الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

معلّم عظيم يوضِح لنا المزيد عن الخالق

معلّم عظيم يوضِح لنا المزيد عن الخالق

الفصل التاسع

معلّم عظيم يوضِح لنا المزيد عن الخالق

كان الشعب في فلسطين في القرن الاول «ينتظر».‏ ينتظر مَن؟‏ «المسيح» او «المسيَّا» الذي تنبأ عنه انبياء اللّٰه قبل قرون.‏ وكان الشعب على ثقة بأن الكتاب المقدس كُتب بتوجيه من اللّٰه ويحتوي على لمحات الى امور مستقبلية.‏ وقد اشارت احداها،‏ في سفر دانيال،‏ الى مجيء المسيح في وقت باكر من القرن الذي يعيشون فيه.‏ —‏ لوقا ٣:‏١٥؛‏ دانيال ٩:‏​٢٤-‏٢٦‏.‏

ولكن كان يلزم ان يحذروا من قيام اشخاص يجعلون انفسهم المسيَّا.‏ (‏متى ٢٤:‏٥‏)‏ ويذكر المؤرخ اليهودي يوسيفوس بعضا منهم:‏ ثوداس،‏ الذي قاد أتباعه الى نهر الاردن وادّعى ان مياهه ستنفلق؛‏ رجل من مصر قاد اناسا الى جبل الزيتون،‏ مؤكدا ان سور اورشليم سينهار بأمر منه؛‏ ودجّال في زمن الوالي فستوس وعد بالراحة من المشاكل.‏ —‏ قارنوا اعمال ٥:‏٣٦؛‏ ٢١:‏٣٨‏.‏

وبالتباين مع هؤلاء الأتباع المخدوعين،‏ فإن مجموعة صارت تُعرف باسم «مسيحيين» رأت في يسوع الناصري معلّما عظيما واعتبرته المسيَّا الحقيقي.‏ (‏اعمال ١١:‏٢٦؛‏ مرقس ١٠:‏٤٧‏)‏ ولم يكن يسوع مسيّا دجّالا؛‏ فقد كانت اوراق اعتماده صحيحة،‏ كما تُسهِب في تأكيده الاسفار التاريخية الاربعة المدعوّة «الاناجيل».‏ * مثلا،‏ كان اليهود يعرفون ان المسيَّا سيولَد في بيت لحم،‏ وأنه سيكون من سلالة داود،‏ وأنه سيصنع عجائب.‏ ويسوع تمَّمها كلها،‏ كما يشهد على ذلك حتى المقاومون.‏ نعم،‏ وفى يسوع بمؤهلات مسيَّا الكتاب المقدس.‏ —‏ متى ٢:‏​٣-‏٦؛‏ ٢٢:‏​٤١-‏٤٥؛‏ يوحنا ٧:‏​٣١،‏ ٤٢‏.‏

ان الجموع التي التقت يسوع ورأت اعماله الخارقة،‏ وسمعت كلمات الحكمة الفريدة التي نطق بها،‏ وأدركت بُعد نظره،‏ اقتنعت بأنه هو المسيَّا.‏ وخلال خدمته (‏٢٩-‏٣٣ ب‌م)‏،‏ اخذت تتزايد البراهين التي تدعم كونه المسيَّا.‏ وفي الواقع،‏ تبيَّن انه اكثر من المسيَّا.‏ فقد استنتج تلميذ مطلّع على الوقائع ان «يسوع هو المسيح ابن اللّٰه».‏ * —‏ يوحنا ٢٠:‏٣١‏.‏

ونظرا الى هذه العلاقة الحميمة بين اللّٰه ويسوع،‏ كان بإمكانه ان يوضح ويكشف صفات خالقنا.‏ (‏لوقا ١٠:‏٢٢؛‏ يوحنا ١:‏١٨‏)‏ وشهد يسوع ان علاقته الحميمة بأبيه بدأت في السماء،‏ حيث كان يعمل عند اللّٰه في جلب كل الاشياء الاخرى،‏ الحية والجامدة،‏ الى الوجود.‏ —‏ يوحنا ٣:‏١٣؛‏ ٦:‏٣٨؛‏ ٨:‏​٢٣،‏ ٤٢؛‏ ١٣:‏٣؛‏ كولوسي ١:‏​١٥،‏ ١٦‏.‏

ويخبر الكتاب المقدس ان الابن نُقل من الحيِّز الروحي وصار ‏«في شبه الناس».‏ (‏فيلبي ٢:‏​٥-‏٨‏)‏ هذا الامر ليس عاديا،‏ ولكن هل هو ممكن؟‏ يؤكد العلماء ان عنصرا طبيعيا،‏ كاليورانيوم،‏ يمكن ان يتحوَّل الى آخر؛‏ حتى انهم يحسبون النتائج حين تتحوَّل الكتلة الى طاقة (‏طا=ك‌سر٢ ‏)‏‏.‏ فلماذا نشك حين يقول الكتاب المقدس ان مخلوقا روحانيا تحوَّل لكي يعيش كبشر؟‏!‏

لإيضاح الامر بطريقة اخرى،‏ فكّروا في ما يفعله بعض الاطباء عند الإخصاب في الانبوب.‏ فالحياة التي تبدأ في «انبوبة اختبار» تُنقل الى رحم امرأة،‏ وبعد ذلك يولد الطفل.‏ وفي حالة يسوع،‏ يؤكد لنا الكتاب المقدس ان حياته نُقلت بواسطة «قوة العلي» الى رحم عذراء تدعى مريم كانت من سلالة داود.‏ وهذا ما مكّن يسوع من ان يكون الوارث الدائم للملكوت المسيَّاني الذي وُعد به داود.‏ —‏ لوقا ١:‏​٢٦-‏٣٨؛‏ ٣:‏​٢٣-‏٣٨؛‏ متى ١:‏٢٣‏.‏

وعلى اساس علاقته الحميمة بالخالق وشبهه له،‏ قال يسوع:‏ «الذي رآني فقد رأى الآب».‏ (‏يوحنا ١٤:‏٩‏)‏ وقال ايضا:‏ «ليس احد يعرف .‏ .‏ .‏ مَن هو الآب إلا الابن ومَن اراد الابن ان يعلِن له».‏ (‏لوقا ١٠:‏٢٢‏)‏ لذلك كلما تعلّمنا عما علّمه يسوع وفعله على الارض،‏ تجلّت لنا شخصية الخالق بأكثر وضوح.‏ فلنتأمل في هذه المسألة،‏ متناولين تجارب رجال ونساء تعاملوا مع يسوع.‏

امرأة سامرية

‏«ألعل هذا هو المسيح».‏ هذا ما سألته امرأة سامرية بعد تحدُّثها الى يسوع لبعض الوقت.‏ (‏يوحنا ٤:‏٢٩‏)‏ حتى انها حثّت الآخرين من مدينة سوخار المجاورة على مقابلة يسوع.‏ فماذا دفعها الى الاعتراف بيسوع بصفته المسيَّا؟‏

التقت هذه المرأة يسوع فيما كان يستريح من السير طوال الصباح في الطرقات المغبَّرة في تلال السامرة.‏ ومع ان يسوع كان تعبا،‏ تحدَّث اليها.‏ ولما لاحظ اهتمامها الروحي الشديد،‏ اخبرها بالحقائق العميقة التي ترتكز على ضرورة ‹السجود للآب بالروح والحق›.‏ وفي النهاية كشف انه هو المسيح،‏ وهذا امر لم يكن قد صرَّح به علنا من قبل.‏ —‏ يوحنا ٤:‏​٣-‏٢٦‏.‏

حمل اللقاء بين المرأة السامرية ويسوع معاني عميقة لها.‏ فقد كانت نشاطاتها الدينية السابقة تركّز على العبادة في جبل جِرِزِّيم وتعتمد فقط على الاسفار الخمسة الاولى من الكتاب المقدس.‏ وكان اليهود يتجنَّبون السامريين الذين كان كثيرون منهم متحدِّرين من مصاهرة اسباط اسرائيل العشرة شعوبا اخرى.‏ ولكن كم كان يسوع مختلفا!‏ فقد كان راغبا في تعليم هذه السامرية،‏ مع ان تفويضه كان الذهاب الى «خراف بيت اسرائيل الضالة».‏ (‏متى ١٥:‏٢٤‏)‏ هنا عكس يسوع رغبة يهوه في قبول الاشخاص المخلصين من جميع الامم.‏ (‏١ ملوك ٨:‏​٤١-‏٤٣‏)‏ نعم،‏ يترفّع يهوه ويسوع كلاهما عن العداوة الدينية التعصُّبية التي تتفشى بالعالم اليوم.‏ ومعرفتنا ذلك ينبغي ان تقرِّبنا الى الخالق وإلى ابنه.‏

وهنالك عبرة اخرى نستمدها من رغبة يسوع في تعليم هذه المرأة.‏ فقد كانت تعيش مع رجل ليس زوجها.‏ (‏يوحنا ٤:‏​١٦-‏١٩‏)‏ لكنَّ يسوع لم يدع ذلك يمنعه من التحدُّث اليها.‏ يمكنكم ان تتخيَّلوا كم قدَّرت دون شك معاملته لها بكرامة.‏ ولم تكن تجربتها فريدة.‏ فعندما انتقد بعض القادة اليهود (‏الفريسيون)‏ على يسوع تناوله العشاء مع خطاة تائبين،‏ قال:‏ «لا يحتاج الاصحّاء الى طبيب بل المرضى.‏ فاذهبوا وتعلّموا ما هو.‏ اني اريد رحمة لا ذبيحة.‏ لأني لم آتِ لأدعو ابرارا بل خطاة الى التوبة».‏ (‏متى ٩:‏​١٠-‏١٣‏)‏ لقد مدَّ يسوع يد المساعدة الى اشخاص يرزحون تحت ثقل خطاياهم —‏ انتهاكاتهم لشرائع اللّٰه او مقاييسه.‏ فكم يبتهج قلبنا حين نعرف ان اللّٰه وابنه يساعدان الذين يعانون المشاكل الناجمة عن مسلكهم الماضي!‏ —‏ متى ١١:‏​٢٨-‏٣٠‏.‏ *

ولا ننسَ ان يسوع،‏ في هذه المناسبة في السامرة،‏ كان يتحدَّث بلطف وتفهُّم الى امرأة.‏ وما العجيب في ذلك؟‏ في ذلك الوقت كان الرجال اليهود يُعلَّمون ضرورة تجنُّب التحدُّث الى النساء في الشارع،‏ حتى الى زوجاتهم.‏ ولم يكن الربَّانيون اليهود يعتبرون النساء قادرات على استيعاب الارشاد الروحي العميق،‏ بل قالوا عنهن انهن «خفيفات العقل».‏ قال البعض:‏ «ان حرق كلمات الشريعة خير من تلاوتها على النساء».‏ وقد ترعرع تلاميذ يسوع في جوّ كهذا؛‏ لذلك عندما عادوا،‏ بدأوا «يتعجبون انه يتكلم مع امرأة».‏ (‏يوحنا ٤:‏٢٧‏)‏ لكنَّ هذه الرواية —‏ هي والكثير غيرها —‏ تُظهر ان يسوع كان في صورة ابيه الذي خلق الذكر والانثى وأولاهما كليهما الحق في الكرامة.‏ —‏ تكوين ٢:‏١٨‏.‏

وبعد ذلك اقنعت المرأة السامرية سكان مدينتها بالاستماع الى يسوع.‏ وفحص كثيرون الوقائع وآمنوا قائلين:‏ «نعلم ان هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم».‏ (‏يوحنا ٤:‏​٣٩-‏٤٢‏)‏ وبما اننا جزء من «عالم» الجنس البشري هذا،‏ يلعب يسوع دورا حيويا بالنسبة الى مستقبلنا نحن ايضا.‏

وجهة نظر صياد سمك

لنلقِ الآن نظرة على يسوع من خلال عيون اثنين من عشرائه الاحماء:‏ اولا بطرس ثم يوحنا.‏ كان هذان الصيادان العاديان بين أتباعه الاولين.‏ (‏متى ٤:‏​١٣-‏٢٢؛‏ يوحنا ١:‏​٣٥-‏٤٢‏)‏ واعتبرهما الفريسيون ‹انسانَين عديمَي العلم وعاميَّين›،‏ من شعب الارض (‏عَم ها أَرِص‏)‏ الذين كان يُنظر اليهم نظرة احتقار لأنهم لم يتعلموا كالربَّانيين.‏ (‏اعمال ٤:‏١٣؛‏ يوحنا ٧:‏٤٩‏)‏ وكثيرون من هذا الشعب،‏ الذين كانوا ‹متعَبين وثقيلي الاحمال› من نير المتمسكين بالتقاليد الدينية،‏ كانوا يتوقون الى الاستنارة الروحية.‏ وعلّق الپروفسور شارل ڠينْيوبير من السُّوربون على ذلك بالقول ان «قلوبهم كانت كلها ليهوِه [يهوَه]».‏ ولم يدر يسوع ظهره لهؤلاء المتواضعين لكسب ودّ اصحاب المال والنفوذ،‏ بل كشف لهم عن الآب من خلال تعاليمه وتعاملاته.‏ —‏ متى ١١:‏​٢٥-‏٢٨‏.‏

ولمس بطرس تعاطف يسوع بطريقة مباشرة.‏ فبُعيد انضمامه الى يسوع في الخدمة،‏ أُصيبت حماة بطرس بحمى.‏ وعندما اتى يسوع الى بيت بطرس وأمسك بيدها،‏ تركتها الحمى!‏ لا نعلم بالتحديد العملية التي انتجت هذا الشفاء،‏ كما ان الاطباء اليوم لا يستطيعون ان يشرحوا كاملا كيف تحدث عملية الشفاء من بعض الامراض،‏ لكنَّ الحمى تركت هذه المرأة.‏ والاهم من معرفة الطريقة التي استخدمها يسوع في الشفاء هو الادراك ان شفاء يسوع للمرضى دليل على انه يتحنن عليهم.‏ فهو يرغب من صميم قلبه في مساعدة الناس،‏ وهذا ما يرغب فيه ابوه ايضا.‏ ‏(‏مرقس ١:‏​٢٩-‏٣١،‏ ٤٠-‏٤٣؛‏ ٦:‏٣٤‏)‏ وكان بإمكان بطرس ان يرى،‏ من خلال تجربته مع يسوع،‏ ان الخالق ينظر الى كل واحد كشخص جدير بالعناية والاهتمام.‏ —‏ ١ بطرس ٥:‏٧‏.‏

وفي وقت لاحق،‏ كان يسوع في دار النساء في هيكل اورشليم.‏ ولاحظ الناس يلقون تبرُّعاتهم في صناديق الخزانة.‏ وكان الاغنياء يلقون فلوسا كثيرة.‏ لكنَّ يسوع ركّز انتباهه على ارملة فقيرة ألقت فلسين قيمتهما ضئيلة جدا.‏ فقال يسوع لبطرس ويوحنا والآخرين:‏ «الحق اقول لكم ان هذه الارملة الفقيرة قد ألقت اكثر من جميع الذين ألقوا في الخزانة.‏ لأن الجميع من فضلتهم ألقوا.‏ وأما هذه فمن اعوازها ألقت كل ما عندها».‏ —‏ مرقس ١٢:‏​٤١-‏٤٤‏.‏

ترون من ذلك ان يسوع كان يبحث عن الصفات الجيدة في الناس،‏ وكان يقدِّر جهود كل شخص.‏ وماذا كان تأثير ذلك في بطرس والرسل الآخرين في رأيكم؟‏ تعرَّف بطرس بصفات يهوه من مثال يسوع،‏ لذلك اقتبس لاحقا من احد المزامير هذه الكلمات:‏ «لأن عيني الرب على الابرار وأذنيه الى طلبتهم».‏ (‏١ بطرس ٣:‏١٢؛‏ مزمور ٣٤:‏​١٥،‏ ١٦‏)‏ أفلا تنجذبون الى خالق وابنه يريدان ان يجدا الصفات الجيدة فيكم ويصغيا الى تضرعاتكم؟‏

بعد نحو سنتين من معاشرة يسوع،‏ كان بطرس متأكدا ان يسوع هو المسيَّا.‏ ففي احدى المرات سأل يسوع تلاميذه:‏ «مَن يقول الناس اني انا»،‏ وتلقى اجوبة مختلفة.‏ ثم سألهم:‏ «وأنتم مَن تقولون اني انا».‏ فأجاب بطرس بثقة:‏ «انت المسيح».‏ وقد تستغربون ما فعله يسوع بعد ذلك.‏ فقد «انتهرهم كي لا يقولوا لأحد» عن ذلك.‏ (‏مرقس ٨:‏​٢٧-‏٣٠؛‏ ٩:‏٣٠؛‏ متى ١٢:‏١٦‏)‏ فلماذا قال هذا؟‏ كان يسوع حاضرا في وسطهم،‏ لذلك لم يرد ان يتوصل الناس الى استنتاجات عنه على اساس ما يسمعونه من اقاويل.‏ وهذا منطقي،‏ أليس كذلك؟‏ (‏يوحنا ١٠:‏​٢٤-‏٢٦‏)‏ الفكرة هنا هي ان خالقنا ايضا يريد منا ان نعرف عنه من خلال تحرِّينا عن ادلة متينة.‏ فهو يتوقع ان تكون اقتناعاتنا مؤسسة على وقائع.‏ —‏ اعمال ١٧:‏٢٧‏.‏

وكما تخيَّلتم على الارجح،‏ لم يعترف بيسوع بعض ابناء بلده،‏ رغم وجود ادلة وافرة على دعم الخالق له.‏ ولم يكن هذا المسيَّا الصادق والمتواضع يروق كثيرين ممَّن كان مركزهم الاجتماعي او اهدافهم السياسية شغلهم الشاغل.‏ وعندما كانت خدمة يسوع تشرف على نهايتها،‏ قال:‏ «يا اورشليم يا قاتلة الانبياء وراجمة المرسَلين اليها كم مرة اردتُ ان اجمع اولادك .‏ .‏ .‏ ولم تريدوا.‏ هوذا بيتكم يُترك لكم خرابا».‏ (‏متى ٢٣:‏٣٧،‏ ٣٨‏)‏ وشكّل هذا التغيير في وضع تلك الامة خطوة كبيرة في تحقيق قصد اللّٰه لمباركة جميع الامم.‏

وبُعيد ذلك سمع بطرس وثلاثة رسل آخرون يسوعَ يتفوَّه بنبوة مفصلة عن «انقضاء الدهر».‏ * وكان لِما انبأ يسوع به اتمام اولي خلال الهجوم الروماني على اورشليم وتدميرها في السنوات ٦٦-‏٧٠ ب‌م.‏ ويؤكد التاريخ ان ما تنبأ به يسوع حدث فعلا.‏ وشهد بطرس امورا كثيرة انبأ بها يسوع،‏ وينعكس ذلك في ١ و ٢ بطرس،‏ وهما سفران كتبهما بطرس.‏ —‏ ١ بطرس ١:‏١٣؛‏ ٤:‏٧؛‏ ٥:‏​٧،‏ ٨؛‏ ٢ بطرس ٣:‏​١-‏٣،‏ ١١،‏ ١٢‏.‏

كان يسوع،‏ خلال خدمته،‏ يُعرب بصبر عن اللطف نحو اليهود حوله.‏ لكنه لم يتردَّد في ادانة الشر.‏ وقد ساعد ذلك بطرس،‏ كما ينبغي ان يساعدنا نحن ايضا،‏ على معرفة خالقنا بشكل اكمل.‏ فعندما رأى بطرس امورا اخرى تتمِّم نبوة يسوع،‏ كتب انه ينبغي للمسيحيين ان يطلبوا «سرعة مجيء يوم الرب».‏ وقال بطرس ايضا:‏ «لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ لكنه يتأنى علينا وهو لا يشاء ان يهلك اناس بل ان يُقبل الجميع الى التوبة».‏ ثم ذكر بطرس كلمات تشجيع عن ‹سموات جديدة وأرض جديدة يسكن فيها البر›.‏ (‏٢ بطرس ٣:‏​٣-‏١٣‏)‏ فهل نقدِّر،‏ كما قدَّر بطرس،‏ صفات اللّٰه المنعكسة في يسوع،‏ وهل نثق بمواعيده بشأن المستقبل؟‏

لماذا مات يسوع؟‏

في الليلة الاخيرة مع الرسل،‏ اشترك يسوع في وجبة خصوصية معهم.‏ وفي وجبات كهذه،‏ كان المضيف اليهودي يُظهر ضيافته بغسل ارجل الضيوف الذين ربما ساروا في طرقات مغبَّرة لابسين صنادل.‏ لكنَّ احدا لم يعرض على يسوع فعل ذلك.‏ فقام بتواضع وأخذ منشفة ومغسلا،‏ وابتدأ يغسل ارجل الرسل.‏ وعندما حان دور بطرس،‏ خجل من قبول هذه الخدمة من يسوع.‏ قال بطرس:‏ «لن تغسل رِجليَّ ابدا».‏ فأجاب يسوع:‏ «إن كنت لا اغسلك فليس لك معي نصيب».‏ وكان يسوع يعرف انه سيموت قريبا،‏ لذلك اضاف:‏ «إن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت ارجلكم فأنتم يجب عليكم ان يغسل بعضكم ارجل بعض.‏ لأني اعطيتكم مثالا حتى كما صنعت انا بكم تصنعون انتم ايضا».‏ —‏ يوحنا ١٣:‏​٥-‏١٧‏.‏

وبعد عقود حثَّ بطرس المسيحيين على التمثُّل بيسوع،‏ ليس بالقيام برتبة غسل ارجل طقسية،‏ بل بخدمة الآخرين بتواضع دون ان ‹يسودوا› عليهم.‏ وأدرك بطرس ايضا ان مثال يسوع يثبت ان «اللّٰه يقاوم المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة».‏ فما اروع هذا الدرس عن الخالق!‏ (‏١ بطرس ٥:‏​١-‏٥؛‏ مزمور ١٨:‏٣٥‏،‏ ع‌ج‏)‏ لكنَّ بطرس تعلّم المزيد.‏

فبعد تلك الوجبة الاخيرة،‏ قاد يهوذا الاسخريوطي،‏ وهو واحد من الرسل لكنه صار سارقا،‏ فرقة مسلّحة لاعتقال يسوع.‏ وفيما كانوا يقبضون عليه،‏ تدخَّل بطرس.‏ فقد استلّ سيفه وجرح شخصا منهم.‏ فقوَّم يسوع بطرس وقال:‏ «ردَّ سيفك الى مكانه.‏ لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون».‏ ثم لمس يسوع الرجل،‏ فيما كان بطرس ينظر،‏ وشفاه.‏ (‏متى ٢٦:‏​٤٧-‏٥٢؛‏ لوقا ٢٢:‏​٤٩-‏٥١‏)‏ فمن الواضح ان يسوع كان يعيش وفق ما علّمه حين ذكر:‏ «احبوا اعداءكم»،‏ وذلك تمثّلا بأبيه الذي «يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين».‏ —‏ متى ٥:‏٤٤،‏ ٤٥‏.‏

وخلال تلك الليلة العصيبة،‏ استمعت المحكمة اليهودية العليا على عجلة الى قضية يسوع.‏ واتُّهم زورا بالتجديف،‏ وأُخذ الى الوالي الروماني،‏ ثم سُلِّم ظلما ليُعدَم.‏ واستهزأ به اليهود والرومان.‏ وعومل معاملة وحشية وفي النهاية عُلِّق.‏ ان الكثير من المعاملة السيئة تمَّم نبوات كُتبت قبل قرون.‏ وحتى الجند الذين كانوا يراقبون يسوع على خشبة الآلام اعترفوا قائلين:‏ «حقا كان هذا ابن اللّٰه».‏ —‏ متى ٢٦:‏٥٧–‏٢٧:‏٥٤؛‏ يوحنا ١٨:‏١٢–‏١٩:‏٣٧‏.‏

لا بد ان هذه التطوُّرات دفعت بطرس وغيره الى السؤال:‏ ‹لماذا كان يلزم ان يموت المسيح؟‏›.‏ لكنهم لم يفهموا إلا لاحقا.‏ فهذه الحوادث تمَّمت النبوة في اشعياء الاصحاح ٥٣ التي اظهرت ان المسيح لن يزوِّد فرصة التحرُّر لليهود فحسب بل لكل الجنس البشري ايضا.‏ كتب بطرس:‏ «حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر.‏ الذي بجَلدته شُفيتم».‏ (‏١ بطرس ٢:‏​٢١-‏٢٥‏)‏ لقد لمس بطرس حقيقة ما ذكره يسوع سابقا:‏ «ابن الانسان لم يأتِ ليُخدم بل ليَخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين».‏ (‏متى ٢٠:‏٢٨‏)‏ نعم،‏ كان على يسوع ان يضحّي بحقه في الحياة كإنسان كامل لكي يشتري من جديد الجنس البشري من الحالة الخاطئة الموروثة عن آدم.‏ وهذا احد تعاليم الكتاب المقدس الرئيسية:‏ الفدية.‏

وعلامَ تشتمل الفدية؟‏ فكروا في الامر بهذه الطريقة:‏ لنفترض انكم تملكون جهاز كمپيوتر،‏ لكنَّ احد ملفاته files الالكترونية أُفسد بسبب خطإ (‏او ڤيروس)‏ كان شخص قد زرعه في برنامج سليم.‏ يفسِّر ذلك تأثير ما فعله آدم حين تمرَّد على اللّٰه بمحض ارادته،‏ او اخطأ.‏ لنتابع المثل.‏ مهما يكن عدد النسخ التي تصنعونها عن هذا الملف الالكتروني الفاسد،‏ فكلها ستحتوي على الخطإ.‏ لكنَّ هذا لا يعني انه يلزم محو كل شيء.‏ فبواسطة برنامج خاص،‏ بإمكانكم اكتشاف وإزالة الخطإ المعطِّل من ملفاتكم وجهازكم.‏ وبشكل مماثل،‏ اخذ الجنس البشري «ڤيروسًا»،‏ هو الخطية،‏ من آدم وحواء،‏ ونحتاج الى مساعدة خارجية لإزالته.‏ (‏رومية ٥:‏١٢‏)‏ ووفقا للكتاب المقدس،‏ زوَّد اللّٰه هذا التطهير بواسطة موت يسوع.‏ انه لَتدبير حبي يمكننا ان نستفيد منه.‏ —‏ ١ كورنثوس ١٥:‏٢٢‏.‏

والتقدير لما فعله يسوع دفع بطرس الى عدم عيش «الزمان الباقي في الجسد لشهوات الناس بل لإرادة اللّٰه».‏ وكان ذلك يعني،‏ بالنسبة الى بطرس وإلينا ايضا،‏ تجنُّب العادات الفاسدة وأنماط الحياة اللاأخلاقية.‏ وقد يحاول الآخرون تسبيب المشاكل للشخص الذي يجاهد لفعل «ارادة اللّٰه».‏ لكنه سيجد ان حياته تصير اغنى وذات معنى اكبر.‏ (‏١ بطرس ٤:‏​١-‏٣،‏ ٧-‏١٠،‏ ١٥،‏ ١٦‏)‏ هذا ما حصل لبطرس،‏ ويمكن ان يحصل لنا نحن حين ‹نستودع انفسنا،‏ او حياتنا،‏ لخالق امين في عمل الخير›.‏ —‏ ١ بطرس ٤:‏١٩‏.‏

تلميذ قدَّر المحبة

كان الرسول يوحنا تلميذا آخر عاشر يسوع معاشرة لصيقة،‏ لذلك يمكنه ان يساعدنا على معرفة الخالق بشكل اكمل.‏ كتب يوحنا انجيلا وثلاث رسائل ‏(‏١،‏ ٢،‏ و ٣ يوحنا‏)‏.‏ وفي احدى رسائله،‏ اوضح لنا هذا الامر:‏ «نعلم ان ابن اللّٰه قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف [الخالق] الحق.‏ ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح.‏ هذا هو الاله الحق والحياة الابدية».‏ —‏ ١ يوحنا ٥:‏٢٠‏.‏

ان معرفة يوحنا ‹للخالق الحق› شملت استخدام «بصيرة».‏ فماذا تبيَّن ليوحنا عن صفات الخالق؟‏ كتب:‏ «اللّٰه محبة ومَن يثبت في المحبة يثبت في اللّٰه».‏ وماذا جعل يوحنا يذكر ذلك وله ملء الثقة؟‏ «في هذا هي المحبة ليس اننا نحن احببنا اللّٰه بل انه هو احبنا وأرسل ابنه» ليقدِّم لأجلنا ذبيحة فدائية.‏ (‏١ يوحنا ٤:‏​١٠،‏ ١٦‏)‏ فكما تأثر بطرس،‏ تأثر يوحنا ايضا بمحبة اللّٰه المعرَب عنها بإرسال ابنه ليموت لأجلنا.‏

وبما ان يوحنا كان مقرَّبا جدا الى يسوع،‏ كان بإمكانه ان يعرف مشاعره.‏ وثمة حادثة في بيت عنيا،‏ قرب اورشليم،‏ تركت انطباعا عميقا في يوحنا.‏ كان يسوع قد تلقى خبرا مفاده ان صديقه لعازر مريض جدا.‏ فقصد يسوع بيت عنيا.‏ وعندما وصل هو والرسل الى هناك،‏ كان لعازر قد مات قبل اربعة ايام على الاقل.‏ كان يوحنا يعرف ان الخالق،‏ ينبوع الحياة البشرية،‏ يدعم يسوع.‏ فهل كان بإمكان يسوع ان يقيم لعازر؟‏ (‏لوقا ٧:‏​١١-‏١٧؛‏ ٨:‏​٤١،‏ ٤٢،‏ ٤٩-‏٥٦‏)‏ قال يسوع لمرثا اخت لعازر:‏ «سيقوم اخوك».‏ —‏ يوحنا ١١:‏​١-‏٢٣‏.‏

ثم رأى يوحنا مريم،‏ اخت لعازر الاخرى،‏ تأتي للقاء يسوع.‏ فماذا كان رد فعل يسوع؟‏ «انزعج بالروح واضطرب».‏ لكي يصف يوحنا رد فعل يسوع،‏ استخدم كلمة يونانية (‏تُرجمت الى «انزعج» بالعربية)‏ تحمل معنى التعبير عن الانفعالات العميقة الناجمة عن تعصُّر القلب حزنا.‏ وكان بإمكان يوحنا ان يرى يسوع ‹يضطرب›،‏ او تجيش نفسه من الحزن الشديد.‏ لم يكن يسوع باردا او غير مبالٍ.‏ فقد «بكى».‏ (‏يوحنا ١١:‏​٣٠-‏٣٧‏)‏ فمن الواضح ان يسوع كان يكنّ مشاعر عميقة ورقيقة،‏ وهذا ما ساعد يوحنا على ادراك مشاعر الخالق،‏ وينبغي ان يساعدنا نحن ايضا.‏

وعرف يوحنا ان مشاعر يسوع ترتبط بأعمال ايجابية،‏ لأنه سمع يسوع يصرخ:‏ «لعازر هلم خارجا».‏ وهذا ما حدث.‏ فقد عاد لعازر الى الحياة وخرج من القبر.‏ ويا للفرح الذي غمر دون شك اختيه والمتفرِّجين الآخرين!‏ وآمن كثيرون بيسوع.‏ ولم يكن بإمكان اعدائه ان ينكروا إقامته لعازر،‏ ولكن عندما انتشر الخبر،‏ ‹تشاوروا ليقتلوا لعازر› ويسوع ايضا.‏ —‏ يوحنا ١١:‏٤٣؛‏ ١٢:‏​٩-‏١١‏.‏

يصف الكتاب المقدس يسوع بأنه «رسم جوهر» الخالق.‏ (‏عبرانيين ١:‏٣‏)‏ وهكذا زوَّدت خدمته دليلا وافرا على رغبته ورغبة ابيه الشديدتَين في إبطال ويلات المرض والموت.‏ ولا يتوقف ذلك عند القيامات القليلة المسجلة في الكتاب المقدس.‏ فقد كان يوحنا حاضرا عندما سمع يسوع يقول:‏ ‹تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور [«التذكارية»،‏ ع‌ج‏] صوته فيخرجون›.‏ (‏يوحنا ٥:‏​٢٨،‏ ٢٩‏)‏ لاحظوا انه بدلا من استعمال الكلمة المألوفة التي تقابل «قبر»،‏ استخدم يوحنا كلمة تُنقل الى ‹قبور تذكارية›.‏ ولماذا؟‏

يتعلق الامر بذاكرة اللّٰه.‏ فخالق الكون الرحب قادر طبعا ان يتذكر كل التفاصيل عن كل شخص من احبائنا الموتى،‏ بما في ذلك ميزاته الفطرية والمكتسبة.‏ (‏قارنوا اشعياء ٤٠:‏٢٦‏.‏)‏ والامر يتعدى كونه قادرا على التذكر.‏ فهو وابنه على السواء يريدان التذكر.‏ قال ايوب الامين عن اللّٰه في ما يتعلق برجاء القيامة الرائع:‏ «إن مات رجل أفيحيا.‏ .‏ .‏ .‏ تدعو [يا يهوه] فأنا اجيبك.‏ تشتاق الى عمل يدك».‏ (‏ايوب ١٤:‏​١٤،‏ ١٥؛‏ مرقس ١:‏​٤٠-‏٤٢‏)‏ فما اروع خالقنا؛‏ انه فعلا يستحق عبادتنا!‏

يسوع المقام —‏ مفتاح الى حياة ذات معنى

كان يوحنا،‏ التلميذ الحبيب،‏ يراقب يسوع عن قرب حتى موته.‏ والاكثر من ذلك،‏ سجّل يوحنا اعظم قيامة حصلت على الاطلاق،‏ حادثة وضعت اساسا متينا لتمتُّعنا بحياة مديدة وذات معنى.‏

تسبَّب اعداء يسوع بإعدامه،‏ اذ سُمِّر على خشبة كأيّ مجرم.‏ وهزأ به المتفرِّجون —‏ بمَن فيهم القادة الدينيون —‏ وهو يتألم طوال ساعات.‏ ومع ان يسوع كان يتعذب على الخشبة،‏ رأى امه وقال لها عن يوحنا:‏ «يا امرأة هوذا ابنك».‏ لا بد ان مريم كانت عندئذ ارملة،‏ ولم يكن اولادها الآخرون قد صاروا تلاميذ بعد.‏ * لذلك ائتمن يسوع تلميذه يوحنا على الاعتناء بأمه التي تقدَّمت بها السن.‏ يعكس ذلك ايضا تفكير الخالق الذي شجّع على الاعتناء بالارامل واليتامى.‏ —‏ يوحنا ٧:‏٥؛‏ ١٩:‏​١٢-‏٣٠؛‏ مرقس ١٥:‏​١٦-‏٣٩؛‏ يعقوب ١:‏٢٧‏.‏

ولكن عندما مات يسوع،‏ كيف كان سيتمكن من اتمام دوره ‹كنسل تتبارك فيه جميع امم الارض›؟‏ (‏تكوين ٢٢:‏١٨‏)‏ ان يسوع،‏ بموته بعد ظهر ذلك اليوم من شهر نيسان سنة ٣٣ ب‌م،‏ ضحى بحياته كأساس للفدية.‏ ولا بد ان اباه المرهف الاحساس تألم عندما رأى العذاب الذي عاناه ابنه البريء.‏ ولكن بهذه الطريقة،‏ تَوفَّر ثمن الفدية الضروري لتحرير الجنس البشري من عبودية الخطية والموت.‏ (‏يوحنا ٣:‏١٦؛‏ ١ يوحنا ١:‏٧‏)‏ وقد مهَّد ذلك الطريق لنتيجة حاسمة.‏

بما ان يسوع المسيح يلعب دورا رئيسيا في تحقيق مقاصد اللّٰه،‏ كان لا بد ان يعود الى الحياة.‏ وهذا ما حدث،‏ وكان يوحنا شاهدا على ذلك.‏ ففي وقت باكر من اليوم الثالث بعد موت يسوع ودفنه،‏ ذهب بعض التلاميذ الى القبر.‏ فكان فارغا.‏ وبقوا متحيِّرين من ذلك الى ان ظهر يسوع لأشخاص مختلفين.‏ فقد اخبرت مريم المجدلية «انها رأت الرب»،‏ لكنَّ التلاميذ لم يصدِّقوا شهادتها.‏ وبعد ذلك اجتمع التلاميذ في غرفة مغلقة وظهر يسوع ثانية،‏ حتى انه تحدَّث اليهم.‏ وبعد ايام،‏ صار اكثر من ٥٠٠ رجل وامرأة شهود عيان على ان يسوع حيّ فعلا.‏ وكان بإمكان المتشككين في ذلك الوقت ان يقابلوا هؤلاء الشهودَ العدْلَ ويتحققوا من شهادتهم.‏ وكان المسيحيون متأكدين ان يسوع أُقيم،‏ وأنه حيّ ككائن روحاني مثلما هو الخالق.‏ وكانت الادلة على ذلك وافرة وموثوقا بها حتى ان كثيرين واجهوا الموت ولم ينكروا قيامة يسوع.‏ —‏ يوحنا ٢٠:‏​١-‏٢٩؛‏ لوقا ٢٤:‏​٤٦-‏٤٨؛‏ ١ كورنثوس ١٥:‏​٣-‏٨‏.‏ *

وعانى الرسول يوحنا ايضا الاضطهاد من اجل الشهادة بقيامة يسوع.‏ (‏رؤيا ١:‏٩‏)‏ ولكن عندما كان في منفاه الجزائي،‏ تلقى مكافأة غير عادية.‏ فقد اعطاه يسوع سلسلة من الرؤى تعرِّفنا بالخالق بشكل اكثر وضوحا وتكشف عما سيجلبه المستقبل.‏ وستجدون ذلك في سفر الرؤيا‏،‏ الذي يستعمل رموزا كثيرة.‏ ويُصوَّر يسوع المسيح هنا كملك منتصر سيكمل قريبا غلبته على اعدائه.‏ ويشمل هؤلاء الاعداء الموت (‏عدو لنا جميعا)‏ والمخلوق الروحاني الفاسد الذي يدعى الشيطان.‏ —‏ رؤيا ٦:‏​١،‏ ٢؛‏ ١٢:‏​٧-‏٩؛‏ ١٩:‏١٩–‏٢٠:‏​٣،‏ ١٣،‏ ١٤‏.‏

ونحو نهاية رسالته الرؤيوية،‏ نال يوحنا رؤيا عن زمن تصير فيه الارض فردوسا.‏ ووصف صوتٌ الاحوال التي ستسود آنذاك:‏ «اللّٰه نفسه يكون مع [الناس] الها لهم.‏ وسيمسح اللّٰه كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون في ما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد لأن الامور الاولى قد مضت».‏ (‏رؤيا ٢١:‏​٣،‏ ٤‏)‏ وتحقيقا لقصد اللّٰه،‏ سيتمّ وعد اللّٰه لإبراهيم.‏ —‏ تكوين ١٢:‏٣؛‏ ١٨:‏١٨‏.‏

عندئذ ستكون الحياة ‹حياة حقيقية›،‏ مثلما كانت عندما خُلق آدم.‏ (‏١ تيموثاوس ٦:‏١٩‏،‏ ع‌ج‏)‏ ولن يتلمّس الجنس البشري ثانية طريقه ليجد خالقه وليفهم علاقته به.‏ ولكن قد تسألون:‏ ‹متى سيحدث ذلك؟‏ ولماذا يسمح خالقنا المهتم بوجود الشر والالم حتى هذا الوقت؟‏›.‏ لنتأمل في هذين السؤالين في الفصل التالي.‏

‏[الحواشي]‏

^ ‎الفقرة 5‏ كان متى،‏ مرقس،‏ و يوحنا شهود عيان.‏ أما لوقا فقام بدراسة علمية للوثائق والشهادات المستقاة من مصادرها مباشرة.‏ وتحتوي الاناجيل على سمات الوثائق الصحيحة والدقيقة والجديرة بالثقة.‏ —‏ انظروا كتاب لكل الناس،‏ الصفحتين ١٦-‏١٧‏،‏ اصدار جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس في نيويورك.‏

^ ‎الفقرة 6‏ يقول القرآن:‏ «اسمُه المسيح عيسى ابنُ مريم وجيهًا في الدُّنيا والآخِرة».‏ (‏سورة آل عمران [٣]:‏٤٥)‏ فكإنسان،‏ كان عيسى (‏يسوع)‏ ابن مريم.‏ ولكن ماذا عن الأب؟‏ يذكر القرآن:‏ «إن مَثَل عيسى عند اللّٰه كمَثَل آدم».‏ (‏سورة آل عمران [٣]:‏٥٩)‏ وتقول الاسفار المقدسة ان آدم هو «ابن اللّٰه».‏ (‏لوقا ٣:‏​٢٣،‏ ٣٨‏)‏ فلم يكن لآدم او عيسى اب بشري،‏ ولا اتيا نتيجة علاقات جنسية بامرأة.‏ لذلك كما كان آدم ابن اللّٰه،‏ كذلك كان عيسى.‏

^ ‎الفقرة 15‏ ان موقف يسوع مماثل لموقف يهوه،‏ كما هو موصوف في المزمور ١٠٣ وفي اشعياء ١:‏​١٨-‏٢٠‏.‏

^ ‎الفقرة 45‏ اثنان منهم على الاقل صارا لاحقا تلميذَين وكتبا رسالتَي تشجيع موجودتَين في الكتاب المقدس،‏ وهما يعقوب و يهوذا‏.‏

^ ‎الفقرة 47‏ سمع مسؤول روماني عالي الرتبة شهادة بطرس الذي كان شاهد عيان:‏ «انتم تعلمون الامر الذي صار في كل اليهودية .‏ .‏ .‏ هذا اقامه اللّٰه في اليوم الثالث وأعطى ان يصير ظاهرا .‏ .‏ .‏ وأوصانا ان نكرز للشعب ونشهد بأن هذا هو المعيَّن من اللّٰه ديانا للاحياء والاموات».‏ —‏ اعمال ٢:‏٣٢؛‏ ٣:‏١٥؛‏ ١٠:‏​٣٤-‏٤٢‏.‏

‏[الاطار في الصفحة ١٥٠]‏

قد يسرُّكم ان تقارنوا بين الروايات المتناظرة عن شفاء يسوع لحماة بطرس.‏ (‏متى ٨:‏​١٤-‏١٧؛‏ مرقس ١:‏​٢٩-‏٣١؛‏ لوقا ٤:‏​٣٨،‏ ٣٩‏)‏ فقد ادرج الطبيب لوقا نقطة طبية تفصيلية وقال انها تعاني «حمى شديدة».‏ وماذا مكّن يسوع من شفائها وشفاء غيرها؟‏ اعترف لوقا بأنه «كانت قوة الرب [عليه] لشفائهم».‏ —‏ لوقا ٥:‏١٧؛‏ ٦:‏١٩؛‏ ٩:‏٤٣‏.‏

‏[الاطار في الصفحة ١٥٢]‏

اعظم موعظة على الاطلاق

يُقتبس من الزعيم الهندوسي موهانداس غاندي قوله انه باتِّباع تعاليمها «نحلّ مشاكل .‏ .‏ .‏ العالم بأسره».‏ وكتب عالم الانسان الشهير آشلي مونتاڠو ان الاكتشافات الحديثة حول اهمية المحبة من الناحية النفسية هي «تصديق على صحة» هذه الموعظة.‏

كان هذان الرجلان يشيران الى موعظة يسوع على الجبل.‏ وقال غاندي ايضا ان «تعليم الموعظة هو لكل واحد منا».‏ وذكر الپروفسور هانس دايْتر بَتْس مؤخرا:‏ «ان تأثيرات الموعظة على الجبل تخطّت عموما حدود اليهودية والمسيحية،‏ او حتى الحضارة الغربية».‏ وأضاف ان هذه الموعظة لها «جاذبية عالمية خاصة».‏

فلمَ لا تقرأون هذه المحاضرة الرائعة والقصيرة نسبيا؟‏ تجدونها في متى الاصحاحات ٥ الى ٧ وفي لوقا ٦:‏​٢٠-‏٤٩‏.‏ وإليكم بعض النقاط البارزة من هذه الموعظة العظمى:‏

كيف تكونون سعداء —‏ متى ٥:‏​٣-‏١٢؛‏ لوقا ٦:‏​٢٠-‏٢٣‏.‏

كيف تحافظون على احترام الذات —‏ متى ٥:‏​١٤-‏١٦،‏ ٣٧؛‏ ٦:‏​٢-‏٤،‏ ١٦-‏١٨؛‏ لوقا ٦:‏​٤٣-‏٤٥‏.‏

كيف تحسّنون علاقتكم بالآخرين —‏ متى ٥:‏​٢٢-‏٢٦،‏ ٣٨-‏٤٨؛‏ ٧:‏​١-‏٥،‏ ١٢؛‏ لوقا ٦:‏​٢٧-‏٣٨،‏ ٤١،‏ ٤٢‏.‏

كيف تقلّلون المشاكل الزوجية —‏ متى ٥:‏​٢٧-‏٣٢‏.‏

كيف تواجهون القلق —‏ متى ٦:‏​٢٥-‏٣٤‏.‏

كيف تكشفون الخداع الديني —‏ متى ٦:‏​٥-‏٨،‏ ١٦-‏١٨؛‏ ٧:‏​١٥-‏٢٣‏.‏

كيف تجدون معنى الحياة —‏ متى ٦:‏​٩-‏١٣،‏ ١٩-‏٢٤،‏ ٣٣؛‏ ٧:‏​٧-‏١١،‏ ١٣،‏ ١٤،‏ ٢٤-‏٢٧؛‏ لوقا ٦:‏​٤٦-‏٤٩‏.‏

‏[الاطار في الصفحة ١٥٩]‏

صاحب همّة عالية

لم يكن يسوع المسيح يعيش حياة زُهد خالية من النشاطات،‏ بل كان صاحب همّة عالية لا يعرف التردُّد.‏ فقد ‹طاف القرى وهو يعلّم›،‏ مساعدا الناس الذين كانوا «منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها».‏ (‏مرقس ٦:‏٦؛‏ متى ٩:‏٣٦؛‏ لوقا ٨:‏١‏)‏ وبخلاف كثيرين من القادة الدينيين الاغنياء اليوم،‏ لم يجمع يسوع ثروة؛‏ فلم يكن له «اين يسند رأسه».‏ —‏ متى ٨:‏٢٠‏.‏

وفيما كان يسوع يركّز جهوده على الشفاء والطعام الروحيَّين،‏ لم يتجاهل حاجات الناس المادية.‏ فقد شفى المرضى والمعاقين ومَن فيهم شياطين.‏ (‏مرقس ١:‏​٣٢-‏٣٤‏)‏ وفي مناسبتَين اطعم آلاف الاشخاص الذين كانوا متعطشين الى الاستماع له لأنه اشفق عليهم.‏ (‏مرقس ٦:‏​٣٥-‏٤٤؛‏ ٨:‏​١-‏٨‏)‏ وكان يصنع العجائب لأنه يهتمّ بأمر الناس.‏ —‏ مرقس ١:‏​٤٠-‏٤٢‏.‏

ولم يتردَّد يسوع حين اخرج التجار الجشعين من الهيكل.‏ والذين كانوا يراقبون ما يجري تذكروا كلمات صاحب المزمور:‏ «غيرة بيتك اكلتني».‏ (‏يوحنا ٢:‏​١٤-‏١٧‏)‏ ولم يُحجِم عن الكلام القاسي حين دان القادة الدينيين المرائين.‏ (‏متى ٢٣:‏​١-‏٣٩‏)‏ ولم يستسلم للضغط الذي مارسته الشخصيات البارزة سياسيا.‏ —‏ متى ٢٦:‏​٥٩-‏٦٤؛‏ يوحنا ١٨:‏​٣٣-‏٣٧‏.‏

ستشعرون بالاثارة حين تقرأون عن خدمة يسوع النشيطة.‏ وكثيرون ممَّن يقرأون عنها لأول مرة يبدأون برواية مرقس القصيرة،‏ لكن المفعمة بالحيوية،‏ عن هذا الرجل صاحب الهمّة العالية.‏

‏[الاطار في الصفحة ١٦٤]‏

يسوع دفعهم الى العمل

نجد في سفر الاعمال سجلا تاريخيا يروي كيف شهد بطرس ويوحنا وغيرهما على قيامة يسوع.‏ ويسرد جزء كبير من السفر احداثا تتعلق بأحد التلاميذ المتمرِّسين بالناموس ويدعى شاول،‏ او بولس،‏ الذي كان يقاوم المسيحية بعنف.‏ فظهر له يسوع المقام.‏ (‏اعمال ٩:‏​١-‏١٦‏)‏ وبوجود دليل لا جدال فيه على ان يسوع حيّ في السماء،‏ اخذ بولس يشهد بغيرة على ذلك لليهود وغير اليهود،‏ بمَن فيهم فلاسفة وحكام.‏ ومن المثير ان نقرأ ما قاله لأشخاص مثقَّفين ولأصحاب نفوذ كهؤلاء.‏ —‏ اعمال ١٧:‏​١-‏٣،‏ ١٦-‏٣٤؛‏ ٢٦:‏​١-‏٢٩‏.‏

وطوال بضعة عقود كتب بولس اسفارا كثيرة مما يدعى «العهد الجديد»،‏ او «الاسفار اليونانية المسيحية».‏ يتضمن معظم الكتب المقدسة قائمة محتويات،‏ او جدول اسفار.‏ وقد كتب بولس ١٤ سفرا منها،‏ من رومية الى العبرانيين.‏ وزوَّدت هذه الاسفار حقائق عميقة وإرشادا حكيما للمسيحيين في ذلك الوقت.‏ ولها قيمة اكبر بالنسبة الينا،‏ لأننا لا نستطيع الاتصال بالرسل وبأيّ شهود عيان آخرين على تعاليم يسوع وأعماله وقيامته.‏ وستجدون ان كتابات بولس قادرة ان تساعدكم في حياتكم العائلية،‏ في تعاملاتكم مع زملائكم في العمل وجيرانكم،‏ وفي توجيه حياتكم بحيث تصبح ذات معنى وتجلب لكم السرور.‏

‏[الصورة في الصفحة ١٤٦]‏

يقوم العلماء بالإخصاب في الانبوب.‏ ونقل الخالق حياة ابنه ليصير انسانا

‏[الصورة في الصفحة ١٤٨]‏

كثيرون ممَّن سمعوا يسوع ورأوا كيف يتعامل مع البشر صاروا يعرفون اباه بشكل افضل

‏[الصورة في الصفحة ١٥٤]‏

غسل يسوع ارجل الرسل،‏ راسما مثالا في التواضع الذي يقدِّره الخالق

‏[الصورة في الصفحة ١٥٧]‏

ان الخطأ (‏او الڤيروس)‏ في الكمپيوتر يمكن ازالته من النظام؛‏ ويحتاج الجنس البشري الى فدية يسوع ليتخلص من حالة النقص الموروثة

‏[الصورة في الصفحة ١٦٣]‏

رأى شهود عيان يسوع وهو يوضع في قبر (‏مثل هذا)‏،‏ ويُقام الى الحياة في اليوم الثالث