الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

كيف اختارهم واقتادهم اللّٰه

كيف اختارهم واقتادهم اللّٰه

الفصل ٣١

كيف اختارهم واقتادهم اللّٰه

‏«من المنطقي ان يوجد دين حقيقي واحد.‏ وينسجم ذلك مع الواقع ان الاله الحقيقي ‹ليس اله تشويش بل اله سلام.‏› (‏١ كورنثوس ١٤:‏٣٣‏)‏ ويقول الكتاب المقدس انه انما يوجد ‹ايمان واحد› فقط.‏ (‏افسس ٤:‏٥‏)‏ فمن هم الذين يشكلون هيئة العبَّاد الحقيقيين اليوم؟‏ لا نتردد في القول انهم شهود يهوه،‏» يصرِّح كتاب يمكنكم ان تحيوا الى الابد في الفردوس على الارض.‏ *

‏‹كيف يمكنكم ان تكونوا على يقين الى هذا الحد من انه لديكم الدين الحقيقي؟‏› قد يسأل البعض.‏ ‹فأنتم لا تملكون دليلا خارقا للطبيعة —‏ كالمواهب العجائبية.‏ وعلى مر السنين،‏ ألم تضطروا الى صنع تعديلات في آرائكم وتعاليمكم؟‏ اذًا كيف يمكنكم ان تثقوا الى هذا الحد بأن اللّٰه يقودكم؟‏›‏

للاجابة عن هذه الاسئلة من المساعد ان نتأمل اولا كيف اختار واقتاد يهوه شعبه في الازمنة القديمة.‏

اختيار اللّٰه في ازمنة الكتاب المقدس

في القرن الـ‍ ١٦ ق‌م جمع يهوه الاسرائيليين عند جبل سيناء ودعاهم ان يصيروا شعبه المختار.‏ لكنه اخبرهم في البداية ان هنالك مطالب معيَّنة يجب عليهم بلوغها.‏ قال لهم:‏ «إن سمعتم لصوتي .‏ .‏ .‏ (‏فحينئذ‏)‏ تكونون لي خاصة.‏» (‏خروج ١٩:‏٥‏)‏ وبواسطة موسى عرض يهوه المطالب بوضوح،‏ وبعد ذلك اجاب الشعب:‏ «كل ما تكلم به الرب نفعل.‏» وحينئذ قطع يهوه عهدا مع اسرائيل وأعطاهم ناموسه.‏ —‏ خروج ٢٤:‏​٣-‏٨،‏ ١٢‏.‏

مختارون من اللّٰه —‏ يا له من امتياز رائع!‏ ولكنَّ هذا الامتياز ألقى على اسرائيل مسؤولية اطاعة ناموس اللّٰه اطاعة تامة.‏ وفشلهم في ذلك كان سيؤدي الى رفضهم كأمة.‏ ولغرس خوف سليم فيهم كي يطيعوه،‏ سبَّب يهوه علامات مثيرة خارقة للطبيعة —‏ «صارت رعود وبروق،‏» و «ارتجف كل الجبل جدا.‏» (‏خروج ١٩:‏​٩،‏ ١٦-‏١٨؛‏ ٢٠:‏​١٨،‏ ٢٠‏)‏ وطوال الـ‍ ٥٠٠‏,١ سنة التالية تقريبا كان الاسرائيليون في مركز فريد —‏ كانوا شعب اللّٰه المختار.‏

ولكن في القرن الاول ب‌م تغيَّرت الحالة تماما.‏ فقد خسرت اسرائيل مكانتها المميَّزة،‏ اذ نبذها يهوه بسبب رفضها ابنه.‏ (‏متى ٢١:‏٤٣؛‏ ٢٣:‏​٣٧،‏ ٣٨؛‏ اعمال ٤:‏​٢٤-‏٢٨‏)‏ وحينئذ اوجد يهوه الجماعة المسيحية الباكرة،‏ المؤسسة على المسيح.‏ وفي يوم الخمسين سنة ٣٣ ب‌م سكب يهوه روحه القدوس على أتباع يسوع في اورشليم،‏ جاعلا اياهم ‹جنسا مختارا .‏ .‏ .‏ امة مقدسة شعب اقتناء.‏› (‏١ بطرس ٢:‏٩؛‏ اعمال ٢:‏​١-‏٤؛‏ افسس ٢:‏​١٩،‏ ٢٠‏)‏ لقد صاروا «مختاري اللّٰه.‏» —‏ كولوسي ٣:‏١٢‏.‏

والعضوية في هذه الامة المختارة كانت مشروطة.‏ فقد وضع يهوه مطالب ادبية وروحية صارمة يجب بلوغها.‏ (‏غلاطية ٥:‏​١٩-‏٢٤‏)‏ والذين عملوا وفق المطالب وضعوا انفسهم في مسلك يؤدي الى اختياره اياهم.‏ ولكن،‏ حالما اختارهم اللّٰه،‏ كان من الحيوي ان يبقوا طائعين لشرائعه.‏ و «الذين يطيعونه (‏كحاكم)‏» كانوا وحدهم سيستمرون في نيل روحه القدوس.‏ (‏اعمال ٥:‏٣٢‏)‏ والذين يفشلون في اطاعته كانوا في خطر الصيرورة خارج الجماعة وخسارة ميراثهم في ملكوت اللّٰه.‏ —‏ ١ كورنثوس ٥:‏​١١-‏١٣؛‏ ٦:‏​٩،‏ ١٠‏.‏

ولكن كيف كان الآخرون سيعرفون يقينا ان اللّٰه اختار تلك الجماعة المسيحية الباكرة لتحل محل اسرائيل بصفتها «جماعة اللّٰه»؟‏ (‏اعمال ٢٠:‏٢٨‏،‏ ع‌ج‏)‏ كان اختيار اللّٰه واضحا.‏ فبعد موت يسوع منح اعضاء الجماعة المسيحية الباكرة مواهب عجائبية ليظهر انهم الآن مختارون من اللّٰه.‏ —‏ عبرانيين ٢:‏​٣،‏ ٤‏.‏

وهل كانت العلامات الخارقة للطبيعة،‏ او العجائب،‏ ضرورية دائما لاثبات هوية الذين اختارهم واقتادهم اللّٰه في ازمنة الكتاب المقدس؟‏ كلا،‏ على الاطلاق.‏ فالاعمال العجائبية لم تكن حدثا شائعا في تاريخ الكتاب المقدس.‏ ومعظم الذين عاشوا في ازمنة الكتاب المقدس لم يشهدوا عجيبة قط.‏ وغالبية العجائب المسجلة في الكتاب المقدس جرت في ايام موسى ويشوع (‏القرنين الـ‍ ١٦ والـ‍ ١٥ ق‌م)‏،‏ ايليا واليشع (‏القرنين الـ‍ ١٠ والـ‍ ٩ ق‌م)‏،‏ ويسوع ورسله (‏القرن الاول ب‌م)‏.‏ وقد رأى واختبر اشخاص امناء آخرون مختارون من اللّٰه لمقاصد معيَّنة،‏ كإبرهيم وداود،‏ اظهارات لقدرة اللّٰه،‏ ولكن لا يوجد دليل على انهم صنعوا هم انفسهم عجائب.‏ (‏تكوين ١٨:‏١٤؛‏ ١٩:‏​٢٧-‏٢٩؛‏ ٢١:‏​١-‏٣‏؛‏ قارنوا ٢ صموئيل ٦:‏٢١؛‏ نحميا ٩:‏٧‏.‏)‏ وبالنسبة الى المواهب العجائبية التي كانت موجودة في القرن الاول،‏ انبأ الكتاب المقدس بأن هذه كانت «ستُبطَل.‏» (‏١ كورنثوس ١٣:‏٨‏)‏ وقد حدث ذلك عند موت آخر الرسل الـ‍ ١٢ وأولئك الذين قبلوا المواهب العجائبية بواسطتهم.‏ —‏ قارنوا اعمال ٨:‏​١٤-‏٢٠‏.‏

ماذا عن اختيار اللّٰه اليوم؟‏

بعد القرن الاول تطور دون ايّ رادع الارتداد المنبأ به.‏ (‏اعمال ٢٠:‏​٢٩،‏ ٣٠؛‏ ٢ تسالونيكي ٢:‏​٧-‏١٢‏)‏ ولقرون عديدة كان نور سراج المسيحية الحقيقية خافتا جدا.‏ (‏قارنوا متى ٥:‏​١٤-‏١٦‏.‏)‏ ولكنَّ يسوع اشار في مَثل انه سيكون هنالك في ‏«اختتام نظام الاشياء» تمييز واضح بين «الحنطة» (‏المسيحيين الحقيقيين)‏ و «الزوان» (‏المسيحيين الزائفين)‏.‏ وستُجمع الحنطة،‏ او ‹المختارون،‏› الى جماعة مسيحية حقيقية واحدة،‏ كما في القرن الاول.‏ (‏متى ١٣:‏​٢٤-‏٣٠،‏ ٣٦-‏٤٣‏،‏ ع‌ج؛‏ متى ٢٤:‏٣١‏)‏ ووصف يسوع ايضا اعضاء هذه الجماعة الممسوحين بـ‍ «العبد الامين الحكيم» وأشار الى انهم،‏ في وقت النهاية،‏ سيوزِّعون الطعام الروحي.‏ (‏متى ٢٤:‏​٣،‏ ٤٥-‏٤٧‏)‏ وسينضم الى هذا العبد الامين «جمع كثير» من العبَّاد الحقيقيين من كل الامم.‏ —‏ رؤيا ٧:‏​٩،‏ ١٠‏؛‏ قارنوا ميخا ٤:‏​١-‏٤‏.‏

وكيف كان سيجري اثبات هوية العبَّاد الحقيقيين العائشين في وقت النهاية؟‏ هل سيكونون دائما على صواب،‏ وهل سيكون تفكيرهم معصوما من الخطإ؟‏ لم يكن رسل يسوع دون حاجة الى التقويم.‏ (‏لوقا ٢٢:‏​٢٤-‏٢٧؛‏ غلاطية ٢:‏​١١-‏١٤‏)‏ وكالرسل،‏ يجب على أتباع المسيح الحقيقيين في ايامنا ان يكونوا متواضعين،‏ مستعدين لقبول التأديب وصنع التعديلات عند اللزوم،‏ لكي يجعلوا تفكيرهم منسجما اكثر فاكثر مع ذاك الذي للّٰه.‏ —‏ ١ بطرس ٥:‏​٥،‏ ٦‏.‏

وعندما دخل العالم الايام الاخيرة في السنة ١٩١٤،‏ ايّ فريق برهن انه الهيئة المسيحية الحقيقية الواحدة؟‏ كان العالم المسيحي يزخر بالكنائس التي تدَّعي تمثيل المسيح.‏ ولكنَّ السؤال هو:‏ اية منها،‏ اذا وُجدت،‏ كانت تبلغ مطالب الاسفار المقدسة؟‏

كان يجب على الجماعة المسيحية الحقيقية الواحدة ان تكون هيئة تتبع الكتاب المقدس بدقة باعتباره مرجعها الرئيسي،‏ وليس مرجعا تقتبس منه آيات متفرقة ولكنها ترفض الباقي عندما لا يطابق لاهوتها الحديث.‏ (‏يوحنا ١٧:‏١٧؛‏ ٢ تيموثاوس ٣:‏​١٦،‏ ١٧‏)‏ وكان يجب ان تكون هيئة اعضاؤها —‏ ليس البعض بل الجميع —‏ في الواقع ليسوا جزءا من العالم،‏ اقتداء بالمسيح.‏ ولذلك هل كان يمكن ان يتورطوا في السياسة،‏ كما فعلت كنائس العالم المسيحي تكرارا؟‏ (‏يوحنا ١٥:‏١٩؛‏ ١٧:‏١٦‏)‏ وكان يجب على الهيئة المسيحية الحقيقية ان تشهد للاسم الالهي،‏ يهوه،‏ وتقوم بالعمل الذي امر به يسوع —‏ الكرازة ببشارة ملكوت اللّٰه.‏ وكجماعة القرن الاول،‏ كان يجب ان يكون جميع اعضائها لا مجرد قليلين منهم مبشرين مخلصين.‏ (‏اشعياء ٤٣:‏​١٠-‏١٢؛‏ متى ٢٤:‏١٤؛‏ ٢٨:‏​١٩،‏ ٢٠؛‏ كولوسي ٣:‏٢٣‏)‏ وكان العبَّاد الحقيقيون سيُعرَفون ايضا بمحبة التضحية بالذات واحدهم للآخر،‏ المحبة التي تتجاوز العوائق العرقية والقومية وتوحِّدهم في اخوَّة عالمية النطاق.‏ ومحبة كهذه كان يجب ان تَظهر لا في حالات منفردة بل بطريقة تميِّزهم حقا كهيئة.‏ —‏ يوحنا ١٣:‏​٣٤،‏ ٣٥‏.‏

من الواضح انه،‏ عندما بدأ وقت النهاية في السنة ١٩١٤،‏ لم تكن اية من كنائس العالم المسيحي تبلغ مقاييس الكتاب المقدس هذه المتعلقة بالجماعة المسيحية الحقيقية الواحدة.‏ ولكن ماذا عن تلاميذ الكتاب المقدس،‏ كما كان شهود يهوه معروفين آنذاك؟‏

بحث مثمر عن الحق

عندما كان ت.‏ ت.‏ رصل شابا،‏ توصل الى الاستنتاج ان العالم المسيحي قد اساء تمثيل الكتاب المقدس على نحو جسيم.‏ واعتقد ايضا ان الوقت قد حان لفهم كلمة اللّٰه وأن الذين يدرسون الكتاب المقدس باخلاص ويطبقونه في حياتهم سينالون الفهم.‏

اوضحت سيرة حياة رصل،‏ التي نُشرت بعد وقت قصير من موته:‏ «لم يكن مؤسِّسا لدين جديد،‏ ولم يدَّعِ ذلك قط.‏ لقد احيا الحقائق العظمى التي علَّمها يسوع والرسل،‏ ووجَّه نور القرن العشرين اليها.‏ ولم يدَّعِ وحيًا خصوصيا من اللّٰه،‏ لكنه اعتقد انه كان الوقت المعيَّن من اللّٰه لفهم الكتاب المقدس؛‏ وأنه،‏ اذ كان مكرَّسا كاملا للرب ولخدمته،‏ أُتيحت له فرصة فهمه.‏ ولأنه وقف نفسه لتنمية ثمر ونعمة الروح القدس،‏ تمَّ فيه وعد الرب:‏ ‹لأن هذه اذا كانت فيكم وكثرت تصيّركم لا متكاسلين ولا غير مثمرين لمعرفة ربنا يسوع المسيح.‏› —‏ ٢ بطرس ١:‏​٥-‏٨‏.‏» —‏ برج المراقبة،‏ ١ كانون الاول ١٩١٦،‏ ص ٣٥٦ (‏بالانكليزية)‏.‏

كان بحث ت.‏ ت.‏ رصل وعشرائه عن فهم الاسفار المقدسة مثمرا.‏ فكمحبين للحق،‏ آمنوا بأن الكتاب المقدس هو كلمة اللّٰه الموحى بها.‏ (‏٢ تيموثاوس ٣:‏​١٦،‏ ١٧‏)‏ ورفضوا افكار داروين المتعلقة بالتطور وآراء اصحاب النقد الاعلى للكتاب المقدس التي تهدم الايمان.‏ واذ قبلوا الاسفار المقدسة كمرجع اسمى،‏ رفضوا ايضا التعاليم غير المؤسسة على الاسفار المقدسة،‏ كالثالوث،‏ خلود النفس،‏ والعذاب الابدي —‏ العقائد التي لها جذور دينية وثنية.‏ وبين «الحقائق العظمى» التي قبلوها كان أن يهوه هو خالق جميع الاشياء،‏ أن يسوع المسيح هو ابن اللّٰه،‏ الذي قدَّم حياته فدية عن الآخرين،‏ وأنه عند رجوعه سيكون يسوع حاضرا بشكل غير منظور كمخلوق روحاني.‏ (‏متى ٢٠:‏٢٨؛‏ يوحنا ٣:‏١٦؛‏ ١٤:‏١٩؛‏ رؤيا ٤:‏١١‏)‏ وفهموا ايضا بوضوح ان الانسان نفس قابلة للموت.‏ —‏ تكوين ٢:‏٧؛‏ حزقيال ١٨:‏٢٠‏.‏

ليس ان تلاميذ الكتاب المقدس المقترنين برصل اكتشفوا كل هذه الحقائق؛‏ فالكثير كان قد فهمه في وقت ابكر اشخاص مخلصون يدَّعون المسيحية،‏ حتى ان بعضهم تمسكوا باقتناعاتهم بثبات عندما كانت معتقدات كهذه غير شعبية.‏ ولكن هل عمل اشخاص كهؤلاء وفق جميع مطالب الاسفار المقدسة للعبادة الحقة؟‏ مثلا،‏ هل تبيَّن انهم حقا ليسوا جزءا من العالم،‏ كما قال يسوع ان أتباعه الحقيقيين سيكونون؟‏

وفضلا عن نظرتهم الى الكتاب المقدس،‏ بأية طرائق اخرى برز تلاميذ الكتاب المقدس الاولون المقترنون برصل كأشخاص مختلفين؟‏ بالتأكيد،‏ في الغيرة التي اظهروها في الاشتراك مع الآخرين في معتقداتهم،‏ بتشديد خصوصي على المناداة باسم اللّٰه وملكوته.‏ ورغم ان عددهم كان قليلا نسبيا،‏ فقد وصلوا بسرعة الى عشرات البلدان بالبشارة.‏ وهل تبيَّن ايضا انهم حقا ليسوا جزءا من العالم كأتباع للمسيح؟‏ من بعض النواحي،‏ نعم.‏ لكنَّ ادراكهم للمسؤولية التي يشملها ذلك نما منذ الحرب العالمية الاولى حتى صار الآن الميزة البارزة لشهود يهوه.‏ ولا يجب ان نغفل عن انه عندما كانت الفرق الدينية الاخرى ترحّب بعصبة الامم،‏ ولاحقا بالامم المتحدة،‏ كان شهود يهوه ينادون بملكوت اللّٰه —‏ لا بأية هيئة بشرية الصنع —‏ بصفته الرجاء الوحيد للجنس البشري.‏

ولكن ألم تخضع بعض معتقدات شهود يهوه للتعديلات على مر السنين؟‏ فاذا كان اللّٰه قد اختارهم واقتادهم حقا،‏ واذا كانت تعاليمهم تحظى في المقام الاول بدعم الاسفار المقدسة،‏ فلماذا تكون تغييرات كهذه ضرورية؟‏

كيف يقود يهوه شعبه

ان الذين يؤلِّفون الهيئة المسيحية الحقيقية الواحدة اليوم ليست عندهم اعلانات ملائكية او وحي الهي.‏ ولكن عندهم الاسفار المقدسة الملهمة،‏ التي تحتوي على اعلانات لفكر اللّٰه ومشيئته.‏ فكهيئة وافراديا،‏ يجب ان يقبلوا الكتاب المقدس بصفته الحق الالهي،‏ ان يدرسوه بدقة،‏ وأن يدَعوه يعمل فيهم.‏ (‏١ تسالونيكي ٢:‏١٣‏)‏ ولكن كيف يصلون الى الفهم الصحيح لكلمة اللّٰه؟‏

يقول الكتاب المقدس نفسه:‏ «أليست للّٰه التعابير.‏» (‏تكوين ٤٠:‏٨‏)‏ فاذا وجدوا في درسهم للاسفار المقدسة عبارة صعبة الفهم،‏ يجب ان يبحثوا ليجدوا عبارات ملهمة اخرى تلقي ضوءا على الموضوع.‏ وهكذا يدَعون الكتاب المقدس يفسِّر نفسه،‏ ومن هذا يحاولون ان يفهموا «صورة» الحق المعلَنة في كلمة اللّٰه.‏ (‏٢ تيموثاوس ١:‏١٣‏)‏ ويهوه يقودهم او يوجِّههم نحو فهم كهذا بواسطة روحه القدوس.‏ ولكن للحصول على توجيه هذا الروح،‏ يجب ان ينمّوا ثمره،‏ ان لا يحزنوه او يعملوا ضده،‏ وأن يستجيبوا باستمرار لمذكِّراته.‏ (‏غلاطية ٥:‏​٢٢،‏ ٢٣،‏ ٢٥؛‏ افسس ٤:‏٣٠‏)‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ اذ يطبقون بغيرة ما يتعلَّمونه،‏ يستمرون في بناء ايمانهم كأساس لنيل فهم اوضح فأوضح لكيفية وجوب فعلهم مشيئة اللّٰه في العالم الذي هم ليسوا جزءا منه.‏ —‏ لوقا ١٧:‏٥؛‏ فيلبي ١:‏​٩،‏ ١٠‏.‏

يقود يهوه شعبه دائما نحو فهم اوضح لمشيئته.‏ (‏مزمور ٤٣:‏٣‏)‏ وكيفية توجيهه اياهم يمكن ايضاحها بهذه الطريقة:‏ اذا كان شخص ما في غرفة مظلمة لفترة طويلة من الوقت،‏ أليس من الافضل ان يتعرَّض للنور تدريجيا؟‏ لقد عرَّض يهوه شعبه لنور الحق بطريقة مماثلة؛‏ فقد انارهم تقدُّميا.‏ (‏قارنوا يوحنا ١٦:‏​١٢،‏ ١٣‏.‏)‏ وكان الامر كما تقول الامثال:‏ «أما سبيل الصديقين فكنور مشرق يتزايد وينير الى النهار الكامل.‏» —‏ امثال ٤:‏١٨‏.‏

ان تعاملات يهوه مع خدامه المختارين في ازمنة الكتاب المقدس تؤكد ان الفهم الواضح لمشيئته ومقاصده غالبا ما يأتي تدريجيا.‏ وهكذا،‏ لم يفهم ابرهيم تماما كيف كان قصد يهوه في ما يتعلق ‹بالنسل› سيتحقق.‏ (‏تكوين ١٢:‏​١-‏٣،‏ ٧؛‏ ١٥:‏​٢-‏٤‏؛‏ قارنوا عبرانيين ١١:‏٨‏.‏)‏ ولم يدرك دانيال النتيجة النهائية للنبوات التي سجلها.‏ (‏دانيال ١٢:‏​٨،‏ ٩‏)‏ واعترف يسوع عندما كان على الارض انه لا يعرف اليوم والساعة حين ينتهي نظام الاشياء الحاضر.‏ (‏متى ٢٤:‏٣٦‏)‏ ولم يفهم الرسل في البداية ان ملكوت يسوع سيكون سماويا،‏ أنه لم يكن ليتأسس في القرن الاول،‏ وأنه يمكن حتى للامم ان يرثوه.‏ —‏ لوقا ١٩:‏١١؛‏ اعمال ١:‏​٦،‏ ٧؛‏ ١٠:‏​٩-‏١٦،‏ ٣٤،‏ ٣٥؛‏ ٢ تيموثاوس ٤:‏١٨؛‏ رؤيا ٥:‏​٩،‏ ١٠‏.‏

لا يجب ان يدهشنا ان يهوه في الازمنة العصرية ايضا كثيرا ما يقود شعبه كهيئة تقدُّمية،‏ منيرا اياهم تدريجيا من جهة حقائق الكتاب المقدس.‏ ليس ان الحقائق نفسها تتغيَّر.‏ فالحق يبقى حقا.‏ ومشيئة يهوه وقصده،‏ كما هما مرسومان في الكتاب المقدس،‏ يبقيان ثابتين.‏ (‏اشعياء ٤٦:‏١٠‏)‏ ولكنَّ فهمهم لهذه الحقائق يصير تقدُّميا اوضح «في حينه،‏» في وقت يهوه المعيَّن.‏ (‏متى ٢٤:‏٤٥‏؛‏ قارنوا دانيال ١٢:‏​٤،‏ ٩‏.‏)‏ وأحيانا،‏ بسبب خطإ بشري او غيرة في غير موضعها،‏ قد تحتاج وجهة نظرهم الى تعديل.‏

مثلا،‏ في اوقات مختلفة من تاريخ شهود يهوه العصري،‏ ادَّت غيرتهم وحماستهم لتبرئة سلطان يهوه الى توقعات قبل الاوان تتعلق بوقت اتيان نهاية نظام اشياء الشيطان الشرير.‏ (‏حزقيال ٣٨:‏​٢١-‏٢٣‏)‏ لكنَّ يهوه لم يكشف مسبقا عن الوقت بالضبط.‏ (‏اعمال ١:‏٧‏)‏ ولذلك كان على شعب يهوه ان يعدِّلوا آراءهم في هذا الموضوع.‏

وتعديلات كهذه في وجهة النظر لا تعني ان قصد اللّٰه قد تغيَّر.‏ ولا توحي بأن نهاية هذا النظام هي بالضرورة في المستقبل البعيد.‏ وعلى العكس،‏ ان اتمام نبوات الكتاب المقدس عن «اختتام نظام الاشياء» يؤكد اقتراب النهاية.‏ (‏متى ٢٤:‏٣‏،‏ ع‌ج‏)‏ وهل تعني حيازة شهود يهوه توقعات قبل الاوان ان اللّٰه لا يقودهم؟‏ كلا،‏ تماما كما ان سؤال التلاميذ عن قرب الملكوت في ايامهم لم يعنِ انهم لم يكونوا مختارين ومقتادين من اللّٰه!‏ —‏ اعمال ١:‏٦‏؛‏ قارنوا اعمال ٢:‏٤٧؛‏ ٦:‏٧‏.‏

ولماذا شهود يهوه هم على يقين الى هذا الحد من انه لديهم الدين الحقيقي؟‏ لأنهم يؤمنون ويقبلون ما يقوله الكتاب المقدس عن السِّمات التي تثبت هوية العبَّاد الحقيقيين.‏ وتاريخهم العصري،‏ كما نوقش في الفصول السابقة من هذه المطبوعة،‏ يظهر انهم،‏ ليس فقط كأفراد بل كهيئة،‏ يبلغون المطالب:‏ يدافعون بولاء عن الكتاب المقدس بصفته كلمة حق اللّٰه المقدسة (‏يوحنا ١٧:‏١٧‏)‏؛‏ يبقون منفصلين كاملا عن الشؤون العالمية (‏يعقوب ١:‏٢٧؛‏ ٤:‏٤‏)‏؛‏ يشهدون للاسم الالهي،‏ يهوه،‏ وينادون بملكوت اللّٰه بصفته الرجاء الوحيد للجنس البشري (‏متى ٦:‏٩؛‏ ٢٤:‏١٤؛‏ يوحنا ١٧:‏٢٦‏)‏؛‏ ويحبون بعضهم بعضا باخلاص.‏ —‏ يوحنا ١٣:‏​٣٤،‏ ٣٥‏.‏

ولماذا المحبة سمة بارزة تثبت هوية عبَّاد الاله الحقيقي؟‏ ايّ نوع من المحبة هو ما يثبت هوية المسيحيين الحقيقيين؟‏

‏[الحاشية]‏

^ اصدار جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس في نيويورك.‏

‏[النبذة في الصفحة ٧٠٥]‏

حالما اختارهم اللّٰه،‏ كان من الحيوي ان يبقوا طائعين لشرائعه

‏[النبذة في الصفحة ٧٠٦]‏

كيف كان سيجري اثبات هوية العبَّاد الحقيقيين العائشين في وقت النهاية؟‏

‏[النبذة في الصفحة ٧٠٧]‏

‏«لم يدَّعِ وحيًا خصوصيا من اللّٰه»‏

‏[النبذة في الصفحة ٧٠٨]‏

يدَعون الكتاب المقدس يفسِّر نفسه

‏[النبذة في الصفحة ٧٠٩]‏

يهوه يقود شعبه كهيئة تقدُّمية،‏ منيرا اياها تدريجيا من جهة حقائق الكتاب المقدس