الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

‏«ليسوا جزءا من العالم»‏

‏«ليسوا جزءا من العالم»‏

الفصل ١٤

‏«ليسوا جزءا من العالم»‏

الدين العصري هو،‏ في الغالب،‏ جزء من العالم الى حد بعيد،‏ ولذلك يشترك في احتفالات العالم ويعكس روحه القومية.‏ ورجال دينه غالبا ما يعترفون بهذا الواقع،‏ وكثيرون منهم يعجبهم ان يكون الامر كذلك.‏ وفي تباين حادّ،‏ قال يسوع عن أتباعه الحقيقيين:‏ «ليسوا جزءا من العالم كما اني انا لست جزءا من العالم.‏» —‏ يوحنا ١٧:‏١٦‏،‏ ع‌ج‏.‏

فماذا يظهر السجل في ما يتعلق بشهود يهوه من هذا القبيل؟‏ وهل اعطوا الدليل المقنع على انهم ليسوا جزءا من العالم؟‏

الموقف تجاه رفقائهم البشر

كان تلاميذ الكتاب المقدس الاولون يدركون جيدا ان المسيحيين الحقيقيين ليسوا جزءا من العالم.‏ وأوضحت برج المراقبة انه اذ جرى تقديس أتباع المسيح الممسوحين وولادتهم من الروح القدس لكي يشتركوا في الملكوت السماوي،‏ صاروا بعمل اللّٰه هذا مفروزين من العالم.‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ بيَّنت انهم كانوا تحت التزام تجنُّب روح العالم —‏ اهدافه،‏ طموحاته،‏ وآماله،‏ فضلا عن طرقه الانانية.‏ —‏ ١ يوحنا ٢:‏​١٥-‏١٧‏.‏

فهل اثَّر ذلك في موقف تلاميذ الكتاب المقدس من الناس الذين لم يشتركوا في معتقداتهم؟‏ لا شك ان ذلك لم يجعلهم نُسَّاكا.‏ لكنَّ اولئك الذين طبَّقوا حقا ما كانوا يتعلَّمونه من الاسفار المقدسة لم يطلبوا رفقة الناس العالميين بحيث يشتركون في نمط حياتهم.‏ ووجَّهت برج المراقبة خدام اللّٰه الى مشورة الكتاب المقدس ان ‹يعملوا الخير للجميع.‏› ونصحت ايضا انه عندما يُضطهدون يجب ان يبذلوا الجهد لتجنُّب مشاعر الانتقام،‏ وعوضا عن ذلك،‏ كما قال يسوع،‏ يجب ان ‹يحبوا اعداءهم.‏› (‏غلاطية ٦:‏١٠؛‏ متى ٥:‏​٤٤-‏٤٨‏)‏ وحثتهم خصوصا على السعي الى الاشتراك مع الآخرين في الحقائق الثمينة المتعلقة بتدبير اللّٰه للخلاص.‏

من المفهوم ان فعلهم هذه الامور كان سيجعلهم مختلفين في نظر العالم.‏ لكنَّ عدم الكينونة جزءا من العالم يشمل اكثر من ذلك —‏ اكثر بكثير.‏

منفصلون ومختلفون عن بابل العظيمة

لكي لا يكونوا جزءا من العالم وجب ألا يكونوا جزءا من الانظمة الدينية التي كانت متورطة عميقا في شؤون العالم والتي كانت قد امتصت عقائد وعادات من بابل القديمة،‏ العدوة القديمة العهد للعبادة الحقة.‏ (‏ارميا ٥٠:‏٢٩‏)‏ وعندما اندلعت الحرب العالمية الاولى،‏ كان تلاميذ الكتاب المقدس لعقود يشهِّرون الجذور الوثنية لعقائد العالم المسيحي كالثالوث،‏ خلود النفس البشرية،‏ ونار الهاوية.‏ وكشفوا ايضا عن سجل محاولة الكنائس التأثير في الحكومات لغاياتها الانانية.‏ وبسبب عقائد وممارسات العالم المسيحي،‏ قرنه تلاميذ الكتاب المقدس بـ‍ «بابل العظيمة.‏» (‏رؤيا ١٨:‏٢‏)‏ وبيَّنوا انه مزج الحق بالخطإ،‏ المسيحية الفاترة بالامور العالمية الصريحة،‏ وأن لقب الكتاب المقدس «بابل» (‏ومعناه «بلبلة»)‏ يصف جيدا هذه الحالة.‏ وحثّوا محبي اللّٰه على الخروج من «بابل.‏» (‏رؤيا ١٨:‏٤‏)‏ ولهذا الغرض،‏ في اواخر كانون الاول ١٩١٧ وأوائل ١٩١٨،‏ وزَّعوا ٠٠٠‏,٠٠٠‏,١٠ نسخة من The Bible Students Monthly  (‏شهرية تلاميذ الكتاب المقدس‏)‏ التي ابرزت الموضوع «سقوط بابل،‏» الذي كان تشهيرا شديد الوقع للعالم المسيحي.‏ وهذا بدوره ادَّى الى عداء مرّ من رجال الدين،‏ الذين استغلّوا هستيريا زمن الحرب في محاولة لسحق عمل شهود يهوه.‏

وبشكل لا يمكن تجنُّبه،‏ كان الخروج من بابل العظيمة يشمل الانسحاب من العضوية في الهيئات التي تدافع عن عقائدها الباطلة.‏ وتلاميذ الكتاب المقدس فعلوا ذلك،‏ على الرغم من انهم لسنين عديدة اعتبروا الافراد في الكنائس الذين ادَّعوا التكريس التام والايمان بالفدية اخوة مسيحيين.‏ إلا ان تلاميذ الكتاب المقدس لم يكتبوا فقط رسائل انسحاب من كنائس العالم المسيحي،‏ ولكنَّ البعض،‏ عندما كان ذلك ممكنا،‏ قرأوا رسائلهم عاليا في اجتماعات الكنيسة حيث كان ملائما ان يعبِّر الاعضاء عن رأيهم بحرية.‏ وعندما لم يكن ذلك ممكنا،‏ كان بامكانهم ان يرسلوا نسخة من رسالة انسحابهم —‏ رسالة لطيفة تحتوي على شهادة ملائمة —‏ الى كل عضو في الجماعة الكنسية.‏

وهل كانوا يتيقنون ايضا انهم لا يأخذون معهم ايا من العادات والممارسات الاثيمة لتلك الهيئات؟‏ ماذا كانت الحالة في الفترة المؤدية الى الحرب العالمية الاولى؟‏

هل يجب ان يختلط الدين بالسياسة؟‏

في الميدان السياسي،‏ لفترة طويلة كان حكام العديد من الامم الرائدة،‏ بسبب صِلاتهم بالكنيسة الكاثوليكية او الپروتستانتية،‏ قد ادَّعوا انهم يحكمون ‹بحق الهي،‏› كممثلين لملكوت اللّٰه وبرضا اللّٰه الخصوصي.‏ والكنيسة اعطت بركتها للحكومة؛‏ وبدورها،‏ اعطت الحكومة دعمها للكنيسة.‏ فهل انغمس تلاميذ الكتاب المقدس ايضا في ذلك؟‏

عوضا عن التمثُّل بكنائس العالم المسيحي،‏ سعوا الى التعلُّم من تعاليم ومثال يسوع المسيح ورسله.‏ فماذا اظهر لهم درسهم للكتاب المقدس؟‏ تكشف مطبوعات برج المراقبة الباكرة انهم كانوا مدركين انه عندما استجوب الحاكم الروماني بيلاطس البنطي يسوع،‏ ذكر:‏ «مملكتي ليست (‏جزءا)‏ من هذا العالم.‏» وردًّا على سؤال حول دور يسوع،‏ قال للحاكم:‏ «لهذا قد وُلدت انا ولهذا قد اتيت الى العالم لأشهد للحق.‏» (‏يوحنا ١٨:‏​٣٦،‏ ٣٧‏)‏ وعرف تلاميذ الكتاب المقدس ان يسوع التصق دون تردد بهذا التعيين.‏ وعندما عرض عليه ابليس جميع ممالك العالم ومجدها،‏ رفض.‏ وعندما اراد الناس ان يجعلوه ملكا،‏ انسحب.‏ (‏متى ٤:‏​٨-‏١٠؛‏ يوحنا ٦:‏١٥‏)‏ وتلاميذ الكتاب المقدس لم يتجنَّبوا واقع ان يسوع اشار الى ابليس بصفته «رئيس هذا العالم» وقال ان ابليس ‹ليس له فيه شيء.‏› (‏يوحنا ١٤:‏٣٠‏)‏ واستطاعوا ان يروا ان يسوع لم يطلب لنفسه او لأتباعه الانهماك في نظام روما السياسي لكنه كان مشغولا تماما باعلان ‹بشارة ملكوت اللّٰه.‏› —‏ لوقا ٤:‏٤٣‏.‏

هل شجَّع اعتقادهم بهذه الامور المسجلة في كلمة اللّٰه على عدم الاحترام للسلطة الحكومية؟‏ كلا على الاطلاق.‏ وانما ساعدهم ان يفهموا لماذا المشاكل التي تواجه الحكام ساحقة الى هذا الحد،‏ لماذا هنالك الكثير جدا من الاثم،‏ ولماذا تخيب في الغالب البرامج الحكومية لتحسين نصيب الناس.‏ ان معتقدهم جعلهم يصبرون في وجه المشقة،‏ اذ لديهم الثقة بأن اللّٰه في وقته المعيَّن سيجلب الراحة الدائمة بواسطة ملكوته.‏ وقد فهموا في ذلك الوقت ان «السلطات العليا،‏» المشار اليها في رومية ١٣:‏​١-‏٧ (‏م‌ج‏)‏،‏ هي الحكام الدنيويون.‏ ووفقا لذلك حثّوا على احترام الرسميين الحكوميين.‏ وعند مناقشة رومية ١٣:‏٧‏،‏ ذكر ت.‏ ت.‏ رصل في كتاب الخليقة الجديدة (‏الصادر في السنة ١٩٠٤)‏ ان المسيحيين الحقيقيين «سيكونون بصورة طبيعية الاكثر اخلاصا في اعترافهم بعظماء هذا العالم،‏ والاكثر اطاعة للقوانين ومتطلبات القانون،‏ إلا حيث توجد هذه في تعارض مع المطالب والوصايا السماوية.‏ وقليلون من الحكام الارضيين في ايامنا،‏ هذا اذا وُجدوا،‏ سينتقدون الاعتراف بخالق اسمى وولاء اسمى لوصاياه.‏ اذًا،‏ لا بد ان يوجد [المسيحيون الحقيقيون] بين مَن هم اكثر اطاعة للقانون في الوقت الحاضر —‏ لا المشاغبين،‏ لا المشاكسين،‏ لا المنتقدين.‏»‏

وكمسيحيين،‏ عرف تلاميذ الكتاب المقدس ان العمل الذي يجب ان يقفوا انفسهم له هو الكرازة بملكوت اللّٰه.‏ وكما ذُكر في المجلد الاول من دروس في الاسفار المقدسة،‏ «اذا جرى القيام بذلك بأمانة،‏ فلن يكون هنالك وقت او ميل الى الخوض في سياسة الحكومات الحاضرة.‏»‏

ومن هذا القبيل كانوا الى حد كبير كأولئك المسيحيين الاولين الذين وصفهم اوغسطوس نياندر في كتاب تاريخ الدين المسيحي والكنيسة،‏ خلال القرون الثلاثة الاولى:‏ «وقف المسيحيون بعيدين ومنفصلين عن الدولة،‏ .‏ .‏ .‏ وبدا ان المسيحية قادرة على التأثير في الحياة المدنية فقط بتلك الطريقة التي لا بد من الاعتراف بأنها الاطهر،‏ من خلال السعي فعلا الى بث الشعور المقدس اكثر فأكثر في مواطني الدولة.‏»‏

عندما ذهب العالم الى الحرب

ان احداث الحرب العالمية الاولى حول الكرة الارضية امتحنت بشدة ادعاءات اولئك الذين زعموا انهم مسيحيون.‏ لقد كانت افظع حرب شُنَّت حتى ذلك الوقت؛‏ فسكان العالم كله تقريبا تورطوا بطريقة او بأخرى.‏

سعى البابا بنيديكت الخامس عشر،‏ على الرغم من تعاطف الڤاتيكان مع دول الوسط،‏ الى المحافظة على مظهر من الحياد.‏ ولكن داخل كل امة لم يحافظ رجال الدين،‏ الكاثوليك والپروتستانت،‏ على مثل هذا الموقف المحايد.‏ وفي ما يتعلق بالوضع في الولايات المتحدة،‏ كتب الدكتور راي ابرامز،‏ في كتابه كارزون يقدِّمون اسلحة:‏ «ادَّعت الكنائس وحدة قصد غير معروفة حتى الآن في الحوليات الدينية.‏ .‏ .‏ .‏ ولم يضيِّع القادة ايّ وقت في تنظيم انفسهم كاملا على اساس زمن الحرب.‏ وفي غضون اربع وعشرين ساعة بعد اعلان الحرب وضع المجمع الفيديرالي لكنائس المسيح في اميركا خططا للتعاون الاكمل.‏ .‏ .‏ .‏ والكنيسة الكاثوليكية الرومانية،‏ التي تنظَّمت لخدمة مماثلة تحت اشراف مجمع الحرب الكاثوليكي القومي،‏ الذي قاده اربعة عشر رئيسا للاساقفة مع الكردينال ڠيبونز كرئيس،‏ اعربت عن تفانٍ مماثل للقضية.‏ .‏ .‏ .‏ ومضت كنائس عديدة الى حد ابعد بكثير مما طُلب منها.‏ فقد صارت مراكز تجنيد لتطوع الجنود.‏» فماذا فعل تلاميذ الكتاب المقدس؟‏

على الرغم من انهم سعوا الى فعل ما شعروا بأنه مرضيّ عند اللّٰه،‏ لم يكن موقفهم دائما موقف الحياد التام.‏ وما فعلوه اثَّر فيه الاعتقاد،‏ الذي اشترك فيه آخرون من المدَّعين المسيحية،‏ بأن «السلطات العليا» كانت «معيَّنة من اللّٰه» بحسب نص ترجمة الملك جيمس.‏ (‏رومية ١٣:‏١‏)‏ وهكذا،‏ بناء على تصريح لرئيس الولايات المتحدة،‏ حثَّت برج المراقبة تلاميذ الكتاب المقدس على الاشتراك في حفظ ٣٠ ايار ١٩١٨ بصفته يوم صلاة وتضرع في ما يتعلق بنتيجة الحرب العالمية.‏ *

وخلال سنوات الحرب تنوَّعت الظروف التي أُقحم فيها تلاميذ الكتاب المقدس الافراد.‏ والطريقة التي عالجوا بها هذه الاوضاع تنوَّعت ايضا.‏ واذ شعروا بالتزام اطاعة «السلطات الكائنة،‏» التي تشير الى الحكام الدنيويين،‏ ذهب البعض الى الخنادق في الجبهة ومعهم البنادق والحراب.‏ ولكن اذ فكَّروا في الآية،‏ «لا تقتل،‏» كانوا يطلقون النار من اسلحتهم في الهواء او يحاولون مجرد ايقاع السلاح من يدي الخصم.‏ (‏خروج ٢٠:‏١٣‏)‏ وقليلون،‏ مثل رِميجيو كومينِتي،‏ في ايطاليا،‏ رفضوا ارتداء بِزَّة عسكرية.‏ والحكومة الايطالية في ذلك الوقت لم تستثنِ ايّ شخص لا يشهر السلاح لاسباب تتعلق بالضمير.‏ فخضع للمحاكمة خمس مرات وحُجِز في السجون وفي مؤسسة للامراض العقلية،‏ لكنَّ ايمانه وتصميمه بقيا غير متزعزعين.‏ وفي انكلترا عُيِّن بعض الذين قدَّموا طلب اعفاء في عمل من طبيعة قومية او في فيلق غير محارب.‏ وآخرون،‏ مثل پرايس هيوز،‏ تبنَّوا موقف الحياد التام،‏ بصرف النظر عن العواقب اللاحقة بهم شخصيا.‏

عند تلك المرحلة على الاقل،‏ لم يكن السجل الاجمالي لتلاميذ الكتاب المقدس تماما كذاك الذي للمسيحيين الاولين الموصوفين في نشوء المسيحية،‏ بقلم إ.‏ و.‏ بارنز،‏ الذي ذكر:‏ «تظهر المراجعة الدقيقة لكل المعلومات المتوافرة انه،‏ حتى زمن ماركوس أورليوس [امبراطور روماني من ١٦١ الى ١٨٠ ب‌م]،‏ ما من مسيحي صار جنديا؛‏ وما من جندي،‏ بعد صيرورته مسيحيا،‏ بقي في الخدمة العسكرية.‏»‏

ولكن بعدئذ،‏ عند نهاية الحرب العالمية الاولى،‏ نشأ وضع آخر جعل الفِرق الدينية تُظهر اين هو ولاؤها.‏

تعبير سياسي لملكوت اللّٰه؟‏

وُقِّعت معاهدة سلام،‏ بما فيها ميثاق عصبة الامم،‏ في ڤرساي،‏ فرنسا،‏ في ٢٨ حزيران ١٩١٩.‏ وحتى قبل توقيع معاهدة السلام هذه صرَّح علنا المجمع الفيديرالي لكنائس المسيح في اميركا بأن العصبة ستكون «التعبير السياسي لملكوت اللّٰه على الارض.‏» وتلقَّى مجلس الشيوخ للولايات المتحدة سيلا من الرسائل من فِرق دينية تحثه على الاقرار بميثاق عصبة الامم.‏

لم يشترك شهود يهوه في تأييد عصبة الامم.‏ وحتى قبل التصديق على معاهدة السلام (‏في تشرين الاول)‏،‏ ألقى ج.‏ ف.‏ رذرفورد محاضرة في سيدر پوينت،‏ اوهايو،‏ في ٧ ايلول ١٩١٩،‏ اظهر فيها انه ليس عصبة الامم بل الملكوت الذي اقامه اللّٰه نفسه هو الرجاء الوحيد للبشرية المتضايقة.‏ وعلى الرغم من اعترافهم بأن التحالف البشري لتحسين الاحوال يمكن ان ينجز الكثير من الخير،‏ فان تلاميذ الكتاب المقدس هؤلاء لم يديروا ظهورهم لملكوت اللّٰه من اجل وسيلة سياسية اقامها السياسيون وباركها رجال الدين.‏ وعوضا عن ذلك،‏ تولَّوا عمل اعطاء شهادة عالمية النطاق عن الملكوت الذي وضعه اللّٰه بين يدي يسوع المسيح.‏ (‏رؤيا ١١:‏١٥؛‏ ١٢:‏١٠‏)‏ وفي برج المراقبة عدد ١ تموز ١٩٢٠ (‏بالانكليزية)‏ أُوضِح ان ذلك هو العمل الذي سبق وأنبأ به يسوع في متى ٢٤:‏١٤‏.‏

ومرة اخرى،‏ عقب الحرب العالمية الثانية،‏ واجه المسيحيون قضية مماثلة.‏ وهذه المرة كانت تتعلق بالامم المتحدة،‏ خليفة العصبة.‏ وفيما كانت الحرب العالمية الثانية لا تزال جارية،‏ في السنة ١٩٤٢،‏ كان شهود يهوه قد فهموا من الكتاب المقدس،‏ في الرؤيا ١٧:‏٨‏،‏ ان منظمة السلام العالمية ستقوم ثانية،‏ وأنها ايضا ستفشل في جلب السلام الدائم.‏ وهذا ما اوضحه ن.‏ ه‍.‏ نور،‏ رئيس جمعية برج المراقبة في ذلك الحين،‏ في محاضرة المحفل «السلام —‏ هل يمكن ان يدوم؟‏» وبجرأة اعلن شهود يهوه هذا الرأي في الوضع العالمي المتطور.‏ ومن ناحية اخرى،‏ شارك فعليا القادة الكاثوليك،‏ الپروتستانت،‏ واليهود في المشاورات في سان فرانسيسكو في السنة ١٩٤٥ التي أُعدّ خلالها ميثاق الامم المتحدة.‏ ولمراقبي هذه التطورات بدا واضحا مَن اراد ان يكون «صديقا للعالم» ومَن كان يسعى ألا يكون «جزءا من العالم،‏» كما قال يسوع انه سيصح في تلاميذه.‏ —‏ يعقوب ٤:‏٤‏،‏ ع‌ج‏؛‏ يوحنا ١٧:‏١٤‏،‏ ع‌ج‏.‏

سجل للحياد المسيحي

على الرغم من ان شهود يهوه فهموا سريعا بعض القضايا التي تشمل علاقة المسيحي بالعالم،‏ تطلبت مسائل اخرى مزيدا من الوقت.‏ ولكن،‏ اذ ازدادت الحرب العالمية الثانية زخما في اوروپا،‏ ساعدتهم مقالة مهمة في برج المراقبة عدد ١ تشرين الثاني ١٩٣٩ (‏بالانكليزية)‏ على تقدير معنى الحياد المسيحي.‏ فذكرت المقالة ان أتباع يسوع المسيح ملزمون امام اللّٰه بأن يكونوا مخلصين كليا له ولملكوته،‏ الثيوقراطية.‏ وصلواتهم يجب ان تكون لاجل ملكوت اللّٰه،‏ لا العالم.‏ (‏متى ٦:‏​١٠،‏ ٣٣‏)‏ وعلى ضوء ما كشفه يسوع المسيح عن هوية حاكم العالم غير المنظور (‏يوحنا ١٢:‏٣١؛‏ ١٤:‏٣٠‏)‏ سألت المقالة،‏ كيف يمكن لشخص مخلص لملكوت اللّٰه ان يتحيز لجهة او لاخرى في نزاع بين احزاب العالم؟‏ ألم يقل يسوع عن أتباعه:‏ «ليسوا جزءا من العالم،‏ كما اني انا لست جزءا من العالم»؟‏ (‏يوحنا ١٧:‏١٦‏،‏ ع‌ج‏)‏ ان موقف الحياد المسيحي هذا لم يكن موقفا يفهمه العالم عموما.‏ ولكن هل كان شهود يهوه سيحيون حقا وفقا لذلك؟‏

لقد وُضع حيادهم تحت امتحان قاسٍ خلال الحرب العالمية الثانية،‏ وبشكل بارز في المانيا.‏ ذكر المؤرخ بريان دَن:‏ ‹لم يكن شهود يهوه على انسجام مع النازية.‏ والشيء الاهم الذي لم يكن النازيون يوافقونهم عليه هو حيادهم السياسي.‏ وعنى ذلك انه ما من مؤمن سيحمل السلاح،‏ يشغل منصبا سياسيا،‏ يشترك في المهرجانات الشعبية،‏ او يرسم اشارة الولاء.‏› (‏تجاوب الكنائس مع المحرقة،‏ ١٩٨٦)‏ وفي تاريخ للمسيحية،‏ اضاف پول جونسون:‏ «كثيرون حُكم عليهم بالموت بسبب رفض الخدمة العسكرية .‏ .‏ .‏ او انتهوا الى داخاو او مستشفيات المجانين.‏» وكم شاهدا سُجن في المانيا؟‏ اخبر شهود يهوه في المانيا في وقت لاحق ان ٢٦٢‏,٦ منهم ألقي القبض عليهم و ٠٧٤‏,٢ من هذا العدد وُضعوا في معسكرات الاعتقال.‏ ويختار الكتّاب الدنيويون عادةً ارقاما اعلى.‏

وفي بريطانيا،‏ حيث جرى تجنيد الرجال والنساء على السواء،‏ تضمَّن القانون ترتيبا للاعفاء؛‏ لكنَّ محاكم عديدة حرمت شهود يهوه ذلك،‏ وفرض عليهم القضاة احكاما بالسجن لمدة تتجاوز الـ‍ ٦٠٠ سنة في مجموعها.‏ وفي الولايات المتحدة،‏ أُعفي مئات من شهود يهوه من الخدمة العسكرية كخدام مسيحيين.‏ واكثر من ٠٠٠‏,٤ آخرين،‏ اذ حُرِموا من الاعفاء الذي يمنحه قانون الخدمة العسكرية الالزامية،‏ أُلقي القبض عليهم وسُجنوا لمدة تصل الى خمس سنوات.‏ وفي كل بلد على الارض تمسَّك شهود يهوه بموقف الحياد المسيحي نفسه.‏

لكنَّ امتحان اصالة حيادهم لم يتوقف عند نهاية الحرب.‏ فعلى الرغم من انقضاء ازمة ١٩٣٩-‏١٩٤٥،‏ حدثت صراعات اخرى؛‏ وحتى خلال اوقات السلام النسبي اختارت امم عديدة ابقاء الخدمة العسكرية الاجبارية.‏ وشهود يهوه،‏ كخدام مسيحيين،‏ استمروا يواجهون السجن عند عدم منحهم الاعفاء.‏ وفي السنة ١٩٤٩ عندما رفض جون تسوكاريس وجورج اورفانيديس ان يشهرا السلاح ضد رفقائهما البشر،‏ اصدرت الحكومة اليونانية امرا باعدامهما.‏ والعقوبة (‏المختلفة الاشكال)‏ التي كانت تُفرض على شهود يهوه في اليونان كانت قاسية بشكل متكرر حتى انه في حينه سعى مجلس اوروپا (‏لجنة حقوق الانسان)‏ الى استعمال نفوذه لمصلحتهم،‏ ولكن نتيجة للضغط من الكنيسة الارثوذكسية اليونانية،‏ كانت مطالباتهم حتى السنة ١٩٩٢ تُحبَط بالمكر والحيلة.‏ ومع ذلك،‏ وجدته بعض الحكومات امرا بغيضا ان تستمر في معاقبة شهود يهوه على معتقداتهم الدينية لاسباب تتعلق بالضمير.‏ وفي تسعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ في بلدان قليلة كالسويد،‏ فنلندا،‏ پولندا،‏ النَّذَرلند،‏ والارجنتين،‏ لم تكن الحكومة تضغط على الشهود النشاطى لينخرطوا في الخدمة العسكرية او في الخدمة القومية الاجبارية البديلة،‏ بالرغم من فحص كل حالة بدقة.‏

وفي مكان بعد آخر كان على شهود يهوه ان يواجهوا حالات تتحدَّى حيادهم المسيحي.‏ فالحكومات الحاكمة في اميركا اللاتينية،‏ افريقيا،‏ الشرق الاوسط،‏ ايرلندا الشمالية،‏ وأمكنة اخرى لاقت مقاومة عنيفة من القوى الثورية.‏ ونتيجة لذلك ضغطت الحكومات والقوى المعارضة على السواء على شهود يهوه من اجل الدعم الفعَّال.‏ لكنَّ شهود يهوه حافظوا على الحياد التام.‏ فضُرِب البعض بوحشية،‏ وحتى أُعدموا،‏ بسبب الموقف الذي اتخذوه.‏ ومع ذلك،‏ غالبا ما كان الحياد المسيحي الاصيل لشهود يهوه يفوز باحترام الرسميين في كلا الجانبين،‏ ويُسمَح للشهود بالاستمرار دون مضايقة في عملهم لاخبار الآخرين البشارة عن ملكوت يهوه.‏

وفي ستينات وسبعينات الـ‍ ١٩٠٠ خضع حياد الشهود لامتحانات قاسية في ما يتعلق بطلب ملاوي من جميع مواطنيها ان يشتروا بطاقة تدل على العضوية في الحزب السياسي الحاكم.‏ فاعتبر شهود يهوه اشتراكهم في ذلك مخالفا لمعتقداتهم المسيحية.‏ ونتيجة لذلك،‏ أُخضعوا لاضطهاد لم يسبق له مثيل في وحشيته المفرطة.‏ فاضطر عشرات الآلاف الى هجر البلد،‏ وكثيرون على مر الوقت أُعيدوا قسرا الى موطنهم ليواجهوا المزيد من الوحشية.‏

وعلى الرغم من اضطهاد شهود يهوه بعنف،‏ لم يتجاوبوا بروح التمرد.‏ فمعتقداتهم لا تعرِّض للخطر اية حكومة يحيون في ظلها.‏ وعلى سبيل التباين،‏ ساعد المجمع العالمي للكنائس في تمويل الثورات،‏ ودعَم الكهنةُ الكاثوليك قوى العصابات.‏ أما اذا انهمك احد شهود يهوه في نشاط مخرِّب،‏ فذلك يكون معادلا لانكار ايمانه.‏

صحيح ان شهود يهوه يعتقدون ان كل الحكومات البشرية سيزيلها ملكوت اللّٰه.‏ هذا ما يذكره الكتاب المقدس في دانيال ٢:‏٤٤‏.‏ ولكن،‏ كما يبيِّن الشهود،‏ عوضا عن القول ان البشر سيقيمون هذا الملكوت،‏ تعلن الآية ان ‹‏اله السموات يقيم مملكة.‏› وكذلك يوضحون ان الآية لا تقول ان البشر مفوَّض اليهم من اللّٰه ان يمهدوا السبيل لهذا الملكوت بازالة السيادات البشرية.‏ ويدرك شهود يهوه ان عمل المسيحيين الحقيقيين انما هو الكرازة والتعليم.‏ (‏متى ٢٤:‏١٤؛‏ ٢٨:‏​١٩،‏ ٢٠‏)‏ وانسجاما مع احترامهم لكلمة اللّٰه،‏ يُظهر السجل انه لا احد منهم حاول في وقت ما ان يقلب حكومة من ايّ نوع في ايّ مكان من العالم،‏ او تآ‌مر في وقت ما لالحاق الاذى بأيّ رسمي حكومي.‏ قالت الصحيفة الايطالية لا ستامپا في ما يتعلق بشهود يهوه:‏ «انهم المواطنون الاكثر ولاء الذين يمكن لاحد ان يرغب فيهم:‏ فهم لا يتملصون من دفع الضرائب ولا يسعون الى الافلات من قوانين غير ملائمة من اجل ربحهم الخاص.‏» ومع ذلك،‏ بسبب ادراك خطورة المسألة في عيني اللّٰه،‏ يصمِّم كلٌّ منهم بثبات على الاستمرار في عدم كونه «جزءا من العالم.‏» —‏ يوحنا ١٥:‏١٩‏،‏ ع‌ج‏؛‏ يعقوب ٤:‏٤‏.‏

عندما صارت الرموز القومية اهدافا للعبادة

عند تولّي ادولف هتلر السلطة في المانيا،‏ اجتاحت العالم موجة من الهستيريا الوطنية.‏ وبغية اخضاع الناس لتنظيم صارم جُعِل الاشتراك في الشعائر الوطنية إلزاميا.‏ وفي المانيا كان مطلوبا من كل واحد ان يؤدّي تحية مفروضة ويهتف،‏ ‏«هايل هتلر!‏»‏ وكانت هذه تمجيدا لهتلر كمخلِّص؛‏ وكان القصد منها نقل الفكرة ان كل آمال الناس تتركز حول قيادته.‏ لكنَّ شهود يهوه لم يكن باستطاعتهم الاشتراك في مثل هذه المشاعر.‏ فقد عرفوا ان عبادتهم يجب ان تقدَّم فقط ليهوه وأنه اقام يسوع المسيح مخلِّصا للجنس البشري.‏ —‏ لوقا ٤:‏٨؛‏ ١ يوحنا ٤:‏١٤‏.‏

وحتى قبل ان يصير هتلر دكتاتورا في المانيا،‏ راجع شهود يهوه في كراس الملكوت،‏ رجاء العالم (‏الصادر في السنة ١٩٣١)‏ مثال الاسفار المقدسة للرفقاء العبرانيين الشجعان الثلاثة للنبي دانيال في بابل.‏ فعندما امرهم الملك بأن يسجدوا امام تمثال عند عزف موسيقى معيَّنة،‏ رفض اولئك العبرانيون الامناء ان يسايروا،‏ وأعرب يهوه عن رضاه بانقاذهم.‏ (‏دانيال ٣:‏​١-‏٢٦‏)‏ وبيَّن الكراس ان الشعائر الوطنية واجهت شهود يهوه في الازمنة العصرية بتحدٍّ مماثل لامانتهم.‏

وتدريجيا،‏ انتشرت المطالبة بالشعائر الوطنية الالزامية خارج المانيا.‏ وفي ٣ حزيران ١٩٣٥،‏ في محفل في واشنطن،‏ دي.‏ سي.‏،‏ عندما طُلب من ج.‏ ف.‏ رذرفورد ان يعلّق على تحية العلم في المدارس،‏ شدَّد على مسألة الامانة للّٰه.‏ وبعد اشهر قليلة،‏ عندما رفض كارلتون ب.‏ نيكولز،‏ الابن،‏ من لين،‏ ماساتشوستس،‏ البالغ من العمر ثماني سنوات،‏ ان يحيي العلم الاميركي ويشترك في انشاد نشيد وطني،‏ ذُكر ذلك في الصحف عبر البلاد.‏

ولتوضيح المسألة،‏ قدَّم الاخ رذرفورد محاضرة اذاعية في ٦ تشرين الاول عن موضوع «تحية العلم» قال فيها:‏ «بالنسبة الى اشخاص كثيرين تكون تحية العلم مجرد شكليات ولها القليل او لا شيء من الاهمية.‏ أما بالنسبة الى اولئك الذين يتأملون فيها باخلاص من وجهة نظر الاسفار المقدسة فهي تعني الكثير.‏

‏«يمثّل العلم بشكل نموذجي القوى الحاكمة المنظورة.‏ ومحاولة اجبار مواطن او ولدِ مواطن بالقانون على تحية ايّ شيء،‏ او على انشاد ما يسمى ‹اناشيد وطنية›،‏ انما هي غير منصفة وخاطئة كليا.‏ فالقوانين تُسَنّ وتُفرض للحيلولة دون ارتكاب اعمال ظاهرة تتسبّب بأذية الآخرين،‏ ولا تُسَنّ بقصد اجبار الشخص على مخالفة ضميره،‏ وخصوصا عندما يكون هذا الضمير موجَّها وفق كلمة يهوه اللّٰه.‏

‏«ان رفض تحية العلم،‏ والوقوف بصمت،‏ كما فعل هذا الصبي،‏ لا يمكن ان يؤذي احدا.‏ واذا اعتقد احد باخلاص ان وصية اللّٰه هي ضد تحية الاعلام،‏ فإن اجبار هذا الشخص على تحية العلم خلافا لكلمة اللّٰه،‏ وخلافا لضميره،‏ يلحق اذى كبيرا بهذا الشخص.‏ ولا يحق للدولة بالقانون او بطريقة اخرى ان تلحق الاذى بالناس.‏»‏

والتوضيح الاضافي لاسباب الموقف الذي اتخذه شهود يهوه جرى تزويده في كراس Loyalty (‏الولاء‏)‏،‏ الذي صدر ايضا في السنة ١٩٣٥.‏ وقد وُجِّه الانتباه الى آيات كالتالية:‏ خروج ٢٠:‏​٣-‏٧‏،‏ التي اوصت بأن تقدَّم العبادة ليهوه فقط وأن خدام اللّٰه لا يجب ان يصنعوا او يسجدوا لأيّ تمثال او شبه ايّ شيء في السماء او على الارض؛‏ لوقا ٢٠:‏٢٥‏،‏ حيث امر يسوع المسيح ليس فقط بوجوب اعطاء ما لقيصر لقيصر بل ايضا بوجوب اعطاء ما للّٰه للّٰه؛‏ واعمال ٥:‏٢٩‏،‏ حيث قال الرسل بثبات،‏ «ينبغي ان يُطاع اللّٰه (‏كحاكم)‏ اكثر من الناس.‏»‏

وفي الولايات المتحدة،‏ أُحيلت مسألة ما اذا كان صائبا اجبار ايّ شخص على تحية العلم الى المحاكم.‏ وفي ١٤ حزيران ١٩٤٣ نقضت المحكمة العليا للولايات المتحدة قرارها السابق،‏ وفي قضية هيئة التعليم في ولاية ڤرجينيا الغربية ضد بارْنِت حكمت بأن تحية العلم الاجبارية تتعارض مع ضمان الحرية المذكور في دستور الامة.‏ *

والقضية المتعلقة بالشعائر الوطنية لم تكن مقتصرة بأية حال على المانيا والولايات المتحدة.‏ ففي اميركا الشمالية والجنوبية،‏ اوروپا،‏ افريقيا،‏ وآسيا،‏ اضطُهِد شهود يهوه بوحشية بسبب عدم اشتراكهم،‏ بالرغم من انهم يقفون باحترام خلال شعائر تحية العلم او ما شابهها.‏ فضُرِب الاولاد؛‏ وكثيرون طُردوا من المدرسة.‏ وجرى خوض دعاوٍ كثيرة.‏

ومن ناحية ثانية،‏ شعر المراقبون بأنهم مرغَمون على الاعتراف بأنه في هذه المسألة،‏ كما في المسائل الاخرى،‏ برهن شهود يهوه انهم كالمسيحيين الاولين.‏ ولكن،‏ كما ورد في كتاب الشخصية الاميركية:‏ «بالنسبة الى الغالبية الساحقة .‏ .‏ .‏ كانت اعتراضات الشهود غامضة،‏ تماما كما كانت اعتراضات المسيحيين [في الامبراطورية الرومانية] على تقديم ذبيحة شكلية للامبراطور الالهي غامضة بالنسبة الى تراجان وپلينيوس.‏» وهذا ما كان يجب توقعه،‏ لأن شهود يهوه،‏ كالمسيحيين الاولين،‏ نظروا الى الامور ليس كما ينظر اليها العالم بل بحسب مبادئ الكتاب المقدس.‏

اعلان موقفهم بوضوح

بعد ان احتمل شهود يهوه امتحانات حيادهم المسيحي القاسية طوال سنين كثيرة،‏ اكَّدت برج المراقبة عدد ١٥ تموز ١٩٨٠ (‏١ تشرين الثاني ١٩٧٩،‏ بالانكليزية)‏ موقفهم من جديد.‏ وأوضحت ايضا سبب المسلك الذي اتخذه الشهود الافراد عندما قالت:‏ «نتيجة الدرس الجدّي لكلمة اللّٰه تمكن هؤلاء المسيحيون الشبان من اتخاذ القرار.‏ ولم يتخذ عنهم هذا القرار شخص آخر.‏ فقد تمكنوا من ذلك افراديا على اساس الضمير المدرَّب على الكتاب المقدس.‏ وكان قرارهم الامتناع عن اعمال البغض والعنف ضد رفقائهم البشر من الامم الاخرى.‏ اجل،‏ كانوا يؤمنون ويريدون ان يشتركوا في اتمام نبوة اشعياء المعروفة جيدا:‏ ‹يطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل.‏ لا ترفع امة على امة سيفا ولا يتعلمون الحرب في ما بعد.‏› (‏اشعياء ٢:‏٤‏)‏ وهؤلاء الشبان من جميع الامم فعلوا ذلك.‏»‏

وخلال السنين التي أُخضِع فيها التصاقهم بالحياد المسيحي للامتحان،‏ ادَّت اعادة فحص ما يقوله الكتاب المقدس،‏ في رومية ١٣:‏​١-‏٧‏،‏ عن «السلاطين الفائقة» الى شرح اوضح لعلاقة الشهود بالحكومات الدنيوية.‏ ونُشر ذلك في اعداد برج المراقبة الصادرة في ١ و ١٥ حزيران و ١ تموز ١٩٦٣ (‏١ تشرين الثاني،‏ ١٥ تشرين الثاني،‏ و ١ كانون الاول ١٩٦٢،‏ بالانكليزية)‏،‏ وأُعيد تأكيده في عدد ١ تشرين الثاني ١٩٩٠.‏ وقد شدَّدت هذه المقالات على مركز يهوه اللّٰه بصفته «العلي،‏» مبيِّنة في الوقت نفسه ايضا ان الحكام الدنيويين هم ‹سلاطين فائقة› فقط بالنسبة الى البشر الآخرين وفي مجال النشاط حيث يسمح لهم اللّٰه بالعمل في نظام الاشياء الحاضر.‏ وأظهرت المقالات حاجة المسيحيين الحقيقيين الى اكرام مثل هؤلاء الحكام الدنيويين بضمير حي وتقديم الطاعة لهم في جميع المسائل التي لا تتعارض مع شريعة اللّٰه وضميرهم المدرَّب على الكتاب المقدس.‏ —‏ دانيال ٧:‏١٨؛‏ متى ٢٢:‏٢١؛‏ اعمال ٥:‏٢٩؛‏ رومية ١٣:‏٥‏.‏

والتصاق شهود يهوه الثابت بمقاييس الكتاب المقدس هذه اكسبهم صيتا في ما يتعلق بالانفصال عن العالم يذكِّر الناس بالمسيحيين الاولين.‏

عندما مارس العالم اعياده

عندما ألقى شهود يهوه جانبا التعاليم الدينية التي لها جذور وثنية،‏ توقفوا ايضا عن الاشتراك في عادات كثيرة كانت ملوَّثة على نحو مماثل.‏ ولكن لفترة من الوقت لم تُمنح اعياد معيَّنة الفحص الدقيق الذي اقتضته.‏ وكان احدها عيد الميلاد.‏

جرى الاحتفال بهذا العيد سنويا حتى من قبل اعضاء هيئة مستخدَمي المركز الرئيسي لجمعية برج المراقبة في «بيت ايل» في بروكلين،‏ نيويورك.‏ ولسنين عديدة كانوا يعرفون ان ٢٥ كانون الاول لم يكن التاريخ الصحيح،‏ لكنهم حاجّوا ان التاريخ كان مقترنا على نحو شائع منذ عهد بعيد بولادة المخلّص وأن فعل الخير للآخرين ملائم في ايّ يوم.‏ ولكن،‏ بعد البحث الاضافي في الموضوع،‏ قرَّر اعضاء هيئة مستخدَمي المركز الرئيسي للجمعية،‏ فضلا عن المستخدَمين في مكتبَي فرع الجمعية في انكلترا وفي سويسرا،‏ ان يتوقفوا عن الاشتراك في احتفالات عيد الميلاد،‏ ولذلك لم يجرِ ايّ احتفال بعيد الميلاد هناك بعد السنة ١٩٢٦.‏

اذاع ر.‏ ه‍.‏ باربر،‏ احد اعضاء هيئة مستخدَمي المركز الرئيسي الذي قام ببحث شامل في مصدر عادات عيد الميلاد والثمر الذي تعطيه،‏ النتائج بالراديو.‏ وهذه المعلومات نُشرت ايضا في العصر الذهبي عدد ١٢ كانون الاول ١٩٢٨ (‏بالانكليزية)‏.‏ وكان ذلك تشهيرا شاملا لجذور عيد الميلاد المهينة للّٰه.‏ ومنذ ذلك الحين صارت الجذور الوثنية لعادات عيد الميلاد معرفة علنية عامة،‏ لكنَّ اشخاصا قليلين صنعوا التغييرات في طريقة حياتهم نتيجة لذلك.‏ ومن ناحية اخرى،‏ كان شهود يهوه على استعداد لصنع التغييرات اللازمة ليكونوا مقبولين اكثر كخدام ليهوه.‏

عندما ظهر ان الاحتفال بولادة يسوع صار فعلا ذا اهمية اعظم للناس من الفدية التي زوَّدها موته؛‏ أن قصف العيد والروح التي تُقدَّم بها هدايا كثيرة لا يجلبان الاكرام للّٰه؛‏ أن المجوس الذين جرى التمثل بهم في تقديم الهدايا كانوا في الواقع منجّمين ملهمين من شياطين؛‏ أن الآباء رسموا لاولادهم مثالا في الكذب بما اخبروهم اياه عن سانتا كلوز؛‏ أن «القديس نيقولاس» (‏سانتا كلوز)‏ كان بشكل لا يُنكر اسما آخر لابليس نفسه؛‏ وأن مثل هذه الاعياد كانت،‏ باعتراف الكردينال نيومان في مؤلَّفه مقالة عن تطور العقيدة المسيحية،‏ «ادوات وملحقات عبادة الشيطان» التي تبنَّتها الكنيسة —‏ عندما ادرك شهود يهوه هذه الامور توقفوا فورا وبشكل دائم عن ايّ اشتراك في احتفالات عيد الميلاد.‏

يتمتع شهود يهوه بأوقات طيبة مع عائلاتهم وأصدقائهم.‏ لكنهم لا يشتركون في الاعياد والاحتفالات التي لها صلة بالآلهة الوثنية (‏كما يصح في اعياد مثل عيد الفصح،‏ عيد رأس السنة،‏ عيد اول ايار،‏ وعيد الام)‏.‏ (‏٢ كورنثوس ٦:‏​١٤-‏١٧‏)‏ وكالمسيحيين الاولين،‏ * لا يحتفلون حتى بأيام الميلاد.‏ ويمتنعون باحترام ايضا عن الاشتراك في الاعياد القومية التي تحيي ذكرى احداث سياسية او عسكرية ويمتنعون عن تقديم الاكرام المتسم بالعبادة لابطال قوميين.‏ ولماذا؟‏ لأن شهود يهوه ليسوا جزءا من العالم.‏

مساعدة رفيقهم الانسان

كان التوقير للآلهة في صميم الحياة الاجتماعية والثقافية للامبراطورية الرومانية.‏ وبما ان المسيحيين امتنعوا عن الاشتراك في ايّ شيء ملطَّخ بالآلهة الوثنية،‏ اعتبر الناس المسيحية اهانة لطريقة حياتهم؛‏ وبحسب المؤرخ تاسيتوس،‏ زُعم ان المسيحيين مبغِضون للجنس البشري.‏ واذ ينقل مينوكيوس فِليكس شعورا مماثلا في كتاباته،‏ يقتبس من روماني قوله لأحد معارفه المسيحيين:‏ «انتم لا تحضرون الاستعراضات؛‏ انتم لا تشتركون في المواكب .‏ .‏ .‏ تمقتون الالعاب المقدسة.‏» فلم يكن لدى عامة الشعب في العالم الروماني القديم فهمٌ للمسيحيين.‏

وبشكل مماثل اليوم،‏ كثيرون في العالم لا يفهمون شهود يهوه.‏ فقد يُعجَب الناس بالمقاييس الادبية الرفيعة للشهود ولكنهم يشعرون بأن الشهود يجب ان يشتركوا مع العالم حولهم في نشاطاته وينهمكوا في المساعدة على جعل العالم مكانا افضل.‏ إلا ان اولئك الذين يتعرفون بشهود يهوه شخصيا يعلمون ان هنالك سببا من الكتاب المقدس لكل ما يفعلونه.‏

وبدلا من عزل انفسهم عن باقي الجنس البشري يقف شهود يهوه حياتهم لمساعدة رفقائهم البشر بالطريقة التي رسم بها يسوع المسيح المثال.‏ وهم يساعدون الناس ليتعلموا كيفية التغلب بنجاح على مشاكل الحياة الآن بتعريفهم بالخالق والخطوط الارشادية للحياة المبيَّنة في كلمته الموحى بها.‏ ويشتركون بسخاء مع جيرانهم في حقائق الكتاب المقدس التي يمكن ان تغيِّر كامل نظرة المرء الى الحياة.‏ وفي جوهر ايمانهم الادراك ان «العالم يمضي،‏» أن اللّٰه سيتدخل عما قريب لينهي النظام الشرير الحاضر،‏ وأن مستقبلا مشرقا ينتظر اولئك الذين يستمرون في عدم كونهم جزءا من العالم ويضعون ايمانهم الكامل في ملكوت اللّٰه.‏ —‏ ١ يوحنا ٢:‏١٧‏.‏

‏[الحواشي]‏

^ برج المراقبة،‏ ١ حزيران ١٩١٨،‏ ص ١٧٤ (‏بالانكليزية)‏.‏

^ من اجل تفاصيل اضافية،‏ انظروا الفصل ٣٠،‏ «الدفاع عن البشارة وتثبيتها شرعيا.‏»‏

^ تاريخ الدين المسيحي والكنيسة،‏ خلال القرون الثلاثة الاولى،‏ بقلم اوغسطوس نياندر،‏ ص ١٩٠.‏

‏[النبذة في الصفحة ١٨٨]‏

ليسوا نُسَّاكا،‏ ومع ذلك لا يشتركون في نمط حياة العالم

‏[النبذة في الصفحة ١٨٩]‏

انسحبوا من كنائس العالم المسيحي

‏[التعليق على الصفحة ١٩١]‏

‏«وقف المسيحيون بعيدين ومنفصلين عن الدولة»‏

‏[النبذة في الصفحة ١٩٤]‏

الحياد المسيحي وُضع تحت الامتحان

‏[النبذة في الصفحة ١٩٨]‏

‏‹لم يتخذ عنهم القرار شخص آخر›‏

‏[النبذة في الصفحة ١٩٩]‏

لماذا يمتنعون عن الاحتفال بعيد الميلاد

‏[الاطار في الصفحة ١٩٥]‏

ليسوا تهديدا لأية حكومة

◆ عند الكتابة عن معاملة شهود يهوه في احد بلدان اميركا اللاتينية،‏ قالت افتتاحية «وورلد-‏هيرالد» في اوماها،‏ نبراسكا،‏ الولايات المتحدة الاميركية:‏ «يلزم خيال شديد التحامل والارتياب للاعتقاد ان شهود يهوه يشكِّلون ايّ نوع من التهديد لايّ نظام سياسي؛‏ فهم غير هدَّامين ومحبون للسلام كما يمكن لهيئة دينية ان تكون،‏ ويطلبون فقط ان يُتركوا وشأنهم لاتِّباع ايمانهم بطريقتهم الخاصة.‏»‏

◆ ذكرت «إيل كورييري دي ترييَسْتا،‏» صحيفة ايطالية:‏ «لا بد ان يكون شهود يهوه موضع اعجاب بسبب ثباتهم وتماسكهم.‏ وخلافا للاديان الاخرى فان وحدانيتهم كشعب تمنعهم من الصلاة الى الاله نفسه،‏ باسم المسيح نفسه،‏ لمباركة طرفي نزاع متعارضين،‏ او من مزج السياسة بالدين لخدمة مصالح رؤساء الدولة او الاحزاب السياسية.‏ وأخيرا وليس آخرا،‏ هم على استعداد لمواجهة الموت عوضا عن مخالفة .‏ .‏ .‏ الوصية لا تقتل!‏»‏

◆ بعد ان احتمل شهود يهوه حظرا لمدة ٤٠ سنة في تشيكوسلوڤاكيا،‏ قالت صحيفة «نوڤا سْڤوبودا» في السنة ١٩٩٠:‏ «ينهى ايمان شهود يهوه عن استعمال الاسلحة ضد البشر،‏ وأولئك الذين رفضوا الخدمة العسكرية الاساسية ولم يعملوا في مناجم الفحم ذهبوا الى السجن،‏ حتى لمدة اربع سنوات.‏ ومن هذا فقط يتضح ان لديهم قوة ادبية هائلة.‏ ويمكننا استخدام مثل هؤلاء الناس غير الانانيين حتى في الوظائف السياسية العليا —‏ لكننا لن نتمكن ابدا من جعلهم يخدمون هناك.‏ .‏ .‏ .‏ طبعا،‏ انهم يعترفون بالسلطات الحكومية لكنهم يؤمنون بأن ملكوت اللّٰه فقط قادر على حل كل مشاكل البشر.‏ ولكن انتبهوا —‏ هم غير متعصبين.‏ وهم اشخاص مستغرقون في الانسانية.‏»‏

‏[الاطار/‏الصور في الصفحتين ٢٠٠ و ٢٠١]‏

الممارسات التي جرى التخلّي عنها

هذا الاحتفال بعيد الميلاد في بتل بروكلين سنة ١٩٢٦ كان احتفالهم الاخير.‏ فتلاميذ الكتاب المقدس صاروا تدريجيا يقدِّرون انه لا اصل هذا العيد ولا الممارسات المقترنة به تكرم اللّٰه

لسنين،‏ تقلَّد تلاميذ الكتاب المقدس شارة صليب وتاج لاثبات الهوية،‏ وهذا الرمز كان على الغلاف الامامي لمجلة «برج المراقبة» من السنة ١٨٩١ الى السنة ١٩٣١.‏ ولكن في السنة ١٩٢٨ جرى التشديد ان ما يُظهر كون المرء مسيحيا هو نشاطه كشاهد وليس الرمز الزيني.‏ وفي السنة ١٩٣٦ جرت الاشارة الى ان الدليل يبيّن ان المسيح مات على خشبة،‏ وليس على صليب من عارضتين

في كتابهم “Daily Manna” (‏«المنّ اليومي»)‏،‏ حفظ تلاميذ الكتاب المقدس قائمة بأيام الميلاد.‏ ولكن بعد ان توقفوا عن الاحتفال بعيد الميلاد وعندما ادركوا ان الاحتفالات بأيام الميلاد تعطي الاكرام غير اللائق للمخلوقات (‏احد الاسباب الذي لاجله لم يحتفل المسيحيون الاولون اطلاقا بأيام الميلاد)‏،‏ اقلع تلاميذ الكتاب المقدس عن هذه الممارسة ايضا

لنحو ٣٥ سنة،‏ اعتقد الراعي رصل ان هرم الجيزة العظيم كان حجر شهادة للّٰه،‏ مثبِّتا فترات زمنية للكتاب المقدس.‏ (‏اشعياء ١٩:‏١٩‏)‏ لكنَّ شهود يهوه تخلَّوا عن الفكرة ان تكون لهرم مصري اية صلة بالعبادة الحقة.‏ (‏انظروا «برج المراقبة» عددي ١٥ تشرين الثاني و ١ كانون الاول ١٩٢٨،‏ بالانكليزية)‏

‏[الصورة في الصفحة ١٨٩]‏

وُزِّعت عشرة ملايين نسخة

‏[الصورتان في الصفحة ١٩٠]‏

ذهب البعض الى الخنادق ومعهم البنادق،‏ لكنَّ آخرين،‏ بمن فيهم أ.‏ پ.‏ هيوز من انكلترا و ر.‏ كومينِتي من ايطاليا،‏ رفضوا مثل هذا التورط

‏[الصورتان في الصفحة ١٩٢]‏

رفض شهود يهوه الموافقة ان عصبة الامم او الامم المتحدة هي من اللّٰه لكنهم ايَّدوا ملكوت اللّٰه فقط بواسطة المسيح

‏[الصورة في الصفحة ١٩٧]‏

كارلتون وفلورا نيكولز.‏ عندما امتنع ابنهما عن تحية العلم،‏ صار ذلك خبرا قوميا