ما تقدِّمه لنا الحياة الأبدية على الأرض
الفصل ١٧
ما تقدِّمه لنا الحياة الأبدية على الأرض
١، ٢ لماذا لا يقبل الناس فكرة مدة حياة لا تنتهي ابدا كما يقبلون امكانية عمر من مئة سنة؟
ان الحياة بصحة جيدة وفي احوال سارَّة لاكثر من سبعين او ثمانين سنة هي بالتأكيد شيء مرغوب فيه. وفي الواقع، خصَّص العلماء عددا كبيرا من السنين للبحث عن طرائق لمكافحة الهرم والمرض. وغالبا ما يعبِّرون عن الفكرة بأن معدل عمر من مئة سنة هو هدف يجب العمل من اجله.
٢ لكنَّ فكرة مدة حياة لا تنتهي ابدا يبدو انها لا تنال الاعجاب نفسه. فكثيرون من الاشخاص يميلون الى المجادلة: ‹بدون مرض وموت وبعض البلايا سنفقد التقدير للأمور الجيدة. وستكون الحياة الأبدية على الأرض مملَّة. وسينفد ما عندنا من امور لفعلها.› ربما سمعتم اناسا يعبِّرون عن افكار كهذه، ولكن هل هذه هي الطريقة التي تنظرون بها شخصيا الى الحياة؟ وفي الواقع، هل هذا النوع من التفكير سليم؟
٣ اية امثلة تُظهر انه يمكننا ان نتمتع بالأمور الجيدة ونقدِّرها دون ان نختبر الردية؟
٣ هل نحتاج، مثلا، الى المرض لئلا نملّ من الصحة الجيدة؟ لا يخسر الناس الفرح في العيش لأنهم يشعرون بأنهم اصحاء. والأمن، البيئة السارَّة، العمل الممتع والمثمر، والطعام الصحي امور لا تجعل الناس يسأمون الحياة. أليس، بالأحرى، النقص في الطعام، البيئة غير السارَّة، البليّة والمشاكسة هي ما يجعل الحياة كريهة؟ أيحتاج الانسان الى قطع احدى يديه ليقدِّر الأخرى؟ فيمكننا ان نتمتع بالأمور الجيدة ونقدِّرها دون ان نختبر الردية.
٤، ٥ لماذا لا تعني الحياة في كمال بشري ان كل الاشخاص سيعملون كل شيء حسنا بشكل متساوٍ وبالاهتمام الشديد نفسه؟
٤ والحياة في كمال بشري لا تعني ان كل الاشخاص سيعملون كل شيء حسنا بشكل متساوٍ وبالاهتمام الشديد نفسه. فما يقدِّمه الكتاب المقدس هو الوعد بحياة دون مرض وموت. (رؤيا ٢١:٣، ٤) وليس جميع الأصحاء اليوم متماثلين، فلماذا يستنتج احد ان الكمال الجسدي والعقلي يجعل الناس في الواقع نُسَخا منقولة احدهم عن الآخر؟ فسيختلف الناس بعدُ من حيث الشخصية. وستكون لديهم تفضيلات مختلفة في ما يتعلق بالعمل، البناء، تزيين البيت، هندسة المناظر الطبيعية، الطعام والشراب، التسلية، الفنون الجميلة وما شابه ذلك. وأذواقهم وتفضيلاتهم الشخصية ستكون لها علاقة قوية بالمهارات وحقول النشاط التي يفضلونها.
٥ ولكن هل هنالك حقا ما يكفي من العمل على الأرض لابقاء البشر مشغولين مدى الأبدية؟ ألا يتوقف ازدياد المعرفة اخيرا لأننا نكون قد عملنا كل شيء؟
يمكن فعل الكثير
٦، ٧ كم من الامور ترغبون في انجازها لو كان لديكم الوقت والمقتنيات اللازمة؟
٦ تأملوا في حياتكم الخاصة الآن. هل تشعرون بأن قدراتكم تُستخدم كاملا او انها ستُستخدم كاملا يوما ما؟ كم من امور هنالك تشعرون بأنكم قادرون على فعلها وترغبون في انجازها — انما لو كان لديكم الوقت والمقتنيات اللازمة؟
٧ ربما كنتم ترغبون في تنمية موهبة ما، في الموسيقى، التصوير الزيتي، النحت او النقش، او في تعلّم شيء عن النجارة، الميكانيك، التصميم او هندسة البناء، او في درس التاريخ، علم الاحياء، علم الفلك او الرياضيات، او في الشروع في زراعة بعض النباتات او تربية الحيوانات، الطيور او الأسماك. وربما كنتم ترغبون في السفر، في رؤية بلدان جديدة. ويرغب كثيرون في القيام، لا بمجرد امر واحد، بل بعدد من هذه الأمور. ولكن حتى اذا كانت لديكم المقتنيات اللازمة، فالوقت لا يسمح لكم بفعل جميع الأمور التي ترغبون في فعلها.
٨-١١ اية امور يمكن فعلها لزيادة معرفتنا عن الخليقة اذا كان لدينا الوقت اللازم؟
٨ وبالاضافة الى ذلك، ألا يعرِّضكم الوقت المحدود ايضا لدرجة من الضغط لانجاز الأمور؟ ألا يكون مبهجا ان تقوموا بالأمور دون الاضطرار الى الشعور بالعجلة؟
٩ لا يوجد خطر نفاد الأمور التي سنفعلها. فموطننا، هذه الأرض، ملآن بمجموعة متنوِّعة كبيرة من الحياة النباتية والحيوانية بحيث توجد امكانية غير محدودة لتعلُّم اشياء جديدة ووضع معرفتنا المكتسبة موضع الاستعمال. وكثيرة هي الأسرار التي تلتمس الاكتشاف. فكِّروا في الأمر: هنالك اكثر من ٠٠٠,٣٠ صنف من السمك، نحو
٠٠٠,٣ ضرب من الحيوانات البرمائية، نحو ٠٠٠,٥ صنف من الثدييات وأكثر من ٠٠٠,٩ جنس من الطيور. والحشرات، اكثر مخلوقات الأرض الحية عددًا، يبلغ عددها نحو ٠٠٠,٨٠٠ صنف. ويعتقد العلماء ان ما بين مليون وعشرة ملايين صنف ربما تبقى بعدُ لاكتشافها. وتضاف الى هذه مئات الآلاف من اصناف النبات.١٠ فكم منا يعرف حتى جزءا ضئيلا من الأشياء الحية على الأرض بأسمائها؟ ومحدودة اكثر ايضا هي معرفتنا لعاداتها الممتعة والدور الحيوي الذي يلعبه كلٌّ منها في استمرارية الحياة على الأرض. ان امكانية المعرفة المتزايدة هي هائلة.
١١ وربما لم تسمعوا قط بسمك المياه العذبة المداري المعروف بالبلطيَّة. لكنَّ احد العلماء لاحظ في ما يتعلق بدراسته لها: «بالنسبة اليَّ، تَبرهن ان دراسة اسماك البلطيَّة هي دراسة ممتعة تستغرق ١٤ سنة.» ففكِّروا كم من السنين تتطلب دراسة الآلاف من المخلوقات الحية والنباتات — وبفائدة حقيقية.
١٢، ١٣ لماذا الناس مهتمون جدا بقوقعة البرنقيل الوضيعة؟
١٢ خذوا على سبيل المثال قوقعة البرنقيل الوضيعة. يسبب هذا المخلوق للانسان مشكلة كبيرة عندما يلتصق بالسفن. فيجب ان تُكشط قواقع البرنقيل عن السفن، اذ ان وجودها بعدد كبير يسبب سَحْبا كبيرا ويمكن ان يزيد استهلاك الوقود ما مقداره ٤٠ في المئة. وقد يميل الفرد الى التفكير ان القليل يمكن تعلُّمه من مخلوق يجعل من نفسه على ما يبدو مصدر ازعاج كهذا. لكنَّ الأمر ليس كذلك.
١٣ ان اللاحمة التي بواسطتها تصير قوقعة البرنقيل ملتصقة باحكام هي بسُمْك نحو ٠٠٠,١٠/٣ من الانش. ولكنَّ مقاومتها للنزع من السطح تفوق ٠٠٠,٧ پاوند لكل انش مربَّع. وهذا هو ضعف قوة الغراء الإپوكسي الذي استُعمل في السنوات الأخيرة للمركبات الفضائية. وعندما عرَّض الباحثون لاحمة قوقعة البرنقيل لدرجة حرارة
تبلغ ٦٦٢ درجة فهرنهايت، لم تذب، وتحمَّلت درجة حرارة تبلغ ٣٨٣ درجة فهرنهايت تحت الصفر دون ان تتشقق او تتقشر. ووُجد ايضا ان لاحمة قوقعة البرنقيل مقاوِمة لمعظم المذيبات. وخصائصها البارزة حثَّت الباحثين على محاولة انتاج لاحمة اصطناعية لقوقعة البرنقيل، «غراء فائق.»١٤، ١٥ ماذا يُظهر ان ذخيرة المعرفة تكاد لا تكون قد مُسَّت؟
١٤ وهكذا فإن المعرفة المكتسبة عن طريق البحث يمكن ان تأتي بالفوائد للانسان. واليوم لا سبيل الى معرفة كم من الأمور التي تفعلها كائنات الأرض الحية يمكن ان يستخدمها او ينسخها الانسان لاستعماله. وما جرى تعلُّمه كافٍ ليُظهر ان ذخيرة المعرفة تكاد لا تكون قد مُسَّت.
١٥ وحتى في المجالات حيث قام الانسان بمقدار كبير من البحث يبقى الكثير لاكتشافه. مثلا، ان احد الأمور المدهشة التي تفعلها النباتات الخضراء هو تحويل الماء وثاني اكسيد الكربون الى سكر. وهذه العملية، المعروفة بالتخليق الضوئي، لا تزال تحيِّر الانسان على الرغم من انقضاء نحو قرنين من البحث. ذكر لورَنس سي. ووكر، عالِم بالوظائف النباتية، انه «إذا كُشف السر، يستطيع الانسان على الأرجح ان يُطعم العالَم — مستخدما مصنعا بحجم مبنى مدرسة عادي.»
١٦، ١٧ ماذا يُظهر ان المعرفة الدقيقة تساعد الانسان على تجنب ايذاء نفسه والكائنات الحية الأخرى؟
١٦ يمكن ان يستفيد كل الجنس البشري كثيرا من تعلُّم المزيد عن الحياة النباتية والحيوانية. وبفهم الانسان الاعتماد المتبادل للكائنات الحية وحاجاتها، يستطيع ان يتجنب افساد توازن الحياة عن غير علم. وستساعده المعرفة الدقيقة على تجنب ايذاء نفسه والكائنات الحية الأخرى.
١٧ مثلا، لو ان نتائج الـ DDT المضرة فُهمت تماما وعمل الانسان بانسجام مع معرفته، لكان ممكنا تجنب التلوُّث الواسع الانتشار. ولكن، للأسف، استعمل الانسان الـ DDT بلا تمييز. فماذا كانت النتيجة؟ يذكر الدكتور لورانزو توماتيس من الوكالة الدولية للأبحاث المتعلقة بالسرطان في فرنسا: «ليس هنالك حيوان، ماء، تربة على هذه الأرض غير ملوَّثة بالـ DDT في الوقت الحاضر.» وفي بعض الحالات تراكم التلوُّث بالـ DDT في الحيوانات والطيور الى حدّ قتلها. حقا، كان من الممكن ان تحول المعرفة الدقيقة دون هذا التلوُّث المأساوي.
١٨، ١٩ اية حقول اخرى هنالك للاستكشاف؟
١٨ ويستطيع الانسان ايضا ان يستمر في التعلُّم عن الصوت، الضوء، التفاعلات الكيميائية، الالكترونيات، المعادن وعدد كبير من الأشياء الجامدة الأخرى. ويترك ذلك ايضا المدى الشاسع للفضاء الخارجي غير مستكشف الى حد بعيد. ويا له من حقل للاستقصاء! فالكون يحتوي على بلايين المجرات او المنظومات النجمية، وهذه المجرات قد تشمل بلايين النجوم. — مزمور ٨:٣، ٤.
١٩ ولا يجب اغفال الواقع انه، حتى دون سنوات طويلة من الدرس، يمكن للكائنات الحية والأشياء الجامدة ان تثير الابداع والخيال البشريين. فالألوان والتصاميم الموجودة في النباتات والحيوانات والأشياء الجامدة لا تبهج العين فحسب بل تزوِّد مصدر افكار لا حد له للفنون التزيينية. ولا داعي الى الخوف من ان يتوقف الابداع البشري في النهاية عن ان يكون ناشطا وتصير الحياة مملَّة وغير ممتعة.
٢٠، ٢١ اذا وصل الانسان الى حدّ احراز المعرفة الكاملة عن الأرض وكل الحياة عليها، فلماذا لا يجعل ذلك بحد ذاته الحياة مملَّة؟
٢٠ ولكن حتى اذا كانت هنالك امكانية ضئيلة للوصول الى حدّ احراز المعرفة الكاملة عن الأرض وكل الحياة عليها، فهل ذلك بحد ذاته يجعل الحياة مملَّة؟ تأمَّلوا: قد يأكل الشخص في سنة واحدة اكثر من ألف وجبة. وفي الأربعين من العمر ربما يكون الانسان قد اكل اكثر من اربعين ألف وجبة. ولكن هل يصير الأكل مملًّا اكثر كلما
مرَّت سنة؟ وهل يشعر الانسان الذي اكل اربعين ألف وجبة بالملل اكثر من الذي اكل نحو نصف هذا العدد؟٢١ يمكن ان تكون هنالك متعة حقيقية حتى في الأشياء التي تتكرر. فمَن منا يملُّ الشعور بالنسيم العليل، بلمسة الذين نحبهم، بصوت خرير الجداول، الأمواج المتكسِّرة على الشاطئ، الطيور التي تزقزق او تغرِّد، برؤية غروب الشمس الرائع، الأنهار المتعرِّجة، البحيرات الصافية، الشلالات المتساقطة، المروج الخضراء، الجبال الشاهقة او الشواطئ المزدانة بالنخيل، وبتنشُّق شذا الأزهار العطرة؟ — قارنوا نشيد الأنشاد ٢:١١-١٣.
فرص للتعبير عن المحبة
٢٢ اية حاجة هي فطرية في كل منا؟
٢٢ طبعا، ان مجرد تعلُّم وتطبيق ما نتعلَّمه ليس كافيا لجعل الحياة الأبدية غنية وذات معنى. فلدينا نحن البشر حاجة فطرية الى ان نحِب ونُحَب. وعندما نشعر بأن الآخرين يحتاجون الينا، يقدِّروننا ويحبوننا، نريد ان تستمر الحياة. ويبهج قلوبنا ان نعرف ان الآخرين يفتقدوننا في غيابنا، وأنهم يتوقون الى رؤيتنا مرة اخرى. ومعاشرة الأقرباء والأصدقاء الأعزاء بنَّاءة ومشجعة. ونجد السعادة في التمكن من فعل الأمور للذين نحبهم، والسعي لخيرهم.
٢٣ كيف يمكننا الاستفادة من حيازة حياة ابدية؟
٢٣ ستضع الحياة الأبدية امامنا فرصا لا نهاية لها للتعبير عن المحبة وللاستفادة من محبة الآخرين. وستمنحنا الوقت اللازم للتعرف بالرفقاء البشر، تقدير صفاتهم الحسنة وتنمية محبة شديدة لهم. وسكان الأرض متنوِّعون حقا — متنوِّعون في الشخصية، أنماط اللباس، التفضيلات في الطعام، في هندسة البناء، في الموسيقى والفنون الأخرى. والوقت الذي تتطلبه معرفة وتقدير بلايين البشر
والتعلُّم من خبرتهم ومواهبهم يُذهل الخيال. ولكن ألا يكون امرا سارًّا ان نعرف العائلة البشرية بكاملها ونتمكَّن من قبول كل عضو فيها كصديق عزيز جدا؟٢٤، ٢٥ لماذا لن نكلَّ من التعبير عن المحبة؟
٢٤ ان ما يمكن ان تقدِّمه لنا الحياة الأبدية على الأرض انما هو غني ومكافِئ. فكيف يمكن ان نملَّ فيما يوجد الكثير مما نستطيع تعلُّمه وتطبيقه بطريقة نافعة؟ وكيف يمكن ان نكلَّ من التعبير عن المحبة للآخرين الى الحد الأقصى؟ لاحظ الدكتور ايڤناس لِپ في كتابه الموت وأسراره:
«ان الذين اختبروا المحبة الحقيقية والانجاز العقلي يعرفون جيدا انهم لا يستطيعون ابدا ان يصلوا الى نقطة التشبُّع. والعالِم الذي يخصِّص كل وقته وطاقته للبحث يعرف انه كلما تعلَّم اكثر، كان هنالك المزيد لتعلُّمه وازدادت قابليته للمعرفة. وعلى نحو مماثل، فإن الذين يحبون يعرفون حقا انه لا يوجد حد يمكن تصوُّره لنمو محبتهم.»
٢٥ ولكن متى سنحصل على هذه الفرص التي تزوِّدها الحياة الأبدية؟ ومتى سيجعلها ملكوت اللّٰه برئاسة المسيح ممكنة؟ وإذا متنا قبل مجيء ذلك الوقت، فهل هنالك اية امكانية لردِّنا الى الحياة؟
[اسئلة الدرس]