الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

‏«عزُّوا شعبي»‏

‏«عزُّوا شعبي»‏

الفصل الثلاثون

‏«عزُّوا شعبي»‏

اشعياء ٤٠:‏​١-‏٣١

١ ما هي احدى الطرائق التي يعزِّينا بها يهوه؟‏

يهوه هو ‹الاله الذي يزوِّد التعزية›.‏ وإحدى الطرائق التي يعزِّينا بها هي وعوده التي سجَّلها في كلمته.‏ (‏روما ١٥:‏​٤،‏ ٥‏)‏ مثلا،‏ عندما يموت شخص عزيز على قلبكم،‏ ماذا يمكن ان يعزِّيكم اكثر من رجاء قيامة هذا الشخص في عالم اللّٰه الجديد؟‏ (‏يوحنا ٥:‏​٢٨،‏ ٢٩‏)‏ وماذا عن وعد يهوه بأنه سينهي الشر قريبا،‏ ويحوِّل هذه الارض الى فردوس؟‏ ألا يتعزَّى المرء حين يفكر في رجاء النجاة الى هذا الفردوس الآتي والعيش الى الابد؟‏ —‏ مزمور ٣٧:‏​٩-‏١١،‏ ٢٩؛‏ كشف ٢١:‏​٣-‏٥‏.‏

٢ لماذا يمكن الاعتماد على وعود اللّٰه؟‏

٢ وهل يُعتمد على وعود اللّٰه؟‏ نعم بالتأكيد!‏ فقاطع هذه الوعود موثوق به جدا.‏ وعنده القدرة على تحقيق كلمته،‏ وهو يريد ان يحققها.‏ (‏اشعياء ٥٥:‏​١٠،‏ ١١‏)‏ وقد تبيَّن ذلك بوضوح في ما قاله يهوه بواسطة النبي اشعيا عن رد العبادة الحقة في اورشليم.‏ فلنتأمل في تلك النبوة،‏ كما ترد في سفر اشعياء الاصحاح ٤٠‏،‏ لأنه بذلك يتقوَّى ايماننا بيهوه،‏ متمِّم الوعود.‏

وعد معزٍّ

٣،‏ ٤ (‏أ)‏ اية كلمات تعزية يسجّلها اشعيا سيحتاج اليها شعب اللّٰه في وقت لاحق؟‏ (‏ب)‏ لماذا سيُسبى سكان يهوذا وأورشليم الى بابل،‏ وكم ستبلغ فترة استعبادهم؟‏

٣ في القرن الثامن قبل الميلاد،‏ يسجّل اشعيا كلمات تعزية سيحتاج اليها شعب يهوه في وقت لاحق.‏ فمباشرةً بعد إخبار الملك حزقيا باقتراب دمار اورشليم وسبي الشعب اليهودي الى بابل،‏ يكشف اشعيا كلمات يهوه التي تعد بالرد:‏ ‏«عزُّوا عزُّوا شعبي يقول الهكم.‏ طيِّبوا قلب اورشليم ونادوها بأن جهادها قد كمل ان اثمها قد عُفي عنه انها قد قبلت من يد الرب ضعفين عن كل خطاياها».‏ —‏ اشعياء ٤٠:‏​١،‏ ٢‏.‏

٤ يُستهل الاصحاح ٤٠ من سفر اشعياء بكلمة «عزُّوا»،‏ وبها تُختصر رسالة النور والرجاء التي يتضمنها باقي سفر اشعياء.‏ فلأن سكان يهوذا وأورشليم ارتدّوا،‏ سيُسبَون الى بابل سنة ٦٠٧ ق‌م.‏ لكنَّ هؤلاء الاسرى اليهود لن يخدموا البابليين الى الابد.‏ فاستعبادهم سيدوم الى ان ‹يُعفى عن› اثمهم.‏ وكم ستبلغ هذه الفترة؟‏ بحسب ارميا النبي،‏ ٧٠ سنة.‏ (‏ارميا ٢٥:‏​١١،‏ ١٢‏)‏ وبعد ذلك سيقود يهوه بقية تائبة من بابل الى اورشليم.‏ فكم سيتعزَّى الاسرى،‏ في السنة السبعين لخراب يهوذا،‏ حين يدركون ان وقت خلاصهم الموعود بهم قد قرُب!‏ —‏ دانيال ٩:‏​١،‏ ٢‏.‏

٥،‏ ٦ (‏أ)‏ لماذا لن تحُول الرحلة الطويلة من بابل الى اورشليم دون اتمام وعد اللّٰه؟‏ (‏ب)‏ ايّ اثر سيتركه رد اليهود الى موطنهم في الامم الاخرى؟‏

٥ تتراوح المسافة من بابل الى اورشليم بين ٨٠٠ و ٦٠٠‏,١ كيلومتر،‏ حسب الطريق التي تُسلك.‏ فهل تحُول الرحلة الطويلة دون اتمام وعد اللّٰه؟‏ كلا!‏ يكتب اشعيا:‏ ‏«صوتُ صارخٍ في البرية اعدّوا طريق الرب.‏ قوِّموا في القفر سبيلا لإلهنا.‏ كل وطاء يرتفع وكل جبل وأكمة ينخفض ويصير المُعْوَجّ مستقيما والعراقيب سهلا.‏ فيُعلَن مجد الرب ويراه كل بشر جميعا لأن فم الرب تكلم».‏ —‏ اشعياء ٤٠:‏​٣-‏٥‏.‏

٦ قبل الانطلاق في رحلة،‏ كان الحكام الشرقيون يرسلون في اغلب الاحيان رجالا امامهم ليعدّوا الطريق بإزالة الصخور الضخمة،‏ حتى انهم كانوا ينشئون الممرات ويمهِّدون الاماكن المرتفعة.‏ وفي حالة اليهود العائدين سيكون كما لو ان اللّٰه نفسه يسير في المقدمة ويُخلي الطريق من اية عوائق.‏ فهؤلاء شعب اسم يهوه،‏ وإتمام وعده بإعادتهم الى موطنهم سيجعل مجده يتجلى امام كل الامم.‏ وسترى هذه الامم بالقوة،‏ سواء اعجبها ذلك ام لا،‏ ان يهوه يتمِّم وعوده.‏

٧،‏ ٨ (‏أ)‏ ايّ اتمام شهدته كلمات اشعياء ٤٠:‏٣ في القرن الاول الميلادي؟‏ (‏ب)‏ ايّ اتمام اكبر شهدته نبوة اشعيا في سنة ١٩١٩؟‏

٧ لم يكن الرد في القرن السادس قبل الميلاد الاتمام الوحيد لهذه النبوة.‏ فقد شهدت ايضا اتماما في القرن الاول الميلادي.‏ كان يوحنا المعمِّد صوتَ ‹صارخٍ في البرية›،‏ اتماما لإشعياء ٤٠:‏٣‏.‏ (‏لوقا ٣:‏​١-‏٦‏)‏ وتحت الوحي،‏ طبَّق يوحنا كلمات اشعيا على نفسه.‏ (‏يوحنا ١:‏​١٩-‏٢٣‏)‏ فمن سنة ٢٩ ب‌م،‏ ابتدأ يوحنا يعدّ الطريق ليسوع المسيح.‏ * فمناداة يوحنا الممهِّدة جعلت الناس يبحثون عن المسيّا لكي يستمعوا اليه ويتبعوه.‏ (‏لوقا ١:‏​١٣-‏١٧،‏ ٧٦‏)‏ وبواسطة يسوع،‏ كان يهوه سيقود التائبين الى حرية لا يمكن ان يمنحها سوى ملكوت اللّٰه:‏ التحرر من عبودية الخطية والموت.‏ (‏يوحنا ١:‏٢٩؛‏ ٨:‏٣٢‏)‏ وكذلك شهدت كلمات اشعيا اتماما اكبر عند انقاذ بقية اسرائيل الروحي من بابل العظيمة سنة ١٩١٩ وردّهم الى العبادة الحقة.‏

٨ ولكن ماذا عن الذين سيستفيدون من الاتمام الاولي لهذا الوعد،‏ اي الاسرى اليهود في بابل؟‏ هل يمكنهم فعلا الاعتماد على وعد يهوه بشأن عودتهم الى موطنهم الحبيب؟‏ نعم بالتأكيد!‏ وباستعمال تعابير وإيضاحات حية مأخوذة من واقع الحياة اليومية،‏ يعرض اشعيا اسبابا مقنعة تجعلهم على ثقة تامة من ان يهوه سيصدُق في كلامه.‏

اله تثبت كلمته الى الابد

٩،‏ ١٠ كيف يُجري اشعيا مقارنة بين سرعة زوال حياة الانسان وديمومة «كلمة» اللّٰه؟‏

٩ اولا،‏ ان كلمة الواعد بالرد تثبت الى الابد.‏ يكتب اشعيا:‏ ‏«صوتُ قائل نادِ.‏ فقال بماذا انادي.‏ كل جسد عشب وكل جماله كزهر الحقل.‏ يبس العشب ذبل الزهر لأن نفخة الرب هبَّت عليه.‏ حقا الشعب عشب.‏ يبس العشب ذبل الزهر وأما كلمة الهنا فتثبت الى الابد.‏».‏ —‏ اشعياء ٤٠:‏​٦-‏٨‏.‏

١٠ يعرف الاسرائيليون جيدا ان العشب لا يدوم الى الابد.‏ فخلال الموسم الجاف،‏ تُيبِّس حرارة الشمس اللاذعة العشب الاخضر.‏ ومن بعض النواحي،‏ تشبه حياة الانسان العشب،‏ لأنها بطبيعتها لا تدوم طويلا.‏ (‏مزمور ١٠٣:‏​١٥،‏ ١٦؛‏ يعقوب ١:‏​١٠،‏ ١١‏)‏ ويُجري اشعيا مقارنة بين سرعة زوال حياة الانسان وديمومة «كلمة» اللّٰه،‏ او قصده المعلَن.‏ نعم،‏ «كلمة الهنا» تدوم الى الابد.‏ وعندما يتكلم اللّٰه،‏ لا شيء يمكن ان يبطل كلماته او يحُول دون اتمامها.‏ —‏ يشوع ٢٣:‏١٤‏.‏

١١ لماذا يمكن ان نكون على ثقة من ان يهوه سيتمم الوعود التي تحتويها كلمته المكتوبة؟‏

١١ واليوم يعلن لنا يهوه قصده بشكل مكتوب في الكتاب المقدس.‏ وعلى مرِّ القرون،‏ تعرَّض الكتاب المقدس لمقاومة شديدة،‏ وجازف مترجمون شجعان بحياتهم ليحفظوه.‏ لكنَّ جهودهم وحدها لا تعلِّل بقاءه.‏ فكل الفضل في بقائه يجب ان يرجع الى يهوه،‏ «اللّٰه الحي الباقي» وحافظ كلمته.‏ (‏١ بطرس ١:‏​٢٣-‏٢٥‏)‏ فكروا في هذا:‏ بما ان يهوه حفظ كلمته المكتوبة،‏ أفلا يجعلنا ذلك نثق بأنه سيتمم الوعود التي تحتويها؟‏

اله قوي،‏ رقيق في عنايته بخرافه

١٢،‏ ١٣ (‏أ)‏ لماذا يمكن الوثوق بوعد اللّٰه بالرد؟‏ (‏ب)‏ اية بشارة تُزَفّ الى المسبيين اليهود،‏ ولماذا يجب ألا يشكّوا فيها؟‏

١٢ يذكر اشعيا سببا ثانيا للوثوق بوعد اللّٰه بالرد.‏ فقاطِع هذا الوعد هو اله قوي،‏ رقيق في عنايته بشعبه.‏ يمضي اشعيا قائلا:‏ ‏«على جبل عالٍ اصعدي يا مبشِّرة صهيون.‏ ارفعي صوتك بقوة يا مبشِّرة اورشليم.‏ ارفعي لا تخافي.‏ قولي لمدن يهوذا هوذا الهك.‏ هوذا السيد الرب بقوة يأتي وذراعه تحكم له.‏ هوذا اجرته معه وعُملَته قدامه.‏ كراعٍ يرعى قطيعه.‏ بذراعه يجمع الحملان وفي حضنه يحملها ويقود المرضِعات».‏ —‏ اشعياء ٤٠:‏​٩‏-‏١١‏.‏

١٣ كانت العادة في ازمنة الكتاب المقدس ان تعلن النساء الانتصارات،‏ اذ يزففن بشارة ربح المعركة او اقتراب الفرج بالهتاف او الغناء.‏ (‏١ صموئيل ١٨:‏​٦،‏ ٧؛‏ مزمور ٦٨:‏١١‏)‏ وهنا يشير اشعيا نبويا الى بشارة تُزَفّ الى المسبيين اليهود،‏ بشارة يُنادى بها بأعلى صوت حتى من اعالي الجبال،‏ وهي ان يهوه سيعيد شعبه الى اورشليم مدينتهم المحبوبة!‏ ولا يجب ان يشكّوا في ذلك،‏ فيهوه سيأتي «بقوة».‏ لذلك لا شيء يمكن ان يحُول دون اتمام وعده.‏

١٤ (‏أ)‏ كيف يصوِّر اشعيا الطريقة الرقيقة التي يقود بها يهوه شعبه؟‏ (‏ب)‏ ايّ مثل يُظهر رقة عناية الرعاة بخرافهم؟‏ (‏انظروا الاطار في الصفحة ٤٠٥.‏)‏

١٤ لكنَّ هذا الاله القوي رقيق ايضا.‏ ويصف اشعيا بأسلوب مرهف كيف سيعيد يهوه شعبه الى موطنهم.‏ فيهوه هو كالراعي المحب الذي يجمع حملانه ويحملها في «حضنه».‏ وكما يتضح،‏ تشير كلمة «حضن» الى الطيَّات العليا للثياب.‏ فهناك يحمل الرعاة احيانا الحملان المولودة حديثا غير القادرة على اللحاق بالقطيع.‏ (‏٢ صموئيل ١٢:‏٣‏)‏ وهذا المشهد المؤثر المأخوذ من حياة الرعاة يؤكد دون شك لشعب يهوه المسبي كم يحبهم يهوه ويهتم لأمرهم.‏ فلا ريب ابدا في ان هذا الاله القوي،‏ والرقيق في الوقت نفسه،‏ سيتمم ما وعد به.‏

١٥ (‏أ)‏ متى اتى يهوه «بقوة»،‏ ومَن هو ‹الذراع التي تحكم له›؟‏ (‏ب)‏ اية بشارة يجب المناداة بها دون خوف؟‏

١٥ تتضمن كلمات اشعيا الكثير من المعاني النبوية لأيامنا.‏ ففي سنة ١٩١٤،‏ اتى يهوه «بقوة» وأسس ملكوته في السموات.‏ و ‹الذراع التي تحكم له› هي ابنه،‏ يسوع المسيح،‏ الذي اقامه يهوه على عرشه السماوي.‏ وفي سنة ١٩١٩،‏ انقذ يهوه خدامه الممسوحين على الارض من عبودية بابل العظيمة وشرع يردّ العبادة النقية الكاملة للاله الحي الحقيقي.‏ هذه الامور بشارة يجب المناداة بها دون خوف،‏ كما لو ان ذلك بالصراخ من اعالي الجبال لكي تمتد المناداة الى بعيد.‏ فلنرفع اصواتنا ونخبر الآخرين بجرأة ان يهوه اللّٰه ردّ عبادته النقية على هذه الارض!‏

١٦ بأية طريقة يقود يهوه شعبه اليوم،‏ وأيّ مثال يُرسم بذلك؟‏

١٦ تنطوي كلمات اشعياء ٤٠:‏​١٠،‏ ١١ على فائدة عملية اخرى لنا اليوم.‏ فالمرء يتعزى حين يرى الطريقة الرقيقة التي يقود بها يهوه شعبه.‏ فكما ان الراعي يتفهم حاجات كل خروف —‏ بما في ذلك الحملان الصغيرة التي لا تستطيع اللحاق ببقية الخراف —‏ كذلك يتفهم يهوه حدود كل واحد من خدامه الامناء.‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ يرسم الراعي الرقيق يهوه مثالا للرعاة المسيحيين.‏ فيجب ان يعامل الشيوخ الرعية برقة،‏ مقتدين بالاهتمام الحبي الذي يُظهره يهوه.‏ ويجب ألا ينسوا ابدا كيف يشعر يهوه حيال كل عضو في رعيته،‏ «التي اشتراها بدم ابنه».‏ —‏ اعمال ٢٠:‏٢٨‏.‏

كلي القدرة والحكمة

١٧،‏ ١٨ (‏أ)‏ لماذا بإمكان المسبيين اليهود ان يثقوا بوعد اللّٰه بالرد؟‏ (‏ب)‏ اية اسئلة توقع الرهبة في النفس يطرحها اشعيا؟‏

١٧ بإمكان المسبيين اليهود ان يثقوا بوعد اللّٰه بالرد لأنه كلي القدرة والحكمة.‏ يقول اشعيا:‏ ‏«مَن كال بكفِّه المياه وقاس السموات بالشبر وكال بالكيل تراب الارض ووزن الجبال بالقبّان والآكام بالميزان.‏ مَن قاس روح الرب ومَن مشيره يعلّمه.‏ مَن استشاره فأفهمه وعلّمه في طريق الحق وعلّمه معرفة وعرَّفه سبيل الفهم».‏ —‏ اشعياء ٤٠:‏​١٢‏-‏١٤‏.‏

١٨ انها لَأسئلة توقع الرهبة في النفس،‏ ولا بد ان يتأمل المسبيون اليهود فيها.‏ فهل بإمكان البشر ان يوقفوا المد في البحار العظيمة؟‏ طبعا لا!‏ لكنَّ البحار التي تغطي الارض هي في نظر يهوه كنقطة ماء في كفِّه.‏ * وهل يمكن للانسان الصغير الشأن ان يقيس السموات الرحبة المرصَّعة بالنجوم او يزن جبال الارض وآكامها؟‏ كلا.‏ لكنَّ يهوه يقيس السموات بسهولة كما يقيس الانسان شيئا بشبره،‏ وهو المسافة بين طرف الابهام وطرف الخنصر حين تكون الكفّ مبسوطة.‏ وبإمكان اللّٰه ان يزن الجبال والآكام بالميزان.‏ وهل يستطيع احد،‏ حتى لو كان احكم البشر،‏ ان ينصح اللّٰه بما يجب ان يفعله في الظروف الحاضرة او يخبره بما يجب ان يفعله في المستقبل؟‏ طبعا لا!‏

١٩،‏ ٢٠ اية تشابيه يستخدمها اشعيا ليشدِّد على عظمة يهوه؟‏

١٩ وماذا عن امم الارض الجبارة؟‏ هل بإمكانها ان تقاوم اللّٰه حين يأتي ليتمم كلمة وعده؟‏ يجيب اشعيا بوصف الامم كما يلي:‏ ‏«هوذا الامم كنقطة من دلو وكغبار الميزان تُحسب.‏ هوذا الجزائر يرفعها كدُقّة.‏ ولبنان ليس كافيا للايقاد وحيوانه ليس كافيا لمحرقة.‏ كل الامم كلا شيء قدامه.‏ من العدم والباطل تُحسب عنده».‏ —‏ اشعياء ٤٠:‏​١٥‏-‏١٧‏.‏

٢٠ كل الامم في نظر يهوه هي كنقطة ماء تسقط من دلو.‏ وليست اكثر من غبار دقيق يتجمع على ميزان،‏ فلا يؤثر في شيء.‏ * ولنفترض ان احدا يريد ان يبني مذبحا ضخما ويستعمل كل الاشجار التي تكسو جبال لبنان كحطب للمذبح.‏ ولنفترض انه يريد ان يقدم كل الحيوانات التي تجوب هذه الجبال كذبائح.‏ حتى هذه المحرقة الكبيرة لن تفي بمقام يهوه.‏ وكما لو ان هذه التشابيه المستخدمة غير كافية،‏ يتفوَّه اشعيا بتعبير اقوى.‏ فكل الامم هي «كلا شيء» في نظر يهوه.‏ —‏ اشعياء ٤٠:‏١٧‏.‏

٢١،‏ ٢٢ (‏أ)‏ كيف يشدِّد اشعيا على عظمة يهوه الفائقة؟‏ (‏ب)‏ ماذا نستنتج من اوصاف اشعيا الحية؟‏ (‏ج)‏ اية كلمات صحيحة علميا يسجّلها النبي اشعيا؟‏ (‏انظروا الاطار في الصفحة ٤١٢.‏)‏

٢١ وللتشديد اكثر على عظمة يهوه الفائقة،‏ يُظهر اشعيا حماقة الاشخاص الذين يصنعون اصناما من ذهب او فضة او خشب.‏ فما اسخف الاعتقاد ان هذه الاصنام يمكن ان تمثِّل ‏«الجالس على كرة الارض» الذي له سلطة كبيرة على سكانها!‏ —‏ اقرأوا اشعياء ٤٠:‏​١٨-‏٢٤‏.‏

٢٢ كل هذه الاوصاف الحية تقودنا الى استنتاج واحد:‏ لا شيء يمكن ان يمنع يهوه الكلي القدرة والحكمة والعظمة من إتمام وعده.‏ ولا بد ان كلمات اشعيا عزَّت وقوَّت المسبيين اليهود في بابل التوّاقين الى العودة الى موطنهم.‏ واليوم يمكننا نحن ايضا ان نثق بأن وعود يهوه بشأن مستقبلنا ستتحقق.‏

‏«مَن خلق هذه»‏

٢٣ لأيّ سبب يمكن ان يتشجع المسبيون اليهود،‏ وعلى ماذا يشدِّد يهوه الآن بشأن نفسه؟‏

٢٣ هنالك ايضا سبب آخر يدفع المسبيين اليهود الى التشجُّع.‏ فالواعد بالانقاذ هو خالق كل الاشياء ومصدر كل طاقة دينامية.‏ ولكي يشدِّد يهوه على قدرته الهائلة،‏ يلفت الانتباه الى قوته الظاهرة في الخليقة:‏ ‏«بمَن تشبِّهونني فأساويه يقول القدوس.‏ ارفعوا الى العلاء عيونكم وانظروا مَن خلق هذه.‏ مَن الذي يُخرج بعددٍ جندها يدعو كلها بأسماء.‏ لكثرة القوة ‏[‏‏«الطاقة الدينامية»،‏ ع‌ج‏] وكونه شديد القدرة لا يُفقد احد».‏ —‏ اشعياء ٤٠:‏​٢٥،‏ ٢٦‏.‏

٢٤ كيف يُظهر يهوه،‏ حين يتكلم عن نفسه،‏ ان لا مساوي له؟‏

٢٤ يتكلم قدوس اسرائيل عن نفسه.‏ وليُظهر يهوه ان لا احد مساوٍ له،‏ يوجِّه الانتباه الى نجوم السموات.‏ وكالقائد العسكري الذي يأمر جنده بالاصطفاف،‏ يتحكم يهوه في النجوم.‏ وإذا اراد ان يحشد هذا الجند ليستعرضه،‏ ‹لا يكون احد مفقودا›.‏ ومع ان عدد النجوم هائل،‏ يدعو كل واحد باسم،‏ سواء أكان اسما علما او لقبا مميزا.‏ وكالجند الممتثل للاوامر،‏ تبقى النجوم في مكانها وتلازم ترتيبها لأن قائدها كثير «الطاقة الدينامية» و «شديد القدرة».‏ لذلك لا مبرِّر لعدم الثقة من جهة المسبيين اليهود.‏ فالخالق،‏ الذي يأمر النجوم،‏ قادر ان يدعم خدامه.‏

٢٥ كيف يمكن ان نستجيب للدعوة الالهية المسجلة في اشعياء ٤٠:‏٢٦‏،‏ وبأيّ تأثير فينا؟‏

٢٥ ومَن يمكنه ان يتجاهل الدعوة الالهية المسجلة في اشعياء ٤٠:‏٢٦‏:‏ «ارفعوا الى العلاء عيونكم»؟‏!‏ فبفضل اكتشافات الفلكيين العصريين صارت السموات المرصَّعة بالنجوم تثير الرهبة والاعجاب اكثر منها في ايام اشعيا.‏ فالفلكيون الذين يرصدون السموات بمقاريبهم الضخمة يقدّرون ان الكون المرئي يشتمل على ١٢٥ بليون مجرة.‏ وواحدة منها فقط —‏ مجرة درب التبَّانة —‏ تشتمل على اكثر من ١٠٠ بليون نجم حسب بعض التقديرات!‏ ومعرفة هذه الامور ينبغي ان تولّد في قلوبنا توقيرا لخالقنا وثقة تامة بكلمة وعده.‏

٢٦،‏ ٢٧ كيف توصف مشاعر المسبيين في بابل،‏ وماذا لا بد انهم يعرفون؟‏

٢٦ يعرف يهوه ان سنوات الاسر ستثبّط عزيمة المسبيين اليهود،‏ لذلك يوحي الى اشعيا ان يسجّل مسبقا هذه الكلمات المطمئِنة:‏ ‏«لماذا تقول يا يعقوب وتتكلم يا اسرائيل قد اختفت طريقي عن الرب وفات حقي الهي.‏ أمَا عرفت ام لم تسمع.‏ اله الدهر الرب خالق اطراف الارض لا يكل ولا يعيا.‏ ليس عن فهمه فحص».‏ —‏ اشعياء ٤٠:‏​٢٧،‏ ٢٨‏.‏ *

٢٧ يسجّل اشعيا كلمات يهوه التي تصف مشاعر المسبيين في بابل،‏ البعيدين مئات الكيلومترات عن موطنهم.‏ فالبعض يعتقدون ان الههم لا يرى او لا يعرف ‹طريقهم›،‏ اي مسلك حياتهم الشاق.‏ ويعتقدون ان يهوه لا يبالي بالمظالم التي يعانونها.‏ فيجري تذكيرهم بأمور يعرفونها دون شك،‏ إن لم يكن بالتجربة الشخصية فعلى الاقل من المعلومات التي نُقلت اليهم.‏ فيهوه قادر على انقاذ شعبه،‏ ويريد ان ينقذهم.‏ فهو الاله السرمدي وخالق كل الارض.‏ ولا يزال يملك القوة التي استخدمها في الخلق،‏ ولا يعسر عليه شيء،‏ فكم بالحري قهر بابل الجبارة.‏ وهذا الاله لا يمكن ان يتعب ويخذل شعبه.‏ انما ينبغي ألا يتوقعوا ادراك اعمال يهوه كاملا،‏ لأن فهمه —‏ او بصيرته وتمييزه وإدراكه —‏ يفوق قدرتهم على الاستيعاب.‏

٢٨،‏ ٢٩ (‏أ)‏ كيف يذكّر يهوه شعبه بأنه سيأتي لمساعدة المتعَبين؟‏ (‏ب)‏ ايّ مَثل يُستخدم لإظهار الطريقة التي يساعد بها يهوه خدامه؟‏

٢٨ يواصل يهوه بواسطة اشعيا تشجيعه للمسبيين اليائسين:‏ ‏«يعطي المعيي قدرة ولعديم القوة يكثِّر شدة.‏ الغلمان يعيون ويتعبون والفتيان يتعثرون تعثرا.‏ وأما منتظرو الرب فيجددون قوة.‏ يرفعون اجنحة كالنسور ‏[‏‏«العقبان»،‏ ع‌ج‏]‏‏.‏ يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون».‏ —‏ اشعياء ٤٠:‏​٢٩‏-‏٣١‏.‏

٢٩ عندما يتحدث يهوه عن الحاجة الى اعطاء المعيي قدرة،‏ ربما يفكر في الرحلة الشاقة التي يلزم ان يقوم بها المسبيون ليعودوا الى موطنهم.‏ ويذكّر يهوه شعبه ان مساعدة المتعَبين الذين يعتمدون عليه ليساعدهم هي احدى ميزاته.‏ حتى «الغلمان» و «الفتيان» —‏ الاكثر حركة ونشاطا بين البشر —‏ قد يغلبهم التعب ويتعثرون من الاعياء.‏ لكنَّ يهوه يعد بأن يعطي القوة —‏ القوة المتجددة للركض والسير —‏ للذين يثقون به.‏ وبما ان العُقاب يبقى احيانا عدة ساعات يحلّق دون بذل جهد يُذكر،‏ يُستخدم تحليق هذا الطائر القوي كمَثل للطريقة التي يساعد بها يهوه خدامه.‏ * فلا سبب لييأس المسبيون اليهود الذين ينتظرون هذا الدعم الالهي.‏

٣٠ كيف يمكن للمسيحيين الحقيقيين اليوم ان يستمدوا التعزية من الآيات الختامية لسفر اشعياء الاصحاح ٤٠‏؟‏

٣٠ هذه الآيات الختامية لسفر اشعياء الاصحاح ٤٠ تتضمن كلمات تعزّي المسيحيين الحقيقيين العائشين في الايام الاخيرة لهذا النظام الشرير.‏ فنظرا الى وجود الكثير من الضغوط والمشاكل التي تثبِّط العزائم،‏ نتعزى حين نعرف ان الهنا لا يتجاهل المشقات التي نواجهها والمظالم التي نعانيها.‏ ولنكن على ثقة من ان خالق كل الاشياء،‏ الذي «لفهمه لا احصاء»،‏ سيعالج كل المظالم في وقته وعلى طريقته.‏ (‏مزمور ١٤٧:‏​٥،‏ ٦‏)‏ وحتى ذلك الوقت،‏ لسنا مضطرين الى تحمل المشقات وحدنا.‏ فيهوه،‏ الذي لا تنضب قواه،‏ سيمنح خدامه القدرة —‏ «القدرة التي تفوق ما هو عادي» —‏ في اوقات المحنة.‏ —‏ ٢ كورنثوس ٤:‏٧‏.‏

٣١ ايّ وعد بالنور تحتويه نبوة اشعيا للاسرى اليهود في بابل،‏ وبماذا يمكن ان نثق ثقة مطلقة؟‏

٣١ فكروا في اليهود الاسرى في بابل في القرن السادس قبل الميلاد.‏ فعلى بُعد مئات الكيلومترات كانت مدينتهم المحبوبة،‏ اورشليم،‏ خربة وهيكلها مدمَّرا.‏ لقد احتوت نبوة اشعيا بالنسبة اليهم وعدا معزيا بالنور والرجاء،‏ اذ سيردّهم يهوه الى موطنهم!‏ وفي سنة ٥٣٧ ق‌م،‏ قاد يهوه شعبه الى موطنهم،‏ مُظهرا انه متمِّم المواعيد.‏ وبإمكاننا نحن ايضا ان نثق ثقة مطلقة بيهوه.‏ فوعود ملكوته،‏ المعبَّر عنها بأسلوب رائع في نبوة اشعيا،‏ ستتحقق دون شك.‏ وهذه فعلا بشارة —‏ رسالة نور لكل الجنس البشري!‏

‏[الحواشي]‏

^ ‎الفقرة 7‏ ينبئ اشعيا بإعداد الطريق امام يهوه.‏ ‏(‏اشعياء ٤٠:‏٣‏)‏ لكنَّ الاناجيل تطبّق هذه النبوة على ما فعله يوحنا المعمِّد حين اعدّ الطريق ليسوع المسيح.‏ والكتبة الملهَمون للاسفار اليونانية المسيحية فعلوا ذلك لأن يسوع مثَّل اباه وأتى باسم ابيه.‏ —‏ يوحنا ٥:‏٤٣؛‏ ٨:‏٢٩‏.‏

^ ‎الفقرة 18‏ يقدَّر ان «كتلة المحيطات تناهز ٣٥‏,١ كنتليون (‏اي ٣٥‏,١ x ١٠١٨‏)‏ طن متري،‏ او نحو ٤٤٠٠/‏١ من اجمالي كتلة الارض».‏ —‏ دائرة معارف إنكارتا ٩٧ ‏(‏بالانكليزية)‏.‏

^ ‎الفقرة 20‏ يذكر تعليق المفسِّر على الكتاب المقدس ‏(‏بالانكليزية)‏:‏ «في الاسواق التجارية في الشرق الادنى،‏ لا يُعتَدّ بنقطة ماء في الدلو المستعملة للكيل او بغبار قليل في الميزان حين توزَن اللحوم او الثمار».‏

^ ‎الفقرة 26‏ ان كلمة «الدهر» في اشعياء ٤٠:‏٢٨ تعني «الى الابد»،‏ لأن يهوه «ملك الأبدية».‏ —‏ ١ تيموثاوس ١:‏١٧‏.‏

^ ‎الفقرة 29‏ يواصل العُقاب طيرانه مستهلكا ادنى نسبة من الطاقة.‏ وهو يعتمد في ذلك على تيارات الهواء الساخن.‏

‏[اسئلة الدرس]‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٤٠٤ و ٤٠٥]‏

يهوه راعٍ محب

يشبِّه اشعيا يهوه براعٍ محب يحمل حملانه في حضنه.‏ (‏اشعياء ٤٠:‏​١٠،‏ ١١‏)‏ ومن الواضح ان اشعيا يستند في ايضاحه الرقيق هذا الى ما يفعله الرعاة.‏ يذكر شخص في ازمنتنا العصرية كان يراقب الرعاة عند منحدرات جبل الشيخ (‏حرمون)‏ في الشرق الاوسط:‏ «كان كل راعٍ يراقب قطيعه عن كثب ليطمئن على حاله.‏ وعندما يجد حملا مولودا حديثا،‏ كان يضعه في طيّات .‏ .‏ .‏ عباءته،‏ لأنه اضعف من ان يتمكن من اللحاق بأمه.‏ وحين يمتلئ حضنه،‏ يضع الحملان على كتفيه ممسكا اياها بأقدامها،‏ او يضعها في خُرج او سلّ على ظهر حمار،‏ الى ان يصير بإمكانها اللحاق بأمّاتها».‏ أفَلا نتعزى حين نعرف اننا نخدم الها يهتم بشعبه بهذه الرقة البالغة؟‏

‏[الاطار/‏​الصورة في الصفحة ٤١٢]‏

ما هو شكل الارض؟‏

في الازمنة القديمة،‏ كان البشر عموما يعتقدون ان الارض مسطحة.‏ ولكن في القرن السادس قبل الميلاد،‏ قال الفيلسوف اليوناني فيثاغورس ان الارض لا بد ان تكون كروية.‏ ومع ذلك،‏ قبل قرنَين من وضع فيثاغورس لهذه النظرية،‏ ذكر النبي اشعيا بطريقة واضحة وجازمة جدا:‏ «الجالس على كرة الارض».‏ (‏اشعياء ٤٠:‏٢٢‏؛‏ امالة الحروف لنا)‏ ان الكلمة العبرانية حوغ تُنقل الى «كرة» وإلى «دائرة».‏ والجسم الكروي هو الوحيد الذي يُرى كدائرة من جميع الزوايا.‏ * لقد كان النبي اشعيا سابقا لعصره وسجَّل عبارة صحيحة علميا وغير متأثرة بالخرافات القديمة.‏

‏[الحاشية]‏

^ ‎الفقرة 73‏ الارض هي فعليا جسم شبيه بالكرة مفلطح؛‏ اذ انها مفلطحة قليلا عند القطبين.‏

‏[الصورة في الصفحة ٤٠٣]‏

كان يوحنا المعمِّد صوتا ‹صارخا في البرية›‏