كيف يؤثِّر الموت في حياة الناس اليومية
الفصل ٢
كيف يؤثِّر الموت في حياة الناس اليومية
١-٤ (أ) كيف يمكن للموت ان يؤثِّر في حياة الشخص اليومية؟ (ب) اية اسئلة يمكن ان نطرحها على انفسنا عن تأثير الموت؟
يهتم معظم الناس كثيرا جدا بما يؤثِّر في حياتهم وحياة عائلاتهم الآن. لكنَّ قليلين مستعدُّون للتكلُّم او التفكير مطوَّلا في قضية الموت.
٢ صحيح ان الموت ليس توقُّعا مشرقا، ولكنَّ له تأثيرا واضحا في حياة المرء اليومية. ومَن منا لم يختبر الأسى والاحساس العميق بالخسارة لموت صديق عزيز او قريب حبيب؟ فالموت في العائلة يمكن ان يغيِّر كامل نمط حياة العائلة، يقضي على دخْل ثابت ويسبِّب الوحدة او الكآبة للباقين على قيد الحياة.
٣ والموت، مع انه شيء كريه، هو حادث يومي لا بد ان تأخذوه بعين الاعتبار. فلا يمكنكم ان تطيلوا اعمالا معيَّنة الى ما لا نهاية. وغدًا ربما يكون قد فات الأوان.
٤ فكيف يؤثِّر ذلك فيكم؟ هل تشعرون احيانا بأن قِصَر الحياة يضغط عليكم كي تستقتلوا في محاولة لنيل كل ما تستطيعون نيله منها؟ أم هل تتبنَّون النظرة الجَبريَّة، مستنتجين ان ما سيكون سيكون؟
النظرة الجَبريَّة
٥ ما هي النظرة الجَبريَّة؟
٥ يعتقد اناس كثيرون اليوم ان الحياة والموت يتحكم فيهما القَدَر. وهذا هو مفهوم اساسي لحوالي ٧٠٠ مليون هندوسي. وفي الواقع، ان
آراء الجَبريَّة هي عمليا عامة الانتشار. ألم تسمعوا اناسا يقولون، ‹كان لا بد ان يحدث ذلك،› ‹ان وقته قد انتهى،› او ‹نجا لأن ساعته لم تأتِ›؟ ان مثل هذه الأقوال يُردَّد تكرارا في ما يتعلق بالحوادث الطارئة. فهل هي صحيحة؟ تأملوا في احد الأمثلة:٦-٨ (أ) اي ايضاح معطى عن الموت الطارئ؟ (ب) اي سؤالين تجري اثارتهما في ما يتعلق بالقَدَر؟
٦ خلال طيران استعراضي في معرض پاريس الجوي في السنة ١٩٧٣ انفجرت الطائرة السوڤياتية من طراز تييو-١٤٤ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، فقُتل طاقمها. وقُذفت اقسام كبيرة من الطائرة بقوة على قرية ڠوسّانڤيل، فرنسا. وكانت هناك امرأة لم تكد تغلق باب غرفة النوم وراءها حتى خرق الجدارَ الخارجي جزءٌ من الحُطام، مدمِّرا غرفة النوم تدميرا كاملا. فلم تُصَبْ بأذى.
٧ وثمة آخرون لم ينجوا. وقد شمل الضحايا الحفداء الثلاثة لامرأة مُسنَّة، ولكن دون الجدَّة.
٨ فهل مات هؤلاء الأولاد والآخرون لأن ‹ساعتهم› قد اتت او ‹وقتهم› قد انتهى؟ وهل استُبقي الآخرون لأن القَدَر لم يَحِنْ له ان يطالب بهم إلّا لاحقا؟
٩ اولئك الذين يؤمنون بالقَدَر لديهم آراء مماثلة لآراء مَن؟
٩ ان اولئك الذين يجيبون بـ «نعم» عن هذين السؤالين يؤمنون بأنه لا شيء قد يفعله ايّ امرئ يمكن ان يمنع موت الشخص اذا ‹انتهى وقته.› فهم يشعرون بأنهم ببساطة، على الرغم من ايّ احتياط يجري اتخاذه، لا يستطيعون الهرب مما يُمليه القَدَر. وهذه نظرة مماثلة لنظرة اليونانيين القدماء الذين اعتبروا ان مصير الانسان تسيطر عليه ثلاث الاهات — كلوثو، لاكيسيس وأَتروپوس. فكانت كلوثو حسب زعمهم تغزل خيط الحياة، لاكيسيس تحدِّد طوله وأَتروپوس تقطعه عندما ينتهي الوقت.
١٠ اية اسئلة ستساعدنا ان نرى ما اذا كانت وجهة النظر الجَبريَّة معقولة؟
١٠ هل وجهة النظر الجَبريَّة هذه معقولة؟ اسألوا نفسكم: لماذا ينقص
عدد الميتات بالحوادث الطارئة عندما تُطاع انظمة السلامة ويزيد عندما يجري تجاهلها؟ لماذا يمكن الاثبات ان غالبية ميتات حوادث السير تنتج من اهمال البشر، سكرهم، ارتكابهم الغلط او مخالفتهم القانون؟ ولماذا الناس في البلدان ذات المقاييس الرفيعة للعادات الصحية ونظام التغذية الجيد لديهم معدل عمر اطول بكثير مما في البلدان التي تفتقر الى هذه الأمور؟ ولماذا يموت المدخِّنون من سرطان الرئة اكثر من غير المدخِّنين؟ كيف يمكن ان يكون كل هذا نتيجة قَدَر اعمى لا سيطرة عليه؟ وبدلا من ذلك، أليست الحال ان هنالك اسبابا لِما يحدث للانسان؟١١ صفوا كيف يمكن ان يحصل موت بحادث طارئ.
١١ وفي ما يتعلق بالكثير من الميتات بالحوادث الطارئة، أليست القضية مجرد ان الشخص اتَّفق وجودُه في وضع خطِر؟ للايضاح: يغادر رجل بيته في وقت معيَّن كل يوم عمل. وذات صباح، فيما هو يمرّ بمنزل
احد الجيران، يسمع صراخا وصياحا. فيسرع في مشيته، وإذ ينعطف عند الزاوية، تصيبه رصاصة طائشة. فموته هو نتيجة وجوده عند الزاوية في الوقت غير المناسب؛ وكان الظرف غير منتظَر.١٢ ماذا تشرح جامعة ٩:١١ عن طريقة حدوث الأشياء في الحياة اليومية؟
١٢ وإذ لاحظ ما يحدث حقا في الحياة اليومية، قال الكاتب الحكيم لسفر الجامعة للكتاب المقدس: «فعدت ورأيت تحت الشمس ان السعي ليس للخفيف ولا الحرب للأقوياء ولا الخبز للحكماء ولا الغنى للفهماء ولا النعمة لذوي المعرفة لأنه الوقت والعَرَض يلاقيانهم كافَّة.» — جامعة ٩:١١.
١٣، ١٤ كيف تتباين حياة مَن لا يقبل النظرة الجَبريَّة وحياة مَن يقبلها؟
١٣ والشخص الذي يقدِّر هذا لا يتجاهل انظمة السلامة ولا يقوم بمجازفات لا داعي لها، ظانًّا انه منيع من الموت طالما ان «وقته» لم ينتهِ. وهو يدرك ان النظرة الجَبريَّة يمكن ان تكون خطِرة عليه وعلى الآخرين على السواء. وهذه المعرفة يمكن ان تزيد حياتكم سنوات، اذا طُبِّقت بحكمة.
١٤ ومن الجهة الأخرى، يمكن لوجهة النظر الجَبريَّة ان تقود الى اعمال تهوُّر، ويمكن ايضا ان تجعل الشخص مهمِلا في الاطِّلاع على مسائل قد تؤثِّر عميقا فيه وفي عائلته.
العيش للحاضر فقط
١٥-١٧ (أ) اي موقف، كما هو معبَّر عنه في الكتاب المقدس في ١ كورنثوس ١٥:٣٢، يملكه اناس كثيرون اليوم؟ (ب) ما هي بعض الأسباب لهذا الموقف؟
١٥ وعلاوة على وجهة النظر الجَبريَّة، تؤثِّر احداث القرن العشرين في اعمال الناس.
١٦ تأمَّلوا لحظة في ما يحدث. فالملايين يهلكون ضحايا للحرب، الجريمة، اعمال الشغب والمجاعة. والهواء والماء الداعمان للحياة يلوَّثان بمعدل ينذر بالخطر. ويبدو انه من كل صَوْب يجري تهديد حياة الانسان. وليس هنالك ما يعطي تأكيدا حقيقيا ان الجنس البشري سيتمكَّن من
حلّ مشاكله في المستقبل القريب. وتبدو الحياة بغير يقين للغاية. فما هي النتيجة؟١٧ كثيرون من سكان الأرض يحيون للحاضر فقط، لنيل كل ما يمكن نيله من اليوم الحالي. وهم يشعرون بأنهم مجبرون على فعل ذلك، اذ يفكرون ان الحياة التي يملكونها الآن هي كل الحياة التي يمكنهم ان يرجوا امتلاكها في وقت من الأوقات. وعلى نحو ملائم يصف الكتاب المقدس موقفهم: «فلنأكل ونشرب لأننا غدا نموت.» — ١ كورنثوس ١٥:٣٢.
١٨ كيف يحاول كثيرون ايجاد متنفَّس لقلقهم ازاء قِصَر الحياة؟
١٨ وفي محاولة للهرب من وقائع الحياة المؤلمة، قد يلجأون الى الكحول او المخدِّرات. ويحاول الآخرون ايجاد متنفَّس لخيباتهم وقلقهم ازاء قِصَر الحياة بالانغماس شخصيا في الاختبارات الجنسية من جميع الأنواع — العهارة، الزنى، مضاجعة النظير، السِّحاق. يقول كتاب الموت وأسراره:
«يبدو ان المزيد من الناس العاديِّين اليوم يؤثِّر فيهم هذا الخوف من الموت الجماعي، على الأقل من غير ان يدروا. ان هذا على الأقل شرح جزئي لفوضى ازمنتنا، التي يعبَّر عنها بالجريمة التي لا مبرِّر لها، التخريب المتعمد للممتلكات العامة او الخاصة، الشهوة الجنسية والسرعة المتزايدة لسير الحياة. وحتى الموسيقى والرقصات العصرية يبدو انها تعبِّر عن اليأس لدى بشرية لم تعد تؤمن بمستقبلها.»
١٩-٢٢ ما هو تأثير العيش للحاضر فقط كما عن طريق (أ) الاسراف في الشرب؟ (ب) ادمان المخدِّرات؟ (ج) العلاقات الجنسية غير الشرعية؟
١٩ ما هو تأثير كل هذا العيش للحاضر وكأنما الغد ربما لا يكون؟
٢٠ ان اولئك الذين يستسلمون للاسراف في الشرب وللسكر قد ينسون متاعبهم موقتا. لكنَّهم يضحُّون بكرامتهم، وفيما هم سكارى، يؤذون احيانا انفسهم او الآخرين. وفي اليوم التالي يجدون انهم قد زادوا مشكلة أليمة على المتاعب التي كانت لديهم من قبل.
٢١ ومدمنو المخدِّرات ايضا يدفعون ثمنا غاليا مقابل جهودهم للهرب
من الواقع. فهم غالبا ما يختبرون اذى جسديا وعقليا دائما. ولدعم عادتهم الباهظة الكلفة، قد يجدون انهم يحطُّون انفسهم بالانهماك في السرقة او البغاء.٢٢ وماذا عن العلاقات الجنسية غير الشرعية؟ هل تساعد على تحسين نصيب المرء في الحياة؟ على العكس، فالثمر تكرارا هو المرض التناسلي الكريه، الحبل غير المرغوب فيه، الأولاد غير الشرعيين، عمليات الاجهاض، البيت المحطَّم، الغيرة المُرَّة، الخصام وحتى القتل.
٢٣ اي شيء قد تبعث الرغبة في الممتلكات المادية الأشخاص على فعله؟
٢٣ طبعا، ان اشخاصا كثيرين لم يستسلموا للعيش حياة الخلاعة. لكنهم لم يهربوا من الضغط الآتي من الادراك، بوعي او في العقل الباطن، ان حياتهم ستنتهي. وإذ يعرفون ان الوقت محدود، قد يسعون الى احراز التقدُّم في العالم بأسرع ما يمكن. وبأية نتيجة؟ قد تبعثهم رغبتهم في الممتلكات المادية على التضحية بالاستقامة الشخصية. وكما يذكر مثل الكتاب المقدس بصدق: «المستعجل الى الغنى لا (يبقى بريئا).» (امثال ٢٨:٢٠) لكنَّ هذا ليس كل شيء.
٢٤ اي سؤال وأفكار حيوية يلزم التأمل فيها في ما يتعلق بأولادنا؟
٢٤ يُستهلك الكثير جدا من الوقت والطاقة في احراز التقدُّم ماديا بحيث يكون هنالك وقت قليل ليتمتع المرء بعائلته. صحيح ان الأولاد ربما ينالون كل الأشياء المادية التي يريدون. ولكن هل ينالون الارشاد والتقويم اللذين يحتاجون اليهما ليصيروا شبانا وشابات يتحمَّلون المسؤولية؟ ان والدين كثيرين، فيما يدركون ان الوقت المصروف مع اولادهم محدود نوعا ما، لا يرون حقا ايّ سبب لقلق خصوصي — حتى فوات الأوان. اجل، انه لمؤلم ان يعلم المرء ان ابنه جرى اعتقاله او ان ابنته المراهقة ستصير أُمًّا غير متزوجة.
٢٥، ٢٦ ماذا يُظهر انه ليس جميع الناس يؤثِّر فيهم قِصَر الحياة تأثيرا مضادًّا؟
٢٥ ومما يحدث اليوم، أليس واضحا انه، على الرغم من قِصَر الحياة، يحتاج اناس كثيرون ان يتعلَّموا طريقة للحياة تمنح الاكتفاء اكثر؟
٢٦ ان الحتمية الظاهرية للموت لا تجعل الكل يضربون بالمبادئ الأدبية عرض الحائط، ولا تنتج لامبالاة جَبريَّة في جميع الأشخاص. وعلى العكس، ان ملايين الناس اليوم يتمتعون بطريقة حياة ناجعة لأن توقُّع الموت لم يؤثِّر فيهم تأثيرا مضادًّا.
طريقة افضل
٢٧، ٢٨ (أ) كيف يمكن للموت ان يعلِّمنا شيئا قيِّما؟ (ب) في جامعة ٧:١-٤، لماذا يقول الكتاب المقدس ان الذهاب الى بيت النَّوْح خير من الذهاب الى بيت الوليمة؟
٢٧ يمكن للموت ان يعلِّمنا شيئا قيِّما عندما ننظر اليه نظرة صائبة. فعندما يطالب الموت بالضحايا، يمكننا الاستفادة من التأمل المفعم بالتفكير في الطريقة التي بها نحيا حياتنا. ومنذ نحو ثلاثة آلاف سنة ابرز ملاحظ دقيق للبشريَّة ذلك، قائلا: «(الاسم) خير من الدهن الطيِّب ويوم الممات خير من يوم الولادة. الذهاب الى بيت النَّوْح خير من الذهاب الى بيت الوليمة لأن ذاك نهاية كل انسان والحيّ يضعه في قلبه. . . . قلب الحكماء في بيت النَّوْح وقلب الجهّال في بيت الفرح.» — جامعة ٧:١-٤.
٢٨ لا يوصي الكتاب المقدس هنا بالحزن تفضيلا له على الفرح. وبالأحرى، ان الاشارة هي الى الوقت الخصوصي الذي فيه تنوح اسرة ما على موت احد اعضائها. فليس هذا هو الوقت لنسيان المتفجِّعين والشروع في صنع الولائم والمرح الصاخب. لأنه، تماما كما انهى الموت جميع خطط الراحل ونشاطاته، يمكن ان يفعل الأمر نفسه للتي لنا. ويفعل الشخص حسنا اذ يسأل نفسه: ماذا افعل بحياتي؟ هل ابني اسما او صيتا حسنا؟ والى ايّ حد اساهم في سعادة الآخرين وخيرهم؟
٢٩ (أ) كيف يكون يوم الممات خيرا من يوم الولادة؟ (ب) لماذا اولئك الذين قلبهم في «بيت النَّوْح» حكماء؟
٢٩ ليس عند الولادة، بل خلال كامل مسلك حياتنا، يتخذ ‹اسمنا›
معنى حقيقيا، محدِّدا هويتنا بالنسبة الى ايّ نوع من الأشخاص نحن. والشخص الذي يكون قلبه، اذا جاز التعبير، في «بيت النَّوْح» هو شخص يمنح اعتبارا قلبيا للطريقة التي بها يحيا حياته، بصرف النظر عن مدى قِصَرها. انه يعاملها كشيء ثمين. وهو لا يُظهر الروح السطحية الطائشة التي هي الصفة المميِّزة لمكان المرح الصاخب. وبالأحرى، يبذل جهده ليعيش حياة لها معنى وقصد وبذلك يساهم في سعادة الرفقاء البشر وخيرهم.٣٠ كيف يتوصل بعض الأشخاص الى ايجاد القصد الحقيقي في الحياة؟
٣٠ وكيف يمكن لأحد ان يعرف ما اذا كان الآن يتمتع بأفضل طريقة للحياة ممكنة له، ما اذا كان حقا يحيا حياة لها قصد؟ يلزم بالتأكيد مقياس للحكم. وبأعداد متزايدة يتوصل الأشخاص المخلصون في كل انحاء الارض الى الاستنتاج ان الكتاب المقدس هو ذلك المقياس الذي يُركَن اليه. وفحصهم الكتاب المقدس يمكِّنهم من ايجاد القصد الحقيقي في الحياة الآن ويعطيهم رجاء عظيما للمستقبل، رجاء يشتمل على الحياة في احوال بارة على هذه الأرض عينها. لقد باتوا يدركون انه، ليس الموت، بل الحياة هي قصد اللّٰه للجنس البشري.
[اسئلة الدرس]
[الصورة في الصفحة ١١]
هل يسيطر القَدَر على حياتكم، كما آمن اليونانيون القدماء؟