الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

اذا كان الخالق يهتمّ،‏ فلماذا يكثر الالم جدا؟‏

اذا كان الخالق يهتمّ،‏ فلماذا يكثر الالم جدا؟‏

الفصل العاشر

اذا كان الخالق يهتمّ،‏ فلماذا يكثر الالم جدا؟‏

كلما تكتكت الساعة ٦٠ ثانية،‏ مات اكثر من ٣٠ شخصا من الامراض الخمجية،‏ وخسر ١١ معركتهم ضد السرطان،‏ وقضى مرض القلب على ٩.‏ وتعلمون ان الامراض التي تصيب الناس لا تقتصر على هذه فقط؛‏ فكثيرون يتألمون ويموتون من اسباب اخرى.‏

في سنة ١٩٩٦ كانت ساعة في ردهة مبنى الامم المتحدة في مدينة نيويورك تصدر رمزيا تكة واحدة مقابل كل طفل يولد في عائلة فقيرة —‏ ٤٧ تكة في الدقيقة.‏ ومن ناحية اخرى،‏ كلما دارت الارض دورة واحدة حول نفسها،‏ خلد ٢٠ في المئة من سكانها الى النوم جياعا.‏ وماذا لو حاولتم ان تحسبوا الجرائم التي تحصل حيث تعيشون؟‏

الالم يكثر في العالم حوالينا اليوم،‏ وهذا واقع يجب ان نواجهه.‏

‏«ولكن»،‏ كما يقول شرطي سابق،‏ «كثيرون منا لا تتأثر قلوبهم بالمظالم التي تحدث حوالينا».‏ لكنَّ القول اننا لا نتأثر لا يبقى صحيحا عموما حين يمسّ الظلم حياتنا او حياة احد احبائنا.‏ مثلا،‏ ضعوا نفسكم مكان ماساكو التي كانت تعتني بأمها وأبيها المصابَين بالسرطان.‏ ففيما كان جسماهما يهزلان ويُصدران أنّات الالم،‏ كان الشعور بالعجز المطبق يغمر ماساكو.‏ او فكروا في يأس شارادا،‏ فتاة آسيوية كانت في التاسعة من عمرها حين باعها ابوها مقابل ١٤ دولارا اميركيا.‏ فقد أُخذت من قريتها الى مدينة اجنبية،‏ وأُجبرت على تقديم خدمات جنسية لستة رجال في اليوم.‏

لماذا يكثر كل هذا الالم؟‏ ولماذا لا يضع الخالق حدّا له؟‏ فبسبب هذا الالم،‏ لا يلتفت كثيرون الى اللّٰه.‏ لقد وقعت والدة الشرطي المذكور آنفا ضحية مريض نفسي.‏ يوضح ردّ فعله ويقول:‏ «لم تراودني قط فكرة وجود اله متسلط ومحب يتحكم في الكون».‏ وأنتم ايضا ربما تتساءلون:‏ ‹لماذا؟‏›.‏ نعم،‏ لماذا يوجد كل هذا الالم؟‏ ما هو السبب،‏ وهل يهتمّ الخالق بهذا الامر؟‏

هل سبب الالم حياة سابقة؟‏

يؤمن ملايين الاشخاص حول العالم بأن سبب الالم هو ماضي المرء،‏ أن ألمه الحاضر عقاب على ما فعله في حياة ماضية.‏ «الالم البشري ناجم عن كوننا مربوطين بالكَرْما،‏ لأننا جميعا نحمل،‏ من لحظة ولادتنا،‏ حملا ثقيلا من الكَرْما الماضية».‏ * هذه الفكرة عرضها دايْستس ت.‏ سوزوكي،‏ وهو فيلسوف اشاع مذهب الزّن في المجتمع الغربي.‏ وكان الحكماء الهندوس قد ابتدعوا «قانون الكَرْما» وهم يبحثون عن تفسير للالم البشري.‏ ولكن هل تفسيرهم لوجود الالم منطقي او مقنع فعلا؟‏

قالت امرأة بوذية:‏ «كنت ارى انه من غير المنطقي ان اتألم بسبب شيء وُلدت فيه ولكني لا اعرف عنه شيئا.‏ وكان عليّ ان ارضخ للامر لأن ذلك قدَري».‏ لقد وجدت هذا التفسير لوجود الالم غير مقنع.‏ وقد يكون ذلك رأيكم ايضا.‏ وفي حين ان فكرة الولادة المتكررة قد تكون غير مألوفة حيث تعيشون،‏ فهي قائمة على تعليم يمكن ان نجده في العالم المسيحي وسواه —‏ التعليم القائل ان البشر يملكون نفسا خالدة تبقى حية بعد موت الجسد.‏ ويقال ان هذه «النفس» معنيّة بالالم —‏ سواء في الحياة الحاضرة او في الآخرة.‏

هذه الافكار منتشرة في كل مكان،‏ ولكن ايّ دليل هنالك على صحتها؟‏ أليس من الحكمة الاسترشاد،‏ في مسائل مهمة كهذه،‏ بما يقوله خالقنا؟‏ ففي حين يمكن ان تكون الافكار البشرية والاقتناعات العميقة خاطئة،‏ فإن اقوال اللّٰه —‏ كما رأينا —‏ يُعتمد عليها.‏

كما ذكرنا في الفصل السابق،‏ سبَّبت خطية ابوينا البشريَّين الاولَين اكبر مأساة بشرية —‏ الموت.‏ فقد حذَّر الخالق آدم قائلا:‏ «لأنك يوم [تتمرّد،‏ او تخطئ] موتا تموت».‏ (‏تكوين ٢:‏١٧؛‏ ٣:‏١٩‏)‏ لم يقل اللّٰه شيئا عن امتلاك آدم نفسا خالدة؛‏ فقد كان بشرا.‏ وبحسب تعابير الكتاب المقدس،‏ يعني ذلك انه كان نفسا.‏ لذلك عندما مات،‏ ماتت النفس التي دعيت آدم.‏ ولم يكن بعد ذلك يعي شيئا او يتألم.‏

لا يشجع او يوافق خالقنا على تعاليم الكَرْما،‏ دورات الولادة المتكررة،‏ او النفس الخالدة التي يمكن ان تتألم في وجودٍ لاحق.‏ ولكن اذا فهمنا تأثيرات خطية آدم،‏ نفهم بشكل افضل سبب وجود الالم اليوم.‏

من اين اتى الالم؟‏

في حين انه من الصعب استيعاب الالم البشري بكامل ابعاده،‏ فإن استخدام الاداة المناسبة يمكن ان يساعد.‏ فكما ان المنظار يساعدنا على رؤية الاجسام البعيدة بوضوح اكبر،‏ كذلك فان الكتاب المقدس يمكّننا من معرفة سبب الالم.‏

في البداية ينبِّهنا الكتاب المقدس الى ان «الوقت والعرض» يلاقيان البشر جميعا.‏ (‏جامعة ٩:‏١١‏)‏ مثلا،‏ تحدَّث يسوع عن خبر بارز في وقته:‏ مصرع ١٨ شخصا بسقوط برج عليهم.‏ وأوضح ان هؤلاء الضحايا لم يكونوا خطاة اكثر من الآخرين.‏ (‏لوقا ١٣:‏​١-‏٥‏)‏ فقد ماتوا لأنهم كانوا في المكان غير المناسب في الوقت غير المناسب.‏ لكنَّ الكتاب المقدس لا يكتفي بهذا التفسير،‏ بل يزوِّد معلومات مقنعة بشأن الاسباب الرئيسية للالم.‏ فما هي هذه المعلومات؟‏

بعد ان اخطأ البشران الاولان،‏ حكم الاله الديّان يهوه بحرمانهما ايّ حق في الاستمرار في العيش.‏ وفي السنوات اللاحقة،‏ قبل ان يموت آدم وحواء فعليا،‏ واجها آلاما كثيرة.‏ وكانت آلاما جلباها هما على انفسهما:‏ تأثيرات الشيخوخة والمرض،‏ الكدّ لكسب الرزق،‏ والحزن لرؤية عائلتهما تتمزق بسبب الغيرة والعنف.‏ (‏تكوين ٣:‏​١٦-‏١٩؛‏ ٤:‏​١-‏١٢‏)‏ ومن المهم ان نتذكر مَن يستحق اللوم بشكل رئيسي على كل هذه الآلام.‏ فقد جلباها هما على انفسهما.‏ ومع ذلك،‏ كيف نعرف سبب استمرار الالم الى ايامنا نحن؟‏

مع ان اناسا كثيرين يعترضون على فكرة اعتبارهم خطاة،‏ يضع الكتاب المقدس الامور في نصابها حين يقول:‏ «كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية الى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس اذ اخطأ الجميع».‏ (‏رومية ٥:‏١٢‏)‏ لقد حصد الزوجان البشريان الاولان نتائج مسلكهما المؤذي،‏ وتأثرت ذريتهما بذلك ايضا.‏ (‏غلاطية ٦:‏٧‏)‏ فقد ورثت النقص الذي يؤدي الى الموت.‏ يصير ذلك مفهوما اكثر عند البعض عندما يتأملون في الحقيقة العلمية التي تؤكد انه،‏ حتى في هذا الوقت،‏ يرث الاولاد امراضا او عيوبا عن والديهم.‏ ويصحّ ذلك في حالة الناعور hemophilia‏،‏ التالاسيميا (‏شُحاب البحر المتوسط)‏،‏ مرض الشريان الاكليلي،‏ نوع من انواع الداء السكري،‏ وحتى سرطان الثدي.‏ ليس الذنب ذنب الاولاد شخصيا،‏ لكنهم قد يتألمون بسبب ما ورثوه.‏

اختار سَلَفانا الوراثيان،‏ آدم وحواء،‏ رفض طريقة يهوه في حكم الجنس البشري.‏ * ويخبرنا التاريخ ان البشر جربوا كل انواع الحكومات في محاولة لحكم الارض.‏ وكان بعض الرجال والنساء،‏ الذين قاموا بهذه الجهود،‏ حسني النية.‏ ولكن كيف تقيِّمون نتائج حكم الانسان لنفسه؟‏ هل ارتاح البشر من معظم آلامهم؟‏ كلا.‏ وعلى العكس من ذلك،‏ زادت سياسات وحروب قومية كثيرة من الالم.‏ لاحظ حاكم حكيم قبل نحو ٠٠٠‏,٣ سنة:‏ «يتسلط انسان على انسان لضرر نفسه».‏ —‏ جامعة ٨:‏٩‏.‏

وهل ترون ان الوضع تغيَّر كثيرا الآن،‏ وربما صار احسن؟‏ يجيب معظم الاشخاص:‏ «لا».‏ فكثيرون من الرجال والنساء والاولاد لا يتألمون بسبب الخطية الموروثة والنقص فحسب بل ايضا بسبب ما يفعلونه هم او غيرهم.‏ فكروا في سوء ادارة البشر للارض،‏ الناجم غالبا عن الجشع.‏ والبشر مسؤولون ايضا عن تسبيب التلوُّث والفقر والمساهمة في انتشار المجاعات او الاوبئة.‏ حتى بعض الكوارث الطبيعية،‏ التي يعتبرها كثيرون «من اللّٰه»،‏ يسبِّبها البشر.‏ وهنالك ايضا سبب رئيسي آخر للالم،‏ وهذا السبب يُتغاضى عنه عادةً.‏

الكائن المسؤول عن الالم

يكشف احد اسفار الكتاب المقدس الكثير عن هذا السبب الرئيسي للالم ويقول لماذا يسمح الخالق المحب به.‏ ويمكن لهذا السفر،‏ ايوب‏،‏ ان يزيل اية غشاوة على اعيننا حول مسألة الالم.‏ ويفعل ذلك بإلقاء الضوء على الحيِّز غير المنظور،‏ حيث وقعت بعض الاحداث المهمة.‏

قبل نحو ٥٠٠‏,٣ سنة،‏ وقبل وقت قصير من كتابة موسى اولى اسفار الكتاب المقدس،‏ عاش الرجل ايوب في ما يُعرف الآن بشبه الجزيرة العربية.‏ ويُظهر السجل ان ايوب كان مستقيما،‏ فاعل خير،‏ ومحترَما جدا.‏ وكان يملك ثروة طائلة في شكل مواشٍ،‏ حتى انه دعي «اعظم كل بني المشرق».‏ وعلى الصعيد الشخصي،‏ كانت لأيوب عائلة سعيدة مؤلفة من زوجة وسبعة بنين وثلاث بنات.‏ (‏ايوب ١:‏​١-‏٣؛‏ ٢٩:‏​٧-‏٩،‏ ١٢-‏١٦‏)‏ وفي احد الايام،‏ هرع اليه رسول يخبره بأن بعض القطعان القيِّمة اغارت عليها احدى المجموعات وأخذتها.‏ وبُعيد ذلك انبأه آخر بفقدانه قطعان غنمه.‏ ثم اخذ الكلدانيون الـ‍ ٠٠٠‏,٣ جمل التي يملكها وقتلوا جميع الغلمان ما عدا واحدا.‏ وأخيرا اتاه اسوأ خبر.‏ فقد هبّت ريح غير عادية وهدمت بيت ابنه البكر وقتلت جميع اولاده الذين كانوا مجتمعين عنده.‏ نظرا الى الالم الذي ينجم عن ذلك،‏ هل كان ايوب سيلوم اللّٰه؟‏ ما الشعور الذي ينتابكم لو كنتم مكانه؟‏ —‏ ايوب ١:‏​١٣-‏١٩‏.‏

لكنَّ مصائب اخرى كانت ستحلّ بأيوب.‏ فقد أُصيب بمرض مريع غطى جسمه بقروح خبيثة.‏ * وصار مريضا وكريها جدا حتى ان زوجته ألقت اللوم على اللّٰه.‏ وقالت:‏ «جدِّف على اللّٰه ومت».‏ لم يكن ايوب يعرف لماذا يتألم،‏ لكنه رفض توجيه التهمة الى اللّٰه.‏ نقرأ:‏ «في هذا كله لم يَخطَأ ايوب بشفتيه».‏ —‏ ايوب ٢:‏​٦-‏١٠‏،‏ ي‌ج.‏

عندما سمع ثلاثة من معارف ايوب بمحنه،‏ اتوا لزيارته.‏ فسأل أليفاز،‏ مفترضا انه لا بد ان يكون ايوب قد فعل اثما:‏ «اين أُبيد المستقيمون».‏ (‏ايوب الاصحاحان ٤،‏ ٥‏)‏ واتهم ايوب بارتكاب خطايا سرية،‏ وحتى بمنع الخبز عن المحتاجين وبظلم الارامل واليتامى.‏ (‏ايوب الاصحاحان ١٥،‏ ٢٢‏)‏ وانتقد المعزِّيان الزائفان الآخران ايوب ايضا كما لو كان هو المسؤول عن آلامه.‏ ولكن هل كانوا على حق؟‏ كلا على الاطلاق.‏

من خلال سفر ايوب نعرف السبب الاصلي لآلام ايوب ونفهم لماذا سمح اللّٰه بها.‏ فالاصحاحان ١ و ٢ يكشفان ما حصل قبلا في السموات غير المنظورة،‏ في الحيّز الروحي.‏ فقد اجتمع الروح المتمرد الذي يدعى الشيطان * مع ارواح اخرى في حضرة اللّٰه.‏ وعند ذكر مسلك ايوب الخالي من اللوم،‏ قال الشيطان متحدِّيا:‏ «هل مجانا يتقي ايوب اللّٰه .‏ .‏ .‏ ابسط يدك الآن ومس كل ما له فإنه في وجهك يجدِّف عليك».‏ —‏ ايوب ١:‏​٩-‏١٢‏.‏

وبكلمات اخرى،‏ اتهم الشيطان اللّٰه بالرشوة.‏ وادّعى هذا المخلوق الروحاني المتحدِّي انه اذا جُرِّد ايوب من ثروته وصحته،‏ فسيجدِّف على يهوه.‏ وبالتطبيق الاوسع،‏ كان الشيطان يؤكد انه ما من انسان يبقى محبا ووليا للّٰه في وجه الالم.‏ وكان لهذا التحدّي اثر شامل ودائم.‏ وكان لا بد ان تُبَتّ القضايا التي اثارها الشيطان.‏ لذلك منح اللّٰه الشيطان حرية التصرُّف ضد ايوب،‏ فأنزل الشيطان بهذا الرجل تلك الآلام المختلفة.‏

لم يكن ايوب يعرف،‏ ولم يكن في مقدوره ان يعرف،‏ القضية الكونية التي نشأت في السموات.‏ وقد رتّب الشيطان الامور بطريقة يبدو فيها وكأن اللّٰه هو السبب في كل مصائب ايوب.‏ مثلا،‏ عندما ضربت صاعقة غنم ايوب،‏ استنتج الغلام الناجي انها كانت «نار اللّٰه».‏ ومع ان ايوب لم يكن يعرف لماذا حدثت هذه الامور،‏ لم يجدِّف على يهوه اللّٰه او يرفضه.‏ —‏ ايوب ١:‏​١٦،‏ ١٩،‏ ٢١‏.‏

اذا حلّلتم الظروف الخفية وراء ما عاناه ايوب،‏ فستتوضح لكم القضية:‏ هل يخدم البشر يهوه بدافع المحبة،‏ رغم المشاكل؟‏ لقد اعطى ايوب الجواب.‏ فالمحبة الحقيقية للّٰه وحدها تدفع المرء الى البقاء امينا ليهوه،‏ وهذا ما فعله ايوب.‏ ويا لها من شهادة ضد اتهامات الشيطان الباطلة!‏ لكنَّ هذه الحالة لم تبدأ وتنتهِ آنذاك مع ايوب،‏ بل امتدت قرونا عديدة.‏ ونحن مشمولون بها ايضا.‏

ما هو رد فعل الكثيرين حين يرون او يواجهون الالم،‏ مهما يكن سببه؟‏ ربما لا يعرفون القضايا التي نشأت في ايام ايوب،‏ او حتى انهم لا يؤمنون بوجود الشيطان.‏ لذلك غالبا ما يشكّون في وجود خالق او يلومونه على الالم.‏ فما رأيكم في ذلك؟‏ نظرا الى ما تعرفونه عن الخالق،‏ ألا توافقون يعقوب،‏ احد كتبة الكتاب المقدس؟‏ فقد كان له هذا الاقتناع رغم الالم:‏ «لا يقل احد اذا جُرب اني اجرَّب من قِبل اللّٰه.‏ لأن اللّٰه غير مجرَّب بالشرور وهو لا يجرِّب احدا».‏ —‏ يعقوب ١:‏١٣‏.‏

عندنا شيء قيِّم يساعدنا على امتلاك النظرة الحكيمة،‏ ألا وهو تأمُّلنا في حالة يسوع.‏ نحن نعلم ان يسوع شخص له اعتباره بسبب بصيرته ومعرفته ومهارته كمعلّم.‏ فماذا كان موقفه من الشيطان والالم؟‏ كان يسوع متأكدا ان الشيطان ابليس موجود وأنه قادر على تسبيب الالم.‏ والشيطان،‏ الذي حاول كسر استقامة ايوب،‏ حاول صراحةً فعل الامر نفسه مع يسوع.‏ وبالاضافة الى ان ذلك يثبت حقيقة وجود الشيطان،‏ فهو يُظهر ايضا ان التحدّي الذي نشأ في ايام ايوب كان مستمرا.‏ وكما فعل ايوب،‏ برهن يسوع عن امانته للخالق الى حد التضحية بالغنى والسلطة،‏ رغم ان ذلك عنى له الالم الجسدي والموت على خشبة آلام.‏ وتُظهر حالة يسوع ان اللّٰه كان لا يزال يتيح للبشر ان يبرهنوا عن ولائهم له رغم المشاكل.‏ —‏ لوقا ٤:‏​١-‏١٣؛‏ ٨:‏​٢٧-‏٣٤؛‏ ١١:‏​١٤-‏٢٢؛‏ يوحنا ١٩:‏​١-‏٣٠‏.‏

الوقت يمرّ —‏ لسبب وجيه

لكي نفهم موضوع الالم،‏ يجب ان نعترف بأن الالم مردّه الى الحوادث،‏ الميول البشرية الخاطئة،‏ سوء ادارة الانسان للارض،‏ والشيطان ابليس.‏ لكنَّ معرفة سبب الالم لا تكفي.‏ فعندما يُبتلى المرء ببلية،‏ من السهل ان يشعر كما شعر النبي القديم حبقوق حين قال:‏ «حتى متى يا رب ادعو وأنت لا تسمع اصرخ اليك من الظلم وأنت لا تخلّص.‏ لمَ تريني اثما وتبصر جورا.‏ وقدامي اغتصاب وظلم ويحدث خصام وترفع المخاصمة نفسها».‏ (‏حبقوق ١:‏٢،‏ ٣‏)‏ نعم،‏ لماذا ‹يبصر يهوه جورا› ولا يفعل شيئا كما يبدو؟‏ فبما انه القادر على كل شيء،‏ فهو يملك القدرة ومحبة العدل اللازمتَين لوضع حد للالم.‏ فمتى سيفعل ذلك؟‏

كما ذُكر سابقا،‏ عندما اختار الزوجان البشريان الاولان الحكم الذاتي او الاستقلال التام،‏ كان الخالق متيقنا ان بعضا من ذريتهما لن يسلك في طريقهما.‏ فسمح يهوه بحكمة للوقت بأن يمرّ.‏ ولماذا؟‏ لكي يثبت ان الحكم المستقل عن الخالق لا يؤدي إلا الى التعاسة،‏ في حين ان العيش وفق ما يطلبه الخالق هو الامر الصائب ولا يجلب إلا السعادة.‏

وخلال هذا الوقت ابقى اللّٰه بيئة الارض مبهجة بشكل معقول.‏ ذكر الرسول بولس:‏ «الذي في الاجيال الماضية ترك جميع الامم يسلكون في طرقهم.‏ مع انه لم يترك نفسه بلا شاهد وهو يفعل خيرا يعطينا من السماء امطارا وأزمنة مثمرة ويملأ قلوبنا طعاما وسرورا».‏ (‏اعمال ١٤:‏​١٦،‏ ١٧‏)‏ فمن الواضح ان الخالق لا يسبِّب الالم،‏ بل يسمح به لكي تُبَتّ قضايا ذات اهمية قصوى.‏

متى سيأتي الفرج؟‏

في الواقع،‏ يُظهر تزايد الالم البشري ان وقت نهايته قريب.‏ ولماذا نقول هذا؟‏ يكشف الكتاب المقدس ما حدث في الحيّز غير المنظور في ايام ايوب،‏ ويفعل ذلك من جديد في ما يتعلق بأيامنا.‏ فسفره الاخير،‏ الرؤيا،‏ يركّز على صراع وقع في السموات.‏ وماذا كانت النتيجة؟‏ ‹طُرح الشيطان الى الارض› مع حشود الابالسة التي معه.‏ «من اجل هذا»،‏ كما يتابع ذلك السفر في الكتاب المقدس،‏ «افرحي ايتها السموات والساكنون فيها.‏ ويل لساكني الارض والبحر لأن ابليس نزل اليكم وبه غضب عظيم عالما ان له زمانا قليلا».‏ —‏ رؤيا ١٢:‏​٧-‏١٢‏.‏

ان درسا مفصلا لنبوة الكتاب المقدس يشير الى هذا القرن بصفته وقت حصول هذه الحادثة.‏ فكما تعلمون على الارجح،‏ يعترف مؤرخون محترَمون بأنه كانت هنالك نقطة تحوُّل بارزة في التاريخ سنة ١٩١٤،‏ حين اندلعت الحرب العالمية الاولى.‏ * فمنذ ذلك الحين،‏ ازدادت الآلام والويلات.‏ وأشار يسوع الى هذه الفترة الزمنية نفسها حين سأله تلاميذه الاحماء عن ‹علامة حضوره واختتام نظام الاشياء›.‏ فأجاب يسوع:‏ «تقوم امة على امة ومملكة على مملكة.‏ وتكون زلازل عظيمة في اماكن ومجاعات وأوبئة.‏ وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء».‏ (‏متى ٢٤:‏​٣-‏١٤‏،‏ ع‌ج؛‏ لوقا ٢١:‏​٥-‏١٩‏)‏ وهذه الكلمات،‏ التي تشير الى آلام كثيرة،‏ تشهد الآن اتماما على نطاق شامل لأول مرة في التاريخ.‏

يصف الكتاب المقدس هذه الحوادث بأنها مقدمة لـ‍ «ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم الى الآن ولن يكون».‏ (‏متى ٢٤:‏٢١‏)‏ وعندئذ سيتدخل اللّٰه في الشؤون البشرية.‏ فسيضع حدّا لنظام الاشياء الشرير الذي سبَّب الالم على مرّ العصور.‏ لكنَّ ذلك لن يعني ‹نهاية العالم› بمحرقة نووية تبيد الجنس البشري.‏ فكلمة اللّٰه تؤكد لنا انه سيكون هنالك ناجون.‏ فثمة «جمع كثير .‏ .‏ .‏ من كل الامم والقبائل والشعوب والالسنة» سيخرج من ذلك الضيق حيًّا.‏ —‏ رؤيا ٧:‏٩-‏١٥‏.‏

لكي تكوِّنوا صورة مكتملة عن الامر،‏ تأملوا في ما يقوله الكتاب المقدس عما يتبع.‏ سيُسترَدّ الموطن الفردوسي الذي قُصد في البداية ان يكون مسكن الجنس البشري.‏ (‏لوقا ٢٣:‏٤٣‏)‏ ولن تروا اشخاصا مشرَّدين.‏ كتب اشعياء:‏ «يبنون بيوتا ويسكنون فيها ويغرسون كروما ويأكلون اثمارها.‏ .‏ .‏ .‏ لأنه كأيام شجرة ايام شعبي ويستعمل مختاريَّ عمل ايديهم.‏ لا يتعبون باطلا ولا يلدون للرعب لأنهم نسل مباركي الرب وذريتهم معهم.‏ .‏ .‏ .‏ الذئب والحمل يرعيان معا والاسد يأكل التبن كالبقر.‏ .‏ .‏ .‏ لا يؤذون ولا يهلكون في كل جبل قدسي قال الرب».‏ —‏ اشعياء ٦٥:‏​٢١-‏٢٥‏.‏

وماذا عن الالم الذي يعانيه المرء على صعيد شخصي؟‏ لن تكون هنالك حرب او عنف او جريمة.‏ (‏مزمور ٤٦:‏​٨،‏ ٩؛‏ امثال ٢:‏٢٢؛‏ اشعياء ٢:‏٤‏)‏ وصانع الانسان ومعطي الحياة سيساعد البشر الطائعين على نيل تمام الصحة والتمتع بها.‏ (‏اشعياء ٢٥:‏٨؛‏ ٣٣:‏٢٤‏)‏ ولن يكون جوع في ما بعد،‏ لأن الارض ستستعيد توازنها البيئي وستنتج بوفرة.‏ (‏مزمور ٧٢:‏١٦‏)‏ نعم،‏ ان مصادر الالم التي نراها الآن ستصير امورا من الماضي.‏ —‏ اشعياء ١٤:‏٧‏.‏

هذا فعلا افضل الأخبار.‏ ولكن قد يشعر البعض بأنه لا تزال هنالك مشكلتان عالقتان.‏ فتمتُّع المرء بهذه البركات لن يطول اذا كان من المتوقع ان يموت بعد ٧٠ او ٨٠ سنة فقط.‏ ثم ألن يشعر بالحزن على الاحباء الذين ماتوا قبل وضع الخالق حدّا للالم البشري؟‏ فما هو الحلّ؟‏

إبطال اسوإ الآلام

الحلّ عند الخالق.‏ فهو صانع الكون والحياة البشرية هنا على الارض.‏ وهو قادر على فعل ما يعجز البشر عن فعله او ما بدأ البشر مؤخرا يدركون ان تحقيقه ممكن.‏ تأملوا في مثالين فقط لذلك.‏

عندنا الامكانية لنعيش حياة لا نهاية لها.‏

يعرض الكتاب المقدس بشكل واضح امكانية نيل المرء حياة ابدية من اللّٰه.‏ (‏يوحنا ٣:‏١٦؛‏ ١٧:‏٣‏)‏ بعد دراسة قام بها الدكتور مايكل فوسِل للمورِّثات (‏الجينات)‏ في الخلايا البشرية،‏ اخبر ان نوعية الخلايا التناسلية الذكرية لا تتراجع بتقدُّم العمر.‏ «والمورِّثات التي نملكها الآن،‏ اذا عُبِّر عن معلوماتها بالشكل الملائم،‏ يمكن ان تحفظ خلايانا من الشيخوخة».‏ ينسجم ذلك مع ما رأيناه في الفصل ٤،‏ أنّ لأدمغتنا طاقة تكاد لا تُستعمل في مدى الحياة الحاضر؛‏ فيبدو انها صُمِّمت لتعمل الى ما لا نهاية.‏ طبعا،‏ هذه ليست سوى نقاط جانبية،‏ نقاط تكمّل ما يقوله الكتاب المقدس بطريقة مباشرة عن ان يهوه سيتيح لنا العيش الى الابد بدون ألم.‏ لاحظوا ما يعد به في السفر الاخير من الكتاب المقدس:‏ «سيمسح اللّٰه كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون في ما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد».‏ —‏ رؤيا ٢١:‏٤‏.‏

الخالق قادر على مساعدة الشخص الذي تألم ومات،‏ اذ يعيده الى الحياة،‏ مقيما اياه من الموت.‏

كان لعازر احد الاشخاص الذين أُقيموا من الاموات.‏ (‏يوحنا ١١:‏​١٧-‏٤٥‏؛‏ انظروا الصفحات ١٥٨-‏١٦٠.‏)‏ استخدم الپروفسور دونالد ماكاي هذا الايضاح عن ملف file كمپيوتر.‏ فقد كتب ان تلف جهاز كمپيوتر لا يعني بالضرورة ان اية معادلة،‏ او برنامج،‏ موجودة فيه ضاعت الى الابد.‏ فالمعادلة نفسها،‏ او البرنامج نفسه،‏ يمكن ان توضع في جهاز كمپيوتر جديد وتُشغّل هناك «اذا اراد عالِم الرياضيات ذلك».‏ وتابع الپروفسور ماكاي قائلا:‏ «يبدو ان علم الادمغة الميكانيكي mechanistic لا يثير إلا القليل من الاعتراضات على رجاء الحياة الابدية المعبَّر عنه في [الكتاب المقدس]،‏ بتشديده المميّز على ‹القيامة› ».‏ فإذا مات انسان،‏ يقدر الخالق ان يعيده الى الحياة لاحقا،‏ كما فعل مع يسوع وكما فعل يسوع مع لعازر.‏ واستنتج ماكاي ان موت الشخص لا يقف عائقا امام اعادته الى الحياة في جسم جديد «اذا اراد خالقنا ذلك».‏

نعم،‏ الحلّ النهائي في يد خالقنا.‏ فهو وحده قادر على إزالة كل ألم وإلغاء تأثيرات الخطية وإبطال الموت.‏ وقد اخبر يسوع المسيح تلاميذه عن تطوُّر بارز ينتظرنا في المستقبل.‏ قال:‏ ‹تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور [«التذكارية»،‏ ع‌ج‏] صوته فيخرجون›.‏ —‏ يوحنا ٥:‏​٢٨،‏ ٢٩‏.‏

فكّروا في هذا!‏ ان حاكم الكون المتسلط مستعد وقادر على اعادة الحياة الى مَن هم في ذاكرته.‏ وستُمنح لهؤلاء الفرصة ليبرهنوا انهم جديرون بنيل «الحياة الحقيقية».‏ —‏ ١ تيموثاوس ٦:‏١٩‏،‏ ع‌ج؛‏ اعمال ٢٤:‏١٥‏.‏

ولكن هل يُطلب منا فعل شيء الآن فيما ننتظر الراحة الكاملة من الالم البشري؟‏ وإذا كان الامر كذلك،‏ فهل يمكن ان يعطي ذلك حياتنا معنى اكبر،‏ حتى في الوقت الحاضر؟‏ لنرَ.‏

‏[الحواشي]‏

^ ‎الفقرة 9‏ يقال ان الكَرْما هي «تأثير اعمال الفرد الماضية في حيواته او تقمُّصاته المستقبلية».‏

^ ‎الفقرة 19‏ تتحدَّث التكوين ٢:‏١٧ عن وصية اللّٰه لآدم بعدم الاكل من شجرة معرفة الخير والشر.‏ وفي حاشية عن هذه الآية،‏ تعلّق الترجمة اليسوعية الجديدة على ما تمثِّله هذه المعرفة بالقول:‏ «هو قدرة الانسان بنفسه على الحكم في ما هو خير وما هو شر،‏ وعلى العمل بناء على ذلك،‏ وهو مطالبة بحكم ذاتي خلُقي يُنكر به الانسان انه خليقة (‏راجع اش [اشعياء] ٥/‏٢٠‏)‏.‏ فالخطيئة الاولى كانت اعتداءً على سيادة اللّٰه».‏

^ ‎الفقرة 24‏ تخبر آيات اخرى المزيد عن آلام ايوب.‏ فقد غطى الدود لحمه،‏ وتشقّق جلده،‏ وصارت رائحة نفَسه كريهة.‏ وبرَّح به الالم،‏ واسودَّ جلده وتقشَّر.‏ —‏ ايوب ٧:‏​٥؛‏ ١٩:‏١٧؛‏ ٣٠:‏​١٧،‏ ٣٠ (‏ترجمة تفسيرية‏)‏.‏

^ ‎الفقرة 26‏ في احد الفصول السابقة،‏ «ماذا يمكن ان تتعلموا عن الخالق من كتاب؟‏»،‏ تناولنا دور الشيطان ابليس في خطية آدم وحواء.‏

^ ‎الفقرة 38‏ من اجل الحصول على شرح لهذه النبوة،‏ انظروا الفصل ٩ في كتاب ماذا يعلّم الكتاب المقدس حقا؟‏،‏ اصدار شهود يهوه.‏

‏[الاطار في الصفحة ١٦٨]‏

لا نفس خالدة

يعلّم الكتاب المقدس ان كل شخص هو نفس بشرية؛‏ لذلك عندما يموت الشخص،‏ تموت النفس.‏ تقول حزقيال ١٨:‏٤‏:‏ «النفس التي تخطئ هي تموت».‏ ولا يشعر الموتى بشيء وليسوا احياء في ايّ مكان.‏ كتب سليمان:‏ «أما الموتى فلا يعلمون شيئا».‏ (‏جامعة ٩:‏​٥،‏ ١٠‏)‏ وفي الاصل لم يعلّم اليهود ولا المسيحيون الاولون ان النفس خالدة.‏

«النفس في العهد القديم لا تعني جزءا من الانسان،‏ بل الانسان ككل —‏ الانسان ككائن حيّ.‏ وعلى نحو مماثل،‏ في العهد الجديد تدل على الحياة البشرية .‏ .‏ .‏ ولا يتحدَّث الكتاب المقدس عن بقاء نفس غير مادية حيّة».‏ —‏ دائرة المعارف الكاثوليكية الجديدة ‏(‏بالانكليزية)‏.‏

«ان فكرة خلود النفس والايمان بقيامة الموتى .‏ .‏ .‏ هما مفهومان لمعتقدَين مختلفَين تماما».‏ —‏ بعد الموت:‏ الخلود ام القيامة؟‏ ‏(‏بالايطالية)‏،‏ بقلم اللاهوتي فيليپ ه‍.‏ منو.‏

«بما ان الانسان ككل هو خاطئ،‏ لذلك عند الموت يموت كليا،‏ جسدا ونفْسا (‏الموت المطلق)‏ .‏ .‏ .‏ وبين الموت والقيامة تمتد فجوة كبيرة».‏ —‏ الكتاب اللوثري التعليم الديني الانجيلي للكبار ‏(‏بالالمانية)‏.‏

‏[الاطار في الصفحة ١٧٥]‏

هل طالت المدة كثيرا؟‏

قد تبدو مدة استمرار الالم من ايام ايوب الى ايام يسوع طويلة جدا —‏ نحو ٦٠٠‏,١ سنة.‏ فبالنسبة الى الانسان،‏ يبدو انتظار ١٠٠ سنة لكي ينتهي الالم فترة طويلة.‏ ولكن يجب ان نعترف بأن القضايا الرئيسية التي اثارها الشيطان انعكست بطريقة غير ايجابية على الخالق.‏ وفترة سماح اللّٰه لاحقا بالالم والشر قصيرة في نظره.‏ فهو «ملك الابدية»،‏ و ‹ألف سنة في عينيه مثل يوم امس بعدما عبر›.‏ (‏١ تيموثاوس ١:‏١٧‏،‏ ع‌ج؛‏ مزمور ٩٠:‏٤‏)‏ وفي نظر البشر الذين سيتمتعون بحياة مديدة،‏ ستبدو هذه الفترة من التاريخ —‏ التي وُجد فيها الالم —‏ قصيرة الى حد بعيد ايضا.‏

‏[الاطار في الصفحة ١٧٨]‏

نقطة تحوُّل في التاريخ

«عندما ننظر الى الماضي من منظار الحاضر،‏ نرى بوضوح اليوم ان نشوب الحرب العالمية الاولى استهلّ في هذا القرن العشرين ‹زمن اضطرابات› —‏ بلغة المؤرخ البريطاني آرنولد تويْنبي المعبِّرة —‏ لم تخرج منه حضارتنا بعد».‏ —‏ سقوط السلالات الملكية ‏(‏بالانكليزية)‏،‏ بقلم ادموند تايلور.‏

«ان سنة ١٩١٤،‏ لا سنة [تدمير] هيروشيما،‏ هي التي تسم حقا نقطة التحوُّل في زماننا،‏ لأنه بإمكاننا ان نرى الآن ان .‏ .‏ .‏ الحرب العالمية الاولى كانت هي البداية لعصر الاضطراب الذي نتخبط فيه».‏ —‏ الدكتور رينيه ألبريخت-‏كارْييه،‏ كلية برنارد.‏

«في سنة ١٩١٤ خسر العالم ترابطا لم يتمكن من استرداده منذ ذلك الحين.‏ .‏ .‏ .‏ انه زمن اضطراب وعنف غير عاديَّين،‏ سواء بين الحدود القومية للدول او داخل اراضيها».‏ —‏ ذي إيكونوميست ‏(‏بالانكليزية)‏.‏

‏[الاطار في الصفحة ١٨١]‏

قيامة الشخص ممكنة؟‏

ذكر طبيب الاعصاب ريتشارد م.‏ رستاك هذا التعليق على الدماغ البشري وعصبوناته:‏ «كل ما نحن عليه وكل ما فعلناه يمكن ان يقرأه مراقب قادر على فك رموز الوصلات والدارات التي تشكلت ضمن الـ‍ ٥٠ بليون خلية عصبية فينا».‏ اذا كان الامر كذلك،‏ أفلا يتمكن خالقنا المحب —‏ بواسطة المعلومات التي عنده —‏ من اعادة تركيب ايّ شخص؟‏

‏[الاطار في الصفحة ١٨٢]‏

حتى وصلاتكم محصاة

قال يسوع:‏ «أما انتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة».‏ (‏متى ١٠:‏​٢٩-‏٣١‏)‏ وماذا عن المادة السنجابية gray matter داخل رأسكم؟‏ ان خلايا الدماغ (‏المسماة العصبونات)‏ صغيرة جدا حتى انها لا تُرى الا بواسطة مجهر قوي.‏ تخيَّلوا انكم لا تحاولون عدّ العصبونات فحسب،‏ بل الوصلات (‏المشابك synapses‏)‏ الاصغر حجما التي بينها،‏ والتي يمكن ان يصل عددها الى ٠٠٠‏,٢٥٠ عند بعض العصبونات.‏

كان الدكتور پيتر هاتِنْلوكر،‏ باستعمال المجهر الالكتروني القوي،‏ رائد عدّ الوصلات العصبونية المأخوذة من جثث مشرَّحة —‏ لأجنّة،‏ لأطفال موتى،‏ ولأشخاص مسنّين.‏ والمدهش ان جميع العيِّنات،‏ التي كان حجمها يقارب حجم رأس الدبوس،‏ احتوت تقريبا على عدد العصبونات نفسه،‏ اي نحو ٠٠٠‏,٧٠.‏

ثم بدأ الدكتور هاتِنْلوكر بعَدّ الوصلات العصبونية،‏ او وصلات خلايا الدماغ،‏ في عيِّنات صغيرة كهذه.‏ كان لعصبونات الاجنّة ١٢٤ مليون وصلة،‏ وكان لعصبونات مولودٍ حديثا ٢٥٣ مليون وصلة،‏ ولطفل يبلغ من العمر ثمانية اشهر ٥٧٢ مليون وصلة.‏ ووجد الدكتور هاتِنْلوكر انه كلما كبر الولد،‏ انخفض العدد تدريجيا.‏

هذه الاكتشافات جديرة بالاهتمام نظرا الى ما يقوله الكتاب المقدس عن القيامة.‏ (‏يوحنا ٥:‏​٢٨،‏ ٢٩‏)‏ فكامل دماغ الراشد يحتوي على نحو مليون بليون وصلة عصبونية،‏ اي ١ مع ١٥ صفرا.‏ وهل يملك الخالق القدرة على عدّ هذه الوصلات وعلى اعادة تركيبها ايضا؟‏

تقول دائرة معارف الكتاب العالمي ‏(‏بالانكليزية)‏ ان عدد النجوم في الكون يبلغ ٢٠٠ بليون بليون،‏ اي ٢ مع ٢٠ صفرا.‏ والخالق يعرف كل هذه النجوم بأسمائها.‏ (‏اشعياء ٤٠:‏٢٦‏)‏ اذًا لا يعسر عليه تذكُّر وإعادة تركيب الوصلات العصبونية التي تتشكّل منها ذكريات ومشاعر البشر الذين يريد ان يقيمهم.‏

‏[الصورة في الصفحة ١٦٦]‏

يؤمن كثيرون بدورة الكَرْما،‏ من الولادة الى الموت

‏[الصورة في الصفحة ١٧١]‏

ألكسيس،‏ ابن القيصر نقولا الثاني وألكسندرا،‏ ورث الناعور.‏ ونحن ورثنا النقص عن ابينا آدم

‏[الصور في الصفحة ١٧٩]‏

مع ان الخالق سامِح بالالم،‏ فقد زوَّد امورا كثيرة تبهج البشر