تمثَّل بأنبياء الله
هل من وجه شبه بينك وبين الانبياء القدماء؟ يذكر كتاب أبقِ يوم يهوه في ذهنك في الصفحة ٩، الفقرتين ١١ و ١٢: «النبي كان شخصا يتمتع بعلاقة لصيقة بالله وغالبا ما استُخدم لكشف امور ستحدث في المستقبل . . . كثيرا ما استخدم الله الانبياء كناطقين بلسانه ليُخبروا الآخرين بمشيئته». ومع انك لا تتنبأ عن المستقبل، فأنت تنطق بلسان الله اذ تخبر الآخرين بمشيئته، وتعاليمه، ووصاياه، وأحكامه المدونة في الكتاب المقدس. — مت ٢٤:١٤.
ويا له من امتياز رائع ان نخبر الناس عن يهوه الله ونعلِّمهم ما هي مشيئته لهم! فنحن نعمل جنبا الى جنب مع ‹الملاك الطائر في وسط السماء›. (رؤ ١٤:٦) لكننا قد نواجه تحديات تنسينا روعة امتيازنا. ما هو بعض هذه التحديات؟ قد نحس بالتعب، او التثبط، او عدم القيمة. وحال الانبياء الامناء في الماضي لم يكن مختلفا. لكنهم لم يستسلموا، ويهوه ساعدهم ليتمموا تعييناتهم. لنتأمل في بعض الامثلة ونرَ كيف لنا ان نقتدي بهم.
تفانَوا في اتمام مهمتهم
قد يستبد بنا التعب احيانا نتيجة نشاطاتنا اليومية، فلا نقوى على الاشتراك في الخدمة. بالطبع نحن بحاجة الى الراحة، حتى يسوع والرسل احتاجوا اليها. (مر ٦:٣١) لكن فكِّر في حزقيال وفي مهمته وهو في بابل بين الاسرائيليين الذين أُسروا من اورشليم. فقد طلب الله منه ذات مرة ان يأخذ حجرا من اللبن وينقش عليه مدينة اورشليم، ثم يضرب حصارا مجازيا على مجسَّم المدينة الصغير مستلقيا على جنبه الايسر ٣٩٠ يوما ثم على جنبه الايمن ٤٠ يوما. وقال يهوه لحزقيال: «ها انا اضع عليك حبالا لئلا تتقلب من جنب الى آخر حتى تتمم ايام حصارك». (حز ٤:١-٨) ولا بد ان ذلك استأثر بانتباه الاسرائيليين المسبيين. فطوال اكثر من سنة، وجب على حزقيال ان يبقى في هذه الوضعية المتعبة جسديا. فكيف تمكن من انجاز مهمته؟
ادرك حزقيال لماذا ارسله الله نبيًّا الى الاسرائيليين. فقد سبق ان قال له: «سواء أسمعوا ام امتنعوا . . . سيعلمون ان نبيًّا كان بينهم». (حز ٢:٥) فحزقيال ابقى في باله الهدف من مهمته. لذا مثَّل بكل طوعية الحصار الرمزي على اورشليم مثبتا انه نبي حقيقي. ولاحقا، وصل الى مسامعه هو ورفاقه المسبيين تقرير مفاده: «قد ضُربت المدينة!». نعم، علم الاسرائيليون ان نبيًّا كان بينهم. — حز ٣٣:٢١، ٣٣.
واليوم، نحن نحذر الناس من الدمار الوشيك لنظام اشياء الشيطان برمته. وبالرغم من تعبنا الجسدي، نسخِّر طاقتنا للكرازة بكلمة الله وعقد الزيارات المكررة والدروس البيتية في الكتاب المقدس. وفيما تتم النبوات عن اختتام هذا النظام، نشعر بالاكتفاء لأننا ‹ننطق بلسان الله مخبرين الآخرين بمشيئته›.
حارَبوا التثبط
مع اننا نتفانى في خدمة يهوه بمعونة روحه، قد نتثبط بين الحين والآخر بسبب رد فعل الناس تجاه رسالتنا. لذا يحسن بنا ان نتذكر مثال النبي ارميا. فقد تعرض للاستهزاء والاهانات لأنه اعلن رسالة الله الى الاسرائيليين. حتى انه قال مرة: «لا اذكره، ولا اتكلم بعد باسمه». فإرميا كان مثلنا انسانا له مشاعر. الا انه تابع نقل رسالة الله. وما السبب؟ اضاف هو نفسه قائلا: «كانت كلمته في قلبي كنار متقدة قد حُبست في عظامي، فتعبت من الامساك ولم أقوَ على الاحتمال». — ار ٢٠:٧-٩.
بصورة مماثلة، ان شعرنا بالتثبط بسبب عدم تجاوب الناس مع رسالتنا، فلنحارب هذه المشاعر بالتأمل في الرسالة التي نعلنها. وحين نعتاد على قراءة الكتاب المقدس يوميا، تصبح هذه الرسالة مثل ‹نار قد حُبست في عظامنا› وتبقى متقدة في داخلنا مهما طالت الايام.
تغلبوا على المشاعر السلبية
احسَّ بعض المسيحيين بالضياع حين أُوكلت اليهم تعيينات لم يفهموا تماما السبب وراءها او كيف لهم ان ينجزوها. وربما هذا ما شعر به النبي هوشع. فيهوه امره: «اذهب واتخذ لنفسك زوجة ستصير عاهرة تنجب لك اولاد عهارة». (هو ١:٢) تخيل شعورك لو انك تنوي ان تتزوج من فتاة لكن الله يقول لك ان عروسك ستصير عاهرة! قبل هوشع هذا التعيين واتخذ جومر زوجة له. فولدت ابنا، ثم ابنة وابنا. وكما يبدو، كان الولدان الاخيران ابني زنى. فيهوه اخبر هوشع مسبقا ان زوجته المقبلة سوف «تسعى وراء عشاقها». لاحظ صيغة الجمع في كلمة «عشاقها». ثم قال له انها ستحاول العودة اليه. لو كنت مكان هوشع، فهل ترد زوجتك؟ هذا بالضبط ما طُلب من هوشع! حتى انه اشتراها لنفسه من جديد بمبلغ ليس بزهيد. — هو ٢:٧؛ ٣:١-٥.
ربما تساءل هوشع ما الفائدة المرجوة من اتمام هذا التعيين. لكنه قبل دوره في المسرحية وعاش الواقع بكل امانة. وهذا ما حسَّسنا بمدى الالم الذي حزّ في قلب الهنا القدير حين خانته امة اسرائيل. وفي الواقع، تأثر بعض الاسرائيليين الطيبي القلب وعادوا فعلا الى الله.
لا يطلب الله من احد اليوم ان ‹يتخذ لنفسه زوجة ستصير عاهرة›. ولكن اي درس نتعلمه من طوعية هوشع بقبول مهمة كهذه؟ احد الدروس هو ان نكون على استعداد للكرازة ببشارة الملكوت «علانية ومن بيت الى بيت» حتى لو كان ذلك تحديا كبيرا بالنسبة الينا. (اع ٢٠:٢٠) فلعلك تجد صعوبة في بعض اوجه عمل الكرازة بالملكوت. فقد علَّق عدد ليس بقليل ممن يدرسون مع شهود يهوه قائلين انهم يتمتعون بدراسة الكتاب المقدس، لكنهم لن يشتركوا اطلاقا في نشر البشارة من باب الى باب. الا ان العديد منهم بدأوا لاحقا يفعلون ما ظنوا سابقا انه من رابع المستحيلات بالنسبة اليهم. فيا له من درس بالغ الاهمية!
ونستخلص درسا آخر من قبول هوشع تعيينا صعبا. فقد كان في وسعه ان يستعفي من تأدية دوره في المسرحية الرمزية. ومَن بين البشر كان سيعرف بذلك لو لم يكتب هو بنفسه الرواية في سفره؟! نحن ايضا قد نجد انفسنا امام فرصة لنخبر شخصا ما عن يهوه ولا احد غيرنا سيدري بالامر. هذا ما حدث مع طالبة في مدرسة ثانوية في الولايات المتحدة تدعى أنّا. فقد طلبت المعلمة من التلاميذ ان يكتبوا مقالة حول موضوع او قضية هم مقتنعون بها كل الاقتناع، ثم يحاولوا اقناع رفاقهم في الصف. كان يمكن ان تفوِّت أنّا هذه الفرصة لتقديم الشهادة، لكنها احست ان الله هو من هيأها لها. وفكَّرت جيدا في الاثر الذي سيتركه موضوعها، فسكبت قلبها امام يهوه في الصلاة. وهذا اشعل داخلها رغبة قوية في اغتنام الفرصة. فما كان منها الا ان كتبت مقالة بعنوان: «التطور: تأمل في الادلة».
وحين قرأت أنّا مقالتها على مسمع رفاقها، انهالت عليها بالاسئلة فتاة معروفة بتأييدها نظرية التطور. لكن أنّا نجحت في الدفاع عن موقفها، مما أثار اعجاب المعلمة ودفعها ان تقدِّم لها جائزة المقالة الاكثر اقناعا. ومذاك تدور بين أنّا ورفيقتها المزيد من المناقشات حول موضوع الخلق. وقد حصدت أنّا فائدة كبيرة نتيجة قبولها هذا «التعيين» من يهوه. تقول: «انا الآن اكرز بالبشارة بكل ثقة وجرأة».
فرغم اننا لسنا انبياء بالمعنى المطلق للكلمة، اذا اعربنا عن روح التضحية بالذات تمثلا بالانبياء مثل حزقيال وإرميا وهوشع، ننجح نحن ايضا في اتمام مشيئة يهوه لنا اليوم. فلمَ لا تحاول خلال العبادة العائلية او الدرس الشخصي ان تقرأ عن انبياء قدماء آخرين وتفكر مليا كيف تتمثل بهم؟