوب ١:‏٨-‏١١؛‏ ٢:‏٤‏)‏ وهكذا فإن كل خدام اللّٰه جرى تحديهم بشكل غير مباشر في ما يتعلق باستقامتهم وولائهم لسلطانه.‏

وما ان أُثيرت هذه القضايا حتى وجب بتّها.‏ ان مرور الوقت —‏ نحو ٠٠٠‏,٦ سنة الآن —‏ والفشل المخزي للحكومات البشرية يُظهران بوضوح ان البشر بحاجة الى سلطان اللّٰه.‏ ولكن هل يريدونه؟‏ وهل هنالك بشر يظهرون الاعتراف القلبي بسلطان يهوه البار؟‏ نعم!‏ فيهوه لديه شهوده!‏ ولكن قبل ان نتأمل في شهادتهم،‏ دعونا نفحص اولا ما تشمله الكينونة شاهدا.‏

ما تعنيه الكينونة شاهدا

ان كلمتي اللغتين الاصليتين المترجمتين «شاهدا» تزوِّدان بصيرة في ما تعنيه الكينونة شاهدا ليهوه.‏ ففي الاسفار العبرانية،‏ يُشتق الاسم المنقول الى «شاهد» (‏عيذ‏)‏ من فعل (‏عوذ‏)‏ يعني «يعود» او «يكرِّر،‏ يفعل مجدَّدا.‏» وفي ما يتعلق بالاسم (‏عيذ‏)‏،‏ يقول كتاب الكلمات اللاهوتي للعهد القديم‏:‏ «الشاهد هو الشخص،‏ الذي بالتكرار،‏ يؤكد بتشديد شهادته.‏ والكلمة [‏عيذ‏] هي كلمة مألوفة في لغة المحكمة.‏» ويضيف القاموس الاصولي الشامل للغة العبرانية لقراء الانكليزية:‏ «ان المعنى الاصلي [للفعل عوذ‏] كان على الارجح ‹قال تكرارا وبقوة.‏›»‏

ان الكلمتين اليونانيتين،‏ في الاسفار المسيحية،‏ المنقولتين الى «شاهد» (‏مارتيس‏)‏ و «يشهد» (‏مَرْتيريو)‏ كانت لهما ايضا دلالة قانونية،‏ على الرغم من انهما اتَّخذتا على مرّ الوقت معنى اوسع.‏ وبحسب القاموس اللاهوتي للعهد الجديد‏،‏ فإن «فكرة الشهادة [تُستعمل] بمعنى الشهادة لوقائع يمكن التحقق منها وأيضا بمعنى الشهادة لحقائق على السواء،‏ اي جعل الاقتناعات معروفة والاعتراف بها.‏» ولذلك فإن الشاهد يروي وقائع من المعرفة الشخصية المباشرة،‏ او يعلن آراء او حقائق هو مقتنع بها.‏ *

والمسلك الامين لمسيحيي القرن الاول حمل معنى الكلمة «شاهد» خطوة ابعد.‏ فكثيرون من اولئك المسيحيين الاولين شهدوا تحت الاضطهاد وفي وجه الموت.‏ (‏اعمال ٢٢:‏٢٠؛‏ رؤيا ٢:‏١٣‏)‏ ونتيجة لذلك،‏ بحلول القرن الثاني ب‌م تقريبا،‏ اكتسبت الكلمة اليونانية التي تقابل شاهدا (‏مارتيس،‏ التي تُشتق منها ايضا الكلمة «شهيد»)‏ المعنى الذي يُطبَّق على الاشخاص الذين كانوا مستعدين ان «يختموا بالموت على جدّية شهادتهم او اعترافهم.‏» وهم لم يُدعوا شهودا لأنهم ماتوا؛‏ فقد ماتوا لأنهم كانوا شهودا اولياء.‏

اذًا،‏ مَن كانوا الشهود الاولين ليهوه؟‏ مَن كانوا مستعدين ليعلنوا «تكرارا وبقوة» —‏ بالكلام وبالطريقة التي عاشوا بها —‏ ان يهوه هو المتسلط الشرعي المستحق؟‏ ومَن كانوا مستعدين للمحافظة على الاستقامة امام اللّٰه حتى الموت؟‏

الشهود الاولون ليهوه

يقول الرسول بولس:‏ «لنا سحابة [باليونانية،‏ نِفُس،‏ التي تشير الى كتلة سحاب كبيرة] من الشهود مقدار هذه محيطة بنا.‏» (‏عبرانيين ١٢:‏١‏)‏ و ‹كتلة السحاب الكبيرة› من الشهود هذه ابتدأت بالتشكُّل بعد وقت قصير من التمرد على سلطان اللّٰه في عدن.‏

في العبرانيين ١١:‏٤‏،‏ يعرِّف بولس هابيل بأنه الشاهد الاول ليهوه،‏ قائلا:‏ «بالايمان قدَّم هابيل للّٰه ذبيحة افضل من قايين.‏ فبه شُهد له انه بار اذ شهد اللّٰه لقرابينه.‏ وبه وإن مات يتكلم بعدُ.‏» فبأية طريقة خدم هابيل كشاهد ليهوه؟‏ يتمحور الجواب حول سبب كون ذبيحة هابيل «افضل» من ذبيحة قايين.‏

بتعبير بسيط،‏ صنع هابيل التقدمة الصائبة بالدافع الصائب ودعم ذلك بالاعمال الصائبة.‏ وبالنسبة الى هبته،‏ قدَّم ذبيحة دموية تمثل حياة ابكار غنمه —‏ في حين قدَّم قايين نتاجا عديم الحياة.‏ (‏تكوين ٤:‏​٣،‏ ٤‏)‏ وذبيحة قايين كان ينقصها دافع الايمان الذي جعل تقدمة هابيل مقبولة.‏ فلزم قايين ان يعدِّل عبادته.‏ ولكنه اظهر موقف قلبه الشرير برفض مشورة اللّٰه وتحذيره وبقتل هابيل الامين.‏ —‏ تكوين ٤:‏٦-‏٨؛‏ ١ يوحنا ٣:‏​١١،‏ ١٢‏.‏

اعرب هابيل عن الايمان الذي كان ينقص والديه.‏ وبمسلكه الامين،‏ جعل قناعته معروفة بأن سلطان يهوه بار ويستحق التقدير.‏ وخلال القرن او نحوه الذي عاشه،‏ اظهر هابيل ان الانسان يمكن ان يكون امينا للّٰه الى درجة الختم على شهادته بالموت.‏ ويستمر دم هابيل في ‹التكلم،‏› لأن السجل الموحى به لاستشهاده حُفظ في الكتاب المقدس للاجيال المقبلة!‏

وبعد خمسة قرون تقريبا من موت هابيل،‏ ابتدأ اخنوخ ‹السير مع اللّٰه،‏› متَّبعا مسلكا منسجما مع مقاييس يهوه للخير والشر.‏ (‏تكوين ٥:‏٢٤‏)‏ وفي ذلك الحين كان رفض سلطان اللّٰه قد ادَّى الى تكاثر ممارسات الفجور بين الجنس البشري.‏ وكان اخنوخ مقتنعا بأن المتسلط الاسمى سيعمل ضد الاشخاص الفجَّار،‏ وروح اللّٰه دفعه الى اعلان هلاكهم المقبل.‏ (‏يهوذا ١٤،‏ ١٥‏)‏ وقد بقي اخنوخ شاهدا امينا الى الموت،‏ لأن يهوه «اخذه،‏» مجنِّبا اياه كما يبدو ميتة عنيفة على ايدي اعدائه.‏ (‏عبرانيين ١١:‏٥‏،‏ ع‌ج‏)‏ وهكذا صار بالامكان اضافة اسم اخنوخ الى قائمة ‹سحابة الشهود› المتزايدة لأزمنة ما قبل المسيحية.‏

استمرت روح الفجور في الانتشار في الشؤون البشرية.‏ وخلال مدة حياة نوح،‏ الذي وُلد بعد ٧٠ سنة تقريبا من موت اخنوخ،‏ اتى الى الارض ابناء ملائكيون للّٰه،‏ متجسدين كما يتضح في شكل بشري،‏ وعاشوا مع النساء الجذابات عيشة الازواج.‏ والذرية التي انتجوها عُرفت بالطغاة (‏النفاليم)‏؛‏ وكانوا جبابرة بين البشر.‏ (‏تكوين ٦:‏١-‏٤‏)‏ فماذا كانت نتيجة هذا الاتحاد غير الطبيعي للمخلوقات الروحانية بالبشر والسلالة الهجينة التي نتجت على هذا النحو؟‏ يجيب السجل الموحى به:‏ «ورأى الرب ان شر الانسان قد كثر في الارض.‏ وأن كل تصور افكار قلبه انما هو شرير كل يوم.‏ ورأى اللّٰه الارض فاذا هي قد فسدت.‏ اذ كان كل بشر قد افسد طريقه على الارض.‏» (‏تكوين ٦:‏​٥،‏ ١٢‏)‏ وكم هو محزن ان تكون الارض،‏ موطئ قدمي اللّٰه،‏ قد «امتلأت ظلما.‏» —‏ تكوين ٦:‏١٣؛‏ اشعياء ٦٦:‏١‏.‏

وبالتباين،‏ «كان نوح رجلا بارا،‏» شخصا «كاملا في اجياله.‏» (‏تكوين ٦:‏٩‏)‏ لقد اظهر اذعانه لسلطان اللّٰه بفعل «ما امره به اللّٰه.‏» (‏تكوين ٦:‏٢٢‏)‏ واذ عمل بايمان،‏ «بنى فلكا لخلاص بيته.‏» (‏عبرانيين ١١:‏٧‏)‏ لكنَّ نوحا كان اكثر من بانٍ؛‏ فبصفته «كارزا [او مناديا] للبر،‏» حذَّر من الهلاك القادم.‏ (‏٢ بطرس ٢:‏٥‏)‏ ولكن،‏ على الرغم من شهادة نوح الجريئة،‏ فإن ذلك الجيل الشرير «لم (‏يبالوا)‏ حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع.‏» —‏ متى ٢٤:‏٣٧-‏٣٩‏.‏

وعقب زمن نوح،‏ كان ليهوه شهود بين الآباء الاجلَّاء لما بعد الطوفان.‏ فإبرهيم،‏ اسحق،‏ يعقوب،‏ ويوسف مذكورون كجزء باكر من سحابة الشهود لما قبل المسيحية.‏ (‏عبرانيين ١١:‏٨-‏٢٢؛‏ ١٢:‏١‏)‏ لقد اظهروا دعمهم لسلطان يهوه،‏ فاعلين ذلك بالمحافظة على الاستقامة.‏ (‏تكوين ١٨:‏​١٨،‏ ١٩‏)‏ وهكذا ساهموا في تقديس اسم يهوه.‏ وعوض طلب الامان في مملكة ارضية،‏ «اقرّوا بأنهم غرباء ونزلاء على الارض،‏» اذ بالايمان ‹كانوا ينتظرون المدينة التي لها الاساسات التي صانعها وبارئها اللّٰه.‏› (‏عبرانيين ١١:‏​١٠،‏ ١٣‏)‏ وقبلوا يهوه بصفته حاكمهم،‏ مرسين رجاءهم في الملكوت السماوي الموعود به كتعبير عن سلطانه الصائب.‏

وفي القرن الـ‍ ١٦ ق‌م،‏ كان المتحدِّرون من إبرهيم عبيدا بحاجة الى الانقاذ من العبودية المصرية.‏ وكان في ذلك الوقت ان موسى وأخاه هرون صارا شخصيتين رئيسيتين في ‹معركة الآلهة.‏› فظهرا امام فرعون ونقلا انذار يهوه:‏ «أَطلقْ شعبي.‏» لكنَّ فرعون المتكبر قسَّى قلبه؛‏ فلم يُرد ان يخسر امة كبيرة من العمال العبيد.‏ «مَن هو (‏يهوه)‏،‏» اجاب،‏ «حتى اسمع لقوله فأطلق اسرائيل.‏ لا اعرف (‏يهوه)‏ واسرائيل لا اطلقه.‏» (‏خروج ٥:‏​١،‏ ٢‏)‏ بهذا الجواب الازدرائي رفض فرعون،‏ الذي كان يدَّعي انه نفسه اله حي،‏ الاعتراف بألوهية يهوه.‏

واذ أُثيرت قضية الألوهية،‏ شرع يهوه الآن في البرهان انه الاله الحقيقي.‏ وفرعون،‏ من خلال كهنته الممارسين السحر،‏ استدعى القوة المتحدة لآلهة مصر تحدِّيا لقوة يهوه.‏ لكنَّ يهوه ارسل عشر ضربات،‏ وكل ضربة كان يعلنها موسى وهرون،‏ ليظهر سيطرته على عناصر الارض ومخلوقاتها فضلا عن سموِّه على آلهة مصر.‏ (‏خروج ٩:‏١٣-‏١٦؛‏ ١٢:‏١٢‏)‏ وبعد الضربة العاشرة،‏ اخرج يهوه اسرائيل من مصر «بيد قوية.‏» —‏ خروج ١٣:‏٩‏.‏

لقد لزم موسى الكثير من الشجاعة والايمان،‏ وهو «اكثر جميع الناس وداعة،‏» كي يظهر امام فرعون،‏ ليس مرة،‏ وانما مرات عديدة.‏ (‏عدد ١٢:‏٣‏،‏ ع‌ج‏)‏ لكنَّ موسى لم يلطِّف قط الرسالة التي امره يهوه بأن ينقلها الى فرعون.‏ ولا حتى تهديد الموت استطاع ان يُسكت شهادته!‏ (‏خروج ١٠:‏​٢٨،‏ ٢٩؛‏ عبرانيين ١١:‏٢٧‏)‏ لقد كان موسى شاهدا بالمعنى الحقيقي للكلمة؛‏ فقد شهد «تكرارا وبقوة» لألوهية يهوه.‏

وعقب ذلك الانقاذ من مصر في السنة ١٥١٣ ق‌م،‏ كتب موسى سفر التكوين.‏ وهكذا ابتدأ عصر جديد —‏ عصر كتابة الكتاب المقدس.‏ وبما ان موسى كتب كما يبدو سفر ايوب،‏ كان له شيء من البصيرة في القضية بين اللّٰه والشيطان.‏ ولكن فيما تقدمت كتابة الكتاب المقدس،‏ كانت القضايا التي تشمل سلطان اللّٰه واستقامة الانسان ستُكتب بوضوح؛‏ وهكذا يتمكن كل ذي علاقة من نيل معرفة كاملة عن القضايا العظيمة المشمولة.‏ وفي هذه الاثناء،‏ في السنة ١٥١٣ ق‌م،‏ وضع يهوه الاساس لانتاج امة من الشهود.‏

امة من الشهود

في الشهر الثالث بعد تركهم مصر،‏ ادخل يهوه الاسرائيليين في علاقة عهد خصوصية معه،‏ جاعلا اياهم «خاصة» له.‏ (‏خروج ١٩:‏​٥،‏ ٦‏)‏ ومن خلال موسى،‏ تعامل معهم آنذاك كأمة،‏ مانحا اياهم حكومة ثيوقراطية مؤسسة على عهد الناموس بصفته دستورهم القومي.‏ (‏اشعياء ٣٣:‏٢٢‏)‏ لقد كانوا شعب يهوه المختار،‏ المنظَّم ليمثِّلوه بصفته ربهم المتسلط.‏

ولكن،‏ في القرون التي تلت،‏ لم تكن الامة دائما تعترف بسلطان يهوه.‏ فبعد الاقامة في ارض الموعد،‏ كانت اسرائيل احيانا تنجرف الى عبادة آلهة الامم الابليسية.‏ وبسبب فشلهم في اطاعته بصفته المتسلط الشرعي سمح يهوه بأن يُنهَبوا،‏ وهكذا بدا وكأن آلهة الامم اقوى من يهوه.‏ (‏اشعياء ٤٢:‏١٨-‏٢٥‏)‏ ولكن في القرن الثامن ق‌م،‏ تحدَّى يهوه جهارا آلهةَ الامم لكي يزيل ذلك الانطباع غير الصحيح ويبتّ السؤال،‏ مَن هو الاله الحقيقي؟‏

وبواسطة النبي اشعياء،‏ اطلق يهوه التحدي:‏ «مَن منهم [آلهة الامم] يخبر بهذا [يتنبأ بدقة] ويعلمنا بالاوليات [اي الامور مسبقا].‏ ليقدِّموا [كآ‌لهة] شهودهم ويتبرروا.‏ او ليسمعوا [شعوب الامم] فيقولوا صِدق.‏» (‏اشعياء ٤٣:‏٩‏)‏ نعم،‏ لتقدِّمْ آلهة الامم شهودا يستطيعون ان يشهدوا في ما يتعلق بنبوة آلهتهم بأنها «صِدق.‏» ولكن لا اله من مثل هؤلاء الآلهة استطاع ان يقدِّم شهودا حقيقيين على ألوهيته!‏

اوضح يهوه لاسرائيل مسؤوليتهم في بتّ السؤال،‏ مَن هو الاله الحقيقي؟‏ قال:‏ «انتم شهودي .‏ .‏ .‏ وعبدي الذي اخترته لكي تعرفوا وتؤمنوا بي وتفهموا اني انا هو.‏ قبلي لم يُصوَّر اله وبعدي لا يكون.‏ انا انا (‏يهوه)‏ وليس غيري مخلِّص.‏ انا اخبرت وخلَّصت وأعلمت وليس بينكم غريب.‏ وأنتم شهودي .‏ .‏ .‏ وأنا اللّٰه.‏» —‏ اشعياء ٤٣:‏١٠-‏١٢‏.‏

ولذلك شكَّل شعب يهوه اسرائيل امة من الشهود.‏ وكان يمكنهم ان يؤكدوا بتشديد سلطان يهوه الشرعي المستحق التقدير.‏ وعلى اساس اختباراتهم السابقة،‏ استطاعوا ان يعلنوا باقتناع ان يهوه هو المنقذ العظيم لشعبه وإله النبوة الحقيقية.‏

الشهادة المتعلقة بالمسيَّا

على الرغم من الشهادة الوافرة ‹لكتلة السحاب الكبيرة› هذه لشهود ما قبل المسيحية،‏ فإن جانب اللّٰه من القضايا لم يكن قد بُتَّ كاملا.‏ ولمَ لا؟‏ لأنه في وقت اللّٰه المعيَّن،‏ وبعد ان يكون قد ثبت بوضوح ان البشر يحتاجون الى حكم يهوه وأنهم لا يستطيعون ان يحكموا انفسهم بنجاح،‏ يجب ان ينفِّذ يهوه الدينونة في جميع الذين يرفضون احترام سلطانه الصائب.‏ وعلاوة على ذلك،‏ فإن القضايا الناشئة تجاوزت النطاق البشري.‏ وبما ان ملاكا تمرَّد في عدن،‏ فإن مسألة الاستقامة في ما يتعلق بسلطان اللّٰه امتدت الى مخلوقات اللّٰه السماوية وشملتهم.‏ ولذلك قصد يهوه ان يأتي ابن روحاني الى الارض،‏ حيث يحظى الشيطان بفرصة كاملة ليمتحنه.‏ ويكون هذا الابن الروحاني قد مُنح الفرصة ليبتّ بطريقة كاملة السؤال،‏ هل يبقى احد امينا للّٰه تحت اية تجربة يمكن ان تواجهه؟‏ واذ يبرهن بهذه الطريقة ولاءه،‏ يُمنح ابن اللّٰه هذا السلطة بصفته مبرِّئ يهوه العظيم،‏ الذي يدمر الاشرار ويحقق كاملا قصد اللّٰه الاصلي المتعلق بالارض.‏

ولكن كيف يمكن تحديد هوية هذا الشخص؟‏ في عدن،‏ وعد يهوه بـ‍ «نسل» يسحق رأس الخصم المشبَّه بحية ويبرِّئ سلطان اللّٰه.‏ (‏تكوين ٣:‏١٥‏)‏ ومن خلال الانبياء العبرانيين،‏ زوَّد يهوه تفاصيل كثيرة عن هذا ‹النسل› المسيَّاني —‏ خلفيته ونشاطاته،‏ وحتى الوقت الذي سيظهر فيه.‏ —‏ تكوين ١٢:‏١-‏٣؛‏ ٢٢:‏١٥-‏١٨؛‏ ٤٩:‏١٠؛‏ ٢ صموئيل ٧:‏١٢-‏١٦؛‏ اشعياء ٧:‏١٤؛‏ دانيال ٩:‏٢٤-‏٢٧؛‏ ميخا ٥:‏٢‏.‏

وبحلول منتصف القرن الخامس ق‌م،‏ بإكمال الاسفار العبرانية،‏ كانت النبوات مسجَّلة،‏ بانتظار مجيء المسيَّا لاتمامها.‏ وشهادة هذا الشاهد —‏ وفي الواقع،‏ شاهد اللّٰه الاعظم —‏ سيجري التأمل فيها في الفصل التالي.‏

‏[الحاشية]‏

^ على سبيل المثال،‏ استطاع بعض مسيحيي القرن الاول ان يشهدوا لوقائع تاريخية عن يسوع —‏ في ما يتعلق بحياته،‏ موته،‏ وقيامته —‏ من المعرفة المباشرة.‏ (‏اعمال ١:‏​٢١،‏ ٢٢؛‏ ١٠:‏​٤٠،‏ ٤١‏)‏ لكنَّ الاشخاص الذين آمنوا لاحقا بيسوع استطاعوا ان يشهدوا باعلانهم للآخرين مغزى حياته،‏ موته،‏ وقيامته.‏ —‏ اعمال ٢٢:‏١٥‏.‏

‏[النبذة في الصفحة ١١]‏

يمكن للبشر ان يختاروا الاستفادة من سلطان يهوه.‏ ولكن يجب اولا ان يسمعوا عنه

‏[النبذة في الصفحة ١٣]‏

كان هابيل الشاهد الاول ليهوه

‏[النبذة في الصفحة ١٤]‏

اخنوخ شهد بدينونة اللّٰه على الفجَّار

‏[النبذة في الصفحة ١٧]‏

اوضح يهوه لأمة بكاملها مسؤوليتها كشهود له

‏[النبذة في الصفحة ١٨]‏

‏«انتم شهودي .‏ .‏ .‏ وأنا اللّٰه»‏

‏[الصورة في الصفحة ١٠]‏

الحوادث في عدن انشأت قضيتين مهمتين:‏ هل سلطان يهوه بار؟‏ هل تكون خلائقه امينة له؟‏

‏[الصورة في الصفحة ١٥]‏

كان نوح كارزا للبر قبل ان يدمِّر اللّٰه العالم بواسطة طوفان

‏[الصورة في الصفحتين ١٦ و ١٧]‏

موسى وهرون شهدا لفرعون بقوة عن ألوهية يهوه