الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

انسان غني في هَادِس

انسان غني في هَادِس

الفصل ١٢

انسان غني في هَادِس

١،‏ ٢ معلِّمو نار الهاوية يتجاهلون اية آيتين؟‏

بما ان هَادِس هي مجرد المدفن العام للبشر الأموات،‏ فلماذا يتكلَّم الكتاب المقدس عن انسان غني يقاسي العذاب في نار هَادِس؟‏ هل يُظهر ذلك ان هَادِس،‏ او على الأقل جزءا منها،‏ هي مكان للعذاب الناري؟‏

٢ يشير معلِّمو نار الهاوية بحماس الى هذه الرواية كبرهان قاطع على ان هنالك حقا هاوية عذاب تنتظر الأشرار.‏ ولكن،‏ بفعلهم ذلك،‏ يتجاهلون عبارات الكتاب المقدس الواضحة والمتكرِّرة مثل:‏ «النفس التي تخطئ هي تموت.‏» (‏حزقيال ١٨:‏​٤،‏ ٢٠‏)‏ و:‏ «أمّا الموتى فلا يعلمون شيئا.‏» (‏جامعة ٩:‏٥‏)‏ من الواضح ان هاتين العبارتين لا تدعمان فكرة عذاب «الأنفس المحكوم عليها» في هاوية نارية.‏

٣،‏ ٤ تعليم الكتاب المقدس عن حالة الأموات يترك ايّ تباين بين رجال دين العالم المسيحي وطالبي الحق المخلصين؟‏

٣ لذلك فإن تعليم الكتاب المقدس عن حالة الأموات يترك كثيرين من رجال دين العالم المسيحي في موقف حرِج.‏ فالكتاب نفسه الذي يدَّعون انهم يؤسسون تعاليمهم عليه،‏ الكتاب المقدس،‏ يتعارض مع عقائدهم.‏ ومع ذلك،‏ عن علم او غير علم،‏ يشعرون بأنهم مجبرون على التفتيش في الكتاب المقدس ليتشبَّثوا بشيء يثبتون به نقطتهم،‏ مُعمين بذلك انفسهم والآخرين عن الحق.‏ وغالبا ما يجري ذلك عمدا.‏

٤ ومن ناحية اخرى،‏ يريد طالبو الحق المخلصون ان يعرفوا ما هو صواب.‏ فهم يدركون انهم انما يخدعون انفسهم اذا رفضوا اقساما من كلمة اللّٰه فيما يدَّعون انهم يؤسسون معتقداتهم على اجزاء اخرى.‏ وهم يريدون ان يعرفوا ما يقوله الكتاب المقدس فعلا عن حالة الأموات.‏ ولاكمال الصورة،‏ يريدون ان يعرفوا معنى ما يقال عن الانسان الغني الذي اختبر العذاب في هَادِس،‏ وكيف ينسجم ذلك مع باقي الكتاب المقدس.‏

٥ الى اية رواية في الكتاب المقدس غالبا ما يشير المؤمنون بهاوية نارية؟‏

٥ كان يسوع المسيح مَن تكلَّم عن انسان غني وأيضا عن مسكين اسمه لعازر.‏ وكلماته موجودة في لوقا ١٦:‏​١٩-‏٣١ وهي تقول:‏

‏«كان انسان غني وكان يلبس الأرجوان والبزَّ وهو يتنعم كل يوم مترفِّها.‏ وكان مسكين اسمه لعازر الذي طُرح عند بابه مضروبا بالقروح.‏ ويشتهي ان يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني.‏ بل كانت الكلاب تأتي وتلحس قروحه.‏ فمات المسكين وحملته الملائكة الى حضن ابراهيم.‏

‏«ومات الغني ايضا ودُفن.‏ فرفع عينيه في (‏هَادِس)‏ وهو في العذاب ورأى ابراهيم من بعيد ولعازر في حضنه.‏ فنادى وقال يا أبي ابراهيم ارحمني وأَرسل لعازر ليبلَّ طرف اصبعه بماء ويبرِّد لساني لأني معذَّب في هذا اللهيب.‏ فقال ابراهيم يا ابني اذكر انك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا.‏ والآن هو يتعزَّى وأنت تتعذَّب.‏ وفوق هذا كله بيننا وبينكم هوَّة عظيمة قد أُثبتت حتى ان الذين يريدون العبور من ههنا اليكم لا يقدرون ولا الذين من هناك يجتازون الينا.‏ فقال اسألك اذًا يا أبت ان ترسله الى بيت أبي.‏ لأن لي خمسة اخوة.‏ حتى يشهد لهم لكيلا يأتوا هم ايضا الى موضع العذاب هذا.‏ قال له ابراهيم عندهم موسى والأنبياء.‏ ليسمعوا منهم.‏ فقال لا يا أبي ابراهيم.‏ بل اذا مضى اليهم واحد من الأموات يتوبون.‏ فقال له إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء ولا إن قام واحد من الأموات يصدِّقون.‏»‏

٦ ماذا فعل الانسان الغني؟‏

٦ لاحظوا ما يقال عن الانسان الغني.‏ لماذا كان يتعذَّب في هَادِس؟‏ ماذا فعل؟‏ لم يقل يسوع ان الانسان الغني عاش حياة منحطة،‏ أليس كذلك؟‏ كل ما قاله يسوع هو ان الانسان كان غنيا،‏ يرتدي لباسا حسنا ويتناول اطعمة فاخرة.‏ فهل يستأهل سلوك كهذا بحد ذاته العقاب بالعذاب؟‏ صحيح ان تقصيرا خطيرا مشمول بموقف الانسان الغني من لعازر المسكين.‏ فالانسان الغني افتقر الى الرأفة نحوه.‏ ولكن هل ميَّزه هذا التقصير عن لعازر بشكل كاف.‏

٧ ماذا قال يسوع عن نوع الشخص الذي كان عليه لعازر؟‏

٧ فكِّروا في ما قاله يسوع عن لعازر.‏ هل هنالك في الرواية ما يقودنا الى الاستنتاج انه،‏ لو انعكس الوضع،‏ لكان لعازر انسانا رؤوفا؟‏ وهل نقرأ ان لعازر بنى سجلا من الأعمال الحسنة لدى اللّٰه،‏ مما ادّى الى اتيانه الى «حضن ابراهيم،‏» اي موقف الرضى الالهي؟‏ لم يقل يسوع ذلك.‏ فقد وصف لعازر فقط بمسكين مريض.‏

٨ ماذا لا يعلِّمه الكتاب المقدس عن المساكين والأغنياء؟‏

٨ اذًا هل من المنطقي الاستنتاج ان جميع المساكين المرضى سينالون بركات الهية عند الموت،‏ في حين ان جميع الأغنياء سيذهبون الى مكان للعذاب الواعي؟‏ كلا على الاطلاق.‏ فكون المرء مسكينا ليس بحد ذاته علامة على رضى اللّٰه.‏ على العكس،‏ يحتوي الكتاب المقدس على عبارة الصلاة:‏ «لا تعطِني فقرا ولا غنى.‏» (‏امثال ٣٠:‏٨‏)‏ وكتب الملك داود عن زمانه:‏ «لم أرَ صدِّيقا تُخلي عنه ولا ذرية له تلتمس خبزا.‏» —‏ مزمور ٣٧:‏٢٥‏.‏

٩،‏ ١٠ اية اسباب اخرى تظهر انه لا يمكننا ان نفهم هذا المثل حرفيا؟‏

٩ اذا فهمنا كلمات يسوع حرفيا،‏ فلا بد ان نصل الى استنتاجات اخرى ايضا تجعل المثل غريبا حقا.‏ وهذه تشمل:‏ ان الذين يتمتعون بالسعادة السماوية هم في وضع يمكِّنهم من رؤية الذين يكابدون العذاب في هَادِس والتكلُّم اليهم.‏ ان الماء العالق بطرف اصبع المرء لا يتبخَّر بنار هَادِس.‏ وانه،‏ على الرغم من شدَّة عذاب هَادِس،‏ فمجرد قطرة من الماء تجلب الراحة للمتألم.‏

١٠ اذ تُفهم حرفيا،‏ هل تبدو لكم هذه الأمور معقولة؟‏ ام هل تشعرون،‏ عوضا عن ذلك،‏ بأن ما قاله يسوع لم يُقصد ان يُفهم حرفيا؟‏ وهل هنالك طريقة للتأكُّد من ذلك؟‏

تحديد هويتَي «الغني» و «لعازر»‏

١١،‏ ١٢ كيف نعرف ان كلمات يسوع عن الانسان الغني ولعازر هي مثل؟‏

١١ افحصوا القرينة.‏ الى مَن كان يسوع يتكلَّم؟‏ في لوقا ١٦:‏١٤ يجري اخبارنا:‏ «وكان الفريسيون ايضا يسمعون هذا كله وهم محبون للمال فاستهزأوا به.‏»‏

١٢ بما ان يسوع كان يتكلَّم في مسامع الفريسيين،‏ فهل كان يسرد قضية واقعية ام كان يستعمل مجرد مثل؟‏ في ما يتعلق بأسلوب يسوع لتعليم الجموع،‏ نقرأ:‏ «وبدون مثل لم يكن يكلِّمهم.‏» (‏متى ١٣:‏٣٤‏)‏ ولذلك لا بد ان تكون الرواية عن الانسان الغني ولعازر مثلا.‏

١٣ من الواضح ان هذا المثل كان موجَّها الى مَن؟‏

١٣ من الواضح ان هذا المثل كان موجَّها الى الفريسيين.‏ فكصف كانوا كالانسان الغني.‏ فقد احبوا المال،‏ وكذلك الشهرة وألقاب الاطراء.‏ قال عنهم يسوع:‏ «وكل اعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس.‏ فيعرِّضون عصائبهم ويعظِّمون اهداب ثيابهم.‏ ويحبون المتكأ الأول في الولائم والمجالس الأولى في المجامع.‏ والتحيات في الأسواق وأن يدعوهم الناس سيدي سيدي.‏» —‏ متى ٢٣:‏​٥-‏٧‏.‏

١٤ كيف كان الفريسيون ينظرون الى الأشخاص الآخرين؟‏

١٤ كان الفريسيون يزدرون بالآخرين،‏ وخصوصا العشارين،‏ الزواني وغيرهم ممن لهم سمعة خطاة.‏ (‏لوقا ١٨:‏​١١،‏ ١٢‏)‏ ففي احدى المناسبات عندما عاد الخدام،‏ الذين أُرسلوا لالقاء القبض على يسوع،‏ فارغي اليدين لأنهم تأثَّروا بتعليمه،‏ رفع الفريسيون صوتهم قائلين:‏ «ألعلكم انتم ايضا قد ضللتم.‏ ألعل احدا من الرؤساء او من الفريسيين آمن به.‏ ولكنَّ هذا الشعب الذي لا يفهم الناموس هو ملعون.‏» —‏ يوحنا ٧:‏​٤٧-‏٤٩‏.‏

١٥ مَن مثَّل لعازر في المثل؟‏

١٥ ففي المثل اذًا يمثِّل لعازر المسكين في الواقع اولئك الأشخاص المتواضعين الذين احتقرهم الفريسيون ولكنهم تابوا وصاروا أتباعا ليسوع المسيح.‏ وقد اظهر يسوع ان هؤلاء الخطاة المحتقَرين،‏ عند توبتهم،‏ ينالون موقف الرضى الالهي،‏ في حين ان الفريسيين والقادة الدينيين البارزين الآخرين يخسرون ذلك كصف.‏ قال:‏ «الحق اقول لكم ان العشارين والزواني يسبقونكم الى ملكوت اللّٰه.‏ لأن يوحنا جاءكم في طريق الحق فلم تؤمنوا به.‏ وأما العشارون والزواني فآمنوا به.‏ وأنتم اذ رأيتم لم تندموا اخيرا لتؤمنوا به.‏» —‏ متى ٢١:‏​٣١،‏ ٣٢‏.‏

موت «الغني» و «لعازر»‏

١٦،‏ ١٧ كما يُستعمل في الكتاب المقدس،‏ ماذا يمكن ان يمثِّل الموت؟‏

١٦ ماذا يعني اذًا موت «الغني» و «لعازر»؟‏ لا يلزم ان نستنتج انه يشير الى موت فعلي.‏ فكما يُستعمل في الكتاب المقدس،‏ يمكن ان يمثِّل الموت ايضا تغييرا كبيرا في حالة الأفراد.‏ على سبيل المثال:‏ الأشخاص الذين يتبعون مسلك حياة مخالفا لمشيئة اللّٰه يجري التكلُّم عنهم بصفتهم «امواتا بالذنوب والخطايا.‏» أما عندما يأتون الى موقف مقبول امام اللّٰه كتلاميذ ليسوع المسيح فتجري الاشارة اليهم بأنهم يصيرون ‹احياء.‏› (‏افسس ٢:‏​١،‏ ٥؛‏ كولوسي ٢:‏١٣‏)‏ وفي الوقت نفسه يصير مثل هؤلاء الأشخاص الأحياء «امواتا» بالنسبة الى الخطية.‏ نقرأ:‏ «احسبوا انفسكم امواتا (‏في ما يتعلق بالخطية)‏ ولكن احياء للّٰه بالمسيح يسوع ربنا.‏» —‏ رومية ٦:‏١١‏.‏

١٧ بما ان «الغني» و «لعازر» في مثل يسوع رمزيان بشكل واضح،‏ فمن المنطقي ان يكون موتهما ايضا رمزيا.‏ ولكن بأيّ معنى يموتان؟‏

١٨-‏٢١ (‏أ)‏ بسبب الناموس الموسوي،‏ في اية علاقة عهد باللّٰه كانت امة اسرائيل؟‏ (‏ب)‏ لكي يصيروا جزءا من «عروس» المسيح،‏ كان على اليهود ان يتحرَّروا من اي شيء؟‏ (‏ج)‏ ماذا تقول رومية ٧:‏​١-‏٦ عن هذه المسألة؟‏ (‏د)‏ اية فرصة جديدة أُتيحت منذ ايام يوحنا المعمدان؟‏

١٨ ان المفتاح للاجابة عن هذا السؤال يكمن في ما قاله يسوع مباشرة قبل تقديم المثل:‏ «كل مَن يطلِّق امرأته ويتزوج بأخرى يزني.‏ وكل مَن يتزوج بمطلَّقة من رجل يزني.‏» (‏لوقا ١٦:‏١٨‏)‏ قد يبدو ان هذه العبارة لا علاقة لها البتة بالمثل.‏ ولكن ليست هذه هي الحال.‏

١٩ فبسبب الناموس الموسوي كانت امة اسرائيل في علاقة عهد باللّٰه وبالتالي يمكن التكلُّم عنها كزوجة له.‏ مثلا،‏ في ارميا ٣:‏١٤‏،‏ الترجمة اليسوعية،‏ يشير اللّٰه الى الأمة كزوجة غير امينة:‏ «ارجعوا ايها البنون العصاة يقول الرب فإني بعل لكم.‏» وبعد ذلك،‏ بمجيء يسوع،‏ قُدِّمت لليهود فرصة الصيرورة جزءا من ‹عروسه.‏› ولهذا السبب قال يوحنا المعمدان لتلاميذه:‏ «انتم انفسكم تشهدون لي اني قلت لست انا المسيح بل اني مرسل امامه.‏ مَن له العروس فهو العريس.‏ وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحا من اجل صوت العريس.‏ اذًا فرحي هذا قد كمل.‏ ينبغي ان ذلك [يسوع] يزيد وأني انا انقص.‏» —‏ يوحنا ٣:‏٢٨-‏٣٠‏.‏

٢٠ ولكي يصيروا جزءا من «عروس» المسيح،‏ كان على اليهود ان يتحرَّروا من الناموس الذي جعلهم،‏ بلغة مجازية،‏ زوجة للّٰه.‏ وبدون تحرُّر كهذا،‏ لم يكن بامكانهم ان يأتوا الى علاقة زوجة بالمسيح،‏ اذ يكون ذلك علاقة زنى.‏ والكلمات في رومية ٧:‏​١-‏٦ تؤكِّد ذلك:‏

‏«أم تجهلون ايها الاخوة.‏ لأني اكلِّم العارفين بالناموس.‏ ان الناموس يسود على الانسان ما دام حيًّا.‏ فإن المرأة التي تحت رجل هي مرتبطة بالناموس بالرجل الحيّ.‏ ولكن إن مات الرجل فقد تحرَّرت من ناموس الرجل.‏ فإذًا ما دام الرجل حيًّا تدعى زانية إن صارت لرجل آخر.‏ ولكن إن مات الرجل فهي حرَّة من الناموس حتى انها ليست زانية إن صارت لرجل آخر.‏

‏«اذًا يا اخوتي انتم ايضا قد متُّم للناموس بجسد المسيح لكي تصيروا لآخر للذي قد أُقيم من الأموات لنثمر للّٰه.‏ .‏ .‏ .‏ وأما الآن فقد تحرَّرنا من الناموس اذ مات الذي كنا ممسكين فيه حتى نعبد بجدة الروح لا بعتق الحرف.‏»‏

٢١ في حين ان موت يسوع المسيح كان الأساس لتحرير اليهود من الناموس،‏ فحتى قبل موته كان في وسع التائبين ان يأتوا الى موقف مرضي عند اللّٰه كتلاميذ لابنه.‏ فرسالة وعمل يوحنا المعمدان ويسوع المسيح فتحا الباب لليهود لينتهزوا فرصة نيل الرضى الالهي ويسيروا في الطريق الى الميراث السماوي كأعضاء من عروس المسيح.‏ وكما عبَّر يسوع نفسه عن ذلك:‏ «من ايام يوحنا المعمدان الى الآن ملكوت السموات هو الهدف الذي يندفع نحوه الناس،‏ والذين يندفعون الى الأمام يمسكون به.‏» —‏ متى ١١:‏١٢‏،‏ ع‌ج.‏

٢٢ بأي معنى مات «الغني» و «لعازر»؟‏

٢٢ لذلك فإن عمل ورسالة يوحنا المعمدان ويسوع المسيح بدأا يقودان الى تغيير كامل في حالة «الغني» و «لعازر» الرمزيين.‏ فكلا الصفين ماتا بالنسبة الى حالتهما السابقة.‏ فأتى صف «لعازر» التائب الى موقف الرضى الالهي،‏ فيما صار صف «الغني» تحت السخط الالهي بسبب الاستمرار في عدم التوبة.‏ وذات مرة كان صف «لعازر» قد نظر الى الفريسيين وغيرهم من القادة الدينيين لليهودية من اجل «الفتات» الروحي.‏ ولكنَّ تقديم يسوع الحق لهم سدَّ حاجاتهم الروحية.‏ وفي مقابلة التغذية الروحية التي زوَّدها يسوع بتلك التي للقادة الدينيين،‏ يذكر الكتاب المقدس:‏ «بُهتت الجموع من تعليمه.‏ لأنه كان يعلِّمهم كمَن له سلطان وليس كالكتبة.‏» (‏متى ٧:‏​٢٨،‏ ٢٩‏)‏ حقا،‏ حدث انعكاس تام.‏ وتبيَّن ان القادة الدينيين لليهودية ليس لديهم ما يقدِّمونه لصف «لعازر.‏»‏

٢٣،‏ ٢٤ (‏أ)‏ اي تغيير في الحالة حدث في يوم الخمسين سنة ٣٣ ب‌م؟‏ (‏ب)‏ ماذا يُقصد بـ‍ ‹الهوَّة› المذكورة في المثل؟‏

٢٣ وفي يوم الخمسين سنة ٣٣ بعد الميلاد تمَّ التغيير في الحالتين.‏ ففي ذلك الوقت حلَّ العهد الجديد محلّ عهد الناموس القديم.‏ وأولئك الذين تابوا وقبلوا يسوع جرى تحريرهم آنذاك كاملا من عهد الناموس القديم.‏ لقد ماتوا بالنسبة اليه.‏ وفي يوم الخمسين هذا كان هنالك ايضا دليل جليّ على ان تلاميذ يسوع المسيح رُفِّعوا كثيرا فوق الفريسيين والقادة الدينيين البارزين الآخرين.‏ فليس القادة الدينيون لليهودية بل اولئك التلاميذ هم الذين نالوا روح اللّٰه،‏ ممكِّنا اياهم من التكلُّم «بعظائم اللّٰه» باللغات القومية للناس من اماكن متفرقة بشكل واسع.‏ (‏اعمال ٢:‏​٥-‏١١‏)‏ وكم كان هذا اعرابا رائعا عن نيلهم بركة اللّٰه ورضاه!‏ لقد اتى صف «لعازر» حقا الى الحالة المرضيَّة اذ صاروا النسل الروحي لابراهيم الأعظم،‏ يهوه.‏ وهذا الامر مثَّله مركز ‹الحضن.‏› —‏ قارنوا يوحنا ١:‏١٨‏.‏

٢٤ أما الفريسيون والقادة الدينيون البارزون الآخرون غير التائبين،‏ فقد كانوا امواتا بالنسبة الى موقفهم السابق للرضى الظاهري.‏ لقد كانوا في «(‏هَادِس)‏.‏» وبالبقاء غير تائبين،‏ فُصلوا عن تلاميذ يسوع الأمناء كما بـ‍ «هوَّة عظيمة.‏» وكانت هذه «هوَّة» دينونة اللّٰه البارَّة التي لا تتغيَّر.‏ نقرأ عن ذلك في الأسفار المقدسة:‏ «احكامك لُجَّة عظيمة.‏» —‏ مزمور ٣٦:‏٦‏.‏

عذاب «الغني»‏

٢٥-‏٢٧ كيف عُذِّب «الغني»؟‏

٢٥ ان صف «الغني» عذِّب ايضا.‏ كيف؟‏ بواسطة رسائل دينونة اللّٰه النارية التي نادى بها تلاميذ يسوع.‏ —‏ قارنوا رؤيا ١٤:‏١٠‏.‏

٢٦ لا يمكن ان يكون هنالك شك في ان الرسالة التي نادى بها تلاميذ يسوع عذَّبت القادة الدينيين.‏ وقد حاولوا بيأس ايقاف المناداة.‏ فعندما قدَّم رسل يسوع المسيح دفاعهم امام المحكمة اليهودية العليا المؤلفة من رجال دينيين بارزين،‏ «حنق [القضاة] وجعلوا يتشاورون ان يقتلوهم.‏» (‏اعمال ٥:‏٣٣‏)‏ وفي ما بعد كان لدفاع التلميذ استفانوس تأثير معذِّب مماثل في اعضاء تلك المحكمة.‏ «حنقوا بقلوبهم وصرُّوا بأسنانهم عليه.‏» —‏ اعمال ٧:‏٥٤‏.‏

٢٧ اراد اولئك القادة الدينيون ان يأتي تلاميذ يسوع ‹ويبرِّدوا لسانهم.‏› لقد ارادوا ان يترك صف «لعازر» «حضن» رضى اللّٰه ويقدِّم رسالته بطريقة لا تسبب لهم الانزعاج.‏ وبصورة مماثلة،‏ ارادوا ان يلطِّف صف «لعازر» رسالة اللّٰه لكيلا يوضع ‹اخوتهم الخمسة،‏› حلفاؤهم الدينيون،‏ في ‹موضع عذاب.‏› نعم،‏ لم يريدوا ان يتعذَّب ايٌّ من عشرائهم برسائل الدينونة.‏

٢٨ ماذا رفض رسل الرب يسوع المسيح ان يفعلوا؟‏

٢٨ ولكن،‏ كما اشار مثل يسوع،‏ لم يكن صف «الغني» ولا حلفاؤه الدينيون ليتحرَّروا من التأثيرات المعذِّبة للرسالة التي ينادي بها صف «لعازر.‏» لقد رفض رسل الرب يسوع المسيح ان يلطِّفوا الرسالة.‏ ورفضوا ان يتوقفوا عن التعليم على اساس اسم يسوع.‏ وكان جوابهم للمحكمة اليهودية العليا.‏ «ينبغي ان يطاع اللّٰه اكثر من الناس.‏» —‏ اعمال ٥:‏٢٩‏.‏

٢٩ كيف كان بإمكان حلفاء «الغني» الدينيين ان ينجوا من العذاب؟‏

٢٩ وإذا اراد حلفاء «الغني» الدينيون ان ينجوا من هذا العذاب،‏ فبإمكانهم ذلك.‏ فكان عندهم «موسى والأنبياء،‏» اي كانت عندهم الأسفار المقدسة الموحى بها التي كتبها موسى والأنبياء القدامى الآخرون.‏ ولم تشِر تلك الأسفار المقدسة الموحى بها ولا مرة واحدة الى ايّ مكان حرفي للعذاب بعد الموت،‏ ولكنها احتوت كل ما يلزم لتحديد هوية يسوع بصفته المسيّا او المسيح الموعود به.‏ (‏تثنية ١٨:‏​١٥،‏ ١٨،‏ ١٩؛‏ ١ بطرس ١:‏​١٠،‏ ١١‏)‏ ولذلك،‏ لو ان صف «الغني» و ‹اخوته الخمسة› انتبهوا لِـ‍ «موسى والأنبياء،‏» لقبلوا يسوع بصفته المسيّا.‏ ولوضعهم ذلك في الطريق الى الرضى الالهي وحماهم من التأثيرات المعذِّبة لرسالة دينونة اللّٰه.‏

العالم المسيحي يجب ان يعرف

٣٠ لماذا ليس هنالك سبب لكيلا يعرف رجال دين العالم المسيحي ان هذا هو مثل؟‏

٣٠ ليس هنالك سبب لكيلا يكون رجال دين العالم المسيحي حسني الاطلاع على هذا الفهم لمثل يسوع.‏ وثمة تعليق پروتستانتي بارز،‏ الكتاب المقدس للمفسِّر،‏ يلفت الانتباه الى توضيح مماثل.‏ فهو يظهر ان مفسِّرين كثيرين يعتقدون ان كلمات يسوع هي «ملحق مجازي يتصوَّر مقدما الصراع بين المسيحية الباكرة واليهودية الأرثوذكسية.‏ والغني واخوته يمثّلون اليهود غير المؤمنين.‏ ويبدو ان يسوع يؤكِّد انهم رفضوا بعناد ان يتوبوا على الرغم من الشهادة الواضحة له في الأسفار المقدسة وينبئ انهم سيفشلون في التأثر بقيامته.‏ وما يمكن تخيُّله هو ان لوقا وقرَّاءه فرضوا تفسيرا كهذا على هذه الآيات.‏» وفي حاشية على لوقا الاصحاح ١٦‏،‏ يعترف الكتاب المقدس الأورشليمي الكاثوليكي بأن هذا «مثل في شكل قصة دون اشارة الى اية شخصية تاريخية.‏»‏

٣١-‏٣٣ (‏أ)‏ اية اسئلة مهمة تُطرح عن رجال دين العالم المسيحي؟‏ (‏ب)‏ اية دروس حيوية نتعلَّمها من مثل الغني ولعازر؟‏ (‏ج)‏ اية اسئلة شخصية يجب ان نطرحها على انفسنا؟‏

٣١ نظرا الى ذلك،‏ يمكننا ان نسأل بالصواب:‏ لماذا لم يعترف رجال دين العالم المسيحي على الأقل لرعايا كنيستهم بأن هذا مثل؟‏ ولماذا يستمر اولئك الذين يعرفون ان الكتاب المقدس لا يعلِّم خلود النفس البشرية في وضع تطبيق حرفي على مثل واضح؟‏ أليس ذلك عدم استقامة؟‏ ألا يظهرون استخفافا بكلمة اللّٰه،‏ مخفين الوقائع عمدا؟‏

٣٢ يحتوي مثل الغني ولعازر على دروس حيوية لنا اليوم.‏ فهل ننتبه لكلمة اللّٰه الموحى بها؟‏ وهل نرغب في اتِّباعها كتلاميذ منتذرين ليسوع المسيح؟‏ ان الذين يرفضون ذلك،‏ كالفريسيين اليهود،‏ لن ينجوا من التأثيرات المعذِّبة لرسالة دينونة اللّٰه ضدهم.‏ وسيواصل خدامه الأولياء اعلان الحق،‏ مشهِّرين الخطأ الديني بجرأة.‏

٣٣ فأين تقفون في هذه المسألة؟‏ هل تعتقدون انه يجب ان يكون هنالك فتور في تشهير كهذا،‏ شاعرين بأنه يوجد صلاح في جميع الأديان؟‏ أم هل تشعرون بالسخط على اساءة تمثيل العالم المسيحي اللّٰه بعقائده الباطلة عن الأموات؟‏ هل تريدون ان تروا اسم اللّٰه يتبرَّأ من التعيير الذي جلبه عليه تعليم العقائد الباطلة؟‏ وهل ترغبون في رؤية عدم توفير ايّ جهد في سبيل تحرير ذوي القلوب المستقيمة من العبودية للأباطيل الدينية؟‏ اذا كان الامر كذلك،‏ فستجدون ان قصد اللّٰه المتعلق بالأموات والأحياء معزٍّ جدا.‏

‏[اسئلة الدرس]‏