الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

كيف ظهر كونُنا؟‏ —‏ الخلاف

كيف ظهر كونُنا؟‏ —‏ الخلاف

الفصل الثاني

كيف ظهر كونُنا؟‏ —‏ الخلاف

يحب روّاد الفضاء كثيرا ان يصوِّروا الارض وهي تغطي بمساحتها الكبيرة جزءا واسعا من نافذة مركبتهم الفضائية.‏ قال احدهم:‏ «هذا اجمل ما في الرحلة الفضائية».‏ لكنَّ ارضنا تبدو صغيرة جدا بالمقارنة مع النظام الشمسي.‏ فيمكن ان تسع الشمس مليون ارض في داخلها،‏ ويَفضُل مكان!‏ ولكن هل من علاقة لهذه الحقائق عن الكون بحياتكم ومعناها؟‏

لنقُم برحلة قصيرة عبر الخيال الى الفضاء لنرى ارضنا وشمسنا في منظورهما.‏ ان شمسنا هي واحدة من النجوم الهائلة العدد الموجودة في ذراع لولبية من مجرَّة درب التبّانة،‏ * التي هي مجرد جزء صغير جدا من الكون.‏ ومن الممكن،‏ بالعين المجرَّدة،‏ رؤية مواقع قليلة ذات غَبَش ضوئي هي في الواقع مجرَّات اخرى،‏ كمجرَّة «المرأة المسَلْسَلة Andromeda‏» الجميلة والاكبر من مجرَّتنا.‏ ان درب التبّانة،‏ المرأة المسَلْسَلة،‏ ونحو ٢٠ مجرَّة اخرى مترابطة بقوة الجاذبية بحيث تشكّل حشدًا cluster‏،‏ وهذه المجرَّات ليست سوى حَيٍّ صغير في منطقة شاسعة تسمى حشدا فائقا supercluster‏.‏ ويضمّ الكون حشودا فائقة لا تُعَدّ ولا تُحصى،‏ وهذا ليس كل شيء.‏

هذه الحشود ليست موزَّعة بشكل منتظم في الفضاء.‏ وهي تبدو،‏ في الحيِّز الواسع،‏ كصفائح رقيقة وخيوط ملتفّة حول فراغات كبيرة شبيهة بالفقاقيع.‏ وشكل بعضها طويل وعريض جدا بحيث يشبه اسوارا عظيمة.‏ وقد يفاجئ ذلك كثيرين ممَّن يعتقدون ان كوننا اوجد نفسه بنفسه في انفجار كوني وقع صدفةً.‏ يستنتج كاتب رفيع الشأن في مجلة ساينتفيك امريكان ‏(‏بالانكليزية)‏:‏ «كلما اتضحت رؤيتنا للكون بكل تفاصيله الرائعة،‏ صعُب علينا اكثر ان نفسِّر بنظرية بسيطة كيف اصبح ما هو عليه».‏

ادلة تشير الى بداية

جميع النجوم التي يمكنكم رؤيتها موجودة في مجرَّة درب التبّانة.‏ وحتى العشرينات من هذا القرن العشرين،‏ كان الناس يظنون انه لا توجد مجرَّة اخرى غير هذه.‏ لكنكم تعرفون على الارجح ان رصد النجوم،‏ بواسطة مقاريب (‏تلسكوپات)‏ اكبر،‏ أثبت العكس.‏ فكونُنا يضمّ ٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٥٠ (‏٥٠ بليون)‏ مجرَّة على الاقل.‏ نحن لا نقول ٥٠ بليون نجم،‏ بل ٥٠ بليون مجرَّة على الاقل،‏ وكل مجرَّة فيها بلايين النجوم كشمسنا.‏ لكنَّ العدد الهائل للمجرَّات الضخمة لم يكن هو الذي زعزع المفاهيم العلمية في العشرينات.‏ فما زعزعها هو ان جميع هذه المجرَّات تتحرك.‏

لقد اكتشف الفلكيون حقيقة لافتة للنظر:‏ عندما مُرِّر ضياء المجرَّة galactic light عبر موشور prism‏،‏ لوحظ ان الموجات الضوئية اطول،‏ مما يشير الى حركة ابتعاد عنا بسرعة هائلة.‏ وكلما كانت المجرَّة بعيدة،‏ بدا انها تبتعد بسرعة اكبر.‏ ويشير ذلك الى كون متمدِّد!‏ *

حتى لو لم نكن فلكيين محترفين او هواة،‏ بإمكاننا ان نرى ان فكرة كون يتمدَّد تحمل في طيّاتها معاني عميقة بشأن ماضينا —‏ وربما مستقبلنا الشخصي ايضا.‏ فلا بد ان هنالك ما أبدأ هذه العملية —‏ قوة عظيمة تمكنت من التغلب على الجاذبية الهائلة للكون كله.‏ وعندكم سبب وجيه لتسألوا:‏ ‹ماذا يعقل ان يكون مصدر طاقة دينامية كهذه؟‏›.‏

مع ان معظم العلماء يُرجِعون اصل الكون الى بداية صغيرة وكثيفة جدا (‏نقطة فريدة singularity‏)‏،‏ لا يمكننا التغاضي عن هذه المسألة الجوهرية:‏ «اذا كان الكون قبلا،‏ في مرحلة ما من الماضي،‏ في شبه حالة فريدة تتميَّز بحجم صغير لامتناهٍ وكثافة لامتناهية،‏ يجب ان نسأل ماذا كان يوجد قبلا وماذا كان هنالك خارج ذلك الكون.‏ .‏ .‏ .‏ فيجب ان نواجه مشكلة ‹البداية› ».‏ —‏ السِّر برنارد لوڤيل.‏

يشمل ذلك اكثر من مجرد السؤال عن مصدر الطاقة الهائلة.‏ فالتبصُّر والذكاء لازمان ايضا،‏ لأنه يبدو ان نسبة التمدُّد مضبوطة بدقة بالغة جدا.‏ «فلو كانت سرعة تمدُّد الكون اكبر بنسبة واحد الى مليون مليون»،‏ كما قال لوڤيل،‏ «لَكانت كل المواد في الكون قد تشتَّتت بحلول زمننا.‏ .‏ .‏ .‏ ولو كانت السرعة اقل بنسبة واحد الى مليون مليون،‏ لَجعلت قوى الجاذبية الكون يتقوَّض خلال السنوات الالف مليون الاولى تقريبا من وجوده.‏ وهكذا لَما كانت هنالك نجوم تعيش طويلا،‏ وبالتالي لا حياة».‏

محاولات لتفسير البداية

هل يمكن للخبراء اليوم ان يفسّروا اصل الكون؟‏ ان كثيرين من العلماء،‏ الذين يستصعبون تقبُّل فكرة خلقِ ذكاءٍ اسمى للكون،‏ يخمّنون ان الكون،‏ من خلال آلية ما،‏ اوجد نفسه بنفسه من لا شيء.‏ فهل يبدو لكم ذلك منطقيا؟‏ تشمل هذه التخمينات عادةً شكلا مختلفا بعض الشيء لإحدى النظريات (‏هي نموذج الكون التضخمي inflationary universe‏)‏ * التي وضعها الفيزيائي آلن ڠوث سنة ١٩٧٩.‏ لكنَّ الدكتور ڠوث اعترف مؤخرا ان نظريته ‏«لا تفسّر كيف نشأ الكون من لا شيء».‏ وكان الدكتور اندريه لندِه واضحا اكثر في مقالة ظهرت في مجلة ساينتفيك امريكان:‏ ‏«ان تفسير هذه النقطة الفريدة الاولى —‏ اين ومتى ابتدأ كل شيء —‏ لا يزال المشكلة الاصعب في علم الكونيات الحديث».‏

اذا كان الخبراء عاجزين فعلا عن تفسير اصل كوننا او بداية تطوّره،‏ أفلا ينبغي ان نبحث عن التفسير في مكان آخر؟‏ نعم،‏ عندكم اسباب وجيهة لتتأملوا في بعض الادلة التي يتغاضى عنها كثيرون،‏ فمن الممكن ان تمنحكم فهما حقيقيا لمسألة اصل الكون.‏ تشمل هذه الادلة المقاييس الدقيقة لأربع قوى اساسية مسؤولة عن كل الخصائص والتغيُّرات التي تؤثر في المادة.‏ وعند مجرد ذكر القوى الاساسية،‏ قد يتوقف البعض هنا ويقولون في انفسهم:‏ ‹هذا من اختصاص الفيزيائيين فقط›.‏ لكنَّ الامر ليس كذلك.‏ فهذه الحقائق الجوهرية تستحق تأمُّلنا لأنها تؤثر فينا.‏

الضبط الدقيق لهذه القوى

تلعب القوى الاساسية الاربع دورا في رحابة الكون وفي الصِّغَر اللامتناهي للبنى الذرِّية على السواء.‏ نعم،‏ كل شيء نراه حولنا مرتبط بها.‏

ولو كانت هذه القوى الاربع البارزة في الكون غير مضبوطة بشكل دقيق،‏ لَما وُجدت العناصر الضرورية لحياتنا (‏وخصوصا الكربون،‏ الاكسجين،‏ والحديد)‏.‏ وقد سبق ان ذكرنا احدى هذه القوى،‏ الجاذبية.‏ أما الثانية فهي القوة الكهرمغنطيسية.‏ فلو كانت اضعف بكثير،‏ لَما امكن إبقاء الالكترونات حول نواة الذرَّة.‏ وقد يتساءل البعض:‏ ‹هل يشكّل ذلك مشكلة خطيرة؟‏›.‏ نعم،‏ لأن الذرَّات لن تتَّحد لتشكّل جُزَيئات molecules‏.‏ وبالعكس،‏ لو كانت هذه القوة اكبر بكثير،‏ لَعَلِقَت الالكترونات بنواة الذرَّة.‏ ولَما حدثت اية تفاعلات كيميائية بين الذرَّات —‏ اي لا حياة.‏ فمن الواضح ان وجودنا وحياتنا،‏ حتى من هذه الزاوية،‏ يعتمدان على الضبط الدقيق للقوة الكهرمغنطيسية.‏

وتأملوا في الامر على نطاق كوني:‏ ان اختلافا ضئيلا في القوة الكهرمغنطيسية يؤثر في الشمس،‏ فيغيِّر بالتالي الضوء الذي يصل الى الارض،‏ وهذا ما يجعل التخليق الضوئي photosynthesis في النباتات صعبا او مستحيلا.‏ وقد يسلب الماءَ ايضا خصائصه الفريدة الضرورية للعيش.‏ هنا ايضا يحدِّد الضبط الدقيق للقوة الكهرمغنطيسية ما اذا كنا سنعيش ام لا.‏

ومدى شدة القوة الكهرمغنطيسية بالنسبة الى القوى الثلاث الاخرى مهم هو ايضا.‏ مثلا،‏ يحسب بعض الفيزيائيين ان هذه القوة هي اكبر من قوة الجاذبية بـ‍ ٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,١٠ ‏(‏١٠٤٠‏)‏ مرة.‏ وقد تبدو زيادة صفر اضافي (‏بحيث يصير الرقم ١٠٤١‏)‏ مجرد تغيير بسيط.‏ لكنَّ ذلك يعني ان الجاذبية صارت اضعف تناسبيًّا proportionally‏،‏ ويعلّق الدكتور راينْهارت برويِر على الوضع الذي ينجم عن ذلك قائلا:‏ «بانخفاض الجاذبية يصغر حجم النجوم،‏ وضغط الجاذبية في داخلها لا يرفع درجة الحرارة الى الحد الكافي لتحصل تفاعلات الاندماج fusion النووي:‏ وهكذا يستحيل ان تشعّ الشمس».‏ يمكنكم ان تتصوَّروا ماذا يعني ذلك لنا!‏

وماذا اذا كانت الجاذبية اقوى تناسبيًّا،‏ بحيث يصير للرقم ٣٩ صفرا فقط (‏١٠٣٩‏)‏؟‏ «بهذا التعديل الطفيف»،‏ كما يتابع برويِر،‏ «يجد نجم كالشمس ان عمره المتوقَّع قَصُرَ بنسبة هائلة».‏ ويرى علماء آخرون ان هذا الضبط الدقيق انما هو حسّاس حتى لو كان التغيير ابسط من ذلك.‏

نعم،‏ تتميَّز شمسنا والنجوم الاخرى بصفتَين لافتَتين للنظر:‏ كفاءة واستقرار طويلَي الامد.‏ تأملوا في هذا المثل البسيط.‏ نحن نعلم ان محرِّك السيارة،‏ لكي يدور بكفاءة عالية،‏ يحتاج الى الوقود والهواء بنسبة دقيقة جدا بينهما؛‏ لذلك يصمِّم المهندسون انظمة ميكانيكية وكمپيوترية معقّدة للحصول على الاداء الامثل.‏ اذا كان هذا ما يجري في محرِّك عادي،‏ فماذا عن النجوم،‏ كشمسنا،‏ التي «تشتعل» بكفاءة عالية؟‏ ان القوى الرئيسية المشمولة في ذلك مضبوطة بشكل دقيق ليكون اداؤها هو الامثل لدعم الحياة.‏ فهل هذه الدقة وليدة الصدفة؟‏ سُئل ايوب قديما:‏ «هل اصدرتَ الأحكام التي تَسُوس السموات،‏ او حدَّدتَ قوانين الطبيعة على الارض؟‏».‏ (‏ايوب ٣٨:‏٣٣‏،‏ الكتاب المقدس الانكليزي الجديد‏)‏ لم يفعل انسان ذلك.‏ فمن اين تأتي هذه الدقة اذًا؟‏

القوتان النوويتان

تنطوي بنية الكون على اكثر بكثير من ضبط دقيق للجاذبية والقوة الكهرمغنطيسية وحدهما.‏ فهنالك قوتان فيزيائيتان اخريان تؤثران في حياتنا.‏

تعمل هاتان القوتان عملهما في نواة الذرَّة،‏ وهما تزوِّدان دليلا وافرا على وجود تخطيط مسبق.‏ تأملوا في القوة النووية القوية التي تربط الپروتونات والنيوترونات بعضها ببعض في نواة الذرَّة.‏ فبسبب هذا الربط،‏ يمكن ان تتشكل عناصر مختلفة —‏ خفيفة (‏كالهليوم والاكسجين)‏ وثقيلة (‏كالذهب والرصاص)‏.‏ ويبدو انه لو كانت قوة الربط هذه اضعف بنسبة ٢ في المئة فقط،‏ لَما وُجد سوى الهيدروجين.‏ وبالعكس،‏ لو كانت هذه القوة اكبر بقليل،‏ لَما وُجدت سوى العناصر الاثقل،‏ ولكن ليس الهيدروجين.‏ وهل كانت حياتنا ستتأثر بذلك؟‏ اذا كان الكون خاليا من الهيدروجين،‏ فلن يكون لشمسنا الوقود اللازم لتشعّ طاقة تمنح الحياة.‏ وطبعا،‏ لَما وُجد ماء او غذاء نستفيد منهما،‏ لأن الهيدروجين من مقوِّماتهما الاساسية.‏

القوة الرابعة في هذه المناقشة،‏ والمدعوة القوة النووية الضعيفة،‏ تتحكم في الاضمحلال الاشعاعي.‏ ولها علاقة ايضا بالنشاط الحراري النووي في شمسنا.‏ وقد تسألون:‏ ‹هل هذه القوة مضبوطة بدقة؟‏›.‏ يوضح عالِم الرياضيات والفيزياء فريمان دايْسن:‏ «[القوة] الضعيفة اضعف بملايين المرات من القوة النووية.‏ وضعفها يكفي ليحترق الهيدروجين في الشمس ببطء وبمعدل ثابت.‏ ولو كانت [القوة] الضعيفة اقوى بكثير او اضعف بكثير،‏ لَكانت كل اشكال الحياة التي تعتمد على نجوم كشمسنا في خطر من جديد».‏ نعم،‏ ان هذا المعدل الدقيق للاحتراق يُبقي ارضنا دافئة —‏ وليس مرمَّدة —‏ ويُبقينا نحن احياء.‏

بالاضافة الى ذلك،‏ يعتقد العلماء ان القوة الضعيفة تلعب دورا في انفجارات المستعِرات الفائقة،‏ وهذه الانفجارات —‏ في رأيهم —‏ هي التي تساهم في عملية انتاج وتوزُّع معظم العناصر الكيميائية.‏ يوضح الفيزيائي جون پولْكينڠْهورْن:‏ «لو كانت هذه القوى النووية مختلفة قليلا جدا عمّا هي عليه الآن،‏ لَما تمكنت النجوم من صنع العناصر التي نتألف منها انتَ وأنا».‏

من الممكن الاستفاضة في ذلك،‏ لكنكم على الارجح فهمتم النقطة.‏ فهنالك درجة مدهشة من الدقة في ضبط هذه القوى الاساسية الاربع.‏ كتب الپروفسور پول دايڤيز:‏ «يبدو اننا نرى،‏ في كل شيء حولنا،‏ ادلة على ان الطبيعة فعلت الامور بالطريقة الصحيحة».‏ نعم،‏ ان شمسنا،‏ كوكبنا الجميل بمائه الداعم للحياة،‏ غلافنا الجوي الضروري للعيش،‏ والعدد الكبير من العناصر الكيميائية القيِّمة على الارض،‏ تدين بوجودها وعملها لهذه الدقة في ضبط القوى الاساسية.‏ ولكن اسألوا نفسكم:‏ ‹لماذا هنالك دقة في ضبط القوى،‏ وما هو مصدرها؟‏›.‏

الاوجه المثالية للارض

يتطلب وجودنا دقة في مجالات اخرى ايضا.‏ تأملوا في مقاييس الارض وموقعها بالنسبة الى بقية النظام الشمسي.‏ يحتوي سفر ايوب في الكتاب المقدس على هذين السؤالين اللذين يحثّان المرء على التواضع:‏ «اين كنتَ عندما اسستُ الارض؟‏ .‏ .‏ .‏ مَن حدَّد مقاييسها،‏ إن كنتَ حقا تعرف؟‏».‏ (‏ايوب ٣٨:‏​٤،‏ ٥‏،‏ ترجمة تفسيرية‏)‏ ولم يسبق قط ان التُمس جواب عن هذين السؤالين كما يُلتمس اليوم.‏ ولماذا؟‏ بسبب الامور المدهشة التي اكتُشفت عن ارضنا —‏ بما في ذلك حجمها وموقعها في نظامنا الشمسي.‏

لم يُكتشف ايّ كوكب شبيه بالارض في الكون.‏ صحيح ان بعض العلماء يشيرون الى ادلة غير مباشرة تُظهر ان بعض النجوم تدور حولها اجسام تَكبُر الارض بمئات الاضعاف،‏ لكنَّ حجم ارضنا هو الحجم المناسب لوجودنا.‏ بأيّ معنى؟‏ لو كانت الارض اكبر بقليل،‏ لَكانت جاذبيتها اقوى،‏ ولَتجمَّع الهيدروجين —‏ الذي هو غاز خفيف —‏ بسبب عجزه عن الافلات من جاذبية الارض.‏ وهكذا لا يعود الغلاف الجوي ملائما للحياة.‏ ومن ناحية اخرى،‏ لو كانت الارض اصغر بقليل،‏ لَأفلت الاكسجين الداعم للحياة وتبخرت المياه الموجودة على سطح الارض.‏ وفي كلتا الحالتين،‏ ما كانت حياتنا ممكنة.‏

وتبعد الارض عن الشمس مسافة مثالية ايضا،‏ وهذا عامل يساعد على ازدهار الحياة.‏ فقد درس الفلكي جون بارو وعالِم الرياضيات فرانك تِپْلر «نسبة شعاع radius الارض وبُعدها عن الشمس».‏ فوجدا ان الحياة البشرية لن توجد «اذا كانت هذه النسبة مختلفة قليلا عمّا هو ملاحَظ».‏ ويذكر الپروفسور دايڤيد ل.‏ بلوك:‏ «تُظهر الحسابات انه لو كانت الارض اقرب الى الشمس بنسبة ٥ في المئة فقط،‏ لَحدث مفعولُ جُنَّة greenhouse effect شديد [ارتفاع لحرارة الارض] قبل ٠٠٠‏,٤ مليون سنة تقريبا.‏ ومن ناحية اخرى،‏ لو كانت الارض ابعد من الشمس بنسبة ١ في المئة فقط،‏ لَحدث تجلُّد شديد [صفحات هائلة من الجليد تغطي معظم ارجاء الارض] قبل ٠٠٠‏,٢ مليون سنة تقريبا».‏ —‏ كونُنا:‏ صدفة ام تصميم؟‏ ‏(‏بالانكليزية)‏.‏

يمكنكم ان تضيفوا،‏ الى الدقة المذكورة اعلاه،‏ دورة الارض حول محورها مرة في اليوم،‏ وهي السرعة المناسبة لإنتاج درجات حرارة معتدلة.‏ فدورة كوكب الزهرة تستغرق ٢٤٣ يوما.‏ تخيَّلوا ماذا يحدث لو لزم الارض كل هذه الفترة لتكمل دورتها حول نفسها!‏ لَما تمكّنّا من العيش بسبب درجات الحرارة المتطرِّفة جدا نتيجة الأنهر والليالي الطويلة.‏

وأحد التفاصيل الحيوية الاخرى هو مسار الارض حول الشمس.‏ فللمذنَّبات مسار إهليلجي واسع.‏ لكنَّ ذلك لا ينطبق على الارض.‏ فمدارها شبه دائري.‏ وهذا ايضا يحُول دون تعرُّضنا لدرجات حرارة مميتة متطرِّفة جدا.‏

ولا ينبغي ان نتجاهل موقع نظامنا الشمسي.‏ فلو كان اقرب الى مركز مجرَّة درب التبّانة،‏ لَصار مدار الارض مشوَّها بسبب تأثير جاذبية النجوم المجاورة.‏ وبالتباين،‏ لو كان هذا النظام يقع عند الطرف الاقصى لمجرَّتنا،‏ لَخلت سماء الليل من النجوم تقريبا.‏ صحيح ان ضوء النجوم ليس ضروريا للحياة،‏ ولكن ألا يضيف الى سماء ليالينا جمالا اخّاذا؟‏ وعلى اساس المفاهيم الحالية عن الكون،‏ حسب العلماء انه عند اطراف درب التبّانة،‏ ليس هنالك ما يكفي من العناصر الكيميائية اللازمة لتكوين نظام شمسي كنظامنا.‏ *

النظام والترتيب

تعرفون دون شك،‏ من التجربة الشخصية،‏ ان كل الاشياء تؤول في النهاية الى حالة اختلال.‏ فكل صاحب بيت يدرك ان الاشياء،‏ عندما تُترك على حالها،‏ غالبا ما تتعطل او تنحلّ.‏ يشير العلماء الى ذلك بعبارة «القانون الثاني في الديناميكا الحرارية thermodynamics‏».‏ وبإمكاننا ملاحظة هذا القانون في حياتنا اليومية.‏ فالسيارة او الدراجة الجديدة ستصير خُردة اذا تُركت على حالها.‏ اهجروا مبنى ما،‏ فيصير خرابا.‏ وماذا عن الكون؟‏ ينطبق عليه هذا القانون ايضا.‏ لذلك ربما تعتقدون ان التنظيم في كل الكون ينبغي ان يتحوَّل في النهاية الى فوضى تامة.‏

ولكن لا يحدث هذا للكون كما يتضح،‏ حسبما اكتشف الپروفسور في الرياضيات روجر پنْروز حين درس حالة الاضطراب (‏القصور او الانْتروپيا)‏ في الكون المرئي.‏ لذلك فإن الطريقة المنطقية التي تفسَّر بها هذه الاكتشافات هي الاستنتاج ان الكون بدأ وهو في حالة ترتيب ولا يزال منظما جدا.‏ وذكر آلن لايتمان،‏ وهو عالِم فيزياء فلكية،‏ ان العلماء «يتعجبون من ان الكون نشأ بهذا التنظيم الفائق».‏ وأضاف ان «اية نظرية ناجحة في علم الكونيات ينبغي ان توضح هذه المشكلة المتعلقة بالقصور» —‏ لماذا لم تعمَّ الفوضى الكون؟‏

وفي الواقع،‏ ان وجودنا مخالف لهذا القانون المعترف به.‏ فلماذا نحن احياء هنا على الارض؟‏ كما ذُكر سابقا،‏ هذا سؤال مهم ينبغي ان نطلب جوابا عنه.‏

‏[الحواشي]‏

^ ‎الفقرة 4‏ يبلغ قطر مجرَّة درب التبّانة نحو كِنْتِليون كيلومتر (‏٦٠٠ كوَدريليون ميل)‏،‏ اي ٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,١ كيلومتر (‏٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٦٠٠ ميل)‏!‏ ويلزم الضوء ٠٠٠‏,١٠٠ سنة ليقطعها،‏ وهذه المجرَّة وحدها تضمّ اكثر من ١٠٠ بليون (‏١٠٠ مليار)‏ نجم!‏

^ ‎الفقرة 8‏ في سنة ١٩٩٥،‏ لاحظ العلماء سلوكا غريبا في ابعد نجم (‏SN 1995K‏)‏ رُصد حتى الآن وهو ينفجر في مجرَّته.‏ فكما هي الحال مع المستعِرات الفائقة supernovas في المجرَّات المجاورة،‏ سطع هذا النجم بقوة عظيمة ثم اخذ يخبو ببطء،‏ لكنَّ خَبْوَه استمر فترة اطول مما التُقط على الاطلاق.‏ فوضعت مجلة العالِم الجديد ‏(‏بالانكليزية)‏ ذلك على رسم بياني graph وأوضحت:‏ «ان شكل منحنى الضوء light curve ‏.‏ .‏ .‏ ممتد في الزمن بمقدار يساوي تماما المقدار المتوقع اذا كانت تلك المجرَّة تبتعد عنا بنصف سرعة الضوء تقريبا».‏ وماذا كان استنتاجها؟‏ ان هذا «افضل برهان حتى الآن على ان الكون يتمدَّد فعلا».‏

^ ‎الفقرة 13‏ تتناول نظرية التضخم ما حدث في جزء من الثانية بعد بداية الكون.‏ ويؤمن مؤيدو نظرية التضخم ان الكون كان في الاصل بالغ الصغر،‏ ثم تضخم بسرعة تفوق سرعة الضوء،‏ وهذا ادّعاء لا يمكن تجربته في المختبر.‏ ولا يزال الجدال قائما حول نظرية التضخم هذه.‏

^ ‎الفقرة 34‏ وجد العلماء ان العناصر الكيميائية تكشف عن ترتيب وتناسق مذهلَين.‏ والادلة الشيّقة مدرجة في الملحق «الوحدات المعمارية للكون»،‏ في الصفحة ٢٦.‏

‏[الاطار في الصفحة ١٥]‏

محاولة عدّ النجوم

يقدَّر ان مجرَّة درب التبّانة تضمّ اكثر من ٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,١٠٠ (‏١٠٠ بليون)‏ نجم.‏ تخيّلوا موسوعة تخصِّص صفحة واحدة لكل نجم من هذه النجوم —‏ بحيث يقتصر الحديث عن شمسنا وبقية نظامنا الشمسي على صفحة واحدة.‏ فكم مجلدا يجب ان تضمَّ المجموعة لكي تغطي النجوم الموجودة في درب التبّانة؟‏

اذا كان حجم المجلدات معقولا،‏ يقال ان الموسوعة لن تسعها مكتبة نيويورك العامة،‏ التي يبلغ طول رفوفها ٤١٢ كيلومترا (‏٢٥٦ ميلا)‏!‏

وكم سيلزمكم من الوقت لتصفُّح هذه الموسوعة؟‏ يوضح كتاب بلوغ النضج في درب التبّانة ‏(‏بالانكليزية)‏:‏ «ان تقليب الصفحات،‏ بمعدل صفحة في الثانية،‏ يستغرق اكثر من عشرة آلاف سنة».‏ لكنَّ النجوم التي تؤلف مجرَّتنا ليست سوى جزء ضئيل من النجوم الموجودة في ما يقدَّر بـ‍ ٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٥٠ (‏٥٠ بليون)‏ مجرَّة في الكون.‏ وإذا كانت الموسوعة تحتوي على صفحة لكل نجم من هذه النجوم،‏ فلن تسعها كل رفوف المكتبات على الارض.‏ «كلما زادت معرفتنا عن الكون»،‏ كما يلاحظ الكتاب،‏ «ادركنا اكثر اننا نعرف القليل عنه».‏

‏[الاطار في الصفحة ١٦]‏

جاسترو —‏ حول موضوع البداية

كتب روبرت جاسترو،‏ وهو پروفسور في علم الفلك والجيولوجيا في جامعة كولومبيا:‏ «قليلون هم الفلكيون الذين توقّعوا ان يصير هذا الحدث —‏ اي الولادة المفاجئة للكون —‏ حقيقة علمية مثبَتة،‏ لكنَّ رصد السموات بواسطة المقاريب اجبرهم على استنتاج ذلك».‏

ثم علّق على المعاني الضمنية لذلك قائلا:‏ «ان الدليل الفلكي على بداية [للكون] يضع العلماء في موقف حرج،‏ لأنهم يعتقدون ان لكل معلول علّة طبيعية .‏ .‏ .‏ كتب الفلكي البريطاني ا.‏ أ.‏ مِلْن:‏ ‹لا يمكننا ان نقدّم اقتراحات عن سير الامور [عند بداية الكون]؛‏ ففي عملية الخلق الالهية اللّٰه لا يُرى ولا يعايَن›».‏ —‏ النَّول السحري —‏ عقل في الكون ‏(‏بالانكليزية)‏.‏

‏[الاطار في الصفحة ١٧]‏

القوى الاساسية الفيزيائية الاربع

١-‏ الجاذبية:‏ قوة ضعيفة جدا عند مستوى الذرّات.‏ فأثرها يَظهر في الاجسام الكبيرة —‏ الكواكب،‏ النجوم،‏ المجرَّات.‏

٢-‏ الكهرمغنطيسية:‏ قوة الجذب الرئيسية بين الپروتونات والالكترونات،‏ مما يسمح بتشكّل الجُزَيئات.‏ والبرق هو احد الادلة على قدرتها.‏

٣-‏ القوة النووية القوية:‏ القوة التي تربط الپروتونات والنيوترونات بعضها ببعض في نواة الذرَّة.‏

٤-‏ القوة النووية الضعيفة:‏ القوة التي تتحكم في انحلال العناصر المشعّة وفي النشاط الحراري النووي الفعّال في الشمس.‏

‏[الاطار في الصفحة ٢٠]‏

‏«اجتماع الصُّدَف»‏

«اجعلوا القوة الضعيفة اقوى بقليل،‏ فلا ينتج ايّ هليوم؛‏ اجعلوها اضعف بقليل،‏ فيتحوّل كل الهيدروجين تقريبا الى هليوم».‏

«ان احتمال وجود كون فيه بعض الهليوم،‏ وتحدث فيه ايضا انفجارات للمستعِرات الفائقة،‏ ضئيل جدا.‏ لكنَّ وجودنا يعتمد على اجتماع الصُّدَف هذا،‏ ويعتمد ايضا على الصدفة المذهلة اكثر:‏ مستويات الطاقة النووية التي توقَّعها [الفلكي فرِد] هُويْل.‏ وبخلاف الاجيال السابقة،‏ نحن نعرف كيف وُجدنا.‏ ولكن ما زلنا لا نعرف،‏ شأننا في ذلك شأن كل الاجيال السابقة،‏ لماذا وُجدنا».‏ —‏ العالِم الجديد.‏

‏[الاطار في الصفحة ٢٢]‏

«ان الاحوال التي تتميّز بها الارض والناجمة عن حجمها المثالي،‏ العناصر الكيميائية التي تتكوّن منها،‏ ومدارها شبه الدائري على مسافة مثالية من نجم يعيش طويلا،‏ اي الشمس،‏ جعلت تجمُّع الماء على سطح الارض امرا ممكنا».‏ (‏المبادئ الموحَّدة لعلم الحيوان،‏ الطبعة الـ‍ ٧ [بالانكليزية])‏ ولولا الماء لَما ظهرت الحياة على الارض.‏

‏[الاطار في الصفحة ٢٤]‏

لا تؤمنون إلا بما ترونه؟‏

ان اشخاصا منطقيين كثيرين يعترفون بوجود اشياء لا يرونها.‏ وقد اخبر عدد كانون الثاني ١٩٩٧ من مجلة دي‍سْكڤ‍ر ‏(‏بالانكليزية)‏ ان الفلكيين اكتشفوا اشياء استنتجوا انها اثنا عشر كوكبا تقريبا تدور حول نجوم بعيدة.‏

«حتى الآن،‏ تُعرف هذه الكواكب الجديدة من الطريقة التي تعرقل بها جاذبيتها حركة النجوم التي تدور هي حولها».‏ نعم،‏ ان التأثيرات المرئية للجاذبية تشكّل،‏ في نظر الفلكيين،‏ اساسا ليعتقدوا انه توجد اجرام سماوية غير مرئية.‏

لقد كانت الادلة ذات العلاقة —‏ لا الملاحظة المباشرة —‏ اساسا كافيا لكي يعترف العلماء بوجود ما ليس بإمكانهم رؤيته بعد.‏ وكثيرون ممَّن يؤمنون بوجود خالق يستنتجون انهم يملكون اساسا مماثلا لاعترافهم بوجود مَن لا يمكنهم رؤيته.‏

‏[الاطار في الصفحة ٢٥]‏

يوضح السِّر فرِد هُويْل في طبيعة الكون (‏بالانكليزية)‏:‏ «مَن اراد تجنُّب مسألة الخلق يلزم ان يؤمن بأن كل المواد في الكون ازلية الوجود،‏ وهذا غير ممكن.‏ .‏ .‏ .‏ فالهيدروجين يتحوَّل بشكل متواصل الى هليوم وعناصر اخرى .‏ .‏ .‏ اذًا لماذا يتألف الكون في معظمه من هيدروجين؟‏ فلو كانت المادة ازلية الوجود،‏ لَاستحال ذلك.‏ لذلك نرى انه لا يمكن تحاشي مسألة الخلق ما دام الكون على ما هو عليه».‏

‏[الصورة في الصفحتين ١٢ و ١٣]‏

تبدو شمسنا (‏في المربع)‏ تافهة في مجرَّة درب التبّانة،‏ كما تَظهر هنا مع المجرَّة اللولبية 5236 NGC

تضمّ درب التبّانة اكثر من ١٠٠ بليون نجم،‏ وهي واحدة فقط من اكثر من ٥٠ بليون مجرَّة في الكون المعروف

‏[الصورتان في الصفحة ١٤]‏

ادرك الفلكي ادوين هابل (‏١٨٨٩-‏١٩٥٣)‏ ان انزياحا احمر red shift في الضوء الآتي من المجرَّات البعيدة يُظهر ان الكون يتمدَّد،‏ وبالتالي له بداية

‏[الصورتان في الصفحة ١٩]‏

ان دقة القوى التي تضبط شمسنا تُنتج ظروفا ملائمة تماما لحياتنا على الارض