كيف ظهر كونُنا؟ — الخلاف
الفصل الثاني
كيف ظهر كونُنا؟ — الخلاف
يحب روّاد الفضاء كثيرا ان يصوِّروا الارض وهي تغطي بمساحتها الكبيرة جزءا واسعا من نافذة مركبتهم الفضائية. قال احدهم: «هذا اجمل ما في الرحلة الفضائية». لكنَّ ارضنا تبدو صغيرة جدا بالمقارنة مع النظام الشمسي. فيمكن ان تسع الشمس مليون ارض في داخلها، ويَفضُل مكان! ولكن هل من علاقة لهذه الحقائق عن الكون بحياتكم ومعناها؟
لنقُم برحلة قصيرة عبر الخيال الى الفضاء لنرى ارضنا وشمسنا في منظورهما. ان شمسنا هي واحدة من النجوم الهائلة العدد الموجودة في ذراع لولبية من مجرَّة درب التبّانة، * التي هي مجرد جزء صغير جدا من الكون. ومن الممكن، بالعين المجرَّدة، رؤية مواقع قليلة ذات غَبَش ضوئي هي في الواقع مجرَّات اخرى، كمجرَّة «المرأة المسَلْسَلة Andromeda» الجميلة والاكبر من مجرَّتنا. ان درب التبّانة، المرأة المسَلْسَلة، ونحو ٢٠ مجرَّة اخرى مترابطة بقوة الجاذبية بحيث تشكّل حشدًا cluster، وهذه المجرَّات ليست سوى حَيٍّ صغير في منطقة شاسعة تسمى حشدا فائقا supercluster. ويضمّ الكون حشودا فائقة لا تُعَدّ ولا تُحصى، وهذا ليس كل شيء.
هذه الحشود ليست موزَّعة بشكل منتظم في الفضاء. وهي تبدو، في الحيِّز الواسع، كصفائح رقيقة وخيوط ملتفّة حول فراغات كبيرة شبيهة بالفقاقيع. وشكل بعضها طويل وعريض جدا بحيث يشبه اسوارا عظيمة. وقد يفاجئ ذلك كثيرين ممَّن يعتقدون ان كوننا
اوجد نفسه بنفسه في انفجار كوني وقع صدفةً. يستنتج كاتب رفيع الشأن في مجلة ساينتفيك امريكان (بالانكليزية): «كلما اتضحت رؤيتنا للكون بكل تفاصيله الرائعة، صعُب علينا اكثر ان نفسِّر بنظرية بسيطة كيف اصبح ما هو عليه».ادلة تشير الى بداية
جميع النجوم التي يمكنكم رؤيتها موجودة في مجرَّة درب التبّانة. وحتى العشرينات من هذا القرن العشرين، كان الناس يظنون انه لا توجد مجرَّة اخرى غير هذه. لكنكم تعرفون على الارجح ان رصد النجوم، بواسطة مقاريب (تلسكوپات) اكبر، أثبت العكس. فكونُنا يضمّ ٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٥٠ (٥٠ بليون) مجرَّة على الاقل. نحن لا نقول ٥٠ بليون نجم، بل ٥٠ بليون مجرَّة على الاقل، وكل مجرَّة فيها بلايين النجوم كشمسنا. لكنَّ العدد الهائل للمجرَّات الضخمة لم يكن هو الذي زعزع المفاهيم العلمية في العشرينات. فما زعزعها هو ان جميع هذه المجرَّات تتحرك.
لقد اكتشف الفلكيون حقيقة لافتة للنظر: عندما مُرِّر ضياء المجرَّة galactic light عبر موشور prism، لوحظ ان الموجات الضوئية اطول، مما يشير الى حركة ابتعاد عنا بسرعة هائلة. وكلما كانت المجرَّة بعيدة، بدا انها تبتعد بسرعة اكبر. ويشير ذلك الى كون متمدِّد! *
حتى لو لم نكن فلكيين محترفين او هواة، بإمكاننا ان نرى ان فكرة كون يتمدَّد تحمل في طيّاتها معاني عميقة بشأن ماضينا — وربما مستقبلنا الشخصي ايضا. فلا بد ان هنالك ما أبدأ هذه العملية — قوة عظيمة تمكنت من التغلب على الجاذبية الهائلة للكون كله. وعندكم سبب وجيه لتسألوا: ‹ماذا يعقل ان يكون مصدر طاقة دينامية كهذه؟›.
مع ان معظم العلماء يُرجِعون اصل الكون الى بداية صغيرة singularity)، لا يمكننا التغاضي عن هذه المسألة الجوهرية: «اذا كان الكون قبلا، في مرحلة ما من الماضي، في شبه حالة فريدة تتميَّز بحجم صغير لامتناهٍ وكثافة لامتناهية، يجب ان نسأل ماذا كان يوجد قبلا وماذا كان هنالك خارج ذلك الكون. . . . فيجب ان نواجه مشكلة ‹البداية› ». — السِّر برنارد لوڤيل.
وكثيفة جدا (نقطة فريدةيشمل ذلك اكثر من مجرد السؤال عن مصدر الطاقة الهائلة.
فالتبصُّر والذكاء لازمان ايضا، لأنه يبدو ان نسبة التمدُّد مضبوطة بدقة بالغة جدا. «فلو كانت سرعة تمدُّد الكون اكبر بنسبة واحد الى مليون مليون»، كما قال لوڤيل، «لَكانت كل المواد في الكون قد تشتَّتت بحلول زمننا. . . . ولو كانت السرعة اقل بنسبة واحد الى مليون مليون، لَجعلت قوى الجاذبية الكون يتقوَّض خلال السنوات الالف مليون الاولى تقريبا من وجوده. وهكذا لَما كانت هنالك نجوم تعيش طويلا، وبالتالي لا حياة».محاولات لتفسير البداية
هل يمكن للخبراء اليوم ان يفسّروا اصل الكون؟ ان كثيرين من العلماء، الذين يستصعبون تقبُّل فكرة خلقِ ذكاءٍ اسمى للكون، inflationary universe) * التي وضعها الفيزيائي آلن ڠوث سنة ١٩٧٩. لكنَّ الدكتور ڠوث اعترف مؤخرا ان نظريته «لا تفسّر كيف نشأ الكون من لا شيء». وكان الدكتور اندريه لندِه واضحا اكثر في مقالة ظهرت في مجلة ساينتفيك امريكان: «ان تفسير هذه النقطة الفريدة الاولى — اين ومتى ابتدأ كل شيء — لا يزال المشكلة الاصعب في علم الكونيات الحديث».
يخمّنون ان الكون، من خلال آلية ما، اوجد نفسه بنفسه من لا شيء. فهل يبدو لكم ذلك منطقيا؟ تشمل هذه التخمينات عادةً شكلا مختلفا بعض الشيء لإحدى النظريات (هي نموذج الكون التضخمياذا كان الخبراء عاجزين فعلا عن تفسير اصل كوننا او بداية تطوّره، أفلا ينبغي ان نبحث عن التفسير في مكان آخر؟ نعم، عندكم اسباب وجيهة لتتأملوا في بعض الادلة التي يتغاضى عنها كثيرون، فمن الممكن ان تمنحكم فهما حقيقيا لمسألة اصل الكون. تشمل هذه الادلة المقاييس الدقيقة لأربع قوى اساسية مسؤولة عن كل الخصائص والتغيُّرات التي تؤثر في المادة. وعند مجرد ذكر القوى الاساسية، قد يتوقف البعض هنا ويقولون في انفسهم: ‹هذا من اختصاص الفيزيائيين فقط›. لكنَّ الامر ليس كذلك. فهذه الحقائق الجوهرية تستحق تأمُّلنا لأنها تؤثر فينا.
الضبط الدقيق لهذه القوى
تلعب القوى الاساسية الاربع دورا في رحابة الكون وفي الصِّغَر اللامتناهي للبنى الذرِّية على السواء. نعم، كل شيء نراه حولنا مرتبط بها.
ولو كانت هذه القوى الاربع البارزة في الكون غير مضبوطة بشكل دقيق، لَما وُجدت العناصر الضرورية لحياتنا (وخصوصا الكربون، الاكسجين، والحديد). وقد سبق ان ذكرنا احدى هذه القوى، الجاذبية. أما الثانية فهي القوة الكهرمغنطيسية. فلو كانت اضعف بكثير، لَما امكن إبقاء الالكترونات حول نواة الذرَّة. وقد يتساءل البعض: ‹هل يشكّل ذلك مشكلة خطيرة؟›. نعم، لأن الذرَّات لن تتَّحد لتشكّل جُزَيئات molecules. وبالعكس، لو كانت هذه القوة اكبر بكثير، لَعَلِقَت الالكترونات بنواة الذرَّة. ولَما حدثت اية تفاعلات كيميائية بين الذرَّات — اي لا حياة. فمن الواضح ان وجودنا وحياتنا، حتى من هذه الزاوية، يعتمدان على الضبط الدقيق للقوة الكهرمغنطيسية.
photosynthesis في النباتات صعبا او مستحيلا. وقد يسلب الماءَ ايضا خصائصه الفريدة الضرورية للعيش. هنا ايضا يحدِّد الضبط الدقيق للقوة الكهرمغنطيسية ما اذا كنا سنعيش ام لا.
وتأملوا في الامر على نطاق كوني: ان اختلافا ضئيلا في القوة الكهرمغنطيسية يؤثر في الشمس، فيغيِّر بالتالي الضوء الذي يصل الى الارض، وهذا ما يجعل التخليق الضوئيومدى شدة القوة الكهرمغنطيسية بالنسبة الى القوى الثلاث الاخرى مهم هو ايضا. مثلا، يحسب بعض الفيزيائيين ان هذه القوة هي اكبر من قوة الجاذبية بـ ٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,١٠ (١٠٤٠) مرة. وقد تبدو زيادة صفر اضافي (بحيث يصير الرقم ١٠٤١) مجرد تغيير بسيط. لكنَّ ذلك يعني ان الجاذبية صارت اضعف تناسبيًّا proportionally، ويعلّق الدكتور راينْهارت برويِر على الوضع الذي ينجم عن ذلك قائلا: «بانخفاض الجاذبية يصغر حجم النجوم، وضغط الجاذبية في داخلها لا يرفع درجة الحرارة الى الحد الكافي لتحصل تفاعلات الاندماج fusion النووي: وهكذا يستحيل ان تشعّ الشمس». يمكنكم ان تتصوَّروا ماذا يعني ذلك لنا!
وماذا اذا كانت الجاذبية اقوى تناسبيًّا، بحيث يصير للرقم ٣٩ صفرا فقط (١٠٣٩)؟ «بهذا التعديل الطفيف»، كما يتابع برويِر، «يجد نجم كالشمس ان عمره المتوقَّع قَصُرَ بنسبة هائلة». ويرى علماء آخرون ان هذا الضبط الدقيق انما هو حسّاس حتى لو كان التغيير ابسط من ذلك.
نعم، تتميَّز شمسنا والنجوم الاخرى بصفتَين لافتَتين للنظر: كفاءة واستقرار طويلَي الامد. تأملوا في هذا المثل البسيط. نحن نعلم ان محرِّك السيارة، لكي يدور بكفاءة عالية، يحتاج الى الوقود والهواء بنسبة دقيقة جدا بينهما؛ لذلك يصمِّم المهندسون انظمة ايوب ٣٨:٣٣، الكتاب المقدس الانكليزي الجديد) لم يفعل انسان ذلك. فمن اين تأتي هذه الدقة اذًا؟
ميكانيكية وكمپيوترية معقّدة للحصول على الاداء الامثل. اذا كان هذا ما يجري في محرِّك عادي، فماذا عن النجوم، كشمسنا، التي «تشتعل» بكفاءة عالية؟ ان القوى الرئيسية المشمولة في ذلك مضبوطة بشكل دقيق ليكون اداؤها هو الامثل لدعم الحياة. فهل هذه الدقة وليدة الصدفة؟ سُئل ايوب قديما: «هل اصدرتَ الأحكام التي تَسُوس السموات، او حدَّدتَ قوانين الطبيعة على الارض؟». (القوتان النوويتان
تنطوي بنية الكون على اكثر بكثير من ضبط دقيق للجاذبية والقوة الكهرمغنطيسية
وحدهما. فهنالك قوتان فيزيائيتان اخريان تؤثران في حياتنا.تعمل هاتان القوتان عملهما في نواة الذرَّة، وهما تزوِّدان دليلا وافرا على وجود تخطيط مسبق. تأملوا في القوة النووية القوية التي تربط الپروتونات والنيوترونات بعضها ببعض في نواة الذرَّة. فبسبب هذا الربط، يمكن ان تتشكل عناصر مختلفة — خفيفة (كالهليوم والاكسجين) وثقيلة (كالذهب والرصاص). ويبدو انه لو كانت قوة الربط هذه اضعف بنسبة ٢ في المئة فقط، لَما وُجد سوى الهيدروجين. وبالعكس، لو كانت هذه القوة اكبر بقليل، لَما وُجدت سوى العناصر الاثقل، ولكن ليس الهيدروجين. وهل كانت حياتنا ستتأثر بذلك؟ اذا كان الكون خاليا من الهيدروجين، فلن يكون لشمسنا الوقود اللازم لتشعّ طاقة تمنح الحياة. وطبعا، لَما وُجد ماء او غذاء نستفيد منهما، لأن الهيدروجين من مقوِّماتهما الاساسية.
القوة الرابعة في هذه المناقشة، والمدعوة القوة النووية الضعيفة، تتحكم في الاضمحلال الاشعاعي. ولها علاقة ايضا بالنشاط الحراري النووي في شمسنا. وقد تسألون: ‹هل هذه القوة مضبوطة بدقة؟›. يوضح عالِم الرياضيات والفيزياء فريمان دايْسن: «[القوة] الضعيفة اضعف بملايين المرات من القوة النووية. وضعفها يكفي ليحترق الهيدروجين في الشمس ببطء وبمعدل ثابت. ولو كانت [القوة] الضعيفة اقوى بكثير او اضعف بكثير، لَكانت كل اشكال الحياة التي تعتمد على نجوم كشمسنا في خطر من جديد». نعم، ان هذا المعدل الدقيق للاحتراق يُبقي ارضنا دافئة — وليس مرمَّدة — ويُبقينا نحن احياء.
بالاضافة الى ذلك، يعتقد العلماء ان القوة الضعيفة تلعب دورا في انفجارات المستعِرات الفائقة، وهذه الانفجارات — في رأيهم — هي التي تساهم في عملية انتاج وتوزُّع معظم العناصر الكيميائية. يوضح الفيزيائي جون پولْكينڠْهورْن: «لو كانت هذه القوى النووية مختلفة قليلا جدا عمّا هي عليه الآن، لَما تمكنت النجوم من صنع العناصر التي نتألف منها انتَ وأنا».
من الممكن الاستفاضة في ذلك، لكنكم على الارجح فهمتم النقطة. فهنالك درجة مدهشة من الدقة في ضبط هذه القوى الاساسية الاربع. كتب الپروفسور پول دايڤيز: «يبدو اننا نرى، في كل شيء حولنا، ادلة على ان الطبيعة فعلت الامور بالطريقة الصحيحة». نعم، ان شمسنا، كوكبنا الجميل بمائه الداعم للحياة، غلافنا الجوي الضروري للعيش، والعدد الكبير من العناصر الكيميائية القيِّمة على الارض، تدين بوجودها وعملها لهذه الدقة في ضبط القوى الاساسية. ولكن اسألوا نفسكم: ‹لماذا هنالك دقة في ضبط القوى، وما هو مصدرها؟›.
الاوجه المثالية للارض
يتطلب وجودنا دقة في مجالات اخرى ايضا. تأملوا في مقاييس الارض وموقعها بالنسبة الى بقية النظام الشمسي. يحتوي سفر ايوب في الكتاب المقدس على هذين السؤالين اللذين يحثّان المرء على التواضع: «اين كنتَ عندما اسستُ الارض؟ . . . مَن حدَّد مقاييسها، إن كنتَ حقا تعرف؟». (ايوب ٣٨:٤، ٥، ترجمة تفسيرية) ولم يسبق قط ان التُمس جواب عن هذين السؤالين كما يُلتمس اليوم. ولماذا؟ بسبب الامور المدهشة التي اكتُشفت عن ارضنا — بما في ذلك حجمها وموقعها في نظامنا الشمسي.
لم يُكتشف ايّ كوكب شبيه بالارض في الكون. صحيح ان بعض العلماء يشيرون الى ادلة غير مباشرة تُظهر ان بعض النجوم تدور حولها اجسام تَكبُر الارض بمئات الاضعاف، لكنَّ حجم ارضنا هو الحجم المناسب لوجودنا. بأيّ معنى؟ لو كانت الارض اكبر بقليل، لَكانت جاذبيتها اقوى، ولَتجمَّع الهيدروجين — الذي هو غاز خفيف — بسبب عجزه عن الافلات من جاذبية الارض. وهكذا لا يعود الغلاف الجوي ملائما للحياة. ومن ناحية اخرى، لو كانت الارض اصغر بقليل، لَأفلت الاكسجين الداعم للحياة
وتبخرت المياه الموجودة على سطح الارض. وفي كلتا الحالتين، ما كانت حياتنا ممكنة.وتبعد الارض عن الشمس مسافة مثالية ايضا، وهذا عامل يساعد على ازدهار الحياة. فقد درس الفلكي جون بارو وعالِم الرياضيات فرانك تِپْلر «نسبة شعاع radius الارض وبُعدها عن الشمس». فوجدا ان الحياة البشرية لن توجد «اذا كانت هذه النسبة مختلفة قليلا عمّا هو ملاحَظ». ويذكر الپروفسور دايڤيد ل. بلوك: «تُظهر الحسابات انه لو كانت الارض اقرب الى الشمس بنسبة ٥ في المئة فقط، لَحدث مفعولُ جُنَّة greenhouse effect شديد [ارتفاع لحرارة الارض] قبل ٠٠٠,٤ مليون سنة تقريبا. ومن ناحية اخرى، لو كانت الارض ابعد من الشمس بنسبة ١ في المئة فقط، لَحدث تجلُّد شديد [صفحات هائلة من الجليد تغطي معظم ارجاء الارض] قبل ٠٠٠,٢ مليون سنة تقريبا». — كونُنا: صدفة ام تصميم؟ (بالانكليزية).
يمكنكم ان تضيفوا، الى الدقة المذكورة اعلاه، دورة الارض حول محورها مرة في اليوم، وهي السرعة المناسبة لإنتاج درجات حرارة معتدلة. فدورة كوكب الزهرة تستغرق ٢٤٣ يوما. تخيَّلوا ماذا يحدث لو لزم الارض كل هذه الفترة لتكمل دورتها حول نفسها! لَما تمكّنّا من العيش بسبب درجات الحرارة المتطرِّفة جدا نتيجة الأنهر والليالي الطويلة.
وأحد التفاصيل الحيوية الاخرى هو مسار الارض حول الشمس. فللمذنَّبات مسار إهليلجي واسع. لكنَّ ذلك لا ينطبق على الارض. فمدارها شبه دائري. وهذا ايضا يحُول دون تعرُّضنا لدرجات حرارة مميتة متطرِّفة جدا.
ولا ينبغي ان نتجاهل موقع نظامنا الشمسي. فلو كان اقرب *
الى مركز مجرَّة درب التبّانة، لَصار مدار الارض مشوَّها بسبب تأثير جاذبية النجوم المجاورة. وبالتباين، لو كان هذا النظام يقع عند الطرف الاقصى لمجرَّتنا، لَخلت سماء الليل من النجوم تقريبا. صحيح ان ضوء النجوم ليس ضروريا للحياة، ولكن ألا يضيف الى سماء ليالينا جمالا اخّاذا؟ وعلى اساس المفاهيم الحالية عن الكون، حسب العلماء انه عند اطراف درب التبّانة، ليس هنالك ما يكفي من العناصر الكيميائية اللازمة لتكوين نظام شمسي كنظامنا.النظام والترتيب
تعرفون دون شك، من التجربة الشخصية، ان كل الاشياء تؤول في النهاية الى حالة اختلال. فكل صاحب بيت يدرك ان thermodynamics». وبإمكاننا ملاحظة هذا القانون في حياتنا اليومية. فالسيارة او الدراجة الجديدة ستصير خُردة اذا تُركت على حالها. اهجروا مبنى ما، فيصير خرابا. وماذا عن الكون؟ ينطبق عليه هذا القانون ايضا. لذلك ربما تعتقدون ان التنظيم في كل الكون ينبغي ان يتحوَّل في النهاية الى فوضى تامة.
الاشياء، عندما تُترك على حالها، غالبا ما تتعطل او تنحلّ. يشير العلماء الى ذلك بعبارة «القانون الثاني في الديناميكا الحراريةولكن لا يحدث هذا للكون كما يتضح، حسبما اكتشف الپروفسور في الرياضيات روجر پنْروز حين درس حالة الاضطراب (القصور او الانْتروپيا) في الكون المرئي. لذلك فإن الطريقة المنطقية التي تفسَّر بها هذه الاكتشافات هي الاستنتاج ان الكون بدأ وهو في حالة ترتيب ولا يزال منظما جدا. وذكر آلن لايتمان، وهو عالِم فيزياء فلكية، ان العلماء «يتعجبون من ان الكون نشأ بهذا التنظيم الفائق». وأضاف ان «اية نظرية ناجحة في علم الكونيات ينبغي ان توضح هذه المشكلة المتعلقة بالقصور» — لماذا لم تعمَّ الفوضى الكون؟
وفي الواقع، ان وجودنا مخالف لهذا القانون المعترف به. فلماذا نحن احياء هنا على الارض؟ كما ذُكر سابقا، هذا سؤال مهم ينبغي ان نطلب جوابا عنه.
[الحواشي]
^ الفقرة 4 يبلغ قطر مجرَّة درب التبّانة نحو كِنْتِليون كيلومتر (٦٠٠ كوَدريليون ميل)، اي ٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,١ كيلومتر (٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٦٠٠ ميل)! ويلزم الضوء ٠٠٠,١٠٠ سنة ليقطعها، وهذه المجرَّة وحدها تضمّ اكثر من ١٠٠ بليون (١٠٠ مليار) نجم!
^ الفقرة 8 في سنة ١٩٩٥، لاحظ العلماء سلوكا غريبا في ابعد نجم (SN 1995K) رُصد حتى الآن وهو ينفجر في مجرَّته. فكما هي الحال مع المستعِرات الفائقة supernovas في المجرَّات المجاورة، سطع هذا النجم بقوة عظيمة ثم اخذ يخبو ببطء، لكنَّ خَبْوَه استمر فترة اطول مما التُقط على الاطلاق. فوضعت مجلة العالِم الجديد (بالانكليزية) ذلك على رسم بياني graph وأوضحت: «ان شكل منحنى الضوء light curve . . . ممتد في الزمن بمقدار يساوي تماما المقدار المتوقع اذا كانت تلك المجرَّة تبتعد عنا بنصف سرعة الضوء تقريبا». وماذا كان استنتاجها؟ ان هذا «افضل برهان حتى الآن على ان الكون يتمدَّد فعلا».
^ الفقرة 13 تتناول نظرية التضخم ما حدث في جزء من الثانية بعد بداية الكون. ويؤمن مؤيدو نظرية التضخم ان الكون كان في الاصل بالغ الصغر، ثم تضخم بسرعة تفوق سرعة الضوء، وهذا ادّعاء لا يمكن تجربته في المختبر. ولا يزال الجدال قائما حول نظرية التضخم هذه.
^ الفقرة 34 وجد العلماء ان العناصر الكيميائية تكشف عن ترتيب وتناسق مذهلَين. والادلة الشيّقة مدرجة في الملحق «الوحدات المعمارية للكون»، في الصفحة ٢٦.
[الاطار في الصفحة ١٥]
محاولة عدّ النجوم
يقدَّر ان مجرَّة درب التبّانة تضمّ اكثر من ٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,١٠٠ (١٠٠ بليون) نجم. تخيّلوا موسوعة تخصِّص صفحة واحدة لكل نجم من هذه النجوم — بحيث يقتصر الحديث عن شمسنا وبقية نظامنا الشمسي على صفحة واحدة. فكم مجلدا يجب ان تضمَّ المجموعة لكي تغطي النجوم الموجودة في درب التبّانة؟
اذا كان حجم المجلدات معقولا، يقال ان الموسوعة لن تسعها مكتبة نيويورك العامة، التي يبلغ طول رفوفها ٤١٢ كيلومترا (٢٥٦ ميلا)!
وكم سيلزمكم من الوقت لتصفُّح هذه الموسوعة؟ يوضح كتاب بلوغ النضج في درب التبّانة (بالانكليزية): «ان تقليب الصفحات، بمعدل صفحة في الثانية، يستغرق اكثر من عشرة آلاف سنة». لكنَّ النجوم التي تؤلف مجرَّتنا ليست سوى جزء ضئيل من النجوم الموجودة في ما يقدَّر بـ ٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٥٠ (٥٠ بليون) مجرَّة في الكون. وإذا كانت الموسوعة تحتوي على صفحة لكل نجم من هذه النجوم، فلن تسعها كل رفوف المكتبات على الارض. «كلما زادت معرفتنا عن الكون»، كما يلاحظ الكتاب، «ادركنا اكثر اننا نعرف القليل عنه».
[الاطار في الصفحة ١٦]
جاسترو — حول موضوع البداية
كتب روبرت جاسترو، وهو پروفسور في علم الفلك والجيولوجيا في جامعة كولومبيا: «قليلون هم الفلكيون الذين توقّعوا ان يصير هذا الحدث — اي الولادة المفاجئة للكون — حقيقة علمية مثبَتة، لكنَّ رصد السموات بواسطة المقاريب اجبرهم على استنتاج ذلك».
ثم علّق على المعاني الضمنية لذلك قائلا: «ان الدليل الفلكي على بداية [للكون] يضع العلماء في موقف حرج، لأنهم يعتقدون ان لكل معلول علّة طبيعية . . . كتب الفلكي البريطاني ا. أ. مِلْن: ‹لا يمكننا ان نقدّم اقتراحات عن سير الامور [عند بداية الكون]؛ ففي عملية الخلق الالهية اللّٰه لا يُرى ولا يعايَن›». — النَّول السحري — عقل في الكون (بالانكليزية).
[الاطار في الصفحة ١٧]
القوى الاساسية الفيزيائية الاربع
١- الجاذبية: قوة ضعيفة جدا عند مستوى الذرّات. فأثرها يَظهر في الاجسام الكبيرة — الكواكب، النجوم، المجرَّات.
٢- الكهرمغنطيسية: قوة الجذب الرئيسية بين الپروتونات والالكترونات، مما يسمح بتشكّل الجُزَيئات. والبرق هو احد الادلة على قدرتها.
٣- القوة النووية القوية: القوة التي تربط الپروتونات والنيوترونات بعضها ببعض في نواة الذرَّة.
٤- القوة النووية الضعيفة: القوة التي تتحكم في انحلال العناصر المشعّة وفي النشاط الحراري النووي الفعّال في الشمس.
[الاطار في الصفحة ٢٠]
«اجتماع الصُّدَف»
«اجعلوا القوة الضعيفة اقوى بقليل، فلا ينتج ايّ هليوم؛ اجعلوها اضعف بقليل، فيتحوّل كل الهيدروجين تقريبا الى هليوم».
«ان احتمال وجود كون فيه بعض الهليوم، وتحدث فيه ايضا انفجارات للمستعِرات الفائقة، ضئيل جدا. لكنَّ وجودنا يعتمد على اجتماع الصُّدَف هذا، ويعتمد ايضا على الصدفة المذهلة اكثر: مستويات الطاقة النووية التي توقَّعها [الفلكي فرِد] هُويْل. وبخلاف الاجيال السابقة، نحن نعرف كيف وُجدنا. ولكن ما زلنا لا نعرف، شأننا في ذلك شأن كل الاجيال السابقة، لماذا وُجدنا». — العالِم الجديد.
[الاطار في الصفحة ٢٢]
«ان الاحوال التي تتميّز بها الارض والناجمة عن حجمها المثالي، العناصر الكيميائية التي تتكوّن منها، ومدارها شبه الدائري على مسافة مثالية من نجم يعيش طويلا، اي الشمس، جعلت تجمُّع الماء على سطح الارض امرا ممكنا». (المبادئ الموحَّدة لعلم الحيوان، الطبعة الـ ٧ [بالانكليزية]) ولولا الماء لَما ظهرت الحياة على الارض.
[الاطار في الصفحة ٢٤]
لا تؤمنون إلا بما ترونه؟
ان اشخاصا منطقيين كثيرين يعترفون بوجود اشياء لا يرونها. وقد اخبر عدد كانون الثاني ١٩٩٧ من مجلة ديسْكڤر (بالانكليزية) ان الفلكيين اكتشفوا اشياء استنتجوا انها اثنا عشر كوكبا تقريبا تدور حول نجوم بعيدة.
«حتى الآن، تُعرف هذه الكواكب الجديدة من الطريقة التي تعرقل بها جاذبيتها حركة النجوم التي تدور هي حولها». نعم، ان التأثيرات المرئية للجاذبية تشكّل، في نظر الفلكيين، اساسا ليعتقدوا انه توجد اجرام سماوية غير مرئية.
لقد كانت الادلة ذات العلاقة — لا الملاحظة المباشرة — اساسا كافيا لكي يعترف العلماء بوجود ما ليس بإمكانهم رؤيته بعد. وكثيرون ممَّن يؤمنون بوجود خالق يستنتجون انهم يملكون اساسا مماثلا لاعترافهم بوجود مَن لا يمكنهم رؤيته.
[الاطار في الصفحة ٢٥]
يوضح السِّر فرِد هُويْل في طبيعة الكون (بالانكليزية): «مَن اراد تجنُّب مسألة الخلق يلزم ان يؤمن بأن كل المواد في الكون ازلية الوجود، وهذا غير ممكن. . . . فالهيدروجين يتحوَّل بشكل متواصل الى هليوم وعناصر اخرى . . . اذًا لماذا يتألف الكون في معظمه من هيدروجين؟ فلو كانت المادة ازلية الوجود، لَاستحال ذلك. لذلك نرى انه لا يمكن تحاشي مسألة الخلق ما دام الكون على ما هو عليه».
[الصورة في الصفحتين ١٢ و ١٣]
تبدو شمسنا (في المربع) تافهة في مجرَّة درب التبّانة، كما تَظهر هنا مع المجرَّة اللولبية 5236 NGC
تضمّ درب التبّانة اكثر من ١٠٠ بليون نجم، وهي واحدة فقط من اكثر من ٥٠ بليون مجرَّة في الكون المعروف
[الصورتان في الصفحة ١٤]
ادرك الفلكي ادوين هابل (١٨٨٩-١٩٥٣) ان انزياحا احمر red shift في الضوء الآتي من المجرَّات البعيدة يُظهر ان الكون يتمدَّد، وبالتالي له بداية
[الصورتان في الصفحة ١٩]
ان دقة القوى التي تضبط شمسنا تُنتج ظروفا ملائمة تماما لحياتنا على الارض